عروض لكتب : نيللي سلامة العامري،التصوف بإفريقية في العصر الوسيط، دار كونتراست للنشر، تونس،2009

يتناول الكتاب مسألة الولاية والتصوف والعلاقة بينهما في التجربة الإفريقية ويقصد بها تونس أو المغرب الأدنى من القرن 03 الهجري إلى القرن 09 الهجري.ويتألف الكتاب من مقدمة و ستة أبواب وخاتمة.وجاء في المقدمة أن هناك خصوصية في التجربة الإفريقية والحفصية خصوصا في ارتباطها بالمرجعية الإسلامية،كما أن تجربة الولاية (بفتح الواو) في الإسلام تختلف عن القداسة Sainteté في المسيحية مما يفرض مراعاة الاختلاف بين المصطلحات مثل تصوف Soufisme مقابل ميستيك Mystique والولاية مقابل القداسة.

الباب الأول التصوف والولاية فيه إشارة إلى أن التصوف تطور مع الولاية في تجربة روحية واحدة وظل مرتبطا بالمرجعية النصية(القرآن والسنة). كما أن الولاية ظهرت عند المسلمين في القرن 09 ميلادي ارتبطت بالنبوة –مع التمييز بينهما على مستوى الخوارق- في حين القداسة عند المسيحيين لم تعرف إلا في القرن 13 و14 للميلاد.

وجاء في هذا الباب عرضا تاريخيا للحياة الروحية في الإسلام من الزهد إلى التصوف بالتوازي مع الولاية، فالمتصوفة ومن خلال المصادر والمناقب تمثلوا تجربتهم الصوفية كتجربة ولائية.

المتصوفة في إفريقية، -على غرار صوفية المشرق – تمثلوا تجربتهم الصوفية كتجربة ولائية  أساسها المشروعية النصية (القرآن والسنة) التي تعاملوا معها عن طريق إعادة القراءة. ومن النماذج المذكورة هنا "أبو الحسن الشاذلي –صاحب الولاية الصغرى والكبرى-والمزوغي (ت.675ه) وعائشة المنوبية، كما أن هذا الوصف ينطبق على الفترة الحفصية وعلى إفريقية كلها بل والمغرب أيضا.و تشير المؤلفة إلى غياب مفردة تصوف في المناقب وظهور مرادفاتها قي حين تحضر في التراجم وأدبيات الرحلة ،وهذا سيؤدي إلى بروز معجم صوفي بمرجعيات فرعية.

نجد في الباب الثاني الذي يشمل خمسة فصول كاملة عرضا للتصوف في إفريقية من القرن 03 للهجرة إلى القرن 06 للهجرة، علما أن المستشرقين ينفون وجود تصوف بإفريقية قبل القرن 06 هجري. هنا تشير إلى التجارب المبكرة من خلال المعجم المفرداتي الذي سيمّهد إلى ظهور مدرسة القيروان في القرن 04 الهجري. ومن نماذج هذه المدرسة تذكر "ربيع القطان ت333 ه" وأتباعه ،حيث تتجلى بداية هيكلة الحركة الصوفية من حيث التأليف ومن حيث المؤسسات كالربطات والمساجد التي كان يعلم فيها التصوف. كما تشير هنا إلى أن متصوفة إفريقية ليسوا فقط متأثرين بالمشرق الإسلامي بل أثروا فيه أيضا. أما بالنسبة لعلاقة الأولياء الصوفية بالمجتمع فكانت تتأرجح بين الانقطاع عن الناس ،وبين قضاء حوائجهم والانبساط لهم وهذا الجانب الثاني كاريزماتي بمفهوم ماكس فيبر. بالنسبة للتصوف السابق للعهد الحفصي فإن النموذج الولائي لهذه الفترة يتميز بالانعزال عن المجتمع نظرا لابتعاده عن السلطان، والورع أو"الإيثيقية "المتمثلة في طغيان الجانب الروحي على الجوانب الخارقة، الجمع بين علوم التصوف والعلوم الشرعية (فقه وحديث) وبداية التأسيس للطقوس مثل زيارة أضرحة الصالحين وتعبير الرؤى أوتفسير الأحلام. وتصل الباحثة هنا إلى أن المرحلة الحفصية ليست المؤسسة للتصوف بل هي مجرد مرحلة من مراحل التطور الصوفي.

وتشير في الباب الثالث إلى حركة رجال التصوف الإفريقي داخل المجال الإسلامي المغاربي، مع العلم أنهم كانوا مؤثرين ومتأثرين في الوقت نفسه، وعلى مستوى الأجزاء المغاربية الثلاثة يوجد تشابه كبير في النموذج الولائي، كما تشير إلى الهجرات المختلفة لمتصوفة إفريقية في المغرب والمشرق الإسلاميين. وهذا كله أدى إلى تعدد المدارس والتيارات الصوفية في إفريقية.

وتتحدث في الباب الرابع عن الخارطة الصوفية في إفريقية حيث تظهر التيارات القديمة ممثلة في مدرسة البصرة (الحسن البصري)، مدرسة بغداد (الجنيد، الشبلي و معروف الكرخي) ومدرسة خراسان (إبراهيم بن الأدهم) والتيارات المتأخرة ممثلة في ابن الفارض، الششتري، المحاسبي، القشيري الغزالي، السهر وردي مرورا بابن عربي وابن سبعين. ما جعلها تستخرج أربعة أشكال للتصوف الإفريقي في تلك الفترة ممثلة في أربع مدارس هي: مدرسة بغداد الكبرى، مدرسة عبد القادر الجيلاني، مدرسة الغزالي، المدرسة الأندلسية بما تحمله من اختلافات.

وفي الباب الخامس المسمى "مجمع البحرين"، تركّز المؤلفة على الفترة الحفصية وتذكر أهم التيارات البارزة، كالتيار المديني (نسبة إلى أبي مدين الغوث) الذي سيشكل بعد وفاته ضمانا أخلاقيا لمشروعية التصوف، والتيار الشاذلي المغلب للجانب الإيثيقي (الأخلاقي) على الجانب الفلسفي، أحمد بن مخلوف الشابي الذي ترك نظرية تجمع بين الغنوص والبعد الإيثيقي .

تطرح في الباب السادس  إشكالية الحاجة إلى الشيخ في التصوف وما يجب أن يتوفر فيه، بداية ظهور الزوايا في القرن الثامن الهجري، وإمكانية الاستغناء عن الشيخ وتعويضه بالكتب أو ما يمكن تسميته التصوف الفردي، هذا إلى جانب التصوف المنظم والذي سيمّهد أيضا لظهور الطرق في القرن العاشر للهجرة. ومن هنا ستتطور فكرة التنافس بين الأولياء والتعاون أحيانا وتقاسم الأدوار في الفترة الحفصية. كما تشير إلى كيفية انتقال الطريقة من شيخ إلى آخر إما بالوراثة (الأبناء) أو الإخوان، وإما إلى الأصحاب.

أشارت الكاتبة في الأخير إلى أن التصوف معاش ديني وروحي ومعتقدات وسلوكيات اجتماعية وأنه مرتبط دائما، وأن المصادر المعتمدة تثبت وجوده ابتداءا من القرن الثالث الهجري. وإن متصوفة إفريقية لم يبتعدوا عن الجوانب النظرية والصراعات التي عرفها المشرق الإسلامي. كما تشير إلى  وجود تصوف سني وآخر خوارجي بنماذجهما المختلفة. وفي إطار الخصوصيات الإفريقية تبرز تأثير كل المدارس من أبي حامد الغزالي الذي برز في المنطقة خاصة بعد المرابطين ،إلى المدرسة الأندلسية ممثلة في التيار الأكبري والسبعيني (ابن عربي وابن سبعين)، إلى جانب أبي مدين الغوث وأبي الحسن الشاذلي وابن مخلوف الشابي، كما أن المنطقة عرفت تصوفا علميا وآخر شبه أمّي. والأهم هو أن هذه المرحلة عرفت مسارا صوفيا يمهّد لاحقا للانتقال إلى النمط الوراثي للمشيخة والمرحلة الطرقية التي تبرز في القرن العاشر للهجرة، حيث تتفرع الطرق من طريقة واحدة وتنتشر جغرافيا في شتى المناطق.

عبد الوهاب بلغراس

 

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche