الفلاحة في الجزائر:  من الثورات الزراعية إلى الإصلاحات الليبرالية (1963-2002)

 إنسانيات عدد 22 | 2003 | ممارسات مغاربية للمدينة | ص 9-38 | النص الكامل


Omar BESSAOUD : Institut Agronomique Méditerranéen de Montpellier, France


 

إن الحديث عن  الفلاحة في الجزائر ليس بالأمر السهل لاعتبارات كثيرة. ذلك أن الجزائر تحتل اليوم المرتبة الأولى ضمن قائمة الدول المستوردة للمواد الغذائية و الفلاحية، بعدد سكان يتجاوز 30 مليون نسمة، وبفاتورة متوسطة تقدر بـ :2.5 مليار دولار سنويا. إن التوجهات ذات الطابع الصناعي "الصناعة المصنعة"، المنتهجة منذ السبعينيات من جهة، و الإصلاحات الزراعية (التسيير الذاتي والثورة الزاعية) المطبقة غداة الاستقلال (جويلية 1962) من جهة أخرى تفسر من وجهة نظر أدبيات الاقتصاد المهيمن هذه التبعية الغذائية في الجزائر، بالإضافة إلى عدم استغلال الثروات الفلاحية، والإمكانات التقنية الضعيفة، وعلى العموم فهي تكشف عن هذه الأزمة العميقة في قطاع الفلاحة.

يبدو مناسبا في البداية ملاحظة أن التبعية الغذائية في الجزائر ليست حدثا جديدا: إذ إن هذا البلد لم يكن بمقدوره تغذية سكانه منذ ما يزيد عن نصف قرن، ولم يكن بمقدور إمكانات قطاع الاحتلال الموسومة "بالحداثة" أثناء الفترة الاستعمارية الفرنسية إضفاء وهم من هذا القبيل.

لم يكن بمقدور الزراعة في الفترة الاستعمارية سوى تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية الضرورية لمجموع السكان. [1] إن تطوير المزروعات ذات المردود (الكروم بصفة خاصة) ساهمت وبشكل كبير في إحداث خلل في التوازن الغذائي "للسكان الأصليين المعرضين لخطر سوء التغذية" والذين كانوا من جهة أخرى "يعانون اجتماعيا واقتصاديا من عملية اجتثاث لأصولهم". [2] إن اللجوء إلى استيراد القمح والسكر والحليب والزيوت الغذائية كان وضعا مفروضا منذ مدة من أجل تغطية جزء من الحاجيات الغذائية المحلية، ولم تكن الميزانية التجارية للفلاحة مستفيدة إلا من مداخيل صادرات الخمور غير المستهلكة من قبل السكان المحليين. [3]

ومن المناسب أيضا التذكير ثانيا أن الاستراتيجية الاقتصادية التي طورتها الجزائر في الفترة بين 1967 و 1978 كانت مصحوبة بثورة إصلاح زراعي تهدف بشكل واضح إلى تحديث القطاع الفلاحي وعالم الريف. كما أن نسبة الاعتمادات المخصصة للإسهامات الفلاحية كانت أثناء فترة عملية التصنيع أكبر بكثير من تلك التي طبقت في الثمانينيات ؛ الفترة التي أوقفت فيها العملية، إذ عرفت الاعتمادات المخصصة للفلاحة تدهورا كبيرا وصل حد 5% دون أن يعود نفع ذلك على الصناعة. [4]

ويمكن القول إن زيادة الـمـنتوج الفلاحي لم يكن منعدما ولا مهملا حيث بلغ 5% سنويا في الفترة التصنيعية. كما استفادت المناطق الريفية من مشاريع هامة، وتجهيزات جماعية (الكهرباء الريفية، بناء القرى الفلاحية، القروض المخصصة للسكن الريفي، مدارس، مراكز صحية، إصلاح المناطق الجبلية..) [5] إن الزراعة تحت البيوت البلاستيكية، والمركبات الحيوانية لإنتاج الحليب، بالإضافة إلى مجموع المؤسسات الفلاحية - الصناعية التي ظهرت إلى الوجود في هذه الفترة، وكذا النسيج التقني- الإداري أصبح يشكل اليوم الإطار الذي تحي فيه البيئة الفلاحية في الجزائر.

وعلى كل فإن الصناعة المحلية التي كرست توجهات السياسة الفلاحية في السبعينيات هي التي توفر اليوم جزء من التجهيزات والمعدات للفلاحين.

لم تنجح السياسات الليبرالية الفلاحية المنتهجة ابتداء من الثمانينيات، حيث لم تتمكن من إخراج القطاع من الأزمة، إذ إن الاستثمارات المعتبرة المعتمدة اليوم (38 مليار دينار لسنة 2001 وحدها) من تموين برنامج وطني للتنمية الفلاحية (PNDA) الذي يهدف إلى ترقية القطاع عن طريق التنازل على أراض غير مستغلة، والزيادة في العطاء للحبوب من أجل تغطية النقص المحلي المسجل، وإعادة تشكيل نظام الإنتاج، وتصدير منتوجات إلى أوربا كالخمور والحمضيات، والفواكه، وإنشاء مناصب الشغل الدائمة بالمئات والآلاف لم تفلح هذه العمليات كلها في القضاء على الأزمة الفلاحية المستفحلة في الجزائر.

إن الحقائق تبدو أكثر تعقيدا، لأننا إذا نزعنا عن السياسة الفلاحية-التي كثيرا ما هي متناقضة- أسباب الأزمة، ينبغي إثارة عناصر هامة أخرى تفسر الوضعية الحالية للفلاحة، ويتعلق الأمر بثلاثة عوائق كبرى، والتي كانت مهملهة غالبا عند إنجاز السياسات الفلاحية ؛ عوائق ناتجة عن عوامل طبيعية وتقنية، ولكنها شديدة الارتباط بالمسار التاريخي لعالم الريف الجزائري.

العوائق الكبرى للفلاحة في الجزائر

تواجه الفلاحة في الجزائر عوائق ثلاثة كبرى، هي:

عائق طبيعي متصل بالخصوصية المناخية والجغرافية اللتين تحددان المناطق الفلاحية وتوزيعها حسب طبيعة الإنتاج الزراعي التي توفره.مناطق (التل، والسهوب، وواحات الجنوب) بالجزائر، وكباقي دول البحر الأبيض المتوسط، فإن عدم القدرة على التلاؤم مع زالطبيعة، والضعف في مقاومة التحديات البيو-مناخية تنتظم كلها من أجل إضفاء خصوصية بارزة للفضاء الجزائري، الذي يتميز جزء كبير منه بتأثير مناخ جاف، وجُدْبِ الأرض.

عائق اجتماعي متصل تاريخيا بظروف منبثقة عن عالم الفلاحين الذي عرف مضايقات كثيرة مست طبيعة حياته الريفية: احتلال، عدم استقرار سياسي، استعمار زراعي، كانت دوما عائقا في تكوين وإرساء طبقة فلاحين مرتبطة بالأرض، تمتلك حيازة دائمة لعقار فلاحي، وركام معرفي مكتسب عبر الممارسة المهنية للتقنيات الزراعية. وباستثناء المناطق ذات التأهيل السكاني الحضري، أو المحيط الحضري لبعض المناطق الجبلية أو الواحات-أين تكونت الملكية [6]-والتملك الجماعي، والاستغلال المكثف للأرض و "طرق الحياة" المتصلة بـ"بالزراعة الرعوية" [7] حيث هيمنت ممارسات فلاحية بصورة كبيرة بالجزائر حتى نهاية القرن التاسع عشر، فإن الفلاحة عرفت مشاكل كثيرة عاقت تطورها.

العائق التقني الذي يرتبط بغياب ثورات زراعية بالجزائر. التكثيف الزراعي، موضوع كبير للسياسة الزراعية، تعرض لصعوبات التطبيق لنموذج تقني ذي مرجعية متصلة بالفلاحة المطبقة على طبيعة التربة وظروف المناخ. إن دراسة هذه القضية المتعلقة بالجانب التقني تظهر الحدود المتوصل إليها،والعوائق التي تحد من تطوير الفلاحة بالجزائر.

-العائق الطبيعي:

إن إمكانات الثروات الطبيعية-كالتربة والماء- ضعيفة جدا، والقدرة الإنباتية والمناخية تحد بشكل كبير من إمكانيات تكثيف النشاطات الزراعية، وتزيد حدة في تميّز المجال الزراعي الجزائري.

تحتل الجزائر بالفعل على الخارطة رقعة معتبرة، غير أن الأرض الصالحة للزراعة محدودة جدا ؛ حوالي 8 ملايين هكتار صالحة للزراعة، (أي  3.3% من المساحة الكلية) من أجل مساحة مخصصة للزراعة تقدر بـأكثر من 40 مليون هكتار.أما الغابات فتمثل أقل من 4 ملايين هكتار (أي بنسبة تشجير شمال الجزائر قريبة من 11%). وتحتل باقي المساحات أكثر من 30 مليون هكتار، حيث تبدو الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة جد محدودة في المجال الجغرافي الجزائري.

كما استنفدت الحدود الزراعية الممكنة، وتوسعت أراضي مزروعة خارج الإمكانات التي تسمح بها طبيعة التربة و ظروف المناخ (حبوب على تخوم السهوب مثلا). [8]

وحسب الإيقاع الديموغرافي الحالي (2.2%) عام 1998، فإن القيمة الغذائية المخصصة للمواطن الواحد حسب المقياس الدولي (القيمة حسب المساحة الزراعية المستغلة Ratio S.A.U) تزداد تدهورا، لتصل إلى أقل من 0.20 هكتار في نهاية عشرية 2000. بالإضافة إلى أن الماء يمثل عاملا يقلص من المساحة المزروعة إلى غاية 3/4 المساحة، في حين تمثل المساحات المسقية حوالي (450000 هكتار) أي أكثر من 5% من المساحة الزراعية المستغلة SAU حيث يخصص 3/4 من هذه المساحات لزراعة الخضر والفواكه.

إن وضعية التضاريس الموزعة بشكل غير متساو تؤثر على القوة الإنتاجية الطبيعية، وتقسم -بشكل واضح- الوطن إلى مناطق بيو-مناخية.

ويمكن التفريق مبدئيا بين مجموعتين كبريين متقابلتين بشكل واضح:جزائر الشمال الخاصة بالتل، وجزائر الجنوب. تتميز المنطقة التلية بالمناخ المتوسطي، بينما تتميز منطقة الجنوب بالحرارة الشديدة والجدب.

تمتد جزائر الشمال بين البحر الأبيض المتوسط والصحراء عبر شريط متوسط عرضه 350 كلم، وهي مكونة من منطقتين غير متجانستين:

- المنطقة التلية التي تحد الساحل المتوسطي، معدل عرضها 100 كلم. إن الطبيعة الجبلية لهذه المنطقة التلية المحاذية للساحل، وارتفاع السهول العليا، وعزلتها عن البحر، تحدد بشكل عام طبيعة المناخ بالجزائر، الذي هو أقل ملاءمة للزراعة بالمقارنة بتونس والمغرب. [9]

منطقة السهوب الممتدة من جنوب التل إلى جنوب الأطلس الصحراوي، يتراوح متوسط عرضها بين 100 و 300 كلم.

وتتميز جزائر الجنوب بطابعها الصحراوي المقدر بمليونيًٌَُْْْ كلم2، بحيث يمتد هذا البساط الصحراوي عبر800 كلم من الشمال إلى الجنوب، وعبر 1600 كلم من الشرق إلى الغرب. وتتوزع النشاطات الزراعية عبر هذه المساحة الصحراوية الشاسعة في بعض الوديان والواحات المزروعة ببساتين النخيل.

وداخل هذه التقسيمات الجغرافية الكبرى، تتشكل وحدات صغرى، ففي جزائر الشمال، يمكن ملاحظة وجود سلسلتين جبليتين : الأطلس التلي، والأطلس الصحراوي الممتدين من الحدود الغربية إلى الحدود الشرقية، والقائمين عبر اتجاهين: غرب-جنوب-غربي، وشرق-شمال- شرقي. و بين هاتين السلسلتين تمتد السهول للجزائر-المنطقة الوهرانية، والسهول العليا القسنطينية والتي تتراوح قممها بين 800م و400م عند انخفاض الحضنة، لتصل إلى 1100م على مستوى الحدود الجزائرية المغربية.

وإذا نظرنا إلى مجموع التضاريس في مستوى واحد، فإن ارتفاعـها يقارب 800م. وتطبع النتوءات المشهد الطبيعي كله، غير أن محصل هذه النتوءات والتضاريس "وحضور هذه السلسلة الجبلية المواجهة للساحل، التي تتوسط بين البحر والمجال الداخلي، وتمنع تسرب التيارات الهوائية القادمة من الشمال أو الشمال الغربي، تحد من تواجد الخزانات الكبرى للماء في الوطن، وتساعد على تجفيف الهواء، وتجعل المنطقة الداخلية قارية المناخ، عاملة على تكون مجاري مائية قصيرة تصل بسرعة إلى البحر الأبيض المتوسط مانعة من تكثفها في منطقة معينة" [10] .

يبرز مجالان طبيعيان في شمال الجزائر:سهول ساحلية محدودة المجال (متيجة، عنابة، والمنطقة الوهرانية) والمواجهة لمناطق من التلال، وسهول قليلة الارتفاع، ضيقة المسالك، تمتد بشكل متقطع، داخل مجال ووديان المنطقة الداخلية (سيدي بلعباس، معسكر)، واديْ الشلف والصومام، في الغالب ضيقة المسالك ومتقطعة الجريان. (ينظر الخارطة الجيو-مورفولوجية للجزائر).

سهول شبه ساحلية، وأحواض داخلية، وسهول مرتفعة تكوّّّّّّّّّّّّّن وحدات متواجدة بباقي مناطق المغرب العربي. [11]

الخارطة الجيو-مورفولوجية للجزائر

- الجنوب الجزائري عبارة عن مجال صحراوي تطغى عليه الآفاق المستوية، حيث تشكل المناطق القاحلة 4/5 من الصحراء. إن هذه السمة المتصلة بظروف التضاريس تفسر قارية المناخ وقسوته.

 

 تنتمي الجزائر على مستوى المناخ إلى المثلث الجاف، ونصف الجاف؛فالجفاف والجدب يمثلان خطرا دائما "حتى في المناطق الرطبة أين يبدو ارتفاع المعدل السنوي لهطول الأمطار." [12]

إن المناخ في الجزائر ليس متوسطيا في الواقع سوى داخل المناطق الساحلية أو المحاذية للساحل، وإن كان الوقع القاري الملاحظ بقوة في جزء كبير من المساحة المزروعة.

تمثل نسبة 29% فقط، من المساحات الزراعية المستغلة (SAU) من الحبوب [13] وحدها. و تقع داخل المناطق التي تهطل فيها الأمطار بقدر يفوق بقليل 450 مم في السنة، الشيء الذي يفسر المردود الضعيف المقدر بمعدل (7 قناطر في الهكتار) المسجل خلال العشريات الأخيرة. إن التغييرات المناخية توضح عدم استقرار مستوى الإنتاج المسجل من سنة لأخرى (هبط منتوج الحبوب من 38 مليون قنطار سنة 1991 إلى أقل من 10 مليون قنطار سنة 1994).

إن اختيار تكثيف الزراعة بالجزائر أصبح صعبا جدا، نظرا للعجز المسجل في معدل نزول الأمطار وكذا تذبذبها، بالإضافة إلى التأثيرات المناخية الأخرى كالسيروكو الجنوبية، والجليد وغيرهما.

كما أن التربة غير المتطورة تعرضت للإهمال والإنهاك بسبب الخدمة السيئة واستخدام طرق خدمة الأرض المستريحة،مما تسبب في نفاد المواد العضوية من التربة،وبالتالي تكون خلل إيكولوجي. [14]

وعبر مناطق واسعة التي هي السهول العليا حدث فيها تدهور مناخي والتي كانت تتميز بخصائص مناخية شبه جافة. [15]

إن هذه الصعوبات الزراعية-المناخية رسمت وبشكل محدد الطابع الفلاحي بالجزائر، حيث أضحت الخارطة الفلاحية موزعة على الشكل الآتي: يلجأ إلى زراعة الحبوب والزيتون والعنب في المناطق الممطرة من الشمال، وتزرع الأشجار المثمرة والحبوب الربيعية في المناطق المسقية.

وقد دمجت تربية الأبقار والمواشي (800000 رأس) مع زراعة الحبوب. أما زراعة الخضر والفواكه فتتمركز في المناطق الساحلية، والجهات المحاذية لها، أو في السهول المنخفضة والوديان أو في الداخل. (انظر خارطة تقسيم المناطق الزراعية حسب التوجه الفلاحي).

                               خارطة الاختيارات الزراعية بالجزائر

 

تكثر تربية المواشي والماعز (من 12 إلى 15 مليون رأس) في منطقة السهوب وحدها، بالإضافة إلى زراعة الحبوب. أما في المناطق الموجودة في جنوب الأطلس الصحراوي فإن الفلاحة نادرة، وتمثل الواحات المكان المفضل الذي يمارس فيه السكان نشاطات فلاحية موزعة عبر مليونيْ (2) هكتار. يخضع 100000 هكتار من المساحات الزراعية المستغلة لصرامة بيئية قاسية جدا.

يمارس الفلاحون في هذا المجال الزراعي تقنيات بدائية، ويلجأون إلى الزراعة القائمة على السقي في مساحات صغيرة. وأهم المنتوجات الفلاحية في هذه المناطق هي ذات طابع استهلاكي بالإضافة إلى نخيل التمور. غير أن العشريات الأخيرة أحدثت اضطرابا في الظروف التي كانت تمارس فيها التقنية التقليدية في الواحات، لا سيما بعد صدور قرار الاستفادة من ملكية الأرض المستصلحة بالجنوب سنة 1983(APFA) [16] وتطوير نظام السقي المحوري، وإدخال البيوت البلاستيكية، والزراعات التجارية كتلك التي تمارس في التل (الحبوب، الأشجار الثمرة، وتربية الأغنام).

ولكن إذا كان المجال الفلاحي هو نتيجة حتمية للصعوبات الزراعية-المناخية، فإنه أيضا وليد للتغييرات التي لا يمكن فصلها عن الجانب التاريخي (الحركات الديموغرافية، التاريخ السياسي، التطور التقني و السياسات الفلاحية و/أو الاقتصادية أو هما معا).كل ذلك جعل الفلاحين يتعايشون مع الصعوبات التي تفرضها الظروف القائمة، والتطورات الناجمة عنها.

يمكن التمييز بين مراحل كثيرة، مرحلة قديمة قبل الرومان موصوفة باهتمامها بتربية المواشي والتركيز على هذا النشاط قبل النشاط الفلاحي، ومرحلة الرومان التي تم فيها إدماج بعض التخصصات الزراعية عبر مساحات معينة من القطر، و مرحلة عربية حيث ساهمت بعض المناطق العمرانية في هيكلة الفلاحة وتنظيم الأرياف المجاورة لها. وغداة المرحلة العثمانية يبدو أن بنية مجال استغلال التربة قد تم البت فيه نهائيا، حيث طورت الوصاية التركية نموذجا تشريعيا يحدد قانون ملكية العقار، وطرق حيازة الأراضي. أما الاستعمار الفرنسي فقد أجرى على النظام الموروث قطيعة قاسية إن على مستوى شكل تنظيم المجال الفلاحي، أو على مستوى ملكية الأرض.

لقد أحدث الاستعمار بالفعل "انزلاقا في المجال الجزائري باتجاه الشمال، حيث تمت أقلمة النشاطات الفلاحية وفق هذا التوجه في الساحل، كما أن الاستحواذ على السهول الساحلية، وجزء من السهول العليا الداخلية." [17]

انقسم المجال الفلاحي بالجزائر تدريجيا بين أراضي فلاحية صالحة (أراضي خصبة غنية يستغلها الكولون) والبقية الواقعة في السفوح وأقدام الجبال والهضاب، والمنحدرات الصعبة للفلاحين الجزائريين، ومنطقة السهوب للمراعي وتربية الماشية).

لم يبق شيء كبير من التكامل والتوازن اللذين كانا يطبعان بشكل عام العلاقات التقليدية بين التجمعات (مزارعون/فلاحون مقيمون، وسكان رحل) والمناطق (مراعي سهبية عالية، سهول ممتدة لزراعة القمح، وسهول جبلية).

وتبرز القطيعة والاضطراب أكثر في التكامل المفترض عند فحص خارطة توزيع الزراعات، حيث ركز الاحتلال الفرنسي على فرض التخصص الفلاحي في بعض مناطق القطر:إنتاج الحبوب في المستثمرات الواسعة وفي السهول العليا شرق وغرب البلاد. زراعة الحمضيات في سهول المتيجة (الوسط الجزائري) والهبرة (الغرب الجزائري) أو عنابة (في الشرق).

ولكن الحدث الأكثر بروزا من وجهة نظرنا، والذي أثر بشكل كبير على التكوين الاجتماعي في الجزائر هو نمو وتطور كتلة كبيرة من البروليتاريا الفلاحية إلى جانب الكولون والملاك الكبار للأرض في الجزائر.

العائق التاريخي الكبير يعترض صيرورة بروز طبقة فلاحين بالجزائر

إن إعادة عرض الآفاق التاريخية للأشكال الاجتماعية المهيمنة عبر استغلال الثروات الطبيعية للإقليم، تُمكِّن من كشف العراقيل التي كانت تعترض سبيل بروز طبقة فلاحين بالجزائر. [18]

أعتقد أنه ينبغي التذكير بأن ماضي الجزائر الفلاحي كان يهيمن عليه النشاط الرعوي، و "طريقة الحياة" القائمة على الترحال، وأن من بين أولى المحاولات التاريخية لتجمع السكان الرحل في نوميديا القديمة كانت توطيد قواعد طبقة فلاحين مرتبطة ارتباطا حميميا بالفكرة المستوحاة من قبل الملك البربري ماسينيسا في القرن الثاني قبل الميلاد، والمتمثلة في بناء دولة. وقد تطلب ذلك انتشارا وتواجدا دائمين في الإقليم من الفلاحين المقيمين/الحضر. كما أن رؤساء القبائل، والأعيان المنحدرين من عائلات مالكة لأراضي زراعية بطرق بدائية، كان ذلك-بدون شك- حدثا فريدا في التاريخ الاقتصادي للجزائر. [19]

إن هذه الفكرة الهادفة إلى تقوية قاعدة الفلاحين في المجتمع البربري تعرضت لمواجهات ومضايقات من قبل الغزاة الرومان حيث إنهم لم يلجأوا فقط إلى تغيير الحدود الفاصلة بين المناطق الرعوية عن الحدود الزراعية، مبعدين ومقصين الرعاة المزارعين ما أمكن نحو الجنوب، مستغلين في ذلك سلطتهم العسكرية، بل إنهم دعوا إلى ترقية استغلال الأراضي (عن طريق نشر الزراعة الأحادية للحبوب وتخصيص مناطق لزراعات معينة) وتشجيع أشكال الملكية التي ستحول لاحقا دون تشكيل علاقات حرة بين الفلاحين داخل المناطق الزراعية التي يراقبونها. كما لجأ الاحتلال الروماني إلى اختراع نظام خاص Latifundiaire الذي كان له آثار وخيمة على النظام الاجتماعي. وبجانب القبائل الرحل وتنظيماتها الجماعية، تطورت بصورة كبيرة نسبيا يد عاملة مكونة من الرقيق المزارعين، مستغلين داخل مزارع للمعمرين، تشبه هذه اليد العاملة إلى حد كبير البروليتاريا الفلاحية في القرنين التاسع عشر والعشرين. إلا أن هذه الفئة من المزارعين لم تحصل على صك الملكية الشخصي، ولا على وسائل العمل، ولا التقنية الزراعية.

وعلى مدى فترة طويلة نسبيا من وجود الوندال والبيزنطيين- بين القرن الخامس والسابع- كانت الحدود بين المجالات التي يقيم فيها السكان الرحل، وتلك التي يقيم عليها المزارعون الحضر/المقيمون تتعرض للتغيير بصورة منتظمة بسبب الأوضاع غير المستقرة، والصراعات المسلطة على هذه المناطق.

وبحلول العرب (القرن الثامن) كانت الحضارة أو العمران –على حد تعبير ابن خلدون- في أغلبها بدوية. [20]

إن الصيرورة الفاعلة في عملية تحضر القبائل البربرية المرتبطة بتكوين الأسر المالكة ومدنهم ساعدت بشكل تدريجي على صعود عالم الفلاحين، وهذا على ما يبدو إلى غاية القرنين الحادي عشر والثاني عشر.

أما عن وصف المناطق المغاربية الغربية التي وجدناها عند الجغرافيين العرب كالبكري والإدريسي فإنها توضح بشكل جلي طبيعة بعض النشاطات كـ(زراعة الأشجار، الكروم، القطن، تربية قطعان المواشي الكبيرة، نسيج الكتان) وبعض المعدات ("رحى بالماء"، صهريج ماء آلات هيدرولية) ومنجزات فلاحية أخرى (آبار – منابع ماء-أحواض مائية) تشهد جميعها على الرقي في التعامل مع الأرض، واستغلال جاد لها، وخبرة مكتسبة في الزراعة، وبالتالي تدل على وجود قاعدة فلاحية بالإقليم. [21]

لقد شجعت الأسر المالكة البربرية وحكام الأندلس إعادة بناء المجتمعات الفلاحية لاسيما مع بروز الحياة الحضرية، ونظام التمليك للأراضي تحت سلطة المُلْك الفردي أو العائلي الشائع، والتي كانت تجيد استغلال الأراضي بالطرق الزراعية والتقنية الحديثة للري.

إن طرق الملكية وأشكال توزيع الأراضي الموجودة أثناء الحكم التركي أعادتا من جديد تسيير صيرورة الاستقطاب الاجتماعي التي ستؤول من ناحية إلى تقوية طبقة كبار ملاك الأرض من أصل حضري (أصحاب مقامات، كولوغليس [22]) ورؤساء قبائل موالية. ومن ناحية أخرى تزايد عدد الخماسين [23] والمزارعين، غير أن الضرائب المفروضة من قبل السلطة العثمانية أحدثت خرابا، وأنهكت كاهل الفلاحين الصغار، وحدّت من إمكانية توسيع الملكيات الصغيرة، لا سيما في الأماكن المحيطة بالمدن (ضواحي المدن) حيث تكثر زراعة الخضر والفواكه.

إن المجتمعات الفلاحية نتيجة ارتباطها القوي بالأرض، والقيمة المعتبرة التي تمنحها لها في الإطار الخاص المعروف (بحق الملكية)، والانسجام الاجتماعي القوي حافظت على ما كانت عليه في الماضي، من حيث التمركز والاستقرار في المجالات الزراعية المشرفة على المدن (Le Fahç) في بعض المرتفعات الجبلية (أو في أعماق الوديان)[24] وداخل مناطق الواحات.

وصل تطبيق الترسانة القانونية سوناتيس كانسيل(Senatus Consulte) لعام 1863، وقانون وارنيي Warnier1873 و الإجراء السياسي- العسكري للنظام الاستعماري الفرنسي إلى خلق بروليتاريا ضخمة و/أو نصف بروليتاريا فلاحية جزائرية، حتى إنه في نهاية الخمسينيات، كانت أغلبية المزارعين من السكان مكونة من أجراء، نصف بروليتاريين و/أو خماسين. يرى Lan من خلال قراءة هذا التاريخ أن تشكيل التسيير الذاتي غداة الاستقلال من قبل أجراء مزارع المعمرين كان استمرارا لحبقة استعمارية بائدة. ولا يمكن اليوم تأويل ذلك كاختيار إيديولوجي أو اختيار سياسي اعتباطي، لأن النظام الجديد للتسيير وجد قاعدة اجتماعية تقريبا طبيعية-أجراء مزارعون- من أجل تنصيبه وتكريسه.

ومن جهة أخرى فإن غياب طبقة فلاحين منتمية إلى تاريخ عريق، ومتمسكة بجذور الأرض، كان عائقا كبيرا من أجل الإصلاح الزراعي عام 1971. كما أن الظروف الاجتماعية التي صاحبت إعادة التوزيع الفردي للأراضي لم تكن منطقية و/أو ذاتية مجحفة.

العائــق التـــــــقني

أكد روني ديمون René Dumont عام 1949 بعد جولة قام بها عبر العالم أن الزراعة في شمال إفريقيا من بين تلك التي تطرح مشاكل للتقني [25]. ويظهر جليا أنه كلما كانت نسبة السكان ضعيفة(لم يتجاوز تعداد السكان حسب بعض التقديرات سنة 1830 ثلاث ملايين نسمة) لن تكون هناك صعوبات كبيرة في استغلال الثروات الطبيعية بتقنيات بدائية.

تعايشت طريقتان زراعيتان بشكل متكامل قبل عام 1830: زراعة مكثفة، متمركزة في مناطق رطبة، استقطبت سكانا مزارعين قائمين على فلاحة الأرض بمعارف ومبادئ زراعية عربية و/أو قديمة ؛ وفلاحة موسعة، زراعية-رعوية، استفادت من خبرة متوارثة جيلا عن جيل بشكل روتيني.

أحدث الاستعمار الفرنسي داخل هذا النظام الإنتاجي قطيعة أساسية، كما تولت القطاعات المختصة داخل الدولة الفرنسية إشاعة ما كان يطلق عليه " الغزو العلمي" للجزائر، وأصبحت الممارسات الفلاحية نتيجة ذلك تتم بـ"أدوات معاصرة" (حسب التعبير المستخدم في تلك الفترة).

ومنذ ذلك الوقت عرفت الفلاحة بالجزائر ثنائية في الممارسات الزراعية، سمحت ببروز معارف علمية جديدة، ومهارات تقنية مستخلصة من طريقة الزراعة الفرنسية.

وبموازاة ذلك تطورت داخل القطاع التقليدي ظاهرة هدم للبنيات الاجتماعية المرتبطة بخوصصة الملكية للأراضي، وهي الظاهرة التي أسهمت في تقليص حقل التعبير عن المعارف والممارسات الفلاحية، حيث أضحت هذه المعارف التقنية والخبرات السابقة المكتسبة عرضة لمضايقات عنيفة.

تميزت الفترة الأولى لبداية القرن العشرين بتحولات تحققت على المستوى الديموغرافي، وعلى مستوى أشكال الإنتاج الموجودة، حيث لوحظت حركة تحضر لدى سكان الأرياف، غير أن هذه التطورات الاجتماعية والاقتصادية جرت ضمن إطار محفوف بالصعوبات المناخية، وطبيعة التربة التي طرحت وبشكل جديد إشكالية التطور التقني.

تولى خبراء الزراعة "لشمال إفريقيا" [26] تقديم طروحات جديدة، نادوا من خلالها بحلول تقنية تعتمد كثيرا على الطرق التجريبية. وبعد سلسلة من الترددات، أو ما يسميه (ريفيار وليك) Lecq و Rivière "بالشطط" في التوجهات، ستعرف بعد ذلك التحولات التي ستعطيها السياسة الاستعمارية لجهاز الإنتاج الفلاحي بالجزائر ديمومة في التجارب المتواصلة. [27]

وهكذا يجب التذكير، أنه في بداية الاحتلال الاستعماري للجزائر، طالب خبراء الزراعة الفرنسيون بضرورة إنتاج مواد استعمارية(مواد زراعية يستهلكها المعمرون بخاصة)، لأنهم اعتقدوا-لجهلهم بالمعطيات المناخية بالجزائر- إمكانية أقلمة المزروعات المجلوبة والغريبة عن الجزائر، لذلك جرت تجارب زراعة الموز، الكاكاو، البن، الفول السوداني، والزراعات الصناعية (القطن، القصب السكري، التبغ، ونسيج الكتان)التي تطورت منذ بداية الاحتلال.

وبعدها بمدة (1850-1870) أشار الخبراء الزراعيون إلى ضرورة التخصص في مجال تربية المواشي، اعتمادا على النموذج المعمول به من قبل المعمرين الأوربيين في استراليا والأرجنتين. غير أن الإحساس بفشل التجربة كان مبكرا جدا، لأن القائمين عليها اكتشفوا أن الأغنام الجزائرية غير منتجة للصوف كما هو الشأن عند مثيلتها بأستراليا.

ساعدت أزمة الكروم بوسط فرنسا (Midi de France) فيلوكسيرا phylloxera من توسيع زراعة الكروم بالجزائر، إلا أن قضية مناصب الشغل بعد الحرب العالمية الأولى حدّت و بشكل سريع من نجاح هذا النوع من الإنتاج، مما دفع من جديد بعد الأزمة الكبيرة في عام 1930 الخبراء الزراعيين إلى تشجيع الفلاحة المتعددة المنتوجات، كزراعة الحبوب والخضر، وتوسيع المزروعات المتوسطية المسقية (كالحمضيات، والفواكه).

وأخيرا، تساءل الخبراء الزراعيون لشمال إفريقيا عن الطرق الأكثر صرامة، وسبل التقنية الأكثر نجاعة لتطبيقها، انطلاقا من معاينة النشاط الفلاحي بالجزائر (الذي كان يجري في إطار طبيعي غير مناسب بين الحربين العالميتين)، ولأنهم اعتقدوا أن الثورة الزراعية لا يمكن أن تقلص إلى مجرد آلية بسيطة، إلا أنها تبقى القضية المرتبطة بأزمة إنتاج التربة.

إن محاولة تحديد نوعية معينة للزراعة "خاصة بشمال إفريقيا" فكرة تكونت في بداية القرن العشرين، ارتكزت في بداية الأمر على فرضية عدم إمكانية النقل الميكانيكي للتطورات التقنية، و/أو وسائل الثورة الزراعية التي توفرت في أوربا ابتداء من القرن الثامن عشر.

إن استيراد التقنيات الزراعية "بشمال أفريقيا"، والتي جرى تدقيقها وترقيتها في ظروف قد تكون أكثر ملاءمة، فكرة مشكوك فيها وفي فعاليتها، [28] كما هو الشأن أيضا بالنسبة لتقنيات زراعة الأرض (الحرث العميق).

أما عن الزراعة التقليدية، فقد عكف الخبراء الزراعيون "لشمال إفريقيا" على إنجاز توصيات تتعلق بتحديد نوعية التقنيات الفلاحية. فقد أوصوا على سبيل المثال بإقامة قنوات المياه المخصصة لسقاية الزراعة، والتحضير الجيد للتربة، وإدخال مكننة متطورة في جمع المحصول، بدلا من استخدام العتاد البدائي. وأخيرا تطوير الإنتاج الخاص بالفواكه والمناسب للظروف المناخية (الزيتون، التين، التمور). وقد جرى اهتمام خاص بالتكوين المهني للفلاحين من أجل تطوير الممارسات الزراعية. وعلى كل حال، فقد أشار الخبراء الزراعيون إلى أنه حتى ولو كانت بعض التحسينات والتغييرات ممكنة في مجال تطوير العتاد الفلاحي، وتربية الماشية، وترقية التربة، "فإن هذه التغييرات لا تكون ممكنة التطبيق إلا في حدود محلية." [29]

إن أزمة زراعة الحبوب المتمثلة في انخفاض المردود، والتي ظهرت منذ بداية القرن العشرين، دفعت الخبراء الزراعيين المعمرين إلى توسيع الحوار حول وسائل تكثيف وتطوير الفلاحة بالجزائر. لقد أكدوا بكل وضوح أن تهيئة التربة قبل البذر من الشروط التي يجب إجراؤها من أجل تحسين مردودية زراعة الحبوب، لأن ذلك من شأنه تمكين التربة من تحمل الجفاف بشكل يتلاءم وطبيعة هذه التربة، ويمكنها من التغذي بصورة أحسن. وضمن هذا التحسين الضروري والفعال الذي أجري على التربة، ضمن الفلاحون استعادة العناصر المخصبة التي كانت تستنفد من قبل المحصولات السابقة، كما سهل ذلك إدخال تجريب نوعيات بذور جديدة.

إن التجربة التي خاضها الخبراء الزراعيون المعمرون كانت تدعو إلى تنويع الفلاحة التي يشرف عليها الأهالي مباشرة، مستفيدة مما يملكه هؤلاء من معرفة للوسط الطبيعي، لذلك كان تطبيق التجارب التقنية، والتحسينات المنجزة في مجال ترقية النشاط الفلاحي ذا آثار حسنة على المردود.

إن الأبحاث والتجارب الفلاحية المنجزة من قبل الخبراء الزراعيين منذ منتصف القرن العشرين، وتلك التي تحققت من قبل الخبراء الجزائريين بعد الاستقلال، تضافرت من حيث الاستفادة من الخبرات، والمنجزات المحققة، كما عملت على تطوير المرجعيات التقنية، والتجارب العلمية المحددة منذ أكثر من قرن. [30]

إن السياسات الفلاحية المنتهجة خلال العشريات الأخيرة بالجزائر، لم تدخل ضمن تصوراتها ومنجزاتها، العوائق الكبرى، الشيء الذي يجعلنا نفهم اليوم- على الرغم من الاختلافات الجوهرية التي تفصلها- العراقيل التي واجهتها هذه السياسات.

السياسات الفلاحية:من التسيير الذاتي إلى التسوية (1963-2000)

يمكن التمييز بوضوح بين مراحل كثيرة:

- مرحلة أولى تغطي الفترة 1962-1970 المتزامنة والتسيير الذاتي.

- المرحلة الثانية الممتدة عبر السنوات 1970-1980 والتي تزامنت مع تطبيق الإصلاح الزراعي الثاني أثناء حكم الرئيس هواري بومدين(1971-1975).

- بدأت الجزائر وسط الثمانينيات تطبيق إصلاحات فلاحية بتوجهات ليبرالية، وبعد عشرية التسوية البنائية التي تميزت بإدراج المخطط الوطني للتنمية الفلاحية (PNDA) فتحت مرحلة ما قبل التسوية.

محاولات القطيعة بعد الاستقلال (1963-1978): فترة الثورات الزراعية

ورثت الجزائر خلال السنوات الأولى للاستقلال زراعة تمثل أكثر من 20% من المنتوج الداخلي الخام، والذي يحتل أكثر من نصف (55%) السكان النشطين، وتصدر أكثر من 1.1 مليار دينار جزائري سنويا، وهو ما يمـثل ثـلـث (33%) الصادرات الكلية للوطن. غطت هذه الصادرات بشكل واسع الواردات الغذائية (7مليار دينار سنويا). مست هذه التحولات الأساسية القطاع الاستعماري، وبصورة جزئية القطاع الخاص التقليدي بالجزائر.

التسيير الذاتي: من المفهوم إلى الحقيقة

أخذ الاستقلال دلالة خاصة في الوسط الفلاحي والريفي، حيث احتل أجراء مزارع المعمرين منذ جويلية 1962 الأراضي الشاغرة إثر مغادرة الكولون لها، لاسيما في المناطق الغنية، وفرضوا شكلا مباشرا في التسيير(التسيير الذاتي). انتظم القطاع العمومي المسمى (التسيير الذاتي) لاستغلال أكثر من 2.5 مليون هكتار من أراضي المعمرين الموزعة على 2200 مستفيد عمومي(أي بمعدل أكثر من 1000 هكتار/مستفيد). ومن بين هذه الأراضي، حوالي 250000 هكتار سيعاد توزيعها لفائدة قدماء المجاهدين [31]، الذين جمعوا ضمن 350 تعاونية فلاحية للإنتاج. [32]

لم تشتغل فعليا تجربة التسيير الذاتي خلال الموسم الفلاحي 1961-1962 لأن الدولة الجديدة الوطنية تدخلت في مراقبة القطاع . [33]لكن سرعان ما كانت هذه التجربة-التسيير الذاتي- ضحية التدخل المستمر للدولة، بالإضافة إلى ما ورثه القطاع من العهد الاستعماري، لأن جهاز الدولة كان يشرف على تسيير القطاع حيث وضعت المزارع الفلاحية تحت وصاية مؤسسة مركزية : الديوان الوطني للإصلاح الزراعي (ONRA) [34].

تولت المؤسسات العمومية تحديد المخططات السنوية للإنتاج، كالمخططات المتصلة بالمالية، والتسويق، وكانت الأجهزة الإدارية للقطاع تتدخل في تحديد أسعار المنتوجات الفلاحية، بحيث أفرغت هذه الممارسات مفهوم "التسيير الذاتي" من محتواه.

كان القطاع العمومي (مزارع مسيرة ذاتيا، وتعاونيات فلاحية) يوفر في تلك الفترة 75% من الإنتاج الفلاحي الخام ، بينما تولى القطاع الفلاحي المشكل من أكثر من 600000 مستفيد زراعي من توفير الباقي.

ويبدو أن السلطة كانت تعيد آنذاك استخدام النموذج الزراعي الاستعماري المطبق لغاية نهاية الستينيات : حيث تواصلت الصادرات الفلاحية نحو الأسواق الخارجية من (خمور-حمضيات- فواكه) كما بقي نظام الإنتاج الخاص بهذه المنتوجات على الوتيرة نفسها التي كان عليها في العهدة الاستعمارية، بل وتوسع بشكل تدريجي، حيث كان يوظف في الفترة (1964/1965) حوالي 237400 عاملا من بينهم 100000 عامل موسمي، وكانت الأراضي المزروعة تمثل آنذاك حوالي 30% من المساحات المستغلة.

واعتمادا على فكرة -خاطئة- تتمثل في كون القطاع العمومي قد وصل مستوى من التطور التقني في تحسين الإنتاج، وجد القطاع العمومي الفلاحي نفسه بسرعة في مواجهة مشاكل التسيير، والتموين، والمالية، وتسويق المواد الفلاحـيـة المنتوجة [35].

إن الاعتمادات المسخرة لتجديد الطاقات المنتجة والإجراءات المتخذة في إطار التكوين، والتأطير التقني، كانت ضعيفة من أجل التصدي لانهيار الطاقات الإنتاجية القائمة (شيخوخة البساتين، عدم صلاحية العتاد كوسائل الري وآليات الحرث وتهيئة التربة..) بالإضافة إلى تدني المستوى الثقافي للقوة العاملة (90%) من العاملين أميون، والمؤهلون وجهوا إلى الاشتغال بمهام إدراية.

ويجب التذكير بأن هذا القطاع الذي ورث دعما من الصندوق الاستعماري لم يستفد من المساعدات المالية ومن الفوائد التجارية التي كانت تمنحها الدولة الاستعمارية للمعمرين المزارعين منذ 1962، كما أن طلب الإنتاج الفلاحي الجزائري لم يصبح تسويقه مضمونا من قبل الشركاء الفرنسيين (الشريك الأول في استهلاك المحاصيل الزراعية الجزائرية). وإثر ذلك، ظهرت أزمة حقيقية للصادرات، ضربت بقسوة سوق المنتوجات الجزائرية عام 1965، حيث بلغت الكميات المجمعة للخمور غير المبيعة مليونين من الهكتوليتر عام 1963، و 16 مليون سنة 1967، و 22 مليون سنة 1968. وتسبب ذلك في انهيار الطاقات المالية لمزارع الكروم في المناطق الأكثر ثراء في البلاد، مما أجبر هؤلاء الفلاحين على استبدال زراعة الكروم بزراعات أخرى، واقتلاع الأشجار التي عانوا كثيرا في تربيتها وتهيئتها للإنتاج، وتم التخلي بشكل جماعي عن يد عاملة، غالبا ما كانت من الفئة الأكثر خبرة (قرابة 23000 عاملا دائما بين سنوات 1965- 1968). [36]

وأما فيما يتعلق بالقطاع الخاص، فإن مشاريع الإصلاح الزراعي كانت تؤجل كل مرة من قبل السلطة السياسية، على الرغم من أن هذا القطاع كان محل تدخلات واهتمامات من شأنها الحد من الفقر، وسوء التغذية. إلا أنه لم يعرف تغييرات معتبرة إلا عند الإعلان عن القانون المتضمن للثورة الزراعية. [37]

الإصلاح الزراعي و"الحلف الجديد بين المدن والأرياف"

يدخل الإصلاح الزراعي بالجزائر سنة 1971 ضمن إطار استراتيجية تصنيع وطن تخلص منذ فترة قصيرة من نظام استعماري.

ففي المخطط الوطني للتنمية المتفق عليه، تساهم الصناعة في تحديث الفلاحة، وذلك عن طريق حقن التغييرات التقنية. وقد طرأت تحسينات وتطورات في مجالات التنظيم والإنتاج الفلاحي، وداخل هياكل عقارية بواسطة إصلاح زراعي.

إن الهياكل العقارية الموروثة عن الاستعمار كانت معروفة حينذاك بازدواجية جد حادة : وهكذا فغداة الإصلاح الزراعي فإن أقل من 2% من مالكي الأرض (كانوا يحوزون على أكثر من 100 هكتار)، متمركزين في ربع مساحة الأرض (23% بالضبط)، بينما القطب الثاني: الثلثين (69%) من المشتغلين في القطاع الفلاحي يحوزون على أقل من 10 هكتارات، يتقاسمون بالتقريب 18.7% من الأراضي الفلاحية. بينما كانت المداخيل المحصلة من كراء الملكيات غير المستغلة أصلا، أو التي هجر أصحابها أراضيهم تقدر بعشر الإنتاج الخام الفلاحي للقطاع الخاص؛ أي 500 مليون دينار. [38]

كان الهدف الواضح والبين للإصلاح الزراعي من جهة هو توزيع الأراضي لفائدة الفلاحين بدون أرض، أو لفلاحين صغار لا يملكون الكفاية.ومن جهة أخرى كانت الغاية هي تغيير شروط الإنتاج، وذلك بإدخال تعديلات ضمن أشكال تنظيم العمل وكذا في المحيط الفلاحي.

وبعد ثلاث سنوات من التطبيق فقط (1972-1975) كانت النتائج مخيبة للآمال المعقودة على الإصلاح. أما التغييرات المتعلقة بالهياكل الزراعية، فقد كانت محدودة:استعادة أكثر من مليون هكتار من الأراضي العمومية (بلدية، قطاعية، وعروشية ووطنية)، الصالحة للزراعة في إطار الإصلاح. وهكذا استفاد القطاع من مساحة تقارب 500000 هكتار ؛ أي حوالي 9% من مجموع الأراضي الملحقة قانونا بالقطاع الخاص. [39]

مثل أجراء القطاع الفلاحي والمزارعون البروليتاريون أغلبية السكان الذين استفادوا من عملية الإصلاح (حوالي 100000 مستفيد).

كما أنشئت أكثر من 6000 تعاونية من مختلف الأنواع، غير أن الصنف الذي تم اعتماده وتشجيعه هو تعاونيات الإنتاج التابعة للثورة الزراعية (CAPRA). وقد استفاد هذا الشكل من التعاونيات من حوالي80% من المساحات الزراعية الصالحة، كما أنه ضم قرابة الثلثين (65%) من المستفيدين من استغلال الأراضي التابعة للإصلاح الزراعي.

إن المدافعين عن مشروع الصناعة في الجزائر والأكثر تحمسا له، اعتبروا أن الأشكال الجماعية للإنتاج تمثل في آن واحد إمكانية تحقيق اقتصاد متنامي، وتوفير مناصب شغل في القطاع الصناعي.

كانت هذه الرؤية -العمرانية-الصناعية- مدعمة بإرادة صارمة توجب المراقبة المزدوجة: الاقتصادية والاجتماعية للفلاحة من قبل الدولة.وانتهى القطاع وتعاونيات الإصلاح الزراعي بشكل تدريجي بالانحلال والتماهي مع القطاع الفلاحي الموجود والتابع للدولة.

إن المعاينة المنجزة على المستوى التقني أفادت في أن عددا قليلا من التغييرات تحققت وأدمجت إجراءات فعلية أخرى، في حين كانت التجارب المكثفة محدودة جدا، نتيجة قلة الإمكانات والدعم المؤسساتي (التعميم، التكوين الفلاحي) والتجديد التقني، ذلك أن التعاونيات عادت إلى استخدام الأنظمة السابقة في الإنتاج.

غير أن التغييرات المحدثة على المستوى الاجتماعي والسياسي كانت أكثر بروزا وفعالية في الريف الجزائري، حيث كان مفعول الإصلاح الزراعي أكثر دفعا للاضطراب. وأثناء هذه الفترة عرفت الملكية الكبيرة للعقار التي كانت تستمد شرعية الامتلاك من العهد الاستعماري تراجعا في تأثيراتها السياسية، وفقدت كثيرا من أراضيها.كما أعيد النظر في كيفيات امتلاك الأراضي من قبل سكان المدن نتيجة مفعول قانون الثورة الزراعية الذي كان يربط ملكية الأرض وحيازتها باستغلالها الفعلي. [40]

كما كان لهذه التحولات والإجراءات تأثير حاسم في تحسين وتطوير مستوى حياة الفلاحين والتجهيزات السوسيو-ثقافية في عالم الريف.

تولت شبكة لا مركزية من التعاونيات المكلفة بالخدمات (أكثر من 750 تعاونية فلاحية متعددة الخدمات على مستوى البلديات) توزيع الخدمات بأسعار مدعمة ومستقرة أحيانا.كان هذا الإجراء سببا في بروز ظاهرة انهيار وفساد الظروف الاقتصادية للفلاحين الملاحظة من قبل.

كما استفاد الريف خلال هذه الفترة من مشاريع استثمارية هامة في مجال السكن الريفي، والتجهيزات الاجتماعية-الثقافية، وتعميم الكهرباء الريفية. [41]

وقد لاحظنا من ناحية أخرى خلال عشرية السبعينيات ارتفاع الطلب على الفلاحة مقابل الصناعة.وهكذا طورت الفلاحة تجهيزاتها [42] وسجلت ارتفاعا سنويا يقدر بـ10% من استهلاك الأسمدة خلال الفترة 1970-1980.

غير أن مجموعة من الصعوبات برزت ابتداء من سنة 1976 تسببت في انخفاض وتيرة تطبيق الإصلاح الزراعي، قبل أن يتوقف نهائيا سنة 1980.

وبالإضافة إلى ذلك فقد واجهت الصناعة المحلية مشكلات في التحكم التكنولوجي، وفي التموين والمراقبة التقنية في إنتاج المواد، مما انجر عنه عدم إمكانية تموين قطاع الدولة (المُشكّل أساسا من قطاع التسيير الذاتي)، ومن (قطاع الإصلاح الزراعي). وقد أثرت هذه الوضعية كثيرا على درجة وتيرة التحولات الفلاحية التي عرفت قطاعاتها تراجعا كبيرا.

وهكذا فإن توقف الإصلاح الزراعي ناتج عن (أزمة في التموين الحضري) بمحاصيل فلاحية تجلت في غضون السبعينيات، وتطورت هذه الأزمة بعد تأميم التجارة بالجملة للفواكه والخضر (أكتوبر 1974) جرت هذه العملية في ظروف مشحونة بانفجار الطلب الداخلي على المواد الفلاحية. وقد ارتبط بشكل معين ارتفاع الطلب على المواد الزراعية في سياق سياسي تميز بكثرة مخططات التنمية المتصلة بالنمو العمراني، وبالشغل خارج القطاع الفلاحي، وبالتحسن في مردود أجور العمال خارج قطاع الفلاحة.

وقد أعقب إصلاح النظام التجاري الذي حصل سنة 1974 اضطراب في تنظيم الأسواق الفلاحية التي تأثرت بـ "إضرابات في عمليات التسليم". ومن النتائج البارزة لهذا الإضراب من طرف المستثمرين الفلاحيين الممارس على أسواق الفواكه والخضر الطازجة الهبوط العنيف للعرض الفلاحي، كما أن تعميم النقص في المواد الغذائية ساعد على ارتفاع الأسعار الاستهلاكية وعدم رضى فئات سكان المدن الذين تخلوا عن تدعيم الإصلاح الزراعي المسؤول عن الوضعية المزرية التي آل إليها الوضع في البلاد.

وبالإضافة إلى هذه الصعوبات الاجتماعية والسياسية المعلن عنها بصورة مكشوفة والتي دفعت بالدولة إلى التفكير في فترة تجميد إجراءات التأميم (1975-1978) [43] وفتح حوار حول مستقبل القطاع (1978) قصد إدخال عدد من الإصلاحات توفر إمكانيات واسعة لتوفير ميكانيزمات جديدة تدفع إلى إحياء السوق وتخليص القطاع من خطر بات يهدده.

عمليات تحرير القطاع الفلاحي خلال السنوات 1980-90

جرت هذه العمليات في فترة طويلة نسبيا، حيث اتخذت إجراءات لتحرير القطاع من قبل السلطات العمومية الجزائرية ابتداء من توقيف عمليات الإصلاح الزراعي، وتميزت بالإسراع في ذلك خلال الثمانينيات.

تمت الإصلاحات الأولى داخل قطاع التجارة التي كان ينظر إليها في تلك الفترة على أنها الخيط الهش الضعيف للسياسة القديمة في الإصلاح الزراعي.

فقدت الدواوين الفلاحية، والتعاونيات ابتداء من سنة 1976 احتكار تسويق المواد الفلاحية، بالإضافة إلى إجراءات من أجل الحد من توسيع تأميم أراضي الخواص لضمان تشجيع الملكيات الخاصة لتحقيق زيادات في الإنتاج الذي عرف كسادا لا مثيل له في الفترة التي عمم فيها التأميم. ومن جهة أخرى تم إدراج إصلاح القروض الفلاحية من أجل إعادة النظر في كيفيات منحها من جديد.

وأخيرا تم تحرير أسعار الخدمات بشكل تدريجي. أما أسعار الآليات الفلاحية فقد تضاعفت خلال الثمانينيات بـ:3.5 مرة، أما بالنسبة لأسعار الأسمدة والأدوية الخاصة بالنبات (PPS) فقد تضاعفت هي الأخرى 3 مرات. وبصورة عامة عرفت أسعار المواد المسوقة عبر الوسطاء زيادات معتبرة (أفلام بلاسكتيكية، بذور، أدوات فلاحية..) وهذا تحت تأثير ارتفاع الأسعار الشامل الذي كانت تعرفه البلاد.وهكذا انتقل استهلاك الأسمدة في ارتفاع استدلالي من العلامة 100 إلى العلامة 20 خلال عام 1996(مقسمة على 5) أما الأدوية الخاصة بالنبات فقد تحولت من 100 إلى 16 خلال الفترة نفسها! وقد هبطت نسبة شراء الجرارات وآلات الحصاد بشكل كبير مما سبب للفلاحين اضطرابا في عمليات تجديد رأس المال الثابت للقطاع الفلاحي.

إصلاح البنيات الزراعية من خلال التنمية الفلاحية

إن خوصصة الفلاحة تتطلب هيكلة جديدة:

تبنت الجزائر سنة 1983 قانونا خاصا بتملك صغار الفلاحين للعقار [44] الذي يسمح لهم بالاستفادة من ملكية الأرض(APFA) المستصلحة بالجنوب.

تمت سنة 1981 إعادة هيكلة المزارع الفلاحية التابعة للدولة، مس هذا المشروع 2000 مزرعة مسيرة ذاتيا والتي تحولت إلى 3400 مزرعة فلاحية اشتراكية (DAS). دعمت هذه المزارع بالمتخصصين في الفلاحة من مهندسين فلاحيين ومسيرين، وانطلقت بها برامج استثمارية. أتت هذه العملية بثمار حيث سجل في رصيد المزارع الفلاحية زيادة لأول مرة وذلك في السنة الفلاحية 86/87. أحدثت هيكلة جديدة على القطاع الفلاحي سنة 1987، إذ من خلالها وزعت حوالي 2.8 مليون هكتار على مستغلين فلاحيين وذلك حسب القانون 87-19 الصادر في نوفمبر 1987. كانت هذه التقسيمات على هيئة مستثمرات فلاحية جماعية (EAC) ومستثمرات فلاحية فردية(EAI). تسمح هذه القوانين برجوع ملكية الأرض للدولة، بينما المنتوج الفلاحي يعود للمستغلين الفلاحيين، و قد اختفت من الوجود كلية المزارع الفلاحية الاشتراكية (DAS) وحلت بدلها 29556 مستثمرة فلاحـية جـمـاعـيـة (EAC) و 22206 مستثمرة فلاحية فردية (EAI) و165 مزرعة نموذجية.

أصدر قانون جديد (90-25) لتصحيح مصادرة الأراضي في فترة الثورة الزراعية 1971.

فتحت هذه الهيكلة الجديدة آفاق خوصصة الأراضي الفلاحية حيث إن المستغلين المتحصلين على عقود الاستفادة من الأرض غيروا من الوضعية العقارية. قسمت أرض المستثمرات الفلاحية الجماعية بين المستغلين دون عقود، وبعض المستغلين اشتركوا مع أصحاب رؤوس الأموال، والبعض الآخر باع استغلاله للأرض، في حين أحال البعض الآخر الاستغلال إلى الأبناء أو الأصول، وتخلت البقية عن الأرض كلية تاركة إياها دون استغلال.تعتبر قيم هذه التحولات مرتفعة جدا حيث لم تستطع الدولة أن تتحكم فيه، ولا المستثمرون استطاعوا ذلك خوفا من عدم ملكيتهم للعقار الفلاحي، وكان الذي يدفع الثمن في الأخير هو المستهلك.

تم إحصاء سنة 2001 حوالي 10240137 ملكية خاصة منها 737972 تقع بالشمال بمعدل يقارب 5 هكتارات لكل مستثمرة خاصة.

وتشغل أراضي القطاع الخاص بالجزائر أكثر من نصف المساحة الفلاحية المستغلة فعليا. [45] ويخضع تسيير أراضي الخواص إلى أحكام الشريعة الإسلامية (الميراث والشفعة) وتستغل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهي كيفية تختلف جذريا عن طريقة اشتغال أحكام وقوانين الثورة الزراعية. ساهم هذا القانون في إحداث تقسيمات مثالية حتى أصبحت ملكيات جد صغيرة لا يمكن استغلالها بالطرق والوسائل الحديثة.

وفي نهاية عشرية 1990 تجلت البنيات الزراعية على الشكل الآتي:

الجدول1: حالة البنيات الفلاحية (1999)

نوع الملكية

المعدود

المساحة الكلية (هكتار)

المساحة المتوسطة (هكتار)

الملكيات الخاصة

903000

4700000

5.20

منح الأملاك العقارية الفلاحية

70593

119477

1.69

مجموع/جزئي للمزارع الخاصة

973593

4819477

4.95

مستثمرة فلاحية جماعية

29556

1839163

62.23

مستثمرة فلاحية فردية

22206

220285

9.25

مجموع/فرعي: م.ف.ج-م.ف.ف

51762

2059448

39.79

مزارع نموذجية

165

138500

839.40

نوعيات أخرى (أراضي عمومية)

38876

513328

13.25

مجموع/فرعي مزارع عمومية

90803

2713276

29.90

المجموع العام

1064396

7527753

7.08

المرجع: المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي ( CNES ).

وقعت الجزائر اتفاقية ستاندباي Stand-bey في أفريل 1994 مع المنظمة الدولية للمالية FMI حينها كانت الجزائر قد أنهت مخططها الوطني للتنمية الفلاحية، وقد نتج عن ذلك نزع الدعم على المنتوجات كلها، وبخاصة الوسائل المستعملة في الفلاحة، ولم يبق سوى الدعم على الحليب والذي تم التخلي عنه عام 2001 لتشجيع الفلاحين رفعت أسعار المنتجات كالحبوب والباقوليات وبذور البطاطا والحليب، وكذلك الطماطم الصناعية.

أثرت التحولات الناجمة عن إعادة الهيكلة على المستغلين الصغار الذين يشكلون الغالبية العظمى في الريف الجزائري. إن تطور الإنتاج الفلاحي وكذا توجهات النظام الفلاحي لم تحقق أهدافها المنشودة. كما سجلت المنتوجات الفلاحية الاستراتيجية عجزا (الحبوب، الحليب) بينما زادت المضاربة على المنتوجات الفلاحية المعدة للتسويق(فواكه، خضر، لحوم) في حين ظل مردود الأرض منخفضا. [46]

عرفت قيمة استيراد المواد الغذائية هبوطا بعد التوقيع على معاهدة "ستاندباي" ولكن نسبتها مقارنة بالواردات الأخرى شهدت ارتفاعا محسوسا 25% عام 1985، و 30% سنة 1995 في حين بلغت هذه النسبة 31% سنة 1998.

إن فشل الإصلاحات التي أجريت على الفلاحة خلال الفترة (1994-1999) أدى بسلطات البلاد إلى تبني مخطط وطني للتنمية الفلاحية (PNDA) انطلاقا من سنة 2000، يعتمد على إعادة الاستثمار في القطاع الفلاحي، ويختص في تطوير الري والتشجير، والاهتمام بالغابات وكذا المحافظة على الثروات الطبيعية(ماء، تربة).

المخطط الوطني للتنمية الفلاحية (PNDA 2000)

عودة الدولة وإعادة بناء المجال الفلاحي:

إن توجهات البرامج الفلاحية تعتمد على حتميات سوسيو-اقتصادية وتقنية (أكسبت الفلاحة بالجزائر ارتفاعا في المردود والإنتاج الفلاحيين)كما أن معظم العمليات التي تبنتها وزارة الفلاحة تهدف إلى إعادة بناء المجال الفلاحي، حماية النظام الإيكولوجي الهش واستصلاح الأراضي الخاصة بالفلاحة.اعتمدت هذه التدخلات على العوائق المناخية التي أهملت من قبل في المخططات الوطنية السابقة.

سجل البرنامج الفلاحي تدخلات ذات صدى كبير منها إرجاع التربة إلى استخداماتها السابقة والتي شملت حوالي 3 ملايين هكتار منها 740000 هكتار كمرحلة أولى وذلك بتركيز زراعة الحبوب في مناطق صالحة لها (1.2 مليون هكتار) وإعادة استخدام الأرض السابق استغلالها إلى بعض الأراضي الجافة أو المعرضة للجفاف، وذلك بتعويض زراعة الحبوب بزراعة الأشجار المثمرة التي تستطيع تحمل الجفاف، وكذا الكروم وتربية الحيوان.كما تم التركيز على تطوير زراعة (الحبوب، البطاطا، الأشجار المثمرة)، واستغلال أمثل لإنتاج الحليب. وهناك أهداف أخرى للبرنامج الوطني للتنمية الفلاحية يتمثل في مضاعفة المردود الفلاحي والرفع من مردود العمل الفلاحي في السنوات المقبلة.

حددت معالم تنازل الدولة عن الملكية للأرض المستصلحة بالمناطق الجبلية، وأقدام الجبال ومناطق السهوب، وكذا المناطق الصحراوية. كما شمل البرنامج الوطني لإعادة التشجير 1.2 مليون هكتار( رفع نسبة التشجير بالجزائر الشمالية من 11% إلى 14%).

الهدف النهائي من هذه العمليات كلها هو رفع مداخيل الفلاحين وذلك بالدعم المادي (زراعة الحبوب، الري، التشجير، الاستصلاح، وتكثيف الزراعة..).

وقد قام الصندوق الوطني لتنظيم وتطوير الفلاحة بتمويل هذا المشروع، والذي أدى إلى صرف حوالي 40 مليار دينار جزائري، وهي قيمة تفوق أربع مرات ما صرف في المعدل السنوي للفترة (1995-1998) و10 مرات ما صرف سنة 1993.

لا يتعارض البرنامج الفلاحي مع الإطار الاقتصادي الحر الذي بدأ في الثمانينيات، لذا فإن توجهات المخطط الوطني للتنمية الفلاحية تصب بشكل أساسي في أهداف يرجى منها إعادة بناء المجال الفلاحي وحماية الموارد الطبيعية (ماء وتربة)، واستصلاح الأراضي الفلاحية. ومن جهة أخرى فإن الأراضي الفلاحية الموروثة عن الاستعمار تفرق بين جزائر ذات أراض فلاحية مرتفعة المردود مقارنة بباقي الأراضي الأخرى، وكذلك تدخل التناقضات الاجتماعية.

ولكي تدعم هذه السياسة الفلاحية بات عليها أن تصحح تدخلات الدولة في القطاع، وتتابع هذه الأعمال لفترات طويلة، وتسهر على تجويد عمل المؤسسات عن طريق وضع قوانين ذات فائدة، وتستفيد أكثر من الإطارات التقنية في هذا المجال.

كخاتمة ينبغي تخطي الصعاب الكبرى، إذ هناك مسائل أساسية يجب طرحها ورفع اللبس عن الغموض الذي يعتريها، وذلك كله من أجل ضمان مستقبل الفلاحة الجزائرية. لم تأت التنظيمات الفلاحية الحرة بالنتائج المرجوة منها، النمو الديموغرافي، عدم نجاح الثورة الزراعية اقترنت كلها بغياب استراتيجية شاملة للتنمية والتصنيع، وبالتالي ساهمت في السنوات الأخيرة في رفع عدد سكان الأرياف، مما تسبب في تحطيم البنية الزراعية.بينت الإحصائيات أن ما يقارب 80% من المستثمرات الفلاحية لا تتعدى مساحتها 10 هكتارات، والمساحات المتوسطة 4.7 هكتار. وقد حتم صغر مساحة المستمثرات الفلاحية على أصحابها تنويع المنتوج والنشاط الفلاحيين من جهة، والعمل خارج الفلاحة من جهة أخرى، وذلك قصد تحسين مستوى الدخل. كل هذه العوامل ساهمت في إعادة تنشيط الإصلاحات العقارية لزيادة المساحة الزراعية ورفع رؤوس الأموال التي تعتبر ضعيفة.

تطرح البنيات العقارية مشكلا في المحصول، واتباع الطرق التقنية الحديثة في الملكيات الصغيرة والمتوسطة وذلك من أجل رفع مردود العمل. ومن بين القضايا الأساسية في رسم استراتيجية فلاحية مستقبلية بات من الضروري وضع مكانة للبحث العلمي في مجال الفلاحة لأن مصاريف وتنظيمات البحث لا تسمح بوضع برامج من أجل تنمية فلاحية مستدامة. كما أن التقنيات التي تساهم في تطوير إنتاجية التربة لم تحدد لا في المناطق التي أرجع إليها استخدامها المناسب، ولا في مناطق تكثيف زراعة الحبوب.

وفي الأخير يجب تفعيل الصيغ الاقتصادية والاجتماعية حتى تكون أهداف البرنامج الوطني للتنمية الفلاحية مستدامة لأنها غالبا ما تصطدم بأهداف فورية قصيرة المدى يمليها غالبا قانون السوق.

يجب أن تكون أهداف الإنتاج الفلاحي متناسقة مع التربة وحماية العقار، وأن تعطى هذه البرامج الأولوية القصوى للمنتجين المباشرين مما يتطلب اختيار أصحاب الاستفادة تفاديا للمضاربة. وفي هذا الصدد يجب الاعتماد على تنظيمات رسمية للفلاحين.

تعتبر هذه الشروط أساسية من أجل توجيه مختلف المشاريع بشكل فعال لتثمين الاستثمارات الفلاحية المحققة مستقبلا.

نقله إلى العربية : عبد القادر شرشار


الهوامش

[1] - ينظر: منشورات الأمانة الاجتماعية للجزائر: " جوع الجزائريين"، الجزائر، 1960

[2] - Berque, J. : In Le Maghreb entre les deux guerres.- Paris, Edt. Seuil, 1962.

[3] - ثلثا القيمة المالية من الصادرات في اتجاه فرنسا كانت من محصول الخمور المبيعة..

[4] - كانت حصة الاستثمارات المخصصة للفلاحة تمثل 27 بالمائة في المخطط الثائي1967-1969، و15 بالمائة في المخطط الرباعي 1970-73 و 11 بالمائة في المخطط الثاني الرباعي 1974-77.

[5] - CENEAP Bilan du développement rural.- Alger, 1990.

[6] - الملكية تنتمي إلى حقل الحيازة لشيء، أو هو حق التملك المعروف حديثا.

[7] - Despois, Reynal : Géographie de l’Afrique du Nord-Ouest.- Paris, Editions Payot, 1958.

[8] -Boukhobza, M. : Monde rural : Contraintes et Mutations.- Alger, OPU, 1992.

[9] - Prenant, Noushi, Lacoste : Algérie : passé et présent.- Paris, Editions sociales, 1960.- p.22.

[10] - Cote, M. : L’Algérie ou l’espace retourné.- Alger, OPU, 1986.

[11] - Prenant, Noushi, Lacoste : Algérie : passé et présent.- Paris, Editions sociales, 1960.- p.19.

[12] - Perennes, J-J. : L’eau et les hommes au Maghreb.- Paris, Karthala, 1993.

[13] - نظام زرع الحبوب يشكل نسبة 80% من الأراضي المزروعة.

[14] - إن Dry Farming إجراء زراعي تم اعتماده في بداية القرن الماضي، يهدف إلى تقليل أثر التبخر، ويضمن تخزين الماء في العمق بواسطة ترددات، وبشكل متواصل.في بداية الأمر كان لهذا الإجراء آثار محمودة، لكن ذلك تناقص مع مرور الزمن، حيث بدأنا نلاحظ تأثر الأفق الخارجي للتربة وتعرضها لتأثيرات مناخية من شأنها تقليص القشرة التربوية الخارجية. ينظر في هذا الموضوع: Dumont, R. et Mazoyer, P. : Développement et socialisme.- Paris, Editions du Seuil, 1969.

[15] - Cote, M. : Mutations rurales en Algérie : le cas des hautes plaines de l’Est.-Alger, OPU, 1979.

[16] - إن قانون الاستفادة من ملكية الأرض المستصلحة بالجنوب الصادر بأكتوبر 1983 يسمح للمزارعين أو المقاولين من غير المزارعين الذين يرغبون في الاستثمار في الجنوب الكبير التنازل عن الأرض.كما أن الدولة تمنح لهؤلاء و أولئك مساعدات مالية وتخفيضات في الضرائب.كما يمكن أن تتنازل الدولة عن ملكية الأرض نهائيا بعد خمس سنوات من استغلالها فعليا.

[17] - Cote, M. : L’Algérie.- Paris, Editions Armand Colin, 1996.

[18] - من أجل مزيد من التوضيح، يمكن الرجوع إلى دراستنا: - L’Algérie agricole : de la construction du territoire à l’impossible émergence de la paysannerie in Insaniyat, Revue algérienne d’anthropologie et de sciences sociales.- N° 7, Vol. III, 1999, Oran-Algérie.

[19] - Lacroix, ML. : Histoire de la Numidie et de la Mauritanie depuis les temps les plus anciens.- Editions Firmin Didot Frères, 1842 & Réimpression Bouslama, Tunis. Voir aussi Prenant, A ; Noushi, A ; Lacoste, Y. : Algérie : passé et présent.- Paris, Editions sociales, 1960.

[20] - حسب ابن خلدون، وجدت حضارتان متصارعتان في البلاد المغاربية:الحضارة العمرانية، المتميزة بنوع من الحياة الحضرية، وحضارة بدوية قائمة على حياة الترحال، طبعت الحركة التاريخية بالمرور المؤكد من حياة الرحل-البدوية إلى الحياة الحضرية.إنها لعبة الثنائية:رحل-حضر التي ستثري الحركية التاريخية في المجتمع المغاربي في العصور الوسطى.

[21] - El-Békri ( ?-1904) in Description de l’Afrique septentrionale (écrit en 1068).- Paris, édition A. Maisonneuve, 1965 ; Al-Idrissi (1099-1160) in «Le Maghreb au XIIème siècle de l"hégire-Nuzhat-al-Mushtaq, traduction de M. hadj Sadok.- Alger, OPU, 1983.

[22] - مصطلح يستخدم للإشارة إلى امتزاج السكان المحليين بسكان من أصل عثماني.

[23] - الخماسة :عقد يربط المالك للأرض بمزارع يشتغل في ملكه بمقدار خمس المحصول.

[24] - حول المدن ، كانت الأراضي تشكل ما يطلق عليه Le fahç منطقة بساتين وزراعة الخضر.

[25] - Dumont, R. : Evolution récente et perspectives de l’agriculture Nord- africaine.- Paris, Institut d’observation économique, Etude spatiale n°3, 1949.- 32 p.

[26] - مصطلح خبير زراعي لشمال إفريقيا يشير إلى جالية من الخبراء الزراعيين المعمرين من أصل أوربي، كانت تشتغل خصوصا على المسائل الزراعية لشمال إفريقي. يمكن العودة في الموضوع إلى مساهمتي : « Notes introductives à une brève histoire des institutions et des élites agronomiques coloniales ».- Revue CRASC, N°5, Oran, Mai-Août 1998.

[27] - الخبيران الزراعيان: ليك و ريفيار (Lecq et Rivière) كانا من أحسن الممثلين لهذا التخصص في شمال إفريقيا في بداية القرن العشرين. يمكن الرجوع إلى مؤلفاتهما الجماعية:

Lecq, H et Rivière, Ch. : Traité pratique d’agriculture pour le Nord de l’Afrique-Algérie, Tunisie, Maroc, Tripolitaine.- Paris, Société d’Editions géographique, maritimes et Coloniales, 1900 ; 2eme édition en 1911 ; 3eme édition de 1929 et Lecq, H et Rivière, Ch. : Encyclopédie agricole : cultures du Midi, de l’Algérie, de la Tunisie et du Maroc .- Paris, Publié par une réunion d’ingénieurs agronomes sous la direction de G. Wery, Librairie J. B. Baillère et fils, 1906 ; 2ème édition en 1917 et troisième édition revue et corrigée en 1924.

[28] - Lecq et Rivière : l’Encyclopédie agricole….- Paris, 1926.

[29] - Lecq et Rivière : l’Encyclopédie agricole…- Paris, 1926.

نفس النتائج ذكرها "دومان Dumont " في مقاله المذكور سابقا:" Evolution récente.."

[30] - ينظر في هذا الشأن أعمال René Dumont من جهة ومن جهة أخرى أعمال الأجيال الجديدة من الخبراء الفرنسيين الفلاحيين الذين عملوا على الوسط الجاف، وكذا الأعمال المنجزة منذ الاستقلال من قبل معاهد البحث والتكوين الجزائرية(المعهد الوطني للبحث الفلاحي، المعهد الوطني الفلاحي، ITGC).

[31] - قدماء المجاهدين هم قدماء محاربي ثورة التحرير.

[32] - استفاد هؤلاء من استقلالية كبيرة في التسيير (ولا سيما حرية تسويق المنتوجات في السوق الخاصة).

[33] - تضمن المرسوم الرئاسي المؤرخ في مارس 1963 إنشاء إدارة ثنائية للمزارع المسيرة ذاتيا (رئيس للعمال ومدير معين من قبل الإدارة المشرفة على الفلاحة).

[34] - Voir Tidafi, T. : L’agriculture algérienne et ses perspectives de développement.- Paris, François Maspéro, 1969.

[35] - تصريح وزير الفلاحة عام 1966. ينظر Tidafi. مرجع سابق.

[36] - المصدر: تقرير حول المردود في القطاع الفلاحي. كتابة الدولة للتخطيط، جوان 1977.

[37] - ميثاق الثورة الزراعية و أمرية 8 نوفمبر 1971.

[38] - Voir Tifadi, T. : Ouvrage déjà cité.

[39] - تضمن التقرير المفصل للتأميم المعد في نهاية 1975 ما يناهز 21826 مالكا أمّمت أراضيهم (أي حوالي 2% من مجموع الممتلكات المحصية )، و 537167 هكتارا الموضوعة في لدى (الصندوق الوطني للإصلاح الزراعي).وقد حولت الاستئنافات القانونية المطبقة هذه المساحات إلى حوالي 500000 هكتار.

[40] - بناء على مبدأ الأرض لمن يخدمها، الوارد في نصوص ميثاق الثورة الزراعية (1971) فإن ملكية الأرض تنزع من أصحابها الذين لا يشرفون فعليا وبكيفية شخصية على فلحها واستغلالها.

[41] -Voir le bilan sur le développement rural établi par le CENEAP en 1992.

[42] - ارتفاع عدد الجرارات من 25122 سنة 1973 إلى 33866 سنة 1978. و60000 سنة 1984.بينما ارتفع عدد آلات الحصاد من 2040 سنة 1966 إلى 4000 سنة 1974. و5200 سنة 1978.

[43] - فترة التوقف عن إجراءات التأميم والمتعلقة بمرحلة تأميم قطاعان الماشية لدى كبار الموالين ومربي الماشية، وإعادة تنظيم مسالك السهوب.

[44] - قانون رقم:83-18 بتاريخ 13 أوت 1983، والمتعلق بالتنازل عن الأملاك العقارية ذات الطابع الفلاحي (APFA)

[45] - المعطيات الأولى للإحصاء العام للفلاحة عام 2001.

[46] - استقر مردود الحبوب لمدة طويلة ، إذ كان مقدرا بحوالي 7 قناطير في الهكتار الواحد، وهي نسبة جد منخفضة إذا قورنت بباقي مردود منطقة البحر الأبيض المتوسط. أما متوسط مردود البطاطا فكان (100 إلى 120ق/هكتار)، الحمضيات (700 ق/هكتار)، الزيتون (0.7 طون/هكتار) فواكه ذات نواة (2.5 طن/هكتار) أو عنب نبيذ (1.2 طن/هكتار) وهو مردود ضعيف بالمقارنة مع الدول المجاورة ، وما يتوفر عليه القطر من إمكانيات تقنية واجتماعية.

 

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche