أهمية اللغة ووظائفها في عمليات التواصل قراءة في كتاب "مدخل إلى التحليل اللساني : اللفظ- الدلالة -السياق" العربي قلايلية

إنسانيات عدد 17-18 | 2002 | لغات و مجتمع - اللغة و الخطاب | ص 59-68 | النص الكامل 


Language functions in communication : A reading of Galaïlia LARBI’s work : “An Introduction to Linguistic Analysis : terms – meaning – context”.

 Abstract: Galaïlia LARBI’s work puts forward a methodological linguistic analysis enabling one to tackle discourse in so much as a linguistic structure open to description and analysis. It also allows putting an emphasis on the importance of language, as well as on its functional operations of communication on the basis that one produces linguistic methodologies like operational tools and three dimensional scientific analysis concepts : syntaxical and grammatical context, morphological and phonological concept.
Finally the author aims at making a homogenous and complementary function between former and modern linguistic methodologies by insisting that they coincide on the practical and theoretical field.
This work is based on the results of linguistic studies carried out in the past and more recently, justifying the great advance in the last decade of the 20th century, by crediting language with two important functions : An expressive function and communicative function.

Key words : Language – discourse – communication – reading, expressive function – methodology – linguistic – meaning – terms


Abdelkader CHARCHAR  : ِChargé de cours à la Faculté des Lettres, Langues et Arts, Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie
Centre national de Recherches en Anthropologie Sociale et Culturelle,
31 000, Oran, Algérie


 

يتجاذب الدراسات اللغوية والفكر النقدي المعاصر تياران متوازيان، هما : الأصالة والمعاصرة، وهي ظاهرة لا يكاد يخلو منها عصر، إلا أن البحوث المستفيضة حولها منذ منتصف القرن العشرين وبخاصة في مجال اللسانيات والأسلوبية والنقد الأدبي، أثمرت فيضا من النظريات والاتجاهات، أثرت الفكر النقدي والحركة الأدبية واللغوية وشكلت تراكما معرفيا جديرا بالبحث والدراسة.

وتقوم مبادرة قلايلية العربي بين تجاذب هذين التيارين:الأصالة والمعاصرة، وهي مبادرة لها أهميتها في الإقدام على الدراسات الحداثية، والتصدي لمناقشة الاتجاهات اللسانية عبر مشارب متعددة، وثقافات متشعبة، يحدوها الأمل في تبني المنهج العلمي في إطار معتدل؛لا ينغلق على القديم، ولا يتعصب للجديد.

والكتاب من منشورات ديوان المطبوعات الجامعية، يقع في 89 صفحة من الحجم المتوسط، صادر سنة 1998.

يعترف الكاتب في وقفته القصيرة على عتبة الدراسة (المقدمة)، أن الباحث وهو يطلع على المناهج والطرق اللسانية يشعر أنه أمام عالم قائم بذاته، تشابكت فيه الرموز اللغوية، وقد ألبست دلالات متعددة، وصورت أفكارا، ومفاهيم مترابطة، لتعبر في الأخير عن تجربة إنسانية واحدة.

بدافع هذا الهاجس، يبحث الدكتور قلايلية العربي عن منهج للتحليل اللساني يمكنه من دراسة النص أو (الرسالة) باعتباره وحدة لسانية قابلة للوصف والتحليل، لينتقل بعد هذا المستوى إلى الكشف عن أسرار بناء النص الأدبي في ضوء ما تنتجه أدوات وطرق ومناهج اللسانيات عبر المستوى التحليلي بجوانبه الثلاثة: الدلالي البلاغي، والتركيبي النحوي، والصرفي الصوتي، وهو في كل ذلك ومن أجله يطمح إلى البحث عن التكامل والانسجام بين اتجاه وطرق القدماء في دراستهم للغة، ومناهج المحدثين ووسائلهم التنظيرية والتطبيقية المعاصرة.

مقدمة وثلاثة فصول وملحق تطبيقي

قسم المؤلف دراسته إلى مقدمة وثلاثة فصول أساسية، وملحق تطبيقي، نتتبعها معه في قراءة مستعجلة، على الرغم من قيمة المؤلف التوثيقية والتحليلية التي تتطلب الوقوف والتأني في الدراسة والتحليل. وما يلاحظ بشكل عام-وإن كان الحكم مستعجلا- أن الكتاب يزخر بمجموعة شواهد مختارة من آي القرآن الكريم، وعيون الشعر العربي الفصيح، ومقتطفات من مصنفات اللغويين القدماء، ومراجع المحدثين، رتبها الكاتب ونظمها وحللها، واستثمر ما فيها من معارف، وأخرجها في أسلوب سلس راق، إلا أن هذا لا يشفع لجانب الإخراج الفني للطباعة، حيث لاحظنا مثلا انزلاق المقدمة ضمن متن الفصل الأول، وخروج الصفحة 48 من متن الفصل الثاني، وهو في الأصل جانب شكلي يمكن العمل على تلافيه في الطبعات اللاحقة للكتاب.

أهمية اللغة في عملية التواصل

وهو موضوع الفصل الأول من الدراسة، والمدخل الأساسي لها، حيث يستعرض فيه المؤلف واقع الدراسات اللغوية الحديثة، وتعدد حدود هذه الدراسات لتمارس تأثيرها منهجيا وتطبيقيا في حقول المعارف الأخرى الأنتروبولوجيا، والأسلوبية، والنقد الأدبي، والدراسات الإعلامية والتواصلية، وغيرها[1].

ومن بين أهم ما يميز هذا الفصل أنه يبحث عن سبل إيجاد قناة تقدم فيها البحوث اللغوية إسهاما لتطوير حقول المعارف الأخرى، والتي يمكنها أن تفيد الكثير من مناهج اللسانيات، وطرق البحث فيها، والمؤلف في كل ذلك ينطلق من منطلق لغوي، ويستفيد مما حققته الدراسات اللغوية عند القدماء والمحدثين، ويبرز القفزات الكبرى المحققة في العقود الأخيرة من القرن العشرين في هذا المجال، في الغرب الأوربي والبلاد العربية على حد سواء.

يبدأ المؤلف في هذا الفصل بإسناد وظيفتين أساسيتين للغة،  هما: الوظيفة التعبيرية والوظيفة التواصلية.

وقبل أن يتصدى لتحليل الوظيفتين المذكورتين؛يتعرض إلى ذكر طرق التعبير،  وتنوع الإشارات، ثم يتحدث عن أهمية الأصوات وموقف القدماء منها، كابن جني في خصائصه، ثم يعرض إلى علاقة اللغة بالفكر وأهمية الكتابة في المحافظة عليه عبر الأجيال والعصور، ويكشف أخيرا عن علاقة المعرفة بقضايا اللغة، وقضايا المجتمع، ويحيل في هذا الجزء من الفصل على عدد من الدراسات المعاصرة، في مقدمتها مؤلف ف.دي سوسير "دروس في اللسانيات العامة".

وفي مجال علاقة اللغة بالجانب النفسي والسيكولوجي، يركز المؤلف على أهمية اللغة في الحفاظ على المشاعر وتخزينها، وتحليلها، ووصفها، ويضرب مثالا على ذلك بالمدرسة السلوكية القائلة بمدإ الإثارة والاستجابة، ثم يتعرض بالنقد لهذا الاتجاه؛كونه لا ينطلق في رؤيته من واقع اللغة، بل بما يحيط بالإنسان من ظروف وحالات خارجية.

ومما سبق ذكره يختزل الوظائف المتعددة للغة في وظيفتين أساسيتين هما:

1. الوظيفة التعبيرية: ويعتبرها الوظيفة الأساسية للغة لأنها تشمل التعبير عن الأفكار وسائر العمليات العقلية المركبة منها والبسيطة على حد سواء. وللتدليل على أهمية هذه الوظيفة يحيل على عدد من الدراسات، ويقف أولا عند من فصلوا بين التعبير الفطري والتعبير الوصفي أو الاصطلاحي، ويركز على موقف الدكتور حنفي بن عيسى الذي يذهب هذا المذهب.

وبعد تحليل هذا الموقف يستخلص أن الإنسان عندما يحتاج إلى الألفاظ والتعابير لا يجدها جاهزة في اللغة،  لذلك نراه يلجأ إلى المجاز،  وتحميل الألفاظ من الدلالات والمعاني ما لم توضع له أساسا، ولعل السبب في ذلك يعود "إلى افتقار الإنسان إلى الألفاظ التي تعبر عن مختلف المعاني التي يريدها"، ويعتمد المؤلف في إثبات هذه الفرضية على مقولة السكاكي، ونظرته إلى المجاز وأهميته في إغناء الوظيفة التعبيرية، ومن ثم ينتقل إلى التمييز بين الكلام واللغة مستفيدا مما وصل إليه دي سوسير في مؤلفه المشهور.

 2. الوظيفة التواصلية: وللحديث عن أهمية هذه الوظيفة، يقارنها بالوظيفة التعبيرية المقصودة لذاتها أحيانا، ويلاحظ أن الكثير من صور التعبير قد لا يراد بها إيصال الأفكار إلى المخاطب، ومن هنا تبرز أهمية الوظيفة الثانية للغة، وهي: الوظيفة التواصلية أو التبليغية، والمقصود بالتبليغ/التواصل عند المؤلف هو اشتراك طرفين في عملية تبليغ المعلومات وإيصالها، وتبادلها بين اثنين أو أكثر[2].

وللتدليل على أهمية هذه الوظيفة، يعدد وسائل التواصل معتمدا في ذلك على ما قدمته البحوث العربية القديمة، والدراسات الغربية الحديثة، ويعمل على مقارنة ما وصلت إليه كل فترة في هذا المجال؛وينتهي بعد التحليل والمقارنة إلى أسبقية هذه الوظيفة التواصلية وامتيازها، حتى كأن اللغة أنشئت من أجلها.

ويلاحظ أن المؤلف لا يقف عند هذا البعد الضيق للتواصل، بل يشير إلى امتداد التواصل وتشعب مفاهيمه، وعلاقته بالحقول المعرفية المختلفة في الحياة؛كمجال تكنولوجيا الاتصال، والإشهار والترجمة من لغة إلى أخرى، ثم يناقش إشكالية المناهج في اللسانيات الحديثة، والتحدي الذي بات عليها الاضطلاع به لتعميق مجال الاتصال والتبليغ في ضوء تعدد وسائل الاتصال المعاصرة، وهو الرهان الذي يسكن هاجس شعوب المعمورة في بداية إطلالة الألفية الجديدة.ولا يفوت المؤلف الإشارة إلى صعوبة المسالك، خصوصا وأن المناهج المطبقة لا تزال موضع حوار، ومناقشة بين العلماء داخل الحقل اللساني وخارجه.

  وللربط بين هاجس القرن العشرين والإحساس المبكر للفكر العربي، يحيل الدكتور قلايلية على رؤية ابن خلدون في مجال الاتصال، ويلاحظ أنها تتماشى وروح عصر الكاتب، ثم يشير إلى أن الغاية -من وراء كل ذلك- تكمن في موقف ابن خلدون من أهمية الوظيفة التواصلية والشروط التي اشترطها لحصول ذلك.

وبحثا عمّا يمكن أن يعيق حصول تجلي هذه الوظيفة، ووصولها إلى منتهاها؛يركز المؤلف على باب التأويلات الذي يبقى مفتوحا على مصراعيْه، يضاف إلى ذلك النوايا الخفية والأهواء والاتجاهات التي تؤثر على المتلقي للرسالة، وهذا ما يجعل قراءة النص الواحد تنتج قراءات، تتفرع بدورها إلى قراءات أخرى،  وهكذا دواليك.[3]

ولتوسيع النظرة حول الوظيفة التواصلية، يلجأ المؤلف إلى تحليل عناصر عملية التواصل، وهي:

1- المرسل 2- المخاطب 3- الرسالة 4- اللغة المشتركة 5- المحتوى اللغوي للرسالة.

ثم يفصل القول في كل عنصر، مستعينا بالرسومات التوضيحية، والجداول، إلا أن ما يلاحظ في هذا الصدد هو أن التفسيرات المصاحبة لهذه الرسومات والجداول تحتاج إلى مراجعة وتوضيح لكي تؤدي الغاية المرجوة منها.

ويخلص الكاتب من هذا التحليل المركز لعناصر عملية التواصل إلى أن البحث في اللسانيات يتجه إلى وصف اللغة باعتبارها نظاما من الرموز مادته تلك العينات المحسوسة المتمثلة في الأشكال اللغوية، ومن ثمّ فإن تركيب الرسالة وتفكيكها يعتبران نقطة تحول في دراسة نمط السلوك الخاص بالمتكلم وكذا النمط المغاير له والمتعلق بسلوك المخاطب.

السياق والدلالة:

وهو موضوع الفصل الثاني، حيث يبدأ المؤلف فيه بالحديث عن علاقة المعنى باللفظ، والموقع الذي تحتله الكلمة من التركيب اللغوي، ويلاحظ أن الألفاظ تحمل من جرائها أبعادا دلالية مختلفة منها الاجتماعية والفكرية والفنية.

وتبرز في هذا المستوى من الطرح الأهمية التي أولتها الدراسات اللغوية القديمة منها والحديثة إلى المعنى، غير أن تعدد الدراسات، وتفرعها، لا يتيح للباحث -حتى اليوم- العثور على منهج متكامل لدراسة المعنى يمكن أن يطمئن إليه.

ويسارع المؤلف في بداية الفصل الثاني بإلحاق بحث المعنى بالدراسات الأسلوبية الحديثة باعتبارها منحى نحاه علم الدلالة، أخذ على عاتقه دراسة المعنى من خلال الأسلوب، كما أنه اهتم بالمظهر الإبداعي للغة، بحيث يتصور قيام البحث اللغوي على دراسة  الألفاظ في النص من أجل الوقوف على الطاقات الفنية للإبداع الأدبي وتفسيرها، وهذا ما يؤكده فعلا "شومسكي" حين قال:" إن النقطة الأساسية التي تمركزت حولها الدراسات الأسلوبية هي المظهر الإبداعي للغة، حتى على مستوى الاستعمال العادي." ثم يعود إلى قضية دراسة المعنى في ضوء البحوث اللسانية، وما يكتنفها من صعوبات؛إذ كيف يُدرس المعنى لسانيا؟ وهل هناك مناهج وأدوات تيسر ذلك؟ وكيف نشأ علم الدلالة في الغرب،  وإلى من يعود الفضل في ذلك..الخ.

وقبل التصدي للإجابة عن هذه الأسئلة، يضع المؤلف علم الدلالة على قمة الدراسات اللغوية، لاعتقاده أنه يجمع بين عدة مجالات كانت من قبل منفصلة بعضها عن بعض ؛ منها الدراسات الصوتية،  و الفيزيولوجية،  و النحوية،  والمعجمية،  كما أنها كانت مقصورة على اللغويين دون سواهم، ويذكر في هذا الصدد فضل ميشال برييل (Michel Bréal) في نشأة علم الدلالة في كتابه:" Essai de sémantique " (1897).[4]

مناهج في دراسة المعنى

اختلفت المناهج في دراسة المعنى، ولعل أهم منهج استرعى انتباه الباحثين  في النصف الثاني من القرن العشرين منهج ف.دي سوسير، حيث تمكن بفضله من توجيه الدراسات اللغوية نحو العلمية كإقامة العلاقة بين الكلمة أو الصورة السمعية والفكرة أو المعنى المرتسم في الذهن، بالإضافة إلى منهج "بلومفيلد" الذي ربط الكلام بالاستجابة العضوية لمثير معين.

وبعد أن حلل الكاتب منهج الرجلين في دراسة اللغة، أورد تعليقا مؤداه أن دراسة اللغة لدي سوسير كانت منصبة على اللغة في حالتها السكونية "السنكرونية"، ومن هنا اعتبر النظام اللغوي نظاما ساكنا غير متطور، مما دفع بالمؤلف إلى الاعتقاد أن دي سوسير لم يكن اهتمامه موجها في الأساس إلى الدلالة باعتبارها علما قائما بذاته، وإنما ألحق هذا العلم  بالألسنية الهيكلية، واعتبره جزءا منها، بخلاف الأمريكيين الذين فصلوا علم الدلالة عن الألسنية وضموه إلى علم النفس.

وقد شعر علماء اللغة العرب القدامى بأهمية دراسة المعنى، وأولوها عناية خاصة؛ومن الرجال الذين تصدوا لهذا الموضوع:الخليل بن أحمد الفراهيدي،  وسيبويه،  وابن جني،  والسكاكي،  وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم كثير.

أقسام الدلالة

وحول هذا المحور من الفصل الثاني، أشار الكاتب إلى التطور الذي عرفته الدراسات اللسانية للنص اللغوي (الرسالة)، لكنه فضل عدم الخوض في مسألة الانتقال من دراسة اللفظ إلى الجملة، ومن الجملة إلى النص، وما أثارته هذه القضية من مناقشات واختلافات في الرؤية والمنهج، وكيف أن بعض الاتجاهات اعتبرت النص حقلا خارجا عن مجال الدراسة اللسانية، بحجة أن المناهج اللسانية لا تمتلك الأدوات الضرورية لذلك. ويحيل الكاتب على عدد من المراجع والبحوث اللغوية الحديثة حول أقسام الدلالة؛كتصور وتصنيف السيميائيين في ضوء رؤيتهم للعلاقة بين الرمز والمعنى، ويقارن هذا التصور بتقسيم أوجدن وريتشاردز اللذين لا يصوران المعنى إلا في ضوء عناصر أربعة هي: القصد، القيمة، المدلول عليه والعاطفة في كتابهما "معنى المعنى".

ومن الباحثين العرب المحدثين الذين تعرضوا لأقسام الدلالة الدكتور تمام حسّان، والدكتور فايز الداية الذي قسم الدلالات المستفادة من الألفاظ اللغوية إلى قسمين كبيرين، هما:

1. الدلالة اللغوية

2. الدلالة الفنية والسياقية عامة.

وإلى قريب من هذا، ذهب الدكتور محمد أحمد أبو الفرج في تقسيمه المعنى إلى ثلاثة أقسام:

1. المعنى اللغوي

2. المعنى السياقي

3. المعنى الاجتماعي

وحول العلاقة التي تربط بين اللفظ والمعنى، يشير الكاتب إلى التقارب في الرؤية بين ما وصل إليه ابن جني، وما اهتدى إليه علم الدلالة الحديث، ويتمثل ذلك في:

  1. العلاقة العضوية بين الدال والمدلول أو النظرة الصوتية.
  2. الدلالة والصيغ الصرفية للدوال أو النظرة المعجمية.
  3. الدلالة والبنية النحوية أو النظرة الهيكلية.
  4. الدلالة والسياق والمقام أو النظرة الأسلوبية.

وهي العناصر التي تشكل مجالات علم الدلالة، وبخاصة ما يتصل منها بالسياق باعتباره العنصر المعول عليه في دراسة النصوص الأدبية.

وفي إطار البحث عن إقامة انسجام بين البحث اللغوي في التراث العربي والبحث اللغوي المعاصر، يركز المؤلف على قضية النظم عند عبد القاهر الجرجاني،  ويصف نظرته بالنضج والتكامل، ولذلك ألفيناه يخصص لها جزءا مهما من الفصل الثاني، حيث يقدم نصوصا من إعجاز القرآن، ثم يتصدى لها بالتعليق، ويقارنها بما توصل إليه البحث اللساني المعاصر عبر مخطط جامع ومفصل يلخص نظرية الجرجاني.[5]

من مناهج التحليل اللساني

وهو موضوع الفصل الثالث، وفيه يبحث المؤلف في الاتجاهات اللسانية،  والمناهج اللغوية لتحليل النصوص الأدبية،  حيث ينطلق من فرضية إمكانية الجمع بين أصالة الاتجاه،  وحداثة المنهج،  ومن أجل البحث عن تحقيق فرضيته يعرض بعض النتائج التي توصلت إليها المدارس اللسانية المعاصرة،  ويقارنها ببعض ما جاء في الدراسات اللغوية القديمة عند العرب،  وينتهي إلى وصف واقع الدراسات اللغوية في حركيته التطورية عبر الزمان،  وموازنة أنظمته التطورية في ضوء نتائج الدراسات الصوتية والنحوية والدلالية،  ويقف عند التحول الجذري الذي ميز الدراسات اللغوية واللسانية المعاصرة من مثيلتها القديمة،  ويشير إلى ظاهرة انتقال البحوث اللغوية من التركيز على الجوانب التاريخية إلى المناهج القائمة على الوصف.وقد انفصلت هذه العلوم عبر تناميها عن العلوم الأخرى، وتبنت متطلبات المنهج العلمي الحديث القائم على الملاحظة والتجريب والضبط والدقة الموضوعية والاستقصاء اللغوي.

ومن المناهج التي يعرضها للدرس والتحليل في هذا الفصل؛ نظرية السياق،  ولكي يربط بينها وبين النظرية الإنجليزية، يشير إلى الفروق الجوهرية بين مفهوم مالنوفيسكي العالم الأنثروبولوجي البولندي،  وفيرث لهذه النظرية؛من حيث استخدام المصطلح :"Situation du contexte"، أو الماجريات، ثم يبين فضل فيرث في تطوير المصطلح، وبالتالي تعميق دراسة النص اللغوي(الرسالة)، وفق هذا المنظور اللساني.ولا يفوت المؤلف الإشارة إلى عناصر منهج التحليل القائم
على استخدام الوظيفة الصغرى، والوظيفة الكبرى في نظرية السياق عند فيرث، ومفهوم كل منهما.

وبحثا عن تأكيد وربط أصالة الاتجاه بحداثة المنهج، يعرض وجهة نظر البلاغيين العرب القدماء للوقوف على مواطن الاختلاف والائتلاف، ويبدأ ببحث مفهوم السياق في نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني، وقضية السياق انطلاقا من المقولة المشهورة:"لكل مقام مقال"، و"مطابقة القول لمقتضى الحال"، ثم ينهي هذه الإطلالة بنظرة السكاكي.

المنهج الوصفي

يرجع الكاتب ظهور هذا المنهج إلى بداية القرن العشرين على يد "فردينان دي سوسير" من خلال كتابه "محاضرات في اللسانيات العامة" ويقوم منهج هذا المؤلَّف على التركيز على بعدين أساسيين، هما: البعد الداخلي للألسنية،  والبعد الخارجي، وكانت غاية دي سوسير هي إخضاع الدراسات اللغوية للمنهج العلمي الواضح للخروج بها من النظرة التاريخية والمقارنة التي كانت سائدة من قبل.

ويشير الكاتب إلى تأثر دي سوير بمنهج العالم الاجتماعي "إميل دوركايم" الذي كان معاصرا له، وعرف عنه اعتناؤه بدراسة الظواهر الاجتماعية.

كما أولى المؤلف المدرسة السلوكية بعض الاهتمام، وذلك لقربها من المدرسة الوصفية، ولعل أهم ميزة يمكن أن تنسب إلى هذه النظرية البنيوية في علم اللسانيات هي جعل الدراسة اللسانية للغة علمية مستقلة عن بقية العلوم الأخرى في حقل المعارف الإنسانية.

منهج القواعد التوليدية التحويلية:

يعود ظهور هذا المنتهج إلى الثورة التي شنت على المنهج الوصفي والمنهج السلوكي، عندما أصدر "تشومسكي" كتابه "المعاني التركيبية: سنة 1957.

يشير المؤلف في بداية هذا المحور إلى المبادئ التي أقام عليها "تشومسكي" منهجه اللغوي، عندما ثار على المنهج الوصفي، وخاصة السلوكي الذي يعتبر اللغة سلوكا كلاميا قائما على المنبهات الخارجية، وما تثيره في النفس من دوافع تتجلى في استجابات سلوكية يصدرها الشخص.

ومن هنا أراد "تشومسكي" من التحليل اللساني أن يشرح اللغة ويعللها من الداخل وليس من الخارج، لذلك فإن الاتجاه الذي أخذ به اتجاه ذهني، وعرفت نظريته بنظرية القواعد التوليدية التحويلية، وتقوم على مبدأين أساسيين، هما : الكفاية اللغوية والأداء الكلامي.

وعبر تبويب منظم وتحليل موضوعي مشفوع ببعض الرسومات والمخططات والتفسيرات والتعليلات، يخلص الكاتب إلى عرض موجز لكنه شامل للاتجاه الذهني الذي سلكه "شومسكي" في التحليل اللساني، ثم يقارن هذا الاتجاه بنظرية النظم عند الجرجاني مستخلصا حقائق جديرة بالبحث والمناقشة، يمكن الرجوع إليها في الكتاب ابتداء من صفحة:69-78.

وقد ختم مؤلفه بملحق تطبيقي اختار نماذجه من القرآن الكريم مسترشدا في دراستها وتحليلها بآراء المفسرين وأقوال علماء اللغة العرب القدماء، كل ذلك وفق المناهج اللسانية الحديثة.


الهوامش

* العربي قلايلية أستاذ بكلية الحضارة العربية والعلوم الإسلامية بجامعة وهران، له اهتمامات بالأسلوبية واللسانيات، والبلاغة العربية، بالإضافة إلى إسهاماته في مجال التعليمية والبحوث البيداغوجية.

[1]- قلايلية، العربي : مدخل إلى التحليل اللساني: اللفظ-الدلالة-السياق.- وهران، ديوان المطبوعات الجامعية، 1998.-  ص.6-7.

[2]-  مدخل إلى التحليل اللساني.-  مرجع سابق.- ص.8

[3]- مدخل إلى التحليل اللساني.-  ص.ص. 12-15

[4] - مدخل إلى التحليل اللساني.- ص.ص.:23-34.

[5] - انظر .- ص.39 من الكتاب.

 

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche