المخيال في الأدب البوليسي وأصوله الأسطورية والاجتماعية في الثقافات الشعبية العالمية

إنسانيات عدد 21 | 2003 | المخيال الأدب - الأنثروبولوجيا | ص 11-31 | النص الكامل


Make-belief in Detective Novel Literature, and its social and mythical sources in universal popular culture

Abstract: The author of this article considers right away that the detective novel was given birth by the industrial civilization, even if its first origins haven’t yet been identified. But in spite of this first observation, he agrees that Edgar Alan Poe who underwent the influence of Voltaire’s novel (Zadig), whose origins go back to the tales of popular Arabic and Celtic myths, and sacred writings, is the precursor of this type of literature.
After having reviewed the different viewpoints which try to make a historic of this type, he tries to determine the most outstanding of this type as the characters who belong to popular classes, whose frustrations push them to want to get rich by all means, one of which is crime.
Only and in spite of its early beginnings the detective novel couldn’t be other then contemporary and modern, its contribution of popular tradition as well as scholastic tradition, have been deciding factors. In addition to these two contributions, urbanization has played a role in proliferating crime, which is the subject matter for detective novels.

Key words : Detective novels – Historical origins – Mythical origins – Popular patrimony – Thousand and one nights – The Art of literature.


Abdelkader CHARCHAR : Maître de conférences, Faculté des Lettres, Langues et Arts, Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie.
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie.


 

اإذا سلمنا أن فن الرواية البوليسية وليد الحضارة الصناعية، فإننا لا نعرف وبشكل قطعي أصولها الأولى، إلا أننا لو تقصينا هذه الأصول لتشعب بنا البحث وأدخلنا في متاهات ربما تؤدي إلى نتيجة سلبية، لا يمكن أن نتدارك أخطارها كلها.

ورغم الصعوبات التي يمكن أن تنجم عن هذه المحاولة، إلا أن ذلك لن يحول دون أن يتخذ البحث مساره الطبيعي والموضوعي في آن واحد.

يجمع الباحثون على "أن أبا الرواية البوليسية، هو: (إدغار ألان بو Edgar Allan Poe) وأن عمرها لا يتجاوز القرنين"[1]. وهذه المقولة مشكوك فيها، إذ إن هناك ما يثبت أن (إدغار ألان بو) اقتبس فكرة الرواية البوليسية من مؤلف (فولتير) المسمى : "زاديك Zadig" ويكشف عن ذلك "فرانسيس لكسان" في قوله: "حين أرسل إدغار ألان بو محققه (دوبان Dupin) للبحث في شارع مورغ عام 1841، تذكر مواهب الفراسة والحذق في التخمين التي امتازت بهما شخصية البطل في رواية زاديك 1747"[2] .

كما أن فولتير نفسه اقتبس فكرة زاديك من مؤلف عربي، وهذا ما يؤكده "ف. لوكسان" بقوله: "وكما نعلم فإن فولتير استلهم فكرة زاديك من مؤلف عربي يتضمن أسطورة الأمراء الثلاثة لسرنديب. وفي هذا السياق يمكن الوقوف على آراء تعود بهذا التسلسل إلى أصول بعيدة، حيث جاء في "قاموس المؤلفات لكل الأزمنة والبلدان-Dictionnaire des œuvres de tous les temps et de tous les pays" ما نصه:".. إقرار : أنا المقر أدناه ,والذي وجدته دون إرادتي: مسليا، أخلاقيا، فلسفيا، جديرا بإعجاب حتى الذين يكرهون الروايات.

كُتب زاديك أولا باللغة الكلدانية Chaldeen  ثم تُرجم إلى العربية من أجل تسلية السلطان "أولوق باب"Ouloug Beb)[3].

ويلاحظ أن لمؤلف أهمل ذكر العصر الذي عاش فيه السلطان المذكور. و بناء على ما تقدم ذكره، يمكننا أن نطمئن إلى أن الرواية البوليسية ليست وليدة القرن التاسع عشر كما يدعي البعض، وإنما تربطها بالقرون الغابرة صلة وثيقة، و ضمن هذا الاتجاه، يؤكد (ريجي ميساك Régis Messac) في مؤلفه الشهير: "الرواية البوليسية و تأثير الفكر العلمي Le détective nouvel et l'influence de la pensée scientifique)" .. بعد دراسة متأنية أجد أن أصول الخيال البوليسي تعود إلى الأساطير العربية والفلكلور السلتيكي والكتابات المقدسة.." أما بالنسبة لأوديب فهو المحقق العبقري، إذ يجمع بين وظائف المجرم والمحقق والضحية، كما هو الشأن فيما بعد بالنسبة (لشيري بيبي Chéri-Bibi)"[4].

ونعتقد أن أوديب لا يمكن أن يرقى إلى مستوى (المحقق Détective) بالمفهوم المعاصر، وبالصورة التي ظهر عليها (فدريك لرسان F. Larsan) في الرواية المشهورة "سر الحجرة الصفراء Le mystère de la chambre jaune" لـ (كاستون لورو Gaston Leroux).[5]

إن الناقد (ميشال لوبران) على الرغم من تعرضه لنقد مؤلف (ريجي ميساك) في شكله ومضمونه، وتنويهه بطريقة البحث الجادة والمتميزة بالعمق، إلا أنه عزف عن تقصي الأصول الأولى للرواية البوليسية، لما هنالك من الصعوبات، وندرة مادة البحث، ولذلك نلفيه يعلق على هذا الجانب بقوله: "إن بحثه سيتناول أول بدايات هذا الجنس في فرنسا في القرن التاسع عشر، في الوقت الذي لم تكن التسمية (الرواية البوليسية) موجودة بعد في مصطلح المؤرخين للأدب، وحين كان الجنس جنينا في رحم الرواية الشعبية وروايات أخرى"[6].

ثم يتساءل الباحث (م. لوبران) عن البدايات العجيبة التي تكونت فيها العناصر البوليسية الحقة والتي آلت فيما بعد إلى (رجل مباحث Le détective)،  كما أنه يضيف قائلا: "إن الرواية البوليسية كانت تسمى (الرواية القضائية Roman  judiciaire)، وجدت نشأتها وتطورها خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، في الفترة الصاخبة، حيث تعاقبت الحكومات، وكان لكل حكومة شرطتها الخاصة، وبوليسها السري.."[7].

ينبغي أن نوضح هنا من أي الأوجه نحاول إيجاد الأصول البعيدة للرواية البوليسية، ذلك أن اعتماد تقنيات الرواية البوليسية في هذا الصدد لا يجدينا نفعا، لأننا نعلم أن الرواية البوليسية لم تقنن، ولم تصبح جنسا أدبيا متميّز المعالم إلا بعد العشرينيات من هذا القرن، على يد الفيلولوج الأمريكي (فان دين Van-Dine)،  واضع العشرين قاعدة المشهورة.

كما أننا أشرنا في غير ما موقع من هذا البحث، أن أغلب الذين تعرضوا لبحث الرواية البوليسية، تحاشوا تناولها من جانبها التأريخي البحت، ولعل هذا العزوف راجع لكون هذا الجنس من الأدب، يختلط بغيره من الأجناس السردية الأخرى في كثير من العناصر الأساسية والثانوية على حد سواء. غير أن هذا كله لم يمنع البعض الآخر من الإشارة إلى بعض الأولويات البعيدة ؛ فهذا مثلا (بيار براهام Pierre Braham) قبل وفاته بأيام، يخصص عددا من مجلة (أوروب Europe) المتخصصة في الدراسات الأدبية والنقدية، للحديث عن الآداب الشعبية، والرواية البوليسية، ويؤكد في الافتتاحية على أهمية دراسة هذه الأنواع الأدبية التي بقيت مهمشة على الرغم من مكانتها العريضة والمتنامية فوق رفوف المكتبات وإقبال الجمهور الواسع على قراءتها. كما يرجع هذا الدارس أصول الآداب الشعبية والفن البوليسي الأوربي إلى "ألف ليلة وليلة" حين يقول: "يستحسن كثيرا الرجوع إلى الأصول الأولى.. إنها أصول تضيع في الزمان، ما هي إذن ألف ليلة وليلة، إذا لم تكن هذا المسلسل الشفوي الذي يتصور كل ليلة (شهرزاد) من أجل إثارة فضول الملك (شهريار)، وبفضل حكمة ومساهمة أختها (دينار زاد)، تستطيع تأجيل حكم الإعدام الذي كان يهددها، ويهدد أختها من فجر لآخر. ولم يستطع كتاب الروايات المسلسلة الحديثة بناء وضعيات ومواقف أكثر درامية من التي طالعتنا بها أساطير ألف ليلة وليلة.."[8].

إن هذه الإشارة إلى الأصول البعيدة لا تساعدنا كثيرا، إذ يبدو أن (بيار براهام) لا يفصل في مقدمته الرواية البوليسية عن الآداب الشعبية بصورة عامة، ولذلك لا بد أن نحاول البحث عن هذه الأصول بواسطة عناصر جوهرية في الرواية البوليسية ؛ كالمحقق مثلا، إلا أن هذا العنصر هو الآخر يبعدنا عن قصدنا أكثر مما يقربنا، ذلك أن شخصية (المحقق) لم تظهر بصورتها الكاملة إلا في العشرينيات من القرن العشرين في شخصية (أركيل بوارو Hercule Poirot) بإنجلترا في رواية لأجاتا كريستي عنوانها:La mystérieuse affaire de Style. Agatha Christie.* كما أنه لا يمكن التفكير يوما في اعتبار "أمراء سرنديب" رجال مباحث، على الرغم من الطرق المستخدمة من قبلهم في البحث عن معرفة صفات الجمل من خلال الآثار لكون هذه الطرق تعتمد على التفكير المنطقي لمعرفة الأحداث، ومقارنتها بدلالات مادية، وأمارتية (آثار وبصمات)، وهو ما كان يطلق عليه عند العرب "بالفراسة". ويعمد إلى ذلك الباحثان (بوالو ونرسجاك) في قولهما : "ويحتمل أن تكون أسطورة (سرنديب) من أصل فارسي، وتتضمن حكايات أبناء (الملك نيزار)، الذين وقفوا في أحد أسفارهم الكثيرة على قطعة أرض معشوشبة، لاحظوا أن جانبا منها قد أكل، والجانب الآخر ظل سالما، فصرح (مودهار) أن الجمل الذي أكل العشب كان أعور العين اليمنى، وأضاف (رابعة) أنه كان أعرج القائم الأيمن، ولاحظ (إياد) أن ذيله كان مبتورا، واستخلص (عنمار) أنه جمل مذعور ونفور.

ويعتقد للوهلة الأولى أن الأمراء الأربعة يملكون موهبة "استطلاع الغيب"، ولكن تفسيرهم للآثار بسيط جدا ؛ فالجمل كان أعور العين اليمنى، لأنه لم يأكل إلا من جهة واحدة فقط، وكان أعرج لأن آثار القائم الأيمن كانت أكثر عمقا من غيرها، وكان مبتور الذيل، لأن بعره كان مجمعا، وعادة الجمل أن يبعثر بعره بواسطة ذيله، وكان مذعورا ونفورا لأن آثار الأكل كانت غير منتظمة"[9]. ويعلق الباحثان بعد سرد ملخص الأسطورة، بقولهما : "..ويلاحظ أن فولتير اقتبس قصته (زاديك) من هذه الأسطورة، والتي نعتقد بشأنها أنها شكل قديم للقصة البوليسية، وليست سببا بعيدا من أسباب ظهورها"[10].

وما يمكن أن يستخلص من الآراء المعروضة، هو أن مباحث (Enquêtes) زاديك لا يمكن أن ترقى إلى مستوى مباحث (دوبان) [الشخصية المحورية في قصص إدغار ألان بـو]، كما أنه لا يمكن اعتبار فراسة الأمراء الأربعة في أسطورة سرنديب بحثا بالمفهوم الذي نجده في الرواية البوليسية، وإنما مثلهم في ذلك كمثل الصياد الذي يتقصى طريق الأرنب عن طريق آثارها أو الرجل الذي يحاول أن يتعرف على مختلف آثار العصافير ليتعرف بالتالي على أنواعها.. وهلم جرا.

كما لا نعتقد أن عملا واحدا من هذه الأعمال المذكورة يحمل بعدا قديما أو ميتافيزيقيا ؛ فهذه الأشكال وغيرها يمكن أن تظهر في حضارة بدوية، إلا أن الرواية البوليسية إنتاج حمم الحضارة المتمدنة، ونحن ننكر أن يكون هذا الإنتاج عديم الصلة بالحضارة البدوية على خلاف رأي (فرانسيس لكسان) : "لم تكن الرواية البوليسية لتظهر لولا هذه الحضارة العمرانية التي تولدت عنها مختلف مظاهر التصنيع ومظاهر الحياة الاجتماعية وغيرها في الربع الأول من القرن التاسع عشر"[11].

إن الحديث عن ظهور الرواية البوليسية في بداية القرن التاسع عشر، لا ينفي وجود بعض عناصرها الأساسية في الأعمال الأدبية القديمة ؛ فالإلياذة مثلا تعرضت في كثير من مقاطعها إلى موضوع التشرد المفروض على البطل، وما يلحقه من بحث وتقص. كما تناولت موضوع الجريمة والقتل الجماعي، بغية الفوز (بالأميرة)، أو منصب ذي نفوذ في العرش.وأوديب الملك نفسه تعرض إلى امتحان رهيب من قبل (المخلوق العجيب Sphinx)، استعمل فيه طرق المنطق بكيفية بدائية، وتوصل إلى حل اللغز المفروض عليه، وضمن بذلك النجاة، وتمكن من اعتلاء عرش المدينة (الدولة قديما).

كما أن كثيرا من القصص الشعبية العربية وحكايات ألف ليلة وليلة، تعرضت هي الأخرى في مضامينها إلى موضوع (الجريمة)، وتعددت أسباب هذا الإجرام، ونتائجه. كما تعددت طرق البحث عن المجرم قصد الانتقام أو فرض القصاص العادل.

ولا ينبغي أن نقف عند الإشارة إلى المكونات الأساسية لموضوع الرواية البوليسية، بل هناك عناصر ضرورية، أعتبرها الميزة التي كانت وراء تحوّل هذا الجنس من مرحلة إلى أخرى، وهي : أبطال وشخصيات هذا الفن الأدبي، إذ نراها في أغلبيتها تنتمي إلى الطبقة الشعبية المعذبة، والتي أحست بعمق الفروق الطبقية في المجتمع، فحاولت الوصول إلى الغنى عن طريق اختصار المسار باستخدام أقبح الطرق، وهي : القتل، الاعتداء، الحيلة، التزوير،.. الخ.

إننا لا يمكن أن نرجع بأصول الرواية البوليسية ونبحث لها عن بدايات دون أن نأخذها كما هي، من هنا تبدو وكأنها استمرارية للملحمة القديمة، التي تثير جو القلق والخوف بواسطة الأعمال الغريبة التي تعرضها، والأجواء نفسها نجدها في الرواية البوليسية، لكن بأشكال ذهنية عصرية، وقد عبر عن هذه الفكرة (فرانسيس لكسان) حين قال : "هي امتداد للملحمة القديمة، المصوغة وفق تشكيل ذهني في عالم معاصر"[12].

فأجدادها الأوائل ليسوا أبا الهول ولا (Bythie)، أو زاديك، ولكن (أوليس ULYSSE) وأضرابه من أبطال الخرافات الشعبية وأساطير الإنسانية. فإذا كان "الرسول" في قصة (زاديك) غالبا ما يأتي بأخبار تتصل بالمستقبل ؛ كأن يعرف الحقيقة الغيبية ؛ فرجل المباحث كالبطل يخلق مواقف معينة، ويأمر، وبفضله تكتشف الحقيقة، لا عن طريق الوحي-كما هو الشأن عند بطل الأسطورة- وإنما بالبحث والاستقصاء والمقارنة والاستنتاج.

فالبطل نموذج مستقبلي لرجل المباحث، وهو الواسطة بين الإنسان والمستحيل، لأن الإنسان عموما، يجهل في أغلب الأحيان الشيء الذي يفزعه ويرعبه.

أما رجل المباحث فيحتل المركز نفسه : الواسطة بين الإنسان وما يحيط به، ويحاول أن يحقق نوعا من التوازن السكيلوجي بين الإنسان والعالم.

وإذا قبلنا هذا التسلسل فالرواية البوليسية مظهر من مظاهر التمدن الحالي، ظهر كشكل مترسب عن الملحمة "فهو ما تبقى من آداب القرون الوسطى الذي نزع عنه ألوانه الخيالية من موكب، ومعركة، وقصور، وغاب … الخ"[13].

أما إذا نظرنا إلى الرواية البوليسية من جانب اشتمالها على الجريمة دائما، فإن أصولها الأولى عندئذ ترجع فيما نعتقد إلى بداية ظهور الإنسان حين قتل قابيل أخاه هابيل وهذا ما يذهب إليه (فر انسوا ريفار François Rivierre) حين يقول : "وبدون شك، فإن ميلاد النص البوليسي متصل بالإنسان الأول، وبالتحديد مع أول نواة في المجتمع، وقد ورد في الإنجيل أن قابيل (Cain) قتل أخاه هابيل (In Cold Blood)"[14].

ونجد نصا قرآنيا يثبت هذه الحادثة في قوله تعالى في سورة المائدة : "واتلُ عليهم نَبأ ابنيْ آدم بالحق إذ قرّبا قربانا فتُقبِّلَ من أحدهما ولم يُتقبّل من الآخر، قال لأقتلنّك، قال إنما يتقبّلُ الله من المتقين، لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يديَ إليك لأقتلك، إني أخاف الله ربّ العالمين. إني أريد أن تبوأَ بإثمي وإثمِك فتكون من أصحاب النارِ وذلك جَزَاؤُا الظالمين. فطَوعَتْ له نفْسُهُ قَتْلَ أَخيهِ فَقَتَلَهُ فأَصْبَحَ من الخاسرين. فَبَعَثَ الله غُراباً يَبْحَثُ في الأرض ليُرِيَهُ كيف يُواري سَوْءَةَ أخيه، قال يا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أن أكون مثلَ هذا الغُرابِ فأُوَارِي سَوْءَةَ أخي فأصْبَحَ من النَّادِمِين"[15].

ومع أن ظاهرة القتل موجودة في الأجناس الأدبية كلها منذ ظهور الأدب المكتوب، إلا أن هذا لا يعني أن كل حادثة قتل معبر عنها بنص مكتوب، هي سمة فنية تدخل تحت فن الأدب البوليسي، وإنما هنالك سمة مشتركة بين سائر فنون الأدب المكتوب، ونعني بها الخيال الذي يشد القارئ أو المستمع إليه في كل من الأسطورة الإغريقية وألف ليلة وليلة والرواية البوليسية، ولعل ما يراه (فرانسوا ريفيار) يؤكد مدى علاقة الرواية البوليسية بالأسطورة الإغريقية والأساطير العربية، بقوله :"إن كل قصص الرواية البوليسية في هذا الجنس الأدبي المميز عن باقي الكتابات السردية الأخرى، تعود إلى العهود القديمة عند البعض بحق أو بغير حق. نعم يمكن أن نوافقهم على ذلك، إذا كان اعتقادهم مثلا أن "لرسان" توأم أوديب، وشبيهه في رواية (حقيقة سر الحجرة الصفراء)، كما يمكن أن نجاري الذين ذهبوا إلى اعتبار وظيفة الخيال وأثره في شخصية المتلقي كما هو الحال في الدور الذي تؤديه شهرزاد أمام السلطان هارون الرشيد (*)"[16].

وبناء على ما عرض من آراء لا يمكن الوقوف على الحدود التي تفصل بين هذا الجنس الأدبي وذاك إلا في ضوء ما نجده من سمات فنية مشتركة بينها. ويبدو أن لهذه الأسباب وحدها تكمن صعوبة تحديد رواية بعينها وتسميتها بـ"البوليسية"، وإنما يمكن اعتبار الرواية البوليسية –ضمنيا- جزءا من جنس الرواية. وفي هذا السياق يمكن الحديث عن ظهور نصوص أدبية تهتم بالإجرام والمجرمين في القرون الوسطى بأوربا حيث كانت هذه النصوص تتخذ لها أبطالا من الأوساط الشعبية البسيطة، كما ظهر في فترة لاحقة تيار يُدعى أدب الصعاليك (Rogue Littérature ou Littérature de Truands) وكما تدل عليها تسميتها، فإن هذه الآداب تعرض مغامرات فئة تريد أن تنتقم من المجتمع بشتى الطرق والوسائل.

وبموازاة ذلك ظهرت كتابات سردية تضمنت حياة المتشردين، وهو ما اصطلح على تسميته بالأدب البِكرسيكي (Littérature Picaresque) وأبطاله من العصاة المتشردين والمحتالين والقتلة المجرمين، يعيشون على الحيلة، ويحبون حياة التشرد.[17]

ومع ما يربط هذه الآداب بالمقامات العربية، وإن كان ليس ها هنا مجال للدراسة المقارنة بين هذين النوعين من الأدب، وإنما ما أردناه وقصدنا التركيز عليه هو بروز تيمة الحيلة والتشرد في معظم الحكايات، وما يعانيه البطل الذي ينتمي إلى الطبقة الشعبية من صراع مع أبطال وهميين في كثير من الأحيان، يرمزون إلى الطبقة البرجوازية أو إلى السلطة أحيانا أخرى، والتي كانت تفرض أحكاما تعسفية تزيد من شقاوة وغربة البطل في عالم متفكك ضمن هذه الأنواع من الآداب، وإن تباعدت مشاربها وأوطانها وجنسياتها ولغاتها، ولكن جوهرها يبقى الإنسان الذي ينزع هذه النزعة التشردية، وحب الانتقام، والصراع بين الخير والشر.

إن هذه الروافد وإن كانت في معظمها لا تمتّ بالصلة المباشرة إلى الرواية البوليسية كجنس أدبي ذي حدود فنية، وإطار جغرافي وبشري معيّن، إلا أنها ذات أهمية كبرى كما سنلاحظ ذلك لا حقا ضمن هذا البحث.

ففي القرن التاسع عشر، تضافر عاملان اثنان، كانا بمثابة الرافدين المباشرين للرواية البوليسية بأوربا، وهما:

  - الموروث الشعبي   Tradition populaire

  - الموروث العالم   Tradition savante

حيث يقصد بالعامل الأول الرصيد الأدبي المتمثل في النصوص التي كان يتغنى بها المتشردون، والشعراء الجوالون والتي كانت تتضمن في مجملها قصص المنبوذين، وهي شبيهة بأدب البكارسك. بالإضافة إلى الميل للحكايات الإجرامية التي كانت تشد فضول الطبقة الشعبية، نظرا لاحتوائها على الطابع الشاذ في كثير من الأحيان، كما أنها كانت تعكس الصعوبة التي كان يعانيها المهمشون في المجتمع. إنها قصص المعذبين في الأرض، في بيئة متحضرة، داخل المدن الكثيفة السكان.

أما العامل الثاني، فيقصد به الأعمال الفنية الأدبية ذات المستوى الفني الرفيع، والتي أثرت بشكل أو بآخر في نشوء وتطور الرواية البوليسية. وقد جاءت الإشارة إلى ذلك ضمن هذا النص المأخوذ من (موسوعة لاروس):"..  في القرن التاسع عشر الميلادي، تضافر عاملان اثنان في ميلاد الرواية البوليسية : الموروث الثقافي الشعبي والموروث العالم. وينضوي تحت العامل الأول اتجاه الذوق الشعبي نحو القضايا العجيبة وقضايا الإجرام التي تبنتها مجموعة (الكنار  Canards) لمدة قرن كامل، بالإضافة إلى الأناشيد الشعبية للشعراء الجوالين، الذين كانوا ينقلون الأخبار العجيبة من مدينة لأخرى.

أما العامل الثاني فتعبر عنه شخصيات (كارل مور Karl Moor)، وقطاع الطرق عبر شخصيات (شيللر دي ويرنر Schiller de Werner) والروايات الإنجليزية كرواية (قصر أوترانت Château d’Outrante).[18]

وبالإضافة إلى هذه الروافد، هنالك عوامل اجتماعية واقتصادية وفي مقدمتها النزوح نحو المدن وما سببه من مشاكل نتيجة التجمع الكثيف للعديد من السكان، في رقعة ضيقة وما أفرزه من مشاكل كالأمراض الاجتماعية والبطالة وظهور الفسق والزنا وانتشار ظاهرة الإجرام والاعتداء على الغير.

وهكذا تحولت المدينة إلى ملجأ لبعض الهوايات الشاذة كالجنس والقمار والخمر والمخدرات بجميع أنواعها، كما أصبحت هذه التجمعات مسرحا لهذه المظاهر الاجتماعية الشاذة، واتخذت مكانا لها الأزقة المظلمة الضيقة، وساعد على نموها وخطورتها كثافة السكان وتباعد عقلياتهم وهمومهم وأذواقهم المختلفة.

وقد اهتم علماء الاجتماع في العقود الأخيرة من القرن العشرين بظاهرة الإجرام، فحاولوا أن يفسروا ذلك في ضوء ما توصلوا إليه من علوم في الميادين المختلفة ؛ من ذلك- على سبيل المثال لا الحصر- الدراسة التي نشرتها (فرا نسواز هـ. مونين Françoise H. Mounin في المجلة العلمية (Science et Vie) تحت عنوان: " العلم ضد الجرائم La science contre le crime"، حيث حاولت حصر الأسباب الرئيسة للإجرام في العالم المصنع اليوم. ونعرض فيما يأتي بعض الآراء التي وردت في المقال :"يرجع علماء الإجرام أسباب الجريمة واحتراف الاعتداء إلى أسباب أربعة هي:

يتعلق السبب الأول بطريقة حياتنا الحضارية والثاني بالطابع الاجتماعي،  والثالث بالجانب النفسي والأخير بالطابع البيولوجي.

إن الإجرام ينمو بصورة ملفتة للانتباه في جميع الدول المصنعة في أوروبا الغربية. لماذا ؟ يجيبنا الأستاذ "جان بيناتال" Pr. Jean Penatal رئيس الشركة العالمية لعلم الإجرام: إن الذي يطبع مجتمعاتنا هو التحول المفاجئ الناجم عن التصنيع السريع، والتطور في مجالات العلم والتكنولوجيا. ويلاحظ أن انفصالا مهولا وقع بين التطور العلمي والتكنولوجي من جهة والثقافة (أي عاداتنا، أفكارنا، معتقداتنا، طرق معاملتنا) من جهة أخرى. لم يستطع الإنسان التعايش مع هذا التجديد المفاجئ، لأنه وجد نفسه في ظروف غير منتظمة اجتماعيا وفق المنظور المألوف لديه. إن كل شيء يتحول وباستمرار.

إن ما يدفع إلى الإجرام في اعتقاد (علماء الإجرام) هو الطابع غير المنظم الذي يطبع الحياة الاجتماعية الفردية منها والجماعية، واللاتعايش بين الفرد وما يحيط به من مستجدات. ويمكن الوقوف على ذلك في المدن الحديثة الكثيفة السّكان، أين فرض التقدم التقني والعلمي على الإنسان إطارا تجاهل وجوده، وحوّّّّّّّّله إلى آلة لا تنسجم -في أغلب الأحيان- وما يصدر عنه من سلوكات بيولوجية ونفسية.

إن أحياء التجمعات السّكنية بشوارعها المزدحمة، وسياراتها، وحافلاتها، وأضوائها الكثيرة والملونة، تبهر الناس وتزيد من إثارتهم،  وتساهم في إذكاء روح الإجرام لديهم وبالمقابل لا نجد هذا الإحساس لدى الأفراد في العالم الريفي حيث المحافظة على العادات والتقاليد التي تحول دون ارتكاب بعض الأفراد والجماعات لكثير من الحماقات."إن المجتمع المتحضر على النقيض من ذلك لا يعرف أي تقليد اجتماعي، هذا بالإضافة إلى الفروق الاجتماعية والطبقية التي تتسبب غالبا في شحن النفوس ودفعها إلى الانتقام والإجرام "[19] .

وتذهب الباحثة "فرانسواز مونان" في عرضها إلى حصر الأسباب الاجتماعية للإجرام في فرنسا فتلخصها في ثلاث فئات:

"1- التجمعات الكبرى المصنعة والتي تفتقر في كثير من الأحيان إلى وسائل التثقيف والترفيه، مما ساهم في تكوين مجموعات من الأشرار والمجرمين في سن مبكرة جدا.

2- الخمر: وهو مرض خطير ينخر المجتمع الفرنسي وسبب جوهري في الاندفاع نحو الإجرام، وذلك اعتمادا على دراسات لمركز "فرسناس" (Fresnes) الذي أوضح أن 85% من الاعتداءات و%74,5 من حالات الضرب والجروح المتفاوتة الخطورة و%65  من الاغتصاب وهتك الأعراض و45% من الحرائق حالات كانت كلها نتيجة الإدمان على الخمر.

     3- كما أن المخدرات هي الأخرى عامل من عوامل تهميش الفرد المدمن وتحطيمه حيث تدفع به إلى وسط المدمنين والأشرار، وهذا الانتماء يؤدي به إلى استعمال العنف والسرقة والاغتصاب."[20]

وبالإضافة إلى هذه الأسباب الاجتماعية، هناك عوامل نفسية يحصرها الأستاذ جان بينتال) في ثلاث حالات : "الأنانية، العدوانية، واللامبالاة المطلقة"[21] كما تورد الكاتبة تعليقات إضافية تتعلق بالعامل النفسي نقتطف منها ما يلي :

"الأنانية : وهي ظاهرة طبيعية عند الإنسان، إلا أنها تظهر وبصورة جلية لدى الأطفال حتى سن الثامنة، وتصاحب المراهقين الذين لم يعرفوا توازنا سيكولوجيا في المحيط الذي يعيشون فيه، وتتحول حينئذ إلى مرض خطير.

العدوانية : وتتخذ مفهوما واسعا عند الأستاذ "بيناتال" حيث تشمل في كثير من الأحيان بعض السلوكات المعبّرة عن الذات.وبالمقابل فإنها في مفهومها الضيق تشمل الحقد وما ينجم عن الكبت والحرمان وتترجم عن طريق العنف والغضب والاعتداء."[22]

وتستعين الكاتبة في هذا الصدد بنتائج الدراسات التي قام بها الباحث الأمريكي (جيمس بريسكوت James Prescot) الـمخـتـص في عــلــم الأعـصـاب (Neuropsychologue) بالمعهد الوطني للصحة بواشنطن (Washington) حيث يؤكد:"أن الحرمان الجسدي ونقص الحنان والعناية بالأطفال يؤديان إلى العدوانية، فحينما فصلنا قردة منذ ولادتها عن أمهاتها ومنعنا كل اتصال بينها، لاحظنا أن القردة عندما بلغت سنا معينة أظهرت عدوانية عنيفة جدّا.

وقبل إ جراء التجربة على الإنسان قمنا بدراسة مختلف السّلوكات لأكثر من 400 عينة لشعوب بدائية على ضوء الدراسات الإحصائية الأنثروبولوجية فلاحظنا أن ثلاثة أرباع من الشعوب البدائية (التي كانت موضوع الدراسة) تولي عناية خاصة للأطفال وتتميز بالعطف و الحنان لذلك كانت أعمال القتل والاعتداء والاغتصاب فيها قليلة جدّا لا تكاد تثير أي اهتمام. والربع الأخير من هذه الشعوب كان يتميز بالمحافظة على"الشرف"وما يتعلق (بالبكارة قبل الزواج) Virginité pré-conjugale والتي كانت تحول دون نمو الحاسة الجنسية Instinct Sexuel [23] ويمكن أن يتسبب هذا العائق في هدم ما بنته الرعاية السلمية، وتخلص الباحثة إلى القول : "إن ظاهرة العدوانية عند الأفراد والجماعات تعود أساسا إلى نوعية التربية التي يتعرض لها الأطفال في صباهم، فالمسئولية تعود بالدرجة الأولى إلى الآباء لأن آثار الصبا لا تمّحي عند الأفراد بل تختفي وراء قناع سرعان ما يكشف عنه مع مرور الأيام."[24]

ونعرض فيما يلي جدولا يوّضح نسب الإجرام في بعض الدول، وهي إحصائيات رسمية حسبت وفق مقياس جريمة في كل 1000ساكن [25].

 

بلدان

ألمانيا

النسما

دنمارك

فرنسا

لكسنبورغ

سينغال

سويد

تونس

أمريكا

نرفاج

سنوات

1974

1974

1974

1974

1974

1974

1974

1974

1974

1973

النسبة

44,19

40,96

46,74

34,62

25,82

2,51

78,44

10

41,76

21,82

 

ونلاحظ من خلال مقارنتنا للنسب المعروضة أن الدول المصنعة تعرف نسبة إجرام تصل في بعض الأحيان إلى30 مرّة أكثر من نسبة الإجرام في بعض الدول السائرة في طريق النمو، كما هو الحال مثلا بين :السويد والسنغال (78,44%)  و (2,51%).

وأخيرا العامل البيولوجي، ويلاحظ أن الكاتبة أظهرت تحفظا كبيرا في تحليل ومناقشة عناصر هذا العامل، إلا أنها قالت : "وهو عامل غير مرتبط بمحيط الإنسان ونوعية المجتمع الذي يعيش فيه، ولكنه يظهر طفرة كحادث مأساوي، غير مرتبط بالجانب الوراثي، ويدعى : (زلل كروموزومي Aberrations chromosomiques) وهو يقوم على الفروق الكروموزومية عند الرجل على الخصوص حيث يلاحظ أن فئة تتميز بالعدوانية كلما زادت فيها الكروموزومية معينة."[26] وعلى العموم يبقى هذا العامل قليل الأهمية إذا ما قورن بالعوامل الأخرى.

إن علم الإجرام، علم ما يزال في طور النشوء ويحتاج إلى كثير من الجهود المالية والبشرية ليثمر وتستفيد منه الشعوب، وإلى أن يصل هذا العلم إلى مبتغاه. ماذا ينبغي على العالم أن يقوم به للحدّ من ظاهرة الإجرام التي بدأت تأخذ طابعا خطيرا في بعض المجتمعات ؟

إن ظروف ظهور الرواية البوليسية وانتشارها في أوربا تزامن وظاهرة النزوح الريفي نحو المدن وتكوين مجتمع جديد تربطه علاقات اجتماعية وسياسية وعقائدية متميزة، عن ذلك نقرأ في (موسوعة لاروس) ما يلي : "فبالإضافة إلى العوامل الأدبية، هناك عوامل اجتماعية واقتصادية أولا و قبل كل شيء ظاهرة العمران التي نتجت عن النزوح نحو المدن، وتكديس البنايات في مساحات ضيقة، مما سمح بظهور بعض الهوايات الشادة (كالجنس، السرقة، القتل، الاغتصاب)، وهذه الظاهرة أقلقت الطبقة البرجوازية التي كانت تستوطن وحدها المدن من قبل فعبرت عن سخطها وقلقها بواسطة الرواية البوليسية، فكان متنفسها الوحيد والعجيب في آن واحد".[27] 

ولئن كانت الرواية البوليسية متنفسا للطبقة البرجوازية، ومخرجا لها من المضايقات المفروضة عليها، فهي بالإضافة إلى ذلك ظاهرة فنية أدبية عكست وضعا اجتماعيا وفكريا واقتصاديا لمجتمع يعيش مخاض صراع حضاري، وتحول خطير في مجال العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وتكوين عالم متحضر لم يسبق  له مثيل. ولذلك استحقت الرواية البوليسية، وبكل جدارة عناية الباحثين.

والبحث في أصول الرواية البوليسية يتطلب ـحسب وجهة نظري ـ الحديث عن إطارها المكاني (الطوبوغرافي)، لما هنالك من العلاقة الوطيدة بين أصول هذا الجنس وفضاءاته المكانية.ونقصد هنا البيئة التي ظهرت فيها الرواية البوليسية، والمجال الذي تتحرك فيه شخصياتها، وتقع فيه أحداثها.

أعتقد أن (المدينة) كانت وما زالت ملهمة كتاب الرواية البوليسية. اتخذها الروائيون مسرحا تجرى فيه أحداث أعمالهم الروائية، لأنها تمثل الواقع المعيش، والإطار الحي الذي تجري فيه العلاقات اليومية.فهي ملجأ للمجرم، والمحقق، والضحية على حد سواء، إنها رمز للرواية البوليسية، رواية العصر.

وفي هذا السياق يؤكد (فرانسيس لكسان)أثر المدينة في ظهور الرواية البوليسية بقوله :

"بواجهاتها الموحية بالقوة والاطمئنان، وبنماذجها البشرية المختلفة الطباع والألوان والطبقات، وبشوارعها الكبيرة، حيث تتولى المطاردات اليومية للإنسان، وبعمارتها الشاهقة التي تخفي أسرارا عجيبة، وبأضوائها الزاهية المثيرة، وبلياليها المخيفة والمهددة.. إنها المدينة؛تبدو في آن واحد : عدوّ وصديق المحقق، إنها رمز العجب وحديث الساعة."[28]

ولعل جو الغموض الذي طبع حياة أهل المدن أثار شهية كتاب الرواية بصورة عامة، حتى "إن بلزاك نفسه كان معجبا بهذا الغموض الذي ملأ رواية "ستندال" فراح يصوره بأسلوبه الخاص في رواياته التي كتبها في أربعينيات القرن التاسع عشر، ومن بين هذه الروايات : "مهمة مظلمة"-"الرائعون"و"مآسي  المحظيات"وغيرها. وكما يؤكد النقاد فإن هناك عالما سرّيا خاصا له شعائره المميزة، موجود في هذه الروايات."[29] وقد تزامنت هذه الظاهرة وازدهار الرواية البوليسية والروايات الشعبية التي كثر فرسانها من الأدباء، وحققت نجاحا كبيرا، واتسع مجال انتشارها في وسط القراء.

ويقول الناقد محمود قاسم عن ظاهرة انتشار الرواية البوليسية وأثر المدينة في ظهور هذا الجنس الأدبي وتطوره ما يلي :"واستطاع كاتب مثل "يوجنسو"أن يبيع من رواياته أعدادا كبيرة لم يحققها كبار الأدباء المرموقين في أوربا في تلك السنوات، واستطاعت الرواية البوليسية أن تقف على قدمها من خلال روايات من طراز "أسرار باريس" و"أغوار باريس" و"ليالي باريس" التي كتبها سـو، وهي ظاهرة لم تكن معهودة من قبل، أن يحاول كاتب كبير ومشهور تقليد كاتب جديد مغمور."[30] 

ومن تأثير المدينة على ظهور الرواية البوليسية وتطورها أنها تصدرت عناوين كثير من هذه الروايات، وقد سبق للناقد المصري محمود قاسم أن ذكر بعضها ونضيف إلى هذه القائمة بعض روايات (أد غار آلان بو) الذي كان يعنون بعضها بشوارع المدن وأحيائها، "قتيلاتا شارع مورغ".

وقد كانت المدينة عاملا من عوامل دفع الكتاب إلى النزول من عالم الأرستقراطيين وتصوير عالم الحضيض، ولا أزعم أنه عامل حيوي وأساسي، لكنه أثر بصورة أو بأخرى في انفتاح عالم لم يألفه الكتاب ولا القراء، وبذلك فتح المجال لظهور روايات شعبية وبوليسية ابتداء من القرن التاسع عشر ميلادي.ويعلق الناقد المصري محمود قاسم على هذه الظاهرة بقوله : "وفي تلك السنوات، كانت أوربا تتحدث عن رجل آخر يناصر الفقراء، وهو الألماني (كارل ماركس)، مما جعل من الروايات التي يكتبها "سو" بمثابة ظاهرة يطلبها العامة من أبناء الشعب.

وقد كان نجاح هذه الروايات سببا في أن يتجه الكثيرون من الكتاب الجدد إلى تأليف روايات على النمط نفسه.وكان "بوانسن  ذي ترايل" صاحب روايات "روكامبول" أبرز المجيدين في هذا المجال بعد "سو". كما برع في كتابة الرواية البوليسية "بول فافل"، و"أميل جا بوريه".وسنرى أن "موريس لوبلان"، و"أرثركونان دويل"بمثابة تلاميذ مجدين في هذه المدرسة الجديدة التي جاءت بنوع روائي فريد.وقد حاول كل من هؤلاء الكتاب أن يصنع عالما خاصا مميزا."[31]

تحولت المدينة الصناعية في عصر ما بعد الثورة إلى غابة تخفي أسرارا رهيبة، تجمعت فيها كل الهوايات وكل النماذج البشرية التي يصعب التحكم فيها، لأن واجهات البنايات تحجبها وتخفيها، ويتطلب الوقوف على أسرارها عناء ومشقة كبيرين.

إن هذه التعقيدات التي طبعت العلاقات الاجتماعية التي ميزت أوربا القرن التاسع عشر، وما بعده القرن العشرون، أثارت فضول كثير من دارسي الآداب الشعبية[32] ونقاد الأنواع الأدبية الأخرى إلى تحليل العوامل الاجتماعية والسياسية والنفسية والتي كانت سببا مباشرا في نشوء وتطور بعض الأجناس السردية، كالرواية البوليسية مثلا.ومن بين هؤلاء النقاد والدارسين، نذكر (بوالو ونرسجاك) اللذين علقا على هذا التحول الاجتماعي والاقتصادي بقولهما : "ومع ظهور عالم رجال الأعمال، تغير كل شيء، وقع تحول جذري في حياة الأفراد.وقد كانت الثورة وحروب نابليون من قبل قد أحدثت تغييرا جذريا بالإضافة إلى التطور العظيم الذي عرفه عالم التجارة والصناعة، وكان من نتائجه إعادة تكوين الثروات، فتغيرت بموجب ذلك قوائم الأثرياء، وتنكر العالم لقيم المال وجدارة الحصول عليه، وأصبحت الثروة في يد عصابة لا ترعى حق العهود، ولا تكترث بالمبادئ الأخلاقية."[33]

وبموازاة هذا التطور الاجتماعي والحضاري والعمراني، هناك تطور هائل في جهاز البوليس، الذي تقوى بفضل العناية التي أولتها له الحكومات المتعاقبة، كما أن وظيفة هذا الجهاز ووسائله تطورت بفضل ظهور العلوم التجريبية، واستفادة هذا الجهاز من التجارب والخبرات والنظريات العلمية الجديدة، وتطورت وفقا لذلك أساليب البحث والعمل البوليسي[34] فلم تعد كما كانت مجرد اتهامات متكررة، بالإضافة إلى استعمال العنف والقسوة، بل أصبحت تعتمد الاستقصاءات، ثم التحليل والمقارنة، فالحكم والإدانة أو التبريء وإخلاء السبيل.. إنها إذن الطرق نفسها المستخدمة في المخابر العلمية.

وبموازاة هذا التطلع الشعبي الخاص والعام، وهذا الوعي الفني والفكري لدى الأدباء والمفكرين، شهدت الفترة تطورا في وظائف أجهزة البوليس، حيث تحول إلى قوة ردع تحارب مختلف التجاوزات المفروضة على الدولة والمواطن من قبل الصعاليك وهواة الجريمة.وقد ورد ضمن مقال لـ(ميشال لوبران) تعليق يتناول جانبا من وظائف جهاز البوليس:" إن القرن التاسع عشر عرف جهازا بوليسيا يدعى "عمالة الشرطة Préfecture de police"، أنشأه نابليون وبواسطته استطاع قمع المغامرين المتعددي الأشكال، والذين ظهروا بعد التحولات التي أبرزتها الثورة الصناعية."[35]

إن هذا التطور الذي حصل في أوربا شمل الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والإدارية مما نتج عنه إفراز لاتجاه معين في الأدب، لا سيما الرواية والقصة القصيرة.

وهكذا نلاحظ شيوع موضوع (المجتمع السري) في هذه الفترة، وقد ركز (ميشال بوتور) في مؤلفه (الرواية الجديدة) ضمن فصل من فصول كتابه :" الفرد والمجتمع" على هذا الجانب حين قال :" إن موضوع المجتمع السري أصبح موضوعا أساسيا في الأدب الروائي في القرن التاسع عشر، وقد بدأ الروائي يتطلع إلى كشف الخفايا التي تطبع المجتمع بعيدا عن الرسميات التي فرضتها القرون الماضية عن طريق هيمنة طبقة النبلاء وعدم الرضى عن البوح حول ما يتعلق بأسرار القصور والحشم. إن الكشف عن الخفايا، وهدم المظاهر، وإفشاء الأسرار،  سيشكل لا محالة نواة أدب سيجمع حوله قراء، ويخلق شركة جديدة إيجابية وسط جماعة فضولية تشهد انقلابا اجتماعيا وفنيا خطيرا."[36]

وهكذا يكون الموضوع المعبر عنه كما ورد في تعليق (ميشال بوتور):"كشفا جديدا للروائي، ومصدر كتابة ثرية، ومجموعة من المحادثة والتجانس."[37] وبعد أن حدد ميشال بوتور مجموعة من العلاقات بين الشخصية الفنية في الرواية والموضوع والعصر لاحظ أن "طبقة النبلاء بعد أن زالت سلطتها، أصبحت تلامس هذا العالم المقلوب، هذا المجتمع السري، مجتمع عالم المتقلبين عن طريق إثارة مواضيع الشذوذ الجنسي. ففي روايات (بلزاك) تعبير بصورة مجانية عن هذا الانقلاب في الطبقة الاجتماعية، والذي يمثل إحدى اللحظات الأساسية في النشاط الروائي." [38]والمهم-حسب ما يفهم من تعاليق بوتور-أن تحتوي الرواية سرا، كما لا ينبغي أن يعرف القارئ في مطلعها كيف ستنتهي القصة، وهذا هو الاتجاه الفني الذي تبنته الرواية البوليسية، غير أنها طورت الوسائل الفنية والتشويقية التي هي من سماتها الرئيسة.

إن الرواية في زعم (ميشال بوتور) "تعبير عن مجتمع يتغير، ولا تلبث أن تصبح تعبيرا عن مجتمع يعي أنه يتغير" [39]وهي بذلك "تتعدى الحد الذي رسمه لها كثير من النقاد حين قارنوها بالملحمة، فرأوا أن الملحمة تروي قصة مغامرات جماعية، بينما تكتفي الرواية بسرد مغامرات فرد"[40] و يضيف (م.بوتور) أن الرواية "منذ عهد بلزاك تجاوزت حد هذه المقابلة، وأصبحت تروى بواسطة مغامرات فرد حكاية تحركات مجتمع بأسره، ذلك أن المجتمع لا يتألف من أناس فقط، بل من كل ما هو مادي وثقافي."[41]

ويستخلص مما سبق أن الفردية الروائية مظهر فقط، "ويبقى أن نعي جيدا أنه يستحيل علينا أن نصف تطور شخص ما دون أن نصف في الوقت ذاته هيكل فئة من المجتمع، أو بشكل أدق، بدون تبديل التمثيل الذي تكونه بواسطة تنظيمها هذه الفئة من المجتمع، مما يبدل هذا الهيكل نفسه في مدى قصير أو بعيد."[42]

وتأسيسا على ما قدمنا تبدو الرواية ترجمانا شبه موضوعي لهذا المجتمع المتحرك والمتغير على الدوام، مع ما هنالك من فروق بين العالم المتخيل والعالم الموضوعي. ولذلك فإن أول شخصية شدت انتباه الروائيين بعد الانقلاب الذي حدث في الطبقة الاجتماعية، والذي ركز عليه الخطاب في النص الروائي، هي شخصية "(فيدوك Vidoc)، وقد أثبت هذه المقولة (م. بوتور)، بقوله : "تعتبر شخصية (فيدوك) أول ملهم للرواية البوليسية بواسطة تأثيرها على الكتاب الذين استوحوا طرقها وسماتها الخاصة، ونعني بذلك كل من (ألكسندر دوما -Alexandre Dumas –أوجين سـو Eugène Sue- - فيكتور هوغو Victor Hugo- وبلزاك Balzac) هذا الأخير الذي حول شخصية فيدوك إلى ( فوتران Vautrin)"[43]ويمكن أن نقول:إن شخصية (فيدوك) أوحت بالشخصية النموذجية للرواية البوليسية ولكن بناءها لم يحدد في تلك الفترة ما بين (1822-1849) واتخذها كل من (الكسندر دوما وأوجين سو وفكتور هوغو وأخيرا بلزاك) نموذجا بوليسيا فذا.وقد سجلت المذكرات المشهورة (لفيدوك) سنة 1828 من قبل أسودين يكشف عنهما (ميشال لوبران) لأول مرة في مقالته المنشورة في مجلة "أوروب" : "إن المذكرات الخاصة بفيدوك والمنشورة من قِبَلِ مطبعة "تينون"(Tenon 1829-  1828)، كانت مسجلة من قبل أَسْوديْن يطلق عليهما (رفيزارReviseurs  - فيدوك) مدير الأمن يصبح عام 1822 صديق (بلزاك)، ويستفيد منه هذا الأخير في كل ما يتعلق بأخبار الشرطة وما يتصل بوظائفها في المجتمع."[44]

وهناك من الدارسين من يرى بأن (ويلكي كولان Wilkie Collin  ) هو أول من كتب نصا روائيا بوليسيا جديرا بهذه الصفة.يذكر (فرانسوا ريفيار) "أن مؤلفه "صخرة القمر" 1868 مؤلف بوليسي على الرغم من أن كاتبه لم يكن ينوي كتابة رواية بوليسية وإنما كان بصدد كتابة رواية تأخذ أبعادها النفسية والاجتماعية من التراث الشعبي، إلا أن بناءها وحوادثها كانت ذات صلة وثيقة بالرواية البوليسية مما جعل النقاد يعتبرونها كذلك."[45]

ونعتقد أن (ويلكي كولان) في روايته "صخرة القمر" و (جابوريو اميلGabriau Emile في روايته :"السيد لوكوك"و(إدغار بو)في مجموعته[46] مهدوا للرواية البوليسية، ونحن نعلم أن هذا الجنس لم يحدد بقواعد إلاّ في العشرينات من  القرن العشرين على يد (فان دين) وعلينا أن ننتظر هذه الانطلاقة فترة حيث استقر هذا الجنس واتخذ أبعاده الفنية، وأخذ يظهر في المجلات على شكل مسلسلات، وتبنته بعضها لما لاقته أعدادها من رواج.

ومهما يكن من أمر، فإن بذور الرواية البوليسية، صاحبت الإنسان منذ فكر في خلق أدب يمتعه ويفزعه في الوقت نفسه، إلا أن أشكال هذا الأدب تغيرت عبر العصور بحكم تطور الحياة.

فالرواية البوليسية بثوبها المعروف حاليا مظهر مدني يمكن أن يمد عروقه إلى الأشكال المترسبة عن الأساطير والخرافات والقصص الشعبية والفلكلور الإنساني. "ذلك لأن العالم المعاصر باسم التفكير المنطقي خلق بين العادي وغير العادي مسافة واختلافا، لم تكن المجتمعات القديمة تـعرفــه، فـقـارئ (أولـيـس Ulysse) القديم كان ينتظر غضب الآلهة، كما أن الغابة كانت تمثل بالنسبة إلي عالما رهيبا غامضا زاخرا بالجن والسحرة. أما عالم اليوم فهو لا يرى في كل ذلك إلاّ الأساطير، حيث تحولت الغابة إلى مدينة مملوءة بالحركة الرهيبة أكثر من حركة الغابة، والوحوش فيها (الغابة) تحولت إلى آدميين يقتلون وينهبون.وفي هذا الديكور الجديد وسط الأضواء الباهرة، وفي هذه البيئة المميزة بدخان المعامل، لم يبق المهم هو البحث عن (الأمثل) وإنما المحافظة على الأمن.فالتصنيع أخلّ بالتوازن النفسي والاجتماعي للحضارة الإنسانية حيث أصبح الإنسان مرتبطا برقعة جغرافية ضيقة، وكلما دفعته غريزته إلى البحث عن الغنى والمتعة الجسدية، سلك طريقا سهلا، طريق السرقة والنهب والقتل. "[47] ومن هنا يظهر تحول البطل من مجرد إنسان في الأساطير والخرافات القديمة، يستطلع المستقبل ويحاول أن يربط الإنسان بعالم المثل إلى عضو فعال في المجتمع، لا ينتمي إلى طبقة الفرسان كما كان من قبل وإنما ينتمي إلى هيئة إدارية هي "الشرطة"، كما أن تقلص الأفق، وتقسيم المدينة إلى دوائر يغنيه عن التجوال والرحلات، فبدلا من البحث في شيء مجرد معلق بعالم المثل، يبحث البطل في الرواية البوليسية في واقع اجتماعي مشخص، واقع الجريمة، فهو لا يحمي فقط وإنما ينتقم، وبدلا من البطولة الخيالية يستعمل الحدس وتقصي الآثار بطرق علمية حديثة، وبدلا من الاتصال بالطبيعة والعالم الغيبي يصبّ نشاطه في أزقة المدينة وشرايين المجتمع.

ومن هنا فإن الرواية البوليسية قللت من الشخصيات الكثيرة التي كانت تحيط بقائد الملحمة القديمة أو قصيدة القرون الوسطى، والمعركة التي كان يخوضها البطل ضد الشر كانت مبارزة وليست معركة منظمة، فهو في الملحمة يتدخل لوحده يحسم المواقف ويقوم بالمعجزات، وكذلك رجل المباحث في الرواية البوليسية. أما الشخصيات الصامتة التي كانت تحيط ببطل الملحمة أي الجوقة فهي اليوم المدينة بضوضائها وشوارعها وأضوائها المختلفة الألوان.


الهوامش

[1]- Grand Dictionnaire Encyclopédique  Larousse, volume 9, librairie Larousse, Paris, 1985, p. 8265.

[2]- Lacassin, Francis : Mythologie du roman policier.- 2 tomes, Paris, Union générale d’édition, 1987, Collection 10/18.- p.11

[3]- Dictionnaire des œuvres de tous les temps et de tous les pays, p. 743

[4]- Lebrun, Michel : Les alchémistes du roman policier.- Paris, Revue Europe, n° 542, juin 1974.- p. 138

[5]- Leroux, Gaston : Rouletabille, Le mystère de la chambre jaune.- Paris, Livre de poche.  - p. 446

[6]- Les alchimistes du roman policier.- Op. cité.- p. 138

[7]- Ibid.- p. 139.

[8]- Ibid.- p. 05

* نقترح ترجمة لعنوان الرواية، تكون كالآتي:" اللغز العجيب" أو " سر الغموض في قضية ستيلي".

[9]- Narcejac, Boileau : Le roman policier.- Paris, Payot, 1964, Collection « Que sais-je ».- p. 13

[10]- Ibid.- p. 13

[11]- Mythologies du roman policier.- Op. cité.- p. 6

[12]- Mythologies du roman policier.- p.p. 12-13.

[13]- Ibid.-p. 13

[14]- Rivierre, François : La fiction policière.- Paris, Europe, N° 571-572.- p. 10

[15]- سورة المائدة، الآيات: 27-31.

* هكذا وردت في النص الأصلي المترجم من قبل الباحث إلى العربية.

[16]- La fiction policière.- Op. cité.- p. 8

[17]- Encyclopédie Larousse.- Tome 9, Op. cité.- p. 8265

[18]- Encyclopédie Larousse.- Op. cité.- p. 8265.

[19]- Harrois Monin, Françoise : La science contre Le crime.- SCIENCE ET VIE, N° 699, décembre 1975.- p.p. 38 39.

[20]- Ibid.- p.p. 38-39

[21]- Ibid.- p.p. 38-39.

[22]- Ibid.- p.p. 41-42.

[23]- Ibid.-p.p. 41-42.

[24]- Ibid.- p. 42

 -[25]Ibid.- p. 46

[26]- Ibid.- p. 42.

[27]- Encyclopédie LAROUSSE.- Op. cité.- p. 8265.

[28]- Mythologie du roman policier.- Op. cité.- Tome 1.- p.p. 16 et 17.

[29]- قاسم، محمود : رواية التجسس والصراع العربي الإسرائيلي.- القاهرة،  نهضة مصر للطباعة والنشر، 1990.- ص.17.

[30]- المرجع السابق.- ص.17.

[31]- المرجع السابق.- ص.19.

[32]-  انظر: مجلة (أوروب، عدد:571-572).

[33]- Le roman policier.- Op. cité.- p. 15

[34]- يمكن الوقوف على نوعية الأجهزة المستخدمة في تحليل بعض العينات من بقايا الجريمة، وتحديد البصمات، ومقارنتها، وتحديد نوعية الرصاصة المستخدمة في الجريمة، بالإضافة إلى تجهيزات أخرى.يراجع في هذا الصدد مجلة العلوم والحياةScience et vie  )، العدد: 699 ديسمبر، 1975، وهو العدد نفسه الذي استعنا به من قبل في هذا البحث.

[35]- Les Alchimistes du roman policier.- Op. cité.- p. 139.

[36]- بحوث في الرواية الجديدة.- مرجع سابق.- ص.85

[37]- المرجع نفسه.-  ص.85

[38]- المرجع السابق.- ص.77

[39]- المرجع السابق.-  ص.78

[40]- المرجع السابق.-  ص.ص.78-79.

[41]- المرجع السابق.-  ص .ص.79-80

[42]- المرجع السابق.-  ص.85

[43]- Les Alchimistes du roman policier.- p. 139.

[44]- Les alchimistes de roman Policier.- p. 139.

[45]- La Fiction  policière.- p. 12.

[46]- مجموعة القصص هي:

-الرسالة المسروقة La lettre volée

-قتيلاتا شارع مورغ Double assassinat dans la rue Morgue AV. 1841

-سرّ ماري روجي نوفمبر 1842  Le mystère du Marie rouget, Nov.1842. 

[47]- Lacassin, Francis : Mythologie du roman policier.- Op. cité.- T.1.- p.p. 12-13-14.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche