Sélectionnez votre langue

صورة العمل ودلالاته الاجتماعية والثقافية في المثل الشعبي الجزائري

Representations of work in algerian maxims

Abstract : What sense, do popular social levels give to work ? The article looks for answers in popular culture. The analysis of a work corpus made up of proverbs and koranic verses shows a polarity between work with a positive connotation and nonwork rejected in the field of negativity and death. These adages whitch have some of the characteristics of a socio-cultural code orientate behaviour and attitudes.

Keywords : labor, popular culture, proverb, collective memory, behavior

ما هي العلاقة الدلالية والرّمزية التي تربط الإنسان بالنشاط الذي يقوم به حيث نعرف أن العمل قد قدّس واعتبر عبادة وتكملة للدّين والتقرّب من الله عند بعض الشعوب أو الحضارات؟

مثل هذه الإشكالية تفترق مع المعالجات التي تستمد محتواها من دراسات وأطروحات مستوحاة من فضاءات اجتماعية وثقافية أجنبية وغربية عن خصوصيات الواقع محل البحث، بل تنطلق من طبيعة العمل المحلي بكل خصوصياته وأبعاده. فلهذا الاتجاه اسقاطات معرفية ومنهجية وتبنى النتائج المصطنعة وفرض إشعاتها على فضاء العمل المحلي والعامل المحلي والمؤسسات المحلية.

لذا، سنتحدث عن العمل انطلاقا مما توحي إليه الثقافة الشعبية المحلية ذات الصلة الثقافية والاجتماعية القوية بالفضاء البشري و الفكري لهذا العمل. سنتحدث عن العمل انطلاقا مما تشعيه البنية الدلالية والرّمزية للأمثال الشعبية محددين منطلقنا الأسئلة التالية:

- كيف تتحدث الأمثال الشعبية عن العمل؟

- ما موقف الذاكرة الشعبية من العمل والعامل؟

لا نريد أن نتجه في حديثنا عن مفهوم العمل كما تنص عليه القوانين الرسمية وتنظمه، وإنما مقصديتنا تتوقف عند حدود الخطاب الشعبي المتعلق بفضاء العمل وإجراءاته المادية والمعنوية.

ولعله يكون من باب المنطق بعد هذه المقدمة أن نعرف المثل الشعبي وكذا مفهوم العمل وأيضا الطرح المنهجي الذي سوف نسلكه في هذه الدراسة. إنّ المثل الشعبي هو مرآة لتجارب الشعب و بلائه في الحياة والأيام والأحداث والناس، والمثل الشعبي ركيزة ضخمة ينقب فيها الباحث عن آراء الشعب وفلسفته في الحياة وحكمته وأمانيه أيضا وآلامه ورغائبه وأحلامه، فهو أوضح صورة لتفاعل الشعب مع البيئة التي  يعيش فيها - درى أم لم يدر- مسرح خواطره ومعين أفكاره ووحي أقواله[1].

تعدّ الأمثال من الأعراف التي تتحكم في المجتمع، مكانتها حية وقوية في القلوب والنفوس. كما يسير عليها ووافقها الناس حيث يأخذون بما تمليه عليهم، يتصرفون بوحي منها، يتعاملون كما تخطط لهم، وتقاوم من ناحية أخرى من يحاول التفرّد في التصرّف أو الخروج عما رسمه المجتمع من قيم ومفاهيم متّبعة. إنها تعيش فيهم، تحيا في  نفس كل  منهم حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتهم المعيشية وسلوكهم اليومي[2]

تلعب الأمثال الشعبية دور القوانين في المجتمعات التي ليست لها قوانين وضعية مكتوبة. "فهي دستور وقانون العامّة يعتنقها الناس ويؤمنون بها بشدّة، لذا أثرت فيهم وحدّدت سلوكهم وتصرفاتهم واعتمدوا عليها في دعم كلامهم وتأييد أقوالهم وتأكيد آرائهم. ولهذا وجدنا الأمثال وكأنها تكاد تكون نوعا من السلطة الأدبية تفرض على العامة من الناس شكلا معينا في تعاملهم ويأخذ بها معظم الأفراد، شأنها شأن كل الظواهر الاجتماعية الأخرى الضاغطة على أفراد المجتمع[3].

أما العمل (الشغل-الخدمة)، فلقد تعددت تعاريفه واختلفت باختلاف الرؤى والمناهج العلمية والإيديولوجية التي اهتمت به وتناولته بالدراسة والتحليل سواء في صورته الشاملة الكلية أو في أحد أجزاءه وعناصره البنيوية المشكلة لفضائه العام. فالعمل بصورة عامة هو كل جهد أو نشاط مادي أو معنوي، عضلي أو فكري  يبذله الإنسان من أجل تحقيق رغبة اجتماعية، نفسية، ثقافية، اقتصادية، سياسية، عقائدية، كإنتاج وصناعة وتركيب شئ معين سواء أكان ماديا أو معنويا في هذا الوجود... وقد يقابل هذا الفعل وهذه الحركة مكافأة مادية أو معنوية يستثمرها صاحبها أي العامل من أجل تحقيق وسد حاجة معينة مرتبطة بحياته في إطارها الشامل وعلى جميع المستويات (البيولوجية، الاجتماعية، النفسية، الثقافية، الاقتصادية...). فالعمل هو مجموعة النشاطات الإنسانية المنسقة من أجل إنتاج أو المساهمة في إنتاج ما هو مفيد[4].

لقد سلكنا في هذه الدراسة الطريقة التالية:

حاولنا الاقتراب من عالم العمل و العمال والتركيز خاصة على ما يدور بينهم من أحاديث وعلى ما يوظفون في ذلك من كلام مأثور وأقوال خالدة وحكم نابغة من التجربة في ذات الفضاء العمالي. كما حاولنا قراءة بعض الكتب[5] التي تفضلت بجمع الأمثال الشعبية ووقفنا في ذلك خاصة على النصوص التي بدت لنا قريبة الصلة الدلالية بالعمل والعامل.

لقد ساعدتنا هذه المحطة الأولى من تكوين متن متواضع وصل عدد نصوصه إلى (160) مائة وستين نصا. صنفتها تصنيفا دلاليا من خلال قراءة أولى حسب المحاور التالية:

- الدعوة إلى العمل: 25 نصا

-  اجتناب الكسل : 7 نصوص.

- العمل والأخلاق : 16 نصا

-  الاتكالية والعجز: 19 نصا.

- العمل الحرفي: 15 نصا.

- صراع الأجيال والتجربة في إنجاز بعض الأعمال: 15 نصا.

- حسن إتقان العمل: 19 نصا.

- عدم إتقان العمل: 14 نصا

- المكافأة على العمل: 17 نصا.

- العمل المشترك: 13 نصا.

لقد اعتمدنا منذ البداية في هذا التصنيف وهذه القراءة الأولى بعض أطروحات الباحث الاجتماعي والفيلسوف والناقد الفرنسي  لوسيان كولدمان، كمنطلق لدراستنا وخاصة قواعد منهجه البنيوي التكويني والتي حددها بكل وضوح في مقدمة كتابه الشهير" من أجل علم الاجتماع الراوية"[6]. حيث استعرنا كثيرا من أفكاره والتي سوف يكون لها حضور قويا في ثنايا بحثنا...

قد لا يتسع هنا المقام للحديث عن كل المحاور الدلالية التي حددناها سابقا، ولكن سوف نقتصر على المحور الأول حيث بدا لنا أساسيا ومهما، وأن المحاور الأخرى فهي إما ناتجة عنه أو المنتجة ومكملة له.

إن الدعوة  إلى العمل والحث عليه ظل الشغل الشاغل للذاكرة الشعبية والتي ترى فيه الطابع المميز لإنسانية الإنسان ولبداية واستمرارية حياته أو كما قال جوته في فلسفته عن الحياة والإنسان والوجود "أن في البداية كان العمل" أي أن البداية الأزلية للإنسان كان أساسها العمل و به وحده اقتحم الإنسان هذا الفضاء الدنيوي.

لقد تحدثت الذاكرة الشعبية عن العمل وحثت عليه بأسلوبها الخاص والخالد من خلال أشكال تعبيرية شعبية بسيطة المستوى اللغوي التركيبي ولكنها عميقة المستوى الدلالي والرمزي...

لقد جاءت أغلب النصوص في صيغة الأمر:

- لخدم تربح.

- اشق تلقى.

- اخدم برطل ولا تعطل.

-اخدم بفلس وحاسب الناعس.

- تحركوا ترزقوا.

- قوم تقوم معك، مش نام تطمعك

- كل شئ بالأمل غير رزق بالعمل.

جاءت الأمثال الشعبية ذات الصلة بفضاء العمل كسلطة قانونية اجتماعية تعمل من أجل تجاور الواقع الاجتماعي بقيمة السلبية وإصلاحها وذلك وفق رؤية وفلسفة شعبية تبحث من أجل تأصيل قيم إيجابية يفتقر إليها الواقع التعس:

القيمة السلبية:

- الكسل ما يعطي العسل=> الكسل # العسل.

- رأس الكسلان يسكنه الشيطان=> الكسلان = الشيطان.

- البطالة تعلم الهمالة=> البطالة = الهمالة.

- قلة الشغل مصيبة => قلة الشغل =  مصيبة.

القيمة الإيجابية

- اخدم تربح=> اخدم= تربح

- الحركة بركة=>الحركة= بركة.

- تحركوا ترزقوا => تحركوا = ترزقوا

- ليزرع يحصد => يزرع= يحصد.

جاءت الأمثال الشعبية ذات الصلة الوثيقة بالدعوى إلى العمل من أجل الخروج من الدائرة السلبية بقيمتها المنحطة (الكسل- الشيطان- الهمالة- المصيبة) والانتقال إلى الدائرة الإيجابية (الربح - البركة- الرزق- الحصاد)، و لا تحقق هذه النقلة إلاّ بفضل العمل.

ومن هذا المنطلق، فإن المثل الشعبي جاء محمّلا بقيم تحركه كدستور وقانون ثقافي اجتماعي يساهم بقسط وافر في تنظيم حياة الفرد، حيث له من القوة الفكرية والفلسفية ومن الحضور والانتشار الشعبي ما يؤهلانه لأن يكون موسوعة قانونية مدنية وجنائية وإدارية تسهر على حياة الفرد أخلاقيا، اجتماعيا، ثقافيا، سياسيا، اقتصاديا، وذلك في حدود ما تشيعه بنية نصوصه الدلالية والرمزية من نواه و أوامر وتوجيهات ونصائح... فالمثل الشعبي أو الإنتاج الأدبي على حد تعبير لوسيان كولدمان،"ليس انعكاسا بسيطا للوعي الجماعي الواقعي، ولكنه يميل دائما إلى أن يبلغ درجة عالية من الانسجام، تعبر عن الطموحات التي ينزع إليها وعي الجماعة التي يتحدث الأديب بإسمها ويمكن تصور هذا الوعي كحقيقة موجهة من أجل حصول الجماعة المذكورة على نوع من التوازن في الواقع الذي تعيش فيه[7]".

إن الدعوة إلى العمل والحث عليه تجسدت صورتها من خلال تلك الأمثال الشعبية التي تختزنها الذاكرة الشعبية وتحركها عند المناسبة في شكل نصائح وأوامر ونقد وإشادة بأخلاق العمل والعامل وذم سلوك البطال والبطالة والكسل.

فالعمل هو الحياة والدعوة إلى العمل هي أيضا دعوة إلى حب الحياة وممارستها اجتماعيا، بيولوجيا، اقتصاديا، وثقافيا. فالخطاب الشعبي يردد بدون حدود ولا هوادة وفي كل المناسبات و بوعي عميق على أن أساس الحياة بمفهومها الشامل هو العمل:

- اشكون يعطيك الخبز يا نعسان.

- ما أحلى خبز عرق الجبين.

- اليدين الكوحل  يجيبو الخبز الأبيض.

لم تمر معاني هذه الخطابات الشعبية بصمت على الذات الشعبية الناتجة والمنتجة لها في نفس الوقت، فقد كانت رحما واسعا تربت في أحشائه فلسفة شعبية عميقة وخالدة إرتبطت وظيفتها الاجتماعية والثقافية بالحياة فكان العمل (الحركة- الخدمة- الشقاء- التعب- العرق) هو الحياة - الرزق- الصحة- الشرف-. وأن الدعوة إلى العمل والحفاظ على قداسة فضائه هي في نفس الوقت حفاظ الإنسان على إنسانيته ووجوديته الشاملة المادية والمعنوية:

-اشق تلقى ولما يشقى ما يلقى

* (العمل الصحة)

* (العمل بركة)

-  كل شئ بالأمل إلا الرزق بالعمل

-  اخدم برطل ولا تعطل.

-  اخدم بفلس وحاسب الناعس

* العمل رزق وكسب مادي).

إن العمل مهما كان بخيسا ماديا (رطل- فلس) فهو أحسن وأجدر وسيلة تكسب العامل الحياة وصيانة النفس من البطالة وما ينجم عنها من مشاكل وانحرافات اجتماعية ونفسية والتي ارتبطت في الذاكرة الشعبية بالفضاء الشيطاني المدنس.

- رأس الكسلان يسكنه الشيطان.

- رأس البطال فيه ألف شيطان.د

- البطالة تعلم الهمالة.

- قلة الشغل مصيبة.

لقد تفطنت الذاكرة الشعبية إلى عواقب الكسل والبطالة وما تلحقا بالفرد من سلوكات سلبية خطيرة قد تدمر الذات الفردية والاجتماعية، كالفقر، السطو والسرقة، المرض، الانتحار...

إن الإبداع الشعبي عبر الأمثال الشعبية المتعلقة بفضاء العمل وما تحمله بين طياتها من نظرة وفلسفة عميقة في بناء المجتمع، عرف كيف يصور ببلاغة أدبية شعبية خطورة البطالة والكسل على حياة الفرد والمجتمع، وقد شبه في هذا الصدد البطال أو الكسلان بالشيطان وبكل ما يحمل هذا الأخير من قيم ورموز سلبية سواء في الفضاء المقدّس أو الفضاء المدنس، فكان البطال أو الكسلان شيطان، أي رمزا للسوء وللفوضى والانحراف والتخلف والخروج عن المنظومة الاجتماعية والثقافية التي سنّها  الإنسان العاقل العامل.

فلقد اقترن فضاء الكسلان والبطال بفضاء الشيطان (الهمالة- المصيبة...) عناصر دلالية سلبية مرفوضة عقائديا (لقد عصى الشيطان الله عز وجل. فكانت اللعنة الأبدية) واجتماعيا (لأنه يوحي بالفوضى والرفض والانحراف والتدمير). فإذا كانت الذاكرة الشعبية قد ذمت الإنسان الكسلان الباطل عن العمل ووصفته بأوصاف شيطانية، فإنها وقفت موقفا معاكسا مع الإنسان العامل وبالتالي بوبته مرتبة السيد حيث قالت عنه:

- اخديم الرجال سيدهم

-  و أن شرفه وعرضه مصان ومستور.

- اخدم بعرفك تسترك عرضك.

- اخدم الأحد والعيد ولا ذل نفسك لخوك سعيد. وأنه دائما في صحة جيدة.

-  العمل صحة.

فالعمل هو الحياة، هو الجاه، هو الشرف، هو الصحة، ناهيك عن كل هذا، فالعمل عبادة وتقربا إلى الله سبحانه وتعالى. وقد استمدت الذاكرة الشعبية الطابع المقدس للعمل من العقيدة الإسلامية التي تحث على العمل في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والتي كان لها حضور قويا في الأمثال الشعبية ذات الصلة بالعمل. مثل الآية الكريمة: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"[8] وأيضا الآية: "ولكن درجات مما عملوا وليوفهم أعمالهم وهم لا يظلمون"[9] وكذا الأحاديث النبوية:" من غشنا فليس منا"[10] والحديث:" ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده"[11].

ومن هذا المنطلق ووقفت الذاكرة الشعبية موقفا إيجايبا إزاء الإنسان العامل وموقفا سلبيا إزاء الإنسان الكسلان.

فالإنسان العامل مهما كان دخله المادي قليلا أو ضعيفا (رطل، فلس...) فإن دخله المعنوي كبير ولا تحده حدود ولا تقيسه مقاييس. فالعمل يتقرب إلى الله، وبالعمل يصون كرامته وشرفه وصحته وحياته ومحيطه، وبالعمل أيضا يصون نفسه من الإهانة والذل والسرقة والفقر والانحراف.

- اللهم يقولوا يا سقاي ولا يقولوا يا سارق.

- اخدم يا الخطيب لما تطيح في الزبدة تطيح في الحليب.

- بيع بخمسة واشري بخمسة يرزقك ربي بين الخمستين.

- أيام الزراعة والحرث معدودة وأيام الحصاد ممدودة.

- اخدم يا صغري لكبري.

-  اخدم  و افلح، الزرع لا ما غناك يسترك. 

في حين أن الإنسان الباطل عن العمل يظل في البؤرة الفلسفية للذاكرة الشعبية محل سخط واتهام وبالتالي يبقى مؤهلا لفراغ مادي ومعنوي رهيب يقوده حتما إلى سلوكات خطيرة قد تدمره وتدمر ذات مجتمعه.

- الكسل ما يعطي العسل.

- لا وجه لسعاية لا  درع للخدمة.

- اللسان الطويل والذراع البارد.

لقد صورت نصوص الأمثال الشعبية التي استنطقنا بعضها في هذه الدراسة العمل كصورة و كقيمة ايجابية بيولوجيا، نفسيا، اجتماعيا، ثقافيا و اقتصاديا، كما صورت البطالة صورة سلبية قاتمة قريبة من الموت أو مؤدية إلى الموت، والفناء والضياع، وذلك من خلال الحقول الدلالية والرمزية التي ذكرنا بعضها آنفا.

فبين الدعوة إلى العمل والسقوط في البطالة أو اللاعمل مسافات قد تلهم الحياة أو تؤدي إلى الموت. ويظهر ذلك جليا مما تشيعه تلك الأمثال الشعبية سواء على مستواها اللغوي السطحي أو على مستواها الدّلالي و الرمزي العميق.

فهي تكشف عن حالات ومواقف نفسية، اجتماعية واقتصادية وعقائدية مختلفة باختلاف حضور الإنسان في عالم العمل أو في عالم اللاعمل. في عالم مقبول ايجابي أو عالم مرفوض سلبي.

وقد يتشكل العالم المقبول من الدعوة الملّحة والأساسية إلى العمل بكل ما يحتويه من عناصر بنيوية صغرى: الحصول على الأكل، والمشرب والملبس، والمبيت- الصحة - السعادة - الشرف - الانتماء إلى الجماعة والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية - التعاون والمساهمة في البناء- إثبات الذات...

في حين يتشكل العالم المرفوض من الهروب من العمل والسقوط في البطالة والكسل بكل ما توحي إليه أو ما يتبعها من انكسارات : الجوع- الفقر- الإهانة - السرقة- المرض- الانحراف- تدمير الذات- تدمير الآخر...

فبين العالمين يتجسد مفهوم وصورة العمل كقيمة اجتماعية وثقافية كما وصفته وأرادت الذاكرة الشعبية أن تغرسه في وعي الفرد.

لقد عمدت الذاكرة الشعبية على تقديس العمل وتنظيمه وفق قوانين اجتماعية ثقافية محلية تضمن للفرد حياة سليمة، نزيهة وشريفة حيث لا يسيء لذاته ولا للآخرين.

إنّ حديثنا عن العمل كإنتاج ثقافي اجتماعي وأيضا كمنتج لثقافة يتعدى الطرح المادي والإداري والرسمي، فالعمل هو قبل كل شيء هوية، أي هوية الفرد كإنسان حي عاقل ينتمي إلى جماعة، إلى ثقافة وإلى حضارة. فبالعمل يترجم ويحقق إنسانيته التي تميزه عن باقي المخلوقات، وبالعمل يسجل حضوره الزمني والمكاني والفكري في هذا الوجود حيث بالعمل يتموقع حضوره بين الفضاءين: فضاء العمل أو فضاء الحياة وفضاء اللاعمل وفضاء الموت، فهو مرشح لمجابهة السؤال الوجودي الخالد: كن أو لا تكون، فإن تكون كائنا حيا ثقافيا واجتماعيا عاملا، أولا تكون كذلك وبالتالي مرشح للموت و اللاوجود.

لقد كشفت لنا الذاكرة الشعبية من خلال أمثالها الخالدة صورة العمل الذي ارتبط بحياة الإنسان، بعقيدته، بشرفه، بهويته، بثقافته وباجتماعيته حتى أصبح العمل هو هوية الإنسان في هذا الوجود وحياته بمفهومها الشامل.


محمد سعيدي


الهوامش

[1] نعمات أحمد فؤاد: النيل في الأدب الشعبي، سلسلة المكتبة الثقافية- الهيئة العامة للكتاب. رقم 292. القاهرة - 1973- ص.24.

[2] د. ناهض قديح: الأمثال العربية-  دراستها ومصادرها. مجلة الفكر العربي- العدد 49- السنة8. ص.29.

[3] م.س.: ص.29.

[4] قاموس : Petit Robert : Travail

[5] اهتم بعض الباحثين بجمع وتدوين نصوص الأمثال الشعبية حيث خصصوا لها عدة كتب وتصنيفات. (محمد بن شنب- قادة بورطان- رابح بلعمري- عبد الحميد بن هدوقة...)

[6] Lucien Goldman : Pour une sociologie de roman, Ed. Gallimard. 1964 p.p  21… 57.

[7] الحمداني  حميد : الرواية المغربية- دراسة بنيوية تكوينية. دار الثقافة –  دار البيضاء. 1985- ص.11

[8] القرآن الكريم، سورة التوبة: الآية 105.

[9] القرآن الكريم: سورة الأحقاف، الآية: 18.

[10] حديث نبوي شريف رواه البخاري.

[11] حديث نبوي شريف رواه البخاري.

 إنسانيات عدد01  | 1997 | العمل. أشكال و تمثلات  | ص24-35 | النص الكامل

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche