الملتقى الوطني الأوّل : "إيديولوجيا الفنون الشعبية بين الإرث والموروث في الوطن العربي"، جامعة الجلفة، 6 و 7 مارس 2024

عز الدين تربش (مؤلف)
73 – 76
التُراث المُوسيقي و فنون الأداء في الجزائر
ع. 106 — م. 28 — 31/12/2024

نظّم قسم الفنون كلية الآداب واللغات والفنون، جامعة الجلفة ملتقى وطنيا حول الفنون الشعبية، لما لها من أهمية في الحياة الاجتماعية والثقافية، والتي من خلالها يستطيع الباحث في هذا الميدان الكشف عن المساقات الفكرية والثقافية للمجتمعات، وما تحمله من إيديولوجيات تطوّرت عبر الأزمنة المختلفة.

انعقد هذا الملتقى يومي 6 و7 مارس 2024 حيث سلّط الضوء على أهم الأفكار والرّوابط القائمة بين الفنون الشعبية والمجتمعات المحلية، وذلك من خلال مساهمة مجموعة من الأساتذة الجامعيين والباحثين.

افتُتح الملتقى بتقديم مدير الجامعة السيد عيلام الحاج كلمة مختصرة حول الموضوع منوها بأهمية هذا الملتقى في الحقل الثقافي الجزائري والمحيط العربي، مؤكّدا على أهمية الفنون الشعبية في حياة أفراد المجتمعات، كما أبرز من خلال افتتاحه للملتقى أنه لا يمكن لأي مجتمع التخلي عن فنونه وثقافته، فهي السبيل إلى الحفاظ على الهويّات الثقافية، كما شجّع عميد الكلية في كلمته الفاعلين في هذا الميدان على مواصلة الجهد المبذول وحثَّـهم على الخوض
في القضايا الجوهرية للفنون الشعبية، من جهته ركّز رئيس الملتقى الدكتور
في مداخلته على أهمية الفنون الشعبية المختلفة (موسيقى، مسرح، غناء، رقص…) ودورها في حمل أفكار وتوجهات المجتمع، وإبراز الخصوصيات الثقافية للفرد والمجتمع، والكشف عن عادات وتقاليد المجتمع. كما نوّه بأهمية دراسة وتحليل الأعمال الفنيّة الشعبية المختلفة، وهو جوهر إشكالية الملتقى التي تسائل مدى تأثير الفنون على إيديولوجيا المجتمع، وكذا أهمية الفكر الفني
في بناء التوجهات وعلاقة الهوية بالفنون وطرق المحافظة عليها.

تمحورت مداخلات الجلسة الأولى حول القراءات الفنية ، فجاءت المحاضرة الافتتاحية للأستاذ جلال خشاب من جامعة سوق اهراس تحت عنوان : "حضور الموروث في الخطاب البصري"، حيث أشار فيها إلى أهمية الخطاب البصري في استقبال وإرسال القضايا الفنية، واستعرض الأساليب المستخدمة في هذا الحضور، مع الوقوف على كيفية توظيفها في الإعلام المرئي، من جهتها قدّمت الباحثة سنوسي صليحة من المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية مداخلة موسومة بـــــ: "الممارسات الفنية الشعبية وتأثيرها الثقافي"، حيث ركزّت على تأثير الممارسات الفنية على جميع مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات والأفراد، مؤكّدة على كون هذه الممارسات بمختلف أشكالها مجالا خصبا للبحث العلمي، وخاصة البحث الأنثروبولوجي باعتبارها حقلا واسعا وغنيا.

وفي سياق التنويه بأهمية التعريف بهذا الموروث الفني وإعطائه بعدا مؤثرا  جاءت مداخلة الأستاذة بن سعيد رشيدة من جامعة شلف حول : "تفعيل الشبكات العنكبوتية للتعريف بالتراث الجزائري"، حيث ركّزت على أهمية هذه الشبكات التي أصبح لها تأثير عالمي لا يمكن تجاهله في ظلّ العولمة وتوسّع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، ولما لهذه التقنيات من سرعة في توصيل المعلومات بالإضافة إلى أهميتها في الحفاظ على الموروث الشعبي، من جهته ساهم الأستاذ رحوي حسين من جامعة تلمسان بمداخلة موسومة بـ "دور المجتمع في صناعة الثقافة وسبل الحفاظ عليها"، واعتبر أنّ الصناعة والحفظ سمتان هامتان في إنتاج الثقافة والفنون لأن الأجيال اللاحقة تجد نفسها دائما بين إشكالية الإرث والموروث.

في الجلسة العلمية الثانية ركّزت مجمل المداخلات على الهوية ومساهمتها
في بناء الهوية وإنتاج قيم المجتمعات، وفي هذا السياق أثارت مداخلة الأستاذ زريوح عبد الحق من جامعة تلمسان الموسومة بـ"هويّة أم هويّات، دراسة
في المصطلح والسيرورة" مسألة الفنون الشعبية وعلاقتها بالهوية، وهل يحمل كلُّ فنٍ شعبي هويّة تميّزه عن باقي الفنون أم هناك هوية مشتركة بينها؟ من جهته عمّق الأستاذ مغنونيف شعيب النقاش خول موضع الهوية وعلاقته بالتّراث من خلال مداخلته حول: "استقلال الهويات الثقافية والفنية في زمن العولمة- قراءة في الخلفيات والأبعاد"، إذ أكّد أنّ كلّ مجموعة بشرية تتميّز بفنونها الخاصّة والتي تمثل بطاقة تعريفية لها، خاصة في ظلّ تطور التكنولوجيات وأدوات الذكاء الاصطناعي التي قد تُوظّف في تحريف الهويات الثقافية للمجتمعات.

عالجت مداخلة الأستاذ سعادي محمد ياسين من جامعة قسنطينة "علاقة الموسيقى بالهويّة من منطلق الرموز والأشكال"، حيث اعتبر أنّ الموسيقى  تعكس بشكل جلي أفكار المجتمعات وسلوكات أفرادها، هذا إلى جانب ما تحمله من مظاهر ثقافية واجتماعية وما تعتمده من آلات موسيقية وأزياء شعبية وكلمات معبّرة وحركات راقصة متنوعة. جميع هذه العناصر مجتمعة لها دلالات تؤثّر على فكر المجموعات البشرية، وقد خُتمت الجلسة بمداخلة الأستاذة بحرن قادة من جامعة بلعباس التي أثارت إشكالية تثبيت مقومات الهوية الوطنية من خلال أشكال الفرجة التي تنتجها الفنون الشعبية.

افتتح الجلسة العلمية الثّالثة الأستاذ بلبشير عبد الرّزاق بمداخلته حول  توجّهات الفنون الشعبية في ظل الهيئة الإيديولوجيا العالمية التي تحاول خلق توجّه واحد، لكن مقاومة الفنون لهذا الطرح أكّد على أهميتها في حفظ ثقافات الشعوب، وأكدت هذا الطرح الأستاذة عبدو نادية لاسيما ما يتعلق بالبعد الثقافي في المجتمع الجزائري، مبرزة القراءات الأنثروبولوجيّة للعادات والتّقاليد الموروثة وأهميتها في تأصيل الموروث الثقافي، وختم هذه الجلسة الأستاذ إبراهيم الهيلالي أستاذ باحث بالمركز الوطني للبحوث بتقديمه نتائج دراسة خصّت المجتمع الفلسطيني وكيف ساهمت الفنون في التعريف بالقضية الفلسطينية.

قاربت مداخلات الجلسة الختامية كلاّ من الفنون البصرية وفنون العرض إلى جانب فنون الرياضة، حيث ناقش الأستاذ سبدات عبد الصمد من جامعة مستغانم موضوع "التّراث الموسيقي في المسرح والنزعة الاشتراكية في الجزائر"، لاسيما بعد الاستقلال، حيث مثّل المسرح شكلا من أشكال التوعية وتكوين الأجيال على خطى أبطال الثورة الجزائرية، ومن ثمّ فقد طغى على الموسيقى والمسرح مواضيع التحرّر، كما اتسمت إنتاجات هذه المرحلة بتأثرها بالفكر الاشتراكي.

عرف الملتقى حضورا كبيرا للباحثين من مختلف أنحاء الوطن، إذ عالج المتدخلون مجموعة من الأفكار تمحورت معظمها حول تأثير الفنون على إيديولوجيا المجتمع وكيف لها أن تبني التوجهات، إضافة إلى سبل المحافظة عليها ومواجهة الإيديولوجيات غير الوطنية، وهذا الأخير شكّل موضوع مداخلة الأستاذة كريمة ناوي من جامعة الجلفة.

في الأخير اختُتِم الملتقى بقراءة التوصيات من قِبل رئيسة اللجنة العلمية للملتقى، ومن أهم هذه التوصيات تشجيع وتحفيز الصناعات الثقافية الفنية وربط الإنتاج والعمل الفني بالأمن الثقافي الوطني، إضافة إلى التنويه بضرورة دعم الحقل الثقافي والفني ومنجزاته وتوفير أسباب نموه وتطوره، مع تشجيع الفنانين الذين استلهموا أعمالهم من التراث للمحاقظة على الهوية الثقافية.

استشهد بهذا المقال

TRICHE, A. (2024). الملتقى الوطني الأوّل : "إيديولوجيا الفنون الشعبية بين الإرث والموروث في الوطن العربي"، جامعة الجلفة، 6 و 7 مارس 2024. إنسانيات - المجلة الجزائرية الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية, 28(106), 73–76. https://insaniyat.crasc.dz/ar/article/almltqa-alwtny-alawl-iydywlwjya-alfnwn-alshabya-byn-alirth-walmwrwth-fy-alwtn-alarby-jamaa-aljlfa-6-w-7-mars-2024