الدكتور علي عبد الرزاق جلبي، الإبداع و النقد الإجتماعي، دراسات معاصرة، دار المعرفة الجامعية للطبع و النشر الأزاريطة الإسكندرية، 2005،232 ص

زواوي بن كروم (مؤلف)
103 – 106
رؤى حول الماضي ورهانات الذاكرة في الحاضر
ع. 39-40 — م. 12 — 30/06/2008

يطرح الفصل الأول موضوع الإبداع على أنه شكل من أشكال النشاط العقلي المركب الذي ينتجه الشخص، بمقتضاه يمكن الوصول إلى أشكال جديدة من التفكير و الفن، اعتمادا على خبرات و عناصر محددة. و الإبداع قدرة على التفكير في نسق مفتوح و إعادة تشكيل عناصر الخبرة في أشكال جديدة، هو قدرة عامة بدايتها تكمن في الإحساس بوجود مشكلة أو موقف غامض، ثانيها القدرة على انتخاب أو اختيار الحلول الملائمة للمشكلة و تالثها القدرة على وضع تصورات أو صياغات جديدة تثبت فعاليتها أو كفائتها، ورابعها القدرة على متابعة الجهد الفعلي. و هناك عوامل مستقلة للقدرة الإبداعية منها الطلاقة، المرونة، الحساسية للمشكلات الأصيلة، (الحفاظ على الاتجاه) و مواصلته.

إن النظرية العضوية تشترك في الميل إلى رد الإبداع إلى مجرد مقولة وصفية (التفوق الوراثي)، وبالتالي فإن هذه النظرية تفتقر إلى رؤية تفسيرية حقيقية. في حين أن النظرية الجدلية تحاول فهم ديناميات التعاقب الأيديولوجي في ضوء البناء الفوقي. أما النظريات المجتمعية فتركز على عوامل مجتمعية مثل الانتشار الثقافي و التفاعل الرمزي و التكيف النظامي و التنشئة الاجتماعية. و يؤخذ على النظريات العضوية و الجدلية تجاهلها لهذه العوامل المجتمعية في تفسير الإبداع، والمدينة تشكل موقعا إبداعيا فريدا لأنها وحدها تنتج ثمار ظاهرة تاريخ الفن، فالمدينة قاعدة تراكمية و محورية، مفتوحة على كل التأثيرات المتاحة للإنتشار الثقافي.

و النظرية الجدلية ترى أنه كلما كانت الإيديولوجية تمثل صيغة أساسية كلما كانت أكثر إبداعا، و النظرية المجتمعية ترى أن التثاقف أساس مشترك بين كل المجتمعات.

إن المجتمع الذي يتسم بالتآزر هو المجتمع الذي تتاح فيه الحرية، أما عوامل الابتكار في الثقافة العربية المعاصرة، و في الأسرة و المجتمع، فإنها تؤدي إلى الانحراف بالإبداعية و إعاقة المستقبل، و ذلك بسبب انخفاض نصيب ثقافتنا العربية المعاصرة من التآزر.

ما يجعل التساؤل العوامل المرتبطة بازدهار الإبتكار و إلى أي حد تشجع ثقافتنا العربية المعاصرة هذه العوامل قائما باستمرار.

أما الفصل الثاني فيعالج فرص الإبداع و الثقافة العربية: إعتبار الإبداع بمثابة وقائع و معدلات.

من حيث الوقائع: تتجلى أحداث إبداعية تظهر في صورة منتجات إبداعية؟ (علم وفن و أدب و اختراعات) و بمعدلات أو حتى نسب قد تكون معها هذه المنتجات متزايدة أو متناقضة.

تساؤلات نشرت في الثمانينات (1983) اعتبرت أن الإبداع خيال حر و عقل تتفتح له الآفات و إرادة تملك الإختيار و لكن وواقعنا العربي لا يوفر جزءا من ذلك.

أكدت دراسة بعنوان "ملاحظات أولية حول الثقافة العربية و التحديث" عام 1993 أن الشعر العربي الحديث يغلب عليه التحديث التقني و الشكلي ويغلب على الموسيقى التكرارية غير الإبداعية.

فها هو ذا المفكر العربي د زكي نجيب محمود، يقول نحن لم ننتج في العصر الحديث حقيقة علمية واحدة.. نحن لم نصنع شيئا أصيلا في تاريخنا الحديث، وها هو ذا مبدع القصة القصيرة (يوسف إدريس) يرى أن عندنا أزمة في الإبداع.. فمنذ سنوات كان عدد اللذين يكتبون القصة لا يتجاوز أصابع اليد..و اليوم زاد العدد عن أكثر من ستة ألاف كاتب و خلاصة ما يشهد به المبدعون أنفسهم ضآلة الإبداع و (انحسار الفرص) كمّا و كيفا.

فالحاجة هي أم الاختراع، والطلب الاجتماعي يعد بمثابة حاجة قادرة على تعبئة الطاقات الداخلية و بذل الجهد المثابر. و لكن المجتمع العربي من خلال أنماط التنشئة الأسرية أنتشر فيه أسلوب التدليل و الحماية الزائد خاصة بين الآباء الأقل تعليما مما يؤدي إلى أن يكون الطفل اتكاليا خائفا ضعيفا في مواجهة المشكلات، غير قادر على تحمل المسؤولية متوقعا الحماية من المجتمع . فالأسرة العربية لا توفر المناخ المناسب الاستنفار القدرات الإبداعية، كما أن برامج التعليم في الوطن العربي لا تعبر عن الحاجات الإجتماعية و لا تحاول وضع التلاميذ أمام وضعيات اختبار أو تعودهم على محاولة البحث فيما تطرحه من مشكلات، فهي بذلك لا تحفزهم على الإبداع.

و عندما ننتقل إلى برامج الإعلام ووسائله في المجتمع العربي نرى أن الإنسان العربي أصبح يجد نفسه مشدودا إلى سماع الخبر و التعليق و قراءة الصحيفة أو المجلة و الإسترخاء عند قراءته لقصة أو مشاهدة برنامج و بالتالي الإعلام العربي أباح عملية الإمتاع و الترفيه الأجوف، فكانت ثقافة المتعة تخدر الوعي بتقديم صور فانتازية تزيف الحقيقة و تشوهها، كما تستهدف تلهية الإنسان عن واقعه و شل دوره في الحياة الإجتماعية و إلهاء الجماهير عن التفكير في قضاياها المصيرية. و لا توضح المشكلات الكبرى التي تواجه العالم العربي من تحديات عالمية قصد محاولة اللحاق بالثورة العلمية.

أما فيما يخص الفصل الثالث فتطرق إلى الإنتاج الإبداعي في الوطن العربي الذي كان في مجالات العلم 35,5 بالمائة، الفن 2.5 بالمائة، والثقافة 14.6 بالمائة، والأدب و الإعلام 9.5 بالمائة، أما الاختراعات 1.9 بالمائة.

و فيما يخص الفصل الرابع فانصبت دراسته على النقد الاجتماعي و النقد السوسيولوجي، و قد استخدم مفهوم النقد لأول مرة على يد أصحاب الإتجاه الإنساني و الإصلاحي ثم أصبحث كلمة نقد تعني نوعا من الجدل العقلي، ثم اكتسبت عملية النقد قوة تأثير عامة منذ أن أصدر كانط مؤلفه عن "نقد العقل الخالص". كما يستمد النقد جذوره من كتابات هيجل و بخاصة مؤلفه عن"فينوميولوجية العقل" حيث طور هيجل فكرته عن التأمل. و يرى ماركس أن التحليل النقدي يفتح آفاقا جديدة للبحث و التطبيق العملي للعمل، فالنقد الإجتماعي يساهم في دعم نوع من الوعي الذاتي و فهم الظروف الإجتماعية و السياسية القائمة حتى تصبح البشرية قادرة على تحديد طريق حياتها، و دعم عملية تحرير الإنسان، لان علم الاجتماع ولد لكي يكون علما نقديا رافضا لكل ما هو ضد إنسانية الإنسان، أما حركة التجديد و النقد في علم الإجتماع فهي لاتهتم بتقديم بدائل نظرية و لكنها تهتم أساسا بتقويم مسار العلم و تصحيحه ليحقق أهدافا جديدة أكثر تحررا و إنسانية، و يمكن تسميتها بالنقد السوسيولوجي.

الفصل الخامس كان حول النقد الإجتماعي و أزمة الديمقراطية، إسهام في إعادة بناء العلاقة بين علم الإجتماع و السلطة.

علم الإجتماع هو ذلك التراث الإنساني العالمي المتاح تحت أيدينا و الذي أسهم في صياغة ذلك النظام الفكري المتخصص، و مفهوم السلطة يتردد استخدامه بين الباحثين في علم الإجتماع مثل مفاهيم القوة و التأثير و القيادة، و السلطة الرسمية و السلطة غير الرسمية و النظام السياسي أو النسق السياسي و الدولة أو الحكومة، وهناك من يرى أن هناك سلطة العقيدة و سلطة الرأي العام و سلطة القبيلة أو العائلة أو سلطة الأب أو حتى سلطة الذكر، السلطة السياسية المباشرة أو سلطة اتخاد القرار أو سلطة الأمر بالقرار على حد تعبير بعض الباحثين و الحركات الاجتماعية لها أثر في تطور الديمقراطية و في رفع مستوى الوعي لدى الجماهير.

و أخيرا فإن الفصل السادس عالج النقد الإجتماعي و استشراف مستقبل الإنسان العربي، مستعرضا النظرية النقدية لدور الدولة و تشكيل الوعي الإجتماعي التي حددت هدفها في تحليل واقع الإنسان العربي من خلال مفهوم استشراف مستقبل الإنسان العربي، بأنه النظر إلى واقع الإنسان العربي من مستويات السلطة و المثقفين و الجماهير بالاطلاع من شرفة وعيه الاجتماعي، و الاقتناع بأهداف بديلة و أفكار حول تصور الواقع القبلي.

استشهد بهذا المقال

BENKERROUM, Z. (2008). الدكتور علي عبد الرزاق جلبي، الإبداع و النقد الإجتماعي، دراسات معاصرة، دار المعرفة الجامعية للطبع و النشر الأزاريطة الإسكندرية، 2005،232 ص. إنسانيات - المجلة الجزائرية الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية, 12(39-40), 103–106. https://insaniyat.crasc.dz/ar/article/aldktwr-aly-abd-alrzaq-jlby-alibdaa-w-alnqd-alijtmaay-drasat-maasra-dar-almarfa-aljamaya-lltba-w-alnshr-alazaryta-aliskndrya-2005232-s