Ali Mourad SULEIMAN (2016) . La mosaïque de l’islam. Entretien sur le Coran et le djihadisme avec Perry ANDERSON, Paris : Fayard/ IEA de Nantes (« Poids et mesures du monde »), 184p.


إنسانيات عدد 96، أفريل–جوان 2022، ص. 69-85


 


هذا الكتاب الموجه لتعميم المعرفة ونشر الثقافة العلمية عبارة عن حوارات بين الأستاذ الباحث في الدراسات الإسلامية سليمان علي مراد والمؤرخ بيري أندرسون Perry Anderson، حيث سجل فيه المؤلفان ثمار المناقشات التي أجرياها معًا خلال إقامتهما البحثية في معهد الدراسات المتقدمة في نانت. كلاهما شغوف بالتاريخ وحريص على فهم المشاكل الحالية للعالم العربي الإسلامي بشكل أفضل (الانتفاضات الشعبية والحروب الأهلية في العديد من البلدان، تصاعد التطرف الديني، الصراع بين السنة والشيعة، إلخ)، فقررا بذلك تكريس حوارهما للإسلام وللتيارات الإسلامية، وهو المجال الذي يعتبر فيه سليمان علي مراد متخصصًا بارزًا. والقضايا التي تم تناولها متنوعة للغاية وتتجاوز بكثير ما ورد في العنوان الفرعي، وهو القرآن والجهاد. صاغ أندرسون تلك القضايا باهتمام كبير، وهي تغطي فترة طويلة تمتد من ظهور الإسلام حتى يومنا هذا، وتتناول مواضيع متنوعة مثل تاريخ القرآن، نشأة الخلافة، الفتوحات العربية، طبيعة السلطات الحاكمة، التيارات السياسية والعقائدية والفقهية وظهور الاتجاهات الإصلاحية الإسلامية، إلخ. بالطبع، فإنه وبالنظر إلى اتساع الموضوع وتشعبه، كان على المؤلفين اختيار بعض المسائل لمعالجتها دون غيرها، لذلك لا ينبغي على قارئ هذا الكتاب أن ينتظر منه إجابات لجميع أسئلته حول الإسلام، ولا تفسيرات كاملة لكل من النقاط التي تمت مناقشتها. في المقابل، سيجد فيه بالتأكيد ملاحظات حكيمة وأفكار قوية وتحليلات موجزة، لكنها واضحة ومستنيرة.

من مزايا هذا الكتاب أنه يجمع بين متخصص في الإسلام وباحث غير متخصص في الموضوع ولكنه، كمؤرخ، على دراية بمشاكل العالم الإسلامي ويعرف حجم الصعوبات المنهجية والإبستمولوجية التي يجب التغلب عليها عندما نريد دراسة تطور الظاهرة الدينية في علاقها بتحولات المجتمع. أتاح هذا التعاون المفلح إمكانية إنتاج نص علمي ومتاح للجمهور الواسع. غير أن المهمة التي تصدى لها سليمان علي مراد ليست بالأمر السهل، لأنه كان عليه أن يشرح في سطور قليلة وبكلمات بسيطة في كثير من الأحيان مواضيع معقدة، دون الوقوع في التفاهة. وقد تمت مواجهة هذا التحدي بنجاح، فالكتاب سهل القراءة وهو مكتوب بأسلوب في متناول الجميع.

ولكن دعونا نشير إلى بعض الأخطاء التي أفلتت من التدقيق اللغوي: ص. 42 عقوبة الزنا شرعا مائة جلدة لا ألف جلدة. ص. 54 بالنسبة لمعنى المصطلح العربي صحيح ṣaḥīḥ الذي يشير إلى حديث ḥadīṯ صحيح، يجب أن يقرأ صحيح  «« sain  بدلاً من له « son »  ؛ ص. 69 زوجة علي بن أبي طالب، فاطمة هي بنت النبي وليست أخته. هذه الأخطاء هي قليلة من حيث العدد وغير موجودة في النسخة الأصلية المنشورة باللغة الإنجليزية[1](Suleiman Ali Mourad 2016) ، ويمكن بسهولة تصحيحها إذا تقرر إعادة نشر الكتاب. وتجدر الإشارة إلى أن النسخة الفرنسية التي نقدمها هنا قد تم إنجازها من قبل الباحث ماتيو فورلودو Matthieu Forlodou والذي غالبًا ما تعطي ترجمته الممتازة انطباعًا بأن النص مكتوب في الأصل باللغة الفرنسية.

يحتوي الكتاب على مقدمة كتبها أندرسون Anderson وجزآن: يتناول الجزء الأول القرآن والفتوحات العربية وهو يبدأ بالأسئلة المتعلقة بالكتاب المؤسس للإسلام، وتأريخه، بالإضافة إلى المشاكل المختلفة المتعلقة بتكون النص القرآني المتداول، بما في ذلك وجود عدة قراءات أو متغيرات نصية معترف بها وصعوبة إعادة تنظيم النص وفق الترتيب الزمني للوحي، وذلك بالنظر إلى استحالة التأكد التام من تاريخ نزول عدد كبير من الآيات. وقد تم ذكر نقطة مهمة أخرى في هذه الصفحات الأولى، وهي التطورات اللغوية عبر العصور. وهنا يشير سليمان علي مراد بحق إلى الاختلاف بين لغة القرآن من جهة والعربية في صيغتها الكلاسيكية والحديثة من جهة أخرى. ووفقًا له، فإن الفجوة بين هذه التعبيرات الاصطلاحية هو من الضخامة، بحيث أن "القليل جدًا من القرآن يمكن فهمه من قبل الناس العاديين الناطقين بالعربية اليوم" (ص. 28). وبغض النظر عن المبالغة، تظل هذه الملاحظة صالحة إلى حد ما، لأن التغييرات التي مرت بها اللغة العربية على مر القرون والتي لاحظها المؤرخ المغاربي ابن خلدون (808هــ/1406م) في عصره، جعل العرب يفقدون شيئا من قدرتهم على فهم النصوص القديمة، كالشعر الجاهلي مثلا. وهذا ينطبق أيضا على القرآن ،خصوصا لدى العوام الذين يكتفون بحفظ السور دون دراسة التفسير.

يهتم المؤلفان أيضًا ببعض المسائل التي عادة ما تطرحها الدراسات الاستشراقية بإلحاح مثل تأثير الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية على القرآن وموقف النبي (ص) تجاه الأديان الأخرى. هذا ما جعلهما يخصصان عددا من الصفحات لمناقشة الأطروحات التي دافع عنها بعض المؤرخين، مثل هيوغ كينيدي Hugh Kennedy وفريد دونر Fred Donner حول موضوع خصوصيات ديانة التوحيد التي جاء بها محمد ﷺ وعلاقتها باليهودية والمسيحية. وبقدر ما يعترف سليمان علي مراد بأهمية بعض هذه الأطروحات، إلا أنه يتمسك جاهداً بتقديم الفروق الدقيقة والتوضيحات اللازمة، للسماح للقارئ بفهم أفضل للرهانات المتعلقة بالأسئلة المطروحة.

وهو، أي سليمان علي مراد، يفعل الشيء نفسه في بقية الحوار أين يتم سؤاله عن حياة الرسول. وباعتبارها موضوع تحليل ممتاز، تمنحه هذه المسألة الفرصة لإظهار كيف أن بعض روايات السيرة تم إنشاؤها وتكييفها بمرور الوقت لتلبية الاحتياجات التي شعر بها المجتمع المسلم طوال تاريخه. كما أن صورة النبي كما تظهر في السيرة الأولى لابن إسحق (150هـ/768م) ليست هي نفسها التي وُجدت في السير الذاتية اللاحقة، إذ أنه تم إدخال العديد من العناصر الجديدة ويستمر هذا التطور حتى يومنا هذا. والمجال الآخر الذي تعددت فيه الإضافات اللاحقة هو السنة النبوية، متمثلة في الحديث الذي تم نقله شفهياً أولاً، والذي تزايد وتضخم بشكل كبير خلال الفترة التي أعقبت وفاة النبي، ما أجبر العلماء في ذلك الوقت على وضع معايير للصدق من أجل التمييز بين الحديث الصحيح والحديث المصطنع.

وباعتباره موضوعا مثيرا للجدل إلى حد كبير، فقد احتل الفتح العربي وغاياته عدة صفحات في الجزء الأول من الكتاب. رفض سليمان علي مراد منذ البداية الطبيعة الدينية لهذه الحروب التي قادها الخلفاء ضد الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية، وأصر بدلاً من ذلك على ذكر الأسباب الاقتصادية التي دفعت، حسب قوله، القبائل العربية إلى ترك مناطقها الصحراوية للشروع في فتح المناطق الأكثر ثراءً والمضيافة. وعليه، فإن مدن الجزيرة العربية، بما في ذلك مكة والمدينة، أفرغت من سكانها لصالح الأراضي التي تم فتحها حديثًا (سوريا، العراق، مصر ، إلخ). هنا أيضًا، نجد عديد من النظريات المقدمة من طرف المؤرخين من أمثال دونر Donner، كنيدي Kennedy وباتريسيا كرون Patricia Crone من أجل تفسير الأسباب الحقيقية للفاتحين من جهة وأسباب النجاح السريع للفتوحات من جهة أخرى. ويوافق سليمان علي مراد على أطروحة دونر القائلة بأن "الغياب شبه التام للأدلة الأثرية على الدمار الواسع النطاق" يميل إلى إظهار أن "الفتوحات العربية نُفِّذت بعنف قليل نسبيًا" (ص. 57).

من الواضح أن مسألة الجهاد هي في قلب هذا النقاش حول الفتوحات العربية، فقد توقف المؤلفان عند هذه المسألة مطولاً. ولأنه يعرف الموضوع جيدًا لأنه كرّس له كتابًا[2]، سعى سليمان علي مراد إلى شرح أصول مفهوم الجهاد والاستخدامات المختلفة له على مر العصور. وهكذا يذكر أنه في التقليد الإسلامي، نجد أن الحروب التي حدثت في زمن النبي وزمن الخلفاء الأوائل لم تكن جهادًا بل فتوحات. وبدأ الوضع يتغير خلال الفترة الأموية عندما أقام الحكام "نوعًا جديدًا من الصدام بين العالم الإسلامي والعالم غير الإسلامي"، حيث أطلق على العالم الأول اسم دار الإسلام وعلى الثاني دار الحرب (ص. 60). وبالتالي، فإن شن الحملات العسكرية ضد الكفار أصبح في نظر بعض العلماء واجبًا دينيًا وعلى الخليفة القيام به على الأقل مرة واحدة في السنة. ولكن مع سقوط الدولة الأموية، أصبح مفهوم الجهاد هذا موضع تساؤل. في الواقع، واجه الخلفاء العباسيون صعوبات داخلية وصاروا غير مستعدين لإعلان الحرب على القوى المجاورة (بيزنطة ، الهند) التي تربطهم بهم علاقات تجارية جيدة، فاتخذوا موقفًا أقل هجومية. ثم روج الفقهاء المقربون من السلطة الجديدة لفكرة أن الجهاد واجب جماعي (فرض كفاية) وليس واجبًا فرديًا (فرض عين). هذه الرؤية، التي رفضها علماء آخرون، سادت في النهاية، لأنها سمحت للحكام العباسيين بتجنب الحروب التي لم يكن لديهم مصلحة في خوضها. كذلك، عندما بدأت الحروب الصليبية، لم يسارع خلفاء بغداد بالتدخل للدفاع عن المدن الإسلامية التي استولت عليها الجيوش المسيحية، بما في ذلك القدس، على الرغم من الدعوات المتعددة التي أطلقها سكان هذه المدن من أجل المساعدة. وبهدف التّمكن من مواجهة الخطر الذي كان الصليبيون يشكلونه دون الاعتماد على قرار الخليفة في بغداد، سعى العديد من العلماء بعد ذلك إلى إعادة تعريف الجهاد باعتباره واجبًا على كل فرد. وإلى فترة الحروب الصليبية تعود العديد من الكتب التي تدعو إلى "الحرب المقدسة" وتمجد مزايا المقاتلين في سبيل الله والتي استمر تأثيرها لعدة قرون.

وقد لعب خطر خارجي آخر دورًا رئيسيًا في العودة إلى التصور المتشدد للجهاد وهو المتمثل في الغزو المغولي الذي امتد بعد نهب عاصمة الخلافة إلى جزء كبير من سوريا، مهددا وجود دار الإسلام. والصدمة التي سببها سقوط بغداد أحيت في أذهان الناس الفكرة القائلة بأن كل مسلم مطالب بالقتال من أجل الحفاظ على عقيدته. وهكذا نشهد حشدًا دينيًا جديدًا، لا سيما في ظل زخم المماليك الذين استغلوه بشكل فعال في قتالهم ضد المغول والفرنجة. ولكن بمجرد زوال الخطر الخارجي، فضل السلاطين المتعاقبون اتخاذ موقف مشابه لموقف العباسيين. وفعل العثمانيون الشيء نفسه، حيث استخدموا الزخم الذي وفره الجهاد لتأسيس وترسيخ سلطتهم، ثم اتبعوا بعدها سياسة أكثر تصالحية.

يسلط سليمان علي مراد الضوء على تغيير مهم حدث في العصر المملوكي، ومازالت تبعاته مستمرة حتى يومنا هذا، حيث أصبح الجهاد، الذي كان حتى ذلك الحين موجهًا ضد الكفار، وسيلة لتسوية الخلافات السياسية والعقائدية بين المسلمين. استخدمت السلطات السنية الجهاد من أجل قمع الشيعة وغيرهم من الجماعات التي اعتبروها ضالة أو مهرطقة. وهذه الطريقة في التعامل مع الاتجاهات أو الفرق التي تشكل أقليات لم تؤد إلا إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع. وعند سؤاله عن هذه الانقسامات، يحاول سليمان علي مراد شرح أصولها، مع التذكير بالسياق الذي حدثت فيه. وتسمح الإجابات التي يقدمها للقارئ المبتدئ بفهم النقاشات بين السنة والشيعة والحصول على فكرة عن تنوع العقائد داخل كل من هذين التيارين الرئيسيين للإسلام. دعونا نشير، على سبيل المثال، إلى التفاصيل المثيرة للاهتمام التي تضمنها الكتاب فيما يخص الاتجاهات الشيعية المختلفة (الإمامية، العلويون، الزيديون، إلخ) وعلاقتها بالسّنة في البلدان التي يتواجدون فيها، مثل سوريا ولبنان وتركيا والعراق واليمن. ولأن سليمان علي مراد نشأ في لبنان، البلد الذي يتسم تاريخه بالتوترات بين الطوائف، فإنه يدرك جيدا وضع هذه الجماعات الدينية ويصفه بصراحة ودقة. ولتوضيح وجهة نظره، فإنه لا يتردد في استدعاء تجربته الشخصية.

يركز الجزء الثاني من الكتاب على السلفية والإسلام المتشدد، لذلك فإن الأسئلة التي تم تناولها فيه تتعلق بشكل أساسي بالعصر الحديث والمعاصر. لكن سليمان علي مراد يعود أحيانًا في إجاباته إلى العصور الوسطى، ليذكر بالجذور التاريخية لبعض التيارات الإسلامية الحالية. وبهذه الطريقة يشرح للقارئ أن للأيديولوجيا السلفية أصولها في العقيدة التي طورتها المدرسة الحنبلية وأخذها ابن تيمية (توفي عام 728هـ/1328م) والتي تلهم أفكارها أكثر الحركات الراديكالية المعروفة اليوم. إذا كانت الوهابية هي الحركة الأكثر صرامة، فهي في نفس الوقت الأكثر ديناميكية من بين كل تلك الحركات. مؤسسها هو الداعية محمد بن عبد الوهاب (1206هـ/1792م)، والذي نجح، ليس بدون أي صعوبة في البداية، في تثبيتها وتوطينها بشكل دائم في منطقة نجد وما وراءها، من خلال التحالف مع محمد بن سعود ( 1178هـ/1778م)، جد العشيرة الحاكمة الحالية في المملكة العربية السعودية. وبدعم سياسي ومالي من قبل المملكة السعودية الثرية، تغلغلت الأيديولوجية الوهابية الآن في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة. إن انتشار الوهابية في البلدان الإسلامية يثير الكثير من التساؤلات نظرا لرفض هذا الاتجاه الفكري لبعض المكونات التقليدية للإسلام (المذاهب الفقهية، الطرق الصوفية، الاحتفالات الشعبية، إلخ)، والعادات المحلية التي لا يزال أغلب المسلمين مرتبطين بها بشدة، وهو الأمر الذي تسبب أحيانًا في حدوث توترات عنيفة. يناقش أندرسون Anderson و سليمان علي مراد موضوع الحركة الوهابية بإسهاب والصفحات التي يكرسونها لتاريخها وعقيدتها الراديكالية ووسائل انتشارها هي من بين أهم صفحات هذا الكتاب.

كان لأفكار ابن عبد الوهاب تأثير قوي إلى حد ما على الإصلاحيين المسلمين في القرن التاسع عشر مثل جمال الدين الأفغاني (1314هـ/1897م) ومحمد عبده (1322هـ/1905م) ورشيد رضا (1353هـ/1935م)، لكن هذا الأخير كان لديه رؤية مختلفة للإصلاحات التي يجب القيام بها لإخراج العالم الإسلامي من حالة التخلف الفكري والسياسي والديني التي وجد نفسه فيها. بالنسبة للأفغاني وعبده، فإن العودة إلى إسلام القدماء (السلف) يجب أن تكون مصحوبة بتحول اجتماعي من خلال تحديث التعليم والقضاء وتحسين الظروف المعيشية. وبدون هذه التغييرات الضرورية، لا يمكن أن يكون هناك نهضة أو "ولادة جديدة" في المشرق. وكما يشير سليمان علي مراد ، فإن هذا الشكل "الليبرالي" من السلفية يكاد يكون منعدما اليوم.

شهد القرن العشرين ظهور حركات جديدة، أشهرها حركة الإخوان المسلمين في مصر، حيث حظي مؤسسها حسن البنا (المتوفى 1368هــ/1949م)، وهو مدرس يتمتع بكاريزما قوية، بتعاطف عدد كبير من المصريين، بما في ذلك الطبقة الوسطى. وبتبنيهم لخطاب معتدل وتجنب إظهار تطلعاتهم السياسية بشكل لافت، تمكن الإخوان من بناء قاعدة صلبة مكنت الحركة من الحفاظ على نفسها على المدى الطويل ولعب دور مؤثر في المجتمع. لكن القمع العنيف الذي عانت منه من قبل الحكومة انتهى إلى زعزعتها بشدة، ثم ابتعد بعض المناضلين عن الخط الأيديولوجي المعتدل الذي حدده البنا، مفضلين خطاً أكثر تطرفاً يجسده سيد قطب (1385 هــ/1966م). ويمثل هذا الانقسام نقطة تحول في تاريخ الإسلاموية المتشددة، حيث انضم أتباع مذهب قطب المتطرف إلى السلفيين المتطرفين والوهابيين. ويطلعنا سليمان علي مراد أن مثل هذا التحالف أسهم في تطوير الجماعات الجهادية الناشطة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، مذكرا أن "القاعدة" هي إحدى هذه الجماعات.

ركز المؤلفان في الصفحات الأخيرة من مقابلتهما على الحرب الدائرة في سوريا وبشكل أكثر تحديدًا على تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي كان وقت تأليف الكتاب يشهد توسعا كبيرا. وحول هذا الموضوع الذي لا يزال محل اهتمام سليمان علي مراد ، فإن الإجابات التي قدمها الكتاب مفيدة للغاية. هناك، من بين أمور أخرى، تفسيرات فيما يتعلق بالإيديولوجية المتطرفة لداعش وأبعادها المروعة. موضوع آخر يأتي مرارا وتكرارا في نهاية الكتاب وهو ما تعلق بالتنافس الجيواستراتيجي بين القوتين المسلمتين العظميين في الشرق الأوسط، المملكة العربية السعودية وإيران، هذا التنافس الذي لا يزال يثير التوترات بين السنة والشيعة ويغذي الخلافات بين الطوائف في عدة دول. وقد أدى صراع البلدين على النفوذ وسباقهما من أجل السيطرة على المنطقة إلى نشوب حروب مدمرة، كما هو الحال حاليًا في اليمن.

إن التنوع الكبير في الموضوعات والقضايا التي تتناولها هذا الكتاب حول "فسيفساء الإسلام" يجعل من الصعب تقييمه. لذلك، اقتصرنا في هذا العرض على إبراز بعض النقاط التي بدت مهمة بالنسبة لنا. لكن القارئ الراغب في التّعرف على الإسلام والعالم الإسلامي في الأمس واليوم سيجد في هذا المؤلف العديد من الأشياء الأخرى التي ترضي فضوله. ومن أجل الحصول على تعريفات وشروح لأسماء الأعلام والمصطلحات الفنية، سيكون من المفيد له الرجوع إلى المسرد في نهاية الكتاب. كما ستزوده الببليوغرافيا القصيرة بعناوين بعض المراجع، بما في ذلك الكتب التي ذكرها المؤلفان أثناء نقاشهما.

قد يعاب على هذا الكتاب الغياب شبه الكامل للملاحظات والشروح في الهوامش، حيث لا نجد إلا عشرة فقط في نهاية النص. وسيجد البعض هذا الاختيار مؤسفًا لأنه لا يتيح معرفة مصادر المعلومات المقدمة ولا كيفية الحصول على مزيد من التفاصيل حول الأسئلة التي تمت مناقشتها. لكن يجب أن لا ننسى أن هذه ليست دراسة مؤلفة وفقًا للقواعد المنهجية المعمول بها في المنشورات الأكاديمية، ولكنها حوارات تفضل الباحثان اللذان أجرياها بجعلها متاحة على نطاق واسع للجمهور عن طريق نشرها في شكل كتاب.

أحمد ولددالي[3]

ترجمة محمد حيرش بغداد

 الهوامش : 

 

[1] Suleiman Ali Mourad, The Mosaic of Islam: A conversation with Perry Anderson, London, Verso, 2016.

[2] Suleiman Ali Mourad and James E. Lindsay, The Intensification and Reorientation of Sunni Jihad Ideology in the Crusader Period: Ibn ʿAsākir of Damascus (1105-1176) and His Age, with an Edition and Translation of Ibn ʿAsākir’s The Forty Hadiths for Inciting Jihad, Leyde-Boston, Brill (« Islamic history and civilization », 99), 2013.

 [3]أستاذ محاضر بجامعة ليون 2، باحث في الدراسات الإسلامية بمخبر CIHAM، ليون، فرنسا.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche