Lahouari ADDI, (2017). Le nationalisme arabe radical et l'Islam politique. Produits contradictoires de la modernité. Alger : Barzakh, 286 p.

نور الدين ميهوبي (مؤلف)
140 – 144
ممارسات الناس العاديين : اليومي من بعض المداخل الموضوعاتية
ع. 94 — م. 25 — 31/12/2021

يسعى الأستاذ لهواري عدي في هذا الكتاب إلى تحليل نشأة وتطور كل من القومية العربية والإسلام السياسي بالاعتماد على مقاربة سوسيوأنثروبولوجية. يتكون الكتاب من جزئين، ينقسم كل جزء لثلاثة فصول، ويحتوي كل فصل على ثلاثة مباحث.

يطرح المؤلف في المقدمة إشكالية تفسير إخفاق القوميين العرب، رغم تبنيهم للمشاريع التنموية وللعدالة الاجتماعية، بدليل أن التيارات الإسلامية المناهضة للأنظمة السياسية نشأت على أنقاض هؤلاء القوميين. يلجأ المؤلف في منهجية الكتاب إلى التاريخ لتحديد أهم الأحداث، وإلى علم الاجتماع السياسي والأنثروبولوجيا للتحليل والنقد من خلال مصطلح التصورات التي تعبر عن تطلعات مختلف الفاعلين السياسيين.

في الجزء الأول من الكتاب الذي يحمل عنوان "القومية العربية: الأصول والآفاق". يقدم نظرة شاملة لبروز ونشأة القومية العربية وأهم العوامل الإيديولوجية والعملية لإخفاقها. في الفصل الأول، "ظهور القوميات العربية وتطورها"، يؤكد المؤلف أن الوهابية هي أول شكل للقومية العربية، بحيث أن سعي آل سعود منذ بداية القرن الثامن عشر لتوحيد قبائل شبه جزيرة العرب من أجل إنشاء دولة، كان سابقاً للقوميات العربية الأخرى التي نشأت في القرنين التاسع عشر والقرن العشرين.

تمثل القومية الليبرالية في مصر الشكل الثاني للقومية العربية، ومن أبرز روادها رفاعة الطهطاوي الذي ترجم ونشر (في مصر) أهم كتب الفلاسفة الأوربيين إلى العربية مثل مونتيسكيو وفولتير، وكان هدفه نشر الفكر الليبرالي العلماني، لكن سرعان ما أزيح هذا التصور للقومية بعد التوفيق بين الإسلام والقومية الذي قام به علماء النهضة من أمثال محمد عبده.

الشكل الثالث والأخير للقومية العربية، هو الذي نشأ لرد الاعتبار للعنصر العربي داخل الدولة العثمانية، ثم تطور مع حزب البعث وشخصية جمال عبد الناصر. إلا أن انهزام الجيوش العربية أمام إسرائيل في حرب جوان 1967 كان له الأثر الكبير في تراجع التيار القومي العربي، كما تنامي القوة المالية للأنظمة الملَكية الخليج العربي أسهم بقوة في هذا التراجع بعد ارتفاع أسعار النفط في السبعينيات.

فيالفصل الثاني، "القصور الإيديولوجي للقومية العربية الراديكالية"، يرى المؤلف أن السبب الأساسي وراء إخفاق القومية العربية هو عدم وجود ظروف تاريخية ملائمة لنشأة مؤسسات تحد من هيمنة السلطة التنفيذية. إن انتهاج دول مثل الجزائر، العراق، مصر وسوريا لنموذج الحزب الواحد والاقتصاد الموجه وافق رغبة القادة السياسيين في الاستحواذ على السلطة. وعليه، فإن خطاب هؤلاء القادة مجّد مفاهيم مثل "وحدة الشعب" و"الوطن" وأهمل مفاهيم أخرى مثل "المجتمع" و"الحقوق الفردية" لأنها تعبّر، عكس المفاهيم الأولى، عن التداول على السلطة ومساءلة المحكوم للحاكم. ويرى المؤلف، أن الإشكال الحقيقي لدى القادة العرب هو فهمهم الخاطئ للحضارة الغربية التي أرادوا محاكاتها. فقد تأسست الحضارة الغربية معرفيا على القطيعة مع التصور الأفلاطوني المبني على ازدواجية الروح والجسد، لتحل محلها ازدواجية الذاتي والموضوعي، والنظرة الكانطية للإنسان على أنه صاحب حقوق
Sujet de droit)) قبل كل شيء. إن عدم فهم هذه الحقيقة أدى بالقادة العرب لتبني الحضارة الغربية في جانبها المادي والتقني فقط، وإبقاء جانب الهوية وإدراك الذات مرتبطا بتصورات العصور الوسطى حسب المؤلف.

يقدم عدي للفصل الثالث، "القومية والأمة"، بفكرة أن الدول العربية أخذت من الدولة القومية شكلها فقط، فهي لم تحقق مضمونها المتمثل في إحلال السلام على العلاقات التي تربط بين الدولة والمجتمع. إن النخب.القومية التي أخذت بزمام الأمور على رأس الدول العربية بعد الاستقلال، أنشأت سلطات مركزية قوية مكّنتها من إقصاء فاعلين وفئات اجتماعية وسياسية من المشاركة في تسيير شؤون البلاد. وعليه فإن فكرة القومية لا تكفي وحدها لتحقيق الانسجام الوطني، بل عليها أن تُنشئ مجالا سياسيا سلميا وأن تحقق مواطنة تشمل كل الأفراد المتواجدين داخل حدود البلاد.

إذ يري المؤلف، أن دولة القانون التي تتأسس على مفاهيم المواطنة وحق المشاركة السياسية والتداول السلمي على السلطة، لا بديل لها في الوقت الحاضر نظراً للتغيرات الجذرية التي شهدها العالم في الأزمنة الأخيرة والمتمثلة في إبادة الأشكال السياسية المحلية القديمة، وهيمنة السوق وانتشار المجتمع الجماهيري (la société de masse). فدولة القانون هي الكفيل، في النهاية، بتحقيق تطلعات الشعوب العربية.

في الجزء الثاني من الكتاب يحمل عنوان"الدينامية الازدواجية والسياسية للإسلاموية (islamisme)". والذي يتناول الجذور الثقافية والإيديولوجية للإسلاموية، كما يناقش علاقة الديمقراطية بالإسلام، ويحاول في الأخير تقديم قراءة لأفق التيارات الإسلاموية. يبدأ المؤلف بفكرة أن الإسلاموية، كدينامية إيديولوجية وسياسية، لا يمكن استيعابها بدون فهم التطلعات والقيم التي تعطي معنى لحياة الأفراد في المجتمعات العربية والإسلامية. في الفصل الأول، "الإسلام كتصور اجتماعي وإرادة إيديولوجية"، يرى عدّي أن الإسلاموية لم تفرض قهراً على المجتمعات، إنما ترجع قوتها في انسجامها مع نظرة العقل الإسلاموي للدين كنظام اجتماعي وسياسي. وعلى الرغم من أن هذه المجتمعات الإسلامية هي دُنْيوية ( (séculariséesفي ممارساتها الاجتماعية، إلا أنها بقيت دينية في وعيها وتصور قيمها المثلى. كما يرى المؤلف أن سيد قطب وأبو الأعلى المودودي هما أهم منظري الإسلاموية، بحيث أن الأول فسّر القرآن تفسيراً قتالياً ونادى لجهاد العدو الداخلي قبل العدو الخارجي، والثاني رفَض الحداثة القادمة من الغرب، على العكس من الأفغاني وعبدو اللذين حاولا التوفيق بين الإسلام والحداثة، كما رفَض أيضاً الأنظمة البرلمانية لأنها مناقضة لفكرة الحاكمية. وفي الفترة الحالية، يرى عدي أن التيارات الإسلامية في تونس، في الجزائر، في مصر، في إيران...إلخ، دخلت تدريجيا مرحلة "ما بعد الإسلاموية". هذا المصطلح الذي استُعمِل لأول مرة من طرف المفكر آصف بيات، لا يعني نهاية الإسلاموية، بل استمرارية النضال من أجل الفكرة الدينية ولكن بطرق سياسية، مع إدماج الفكرة الديمقراطية في هذا النضال.

يرى المؤلف في الفصل الثاني، المعنون "الإسلام والديمقراطية"، أن الإسلام يمثل موردا سياسيا(ressource politique)  بالنسبة للجماهير الشعبية التي تحاول الضغط على أنظمتها لمنحها فرصة المشاركة السياسية، كما كان الحال في أوربا مع رأس المال بالنسبة للبورجوازية والإضرابات بالنسبة لطبقة العمال. من هذه الزاوية، يعتبر الإسلام كمحرّك هام للتغيير السياسي، ولكن هل هذا التغيير سيكون في اتجاه الديمقراطية؟ يجيب عدي عن هذا التساؤل بكون العامل الزمني سيؤدي حتماً لتبني الإسلاموية لمزيد من الحريات بحكم أن تجربتهم السياسية في السلطة، ستقنعهم بتعددية الآراء. ويناقش المؤلف في هذا الفصل مصطلحين: "الحاكمية" و"الشريعة". فأول من استعمل مصطلح الحاكمية بمعنى السيادة (la souveraineté) هو المودودي، ويرى عدّي أن هذا الاستعمال فيه التباس دلالي لأن "الحاكمية" بمعناها القرآني تعني الحكم على البشر يوم الحساب وليس الحكم الدنيوي. أما مصطلح "الشريعة"، فينظر إليه في المجتمعات الإسلامية بإيجابية لأنه يحيل لفكرة العدالة، وهذه الفكرة ذاتية في الحقيقة، بحيث أن كل شخص يسعى لتحقيقها من وجهة نظره، وإن اختلفت المصالح. و"الشريعة" مرتبطة بشكل كبير بالقيم السائدة في المجتمعات الإسلامية في زمن معين، فهي تتغير بتغير القيم الاجتماعية وليس العكس.

يحمل الفصل الثالث عنوان "الأفق الإيديولوجية والسياسية للإسلاموية". في هذا الفصل يبدأ المؤلف بإشكالية التعايش في المجتمعات العربية بين التوجه الحداثي والتوجه الإسلاموي، فكلا الفاعلين يرى في الآخر خصماً يجب إزالته من المشهد السياسي، رغم أن تقارب هذين التوجهين يمكن أن يمهد لمرحلة ديمقراطية وتنافرهما لا يحقق إلا استمرارية الطبيعة التسلطية للأنظمة العربية. ويرى المؤلف أن الفكر النهضوي الذي حارب التصوف باعتباره سبب تخلف المسلمين، قد مهّد في الحقيقة للإسلاموية التي ملأت الفراغ الذي تركه تراجع التصوف في الأوساط الشعبية. ويعتبر عدي الإسلاموية نتاج مناقض للحداثة لأنها تسمح للجماهير الشعبية بالمشاركة السياسية، غير أنها ليست قادرة على أن تؤسس لهذه المشاركة وأن تبني دولة معاصرة لسبب أساسي هو عدم قطيعتها مع تصورات العصور الوسطى للإسلام.

في الختام يشير المؤلف إلى أنّ الحضارة الغربية لم تكن استعمارية فقط، ولكنها أسهمت في تقدم الإنسانية، مثل الحضارة الإسلامية قبلها، وقدمت في الجانب السياسي مفاهيم جديدة يمكن للمجتمعات الإسلامية الاستفادة منها، مثل المجتمع المدني، المساواة بين المواطنين وحرية الضمير.

استشهد بهذا المقال

MIHOUBI, N. (2021). Lahouari ADDI, (2017). Le nationalisme arabe radical et l'Islam politique. Produits contradictoires de la modernité. Alger : Barzakh, 286 p.. إنسانيات - المجلة الجزائرية الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية, 25(94), 140–144. https://insaniyat.crasc.dz/ar/article/lahouari-addi-2017-le-nationalisme-arabe-radical-et-lislam-politique-produits-contradictoires-de-la-modernite-alger-barzakh-286-p