انزياحية الحدث الأسلوبي بين التّأصيل اللّغوي ومرجعيّة النص

إنسانيات عدد 60-61 | 2013 | المدرسة. رهانات مؤسساتية و اجتماعية | ص81-102 | النص الكامل 


Rachid ABDELKHALEK, Université d'Oran, département de littérature et de langue arabe, 31 000, Oran, Algérie.


 أ. تموقع ظاهرة الانزياح في الحدث الأسلوبي

تتنزل ظاهرة الانزياح من الحدث اللغوي، نظاما وممارسة، منزلة المركز من الذات. ويتأكد حضورها ويزداد إلحاحا على مستوى الممارسة، لـمّا يتخذ المتكلم حريته مع اللغة، فيخرق نظامها، وينتهك قواعدها، ضمن أطر متعارف عليها داخل الجماعة اللغوية. ويتعمق هذا الخرق ويتوضح هذا الانتهاك كلما سعى المتكلم إلى الارتقاء بكلامه درجات الإبداع؛ فحين يلامس الكلام قمم الشاعريّة يتبدّى الانزياح ويسفر عن مكنوناته وطاقاته في تفجير اللغة وإعادة تشكيلها وفق قواعد تخرق المعيار دون أن تلغيه، ثم تعود فتشكل لنفسها معيارا يتعالى على اللغة دون أن يحدث القطيعة معها.

هذه المكانة المتميزة التي تحتلها ظاهرة الانزياح ضمن الحدث اللغوي عموما والممارسة الإبداعية خصوصا، لفتت انتباه المشتغلين بالدرس اللغوي والبلاغي على مرّ العصور وتنوّع الثقافات، فكان من نتائج تتبُّعهم لهذه الظاهرة على مستوى الإبداع الأدبي أن نزّلوا الانزياح، بتجلياته المختلفة، منزلة الأداة المشكلة لظاهرة الأسلوب؛ فسواء اعتبر الأسلوب ثمرة من ثمرات الصياغة الفنية للأدوات التي توفّرها اللغة للمبدع، أو اختيار يسلّطه المبدع على ما تزخر به اللغة من إمكانيات، فالأمر سيان من حيث أنه يعود في آخر المطاف ليتصل بالانزياح.

لقد ازدادت ظاهرة الانزياح ترسخا بظهور الأسلوبية كعلم يحاول مقاربة ظاهرة الأسلوب مقاربة علمية وصفية تستند إلى منجزات الدرس اللساني الحديث. ولعل أولى مظاهر هذا الاحتفاء وأكثرها بروزا أن جعلت الأسلوبية، بمختلف اتجاهاتها، من مفهوم الانزياح عصب البحث الأسلوبي، واعتمدت عليه في تعريفها للأسلوب و وظيفته كلما دعت الضرورة إلى الحديث عن خصائص النص غير العادي لدرجة أن بعض الأسلوبيين ذهبوا إلى القِران بين الانزياح والأسلوب، حتى غدا الأسلوب عندهم هو الانزياح أصلا[1]. ويعلل أحد الباحثين لهذا الحضور المكثف للانزياح في ظاهرة الأسلوب بقوله: "ولئن استقام له (أي للانزياح) أن يكون عنصرا قارا في التفكير الأسلوبي، فلأنه يستمد دلالته لا من الخطاب الأصغر، كالنص والرسالة، وإنما يستمد تصوره من علاقة هذا الخطاب الأصغر بالخطاب الأكبر وهو اللغة التي فيها يسبك"[2].

يستفاد ممّا ذكر أن قيمة الانزياح في مقاربة الحدث الأسلوبي تتأتى من أنه واسطة بين اللغة والأسلوب؛ فلا سبيل لصياغة الأسلوب من اللغة إلا بالتسامح في القواعد التي تربط أنظمة اللغة ومكوناتها، تسامحا يتخذ شكل الخروج عن المألوف، أو النمط، بخرق قواعد النظام وانتهاك أعراف المواضعة، وغيرها من التجاوزات التي تضفي على الأسلوب طابع التفرد ويكسبه تميزا خاصا كثيرا ما أوعزه الدارسون إلى عبقرية المبدع.

يتأكد هذا المنظور ويتقوى حضوره بوجه خاص في التيارات الأسلوبية التي تتخذ الخطاب أسّا لتعريف الأسلوب، وهي أكثر التيارات رسوخا في البحث الأسلوبي المعاصر. وقد تعزز وجود هذا التيار بإسناد مبادئه وأصوله ووسائله الإجرائية إلى الدرس اللساني المعاصر المكرِّس لمبدأ الوصيفة التي تتخذ المعطى اللغوي منطلقا لدراساتها وتحاليلها، هذا من جهة، وقوي عوده وثبتت قدمه باتِّكائه، من جهة أخرى، على ما توصلت إليه البنيوية من صرامة منهجية في التحليل تعتمد النص منطلقا ومرجعا، يُدرس بذاته ولذاته، من خلال بنيته وشبكة العلاقات التي تنتظمها وتوجّه وظائفها.

إن مقاربة الأسلوب، في ظل هذا التوجّه، تُظهر لنا النص الأدبي كخطاب مغاير للخطاب العادي، من حيث انبناء الكلام فيه على مبدأ الانزياح عن النمط المألوف للغة صياغة ووظيفة: فهو من حيث الصياغة إعادة تشكيل للغة ينبني على خرق النظام والإخلال بالعلاقات وتجاوز المواضعات، بشرط ألا تتعدى هذه الانتهاكات الحدّ الذي يخرج بعده الكلام إلى ضرب من المستحيل أو اللامعقول؛ فالانزياح، بهذا التصور، هو "ذلك المستوى الأعلى من اللغة التي تهجس وتثور وتطغى، وكونه يحمل كل هذه التشظيات فذلك دليل على المحتمل الدلالي والجمالي المضمن فيه"[3]؛ وهو من حيث الوظيفة تجاوز للحد الأدنى الموكول باللغة أصلا، وهو الإبلاغ، والتطلع إلى إحداث الأثر المرغوب في المتلقي، وانفتاح النص على تعدد القراءات ودوامها ليستمر التأثير على مرّ الأزمنة، وهي رغبة لا يحققها المبدع إذا التزم بقوانين اللغة ونظمها التزاما حرفيا لقصورها على أن تفي بحاجته، وقصورِه على أن يلمّ بكل معطياتها؛ فالانزياح من هذا المنظور وسيلة تمكن المبدع من تجاوز هذا القصور المزدوج، أو هو ضرب من "احتيال الإنسان على اللغة وعلى نفسه لسد قصوره وقصورها معا"[4].

وإذا كان الانزياح بهذا العمق المتغلغل في صلب الإبداع الأدبي، وبهذا الاتساع والشمول، فليس غريبا أن تتداول للدلالة عليه مصطلحات عدة كالتجاوز (l'abus)، والانحراف (déviation)، والاختلال (distorsion)، والمخالفة (l'infraction)، والانتهاك (viol)، واللحن (l'incorrection)، والتحريف (l'altération)، والإطاحة (subversion)، والشناعة (scandale)، والعصيان [ransgression)، [5) والعدول، وهو مصطلح تراثي كثير التداول في الدرس اللغوي القديم.

وإذا استثنينا الاختلاف التداولي بين هذه المصطلحات، وانحصار بعضها في استعمالات فردية لم ترق إلى الشهرة المعمِّمة لها، فإنها في مجملها توحي بفكرة الانزياح عن نمط والخروج عن مألوف يبقى تحديده من أصعب ما واجهته أسلوبية الانزياح. والملاحظ، كذلك، أنّ ضمن هذه المصطلحات ما يُشعر بالطابع العنيف والتعدي الصارخ على القواعد والأنظمة اللغوية دون مراعاة لما يمكن أن يكون عُرفا مُنظّما للانزياح، وتلك صفة نلمسها في مصطلحات كالانتهاك والانحراف والإطاحة والشناعة والعصيان والتحريف؛ ففي كل منها إيحاء بالجنوح الموجب للردع لولا أن البشرية، منذ زمن سحيق، اعترفت للإبداع الأدبي، والشعر منه على الخصوص، بحرية التعاطي مع اللغة، وأباحت له من الضرورات ما لم تبحه لغيره اعترافا منها بأن ما كبَّلت به الشعر من قيود الوزن والقافية لا يتماشى والقواعد المنظمة للغة من جهة، وأنّ الشاعر لا يتحدث كما يتحدث الناس جميعا، فهو نشاز ولابد أن تكون لغته شاذة بقدر هذا النشاز من جهة أخرى.

وقديما استعمل ابن جني مصطلح "الخرق" للدلالة على شذوذ الشاعر في تعامله مع اللغة، وهو ليس ببعيد من حيث سماته الإيحائية عن المصطلحات المذكورة آنفا كالانتهاك والانحراف وغيرها. والجدير بالذكر أن استعمال ابن جني لهذا المصطلح جاء في معرض دفاعه عن حرية الشاعر في تعاطيه مع اللغة؛ يقول ابن جني:"فمتى رأيت الشاعر قد ارتكب مثل هذه الضرورات على قبحها، و انخراق الأصول بها، فاعلم أن ذلك على ما جشمه منه وإن دلّ من وجه على جوره وتعسفه، فإنه من وجه آخر مؤذن بصياله وتخمّطه، وليس بقاطع دليل على ضعف لغته، ولا قصوره عن اختياره الوجه الناطق لفصاحته. بل مثله عندي مثل مُجري الجَموح بلا لجام، و وارد الحرب الضروس حاسرا من غير احتشام. فهو، وإن كان مَلوما في عنفه وتهالُكه، فإنه مشهود له بشجاعته وفيض مُنَّتِه..."[6]، إلى أن يقول: "إن الشاعر إذا أورد منه شيئا فكأنه لأُنْسه بعلم غرضِه وسُفور مراده لم يتركب صعبا، ولا جشم إلا أَمَما، وافق ذلك قابلا له، أو صادف غير آنس به"[7].

ب. معيار الانزياح بين التّأصيل اللغوي ومرجعيّة النصّ

يكاد الأسلوبيون على اختلاف اتجاهاتهم يتفقون على أن الانزياح هو أخص ما في الأسلوب من خصائص، ولا يتصورون الانزياح إلا عن شيء ما يُنزاح عنه يُعد بمثابة المعيار الذي يقاس في ضوئه. غير أن أصعب ما يواجه هذا التصوّر للظاهرة الأسلوبية هو تحديد المعيار المنزاح عنه؛ فهو "مُتصوّر نسبي تذبذب الفكر الألسني في تحديده وبلورة مصطلحه"[8]، أو هو، كما وصفه آخر: "مفهوم فرّار وكائن ذو عقل لا نجد له في الواقع أي تصور دقيق"[9]. لذا فقد اختلف الألسنيون وعلماء الأسلوب في تحديد المعيار، ولهم في ذلك مذاهب شتى، نرى من منطلق منهجي بلورتها في تصورين كبيرين:

1- البحث عن المعيار خارج النص؛ وهو تصور يتكئ على مبدأ التفرقة بين الأسلوب واللاأسلوب، ومقاربة الأسلوب بوصفه نقيض اللاأسلوب[10]. وتكمن الصعوبة بالنسبة لهذا التصور في تحديد المستوى الفاقد للسمة الأسلوبية الذي يمكن اعتباره معيارا يقاس في ضوئه الانزياح. وللأسلوبيين في ذلك اتجاهات مختلفة.

2- البحث عن المعيار داخل النص؛ وهو تصور ينطلق من معاينة المأزق الذي وقع فيه من بحثوا عن المعيار خارج النص. ويتكئ على مبدأ السياق، باعتباره العامل الكفيل بتحديد العناصر الموسومة أسلوبيا في النص دون أن تكون لها هذه الصفة مطلقا؛ وهو ما يسمح بالتعليل لإمكانية أن يحقق انزياح ما بعدا أسلوبيا في حالات ولا يحققه في حالات أخرى، وكيف يمكن للعبارة الواحدة أن تكون موسومة تارة وغير موسومة تارة أخرى[11].

ب. 1. المعيار الخارجي

يترتب هذا التّوجُّه عن محاولة تصور الأسلوب كانزياح عن قاعدة خارجة عن النص، وهو تصور قديم مستمد من التقاليد اللغوية التي كانت تقابل البلاغة بالنحو، بمفهومه العام الشامل لمجموع القواعد المنظمة للغة والمتحكمة في الاستعمال العادي لها[12]. وقد ظل هذا التصور سائدا في الدراسات الأسلوبية المعاصرة إلى منتصف القرن الماضي على الأقل، لأن اللغويين لم يجدوا، على حد تعبير مونان Mounin، وسائل أخرى لمقاربة الأسلوب إلا بوصفه -مبدئيا- كنقيض للاأسلوب [13] (le non style)، أي بافتراض نص خال من السمات الأسلوبية، أو ذي لغة في الدرجة الصفر، يُقاس في ضوئه النص الأدبي، فيترتب عن هذه المقارنة استخلاص قائمة الانحرافات التي ستشكل بدورها منطلقا لتحليل وشرح الظواهر اللافتة في النص المدروس.

إن قياس الانزياح على أصل مفترض أو واقعي، يكون له بمثابة المعيار، أمر ذو وجاهة يفرضه منطق الأشياء، إذ لا يُتصور انزياح أو انحراف أو عدول... إلا عن شيء يكون له منطلقا وعليه شاهدا. وهو أمر تعززه الممارسة أيضا؛ إذ لا يتأتى تحليل الأساليب المنزاحة وتصحيحها إلا في ضوء نموذج لما يجب أن تكون عليه العبارة الصحيحة في الأصل. ومن ثمّ فقد اعتمده معظم الباحثين ودافعوا عن مشروعية توجههم بشتّى الحجج[14].

ولم يُرفض هذا التصور من قبل مَن رفضه إلا لصعوبة تحديد المعيار الخارجي والمستوى الذي يتنزّل فيه. ولعل خير دليل على هذه الصعوبة كثرة المصطلحات المتداولة لنعت المعيار، والتي تتوزع بين ما يعتدّ فيه بالنظام اللغوي كأساس يستنبط منه المعيار، وأشاروا إليه بمصطلحات عدة كالمعيار (la norme) والمعيار العام (la norme générale) والمعايير اللغوية (les normes du langage)، وما يعتد فيه بالكلام كأرضية لتشكيل المعيار، مع التركيز على ضرورة أن يكون كلاما غُفلا فاقدا لأي سمة أسلوبية؛ فهو عند بعضهم الاستعمال الدارج، أو المألوف، أو السائر، أو الشائع، وهو عند آخرين التعبير البسيط، أو العبارة البريئة، أو الخطاب الساذج، وأشار إليه فريق آخر بالوضع الحيادي أو الدرجة الصفر[15].

والملاحظ أن كلا التوجهين عاجزان عن تحديد المعيار بالدقة المنشودة في الدرس اللغوي الحديث؛ فاللجوء إلى تفسير الانزياح باعتباره عدوانا على نظام اللغة لا يستقيم بشكل مقنع، لأن ما استقر في أذهاننا أنه نظام للغة ليس هو، في أكثر الأحوال، إلا ما نسَجه وعينا حول هذا النظام[16]، والمقصود من ذلك أن نظام اللغة الذي نعتبره أصلا للانزياح هو أمر افتراضي لا نهتدي إليه إلا من خلال تجاربنا، أي من خلال إسقاط استعمالنا للغة على الاستعمال الفني، وهو أصل يُستبعد التقعيد به للانزياح.

ومن جهة أخرى، فإن الاعتماد على الاستعمال الشائع، وما يدور في فلكه من مصطلحات، لمقاربة الانزياح وقياسه ليس بالمعيار الذي يمكن الاطمئنان له هو الآخر لاعتبارات عديدة نجملها فيما يلي:

1- صعوبة الإمساك بمفهوم قار للاستعمال الشائع، وضبطه بدقة تقاوم الزمان والمكان؛ فمفهوم الاستعمال في ذاته "نسبي لا يمكِّن الدارس من مقياس موضوعي صحيح"[17].

2- من مظاهر نسبية هذا المفهوم أن شيوع الاستعمال يرتبط ببعد زماني معين، فما يندرج ضمن اللغة الشائعة في عصرنا لم يكن كذلك في العصور الماضية، وإذا كان من الممكن أن نتعرف، ولو نسبيا، على معالم هذه اللغة في عصرنا، فإن معرفتنا لها فيما مضى من العصور أمر بالغ الصعوبة، وقد يكون متعذرا في بعض اللغات بفعل ما اعتراها من تغير سريع. وإذا كان الأمر كذلك، فإن قياس الانزياح في النصوص القديمة في ضوء ما استقر لدينا أنه استعمال شائع في عصرنا لا يستقيم بأي حال من الأحوال، ولا يفضي إلا إلى مقاربات ناقصة مشوِّهة للأثر الفني، وهي حقيقة أشار إليها جمع من منظري الأدب؛ فـ "وارين" و"ويليك"، على سبيل المثال، يقرّران، بعد مناقشة طويلة، أنّ "لا أساس من الصحة إطلاقا للافتراض القائل بأننا نعرف، وبخاصة فيما يتعلق بالمراحل الماضية، التمييز بين الكلام الشائع والانحراف الفني... (لأننا) عند الممارسة نطبق على نحو غريزي بسيط المقاييس التي نستقيها من استعمالاتنا اليومية الراهنة. ولكن قد تكون مثل هذه المقاييس مظللة إلى حد بعيد"[18]. وكان "كروتشيه" قبل ذلك قد لاحظ "أن الانطباعات التي كانت تبتعثها في رجل مثقف من معاصري"دانتي" ألفاظه وأشعاره تختلف حتما عنها لدى إيطالي من رجال السياسة في عهد روما الثالث"[19].

وإزاء هذه الانتقادات، التي تدور في مجملها حول نسبية مفهوم الاستعمال الشائع واللغة العادية وما شابه ذلك، مما يُفترض أن يكون الكلام فيه غير حامل لأية سمة أسلوبية، يميل بعض الدارسين، بحثا عن الدقة المنشودة في الدرس اللغوي الحديث، إلى تصور نماذج تجسِّد مفهوم الاستعمال الشائع، يمكن اعتمادها معيارا فعليا يقاس في ضوئه الانزياح الذي يميّز اللغة المشحونة المفعمة بالقيم التعبيرية والسمات الأسلوبية. ويمكننا هنا أن نعرض نموذجين اثنين من هذه النماذج فحسب، وهما: النثر العلمي ولغة الكاتب.

ب. 1.1 النثر العلمي

يميل بعض الدارسين إلى اعتبار النثر عينة للغة ذات البنية المحايدة الصالحة لأن تُتّخذ معيارا يقاس على هدية الانزياح المشكل لبنية اللغة الفنية، وذلك من منطلق أن اللغة الشعرية، كمستوى نوعي للخطاب المشحون بالقيم التعبيرية والسمات الأسلوبية، ينبغي أن تقارن بمستوى نوعي آخر للخطاب تنعدم فيه هذه السمات. ولا يمكن، في اعتقاد هؤلاء، العثور على هذا المستوى النوعي للخطاب الذي تُقابل في ضوئه اللغة الشعرية إلا في النثر العلمي.

ومما يؤهل النثر العلمي لأن يشكِّل معيارا لقياس الانزياحات المكوِّنة لروح وجسدية اللغة الشعرية، اتسام لغته بالطابع الآلي المترتب عن النسبة العالية لاحتمال ورود المعلومات فيه مما يقلل من درجة إفادتها، إذ "كلّما كانت احتمالاتها عالية بفضل العُرف والتقليد انتقصت من بروز الخطاب الذي يمكن تعرفه وانتظاره"[20].

يستند هذا الطرح على نظرية الاتصال التي تربط بين كم المعلومات ودرجة التوقع، بحيث كلما ازداد الكم وتكرر، ارتفعت درجة التوقع بفعل التعود، فيفقد بذلك الخطاب خاصية البروز، وهي الحالة التي تصاحب النثر العلمي. والعكس هو أخص خصائص الخطاب الشعري الذي تنبني لغته -أساسا- على ضعف درجة التوقع، مما يولِّد ما يعرف عند بعضهم بخيبة التوقع، أو الانتظار الخائب  l’attente déçue، باعتبارها الخاصية التي تبتعث لذة النص وتهيئ له فرصة الخلود.

ومن الذين تبنوا هذا التوجه وطبقوه في دراساتهم للانزياحات الشعرية "ج. كوهن" في كتابه "بنية اللغة الشعرية". إنّ المعيار الذي يجب أن يدرس في ضوئه الانزياح، بالنسبة لكوهن، ليس هو اللغة الشائعة "التي تعودنا على سماعها، ولكنها اللغة التي تعودنا قراءتها"[21]. ويحتج لهذا التوجّه بطبيعة الانزياح المعقدة وغير القارة، مما يستلزم الاحتياط في التعاطي معه. ومن هذا المنطلق فهو يعتقد أن أسلم طريقة لمقاربة الانزياح هي إقامة المعيار على قاعدة إيجابية؛ والقاعدة التي تحمل هذه الصفة، في نظره، هي اللغة التي يكتب بها العلماء[22]. تكمن إيجابية هذه القاعدة في إمكان معاينتها وضبطها في كل عصر بدقة كبيرة من خلال النصوص النثرية المتوفرة، كما أنها تحقق مبدأ التجانس الذي "يقتضي مقارنة الشعر، الذي هو مكتوب، بالنثر المكتوب"[23].

يعلل كوهن لاختيار النثر، كمستوى نوعي للغة التي تقارب في ضوئها ظاهرة الانزياح، باعتبار أن "النثر هو بالتحديد درجة الصفر في الأسلوب"[24]، وذلك أنّ المستوى الشكلي في لغة النثر يفقد كل قيمة مميِّزة، ممّا يُسهل ترجمته ترجمة دقيقة إلى لغة أخرى، أو داخل اللغة الواحدة، ولا يتيسر ذلك إلا لكون العبارة فيه تظل مفارقة للمحتوى؛ فلا تتأثر الدلالة، وهي مادة المحتوى، بتغيّر الشكل في مثل قولنا "إنها الثانية بعد الزوال" أو "إنها الرابعة عشر"، وهو ما لا يتحقق حين يمتزج المحتوى بالشكل في اللغة المؤسلبة، إذ -حينئذ- تعطي العبارة للمحتوى "شكلا أو بنية خاصة يعسر، أو يستحيل جعله بخلاف ذلك"[25]. أما اختيار النثر العلمي، دون غيره من الأنماط النثرية، كمعيار صالح لمقاربة ظاهرة الانزياح، فيعلِّل له كوهن باعتبار النثر العلمي أقل أنواع النثر اهتماما بالأغراض الجمالية، إذ تنعدم الانزياحات فيه أو تكاد[26].

هذا المنظور للمعيار عند كوهن مؤسّس في منطلقاته على رؤية تتصوّر الأسلوب في هيئة مدرّج تتوزّع عليه أنواع الأسلوب المختلفة، وتتلاحق في شكل تصاعدي بحسب درجة الفنية التي تُداخل اللغة المستعملة في كل نوع من هذه الأنواع؛ ففي أدناه تقع لغة العلماء ذات الأسلوب الذي يلامس الدرجة الصفر من حيث انعدام الانزياح فيه بشكل شبه كلي، وفي أقصاه تقع اللغة الشعرية التي يبلغ فيها الانزياح أعلى درجات البروز، وبينهما تتموقع أنماط اللغة الأخرى المستعملة فعليا[27]. ويترتب عن هذه الرؤية، وبشكل منطقي، أن أفضل ما تُقارن به اللغة الشعرية، أو القصيدة - حسب تعبير كوهن- هو النثر العلمي لتموقعهما كالمتناقضين على سلم الأنواع.

هذا الطرح الذي يعتبر الشعر والنثر كمتناقضين هو مصدر معظم الانتقادات الموجهة للتصور الذي قدمه كوهن عن المعيار؛ فهو لا يخلو من المبالغة لأن "الشعر، أيّ شعر، لابد له من أن يتضمن عناصر تقترب من النثر إن لم تكن نثرية حقا، وهي إلى ذلك مفيدة باعتبارها خلفية يظهر بها ويتضح الانزياح"[28]. ومما لا شك فيه أننا نلمس في هذا النقد ملامح تحيل على النظرية التي قدمها "موكاروفسكي" عن اللغة الشعرية التي تتشكل- في اعتقاده- من مستويين: الخلفية والأمامية؛ وهذه الأخيرة هي العبارات المشحونة الحاملة للقيم التعبيرية والسمات الأسلوبية في شكل انزياحات تبرز وتفرض نفسها على القارئ بحيث لا يمكنه إلا أن يتنبه لها، غير أن بروزها لا يتأتى إلا من خلال الخلفية، كما سنبيّن فيما بعد[29].

ب. 1. 2 لغة الكاتب

وهي محاولة تندرج ضمن المسعى الرامي إلى تحديد المعيار بأكثر دقة مما هو عليه مفهوم المعيار العام، الذي يتخذ من قواعد اللغة، أو الاستعمال الشائع نموذجا لقياس الانزياح. و"لغة الكاتب" معيار يتسم بالفردية، لأنه يخص كاتبا معينا هو الكاتب موضوع الدراسة، يُقارب في ضوئه أسلوبه من خلال الانزياحات التي تشكله. يُستخلص هذا المعيار من متابعة الطريقة التي يعتمدها كاتب ما في تشكيل أعماله الإبداعية، ووصف نحويتها، كنمط بناء الجملة، وتكرار العبارات، وتشكيل الصورة، الخ... أو بصفة عامة الوسائل التعبيرية التي اكتسبت في أعماله طابعا آليا شبه واع. والأسلوب، من منطلق هذه الرؤية، ينشأ من مخالفة هذه الآليات، أي من الانزياح الواعي والمتعمّد عن هذه اللغة. فلغة الكاتب، كمعيار، تتأسس على مبدأ التفرقة بين العناصر الحاملة للتعبيرية والخاضعة للاختيار والقصد في العمل الإبداعي لكاتب ما، وهي التي تشكل سماته الأسلوبية، والعناصر غير الحاملة للتعبيرية، وهي نتاج العادة لا القصد، ومنها تتشكل لغة الكاتب.

ويمكننا من خلال هذا الطرح، أن نلمح التأثر بنظرية الخلفية والأمامية التي سبقت الإشارة إليها، حيث أن لغة الكاتب، بالمفهوم الذي قدمناه منذ قليل، تكوّن خلفية تنعكس عليها الآثار الأسلوبية التي تشكل الأمامية، غير أن الخلفية، عند موكاروفسكي، هي اللغة المعيارية، في حين تتخذ الخلفية، في التوجه الذي نحن بصدد شرحه، لغة الكاتب أرضية لها، بما في هذه اللغة من انزياحات عن اللغة المعيارية، لأن لغة الكاتب في حقيقتها كلام متولّد عن استعمال الكاتب للغة، ومن توظيفه لكلام المجموعة اللغوية، وبالتالي فلا يستبعد فيه أن يكون، في بعض جوانبه على الأقل، انحرافا حاملا لآثار أسلوبية. وعلى هذا المستوى تكمن الانتقادات الموجَّهة لهذه النظرية، إذ لكي تكون لغة الكاتب ذات نفع في وصف الأسلوب، فلابد لها أن تشكل قطبا مضادا للآثار الأسلوبية، بحيث تظهر هذه الآثار في شكل انزياحات بمقابلتها مع هذه اللغة[30]، وهو ما لا يمكن التوصل إليه، لأن لغة الكاتب، بما هي طريقته وعاداته في الكتابة، لا تخلو من اللجوء إلى الانزياح، كما أوضحنا سابقا، ولا يمكن قياس الانزياح في ضوء كلام منزاح في أساسه.

استنادا إلى ما سبق، يمكن القول بأن اتخاذ لغة الكاتب معيارا يزيد في تعقيد مفهوم الأصل، إذ يصبح الانزياح، من هذا المنطلق، متصورا نسبيا لا يقدم رؤية شاملة لهذه الظواهر اللغوية، بل يكتفي بوصف انزياحات مخصوصة من حيث طبيعتها والمستوى الذي تتنزل فيه. ومن ثم جاز لريفاتير، في خلاصة نقده لهذا التصور، القول بأن لغة الكاتب كيان غير ضروري لتحليل الأسلوب، لأنه "يفترض تقسيما اعتباطيا للكلام بالمفهوم السوسيري، كما أنه من المستبعد تعريف الأسلوب بمقابلته باللغة الفردية (idiolecte)، بل يتوجب اعتبار الأسلوب مجموع اللغة الفردية للكاتب"[31].

وخلاصة القول فيما يتعلق باعتماد المعيار الخارجي، بتصوراته المختلفة، كأساس لقياس الانزياح، أنه طرح قوبل بكثير من الانتقادات، أشرنا إلى بعضها فيما سبق من المناقشة، وبقي أن نشير إلى بعضها الآخر، لا سيما تلك الموجهة إلى الأساس الذي يتكئ عليه هذا التصور في مجمله. ويمكن، من منطلق عملي، بلورة هذه الانتقادات في ثلاث نقاط:

1. الصعوبات المنهجية

يتعلق النقد الأول بالصعوبات المنهجية المترتبة عن تطبيق هذا التصور؛ ذلك أن المعيار الخارجي يستند إلى طرح نظري يعتبر الأسلوب انزياحا عن نمط افترض أصحابُه أنه النمط العادي في إجراء الكلام، وهو افتراض يفرز جملة من الإشكالات المنهجية لعل أهمها استحالة تحديد المعيار بالدقة المنشودة وإقامة الحجة على أن ما نظنّه المعيار هو المعيار فعلا، وليس من متولدات تصوراتنا المنبثقة عن تعاملنا مع الظاهرة الأدبية. ويذهب بعض النقّاد إلى أنّ الخطأ يكمن في المنطلق الأساسي الذي ينبني عليه هذا الطرح لأن "القسمة الثنائية للغة ولمستويات اللغة إلى مستوى خال من الفن وآخر يحتوي على الفن، هي قسمة لا تستوي أساسا، ومن جهة أنه -علميا- يستحيل تقريبا تحديد المستوى الذي يمكن أن يتخذ منطلقا للقياس، لأنك لكي تقيس الكلام لابد أن يكون لديك منطلق تفرق به بين الإجراء الأول والإجراء الثاني"[32].

2. تضييق مجال الأسلوب

تترتب على النقد السابق مؤاخذة أخرى توجه إلى مفهوم المعيار الخارجي؛ ذلك أن تحليل النصوص في ضوء هذا المعيار يحصر الأسلوب في نماذج قليلة تتحقق فيها السمات الأسلوبية النادرة، ولا يلتفت إلى النماذج التي تُحقق أبعادا فنية دون أن تنبني على سمات لافتة؛ يقول ريفاتير على لسان "جويان": "إذا قبلنا تأسيس الأسلوب من منطلق الانزياح عن المعيار، يتعين -عندئذ- حصر الأسلوب فيما يتبقى من السلسلة المنطوقة، بعد إقصاء العناصر الكلامية التي تخضع في مجملها للتحليل اللساني، والتي يتوجب وصفها بأنها طبيعية"[33]. والنتيجة المترتبة عن هذا الاعتراض هي إقصاء نصوص ونماذج كلامية كثيرة من دائرة الدرس الأسلوبي، لأن أصحابها لا يلجأون كثيرا إلى الانحراف عن القواعد[34]. كما أن لا شيء يمنع العناصر الموصوفة بأنها طبيعية أن تلعب دورا أسلوبيا في نسق آخر من العلاقات، فكيف يمكن -إذا- التعليل لهذا التناقض؟

3. نسبية المعيار الخارجي

المقصود بالنسبية هنا أن المعيار، بوصفه النمط الذي يمثل الاستخدام العادي للكلام، ينطبع حتما بمواصفات العصر، من حيث الذوق والميول والمكانة التي يشغلها الإنتاج الكلامي في ذلك العصر وفي ظل الثقافة السائدة فيه، وبالتالي فلا يمكن أن يكون المعيار واحدا في كل العصور والأمكنة. ولأجل ذلك نادى بعض الباحثين بضرورة إدخال النسبيّة التاريخية على كل نظرية تتناول المعيار والانحراف عن المعيار؛ يقول جوزيف شتريلكا موضحا وجهة النظر هذه: "إن فهم الأسلوب على أنه انحراف أو خروج على المعيار لا يمكن أن يؤخذ به -إذا صح أنه من الممكن الأخذ به أساسا- إلا إذا حُوّل المعيار العام تحويلا تاريخيا نسبيا إلى معيار توقعي"[35].

ب. 2 المعيار الداخلي

إن مقاربة الأسلوب بوصفه انزياحا عن معيار داخلي ينبع من النص ذاته، توجّه برز إلى الوجود بعد معاينة فئة من الباحثين المأزق الذي وقع فيه من نظّروا للأسلوب باعتباره انزياحا عن معيار يقع خارج النص. وعليه، فقد بادر البعض منهم بتقديم أطروحات مختلفة يتصورون فيها الانزياح كظاهرة ملازمة للنص، يُبحث عنها في اللغة التي ينبني عليها الخطاب. وضمن هذا المسعى سنعرض لنظريتين بدا لنا أنهما أكثر التزاما بهذا التوجه وهما: نظرية التضاد البنيوي ونظرية الخلفية والأمامية.

ب. 2. 1 نظرية التضاد البنيوي

وهي التسمية التي يفضلها بعض الباحثين لنعت النظرية التي تقدم بها ريفاتير لتفسير ظاهرة الأسلوب. ويعتبر ريفاتير من أشدّ الرافضين للاعتماد على المعيار الخارجي، مهما كانت طبيعته، لتفسير الواقعة الأسلوبية، إذ إنّ الرأي عنده أنّ المعيار المؤسِّس للانزياح يجب أن يُبحث عنه في النص ذاته، وبالضبط في السياق الذي يمهد للإجراء الأسلوبي إمكانية البروز وإثارة انتباه القارئ بفعل خاصية التناقض (contraste) الناتجة عن مخالفة الإجراء الأسلوبي للسياق داخل النموذج اللغوي.

يحتل السياق مكانة مرموقة في نظرية ريفاتير حول الأسلوب؛ ذلك أن الانزياح المحقق للأثر الأسلوبي يَحدث من مناقضة الإجراء الأسلوبي للسياق، لا للمعيار الخارجي. والسياق عنده "نموذج لساني مقطوع بواسطة عنصر غير متوقع. والتناقض الناتج عن هذا التداخل هو المنبِّه الأسلوبي"[36]. فالسياق، من منطلق هذه الرؤية، يتشكل من العناصر غير الموسومة داخل السلسلة الكلامية بفعل درجتها العالية من التوقع، حتى إن فكّ سَننها لا يتطلب جهدا كبيرا من المتلقي. ولا يجب أن نفهم من هذا الكلام أن السياق ينحصر في الكلام العادي أو ما شابه ذلك، فالكلام المتوقّع من قبل المتلقي هو الذي يشكِّل دوما السياق بغض النظر عن طبيعته؛ ففي الإنتاج الإبداعي- مثلا- لا يكون للغة الأدبية أيّ سمة أسلوبية لافتة لأنها، بحكم طبيعتها، نموذج متوقَّع، وقد ينتج الأثر الأسلوبي في مثل هذا السياق بتوظيف التعابير المسكوكة والكلام العادي، لأنها، بحكم صفتها غير المتوقعة، ستشكل الإجراء الأسلوبي الذي يناقض السياق[37].

أما الإجراء الأسلوبي فإنه ينبني، خلافا للسياق، من العناصر الموسومة التي تقطع أو تكسر النموذج اللساني وتقضي على الرتابة فيه بفعل الطابع غير المتوقَّع لها من قبل المتلقي ودخولها في تناقض مع السياق الذي أنتجها، فهي بهذه الصفات تثير انتباه المتلقي ويستوقفه فك سننها، مما يولّد في نهاية المطاف الأثر الأسلوبي المرجو الذي خطط له الكاتب[38]، فالسياق والإجراء الأسلوبي متلازمان ولا وجود لأحدهما دون الآخر في الحدث الأسلوبي.

لا يتشكل الانزياح عند ريفاتير من مخالفة الإجراء الأسلوبي للسياق فحسب، بل لابد أن تتخذ هذه المخالفة شكل تناقض بينهما، لذا استحوذ مفهوم التناقض على مكانة كبيرة داخل تصور ريفاتير لمفهوم الانزياح المنتج للظاهرة الأسلوبية؛ فالتناقض هو التقنية التي يعمد إليها الكاتب لإبراز العناصر الموسومة التي، بانفصالها عن السياق، تثير انتباه القارئ دافعة إياه إلى التوقف عندها والاهتمام بفك سننها، وهو القصد الذي يرمي إليه الكاتب بإحكام تسنينه لمواقع الإجراءات الأسلوبية، بحيث لا يمر عليها القارئ دون أن يلتفت إليها[39]. وتتوقف فاعلية التناقض على مقدار عدم التوقع (imprévisibilité) الذي يربط الإجراء الأسلوبي بالسياق؛ فكلما تكون عناصر السياق ذات درجة عالية من التوقع (prévisibilité)، وتكون عناصر الإجراء الأسلوبي على درجة عالية من عدم التوقع، ازدادت حدة التناقض مجلية الأثر الأسلوبي الناتج عنها[40].

يُحدث التناقض قطيعة داخل النموذج اللساني في شكل خرق للسياق، وهذا الخرق هو الذي يشكل قاعدة الانزياح في نظرية ريفاتير، غير أن ما يميز هذه القاعدة أنها متحوِّلة لا تحكمها ثوابت المعيار ولا تحيل على نموذج لغوي أو كلامي يُفترض فيه الخلو من السمات الأسلوبية. فلا يشترط في السياق أن يكون ذا لغة عادية، فقد يأتي السياق مشحونا وينبني الإجراء الأسلوبي على كلام عادي أو عبارات مسكوكة[41]. فكل ما يشترط في السياق أن يكون منطلقا يتأسّس عليه الإجراء الأسلوبي في شكل قطيعة تُحدث التناقض بينهما.

يشكل عدم التوقع منبّها يستوقف القارئ ويدفعه إلى التركيز على فك السنن، وهو رد فعل متوقَّع مترتب عن الانتظار الخائب الذي يحدثه التناقض بين السياق والإجراء الأسلوبي[42]. ويعود تفسير الوقائع الأسلوبية بالارتكاز على مفهوم الانتظار الخائب إلى ذلك "الإحساس بالرضا الذي يرتبط عند الإنسان بالإحساس غير المتوقع النابع من المتوقع. ولا يمكن أن يفكر في أحدهما دون أن يفكر في نقيضه"[43].

يتوفر تصور ريفاتير للانزياح على مجموعة من المميزات تُسهم في تجاوز العقبات التي تعترض دراسة الأسلوب من منطلق الانزياح عن المعيار الخارجي؛ ومن هذه المميزات:

1- قابلية حصر الأصل المنزاح عنه في هذه النظرية؛ لأنه متوفر في النص، متجدد تجدد النصوص، متغير لا تتحكم فيه قواعد افتراضية.

2- الطابع التداولي؛ إذ لا يُحدد الأسلوب على مستوى اللغة بل على مستوى الكلام، بحيث يُركز الاهتمام في هذا التصور على الظواهر الأسلوبية المؤثرة بالفعل لا بالقوة[44]؛ فلا يكفي للنموذج اللساني أن يكون ذا بناء استعاري - مثلا- ليُحدث الأثر الأسلوبي، كما أن الإجراء الأسلوبي المحكم التسنين، الواضح في تناقضه مع السياق المتولد عنه، سيحدث الأثر الأسلوبي نفسه باختلاف الزمان والمكان داخل البيئة اللغوية الواحدة طبعا.

3- القابلية للتطبيق بشكل آلي؛ ذلك أنّ مفهوم السياق ينسجم مع الأثر الأسلوبي مهما كان نوعه. هذه المرونة هي التي تسمح بتفسير قدرة الفعل اللساني الواحد على امتلاك بُعد أسلوبي، أو افتقاده بحسب الموقع الذي يحتله إزاء السياق، وهو ما لا يتأتّى عند تطبيق مفهوم المعيار، لأن المعيار يفترض وجود الأثر في كل فعل أسلوبي.

وقد سجل الباحثون في تعاملهم مع مفهوم الانزياح الذي تقدّم به ريفاتير مجموعة من التحفظات نذكر منها:

1- تذبذب مفهوم السياق في نظرية ريفاتير، إذ يُلاحظ في هذا الصدد عدم قدرته على تحديد مفهوم السياق بالدقة المطلوبة التي تُفترض في نظرية تروم رفع الأسلوبية إلى مصاف العلوم، لاسيما من حيث التفرقة بين السياق الصغير والسياق الكبير[45].

2- حصر الانزياح فيما هو غير متوقع من السلسلة الكلامية. ولا شك أن عدم التوقع هو- في حد ذاته- مقياس نسبي يختلف من متلقي لآخر، كما يمكن للكاتب أن يتلاعب به، فيتعمَّد صنع المقاطع غير المتوقعة. ثم أليس من الواجب، كما يقول شبنلر: "أن يتناول الإنسان التراكيب المكررة (ويعني هذا ملء الفراغ بالتراكيب المتوقعة) على أنها هامة أسلوبيا في النظرية الأسلوبية"[46].

3- يمكن تسجيل النقد نفسه فيما يخص مفهوم "الانتظار الخائب" الذي ينبني عليه مفهوم "عدم التوقع"؛ فمن الواضح أن خيبة الانتظار لا يمكن أن تكون واحدة بالنسبة للجميع، كما أن الكاتب قد يختار "بعلمه أن يرضي انتظار القراء فيسايرهم فيما ينتظرن، مثلما يختار أن يجعل الانتظار يخيب"[47].

ب. 2. 2 نظرية الخلفية والأمامية

تشكل نظرية موكاروفسكي تصورا وسطا بين الطرح الذي يرى في الانزياح انحرافا عن المعيار المتمثل في قواعد اللغة أو في الاستعمال العادي، وهو ما وسمناه بالمعيار الخارجي، والطرح الذي يتمثل الانزياح كانحراف ينبني على التضاد الناشئ عن خرق الإجراء الأسلوبي للسياق المشكليْن - كلاهما- للنموذج اللساني، وهو الذي تناولناه ضمن ما اصطلحنا عليه بالمعيار الداخلي.

أما وسطية هذا التصور فتتمثل في اعتبار موركاروفسكي اللغة الشعرية، ويقصد بها اللغة المشحونة، لغة ذات طابع انزياحي، وأن انزياحها يكون بخرق قانون اللغة المعيارية، غير أن هذا الاختلاف بين اللغتين لا يحدث بينهما قطيعة، ذلك أن الانحرافات التي تتشكل منها اللغة الشعرية في نص ما لا تبرز ولا تكتسب السمة الأسلوبية إلا من خلال إسقاطها على اللغة المعيارية المشاركة لها في بنية هذا النص، فاللغة المعيارية، من منطلق هذا التصور، "تشكل الخلفية التي تعكس الانحراف الجمالي المتعمد للغة الشعرية، (مما يسمح باستنتاج أن) وجود اللغة الشعرية مُرتهن بوجود هذه اللغة المعيارية"[48]. وفحوى هذا الكلام أن موكاروفسكي يتصور الأسلوب كبناء مؤسَّس على نمطين من اللغة: أولاهما اللغة المعيارية، وهي "اللغة التي تلتزم مجموعة من القواعد الصوتية والصرفية والنحوية المتواضع عليها التي تستخدم في الكتابة غير الفنية، وهي تتسم بالانضباط والالتزام والاستقرار لتحقيق هدف أساسي هو التواصل"[49]، والأخرى هي اللغة الشعرية التي تتسم بغلبة الطابع الانزياحي على مكوناتها التركيبية والدلالية.

 ورغم ما يبدو من تقابل بين هذين النمطين من اللغة إلا أنهما، في نظر موكاروفسكي، متكاملان. ويظهر هذا التكامل في أن "اللغة المعيارية هي الخلفية التي ينعكس عليها التحريف الجمالي المتعمد للمكونات اللغوية للعمل، أو- بعبارة أخرى- الانتهاك المتعمد لقانون اللغة المعيارية"[50]؛ في حين تشكل اللغة الشعرية الأمامية المكوَّنة من العناصر البارزة في العمل الفني، والتي تدين ببروزها لوظيفة الخلفية التي، بطابعها القار، تمنح للعناصر المنزاحة إمكانية البروز. فالانزياح، من خلال هذا الطرح، هو انحراف عن اللغة المعيارية، غير أنه لا يسفر عن نفسه ولا تظهر قيمته إلا من خلال انعكاسه على اللغة المعيارية المشكلة لخلفية العمل الفني، ومن ثم فإن دينامية الأسلوب عند موركافسكي "تنشأ بالتحديد من التوتر الذي يكون بين العناصر الأمامية والعناصر الخلفية"[51].

يفهم من هذا الطرح أن المتحكم في تشكيل الانزياح عوامل داخلية تنبع من الأثر الفني ذاته، وتعود في أبسط صورها إلى التضاد الذي ينشأ عن تقاطع اللغة المعيارية مع اللغة الشعرية في النص، مما يؤدي إلى بروز اللغة الشعرية في شكل نتوءات على سطح اللغة المعيارية. ولا تختص بالبروز إلا الوحدات الحيوية في اللغة الشعرية بكاملها، لأن بعضا من هذه اللغة أصبح يشكل، بحكم الابتذال، آلية يسميها موكاروفسكي "آليات القانون الشعري"،    أو "القانون الجمالي التقليدي". و لكي تتضح حركية هذه النظرية أكثر لابد من التأكيد على أن مفهوم الخلفية الذي تنعكس عليه عناصر الأمامية غير قار، بمعنى أن الخلفية لا تتشكل من اللغة المعيارية بمفهومها المتداول فحسب، بل ومن القانون الجمالي التقليدي المشار إليه سلفا أيضا.

انطلاقا من هذا التصور، يصبح من الممكن، كما يقول موكاروفسكي:" أن يكون عنصر ما أماميا وفقا لقانون اللغة المعيارية، وليس أماميا في عمل بعينه، لأنه يكون موافقا مع آلية القانون الشعري"[52]. والمستنتج من ذلك أن الانزياح لا يكون دائما عن اللغة المعيارية، وأن المكونات اللغوية للعمل الشعري ليست كلها منزاحة وإن بدت كذلك، لأن عددا كبيرا منها أصبح بفعل انتمائه إلى التقاليد الجمالية يشكل خلفية تعكس انحراف العناصر البارزة التي تهيمن على الأمامية، مما يفضي إلى القول بأن طبيعة الخلفية المهيمنة في عمل ما تختلف باختلاف ضغط العناصر الأمامية؛ فتارة تحيل الخلفية على اللغة المعيارية، وتارة أخرى على آلية القانون الشعري. ويترتب على ما سبق من الكلام أن معيار الانزياح، في هذه الحالة، لا يكون ثابتا ثبات الأصل الذي يقاس عليه الانزياح عند القدامى وفي بعض الاتجاهات الأسلوبية الحديثة؛ يقول موكاروفسكي موضحا وجهة نظره: "وعلى هذا فالخلفية التي ندركها للعمل الشعري، بوصفها حاوية للمكونات غير الأمامية، ومقاوِمة للعناصر الأمامية، تكون مزدوجة، أي قائمة على قانون اللغة المعيارية والقانون الجمالي التقليدي، وكلتا الخلفيتين كامنة دائما، ومن ثم ستصبح إحداهما هي المهيمنة بشكل محسوس؛ ففي فترات الأمامية القوية للعناصر اللغوية تكون خلفية قانون اللغة المعيارية هي المهيمنة، في حين يكون القانون التقليدي هو المهيمن في فترات اعتدال الأمامية"[53].

وخلاصة القول في هذا الشأن أن فكرة الانزياح عند موكاروفسكي تمتاز بازدواجية في الطرح؛ فهي من الناحية النظرية البحتة تحيل على المعيار الخارجي ممثلا في اللغة المعيارية، لكنها من الناحية التداولية تحيل على الخلفية المنجزة في النص ذات الطابع المتفتح المتجاوز لمفهوم المعيارية، وحيث لا يطال الانزياح إلا العناصر البارزة المهيمنة في الأمامية، والتي تدين في بروزها إلى تقاطع اللغة الشعرية مع اللغة المعيارية وكذا التقاليد الجمالية أو آلية القانون الشعري كما يسميها موكاروفسكي.

خاتمة

يبدو أخيرا أنّ لا المرجعيّة اللغويّة، المتمثِّلة في المعيار اللغوي، أو في الكلام العادي الواقع في الدرجة الصفر، ولا المرجعيّة النصيّة، المتمثِّلة في السياق     أو في اللغة المعيارية المرافقة للغة الشعريّة، بقادرتين على تحديد المعيار الذي يُقاس في ضوئه الأسلوب تحديدا كافيا شافيا. فقد تستميلك الواحدة منهما، فلا تكاد تطمئنّ إليها حتّى تظهر محدوديّتها الكامنة في صعوبة تطبيقها وتحديد مفهوم قار للأسلوب في ضوئها. ولأجل ذلك قد يصحّ القول بأنّ المعيار في عالم الأسلوب مفهوم فرّار، بمعنى أنّنا لا نكاد نمسك به حتّى يفلت منّا، تماما كما هو مفهوم الأسلوب على حدّ تعريف كوهن السالف الذكر، ممّا حمل بعض الدارسين، وهو "غراي" B. Gray ، إلى إنكار شيء يُسمّى الأسلوب[54]. وبعيدا عن هذا التطرف، لابدّ من الاعتراف بالأسلوب بصفته حقيقة لا سبيل إلى إنكارها، وبأنّ المعيار الذي تُقاس في ضوئه الوقائع الأسلوبية مطلب لا مندوحة عنه، غير أنّ تحديده بكيفية علمية دقيقة تصمد للاختبار يبقى الهدف الأسمى لكلّ من جعل همّه النّفاذ إلى حقيقة الأسلوب واستنطاق كوامنه.

المراجع

جوزيف، شتريلكا (1984)، الأسلوب الأدبي، من كتاب "مناهج علم اللغة"، ترجمة: مصطفى ماهر، مجلة فصول، م5/ع1، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، أكتوبر- ديسمبر.

الأسلوبية (1984)، ندوة لمجلّة فصول بمشاركة نخبة من الباحثين العرب، مجلّة فصول، م5/ع1، القاهرة،  أكتوبر- ديسمبر.

المسدي، عبد السّلام (1982)، الأسلوبيّة والأسلوب، تونس، الدار العربيّة للكتاب، الطبعة الأولى.

بليت، هينريتش (1989)، البلاغة والأسلوبية، ترجمة: العمري، محمد، فاس، منشورات دراسات سال، الطبعة الأولى.

كوهن، جان (1986)، بنية اللغة الشّرعيّة، ترجمة:الوالي محمّد والعمري محمد، الدار البيضاء، دار توبقال، الطبعة الأولى.

ابن جنّي، أبو الفتح عثمان (2000)، الخصائص، تحقيق:النجار، محمد علي، بيروت، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى.

فيدوح، عبد القادر(1999)، "شعرية الانزياح في الشعر البحريني الحديث"، عدد 20، البحرين، مجلّة البحرين الثقافية، وزارة الثقافة في دولة البحرين، أبريل - جوان.

فضل، صلاح (1985)، علم الأسلوب(مبادئه وإجراءاته)، بيروت، دار الآفاق الجديدة، الطبعة الأولى.

كروتشه، برناديتو (1963)، علم الجمال، ترجمة: الحكيم، نزيه، دمشق، المطبعة الهاشميّة، د.ط.

 شبينلر، برند (1987)، علم اللغة والدراسات الأدبية، ترجمة: جاد الرب محمود، مصر، الدار الفنية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى.

جاكبسون، رومان (1988)، قضايا الشعريّة، ترجمة: العمري، محمد ومبارك، حنون، الدار البيضاء، دار توبقال، الطبعة الأولى.

موكاروفسكي، يان (1984)، " اللغة المعيارية واللغة الشعرية"، ترجمة: الروبي، ألفت، مجلّة فصول، م5، عدد1، القاهرة، أكتوبر- ديسمبر.

ريفاتير، مكائيل (1993)، معايير تحليل الأسلوب، ترجمة: لمجداني، حميد، فاس، منشورات دراسات سال، الطبعة الأولى.

عياشي، منذر (1995)، مقالات في الأسلوبية، دمشق، اتّحاد الكتّاب العرب، الطبعة الأولى.

الواد، حسين (1984)، "من قراءة النشأة إلى قراءة التّقبّل"، مجلة فصول، م5، عدد1، القاهرة، أكتوبر- ديسمبر.

ويس، أحمد محمد (2001)، "نحو معيار للانزياح"، مجلّة الموقف الأدبي، اتحاد الكتّاب العرب، عدد354، دمشق، يناير- مارس.

ويليك، رونيه، وأوستين، وارين (1981)، نظريّة الأدب، ترجمة: الخطيب، محي الدين، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنّشر، الطبعة الثانية.

كابانس، جان لوي (1982)،  النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، ترجمة: عكام، فهد، دمشق، دار الفكر، الطبعة الأولى.

Mounin, G. (1971), Clefs pour la linguistique, Paris, Seghers, 2ème éd.

Riffaterre, M. (1971), Essais de stylistique structurale, Tr. Daniel Delas, éd . Flammarion, Paris.

Guiraud, P. (1975), La stylistique, (que sais-je?), P.U.F, Paris, 8ème éd.


الهوامش

[1] المسدّي، عبد السّلام (1982)، الأسلوبية و الأسلوب، تونس، الدار العربية للكتاب الطبعة الأولى، ص. 97 و98.

[2] المرجع نفسه، ص. 94.

[3] فيدوح، عبد القادر (1999)، "شعرية الانزياح في الشعر البحريني الحديث"، مجلّة البحرين الثقافية، عدد 20، المنامة، وزارة الثقافة بدولة البحرين، أبريل-جوان ، ص. 139.

[4] المسدّي، عبد السّلام، الأسلوبية و الأسلوب، مرجع سابق، ص. 102.

[5] المرجع نفسه، ص. 67 و 96.

[6] ابن جنّي، أبو الفتح عثمان (2000)، الخصائص، تحقيق: النجّار، محمّد علي، بيروت، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، ج 2، ص. 392.

[7] المصدر نفسه، ص. 393.

[8] المسدّي، عبد السّلام، الأسلوبية و الأسلوب، مرجع سابق، ص. 94.

[9] كابناس، جان لوي (1982)، النقد الأدبي و العلوم الإنسانية، ترجمة : عكام، فهد. دمشق ، دار الفكر، د. ط، ص. 109.

[10] Mounin, G. (1971), Clefs pour la linguistique, Paris, Seghers, 2ème éd., p .158.

[11] Riffaterre, M. (1971), Essais de stylistique structurale, Tr. Delas, D. Paris, Flammarion, 1ère éd., p. 56.

[12] Guiraud, P. (1975), La stylistique, Paris, P.U.F., 8ème éd., p. 10.

[13] Mounin, G. (1971), op. cit., p. 158.

[14] كوهن، جان (1986)، بنية اللغة الشعرية، ترجمة: العمري، محمد، فاس، منشورات دراسات سال، الطبعة الأولى، ص. 107.

[15] المسدّي، عبد السّلام، الأسلوبية و الأسلوب، مرجع سابق، ص. 95 و96.

[16] Riffaterre, M. (1971), op. cit., p. 135.

[17] المسدّي، عبد السّلام، المرجع السابق، ص. 104.

[18] ويليك، رونيه و أوستين، وارين (1981)، نظرية الأدب، ترجمة: الخطيب، محي الدّين، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثانية، ص. 182.

[19] كروتشيه، بارناديتو (1963)، علم الجمال، ترجمة: الحكيم، نزيه. دمشق، المطبعة الهاشميّة، د.ط، ص. 160.

[20] ويس، أحمد محمد (2001)، "نحو معيار للانزياح"، الموقف الأدبي، عدد 354، دمشق، اتّحاد الكتّاب العرب، يناير- مارس، ص. 119.

[21] كوهن، جان (1986)، بنية اللغة الشّعرية، مرجع سابق، ص. 187.

[22] المرجع نفسه، ص.187.

[23] المرجع نفسه، ص. 22.

[24]  المرجع نفسه، ص. 34.

[25] المرجع نفسه، ص. 35.

[26] كوهن، جان، بنية اللغة الشعرية، مرجع سابق، ص. 35.

[27] المرجع نفسه، ص. 23 و24.

[28] ويس، أحمد محمد، (2001)، نحو معيار للانزياح، مرجع سابق، ص. 120.

[29] موكاروفسكي، يان (1984)، "اللغة المعيارية و اللغة الشعرية"، ترجمة: الرّوبي، ألفت، مجلّة فصول، المجلّد 5، عدد1، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، أكتوبر- ديسمبر، ص. 44.

[30] Riffaterre, M. (1971), op.cit., p. 99.

[31] Ibid., p. 103.

[32] ندوة فصول، (1986)، مجلة فصول، مجلد 5، عدد1، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص. 218.

[33] Riffaterre, M. (1971), op.cit., p. 54.

[34] فضل، صالح (1985)، علم الأسلوب (مبادئه و إجراءاته)، بيروت، دار الآفاق الجديدة، الطبعة الأولى، ص. 185.

[35] شتريلكا، جوزيف (1984)، "الأسلوب الأدبي" (من كتاب مناهج علم اللغة)، ترجمة: ماهر، مصطفى، القاهرة، مجلة فصول، مجلد 5، عدد1، ص. 73.

[36] ريفاتير، ميكائيل (1993)، معايير تحليل الأسلوب، ترجمة: لمجاداني، حميد، فاس، منشورات دراسات سال، الطبعة الأولى، ص. 56.

[37] Riffaterre, M. (1971), op.cit., p. 57, 58.

[38] Ibid., p. 68, 69.

[39] Ibid., p. 34, 329.

[40] Ibid, p. 69-70.

[41]Riffaterre, M. (1971), op.cit., p. 94.

[42]Ibid., p. 150.

[43] جاكوبسون، رومان (1988)، قضايا الشعرية، ترجمة: العمري، محمد و حنون، مبارك، الدار البيضاء، دار توبقال، الطبعة الأولى، ص. 40 و83.

[44] بليت، هينريتش (1989)، البلاغة و الأسلوبية، ترجمة: العمري، محمد، فاس، منشورات دراسات سال، الطبعة الأولى، ص. 38.

[45] المرجع نفسه، ص. 38.

[46] شبينلر، برند (1987)، علم اللغة و الدراسات الأدبية، ترجمة: جاد الرب، محمود، مصر، الدار الفنيّة للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى، ص. 90.

[47] الواد، حسين (1984)، "من قراءة النّشأة إلى قراءة التّقبّل"، مجلة فصول، مجلد5، عدد1، القاهرة، أكتوبر- ديسمبر، ص. 118.

[48] موكاروفسكي، يان، اللغة المعيارية و اللغة الشعرية، مرجع سابق، ص .41.

[49] المرجع نفسه، ص. 40.

[50] المرجع نفسه، ص. 42.

[51] المرجع نفسه، ص. 44.

[52] موكاروفسكي، يان، اللغة المعيارية و اللغة الشعرية، مرجع سابق، ص.43.

[53] موكاروفسكي، يان، اللغة المعيارية و اللغة الشعرية، مرجع سابق، ص.43.

[54] بليت، هينريتش،البلاغة و الأسلوبية، مرجع سابق، ص.33.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche