الثّقافة الرقمية ورهان الهويّة الدينية عند الشّباب المغربي


إنسانيات عدد 95، جانفي–مارس 2022، ص77.-100


Format PDF


هدى كريملي: Université Mohammed V de Rabat, Faculté des Lettres et des Sciences Humaines, 10 000, Rabat, Maroc


عرف العالم ثورة تكنولوجية معولمة غيّرت مفهوم الثقافة ومحدداتها، وكان للفضاء الافتراضي وشبكة الأنترنيت دور في تداخل الأنساق الثقافية والقيم الكونية، شجع على مضاعفة التواصل بين الأفراد بمختلف فئاتهم وعلى إثارة قضايا متعددة ومتنوعة في جميع المجالات. وقد ساهم المجتمع الشبكي في تغيير سيرورة بناء الهوية والعلاقات الاجتماعية بفعل تغيّر السياقات الثقافية والقيم والمعايير المؤسّسة لمفهومي الهوية والذات (David, 2008; Georges, 2009; Kaufmann, 2004)، مما جعل استقرار الهوية الدينية عند الشباب على وجه الخصوص أمرا نسبيا ضمن أبعاد كونية فرضتها نظم الاتصالات والمعلومات.

منحت الأنساق الثقافية اللامحدودة في العالم الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي الهوية الدينية دلالات جديدة تتجاوز الذات فيها المجالين المكاني والزماني. حيث أصبحت الثقافة الرقمية، بأبعادها وسياقاتها المتنوعة والمنفتحة على الفضاء العمومي الرقمي، موردا مهما يوجه ميول الشباب ونظرتهم للعالم، فضلا عن تأطيرهم وتحديد وجودهم وإيمانهم. إذ استفاد الشباب من سهولة الولوج للعالم الافتراضي وتصفح محتوياته والمشاركة فيما يتداول فيه. إن اتساع هوامش الحرية في هذا الفضاء شجع الشباب على حرية التعبير والتنقل عبر المواقع والتفاعل اللامحدود مع القضايا المتداولة. والواقع أن الثورة التكنولوجية والثقافية وإن منحت للمجتمع معنى آخر فقد وضعتنا أمام صراع قوتين: العولمة والهوية[1](Castells, 1999, p. 103)  فقد أدت العولمة والثورة المعلوماتية واقتصاد التدفق flux إلى العديد من التحولات التي مست المجتمع وبنياته: تداخل المحلي والكوني وتوغل النظام الرأسمالي "المتوحش"، التحول إلى مجتمع الشبكات وهيمنة الثقافة الافتراضية ووسائل الإعلام الحديثة، فتغيرت بذلك محددات الزمان والمكان والعلاقات الاجتماعية والتصورات والممارسات الثقافية. وفي المقابل، برزت تيارات قوية لمجابهة النظام الرأسمالي والدفاع عن الهوية والدولة القومية. ظهر هذا الصراع على شكل حركات اجتماعية ثقافية تطالب بالدفاع عن خصوصيتها ورغبة الأفراد في توجيه حياتهم والحد من هيمنة الثقافة الخارجية ومراعاة الأعراف والتقاليد وما يفرضه السياق الاجتماعي.

ولم يتخلف المجتمع المغربي عن الانخراط في هذا العالم الرقمي وولوج شبكة الأنترنيت، إذ تكشف المعطيات عن انتشارٍ مطردٍ للتكنولوجيا الرقمية وكذا تزايد عدد المنخرطين في شبكات الأنترنيت، خصوصا الأنترنيت المتنقل، الذي وصل إلى 30 مليون مشترك سنة 2021، بنسبة نمو سنوية تقدر بـــ 16 في المائة، حيث ارتفعت بــــ 4,2 مليون مشترك خلال سنة 2021 حسب الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات(ANRT) ، ويشكل الشباب ما بين 15 و30  سنة الفئة الأكثر استخداما لمواقع التواصل الاجتماعي على رأسها الفايسبوك وتويتر (Conseil Économique, Social et Environnemental, 2021).

إن هذا التزايد في ولوج العالم الرقمي يهم جيلا من الشباب الذي يمكن وصفه بـ "الشباب الرقمي"، ما يتطلب الاهتمام بالسياقات الاجتماعية والثقافية والتعليمة التي تؤطر هذا الفضاء الرقمي في المجتمع المغربي.

يقدم هذا المقال نتائج الدراسة الاستكشافية[2] لتأثير ظاهرة الثقافة الرقمية في الهوية الدينية لدى الشباب ومدى مساهمة أفراد هذه الفئة وفاعليتهم في إغناء الدين الرقمي وإنتاج المعنى إن الهدف من هذه الدراسة الميدانية هو كشف تأثير المجتمع الشبكي وسياقاته الثقافية في الهوية الدينية حيث أحدثت الثورة التكنولوجية في المجتمعات المعاصرة تحولات جذرية في بناء الذات والهوية. وبالفعل فقد تراجع دور المؤسسات الاجتماعية التقليدية (الأسرة، المدرسة) بعد فشلها في مواجهة تدفق الثقافة العالمية وهيمنة النظام الشبكي والقيم الكونية.

  1. 1. الثقافة العالمية والدين الرقمي، أنساق متداخلة في هوية الشباب

أصبح الأنترنيت في الوقت الحاضر جزءًا لا يتجزأ من حياة الشباب الاجتماعية اليومية، بما فيها حياتهم الدينية. تقوم حجتنا النظرية على كون التفاعل بين العولمة والثقافة الرقمية والهوية الدينية يهدد التصورات الدينية، ويقلّص من خصوصية الهوية القومية، ويمس شرعية المؤسسات التقليدية والنظام الأبوي، وذلك بفعل تأثير الشبكات العالمية في منطق الهويات الخاصة (الدينية أو الجنسية أو القومية أو العرقية أو الثقافية).

1.1. الدين الرقمي والشباب

فرضت رقمنة الدين، كضرورة أنطولوجية بالنسبة لكل الديانات الكبرى، دخوله للعالم الافتراضي والشبكات الاجتماعية، مما جعل منه موضوع مشاركة من قبل فاعلين متعددين (Grieve, 2013)، ليتحول بذلك الشباب من متلقين سلبيين إلى فاعلين من خلال تداول القضايا الدينية في الشبكات العمومية الرقمية. وبالتالي فقد أحدثت العولمة والأنترنيت تحوّلات عديدة في الحقل الديني في بعده الوجودي والتنظيمي والشعائري. وأصبح العالم الرقمي فضاء للمنافسة حول السلطة الدينية بين فاعلين اجتماعيين متعددين، من قبيل رجال الدين والدولة والمؤثرين
الرقميين، ووسيلة فعالة لتعزيز الوجود والمصداقية، حيث شكل انتقال الممارسات الدينية إلى الأنترنيت من خلال إنشاء "مجتمعات افتراضية" على منصات المناقشة، ودور العبادة مثل المعابد الإلكترونية، وإقامة الطقوس الدينية مثل الصلاة وحتى "الزواج الافتراضي" شكلت كلها أنماطا جديدة للتفاوض حول السلطة الدينية .(Campbell & Vitullo, 2016; Cheong et al., 2012)

ومع تمدد الممارسات الدينية الافتراضية أضحى من الصعب الفصل بين العالمين الواقعي والافتراضي في ظل الفاعلية الرمزية لهذه الممارسات. كما سمح تعدد الثقافات الرقمية بإمكانية تعدّد الوجود الديني .(Dagenais, 2012, p. 9 ; Duteil-Ogata et al., 2015) وقد اعتمدنا في دراسة هذه الظاهرة ثلاثة مفاهيم، شكلت قاعدة لمجموع أسئلة البحث وفرضياته، وهي "فاعلية الشباب" و"الدين الرقمي" و"الهوية".

نقصد بالمفهوم الأول قدرة الشباب على الفعل أو ممارسة التأثير، وينسجم هذا المعنى مع التصور السوسيولوجي للفاعلية الاجتماعية بأنها قدرة الفرد على التصرف في استقلال عن المؤثرات الخارجية وعلى اتخاذ قراراته الخاصة بحرية . نحاول في هذه الدراسة اختبار المنظور التأويلي في صيغته الفردانية، لكننا نركز على فكرة أن الفاعل لا يتصرف في فراغ، وإنما يبني استراتيجيات فعله ضمن نسيج اجتماعي وثقافي، بمعنى جماعي بالضرورة.

ويتعلق المفهوم الثاني، أي "الدين الرقمي"، بطبيعة مشاركة الشباب المغربي في المؤسّسة الدينية من خلال تحليل خطاباتهم ونقاشاتهم المتعلقة بالقضايا الدينية. وسنحاول معرفة ما إذا وصل الشباب المغربي إلى درجة التفاوض على السلطة الدينية في المجال الرقمي، وذلك انطلاقاً من فرضية أساسية تقول إن الخطاب الديني للشباب لا يعيد إنتاج الموروث الديني حسب التنشئة المؤطرة لرؤيتنا للعالم، وعليه فإن هذه المنظومة الثقافية الرقمية تصبح مرجعية أساسية في تحديد التصورات والهوية الدينية.

أما المفهوم الثالث، "الهوية"، فالغاية منه الإجابة عن السؤال المتعلق بـ "من أنا/ نحن؟" فالهوية في نطاق بحثنا تعني الصورة التي يكوّنها الشباب المغربي عن ذاته وعن أعضاء الجماعة التي ينتمون إليها، وهي الصورة التي تجعل منهم جماعة تختلف عن الجماعات الأخرى من حيث مضمونها الثقافي. وسنركز بالأساس على البعد الديني لهذه الهوية كما يبنيها الشباب عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

2.1. الدين الرقمي والهوية

ترتبط التحولات التي تشهدها التجربة الدينية لدى الشباب العربي المسلم باكتساح العولمة للمراكز المحلية لإنتاج المعنى، ومن ثمة نجاحها في تفكيك الروابط الاجتماعية التقليدية وتحويلها وإضفاء معنى جديدٍ عليها تفيدنا دراسة التجربة الدينية لدى الشباب المغربي في تسليط الضوء على تلك التحولات التي يشهدها الرابط الاجتماعي في زمن العولمة، التي ساهمت بشكل كبير في تشكل/وإعادة تشكل الهويات الإسلامية، كما أتاحت، من خلال توسيع رقعة وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، تدفقاً لا ينقطع من المعلومات ساهم في انبثاق وعي بالهوية ودفع الشباب المسلم إلى العودة إلى تلك المكونات الثقافية التي يعتبرونها عناصر هويتهم الجماعية الخالصة من أجل مواجهة "الغزو" الثقافي الغربي. فغالبا ما تنتج صراعات ثقافية ودينية كعواقب للعولمة، فتصبح العودة إلى المعتقدات الدينية الأصولية رد فعل ضد ما يعتبر نهبا للقيم الدينية والثقافية القائمة )جفال وطلحة،2018 ) ففي العالم الإسلامي على وجه الخصوص دفعت العولمة الكثيرين إلى الاهتمام بالهوية الإسلامية باعتبارها ارتباطا رمزيا في مقابل التطرف في الحكم على الغرب الذي اعتبر عدوا للإسلام. باعتبار ان الدين يشكل الصفة والمكانة المميزة للهوية الاجتماعية بحيث تقدم الهوية الدينية النظرة "المقدسة" للعالم والانتماء "الأبدي" للجماعة. وتستمد هذه الهوية الدينية قوتها من موقعها الإيديولوجي الفريد الذي يحمل العاطفة والسلطة التي تنبع من ادعاء الحقيقة .(Kinnvall, 2004) وهكذا، فإن الجمع بين الدين والقومية، كدلالة للهوية، يشكّل ردّ فعل قوي خصوصا في أوقات التغيير السريع. وعليه فمن المرجح أن يتشبث الأفراد أثناء أزمات انعدام الأمن الوجودي والاضطراب بهوياتهم الوطنية، باعتبارها رؤية جماعية مشتركة للعالم تنطوي على المودة والسلطة الأخلاقية وتمنح شعورا قويا بالأمان (Kinnvall, 2004, Ysseldyk et al., 2010)[3].

يشير ديل إيكلمان إلى ظاهرة اجتماعية جديدة في العالم العربي أطلق عليها مفهوم "الموضعة" والمقصود بهذا المفهوم، انبثاق نوع من الحس النقدي لدى فئة واسعة من الشباب العربي بفعل ارتفاع نسبة التمدرس، واتساع نطاق انتشار الكتب والمجلات ووسائل الإعلام لاسيما التلفزيون، هذه التحولات الاجتماعية سمحت للشباب في العالم العربي، ومنه المغربي الذي يشكل موضوع بحثنا، باكتساب مهارات معرفية ومعلومات دينية خولت له إمكانيات التساؤل حول ما يعنيه الإسلام بالنسبة إليه. "إن الموضعة هي العملية التي أضحت بها الأسئلة الأساسية ملحوظةً في وعي عدد كبير من المؤمنين": ما هو ديني؟"، "لماذا هو مهمُّ بالنسبة لحياتي؟"، "كيف توجه معتقداتي سلوكي".(Eickelman, Piscatori, 1990, p. 38) .

  1. 2. إشكالية وفرضيات البحث

عملت الثقافة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي منذ سنوات على فتح باب النقاش أمام مختلف الفاعلين الافتراضيين مهما كان سنهم أو أصلهم أو طبقتهم الاجتماعية ومهما كانت قدراتهم الفكرية والمعرفية. وقد ساهمت "هوامش الحرية" المتاحة في العالم الرقمي من زعزعة الهوية الدينية عند الشباب وإعادة ترتيب الحقل الديني.

يثير التفكير في الهوية الدينية في هذا الفضاء العمومي الرقمي نقاشا عميقا حول تلك التحولات أو"الهجانات (Hybridités)" التي قد تحدثها الثقافة الرقمية على الديني في أبعاده الهوياتية. يعبر الخطاب الديني عن الهوية الجماعية ويترجم طريقة تفكير المخاطب ونظرته للعالم، كما يحيل على خصوصيته الثقافية والمعرفية. انطلاقاً من هذه المعاينة، طرحنا مجموعة من الأسئلة من قبيل: هل أدى ولوج الشباب إلى المعرفة والثقافة الرقمية إلى إنتاج خطاب ديني جديد بعيدا عن التصور التقليدي؟ وإذا كان بعض الشباب "المسلم" يعتبر الإسلام دين التسامح، وأن العنف ناتج عن تأويلات الفقهاء المغلوطة للنصوص الدينية، فما هي الخطابات والأحكام الدينية البديلة التي قدموها؟ كيف يعيش الشباب المغربي التجربة الدينية في ظل التدفق الثقافي؟ وما الذي يحدد الهوية الدينية عند هذه الفئة في ظل تنوع السياقات الثقافية في العالم الافتراضي؟ كيف تؤثر الثقافة الرقمية على بناء المعارف الدينية والنظرة للذات والعالم عند الشباب المغربي؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة، صغنا ثلاث فرضيات أساسية:

  • تفرض الثقافية الرقمية منطقا جديدا في بناء الهوية والذات ؛
  • أصبح الشباب المغربي فاعلا في اختيار وتشكيل هويته الدينية ؛
  • يقدم الشباب في الدين الرقمي تصورات جديدة لهوياتهم الثقافية.
  1. 3. منهجية البحث

1.3. المقاربة الكيفية

تمكننا هذه المقاربة من دراسة التجربة الدينية للشباب المغربي، أي الوقوف عند طبيعة تأثير الثقافة الرقمية في تصوراتهم وممارساتهم الدينية، وبالتالي تحديد معاني وخصائص فاعليتهم في هويتهم الدينية. إذ تسمح المقاربة الكيفية من الوقوف على معاني العالم الاجتماعي كما يعاش وينتج ويستوعب من قبل الشباب الفاعل في الدين الرقمي، وذلك من خلال معطيات ذاتية ترصد تصورات وقراءات مختلفة عن عوالمهم، خاصة وأننا أمام معطيات (تمثلات وتصورات للدين) معقدة ومرنة وحسّاسة وذات صلة بالسياق الاجتماعي والثقافي (احجيج وفزة، 2019) يعتمد التحليل الكيفي منطقا خاصا يتميّز بالذهاب والإياب بين الاستقراء التحليلي والقياس الاحتمالي. فضلا عن أن البحث الكيفي يمكننا من إيجاد العلاقات المفاهيمية بين المقولات أي بناء "الروابط" من أجل فهم الظاهرة المدروسة(Anadon & Savoie-Zajc, 2009) .

2.3. المقابلة وتحليل الخطاب

تسمح المقابلة ببناء معرفة مشتركة عبر التفاعل مع أفراد عينة البحث والوقوف على القيم المؤثرة في تصورات الشباب حول انتمائهم الثقافي وهويتهم الدينية. وتكمن أهمية المقابلة في قدرتها على فتح نقاش وحوار تفاعلي بين الباحث والمبحوث وكذا التعمق في الأفكار والآراء المهمة  .(Markova, Orfali, 2004, p. 11)وعليه فإننا اعتمدنا على المقابلات شبه الموجهة) وجها لوجه) مع الشباب.

كما قمنا بتحليل خطاب الشباب حول الدين من خلال عينة عشوائية من خطاباتهم المنشورة في شبكة التواصل الاجتماعي "فايسبوك". اعتمدنا في ذلك تحليل المضمون لما يوفّره من إمكانية الربط بين مكوّنات بنية الخطاب الديني. استخرجنا، فضلا عن ذلك، الكلمات المفاتيح واعتمدنا التحليل النحوي والدلالي بغرض استخراج الموضوعات المركزية من نصوص عينتنا، باعتبارها عناصر تشترك في تكوين الأحداث الاجتماعية وتعكس تجربة الشباب في الدين الرقمي ومواقفهم وقيمهم.

3.3. عينة الدراسة

تتكون عينة الدراسة من 20 شابا وشابة، 13 منهم ذكور و 7إناث، يتراوح سنهم ما بين 19 و25 سنة. وتنحدر هذه العينة من جهة الرباط-سلا-القنيطرة بالمغرب. أغلبهم يزاولون تعليما جامعيا.

ولدراسة مختلف أبعاد الظاهرة، أي تأثير الثقافة الرقمية في الهوية الدينية لدى الشباب، قمنا بـــــ"تحليل المحتوى" لعشرة فاعلين من الشباب في الدين الرقمي من خلال صفحاتهم على الفايسبوك ومشاركاتهم في المجموعات الدينية.

  1. 4. عرض نتائج الدراسة وتحليلها

1.4. من الهويّة الواقعية إلى الهويّة الافتراضية

فرضت علينا دراسة تأثير النظام الإعلامي والثقافة الرقمية في القوالب الهوياتية الدينية الوقوف على مستويين من التحليل: يرتبط المستوى الأول بتحديد الهوية الرقمية ومقاييس البروفايل التي تتعلق ببناء المنحنيات المستعملة في المجتمع الافتراضي[4] (البيانات الشخصية، الفضاء، النصوص، الأنشطة..) وتحليل تأثيراتها على المستوى المعرفي والاجتماعي لدى الشباب. أما المستوى الثاني، فقد تطلّب تحليل نماذج تمثّلُ الذات ومعرفة مصادر النماذج الثقافية والدينية التي يتبناها الشباب (تمثلات وتصورات حول الثقافة الرقمية ومواقفهم حول بعض القضايا الدينية) والإحاطة بالنماذج المهيمنة من خلال مقاربة قياسية للعلامات والعناصر التي تكون هوية الشباب في العالم الافتراضي.

وقد انطلقنا في تحديد الهويّة الرقميّة من ثلاث عناصر أساسية في النظام المعلوماتي:

  • - الهوية التصريحية:(déclarative)  توازي تمثل الذات، وتظهر من خلال المعلومات التي يصرح بها المستعمل (الاسم، تاريخ الازدياد، الجنس، المهنة، إلخ).
  • - الهوية الفاعلة:(agissante) تظهر في نشاطات الشباب في المواقع (إعجاب، تعاليق، إنشاء علاقات، انضمام إلى المجموعات).
  • - الهوية المحسوبة :(calculée)بخلاف الهويتين السابقتين، هذه الهوية المحسوبة لا يحدّدها المستخدم بنفسه. بل يقوم بتحديدها نظام الموقع، وذلك من خلال متغيرات كمية، مثل عدد "الأصدقاء" على الفايسبوك وعدد الجماعات الافتراضية التي ينتمي إليها، أو متغيرات نوعية مثل التواجد على الشبكات الاجتماعية، فعلى سبيل المثال، تتحدّد الهويّة المحسوبة بمؤشرات الاتصال، حيث إذا كان متصلا بالفايسبوك يلاحظ الأصدقاء مؤشر "متصل"، أو "كان متصلا قبل 14 دقيقة"[5] (Georges, 2009 ; Georges et al., 2011).

تشترك هذه النماذج في بناء الهوية الرقمية، وتظهر من خلال الصفات والرموز والدلالات التي يعبّر من خلالها الفرد على وجوده في العالم الافتراضي والتي لا تحيل بالضرورة إلى هويته الحقيقية. وقد قمنا بتتبع هذه الهوية الافتراضية من خلال البيانات الشخصية وتلك الآثار المكتوبة أو الصور أو الرموز والتفاعلات مع الآخرين (كالاسم، السن، الاهتمامات، المنشورات والتفضيلات، الأنشطة) التي يخلفها الشباب سواء بصورة واعية أم بدون وعي أثناء الإبحار في العالم الرقمي (Georges, 2011, p. 5, Ève, 2002) .

يعمل النظام المعلوماتي على بناء وتحديد الهويّة الرقمية وتحديد النماذج السلوكية للفاعلين في المجتمع الشبكي. إلا أن هذا لا يعني بأن هذه القوالب تقدّم هويات رقمية جامدة، وإنما تنتج نماذج متعدّدة وميول متنوعة وإطارات للتفاعل. 

يكشف تحليل القوالب الهوياتية (النماذج، المفاهيم، التعبيرات) عن ثلاثة أبعاد للهوية الرقمية:

  • البعد الذاتي: يرتبط بتمثل الذات والنماذج المقدّمة والتي تعكس التماسك.
  • البعد الاجتماعي: تعكسه النماذج الثقافية والقوالب الاجتماعية التي تكرسها التنشئة.
  • البعد المعرفي: يتجلى في بروفايل المستخدم ومدى استدماجه للثقافة المهيمنة. أي الوسيلة التي يضع بها الفرد نفسه معرفيا ضمن مجموعة اجتماعية معينة. ويتمظهر هذا البعد المعرفي في مدى إدراك المستخدم للرموز التي تشكل هوية الجماعة ودمجها في عملية بنائه لهويته الشخصية المعبَّر عنها في البروفايل.

والواقع أن الثقافة الرقمية تحمل نماذج وصورا نمطية، إلا أن مفعولها مشروط جزئيا بشعبيتها. علما أن الرهانات الثقافية لهذه النماذج المهيمنة تختلف بحسب سياقاتها والفئات الفاعلة (Georges, 2011, Granjon & Lelong, 2006)..

تعكس هذه الهويّة الرقمية تداخل الأبعاد المشكلة للهوية في العالم الافتراضي والتي تؤثّر على هويّة الشباب الواقعية، فيصعب عليهم الفصل والتمييز بين العالم الاجتماعي الواقعي والعالم الافتراضي الرقمي: وهو ما عبر عنه الشباب بما يلي: "لا أحس بأن هناك فرقا بين الفايسبوك والحياة الحقيقية...الأنترنيت أصبح جزء من حياتي، أعيش فيه كل الأحاسيس وهو الذي يقوي علاقاتي مع أصدقائي وعائلتي"، "مع الأنترنيت يمكنك أن تكون في كل مكان في الوقت نفسه.. كل معارفي وصداقاتي بنيتها من خلال وسائل التواصل"، "أنا أعيش معظم الوقت في الفايسبوك وتويتر...  لا يمكنني أن أعرف من أين اكتسبت ثقافتي".

إن تطوّر الهوية الفاعلة للشباب في الفايسبوك، يجعل من هذا المجتمع الاستهلاكي الرقمي مجالا لتوسيع وتعزيز حقل بناء الهوية وعرض الذات. يمنح تطابق الهوية الافتراضية والهوية الواقعية ثقة أكبر للشباب والتقدير المتبادلة. كما يسمح لهم بإقامة علاقات وروابط اجتماعية أكثر موثوقية. وتعبر "الذات" المعلنة على صفحة الفايسبوك عن صورة عامة لصاحب الحساب والتي تخول له بناء رأس مال ثقافي-رمزي وبناء علاقات اجتماعية.

2.4. الهوية الدينية بين العالم الاجتماعي الواقعي والعالم الافتراضي

يشكل تحديد الهوية الدينية في المجتمع الشبكي تحديا كبيرا بفعل سرعة وتيرة التغيرات الاجتماعية في هذا الفضاء وتعدد منطقيات الفاعليين الافتراضيين في ضوء تدفق الثقافة العالمية. وتعكس الهوية الافتراضية جزءًا من الذات الفاعلة في الوجود الاجتماعي الواقعي، حيث يشكل المجتمع الشبكي مجتمعا "موازيا" للمجتمع الواقعي .(Mercklé, 2016, p.7, Merzeau, 2009)  وعلى الرغم من أن جزءًا كبيرا من الهوية الرقمية لا يكون حقيقيا، إلا أنها تشكل مصدرا للوجود وفرصة لإعادة بناء الذات بشكل أكثر حرية مقارنة بالعالم الواقعي.

أصبحت الهوية الدينية اليوم تخضع لإكراهات متعددة:  إكراهات ترتبط بالقوالب الهوياتية الرقمية(Anderson, 1999, Georges, 2009, p. 11) ، وإكراهات الواقع الاجتماعي، والتي يمكن لمسها من خلال مجموعة من العناصر الرمزية وأبعادها الدلالية في خطاب الشباب.

تضمنت آراء الشباب مواقف "إيجابية" حول الأنترنيت باعتباره ضرورة حتمية في عملية التعلم وتحصيل المعرفة، حيث أصبح الفايسبوك جزءا من حياتهم اليومية وفضاء لتطوير الذات ورأس المال الثقافي والانفتاح على العالم. وهو ما أكدوا عليه في العبارات التالية: "من المستحيل أن أتخيل حياتي بدون إنترنيت...حياتي كلها في هذا العالم، كل علاقاتي الإنسانية أسستها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي"، "كل ما أحتاجه في الأنترنيت... معرفة، ثقافة، علاقات..  لا يمكنني الاستغناء عنه أبدا"، "يوم واحد بدون إنترنيت يجعلني أحس بفراغ شديد وحزن غير مفهوم.... أعتقد أنه الإدمان".

لم يعد مقتصرًا إنتاج النماذج الثقافية والاجتماعية وإعادة إنتاجها على وظيفة المؤسسات الاجتماعية الكلاسيكية التي تحرص على ترسيخ ثقافة المجتمع في الهوية الفردية. بل أصبح الشباب المغربي أكثر انفتاحا على العالم الافتراضي والقيم الجديدة التي تروجها الثقافة الرقمية والتي تشكل موردا ثقافيا مهما في بناء "الذات". وبالتالي فإننا أمام وسيط جديد في بناء الهويات الدينية، وبذلك تغدو عمليات بناء الهوية أعقد مما كانت عليه قبل الثورة التكنولوجيا ([CESE], 2017, Simonnot, 2009, p. 13)[6].

يسمح المجتمع الشبكي المتعدد الثقافات بإمكانية وجود تعدد ديني من خلال ملاحظة أشكال الإعلان عن الهوية ونماذج بناء الهوية الرقمية وأشكال تمثل الذات عند الفاعلين في النص الديني الرقمي. والحال أن الهوية الدينية عند الشباب تتميز بالدينامية والتغيّر المستمر المرتبط أساسا بالمتغيّرات الثقافية الرقمية والتدفق المعلوماتي اللامحدود. إذ أكد تحليل مضمون خطاب الشباب حول الهوية الدينية والثقافة الرقمية على كون الشبكات الرقمية تشجع الشباب على تبني أو تغيير مجموعة من عناصر هويتهم الدينية، فتسهيل المنشورات والنقاش في القضايا الدينية والمجتمعية يعزز رؤيتهم وتصوراتهم واعتقاداتهم الدينية (Semprini, 2000, Hoover & Echchaibi, 2014). كما لاحظنا أن الشباب يمزجون بين القيم الدينية والقيم الكونية. فعلى سبيل المثال، تقول إحدى الشابات "فرضت أسرتي علي الحجاب باعتباره فرضا في الدين الإسلامي...  كنت في البداية أكرهه لأنه كان يجعلني أبدو أكبر سنا وأقل انفتاحا وأقل حبا للحياة. لكن، بفضل الأنترنيت تعلمت كيف أجعل من الحجاب رمزا للحياة والموضة دون أن أتخلى عن ديني"، بينما يتحدث شاب آخر عن تجربته فيقول: "أنا أختلف كثيرا مع والداي بخصوص حياتي الدينية... صحيح أنني أرفض أن أذهب مع والدي إلى المسجد.. لكنني أعتز بديني ودائما ما أقول بأنها مسألة وقت حتى أصبح مسلما ممارسا" ويقول آخر "الفايسبوك والأنترنيت يجعلك أكثر تعلقا وحبا للحياة، فتبتعد عن الواجبات الدينية لكن دون أن تسقط في الكفر... إننا في عصر المتعة والبحث عن السعادة... كفى من الترهيب وبعث الحياة في نصوص من الزمن الغابر... ".

وهكذا أصبحت الهوية الدينية مختلطة (identité mixte) بفعل الاحتكاك الحاصل في وسائل التواصل الاجتماعي، كما تخضع الهويات الرقمية لعمليات النمذجة من الصور النمطية المتداخلة في تعميم التمثلات الهوياتية التي تُبني في العالم الرقمي(Georges,2009 ;2011)  والتي تبني بدورها تمثل الشباب حول الدين. تروِّج الثقافة الرقمية مجموعة من النماذج الاجتماعية والصور النمطية حول الهويات الدينية المثالية، وتشكل هذه الصور النمطية إحدى الميكانيزمات المكوّنة للذات والهوية لتلعب دور الوسيط في نقل التصنيفات الاجتماعية والنفسية.

3.4. الشباب وبناء الذات: تثاقف معلوماتي تحت هيمنة النماذج الثقافية

يؤكد العديد من المفكرين في علم الاجتماع وعلوم الإعلام والاتصال (Granjon & Denouël, 2010 ; Mercklé, 2016 ; Flichy, 2004)، على أن شبكات التواصل الاجتماعي فتحت عصرا جديدا يتميز بالانفتاح وتسهيل التواصل والاتصال بكل أشكاله، كما شكلت فضاء للنقاش والحوار والتفاعل بقدر كبير من الحرية حول العديد من المواضيع منها القضايا الدينية التي تهم الحياة الاجتماعية. والواقع أن الشبكات الاجتماعية قد نالت اهتمام الشباب بشكل خاص، بفعل تلاشي الحدود والقيود السوسيو-مجالية. كما سمحت المواقع الاجتماعية للأفراد بالانضمام إليها وتكوين ملفات شخصية تمكنهم من التعارف والتواصل، وكذا التعريف بذواتهم وإمكانية تعزيز المكانة والعلاقات الاجتماعية.   

وبما أن التفكير في الثقافة الرقمية ورهان الهوية الدينية عند الشباب يستدعي الوقوف عند القوالب الهوياتية والسلوكية عبر المواقع الاجتماعية، فإنه يمكن الاستعانة بتحليل غوفمان (Goffman, 1973, 1991) لعملية عرض الذات (la présentation de soi) في الحياة اليومية والتي يقدم فيها نظريته المسرحية لفهم الحياة الاجتماعية. تفسّر هذه النظرية سلوكات الأفراد في الحياة اليومية باعتبارها "مسرحية يومية"، حيث يشكل سلوك الفرد في حضور الآخرين أداء و"تمثيلا" لدور معين يستجيب للانتظارات والعادات الاجتماعية من أجل الحصول على انطباعات الآخرين سواء بشكل واع أو غير واع. وقد قدّم غوفمان تشريحا دقيقا للذات من خلال عنصرين أساسيين: الأداء والشخصية.

وعليه، فإن التفاعلات الاجتماعية في العالم الافتراضي لا تتم بشكل مجرد عن تنبؤات وتوقعات الآخرين أو بشكل منفصل عن المصلحة الشخصية. وبمعنى آخر، تتم سلوكات الشباب وتصرفاتهم في الفايسبوك باستحضار القيم والمعايير الاجتماعية، وكذا استحضار المعلومات التي حصلوا عليها من خلال الانطباعات والتلميحات الرائجة أثناء تفاعلاتهم الرقمية. وهو ما يمكنهم من توجيه سلوكاتهم حتى تتوافق والانتظارات الاجتماعية العامة.

وبناء على شبكة قراءة العلاقات الاجتماعية الافتراضية، ركزنا على ثلاثة عناصر:

  • الفاعل: الشباب الفاعل في الدين الرقمي وأشكال تقديم وعرض الذات ؛
  • الوضعية: التي تعكس مواقف الشباب ؛
  • الدور: يكشفه سلوك الفاعليين والذي يجب أن يتلاءم مع الوضعية.

وقد مكنتنا هذه الشبكة من الوقوف على التوافقات الضمنية والصريحة بين الفاعليين من الشباب والانتظارات الاجتماعية. فالشبكات الاجتماعية الرقمية ليست استثناء للقواعد الاجتماعية: فمن جهة، يمتلك جميع المستخدمين بروفايلا يشتغل وفق نظام يوحد بين أساليب عرض الذات في الفايسبوك والتي تتماشى مع الوضعية وأهداف الموقع، مما يضمن توافق ممارسات الشباب في موقع الفايسبوك مع السياق العام الذي يخضع بدوره لتأثير النماذج الثقافية والدينية المهيمنة. ومن جهة أخرى، أكّد الشباب المشارك في الدراسة الاستطلاعية أنه عندما تكون لهم مواقف مغايرة لما هو متفق عليه، أي التي لا تتوافق مع الانتظارات السائدة حول بعض القضايا الدينية، فإنّهم يمتنعون عن المشاركة والتعليق خاصة وإن كانوا من مستعملي هوياتهم الحقيقية في العالم الافتراضي. ذلك أن "الانزلاقات" والتعليقات المشاغبة والمعارضة خاصة حول ما هو ديني قد يعرضهم للانتقاد الشديد والتهميش والإقصاء. كما حصل مع العديد من الشباب الذين أبدو آراءهم حول ضرورة فصل الدين[7] عن الحياة الاجتماعية العامة وجعله مسألة شخصية فقط. بل إن هناك من طالب بإعادة تأويل النصوص الدينة وفق ما تعرفه المجتمعات من تحولات مثل تدوينة إحدى الشابات في الفايسبوك: "يفرض احترام حقوق الإنسان والمساواة فصل الحقوق المدنية عن التشريعات الدينية لحل مسألة العنف القائم ضد النساء باسم الولاية والقوامة". وقد أثارت هذه التدوية سخط العديد من متصفحي الفايسبوك على اعتبار أنها تمس بالدين الإسلامي، مما دفع صاحبة التدوينة إلى حذفها من صفحتها. فإذا كانت شبكة الأنترنيت تقدم سياقات ثقافية عالمية تتميز بالانفتاح وبدينامية تسمح بالتغيير والحرية، فهي في الوقت نفسه فضاء لتنميط الهويات والسلوكات الاجتماعية بناء على الثقافة المهيمنة.

4.4. المجتمع الشبكي وصراع الهوية الدينية

تبنى الهوية الدينية في سياقات ثقافية عالمية لامحدودة، بفعل تأثير الشبكات الاجتماعية والإعلامية الرقمية، وقد ساهمت هذه المؤسسات الرقمية في توجيه وتأطير الشباب في بناء المعاني حول الدين. تكمن قوة الثقافة الرقمية[8] في قدرتها على يجاوز حدودها المجالية والزمانية مما يجعل موارد المعارف ذات أبعاد ثقافية متنوعة في فضاء رقمي غير محدود.

وقد أحدثت الثقافة الرقمية آثارا هائلة في أشكال الحياة والعلاقات الاجتماعية وفي القيم المؤسسة للعيش المشترك والرابط الاجتماعي. يؤكد كاستلز (Castells, 2001) بهذا الخصوص على أن العولمة والتكنولوجيا ساهمتا بشكل كبير في بناء أنماط جديدة في التفكير والسلوك. إذ يتميز المجتمع الشبكي بتدفق الثقافات العالمية التي تحرك الحياة الفردية والاجتماعية والاقتصادية. وقد أصبح هذا المجتمع الافتراضي موردا ثقافيا بديلا عن المجتمع الواقعي، يتميز بالسرعة والجدة وتدفق المعلومات.

وهناك سببان لتأثر الشباب بتلك الوسائط المعرفية الجديدة: يتعلق السبب الأول بكون هذه الفئة نشيطة جدا نظرا لأنها تختبر مرحلة التغير والتحول النفسي والاجتماعي. أما السبب الثاني فيعود إلى أنهم يقضون جزء كبيرا من وقتهم في شبكة الأنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، ما يصعب في الفصل بين حياتهم الافتراضية وحياتهم الواقعية. وقد أكد مجموعة من الشباب المستجوبين أنهم على اتصال مستمر مع الأنترنيت، سواء عن طريق استعمال الهاتف النقال أم بواسطة الحاسوب، وذلك بهدف التواصل أو البحث عن المعلومات، فالأنترنيت بالنسبة لهم وسيلة عملية وأكثر موثوقية ومصدرا لاكتساب مهارات ومعارف جديدة انعكست على جوانب من حياتهم النفسية والاجتماعية (Bidart & al., 2011 ; Octobre, 2009). ومن ثمة تكون الثقافة الرقمية قد ساهمت في إحداث تغيرات عميقة في الهوية الدينية لدى الشباب المغربي.

يواجه الشباب في المجتمع الشبكي عمليات تنميط فعلية، حيث تكرس الثقافة الرقمية مجموعة من النماذج الثقافية والدينية التي تؤثر في الفاعلين الافتراضيين وتؤطر أفكارهم وتمثلاتهم، إذ تكشف نقاشات بين مجموعة من الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن توزيعهم بين مؤيدين لانفتاح المسلمين على القيم العالمية وبين معارضين لها باعتبارها تهدد الهوية الدينية وتفرُّد الإسلام. فعندما يثار النقاش حول بعض القضايا الدينية، كالحجاب والإرث والعلاقات الجنسية، يذهب البعض إلى أن "النصوص الدينية واضحة في هذه المسائل... " إذ يرى بعض الشباب أنه "لا داعي للبحث عن آراء وتأويلات جديدة... الإسلام هو مصدر القوانين المؤطرة لحياتنا"... (شاب)، بينما يذهب البعض الآخر(ومنهم شابة) إلى أن "الدين الاسلامي اليوم أصبح يستدعي تجديد تأويلاته بخصوص الحجاب والإرث ومكانة المرأة،... المجتمع اليوم تغيّر وتغيّرت معه الأدوار الاجتماعية والحياة الاقتصادية التي تستدعي إعادة النظر فيها بناء على قيم المساواة والتسامح...". وقال أحد المشاركين ردا عن سؤال كيف تحمي هويتك الدينية في ظل العولمة والسياقات الثقافية المتعددة:" لم أعد أميز بين ما هو خاص بثقافتي وما هو دخيل، لأنني أقضي كل وقتي في الفايسبوك وتويتر... ".

وعليه، فإن الشباب في حالة حيرة وتساؤل دائم حول القيم الأصيلة والقيم الأجنبية، إننا أمام صراع اجتماعي جديد بين الذات ومجتمع المعرفة. الشبكات الرقمية بأنساقها الثقافية والرمزية تقوم بدور بارز في ترتيب قواعد اللعب والصراع باسم سلطة الهوية.(Castells, 1999, p. 113)  وإذا كانت الثقافة الرقمية تخلق "ثقافة التقارب" وموردا مهما لمعارف الشباب الدينية، فإن لكل من الفاعلين طريقته الخاصة في بناء ميتولوجيته.(mythologie)  فالنماذج الثقافية المتداولة في العالم الرقمي لا يتم التعامل معها بالطريقة نفسها كما أنها لا تؤثر على الشباب بالدرجة نفسها ا، لأنّ الفرد يقوم بالتوفيق بين القيم وبين مصالحة الشخصية.(Cardon, 2019; Simonnot, 2009). 

5.4. الشّباب والعولمة: هوية دينية متعددة 

أمام إقبال الشباب على المجتمع الشبكي ووسائل التواصل الاجتماعي واتساع نطاق التكنولوجيا، وجدوا أنفسهم أمام نماذج ثقافية تتجاوز نطاق المجال الجغرافي. وقد أثرت هذه التحولات[9] التكنولوجية في أنماط التواصل والمعيش والنظرة للعالم .(Campbell, 2013 ; [CESE], 2017, 2018) إذ أصبح توفر الأنترنيت أمرا بديهيا وضروريا في الحياة اليومية للشباب، كما شكلت وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الجديدة بالنسبة للشباب بوابة للاطلاع على مختلف المجالات بل ومصدرا لكل معلوماتهم الدينية وخيارا ناجعا لاتخاذ القرارات وتطوير المعارف.

يبدو والحالة هذه أن عملية بناء الهوية الدينية لم تعد حكرا على المؤسسات الاجتماعية التقليدية (الأسرة، المدرسة). بل إن أهم عناصر تلك الهوية الدينية كالانتماء والاعتقاد والمعرفة والممارسة، التي تشكل في نفس الوقت مصدرا لتعريف الذات والهوية الجماعية ((صورة الجماعة والأصول) أصبح العالم الافتراضي شريكا في بنائها وترسيخها. وهذه التنشئة الالكترونية التي يخضع لها الشباب جعلت من هوياتهم الدينية "هوية نشيطة" لما تتعرض له من تغيير مستمر، ومن تحديث مرتبط بدرجة الحضور في هذا العالم الافتراضي الذي تبنى عبره ممارسات اجتماعية متعددة الأبعاد، المنطقية منها والسياقية(Bidart, 2008; Buscart & al., 2009).  الصياغة.

ومما أكد عليه معظم الشباب فمن عينة البحث، أنهم يلجأون للأنترنيت للإجابة عن تساؤلاتهم الدينية. كما أكدوا على أن وسائل التواصل الاجتماعي غيرت من تصوراتهم ومواقفهم الدينية: يقول أحد الفاعليين الشباب في هذا الخصوص:."الإبحار في الأنترنيت والتواصل مع أشخاص من مختلف بقاع العالم جعلني أكثر تقبلا لأفكار جديدة غيرت نظرتي عن غير المسلمين..... كما تغيرت علاقتي مع الدين...كنت مسلما بالفطرة بدون أن أعرف شيئا عن هذا الدين...، وتقول شابة أخرى: "علمني الأنترنيت كيف أحب الناس وأعرفهم على ديني وأحببهم فيه حتى يسلمون...أريد أن أعطي صورة جديدة عن ديننا الذي أصبح مصدر خوف وكراهية"، ويضيف شاب آخر: "لقد علمني الأنترنيت الكثير عن الدين الإسلامي... تشجع النقاشات حول الشؤون الدينية على البحث أكثر، وأصبحت شخصيتي أكثر نضجا.... لقد كنت حقا جاهلا... كما غيرت القيم الكونية والنقاشات العالمية في الفضاء الرقمي وجهات نظرهم حول بعض القضايا الدينية كالحجاب والزواج والعلاقات بين الجنسين. كما باتت تصوراتهم وممارستهم الاجتماعية تستند على قيم ثقافية كونية أكثر مما هي قيم ذات صلة بالخصوصية الدينية الإسلامية. وفي الوقت نفسه، أصبحت أفكار شباب آخرين مشوشة ومواقفهم الدينية مضطربة، وهو ما كشفت عنه خطابات الشباب حول بعض القضايا، كالمساواة في الإرث، ومواقفهم حول المشككين في الدين، وهل يتطلب الخطاب الديني الإصلاح والتجديد، ففي المقابلات التي أجريناها معهم، لم يتمكن هؤلاء الشباب من تقديم مواقف واضحة، إذ أبانوا في بعض الأحيان عن تردّد واضح، حيث أكدّوا على ضرورة المساواة في الإرث وحرية العلاقات الجنسية ثم يتراجعون بسرعة، أو العكس. وتشهد على هذه المواقف المضطربة بعض الخطابات مثل: "نعم، نحن في عصر الحرية لكل منا الحق في عيش الحياة التي يريدها... للفرد الحق في أن تكون له علاقات جنسية خارج مؤسسات الزواج وبدون رقابة دينية، شريطة أن يتحمل مسؤولية تبعات تلك الحرية... لكن، صراحة هذه الممارسات تتعارض مع ديننا... نحن دولة مسلمة وتلك الحريات تقضي على هويتنا الإسلامية".ويضيف تعليق آخر بخصوص قضية المساواة في الإرث: "لا، الدين الإسلامي قال للذكر مثل حظ الأنثيين لأن الرجال قوّامون على النساء وكل ما يتعلق بالمرأة من أكل وشرب ولباس فهي من مسؤوليات الأب أو الأخ أو الزوج...المرأة من مسؤولية الرجل...لكن ليس هنا من مشكل إذا ما قبلنا بالمساواة في الإرث خاصة وأن الحياة تغيرت ولا شيء مضمون فيها.... "

بيد أن هذا لا يعني أن جميع الشباب فاعلون في الدين الرقمي، حيث أظهر مجموعة منهم تحفظهم على المشاركة في تلك النقاشات الدينية عبر الفايسبوك، مفضلين متابعة ما يجري دون التدخل لأنهم يتخوفون من ردود الفعل. كما كشف تتبع النقاشات والصفحات الدينية عن أن أغلب المتفاعلين الذين كانوا أكثر جرأة يستعملون هويات رقمية "وهمية" وأسماء مستعارة. والملاحظ أن أصحاب هذه الهويات "الخفية" لم يصرحوا بأي بيانات خاصة ضمن البروفيل المستعمل، على عكس من يستعملون هويات رقمية "حقيقية"، والذين يحرصون على تقديم جميع البيانات الشخصية المطلوبة. إن هذه النماذج من التشخيص توضح كيف أن "الهوية الوهمية" هي أكثر تفاعلاً في الدين الرقمي، وعليه، فإذا كان الفضاء الرقمي يشكل مجتمعا "موازيا" بالنسبة للشباب، حيث يمنحهم هوامش حرية أكبر مما يحظون بها في حياتهم الواقعية، فإن هذه الحرية تتقلص بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بالدين.

عموما، يمكن التمييز بين ثلاثة نماذج من الهوية الدينية عند الشباب:

  • هوية أصولية: تتشبث بالأصول والقيم الدينية التقليدية وترفض الانفتاح على القيم العالمية،
  • هوية مختلطة أو ثنائية القطب: وهي الهوية المهيمنة لدى الشباب، تجمع بين القيم الكونية والثقافة العالمية وبين القيم التقليدية والخصوصية العقائدية للدين الإسلامي،
  • الهوية العالمية: المنفتحة على القيم الكونية والتي تترجم "الاستبطان الهوياتي" للثقافة الرقمية والتي تؤثر على الشباب بكل رموزها ودلالتها.

إننا لا نتحدث هنا عن هويات خالصة وثابتة، فكل نموذج من هذه الهويات الثلاث يتميز بخليط من العناصر المختلقة، ولذلك فإن الهدف من هذا التصنيف إبراز تلك المتغيرات الثقافية المهيمنة على"ذوات" الشباب، ما دامت تلك التغيرات تدخل الهوية الدينية طور اتخاذ طابع عالمي ضمن روابط اجتماعية جديدة.

خلاصة

ركزت الحجة النظرية على عاملين مرتبطين ارتباطا وثيقا بالعولمة والثورة التكنولوجية انفتاح الشباب على الثقافة العالمية وزيادة فاعليتهم في اختيار وبناء هويتهم الدينية وتظهر نتائج البحث أن الهوية الدينية، كارتباط أساسي للفرد، عند الشباب المغربي أصبحت أكثر انفتاحا على القيم الكونية وتتجه نحو "هوية معولمة"، تعكسها تمثلات الشباب التي تتضمن مزيجا من النماذج الدينية (التقليدية والمعاصرة) ومواقف متناقضة في بعض الأحيان، حيث شكلت الأنساق الثقافية الرقمية موارد جديدة لإنتاج القيم الدينية وتداولها لتتعدد بذلك مصادر بناء الذات والهويات. إذ فرض المجتمع الشبكي والعالم الافتراضي منطقا جديدا في النسق الثقافي والتغير الاجتماعي، وهو ما غير طبيعة العلاقات الاجتماعية ومحددات الهوية الدينية. وتطرح هنا فرضية كاسلتز بوة عندما تنبأ بأن ثورة الاتصالات ستقود العالم إلى "هوية موحدة" بفعل تجاوز الهوية الفردية لمكونات الثقافية المحلية.

أثرت قوة تدفق النماذج الثقافية والهويات المنمطة على آليات بناء الذات وتعريفها، وأصبح الشباب اليوم يعيش صراعا هوياتيا جديدا، فمن جهة، تقدم نظم الاتصال وتدفق المعلومات هوامش حرية أكبر للشباب لبناء هويتهم الدينية في ظل تجربة ذاتية متعددة السياقات. ومن جهة أخرى، فإن هذا الوجود في الشبكة العنكبوتية يفرض على الشباب أن يستهلك وينتج باستمرار، لتظهر معه أشكال جديدة من "الاستبداد" في عملية بناء وعرض الذات في الفضاء الرقمي. وتشكل وسائل التواصل الاجتماعي مجالا لنشر قوالب هوياتية وسلوكية جاهزة تجعل الشباب في مواجهة شكل جديد من الإكراهات الثقافية الخفية.

لقد سعينا من خلال هذه الدراسة الاستطلاعية إلى تقديم صورة عامة حول واقع الهوية الدينية عند الشباب المغربي في ظل الثقافة الرقمية. إذ يشكل الفضاء الافتراضي مجالا لبناء الهوية الدينية وفق معايير جديدة تتجاوز كل الحدود الزمانية والمكانية. كما عملنا على توضيح التداخل الحاصل بين الأنساق الثقافية والرمزية المكونة للهوية الدينية في نسق اجتماعي زاد من تعقيد سيرورة بناء الهوية وصراع الذات بين التفرد والتماثل، ومع ذلك فلا مفر من وجود حدود معينة لهذا البحث الذي لم يقدم إلا جانبا من تعقيدات العلاقة بين الثقافة الرقمية والهوية والحياة الدينية للشباب المغربي، إلا أننا نأمل أن تشكل المقاربة التحليلية المعتمدة في هذا البحث منطلقا للانفتاح على المقاربة الكمية (إحصاءات، دلالات رقمية وقياسات) وآفاقا لتطوير الدراسة والانفتاح على متغيرات وبراد يغمات جديدة.

بيبليوغرافيا

احجيج حسن، فزة جمال، (2019). البحث الكيفي في العلوم الاجتماعية، نظريات وتطبيقات. المغرب: فضاء آدم للنشر والتوزيع.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي(2017) . التكنولوجيات والقيم، الأثر على الشباب. https://bit.ly/3PFXfl5

جفال سامية، طلحة مسعودة، (2018). الهوية الثقافية في ظل تكنولوجيا الاتصال الرقمي الجديد وانحسار ثقافات المجتمعات. Route Educational & Social Science Journal، 5، .342-361

Anadon, M. & Savoie-Zajc, L. (2009). Recherches Qualitatives, l’analyse qualitative des données. Association pour la recherche qualitative.2019). Culture numérique. Les Petites humanités. Presses de Science Po. https://bit.ly/3cDI6SI

Castells, M. (1999). Le pouvoir de l’identité. Paris : Fayard.

Castells, M. (2001). La société en réseaux, l’ère de l’information. Paris : Fayard.

Cheong, P. H., Fischer-Nielsen, P., Gelfgren, S., & Ess, C. (2012). Digital religion, social media and culture: perspectives, practices, and futures. Peter Lang.

Conseil Économique, Social et Environnemental, (2018). Une nouvelle Initiative nationale intégrée pour la jeunesse marocaine. http://www.ces.ma/Documents/PDF/Saisines/2018/S32-2018-Strategie-integree-des-jeunes/Rp-S23-vf.pdf

Conseil Économique Social et Environnemental, (2019). Technologies et valeurs L’impact sur les jeunes. https://bit.ly/3OEQ6jE

Conseil Économique Social et Environnemental, (2021). Technologies et valeurs L’impact sur les jeunes. https://www.cese.ma/media/2020/10/Rapport-Technologies-et-valeurs.pdf

Dagenais, B. (2012). Les médias ont imposé une nouvelle logique à la religion. Communication et organisation, 9.

Durkheim. E. (1990). Les formes élémentaires de la vie religieuse. Paris : PUF.

Duteil-Ogata, F., Jonveaux, I., Kuczynski, L., & Nizard, S. (2015). Le religieux sur Internet. Paris : Harmattan.

Eickelman, D. F. & Piscatori, J. (1990). Muslim Politics, Princeton, NJ: Princeton. University Press, 22-45.

Eve, M. (2002). Deux traditions d'analyse des réseaux sociaux. Réseaux 5, 115.

Fayon, D. (2008). Web 2.0 et au-delà, nouveaux internautes : du surfeur à l‘acteur. Paris : Ed Economia.

Flichy, P. (2004). L’Individualisme connecté entre la technique numérique et la société. Réseaux, 124, 17-51.

Georges, F. (2009). Représentation de soi et identité numérique, Une approche sémiotique et quantitative de l’emprise culturelle du web 2.0. Réseaux, 154, 165-193.

Georges, F., Seilles, A., Artignan, G., Arnaud, B., Rodriguez, N., Sallatin. J., & Hascoët, M. (2009). Sémiotique et visualisation de l’identité numérique : une étude comparée de Facebook et Myspace. Actes de la conférence H2PTM’09, 257-26.

Georges, F. (2011). L'identité numérique sous emprise culturelle, De l'expression de soi à sa standardisation. Les Cahiers du numérique, 7, 31-48.

Goffman, E. (1973). La mise en scène de la vie quotidienne 1. La présentation de soi. Paris : Minuit.

Goffman, E. (1975). Stigmate : Les usages sociaux des handicaps. Paris : Minuit. 

Goffman, E. (1991). Les Cadres de l’expérience. Paris : Editions de Minuit.

Granjon, F. & Lelong, B. (2006). Capital social : stratifications et technologies de l'information et de la communication, Une revue des travaux français et anglo-saxons. Réseaux, 139,147-181.

Granjon, F., & Denouël, J. (2010). Exposition de soi et reconnaissance de singularités subjectives sur les sites de réseaux sociaux. Sociologie, 1, 1, 25-43.

Grieve, G.-P. (2013). Digial Religion. In H. Campbell (éd.), Digital Religion : Understanding Religious Practice in New Media Worlds. New York : Routledge.

Hoover. S., & Echchaibi, N. (2014). Media Theory and the “Third Spaces of Digital Religion”. Center of Media, Religion & Culture, University of Colorado-Boulder https://www.researchgate.net/publication/287644204_The_Third_Spaces_of_Digital_Religion

Kaufmann, J. C. (2004). L’invention de soi. Une théorie de l’identité. Paris : Armand Colin.

Kinnvall, C. (2004). Globalization and religious nationalism: Self, identity, and the search for ontological security. Political psychology, 25(5), 741-767.

Markova, I., & Orfali, B. (2004). Bulletin de Psychologie. (3), 471.

Mercklé, P. (2016). La sociologie des réseaux sociaux. Paris : La Découverte.

Merzeau, L. (2009). Présence numérique : les médiations de l’identité, Les Enjeux de l’information et de la communication, 79-91.

Octobre, S. (2009). Pratiques culturelles chez les jeunes et institutions de transmission : un choc de cultures ? Cultural practices amongst the young and transmitting institution : a clash of cultures? Culture prospective, 1, 1- 8.

Semprini, A. (2000). CNN et la mondialisation de l’imaginaire : Le rôle des médias et des nouvelles technologies. CNRS Éditions.

Simonnot. B. (2009). Culture informationnelle, culture numérique : au-delà de l'utilitaire, Les Cahiers du numérique, 3 (5), 25 à 37.

Smoreda, Z., Beauvisage, T., De Bailiencourt, T., & Assadi, H. (2007). Saisir les pratiques numériques dans leur globalité. Réseaux, n° 145-146,19-43.

Tajfel, H. (1981). Human groups and social categories: Studies in social psychology. UK: Cambridge University Press.

Ysseldyk, R., Matheson, K., & Anisman, H. (2010). Religiosity as identity: Toward an understanding of religion from a social identity perspective. Personality and Social Psychology Review, 14(1), 60-71.

الهوامش :

 [1]يوضح إمانويل كاستلز هذا الصراع بين العولمة والهوية بشكل مفصل في كتابه سلطة الهوية (The Power of Identity)الذي نشره لأول مرة سنة 1997. حيث اهتم بتحليل الهياكل والبنيات الاجتماعية للعالم المعاصر، بما في ذلك الحركات الاجتماعية والنظام الرأسمالي، باعتبار أن العالم تحول إلى مجتمع الشبكات بفعل الثورة المعلوماتية وهيمنة الثقافة الافتراضية ووسائل الاعلام الحديثة التي غيرت كل من محددات الزمان والمكان والعلاقات الاجتماعية والتصورات والممارسات الثقافية ومنطق الهويات. والواقع أن هذا التوتر بين حركة التكامل الاقتصادي و"التماثل" الاجتماعي هو أصل أزمة الشرعية التي تمر بها المؤسسات التقليدية والنظام الأبوي، وكذلك أزمة الدولة القومية، والتي يفسرها بفعل تكاثر مصادر السلطة والقوة.

[2] أنجزت هذه الدراسة الاستطلاعية بفضل دعم المجلس العربي للعلوم الاجتماعية في إطار برنامج المنح الصغيرة ("الشباب" و "اللامساواة المكانية المدينية" في المنطقة العربية) بدورته الثانية (2019) الممول من مؤسسة فورد والوكالة السويدية للتنمية الدولية (سيدا). وتشكل هذه الدراسة ذات الطبيعة الكيفية منطلقا للتفكير السوسيولوجي في تأثير الثورة التكنولوجية والثقافة الرقمية في الهوية الدينية عند الشباب.

[3] تزيد العولمة من بروز الهوية الدينية وتسهل ترسيم حدود انتماء الأفراد إلى المجموعة الداخلية مقابل الانتماء إلى الخارج. وفي نفس الوقت، يسهل الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي من الاتصال بين أتباع الديانات الرئيسية في العالم بفضل الحركة المتزايدة للأفراد عبر الحدود الجديدة. تجادل نظرية الهوية بأن عضوية المجموعة الاجتماعية تشكل أساس الهوية الذاتية الإيجابية التي تقود الناس إلى مقارنة مجموعاتهم الخاصة بباقي المجموعات. للمزيد أنظر:

Tajfel, H. (1981). Human groups and social categories: Studies in social psychology. UK: Cambridge University Press.

[4] المجتمع الافتراضي هو تلك التجمعات الاجتماعية التي تنشط في الشبكات الافتراضية لفترة زمنية بهدف معين تنجم عنها إقامة علاقات اجتماعية تمزج بين العالمين الواقعي والافتراضي.

[5] كل هذه المؤشّرات حول حضور المستخدم يتحكم فيها نظام الفايسبوك وليس المستخدم. من خلال تكميم تواجد المستخدم وظهوره وشهرته، تسمح الهوية المحسوبة للمواقع بإجراء مقارنات بين الأعضاء (وتقوم بترتيبهم). إنها تعطي للأرقام أهمية كبيرة في نظام الهوية وتعكس أفعال المستخدم في المرآة الثقافية المحلية، وتنطوي ضمنيًا على شكل من أشكال اللعبة الاجتماعية. للمزيد انظر:

Georges, F. (2009). Représentation de soi et identité numérique, Une approche sémiotique et quantitative de l’emprise culturelle du web 2.0. Réseaux, 154, 165-193.

 [6]يقدم غوفمان (Goffman, 1975) في كتابه وصمة تعريفا دقيقا للهوية: تبنى وتتطور الهوية الشخصية خلال لعبة التفاعل ضمن إطار اعتبارات الهوية الاجتماعية. وتنتج عن التطابق أو عدم التطابق بين الانطباعات الأولية للآخرين والعلامات التي تظهر لدى الفرد. فعندما تحيل الهوية إلى التشابه أو التجانس فإننا أمام "هوية من أجل الآخر" أي الهوية الاجتماعية. بينما يحيل الاختلاف إلى الهوية الشخصية" هوية من أجل الذات"، وهما هويتان غير قابلتان للاختزال.

في المجموعات الصغيرة والمستدامة، يتم التعرف على الفرد من خلال علامات فريدة تميزه، ويعني التفرد هنا السمات الواضحة التي تلعب دور "حامل للهوية". وترتبط هذه الصفات إما بالاسم أو الجنس أو الدين، كما يكمن أن تكون فيزيائية أو عقلية وصفات أخرى أكثر عمومية عندما يتعلق الأمر بشخص غير معروف في الجماعة الصغيرة فتشكل تلك الصفات "المميزة" وصمة تحدد الهوية الشخصية. ويمكن أن يترتب عن تلك الصفات ممارسات تمييزية تثير الخجل والاحتقار.

[7] يرتبط الدين بنسق معقد من المعتقدات والطقوس: تشير المعتقدات إلى مجموع القيم، التمثلات، العقائد، الأساطير. أما الطقوس فتترجم الحياة الدينية المرتبطة بالممارسات والشعائر والتي تعمل على التوحيد بين الأفراد المؤمنون بها. تمنح العقائد الدينية إحساسا مشتركا ينبني على الضمير الجمعي والتضامن وهو ما يحافظ على النظام الاجتماعي. للمزيد أنظر:

Durkheim. E. (1990). Les formes élémentaires de la vie religieuse. Paris : PUF.

[8] إن الثقافة الرقمية كمجموع معارف ومعتقدات والقوانين وعادات ضرورية في التواصل والتفاعل في العالم الافتراضي ومحددا أساسيا في تشكل الرأي العام والمعرف المشتركة وبالتالي فإن الثقافة الرقمية هي الوجه الجديد للثقافة ولم لا قول أنها ثقافة-مضادة؛

فهي تختلف من حيث طرق إنتاجها وتداولها وتعدد سياقاتها. للمزيد أنظر:

Cardon, D. (2019). Culture numérique. Les Petites humanités. Presses de Science Po.http://www.pressesdesciencespo.fr/fr/livre/?GCOI=27246100540390&fa=author&person_id=1201.

[9] يرجع استخدامنا المستمر لمفهوم "التحول" لإبراز التغيرات التي أحدثتها شبكة الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، فعندما نتحدث عن ثورة تكنولوجية فإن الأمر يتعلق بتغيرات سريعة وعميقة على مختلف البنيات ومجالات الحياة: الأسرة، العمل، التربية، المعرفة، الثقافة والهوية.  

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche