تقديم


إنسانيات عدد 74| 2016| المرأة في البلدان العربية: التغيّرات الاجتماعية والسياسية| ص.7-10 |النص الكامل


 
يهتمّ هذا العدد من إنسانيات بالتغيّرات الاجتماعيّة والسياسيّة التي تشهدها عدة بلدان عربية خلال هذه السنوات الأخيرة، وبالدّور الذي تلعبه المرأة في هذه السيرورات والحركات الحضرية بشكل عام. لقد تميّز الشأن العام بوجود المرأة من خلال تجنّدها وتقوية مشاركتها السياسية التي أقصيت منها لمدّة طويلة.

لقد شكّلت مسألة المساواة والمشاركة والتمثيل السياسي والمحاصصة والمناصفة وولوج المرأة إلى مناصب المسؤولية فرصة من أجل إعادة فتح نقاش ليس بالجديد، يجد جذوره في حركات النضال من أجل حقوق المرأة التي تعود إلى منتصف القرن الماضي. وأبعد من هذه الأسئلة التي تهمّ الحقل السياسي، فإنّ مطالب النساء تتمحور، كما هو الشأن أيضا بالنسبة للرجال، حول احترام حقوقهن وكرامتهن بوصفهنّ أشخاصا ومواطنات بشكل تام. وهكذا، فإنّ التعبئة التي أحدثها "الفعل الثوري" كانت بالنسبة للنساء مناسبة لشجب المظالم التي تتعرضن لها ولعرض مطالبهن على الشأن العام وإيصالها إلى السلطات العموميّة.

ومهما كان البعد التاريخي لهذه الأحداث، يبقى أنّ النساء كنّ في هذه السياقات ضحايا لمختلف أشكال العنف، والتي كان التحرّش الجنسي في الشارع من أسوء آثارها التي لا تحتمل اجتماعيا، كما أنّ النساء تواجهن مقاومات جليّة تهدف إلى إقصائهن من الحياة العامة ومن الحقل السياسي ليُنزلهنّ ذلك إلى دورهن الاجتماعي التقليدي.

انطلاقا من هذه الملاحظة فإنّ هذا العدد من إنسانيات يهدف إلى تحليل إشكاليّة مشاركة النساء في الحياة الاجتماعية والحضرية، وهو يؤكّد على أشكال ولوجهنّ مختلف مجالات الشأن السياسي والتزامهنّ بالقضايا الراهنة، ويهتم أيضا باستراتيجياتهن في الفعل النضالي، وبتجنيدهن من أجل المطالبة بحقوقهن وبالطريقة التي من خلالها تعالج بها الحكومات مطالبهن على المستويات المؤسساتية والتشريعية. من هذا المنظور إذًا ندرج موضوع هذا العدد الذي نهدف من خلال مقالاته المختارة إلى تقديم بعض الإضاءات حول التغيرّات الأخيرة التي تُعنى بقضايا النساء في المنطقة العربية . وقد تمّ تناول هذه المسائل مع الأخذ في الحسبان ما تمثله الأزمنة الثورية بالنسبة للنساء، وبدلا من دراستها انطلاقا من مقاربة جندرية فحسب، يكون مجال اهتمامها منصبًّا أكثر على مسار التجنيد ومشاركة النساء في "الثورات العربية"، فإنّنا ارتأينا أنّ نولي اهتماما خاصا لأثر هذه الديناميات في الحركات النسويّة والنسائيّة.

يتناول بلقاسم بن زنين في مساهمته حول السياسات العمومية وحقوق المرأة بعد "الربيع العربي"، العلاقات الاجتماعية بين الجنسين بوصفها عاملا رئيسا في ديناميكية التغيير الذي بدأ عام 2011 ، ويتطرق لوضعيات ما بعد الثورة، مع الأخذ بالاعتبار ردود أفعال الحكومات المتعلقة بمطالب النساء الجديدة (والقديمة في الواقع). انطلاقا من قراءته لأحداث "الربيع العربي" واستنادا إلى أعمال ميلر Muller وجوبر  Joberونيكول درانكور Nicole-Drancourt وتونينغ Thoenig وغيرهم من المهتمّين بالأداء العمومي، يتساءل الباحث حول دور الدولة ومهامها ومؤسساتها في إقرار مبدأ المساواة والإنصاف اتجاه النساء.

ترتبط التحديّات المشار إليها أعلاه بسياق الثورات والاحتجاجات، فلأجل ذلك حرِيّ بنا التذكير بتاريخ الحركات النسوية والنسائية وتطورها في العالم العربي. وهذا ما تسعى إليه صفاء منقذ من خلال عملها الذي يبرز التأثير والدور الذي لعبه الوطنيّون و الإصلاحيّون المصريّون في بروز تيار نسوي في مصر. لا ريب أنّ تجند النساء انطلاقا من 1919 عزّز مكانة الحركة النسويّة في مصر، وأصبحن من ثمّ أكثر نشاطا خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، وبذلك حقّقن عدّة إنجازات، قبل أن تستحوذ الدولة على حركتهن بدءا من الخمسينات. وتولي الباحثة اهتمامها بالتغيرات الحاصلة بعد2011 والهادفة إلى تعزيز مكانة المرأة في المجالين العام والخاص. وفي هذا الشأن، فإنها تُبرز إلى أي مدى "أبدعت النساء في مبادرتهن وكفاحهنّ رغم أن الظروف لم تكن في غالب الأحيان لصالحهن".

وفي السياق نفسه، تتناول حنين البرازي، بعد تذكير تاريخي بجذور الحركة النسوية في مصر، مواقف النساء المجنّدات من أجل الدفاع عن حقوقهن، وانطلاقا من لقاءاتها مع النساء الملتزمات بميدان التحرير، تبيّن كيف واجهن المعايير الاجتماعية المسيطرة. تكمن أهمية هذا العمل في كونه يبحث بشكل متقاطع في مختلف وجهات نظر النساء الملتزمات بمبادئ ثورة 25 يناير 2011، وهذا من أجل إبراز الديناميكية الاجتماعية والسياسية التي نشأت بفعل هذا الحدث. وفي خلاصة هذه الورقة البحثية تؤكّد الباحثة على أنّ تحديّات الحركة النسوية بعد 2014 تكمن في تحقيق التغيير من أجل المساواة والحرية والكرامة.

وفي المقال الذي تخصّصه لمكانة النساء في النسق السياسي الجزائري، تُذكّر لويزة دريس آيت حمادوش بالإجراءات التي اتخذتها الحكومات الجزائرية المتعاقبة من أجل تعزيز مكانة المرأة في الحياة السياسية كما هو الحال بالنسبة لقانون "الكوطة" أو المحاصصة الذي يعطي للنساء عددًا أكبر من المقاعد في المجالس المنتخبة. تُبرز دراستها بأنّ الأمر يتعلّق بسياسة هي في الوقت ذاته إدماجيه واقصائية: إدماجيه لأنّ النساء يحصلن بموجب ذلك على حقوق سياسية أكبر، وإقصائية لأنّهم يصبحن، وبشكل متناقض بعيدات عن منصب صنع القرار، وهي الفكرة التي تختصرها الكاتبة في مصطلح "التبادل السياسي".

وانطلاقا من "قضية أمينة السبوعي" التي أثارتها وسائل التواصل الاجتماعي في 2013، يتناول جلال مصباح العلاقات الجندرية من خلال مسألة "الجسد الملتزم" ونضال النساء من أجل الحريّات الفردية. وبالنسبة للباحث، فإنّ الأمر يتعلق أيضا بحالة "ضمير سياسي هو صدى لحقبة جديدة في تونس ما بعد الثورة". وما يهمّ في هذه الدراسة ليست حالة العري في حدّ ذاتها، ولكن تحوّل الجسد الملتزم إلى جسد سياسي في سياق سمته اضطرابات اجتماعية وسياسية غير مألوفة في تاريخ تونس المعاصرة.

ويخصّ مقال هدى العربي حول نضال العاملات في الحقل المنجمي بقفصة بتونس أيضا نشاط النساء في المطالبة بحقوقهن، ولكن من منظور اجتماعي واقتصادي. والمقاربة المتّبعة في هذا المقال تخص الحركات الاجتماعية، وهو ما يسمح بإدراك جيّد لأشكال الاحتجاج والمطالبة بالحقوق، مع كلّ ما ينجرَ عن ذلك من عنف وصراع. وبالنسبة للباحثة، فإنّ حركة النساء هذه هي تعبير عن شكل جديد من الكفاح النسوي من أجل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهو بذلك كفاح تقوده النساء في الفضاءات العامة من شأنه إحداث صدام مع السلطات العمومية. ومن ثمّ فهو يشهد على نقطة تحوّل مهمة لدورهن ومكانتهن داخل المجتمع.

وفي السياق نفسه، يهتم محمد حنين بموضوع مقاومة النساء في مجتمع يتميز بسطوة القيم التقليدية، محلّلا دور الحركة النسوية المغربية في الدفاع عن حقوق المرأة وبالمكاسب المحصّل عليها. وفي تناوله لمسألة الإجهاض، يبرز الباحث أنّ مسألة مثل هذه لا يمكن الخوض فيها من دون الأخذ في الحسبان برأي علماء الدين والمختصّين في القانون وفي أخلاقيات الطبّ. أمّا فيما يخص الحركة النسوية، فإن موقفها يندرج بشكل رئيس ضمن النضال من أجل الحريات الفردية وحماية صحّة المرأة وجسدها. انطلاقا من هذه الملاحظة، يوضّح الباحث  حدود هذه الحركة مقابل ما يسميه "سيطرة الهابتوس الجماعي".

تسعى مجلة إنسانيات من خلال هذه الدراسات، التي تشمل تخصّصات متعدّدة ومتنوعة، إلى المساهمة في ديناميكية البحث الراهن في الحقل الأكاديمي المتعلق بوضعية المرأة في البلدان العربية مع الأخذ بعين الاعتبار السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، المعقّدة. فالهدف إذًا هو إبراز الحركيات والأشكال المختلفة للمقاومات والسلطات المضادة التي تلجأ إليها النساء في العالم العربي من أجل إسماع أصواتهن وتحقيق الأهداف المرجوة والمرتبطة بمكانتهن ووضعيتهن داخل المجتمع.

 

بلقاسم بن زنين وصفاء منقذ

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche