لقاء مع عبد الحميد بورايو

لجنة تحرير مجلّة إنسانيات (مقابلة أجراها)
53 – 63
التُراث المُوسيقي و فنون الأداء في الجزائر
ع. 106 — م. 28 — 31/12/2024

عبد الحميد بورايو هو أحد أهمّ المختصّين في التراث الشعبي بالجزائر، من مواليد 1950 بسليانة (تونس)، حصل على شهادة الماجستير من جامعة القاهرة عام 1978 تحت إشراف السيدة نبيلة إبراهيم، وهي إحدى أهمّ روّاد البحث في التراث الشعبي العربي. ثمّ انتقل إلى فرنسا حيث استفاد من الحلقات البحثية التي كان يشرف عليها كلود بريموند المتخصص في السرديات، وكذلك بعض حلقات اللساني والسيميائي جوليان غريماس. التحق بعد ذلك بالتعليم الجامعي كأستاذ مساعد، في سنة 1978، حيث درّس الأدب الشعبي ببعض الجامعات الجزائرية، منها: تلمسان، تيزي وزو، الجزائر وتيبازة وخنشلة. حصل على درجة الدكتوراه سنة 1996 بجامعة الجزائر. له منشورات ومقالات وكتب وطنية ودولية حول السرديات والتحليل السميائي للنصوص القصصية التراثية، التراث الشعبي والأنثروبولوجيا، ويهتمّ حاليا بترجمة عدد من النصوص والمؤلّفات في التراث والأنثروبولوجيا الثقافية.

إنسانيات: بداية، نقف معكم عند مسيرتكم العلمية وتجربتكم البحثية، فماهي أبرز مراحلها الرئيسية؟ وماهي أهّم الدوافع التي جعلتكم تختارون التراث تخصّصا؟ وكيف أثّر انتقالكم عبر محطّات تونس ومصر وفرنسا في مساركم العلمي واختياراتكم البحثية؟

عبدالحميد بورايو: بدأت مسيرتي البحثية في مجال الموروث الشعبي الأدبيّ لمّا انتقلتُ إلى جامعة القاهرة في إطار بعثة طلابيّة في سنة 1975، حيث اجتزتُ اختبار السنة التمهيديّة، بعد دراسة مجموعة موادّ أدبيّة ولغويّة من بينها مادة الأدب الشعبيّ، التي كانت اختياريّة بالنسبة للطلبة المترشّحين لتحضير الماجستير. عند التسجيل في مرحلة الماجستير، اخترت موضوعا في الأدب الشعبيّ يتعلّق بالدراسة الميدانية للقصص الشعبي في منطقتي بسكرة ووادي سوف؛ حيث قمتُ بجمع موادّ القصص الشعبي المتمثّل في حكايات البيوت ذات الطبيعة الخرافيّة التي ترويها النساء عادة، والحكايات الشعبيّة المتداولة بين الأطفال والبالغين في الحياة اليوميّة وكذلك الأخبار التاريخيّة والمحلّيّة. تمّ ذلك خاصّة في قرية سيدي خالد التابعة لدائرة أولاد جلاّل بولاية بسكرة. كما قمتُ بجمع القصص الشعبي الذي يرويه الرواة المحترفون (المدّاحون) في حلقات ينظّمونها وقتئذ في أسواق كلّ من مدينتي بسكرة ووادي سوف. نبع اختياري لميدان الأدب الشعبيّ من دوافع عدّة؛ منها ما يتعلّق بميولي السياسية اليساريّة التي كانت ترى بأنّ الأدب الشفويّ الجمعي والفردي يشكّل جزءا من الثقافة الوطنيّة التي على الدارس الأكاديمي أن يعتني بها، وقد أُهملت في جزائر العقد الأول من الاستقلال بفعل شيوع بعض الأفكار النخبوية الخاطئة عن مدى أهمّيتها وصلاحيتها للبحث العلميّ والدرس الأدبيّ؛ فكان هناك من ينظر إليها بشيء من الاحتقار لأنها صادرة عن عامّة الناس وليست نخبويّة، وهناك من يعتبر أنّ العناية بها في فترة الاحتلال كانت بدافع استعماري.

بدأت تجاربي البحثيّة الأولى في مجال الأدب العربيّ لما كنتُ أُحظّر شهادة الليسانس، ثمّ واصلتها لمّا التحقتُ بجامعة القاهرة، في مجال الأدب العربي أيضا خلال السنة التمهيديّة للماجستير، وسجّلت بحثي  للماجستير سنة 1976، بإشراف الدكتورة نبيلة إبراهيم، وناقشتُه في سنة 1978، حيث حصلتُ على درجة الماجستير بتقدير مشرّف جدّا مع التهنئة. وكان الدكتور عبدالحميد يونس رائد الدراسات الشعبيّة في الجامعة المصريّة رئيسا للجنة، والدكتور أحمد أبوزيد رائد الدراسات الأنثروبولوجيّة البنويّة في الجامعة المصريّة عضوا فيها.  دفعني البحث في مجال الأدب الشعبي إلى العناية بالأنثروبولوجيا الثقافيّة خاصّة، وبالمنهج البنويّ ثمّ المنهج السيميائيّ، مع العناية بآليّات التحليل النصّي والخطابي الذي يضع في اعتباره السياقات الاجتماعيّة والنفسيّة المولّدة للنصوص. نبع اهتمامي بهذه الوسائل المنهجيّة من قناعتي بضرورة علمنة الدراسة الأدبيّة والاستفادة من نتائج الدراسات اللسانيّة الحديثة التي قطعت شوطا مهمّا في هذا الباب. واصلتُ بعد ذلك مساري البحثي من خلال تهيئة مداخلات الملتقيات الجامعيّة الوطنيّة والدوليّة، ثمّ سجّلت موضوع دكتوراه الدولة في جامعة السوربون حول الحكايات الشعبيّة الجزائريّة المحكيّة باللهجات العربيّة الدارجة في سنة 1984، وكنتُ حيتئذ قد حصلتُ على منحة دراسيّة من وزارة التعليم العالي. عدت إلى الجزائر سنة 1986 لاستئناف التدريس، لظروف تتعلّق بقطع المنحة بسبب الأزمة الاقتصاديّة، وسجّلت ثانية موضوع دكتوراه الدولة من جديد في جامعة الجزائر، والذي غيّرتُه ليعالج نماذج من حكايات كتاب ألف ليلة وليلة من منظور السيميائيّات الغريماسيّة. ناقشتُ الرسالة في سنة 1996 في جامعة الجزائر. واصلتُ بعد ذلك مساري البحثي الحرّ من خلال تهيئة البحوث في نطاق نشاط مخبر أطلس الثقافة الشعبيّة الجزائريّة الذي أسّسته بكلّيّة الآداب بجامعة الجزائر في سنة 2004، وأثناء تحضير المقالات المنشورة في المجلات المتخصصة والمداخلات المقدّمة في الملتقيات والندوات.

إنسانيات: قد يحدث خلط أو ارتباك في فهم وتحديد معنى التراث وعلاقته بمصطلحات أخرى مجاورة فنجد مثلا مصطلحات التراث الحي، التراث اللامادي… ما هي أسباب هذا الارتباك المفاهيمي في نظركم؟ وما هو المصطلح الأنسب بالنسبة لكم؟

عبدالحميد بورايو: مصطلح "التراث اللامادي" أو "الثقافة اللامادّيّة"؛ يُعتبر جديدا نسبيا، ظهر مع اعتماد اتفاقيّة صون التراث في سنة 2003، من طرف منظمة اليونسكو. وهي اتفاقيّة أصبحت ملزمة للدول التي وقّعت عليها ومن بينها الجزائر، وأشاعت هذا المصطلح ومنحته اعترافا رسميّا. وحدّدت معناه ليعني كلّ ما هو غير "الآثار" ذات الطبيعة المادّيّة المتمثّلة في المباني والصروح والمنجزات الأثريّة. وبالتالي يعني هذا المصطلح إلى جانب اللغة الشفويّة، وإنتاجاتها الأدبيّة والفنّيّة والموسيقى والمعتقدات والمعارف المتناقَلَة والعروض الفنيّة وكذلك الصناعات التقليدية. كلمة "التراث" تحيل إلى الماضي، بينما كلمة "الثقافة" أكثر دلالة على ما هو موجود وحيّ وفاعل في الحياة الاجتماعيّة. تُستعمل الكلمة الأولى فيما يتعلّق بالموروث وما هو منقول عن الأجيال السابقة، أما الكلمة الثانية فهي أكثر ملاءمة لما هو وظيفيّ ومتداول من هذه المواد. أفضّل مصطلح "الثقافة اللامادّيّة" إذا ما كانت الموادّ حيّة متداولة، وأستعمل مصطلح التراث اللامادّي إذا كان الأمر يتعلّق بمرويات مُتَناقلة عن الأجيال السابقة، وتمّت المحافظة عليها كما هي من خلال التدوين
أو الحفظ. أما المصطلحات الأخرى مثل "الثقافة الشعبيّة" و"الفولكلور" و"التراث الشعبيّ" فقد استُعملت قبل شيوع مصطلح الاتفاقيّة الدوليّة لصون التراث، ولكلّ منها إيحاءاته الدالّة على  مفهوم معيّن لهذه المواد المذكورة قبل قليل. فالثقافة تحيل على ما هو متداول في حقبة تاريخيّة معيّنة، بينما التراث يحيل إلى بعد الأقدميّة، أمّا "الفولكلور" فيوحي باللاوظيفيّة، ودور الترفيه.

إنسانيات: استنادا إلى منجزكم النظري والتطبيقي في مقاربة النصوص الأدبية الشعبية، فضلا عن ترجماتكم القيّمة للمدوّنات التأسيسية في مجال السيميائيات السردية، هل تعتقدون أننا لازلنا بحاجة إلى بناء نظرية للأدب الشعبي؟

عبدالحميد بورايو: سيظلّ بناء نظريّة شاملة للأدب الشفويّ مطمحا يتشوّف له كلّ دارس لهذا الشكل، بالنظر إلى أن النظريّة الأدبيّة العالميّة والأكثر شيوعا ترتكز في قواعدها على الآداب المدوّنة، وتُعَدُّ دراسة "الشفويّة" جديدة نسبيّا، لم تحقّق تراكما كافيا يمكّنها من رصد مختلف أبعاد الأدب الشفويّ. للأدب الشفويّ خصوصيّات لابدّ من مراعاتها عند دراسته، وقد ظلّت الدراسات تلجأ للنظريّة الأدبيّة المستقاة من الأدب المدوّن والمقروء، وهي قاصرة على رصد هذه الخصائص، لذلك لابدّ من السعي لوضع قواعد للنظريّة الأدبيّة الخاصّة بالأدب الشفويّ. طبعا هناك ما هو مشترك بين الأدبين المكتوب والشفويّ، لكن هناك أيضا ما هو مختلف بينهما؛ لابدّ من العمل على رصده ليساعدنا في دراسة الأدب الشفويّ وبيان خصوصيّته.

إنسانيات: من خلال تجربتكم في مجال الترجمة، ماهي التحديات التي واجهتكم في ترجمة كتب التراث والأنثروبولوجيا؟ وكيف يمكن في نظركم، التغلّب على تحدّيات الترجمة في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية لضمان الدقة في نقل المفاهيم والمعاني الثقافية المحلّية من اللغة الأصلية إلى لغة مغايرة؟

عبدالحميد بورايو: أوّل تحدّ يلاقيه أيّ مترجم هو "المصطلح" المناسب؛ لأنّ المصطلحات هي أبواب المفاهيم. قواميس الأنثروبولوجيا في اللغة العربيّة قليلة جدّا وتغطيتها لمختلف المصطلحات محدود، مما يدفعني إلى الاجتهاد، والاستعانة بالقواميس في ميادين قريبة من الأنثروبولوجيا مثل الفلسفة والأدب وعلم الاجتماع وعلم النفس. هناك تراكم في ترجمة كتب في العلوم الاجتماعيّة إلى اللغة العربيّة يسمح أحيانا بمواصلة التحدّي، واقتراح مصطلحات مناسبة أقدّمها في جداول ملحقة بكلّ كتاب أترجمه.

ممّا ساعدتني في ترجمة الدراسات الأكاديميّة المتعلّقة بالتراث اللامادّي الجزائري والمكتوبة باللغة الفرنسيّة معرفتي الجيّدة بهذا التراث وبمتداوليه ومؤدّيه، نتيجة خبرتي السابقة ودراساتي الميدانيّة. لي تجربة خاصّة في ترجمة كتاب "الفضاء والمقدّس في الصحراء: قصور وواحات الجنوب الغربي الجزائري"؛ حيث كنتُ أرسل كلّ فصل أترجمه إلى المؤلّف الذي يتقن اللغة العربيّة، ممّا يسمح بمراجعة بعض العبارات وتصويبها والتأكّد من أمانتها في نقل المعنى المراد.

إنسانيات: لكم أيضا تجربة أدبية تتمثل في رواية "عيون الجازية"، وهو ما يجعلنا نفتح معكم موضوع توظيف المخيال الشعبي في الأجناس الأدبية الحديثة. فكيف تنظرون إلى ذلك انطلاقا من تجربتكم الشخصية، وكيف تقيّمون هذا الفعل في الأعمال الأدبية المكتوبة باللغة العربية؟

عبدالحميد بورايو: جرّبتُ كتابة القصّة القصيرة، ونشرتُ عددا منها في الصحافة، وكُتبَتْ عنها بعض المقالات النقديّة. بعضها ساذج وواقعيّ إلى حدّ استخدام لغة واصفة مباشرة، وبعضها فيه شيء من العمق، وخاصّة قصّة عيون الجازية التي عنونتُ بها المجموعة القصصيّة المنشورة في المؤسسة الوطنيّة للكتاب في سنة 1985 والتي نالت إعجاب الكاتب القدير بقطاش مرزاق، وكتب منوّها بها عبارة الناشر المنشورة في الصفحة الرابعة من الغلاف. كنتُ قد كتبتُ القصّة المذكورة بعد تراكم خبرتي بدراسة التراث اللامادّي الجزائريّ ممّا أتاح لي الاستفادة ممّا اختزنته ذاكرتي من مواقف قصصيّة عبّرتُ من خلالها عن بعض القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة التي عاشها المجتمع الجزائري في بداية الثمانينيّات.

انقطعت عن كتابة القصة القصيرة في الثمانينيّات لانشغالي بالبحث في الأدب الشعبيّ، مثلما فعل العديد من الأكاديميّين العرب والجزائريّين من أمثال سهير القلماوي وعبدالله ركيبي وغيرهما. بقيت مهتمّا بتأثير الأدب الشعبي في الكتابة الأدبيّة وخاصّة بالنسبة لكتّاب الرواية، فقدّمت أبحاثا عن تأثير الأدب الشعبيّ في الرواية الجزائريّة سواء المكتوبة باللغة العربيّة أو الفرنسيّة، كما درست تأثيره في الرواية الموريطانيّة من خلال رواية "مدينة الرياح" لموسى ولد ابنو. ودرّستُ مادّة التناص التراثي في الرواية العربيّة لطلبة الماجستير، وأشرفتُ على عدد من المذكرات والرسائل التي دَرَسَتْ هذا الموضوع في الرواية العربيّة عموما والرواية الجزائريّة خصوصا. أرى أنّ مخيال الكاتب يتشكّل في البداية بفعل ما يتلقّاه من تراث شعبيّ في بيئة التنشئة الاجتماعيّة ثمّ تلعب قراءاته المدرسيّة والحرّة دورها في إتمام تشكيل هذه المخيّلة لما يتعلّم القراءة في المدارس. ومن هنا فإنّ أيّ دراسة حصيفة للرواية لابدّ أن تراعي هذه الظاهرة التناصّيّة البارزة في أيّ إنتاج أدبيّ، والمتعلّقة بتأثّر الكاتب بخطابات الأدب الشعبيّ.

إنسانيات: تابعنا في الآونة الأخيرة تداولا بل نقاشا وجدلا حول قصّة وقصيدة "جازية" التي نُسجَت بكلمات الشاعر بن قيطون. ما تعليقكم على إشكالية السرد الشعبي وحدود الواقع والمتخيّل فيه؟

عبدالحميد بورايو: تمثّل قصيدة حيزيّة باعتبارها تراثا لامادّيّا جزائريّا مَعْلَمًا في تاريخ الثقافة الوطنيّة الجزائريّة، نظمها شاعر كبير، له إنتاجات أخرى لم تحظ بالعناية كما حظيت هذه المرثية، ويعود ذلك لتداولها غناء من قِبَلِ عدد كبير من المعنّين ولقيمتها الإنسانيّة. وظّفها الأدباء، فظهرت رواية لزهاري لبتر التي استوحتها في عمله الموسوم "حيزيّة أميرة العشق من الزيبان" (2019)، ثم ظهرت أخيرا رواية واسيني الأعرج "حيزيا زفرة الغزالة الذبيحة كما روتها لالّة ميرا"، وكان الشاعر الفلسطينيّ قد كتب قصيدته المطوّلة "حيزيّة عاشقة من رذاذ الواحات" وقد حمل أحد دواوينه هذا العنوان، كما كتب شعراء جزائريون عنها كعمر عاشور (ابن الزيبان) وميلود خيزار وعارضها إسماعيل يبرير بنص نثريّ القالب وشعريّ المعنى واستوحتها الكاتبة مايسة باي في رواية لها تحمل اسم "حيزية"، وكتب عن قصّتها العديد من الكتاب من أمثال أحمد لمين وفوزية لارادي ونصيرة بلّولة وعيشة بوعبسي وسليمان جوادي وصليحة إمكراز وعبدالمجيد خاوة وأمل المهدي وأرزقي مطرف.

حظيت حيزية بكلّ هذا الاهتمام، وأثارت نقاشا بفعل إثارة صحفيّة تتعلّق بمدى واقعيّة القصّة وتاريخيّتها ومصداقيّة مختلف الروايات المتناقلة، والتأويلات المفسّرة لأسباب وفاتها في ريعان الشباب. يدلّ كلّ ذلك على أنّ التراث اللامادّي الجزائري لا يزال حيّا في النفوس بفضل القيم التي عبّر عنها، وبمكانته في ثقافة الأدباء والفنّانين، وأنّه يشكّل منطلقا للإبداع الراهن والمستقبليّ في نطاق الثقافة الوطنيّة، وبإمكانه أن يتحوّل إلى معطى إنسانيّ ذي بعد عالميّ مثلما حدث لنصوص أبولي دومادور التي استمدها هذا الكاتب القديم (الذي أبدع باللاتينيّة) من نفس هذا التراث.

إنسانيات: انطلاقا من تجربتكم الطويلة والثرية في الدراسات الميدانية حول الثقافة الشعبية، كيف ترون مكانة هذا الموضوع في المؤسسات الأكاديمية في جزائر اليوم؟ وكيف تقيّمون علاقة الجيل الجديد بالبحث في التراث الشعبي؟

عبدالحميد بورايو: لقد احتلّت دراسة الثقافة الشعبيّة الجزائريّة مكانة جيّدة في الدرس الأكاديميّ، غير أنّ هذه المكانة لازالت قاصرة على تغطية الثقافة اللامادّيّة الجزائريّة المتنوّعة والواسعة جدّا. هناك نقص خطير يتعلّق بالأرشفة العلميّة والمنظّمة لموادّ هذه الثقافة التي يمكن تسجيلها في الميدان، ثم تصنيفها وتخزينها في مواقع ميسّرة للاطلاع. كما أنّ الأقسام المخصصة لدراستها محدودة وتابعة لاختصاصات أخرى مثل العلوم الاجتماعية والأدب العربي، وهي تحتاج إلى مؤسسة جامعيّة مستقلّة مثل معهد للفنون الشعبيّة أو كلّيّة للفنون المحلّيّة، الخ ...

لم يتمّ إدراج موادّ الثقافة الشعبيّة في مستويات التعليم الابتدائي والمتوسط والثانويّ؛ ويبدو لي أنه لابدّ من البحث عن صيغة مناسبة لإدراج هذه الثقافة في هذه المستويات وفي التكوين المهنيّ المتعلق بالصناعات التقليديّة وبالهندسة المعماريّة وبالسياحة، وتقوية مكانتها في الإعلام وفي المؤسسة الثقافيّة العموميّة وتشجيع إنشاء الجمعيات الساهرة على جمعها وحفظها وتنميتها.

إنسانيات: نختم حوارنا معكم بسؤال أخير عن رأيكم حول مستقبل حفظ التراث الشعبي وأرشفته بالجزائر في ظلّ رهانات التطور التكنولوجي ومتطلّبات صون الذاكرة والمعرفة 

عبدالحميد بورايو: إنّ توقيع الجزائر على معاهدة صون التراث اللامادّي (2003) يُلْزِمُ مؤسّسات الدولة الجزائريّة بأن تكرّس جميع الوسائل لحفظ موادّ الثقافة اللامادّيّة عن طريق تسجيلها وتصنيفها ونقلها للأجيال الجديدة عن طريق مختلف الوسائط، وخاصة منها وسائط تكنولوجيا الوسائط الرقميّة الحديثة. هناك حاجة ماسّة إلى إنشاء مركز أرشفة وطنيّ يتكفّل بتسجيل وحفظ الثقافة اللامادّيّة الموجودة في جميع اللهجات العربيّة والأمازيغيّة، وصيانتها، وتوفيرها لتطّلع عليها الأجيال الجديدة، ولتوفيرها للباحثين والمبدعين. الاعتماد على مراكز البحث والمخابر كما هو حاصل اليوم غير كاف، لأن الأرشفة وحدها تحتاج إلى عمليّة جمع وتسجيل وتصنيف تشمل كلّ الوطن، لابدّ من أن تُخَصَّص لها مؤسسة وطنيّة مستقلة تضع برنامجا مناسبا لتغطية كلّ الأشكال وجميع المناطق وكلّ اللهجات. لابدّ للمجتمع المدنيّ المنظّم أن يساهم بفعاليّة في عمليّة الأرشفة والحفظ والصيانة ونشر الوعي بأهمّيّة هذه العمليّة عن طريق نشاط الجمعيات الثقافيّة المحلّيّة.

أهمّ منشورات عبد الحميد بورايو

عبد الحميد بورايو، (2022). من أرشيف التراث الشعبي اللامادي الجزائري.

عبد الحميد بورايو، (2020). حكاية جبل الهيدور. قصّة من التراث العربي الجزائري المدوّن.

عبد الحميد بورايو، (2019). دور المرأة في الحكاية الشعبيّة الجزائريّة. مجلة الثقافة الشعبية، المجلد 12(46)، 36-79.

عبد الحميد بورايو، (2018). أحمد بن السلطان وقصص أخرى: نماذج من الحكايات الشعبيّة الجزائريّة. مجلة الثقافة الشعبية، المجلد 12(44)، 221-223.

عبد الحميد بورايو، (2014). قصص تغريبة بني هلال في الدراسات المغاربية. كتاب المأثورات الشعبية، المجلد 12، وزارة الثقافة والفنون والتراث، إدارة التراث، ص. 102.

عبد الحميد بورايو، (2009). المسار السردي وتنطيم المحتوى: دراسة سيميائية لنماذج من حكايات "ألف ليلة وليلة". مجلة إشكالات في اللغة والأدب، المجلد 10(2)،
861-846.

عبد الحميد بورايو، (2008). البعد الاجتماعي والنفسي في الأدب الشعبي الجزائري. الجزائر: منشورات نوبة للبحوث، ص. 220.

عبد الحميد بورايو، (2005). القصص والتاريخ: التمثيل الرمزي لحقب من التاريخ الاجتماعي الجزائري. الجزائر: المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ والأنثروبولوجيا والتاريخ، ص. 251.

عبد الحميد بورايو، (1996). البطل الملحمي والبطلة الضحية في الحكايات الشعبية الجزائرية" و"الأدب الشعبي الجزائري: أشكال الأداء في الفنون التعبيرية الشعبية في الجزائر. ديوان المطبوعات الجامعية، ص. 223.

عبد الحميد بورايو، (1994). منطق السرد: دراسات في القصة الجزائرية الحديثة المكتوبة باللغة العربية. ديوان المطبوعات الجامعية، ص. 225.

عبد الحميد بورايو، (1992). الحكايات الخرافية للمغرب العربي: دراسة في معنى المعنى. دار الطليعة للطباعة والنشر، ص. 127.

عبد الحميد بورايو، (1986). القصص الشعبي في منطقة بسكرة: دراسة ميدانية. المؤسسة الوطنية للكتاب.

عبد الحميد بورايو، (1983). مجموعة قصصية بعنوان "عيون الجازية".

استشهد بهذا المقال

(2024). لقاء مع عبد الحميد بورايو. إنسانيات - المجلة الجزائرية الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية, 28(106), 53–63. https://insaniyat.crasc.dz/ar/article/lqa-ma-abd-alhmyd-bwrayw