كرامة الولي ولعنته: "التازُوبَّا" وقداسة العنف


إنسانيات عدد 95،جانفي–مارس2022 ، ص. 101-116


عبد الحميد فائز: باحث في الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا.


يندرج العنف، إذا ما توجهنا إلى النطاقات الحضرية لاستعماله من لدن الأولياء والصلحاء، في صميم المقدس وينصهر فيه. لكنه يلامس، على نحو ملتبس حدود السياسي. لقد بين بلانديه منذ مدة "أن المقدس هو أحد أبعاد الحقل السياسي؛ يمكن أن يكون الدين أداة للسلطة وضمانة لشرعيتها، وإحدى الوسائل المستعملة في إطار المنافسات السياسية (...) وتبدو استراتيجية المقدس المتبعة لأغراض سياسية بوجهين متعارضين في الظاهر: إذ يمكن أن توضع هذه الاستراتيجية في خدمة النظام الاجتماعي القائم، والمواقع المكتسبة أو أن تخدم طموحات هؤلاء الذين يريدون الفوز بنفوذ الاستيلاء على السلطة وتشريعها". (بلاندييه، 2007، ص. 146-147).

يدل استعمال البركة من لدن الأولياء والصلحاء على سلطة استخدام قوة غير مرئية  تُنسب للقدرة الإلهية[1]. ولا يعنينا في هذا السياق الاهتمام بالطريقة التي يحصل بها الولي على هذه البركة أو يحوزها بواسطة "صكّ الولاية". دون أن يعني غياب البركة والكرامة الظاهريّة إلغاء أحقّية الولاية ذاتها[2].

يتمثل السؤال الذي يشغلنا في هذا السياق على النحو التالي: كيف تضفي قداسة العنف على البركة والكرامة مشروعيّة سياسية وزمنية خاصة؟ نتطلع للإجابة على هذا السؤال عبر تحليل مستويين متداخلين: تحليل الكيفية التي يتجسد من خلالها عنف الولي. إذ تدل قدرة الولي على احتكار ممارسة العنف بواسطة "التَّازُوبَّا" إلى اكتشاف الوجه الأكثر تجليا لقداسة العنف في الغرب الصحراوي. بينما نطلع من جهة ثانية، إلى مساءلة الرهانات السياسية المتعلقة بالعبور من عالم السّلم إلى عالم العنف، ومن حيز النشاط الروحي والتعبدي إلى الحقل السياسي في ممارسات الأولياء. من هذا المنطق نود أن نحلل طبيعة العلاقة القائمة بين العنف والبركة كرأسمال رمزي يبرر نوعا من الهيمنة السياسية والاجتماعية.

العنف غير المرئي: التّازُوبَّا

تتعلق مجمل الكرامات في المجال الذي ندرسه، بشكل واضح بالحقل السياسي. أي بالكرامات التي تُظهر تفوق سلطة الأولياء، جسديا وغيبيا، على تلك التي تخص العائلات الحسّانية. ((Stewart, 1973, p. 107 لقد لاحظت الباحثة نيللي العامري في دراستها حول الولاية والصلاح في إفرقية بالعهد الحفصي أن "كرامات الانتقام" الخاصة بعائشة المنوبية،  تصنف في الرتبة الثانية بعد "كرامات المكاشفة". وتميز نيللي، في الصنف المتعلق  بكرامات العنف بين صنفي "قتل المنتقم" والثاني، ذي الصلة ب: "كرامات السخط" (عقوبة ودعاء غير مشفوع بقتل) إذ توجه "جل هذه الكرامات، إلى كرامات الانتقام لا سيما القاتل منها، (...) ضد السلطة السياسية". (نللي، 2006، ص. 334-334).

يمكن أن نلاحظ أن الجزء الأكبر في الروايات المتعلقة ببركة الأولياء وكرامتهم يتعلق بالتّازُّوبا. ويقصد بالتَّازُوبّا، في الاستعمال المحلي، قدرة الولي "بشكل مشروع لإلحاق الضرر والأذى عندما لا يعترف لصاحب البركة ويكرم لما له من بركة، كالشرفاء أحفاد النبي مثلا؛ يستخدم زوايا غرب الصحراء لفظا للتعبير عن ذلك. وهي التّازُوبَّا وهي ممارسة خارقة يواجهون بها من يظلمونهم، أي بني حسان» (بونت، 2015، ص. 52). وبمعنى آخر مكمل، فإن بركة الولي، في هذه الحالة، ليست سوى لعنته الخاصة، لكنها قبل ذلك: "لعنة إلهية" (Boubrik, 1999). تتعلق هذه اللعنة بكون الولي موجّها وملزما إزاء مريديه وأتباعه من القبائل التي يحميها أو يضمن لها حماية سياسية، بإثبات ولايته ونفوذه بواسطة الكرامة. تتجسد تنويعات الكرامات المتعلقة بالعنف عبر أوجه مختلفة. يمكن للتّازوبَّا أن تكون ممارسة ناعمة غير مرئية عبر إذكاء الخوف في الأعداء الذين يعترضون الولي. إذ تجسد هيْبة الولي أمام اللصوص والأعداء إحدى أهم الإواليات المتعلقة باشتغال المقدس في العالم الإسلامي عموما.

إذ نُطالع في كتاب الطرائف والتّلائد المخصص لكرامات الشيخ المختار الكنتي قدرة الأولياء على تقويض العُنف والتلاعب به بصورة محددة، حيث تظهر خوارق الولي وكراماته في سياق زمني وقدسي مُزدوج. يتدخل الولي لإنهاء النزاعات ومواجهة الظلمة من خلال وساطاته السياسية والدينية المتعددة، ويُسخر (التّازوبَّا) لإظهار سيادته الكاريزمية (انظر: فيبر، 2005)  المبنية على إلحاق الخوف بقُطَّاع الطرق واللصوص من اعتراضه ونهبه. في إحدى الكرامات المعروضة في هذا المؤلف في الباب الرابع المعنون "في ذكر معاملته مع الظلمة والرؤساء وعوام الأمة وحاله مع الطلبة والجيران والأهل والإخوان"، يستثمر الشيخ محمد بن المختار الكنتي هذه القدرة غير المرئية  لإظهار الهيبة الرمزية لأبيه الولي:

"(....) فقال لا عدول لنا عن هذا الماء حتى نرده فنشرب منه ولا خوف بهذه الطريق وإن صاح الصائح قال فقلت امض إذًا إلى سبيلك (...) قال فلم نمض إلا يسيرا (...) وقال وراءك فقلت إلى أين قال العدو أمامك بالطريق قلت أما الفرار فلا فرار فرفعت بصري، فإذا به جعل الأعداء مهطعين في الطريق يبادروننا يقول بعضهم لبعض: جمل الراكب المعمم لي وينازعه البعض الثاني وأنا مستقبل وجوههم ذاهب إليهم. فلما وافونا قلت هذه الغنيمة التي إليها نسابكم قد أدركتموها فماذا عسى أن تصنعوا. فأدركتهم هيبة مسكوا من أجلها وتقاولوا  فيما بينهم؛ من ترون هذا الرجل الذي لم يكن نبيا فلا أحط من أن يكون وليا. فقال بعضهم لعله الفتح الذي بلغنا أنه جاء من جهة التكرور ولا يكون إلا هو فتسابقوا إلى الشيخ وأكبوا على يديه ورجليه وقالوا تجريد الكعبة من كسوتها أخف من تجريد هذا من لباسه". (الكنتي: 258 ).

إن الجانب الوظيفي لكرامات الولي يتضح بشكل واضح في السياق الاجتماعي المتعلق بالأزمات التي تعتبر فرصة سياسية واجتماعية لإبراز سلطته الدينية والرمزية. فالتحليل الأنتروبولوجي يتقاطع مع التحليل السوسيولوجي ضمن هذا الإطار التحليلي الذي يحاول تفكيك معاني ومحتويات الكرامة من خلال إعارة الاهتمام لأهميتها الإستراتيجية في بناء وتشكّل الطابع الديني للسلطة الاجتماعية.

وإذا ما دققنا النظر في سياق استعمالات هذه الروايات في كتب المناقب، نلاحظ أنها لا تنحصر في نطاق ضيق ذي صلة بالعوالم المقدسة التي تبرز فيها الكرامة، بل تتعلق بلعبة النفوذ التي تندرج فيها أعمال "حيازة الولاية". وهكذا تتصل واقعة السرقة برمزية "الفتح" و"الولاية المراتبية الكاملة"، كما أن بُنية هذه الرواية وسرديّاتها المخيالية (دون التاريخية)،  تُغذيان أهمية الكرامة في صناعة الكاريزما السياسية للولي ونفوذه الجهوي. وتضحى العلامة المكانية (التّكرور) رمزا على استحقاق الولي نيل مرتبة عليا في سلم الولاية في الصحراء بأكملها.

تظهر هذه التذبذبات بين السياسي وقداسة العنف في أكثر الروايات شهرة في الغرب الصّحرواي. إذ يتحالف ولي من كنتة (سيدي امْحمد الكنتي)، عاش في القرن الخامس عشر، مع أولاد الناصر من حسّان ضد أخواله إبدوكل[3]. بحسب الروايات المعروضة بصيغ متقاربة في أكثر من مصدر[4]:

"وقبله أبوه سيدي امْحمد الكنتي نشأ مع أخوال له إبْدُوكّل (...) فكبر مع أخواله وصار عالما يعلّم النّاس وتأتيه الهدايا من كل بلد (...) فمضى على هذه الحال مع أخواله إلى أن تشاجروا مع أبناء حسان، فصاروا يأتون بنسائهم يجعلونهم إماءًا فقال لهم أن يَتْرُكُوهُنَّ خوفا أن يكون فيهم فخذ قريب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لا نتركوهن، فغاظه ذلك حتى زالت قلنسوته فدعى عليهم بذهاب الدولة وإيهان الصولة فسمع أولاد الناصر بقضية زوال قلنسوته فقال لهم رئيسهم وهو عنتر بن شهاب ما يزيل قلنسوة السلطان عن رأسه؟ وقال لهم إن فاتتكم هذه الفرصة من المتونة فحرام عليكم الظفر به بعدها أبدا. فقام عنتر وأولاد الناصر وركبت على إبلها وجاءوا لسيدي امحمد الكنتي فقال لهم شنوا الغارة فإني دعوت الله عليهم بذهاب الدولة وإيهان الصولة حتى تبلغوا منهم الحد الذي تأمنون شوكتهم فاتركوهم عيشة لبني وبنيكم ففعلوا ذلك وانهزمت ابِدوكل أشد الهزيمة فصارت عيّالا لسيدي امحمد الكنتي". (بن الزين العلوي ص. 2014، ص. 97-98).

تبدو حيازة الولاية متناغمة مع أحقية المطالبة بالسّلطة.  حيث تصبح كرامات العنف وإلحاق الضرر (التنبؤ به أو ممارسته أو إضفاء مشروعية عليه)، في بعض الأحيان، مضمونا لمطالبة الولي بالسلطة. وبذلك، يُضحي نشاط التحكيم الذي جعله غيلنر (Gelner, 1969) في صميم عمل الصلحاء والأولياء وتمثيلا لجنوحهم إلى السّلم موضوعا للنظر من زاوية مغايرة.

يمثل عرض الولي لبركته على أولاد ناصر ضد أخواله إبدوكل مثالا لفعالية التّازوبَّا. تتجسد رمزية "الغضب" ثم "نزع القلنسوة" و"الدعاء" بوصفها المظاهر الرئيسية التي تعبر رمزيا عن سلطة الكرامة التي يمتلكها الولي. لكن الرواية، تنسب في الوقت ذاته، هذه السلطة غير المرئية لمرتبته العرفانيّة لكونه "غَوْثا" (رواية الغلاوية). أي، وليا مكتمل الولاية. والرجل لم يكتفِ بذلك، وعزّز سلطته الرمزية بتحالف "زمني" سياسي مع أولاد النّاصر الذين بلغهم غضب الولي ونزعه لعمامته. ويبدو، أيضا، أن المخيال المدون في الروايات الثلاث يركز على عدم مشاركة امْحمد الكنتي في غزو أخواله ونزوعه إلى تخفيف فوضى الحرب ضد إبدوكل.

وهكذا يحوز المحاربون ويتنافسون من أجل الشرف الحربي (فائز، 2015، 2019).  ويتبارى الأولياء من أجل الحصول على امتيازات البركة والكرامة.  إن الهيبة المرئية التي يحوزها الولي تتأتى من قدرته غير المرئية على إلحاق الخوف والأذى بالأعداء المحتملين والمنافسين أيضا. كما تتحصل هذه السلطة عبر إلحاق الأذى بالأعداء بمجرد المس بممتلكات الولي أو أتباعه أو من يدخلون في حمايته. يتعلق جزء من الكرامات بميكانيزمات النفوذ التي تحدثنا عنها. في رواية مخصصة لأولى الكرامات المتعلقة بالشيخ ماء العينين يمكن أن نتلمس هذه الأبعاد:

"إنه زمن إقامته بقبيلة تجكانت وذلك أول قدومه على تلك البلاد راودوه على أن يعمل عادة أهلها. وهي أن القبيلة منهم تعمد إلى رئيس قبيلة أعز منها وأكثر قوة على المحاربة فتذبح عليه شاة وتكون بينهما أخوة ونصرة على درء المظلمة والسرقة وكف العدو إلى غير ذلك من منافعهم العادية. ولا يستطيع أن يعيش أحد في تلك البلاد من غير أهل الشوكة دون هذا الأمر. فامتنع عن ذلك وقال لهم لا اعتز إلا بالله ولا أنتصر إلا به. ولا أتكل إلا عليه. ثم أخذ شاة وذبحها وقسم لحمها على المساكين وقال هذه ذبيحتي على الله مالك الناس إذ لا ضرر ولا نفع إلا منه فضحكوا وتعجبوا منه. ثم إن بعض السراق من قبيلة "دَوْبْلال" طرقوا تلك البلاد وحاربوا أهلها فلم يقدروا على شيء فوجدوا إبل شيخنا ترعى؛ وإذا هي ليست عليها علامة أهل البلد فأغاروا عليها ونهبوها عند غروب الشمس. فجاء الصارخ بخبرها وقت العتمة وأخبره أن اللصوص أخذوها عمدا ولم يأخذوا شيئا غيرها وكان أهل البلد يظنون أن معها شيئا من إبلهم. فقالوا هذه أشد وأشد وأرادوا الخروج ليتبعوا اللصوص ويقتلوهم ويردوا الإبل، فــــ (غير مقروء) شيخنا عليم أن لا يخرجوا فاسترجعوا عند ذلك وقالوا ألم نخبرك أن هذه البلاد فاسدة وإنها لا بد فيها من الذبيحة فقال لهم ألم أقل لكم إن ربي واحد والخلف بيده ولا بد من انتصاره. فمن اتكل عليه وقال شعره بالحسانية:

اسْمعْت النّاس اتګُول الطُّب         إلا فاذْبايح لا تَشْڤيڴ

ألا يَمْكَن فْياني الَرَّب                        إن نَّذْبَح يْكون عليك (...)

فضحكوا عند هذا أيضا وتعجبوا غاية العجب من أمره وكان من قدر الله وسرعة انتصاره لأولياءه أنهم يكملوا تلك الليلة حتى أحرقتهم نار الله فلم يشعروا إلا وإذا النار تشتعل في ثيابهم وعصيهم وأسلحتهم حتى رموا بالجميع إلى الأرض وتجردوا من اللباس واستغاثوا بالشيخ وبوالده رضي الله عنهما فأطفأ الله عنهم النار فتحيروا من هذا الأمر وبهتوا ودهشوا وعزموا على رد الإبل فقال بعضهم لن يستطيعوا رؤية وجه ذلك الشيخ بعد ما فعلتم لإبله ولم يفعله أحد قبلكم ولكن احبسوها حتى يعطيكم الله من يوصلها له وهذا الأمر الشنيع الذي حل بكم اكتموه فقال له البعض أن هذه كرامة من الله لأوليائه لا تطيقون كتمانه وإن كنتم تطيقونه فافعلوا. فبينما هم في ذلك إذ أعطاهم الله قوما منهم فأرسلوها معهم بالاعتذار. فلما بلغوا أهلهم لم يبق واحد منهم إلا أنطقه الله الذي أنطق كل شيء بما كان من أمرهم ولم يختلف قولهم فأرسلت قبيلتهم من حينها بشيء (...) مع غاية الاعتذار وقالوا أنهم سيبنون دارا لشيخنا تكريما له وتعظيما لشأنه" (ابن العتيق، 70)

لا حاجة إلى التشديد على زمنية القداسة التي يُدرج فيها الرواي قصة كرامة الشيخ ماء العينين. (اشتعال النار، طي الزّمن..) أدى التّحدي الذي رفعه وجهاء قبيلة تجكانت إلى لجوء الولي لاستعمال قدراته لإلحاق الضرر بناهبي الإبل. وتُظهر الرواية أن النشاط الطقوسي والقرباني الذي قدمه الشيخ لله يتعارض مع القربان الطقوسي الذي تقدمه القبائل لعقد التحالفات والدخول في علاقات حمائية. وتُعلي الرواية من شأن كاريزما الولي، من خلال رفضه مخالفة تعاليم الإسلام من جهة؛ والامتثال لرغبات المواجهة من قبل مضيفيه من جهة ثانية. وقد أعلت رمزية التوبة والخوف من "لعنة التّازوبّا" التي وجّهها الولي ضد النشاط الحربي. وبدل أن يختار الولي سُلطة معاقبتهم بالإغارة عليهم. اكتفى بإظهار "الانتقام الإلهي" الموجه إلى إظهار فعاليته إلى مضيفه والقبائل التي لم تسمع بسلطته غير المرئية. ذلك دون أن تركهم معاقبة يُشِكِّكُ في ولايته، ويقلل من درجة نفوذه الروحي والسياسي في الآن نفسه. هنا نرى، أن نشاط الولي يتعدى نطاق القداسة، بالرغم من أنه ينبثق عنها ويدور في دائرة "الإدارة غير المرئية للعنف"، بالتعبير البليغ لعبد الودود ولد الشّيخ.(Ould Cheikh, 1985)  وبذلك، فإن النشاط المقدس للولي يتعلق أيضا بالنشاط الدنيوي. مما يضعنا أمام ما يشبه ظاهرة "العتبة" التي يتحدث عنها جاك بيرك، حيث يتجاوز نشاط الصلحاء حدود المجال الديني ليتحول إلى تحرك ذي طابع دنيوي. (حمودي، 1988: 82).

تستعاد سُلطة التّازوبا، من جهة أخرى، لإقامة تراتبات بين القبائل أو تكريس "أصلي" لعلاقات قائمة بين فئات اجتماعية متعارضة ظاهريا في القيم. في رواية تخص نشأة قبيلة تنواجيو الزواية يتحالف الشْريف مع المحارب ويصير تابعا له بفعل العناية الإلهية:

"أقام جدهم سيدي يحيي القادم من الحجاز في آدرار بالقرب من أطار. هناك وجد رجلا تابعا لبني حسان يدعى ولد المزوڲي. طلب منه هذا الأخير دفع جزية فرفض دفعها. عندما هاجمه رجل بني حسان. دعا الشريف ربه بأن يمده بخيل من عنده فظهرت خيل بيض من كل فج فواجهت العدو. فأصبح الرجل مريدا له، وتقول الرواية إنه تزوج ابنته. ساهم التحالف الناجم عن هذا الزواج في التحالف مع حسان بالإضافة إلى العلاقة الروحية أصلا والأصول العربية المشتركة المعززة بالنسبة لتنواجيو بنسبهم الشريف في التحالف الحميم بينهم مع أولاد امْبارك. ابتداء من القرن الثامن عشر". (بونت، 2015: 392-393).

وبصورة عامة، فإن التَّازوبَّا، تُقدم بوصفها سلاحا غير مرئي محتكر من لَدُن الأولياء والصلحاء. وبوصفها لعنة إلهية، مسلطة من الله عبر الولي ضد أعداء هذا الأخيرثم إن  لها فعالية رمزية في المخيال الجماعي (انظر:بونت، 2015؛ فائز وبن الشيخ، 2017؛ بن الشيخ وفائز، 2017؛ ولد الشيخ،2017)؛ وفي إضفاء شرعنة قدسية خاصة على العلاقات التحالفية والحمائية بين قبيلة زاوية وأخرى محاربة. هذه البركة ليست سوى احتكار يضفي شرعية خاصة على ممارسة العنف. إذ من المفترض أن تُلحق التّازّوبا الموت أو الإذاية بالأعداء، وتستعمل غالبا في تثبيت نفوذ الولي الصالح. وبعبارة أخرى، فإنها السلطة التي تمثل "أحد المظاهر الأساسية في "عمل" عدالة جوهرية تعمل لصالح الصلحاء. هذا الجبر بواسطة يد غير مرئية) تازوبّا) ضد الظلم أو العدوان المرتكب ضد الضعفاء،من لدن الصالح أو الولي. إن التازوبّا والمخاطر المرتبطة بها هي التي تفسر إضفاء القدسية على المؤسسات التي يتم إنشاؤها حول الأولياء وقبورهم." (Ould Cheikh, 2018 : 105).

يتم تبرير اللجوء إلى العنف أو إلغائه عن طريق الكرامة والبركة من خلال قداسة فعل العنف ذاته. "إن المقدس نمط ما من أنماط العلاقة بالأصول حيث يحل محل البشر الحقيقيين أقران خياليون لهم أنفسهم." (غودولييه، 1998، ص. 213). تظهر جملة من المرويّات الشفوية التأسيسية في الغرب الصحراوي تماثُلا أكثر تلازما بين أصول ولادة المجموعات القبلية أو اندثارها وبين كرامات العُنف من جهة ثانية. 

وهكذا لا تنحصر كرامات الولي في قدرته على إنزال الضرر غير المرئي. إذ يمكن للولي أيضا، عن طريق "المكاشفة" أن يتنبأ بالحروب والنزاعات وأن يجنّب أتباعه إلحاق ضرر الأعداء. تُظهر الرواية التأسيسية (انظر: فائز وبن الشيخ، 2017، وبن الشيخ وفائز، 2017) المتعلقة بهجرة إدَوعْلي البيض، كيف استطاع رجل صالح أعمى أن يجنب قبيلته من الاستقرار في مكان عُرف لاحقا بمعارك حربية دموية عن طريق كرامة تحسس الرمال وشمها (Ould Khalifa, 1998 : 158). 

مقابل ذلك، يمكن للكرامة أن تتخذ منحى معكوسا يظهر فيه الولي بمثابة البطل المضحي.  يمكن أن تحتفظ كرامة المكاشفة والنبوءة المستقبلية للولي بوظيفة إخبارية وتنبؤية وحسب، دون التدخل المباشر في القدر الإلهي. يمكن أن نعثر على مثل هذه الروايات في مؤلف اليدالي حول الكرامات التي واكبت أو أعقبت حرب شرببه في القرن 17 م. إن ناصر الدين الذي خاض مغامرته كَوَلِي ضد حسّان، قد تنبأ بموته وموت أصحابه في المعركة دون أن يكون قادراً على التدخل لتجنب ذلك. إذ يعرض اليدالي موته في سياق الكرامات التي عرف بها ناصر الدين:

"وأخبر أيضا بمقتله ومقتل أصحابه، وذلك أنهم لمّا نزلوا الموضع الذي قتل فيه هو وأصحابه قال لهم: إذا مضت سبعة أيام تأتيكم المغافرة في هذا الموضع فنهزمهم ويقتل منكم غداً سبعة مع ثامنهم فكان كذلك، وحلف مولود بن متيلي أنه كان يعد تلك الأيام حتى كملت فجاءت المغافرة ثم قال: أما أنا وأصحابي فنرجع ضحى ونتغذى بغذاءٍ ونشرب شراباً لم نذق أحلى منهما ولا أطيب. وأما القاضي عثمان وأصحابه فإنه يتبع هزيمتهم ويقتل منهم كيف شاء (...) أما نحن فلا نأكله لأنّا نتغذى اليوم بأطيب من هذا وأفضل، وهذا صبيحة اليوم الذي آستشهدوا فيه". (اليدالي، 1990، ص. 147-148). تمثل هذه الرواية نوعا من "المنعطفات الأساسية التي تأخذ هذا التعبير السلبي من البركة". (Ould Cheikh, 2018 , p. 105) وهكذا، تقابل الرواية، بين موت الولي في إطار قداسي عبرت عنه المكاشفة وبين إلغاء سلطة إلحاق الأذى بأعداء ناصر الدين بواسطة التّازوبا. تتغذى الممارستان معا من العالم الغيبي، لكن النتائج التي أعقبت الحرب أضفت على فعل القداسة طابعا محددا يساير لحمة الأحداث ومجرياتها. تنقلنا التحليلات التي عرضناها تواً إلى نطاق آخر من التحليل: هل يمكن أن نقول أن وظيفة التحكيم التي يقوم بها الأولياء مجرد وهم، مثله، مثل جنوح للأولياء إلى السّلم؟

أولياء محاربون

إن الأمثلة "شبه التاريخية" معروضة بصورة أكثر كثافة في المرويات الصحراوية. يظهر الولي بوصفه أكثر "جنوحا للسلم"، ويُفسر لجوءه إلى العنف أو تخطيه لعتبة السّلمية، بتعبير بيرك، كإصرار منه على تحقيق العدالة الإلهية والزمنية بواسطة المشروعية المقدسة لممارسة العنف. ترتبط أكثر المغامرات تأثيراً في المجال الصحراوي، على الأقل؛ بستة أسماء رئيسية: المرادي الحضرمي (ق. 11م.)، امحمد الكنتي (ق. 15م) وناصر الدين (ق. 17م)، والشيخ سيديا الكبير (ق. 19) والمختار الكنتي (ق. 19) والشيخ ماء العينين (ق. 19). ومع أن هناك تفاوتات رئيسية في طبيعة المشاريع التي حملها هؤلاء الصلحاء، بالنظر إلى أثر تحركاتهم على المخيال الجماعي والتاريخي في غرب الصحراء، إلا أن أنهم خاضوا مغامرات محسوبة على النطاقات المرنة للقداسة والسياسة. ويشتركون في كونهم انتقلوا من ممارسة نفوذ روحي على أتباعهم إلى قيادة مشاريع زمنية ودينية. تارة باسم إحقاق العدالة و"الإمامة" (ناصر الدين والمختار الكنتي) وتارة أخرى تحت عنوان حروب "الجهاد المقدسة" (المرادي الحضرمي). وأحيانا أخرى، عبر الالتزام بممارسة نفوذ روحي وسياسي دون المطالبة بالمشاركة في السلطة السياسية. ويمكن أن نطلق على الصنف الأول، بلا عناء (باستثناء امحمد الكنتي، الشيخ ماء العينين، سيديا الكبير) صفة الصلحاء والأولياء المحاربين. هذه الصورة هي تعبير حقيقي لكيفية قيام مشروعية خاصة لممارسة العنف سواء بواسطة قوة غير مرئية (تازُوبَّا) أو بواسطة "الحرب المُقدسة" على الكفار (حروب الحضرمي ضد البافور) أو من أجل إقامة سلطة سياسية دينية (الإمامة).

يمكن أن نقول إن الوليّ لا  يكتفي بإظهار قوته وصلاحه للعيان أو "العامّة"، بوصفه وليّا ظاهرا وحسب، أي "مُنتج كرامات"، لكن يجري توظيف الكرامة لتكريس هذه التّمثلات كتمثيل "للبطل المُضحِّي". إذ يكرس الولي مشروعه السياسي ومشروعيّة استثماره للعنف، بواسطة قداسة فعل العنف ذاته.

إذا اكتفينا بمثال واحد أكثر قربا زمنيا (منتصف القرن التاسع عشر). نكتشف مع الحركة التي قادها رجل آخر من كنتة، إحدى أوجه قداسة العنف. ينتمي الرجل إلى الطريقة القادرية التي أنشأها جده سيدي المختار. واستطاع سيدي أحمد الكنتي أن يجمع حوله، قادما، من أزواد، قبائل محاربة من آدرار (ولد حامد: 18) والساقية الحمراء واستفاد أيضا من دعم تكنة وأولاد دْليم. وقد كان مشروعه السياسي مستنداً على عمل الكرامة. "وهو من زْوايا الحُوظْ. الذي حمل السلاح وانتفض ضد أمير أدْرار إذ كان يطمح في الزعامة. وهو نفسه الذي يقال عنه إنه لا تخترق جسمه رصاصة إلا إن كانت من معدن الفضة. إذ إنه كان يتمتع بحماية النبي محمد". (باروخا، 2019، ص. 488). لكن حملته، كما هو ظاهر من الروايات المتناقلة حول دعوته، تصفه بأنه صاحب مشروع للإمامة والزعامة لوأد الفوضى القبليّة بالسّاحل (السّيبة).  تقدم الرواية الرڲيبية في نص الجوامع بلهجة شديدة دعوة الشيخ على هذا النحو:

"فقام سيدي أحمد الكنتي وادعى الإمارة وأن الناس تكون في طوعه وأن يسكن البلاد من السيبة فتبعته كنتة والاعويشات وأبناء يحيي ابن عثمان. وتقاتل مع أبناء أبي السباع وفروا منه. ونزل عند بير أم ڲرين وحفرها وحفر العيون وغرس النخل وحرث الزرع واطمأن هناك إلى أن مكث سنة. وتقاتل مع أبناء أبي السباع عند اخنيگات الرمل وغدار الطلح وقتل منهم سبعين رجلا وفيهم بن ملاء أحمد بن الشيگر. فبعد ذلك انهزم أبناء أبي السباع ونزلوا على الرقيبات عام أربعة وسبعين من القرن الثالث عشر. وكثر القتال والنزال فرحل سيدي أحمد الكنتي ونزل عن گوراگنيفيده وأغار الرقيبات وأبناء السباع عليه واقتتلوا معه قتالا شديداً إلى أن قتلوه وانهزم قومه. وأخذ الرقيبات وأبناء أبي السباع جميع ما على حيه وفر جميع أهل أدرار إلى أدرار. وأخذ الرقيبات وأبناء أبي السباع إيگاون فصاروا يغنون ويقولون في غنائهم المن لأولاد أبي السباع ". (بن عبد الحي، 1992، ص. 87)

تستبطن الرواية رؤية خاصة لدعوة أحمد الكنتي للإمامة، فهي في نظر أولاد بالسْباع والرڲيبات الذين حاربوه، لا تعدو أن تكون "ادعاء". لقد توجه الباحثون الذين اشتغلوا حول قبيلة كنتة إلى تحليل الرهانات المتعلقة بالسيطرة التجارية في الحركة التوسعية لكنتة من خلال سيطرتهم القديمة على مملحة إيجل. وتندرج حركة الشيخ سيدي أحمد الكنتي في هذا الإطار، بعد الحيوية التي عرفتها المسالك التجارية بين آدرار والساقية الحمراء في هذه الفترة، حيث استقر الشيخ وتوسع نفوذه. (Bonte, 2000 & McDougal, 1985).

بدون أن نساير تضخيم منحى "اقتصاديات الولاية". نقتصر على القول، بإن سلطة الولي المُحارب، بصرف النظر عن طبيعة المشروع السياسي أو الديني الذي يقوده الصلحاء والأولياء. تُساهم في إعلاء مكانته عن «زمنية القبيلة» دون أن يفوته أن يكون رمزا لها في كثير من الأحيان. ويفسر تدخله في الشأن السياسي أو الدنيوي كعمل موجه للحفاظ على النظام السياسي الموجود. لقد دفعت هذه الرؤية الإيديولوجية غيلنر إلى إخراج الصلحاء من دائرة التنافس السياسي. إن "الصلحاء يمدون قبائل العوام بالاستمرار وبالهيكل القار الذي يفتقرإليه نظامها السياسي (...) تختلف حياة المرابطين السياسية في وجوهها عن حياة قبائل العوام. فالرؤساء تختارهم القبيلة، أما الأولياء فيعزى مقامهم لاصطفاء رباني. ينتدب الرؤساء لمدة سنة فقط، ويتعاطون للحرب والأخذ بالثأر. أما الأولياء فيباشرون مهامهم على مدى الحياة وبالتوارث، كما أنهم مسالمون بالضرورة (...) إن المسالمة والركون إلى التأمل ليسا مجرد نتيجة للتشبث بقيم الوعظ، بل هما بشكل عضوي وجلي نتيجة ضرورية للبنية الاجتماعية". (غيلنر، 1998: 50-51). إن التعارض الذي يقيمه غيلنر بين العوام والأولياء يخدم سياق التحليل الذي يقدمه. وهو يعني بصورة جوهرية، "أن دور الصلحاء هو نوع من العمل بين الفوضى المحتملة للعنف القبلي واستبداد الدولة". (Caton, 1990, p. 95)

تبين التحليلات التي عرضناها سابقا أن وظيفة السّلمية ليست صفة ملازمة لنشاط الأولياء والصلحاء[5]. إذ نشاطاتهم الروحية معترف بها في النظام الاجتماعي، وليست هي وحدها من تكسبهم مكانة خاصّة في القبيلة. يمكن لتحركات الولي المحارب أن تكون مدعومة من قبيلته، كما يمكن أن تكون مغامراته مكرسة لخدمة رؤية قيمية تراتبية (فئة الزْوايا). وهكذا، يتواجد الولي في صميم التّنافسات القبلية وليس خارجها. أما نشاطات الوساطة والتحكيم فتتغذى من الموضع الاعتباري الذي يختاره الولي لنفسه لمراقبة النظام السياسي ومحاولة التحكم فيه. وتتجلى فعالية الوساطة التي يقودها "ولي كامل الولاية"، وله قدرة خارقة على التأثير على معارضيه عبر الكرامة التي تُكسب الولي هيبة خاصّة. ومع ذلك، فإن أنشطة الوساطة ذاتها تبقى محدودة التأثير، ومحصورة لدى أولياء بعينهم، كما هو الشأن مع الشيخ ماء العينين في السَّاحل، أو المختار الكنتي والشيخ سيديا الكبير.

وبالنتيجة، فإن دور الوساطة يتخذ طابع "إعادة الإنتاج لحالة اجتماعية وسياسية كليّة". وبعبارة أخرى، فإن وظائف الوساطة لا تؤدي إلى إعادة التّوازن البنيوي إلى النظام السياسي وتمنحه طابع الاستقرار والديمومة، كما يدَّعي غيلنر. ذلك أن الصُّلحاء، بكل بساطة، بالرغم من أنهم، يُوفرون الضمانات السياسية لمأسسة شروط التفاوض لاستعادة جزء من الممتلكات المنهوبة أو التدخل لفض النزاعات. فإنهم لا يمتلكون القُدرة على إحداث التوازن في الهيكل السياسي العام. أي أن وظيفة إحلال السّلم والتوازن، التي حاول أن ينسبها غيلنر لا تُخرج الأولياء والصلحاء من دائرة العُنف، كما لا تجعلهم مسالمين بالضّرورة.

خاتمـة

حاولت هذه الدراسة أن تبحث في تجليات الكرامة والبركة في الغرب الصحراوي من خلال إظهار اشتغال قداسة العنف. وقد نحت الدراسة نحو إعادة تأويل عمل الكرامة انطلاقا من الخطابات الداخلية للمعارف الصوفية. وبدل أن نربط أنشطة الصلحاء بأعمال الوساطة والسلمية (كما فعل غيلنر)، يمكن أن نلاحظ أن أنشطة الأولياء تتغذى من العمل السياسي وتنتهي إليه. وقد بدى ذلك جليا من خلال استثمار الولي للعنف واستخدامه واحتكاره بصورة غير مرئية، سواء عبر انخراطه بشكل مباشر في الأنشطة الحربية (الولي المحارب)، أو استخدامه للعنة للتَّازُوبّا، لإخضاع أو إذاية مخالفيه أو أعدائه.

بيبليوغرافيا

إيكلمان ديل، (1991). الإسلام في المغرب.الجزء الثاني. ترجمة محمد أعفيف، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر.

باروخا خوليوكارو، (2019). دراسات صحراوية. ترجمة أحمد صابر، الرباط: منشورات مؤسسة مربيه ربه.

بلاندييه جورج، (1986). الأنثروبولوجيا السياسية. ترجمة جورج أبي صالح. بيروت: مركز الإنماء القومي.

ابن العتيق، ماء العينين أبوبكر. سحر البيان في مناقب شيخنا الشيخ ماء العينين الحسان. مخطوط. 

بن الشيخ أناس، فائز، عبد الحميد، (2017). قداسة الأصول بغرب الصحراء. في فائز، ع وبن الشيخ أ.(تنسيق). بيير بونت: أنثروبولوجيا مجتمعات غرب الصحراء. الرباط: مركز الدراسات الصحراوية.

بن عبد الحبيب، محمد سالم، جوامع المهمات في أمور الرقيبات. تحقيق مصطفى ناعيمي، الرباط: المعهد الجامعي للبحث العلمي.

بن سالم ليليا، (2007). التحليل الانقسامي لمجتمعات المغرب الكبير. الأنثروبولوجيا والتاريخ: حالة المغرب العربي. ترجمة عبد الأحد السبتي وعبد اللطيف الفلق. ط.2 الدار البيضاء: دار توبقال للنشر.

بونت بيير، (2008). إمارة آدرار الموريتانية: الحريم التنافس الحماية في مجتمع قبلي صحراوي. ترجمة: محمد بن بوعليبه بن الغراب. نواكشوط: دار النشر جسور. 2012.

بونت بيير، (2015). مرويّات أصول المجتمعات البيظانية مساهمة في دراسة ماضي غرب الصحراء. ترجمة: محمد بن بوعليبه بن الغراب. نواكشوط: دار النشر جسور.

سلامة العامري. نللي، (2006). الولاية والمجتمع مساهمة في التاريخ الاجتماعي والديني لإفريقية في العهد الحفصي. بيروت: دار الفارابي.

سيديا بابه بن الشيخ، (1987). إمارتا إدوعيش ومشظوف. تحقيق: إزيد بيه بن محمد محمود. انواكشوط:  المطبعة الوطنية.

غودولييه موريس، (1998). لغز الهبة.ترجمة رضوان الظاظا. دمشق: دار المدى للثقافة والنشر.

العلوي محمد بن الزين، (2014). كتاب النسب في أخبار الزوايا والعرب. تحقيق حماه الله السالم. الرباط: مركز الدراسات الصحراوية.

غيرتز كليفورد، (1993). الإسلام من وجهة نظر علم الإناسة التطور الديني في المغرب وأندونيسيا. ترجمة أبو بكر أحمد باقادر. بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.

فائز عبد الحميد، (2015). الحرب في المجتمعات الرعوية: آليات إنتاج العنف في المجتمع البيضاني قبل الاستعمار. الرباط: مركز الدراسات الصحراوية.

فائز عبد الحميد، (2019). تنظيم العنف وإعادة إنتاجه بالغرب الصحراوي ما قبل الاستعمار: دراسة أنثروبولوجية. أطروحة لنيل الدكتوراه في علم الاجتماع. إشراف رحال بوبريك. الرباط: جامعة محمد الخامس.

فائز عبد الحميد، بن الشيخ أناس، (2017). التأويل الأنثروبولوجي لمرويات غرب الصحراء.  في فائز، ع وبن الشيخ أ.(تنسيق). بيير بونت: أنثروبولوجيا مجتمعات غرب الصحراء، الرباط: مركز الدراسات الصحراوية.

فائز عبد الحميد، بن الشيخ أناس، ( تنسيق). (2017).  بيير بونت: أنثروبولوجيا مجتمعات غرب الصحراء. الرباط: مركز الدراسات الصحراوية.

الكنتي محمد الخليفة، (2003). الرسالة الغلاوية. تحقيق حماه الله ولد السالم. الرباط. منشورات معهد الدراسات الإفريقية.

بن المختار الكنتي محمد، الطرائف والتلائد من كرامات الشيخين الوالدة والوالد. مخطوط بالمكتبة الوطنية الفرنسية، رقم 6755.

ولد الشيخ عبد الودود، (2017). الإناسةو/أوالتاريخ بين الشفويّة والكتابة. في فائز، ع وبن الشيخ أ. بيير بونت: أنثروبولوجيا مجتمعات غرب الصحراء، الرباط: مركز الدراسات الصحراوية. 

اليدالي محمد، (1990). نصوص من التاريخ الموريتاني، (شيم الزوايا، أمر الولي ناصر الدين، رسالة النصيحة). تونس: بيت الحكمة.

Bonte, P. (2000). Shaykh Sidi M'hammed Al-Kunti: une figure oubliée du Sahara occidental au XIXe siècle. Rabat. Al-Maghrib al-Ifrîqî.

Boubrik, R. (1999). Saints et société en Islam: la confrérie ouest-saharienne Fâdiliyya. CNRS.

Caton, S.-C. (1990). Anthropological theories of tribe and state formation in the Middle East: ideology and the semiotics of power. Tribes and state formation in the Middle East, 74-108.

McDougall, E.-A. (1985). The view from Awdaghust: war, trade and social change in the southwestern Sahara, from the eighth to the fifteenth century. The Journal of African History, 26(1), 1-31.

Ould Cheikh, A. W. (2018). La société Maure. Rabat. Centre des Études sahariennes.

Stewart, C.-C., & Stewart, E. K. (1973). Islam and social order in Mauritania: A case study from the nineteenth century. Oxford University Press, Incorporated.

Khalifa, A.-O. (1998). La région du Tagant en Mauritanie: L'oasis de Tijigja entre 1660 et 1960. Karthala.

الهوامش : 

[1] يعرف كليفورد غيرتز البركة بصفتها هبة إلهية و «عقيدة دينية" وهي طريقة يتصل بها الله بالعالم الإنساني بواسطة الأولياء. وهي تندرج إزاء هذا التعريف في نطاق المقدس مثلما تخضع في الوقت ذاته لتراتبية خاصة. إن غيرتز، يقابل أيضا بين البركة الانتسابية (الأصول النبوية عن طريق الانتساب  لعلي)  و"البركة الكاريزمية الإعجازية" ويعطي أسبقية للأولى على الثانية. إذ "تعني البركة في معناها العام حركة الهبة أو التعطيل الإلهي، (...) فالبركة في مفهومها العام، ليست سوى نوع من قوة غير طبيعية أو نوع من الكهرباء الروحية (...) إنها فكرة أو مفهوم عن الطريقة التي يتصل بها الله بالعالم. (...) وبالأصح البركة طريقة في تركيب التجربة الإنسانية- عاطفيا وأخلاقيا وفكريا وحاشية أو تعليقا ثقافيا على الحياة. (...) إن المقدس يظهر بصورة شبيهة في العالم كعطية أو هبة أو قدرة لأشخاص معينين، وبدل تشبيه البركة بالكهرباء، فإنه يمكن تشبيهها بالحضور أو القوة الشخصية أو الحيوية الأخلاقية. فالمرابط يمتلك أو يقتني البركة بنفس الصورة التي يقتني بها الناس القوة والشجاعة أو العزة أو القدرة أو الجمال والذكاء. (...) إنها هبة موجودة عند بعض الناس بصورة أكبر مما هي عند غيرهم، وهي قلة عند المرابطين في أعلى صورها. والمشكلة هي تعيين وتحديد من عنده هذه البركة وما مقدار ما عنده منها وكيف يمكن الاستفادة مما عنده". (غيرتز، 1993، ص.51-52) يوسع ديل إيكلمان، بالاعتماد على تعريف إدوارد فيستمارك، من نطاق تعريفه للبركة فهي كما يعرفها فيستمارك "قوة خفية فاعلة يؤولها الناس كنعمة إلهية"، وأيضا على المستوى الاجتماعي، تصور إيديولوجي يدعم من خلاله أفراد الزوايا نشاطهم الخاص.(وتستعمل البركة أيضا "لتفسير خوارق الأمور أو الدهاء السياسي غير المألوف عند بعض الأفراد، وبمعناها الواسع، كما يصف، "تشكل جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية" دون أن يلغي أن أحقية الحصول عليها أكثر من لدن المنتسبين إلى السلالة النبوية أو الصحابة أو الأولياء ولهذا "يمكن اعتبار البركة رمزا مجسدا لهيمنة قوى الغيب على الأمور الدنيوية داخل النسق الاجتماعي" (إيكلمان، 1991 ص. 46). ثم "إن سلطة الولي تقوم على البركة، وهي بمثابة اعتقاد يُخوّل لبعض الكائنات أو الأشياء قوة خارقة-من مصدر إلهي- مما يجعلها تحظى بقيمة رمزية وبفاعلية على مستوى الممارسات الاجتماعية الماورائية، لذلك يقترح كيلنر الفصل بين الولي الفعلي والولي الكامن(....)، كما أن بعضهم لا يتردد في استعمال انتمائه لسلالات مبجلة من أجل الاستحواذ على الأرض وعلى الممتلكات ومن أجل الاتجار بالنفوذ«.(بن سالم، 1988، ص. 26)

[2].تميز المعارف الصوفية بين الكرامة الظاهرة والباطنة والخفية. كما تميز بين الولي الظاهر والخفي. لكن، أكثر ما يثير الاهتمام. ولم يتم التركيز عليه بصورة جوهرية. كيف أن صورة الكرامة ارتبطت في المعرفة الصوفية والأدب المناقبي؛ بكونها رمزاً للنجاسة بوصْفها "حيْضا" .(" ألا يرى أن المشايخ كلهم اتفقوا على أن الكرامات حيض الرجال شبهوها بالحيض الذي هو أقبح مانع من الاشتغال بعبادة الله تعالى مع الإشعار بأن صاحب هذه الحالة امرأة لا رجل". (البسطامي، 2013، ص. 416-417). ومع ذلك ذاعت شهرة الأولياء وصيتهم الرمزي بواسطة الكرامة والبركة. يحتاج هذا الموضوع لوحده دراسة خاصة ليس موضوعها هذه الدراسة.

[3] لن نعود إلى التحليلات المتعلقة بآثار هذا المنعطف التاريخي، كما يسميه ولد الشيخ على بنية المجتمع البيضاني حيث تمثل الصراع بين حسّان (أولاد ناصر) وإبدوكل (لمتونة). بوصفه، آنذاك، تعبيرا عن صراع بين بين الانتساب الأميسي المهيمن من قبل صنهاجة وإحلالا للانتساب العربي الذي يمثله أولاد الناصر. هذا التأثير كما تمسرحه الرسالة الغلاوية أدى إلى بداية إعادة تشكيل المراتبية السياسية في الفضاء الصحراوي بناءً على صيغة حمائية. عرضت هذه التحليلات بصورة مشبعة في كثير من الأعمال الأنثروبولوجية خاصة لدى عبد الودود ولد الشيخ وبيير بونت ورحال بوبريك.

[4] الرواية الأصلية معروضة بشكل مفصل في مؤلف الرواية الغلاوية. ويبدو أن بابه بن الشيخ سيديا وسيدي بن الزين العلوي ينقلان عنه. (بابه، 1987194-195). (الكنتي، 2003،ص. 149-152).

[5] انظر على سبيل المثال النقد الذي وجهه حمودي لغيلنر.  

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche