Sélectionnez votre langue

أحمد زايد، (2017)، صوت الامام… الخطاب الديني من السياق إلى التلقي، القاهرة، دار العين للنشر، عدد الصفحات 385


إنسانيات عدد 96، أفريل–جوان 2022، ص. 69-85


 


يثير هذا الكتاب العديد من الأسئلة الجوهرية، التي تكشف العلاقة بين الدين والمجتمع المصري، وهو محصلة جهد علمي متواصل بذله الدكتور زايد عبر سنوات ليست بالقصيرة. ولا نبالغ القول بأنه نص تشكل على مهل واستوى على سوقه في لحظة تاريخية فارقة من عمر الوطن العربي.

يقع الكتاب في 285 صفحة، وينقسم إلى مقدمة وثمانية فصول: يؤسس الفصل الأول لإشكالية الدراسة، وسؤالها والاستراتيجية المنهجية، وأدوات التحليل والتفسير والتأويل. ويتناول الفصل الثاني أهم المقاربات النظرية السوسيولوجية الكلاسيكية والمعاصرة التي عالجت العلاقة بين الدين والمجتمع. أما الفصلين الثالث والرابع  فيعالجان بُعْد تكوين الخطاب الديني، سياقه العام وأوضاع النخب الدينية. ويعالج الفصلين الخامس والسادس بُعْد مضمون الخطاب الديني، من خلال تحليل عينة كبيرة من الخطب المنبرية، المكتوبة والشفاهية. ويختص الفصل السابع بدراسة بُعْد تلقي الخطاب لاستكشاف أنماط هذا التلقي وأسراره وخبراته المعقدة. ويقدّم في الفصل الثامن رؤية استشرافية لدمج الخطاب الديني في قضايا النهضة والتنمية.

  1. المقاربة النظرية المنهجية لصوت الإمام

في الفصلين الأول والثاني، اللدين صيغا بطريقة نظرية ومنهجية إبداعية، توجد أربعة أبعاد في مقاربة الموضوع الديني في علم الاجتماع،: أسئلة السياق الحضاري بأبعاده الاجتماعية والثقافية. أسئلة الذوات المنتجة للخطاب الديني. نظام الخطاب الديني وأنواعه. أسئلة تلقي الخطاب وأنماطه.

يبادر زايد في الفصل الأول بتقديم عدد من الفرضيات النظرية، للإجابة على هذه الحزم الأربعة كالتالي: أن الخطاب الديني لا ينفصل عن السياق الذي يظهر فيه؛ أن الخطاب لا ينفصل عن منتجيه؛ إن الذات المنتجة أو الناقلة للخطاب تمثل مستوى وسيطا تتشكل فيه الخبرة الدينية على نحو معين؛ إن إعادة إنتاج الخطاب بمثابة عمليات متصلة يطلق عليها عمليات الحلول المتعددة للخطاب؛ أن الخطابات تتعدد وتتعقد عبر الزمن، تتسع أفقيا وتتعمق زمنيا؛ إن الخطاب الديني جزء من نظام للهيمنة؛ كلما ارتبط الخطاب بمنظومة الهيمنة والضبط والرقابة، فإنه قد لا ينشغل كثيرا بقضية التنمية أو التقدم بقدر ما ينشغل بتثبيت الوضع القائم واستمراره وإعادة إنتاجه؛ الخطاب ليس منقطع الصلة بالجمهور الذي يتلقى الخطاب، فهو يتفاعل معه، ويتلمس خصائصه ولغته وعاداته وتقاليده.

على الرغم من أن زايد قدم مجموعة من الافتراضات النظرية في الفصل الأول من الكتاب، تصلح في حد ذاتها كأساس للتفسير في هذه النوعية من الموضوعات، إلا أنه لم يترك القارئ المتخصص، دون أن يشبع فضوله العلمي، فقدم في الفصل الثاني، إجابة عن كيفية استنباط هذه الافتراضات عبر قراءة سوسيو- فلسفية للتراث النظري.

استعرض زايد في الفصل الثاني النظريات التي تأثرت بالفلسفة الوضعية، والتطورية الداروينية، والنقد الهيجلي للدين، مبتدئا من أفكار اميل دوركايم الأصيلة، وتتبع تطورها الابستمولوجي لدى الوظيفيين المحدثين، ثم انتقل لماكس فيبر، وكارل ماركس، فالمدرسة النقدية، وخاصة هوركهايمر، ماركيوزه، هبرماس، ثم عرض أفكار بيتر برجر، واختتم بالتوسع في عرض نظرية بيير بورديو، ومفاهيمه الجوهرية عن الهابيتوس، ورأس المال النوعي، والحقل الديني.

ينهي زايد الفصل الثاني، باستخلاص نظري تكاملي، يبرر الافتراضات النظرية التي وضعها في نهاية الفصل الأول. حيث أن حلول المقدس على صفحة الحياة يؤدي وظائف كبيرة في تحقيق تماسك المجتمع، كما يذهب دوركايم، ويمثل هذا المقدس القوة الدافعة للحياة الاقتصادية إذا فهم على نحو تقشفي خلاصي، كما يذهب ماكس فيبر، ويمكن استغلاله لتحقيق المآرب السياسية والاقتصادية كما يذهب ماركس، وأنه   يمثل مظلة ينظر إليها كل شخص بطريقته الخاصة كما يذهب بيتر برجر، وأنه يعاد إنتاجه باستمرار عبر المؤسسة الدينية، ويتم تداوله بالطريقة نفسها التي يتم بها تداول السلع الثقافية وغير الثقافية، كما يذهب بورديو، كل هذه التصورات تحيل زايد إلى لب الدرس، وهو أن الوجه الثقافي – الاجتماعي للدين هو التدين، أي سلوك البشر وممارساتهم واتجاهاتهم واستخداماتهم للدين، وحضورهم في الدين، وحضور الدين فيهم. (ص .57).

  1. التعليم الديني: بناء المنصات الخطابية

يتناول الفصل الثالث مصادر التعليم الديني التي تشكل السياق الديني العام في المجتمع المصري، بالتركيز على ثلاثة مصادر أساسية، اثنان منها تقدمان معرفة دينية مباشرة، وهما مؤسسات التعليم الديني الجامعي وماقبل الجامعي، ومؤسسات التعليم المدني بقطاعية الحكومي والخاص. أما المعرفة غير المباشرة، والتي يسميها زايد "المنهج الخفي" لأنها تتم عبر ممارسات المرتبطين بالعملية التعليمية، وخاصة المدرسين.

لم يكتف كتاب صوت الامام، بالبحث في السياق المصري، ولكنه قدم للقارئ اطلالة على ثلاث تجارب أخرى منتقاة بعناية من العالم الاسلامي، لكل منها سمات خاصة: حالة التعليم في باكستان التي تقوم على المعرفة النصية المحافظة التقليدية، وكما تشير البيانات الكمية التي أوردها زايد، فإن احتمالات زيادة الاتجاهات التعصبية الدينية والتطرف والارهابية مرشحة للاستمرار في الحالة الباكستانية. وتجربة التعليم الديني الماليزي التي تربط الدين بقيم التنمية وفق استراتيجية تتحكم فيها الدولة. وتبقى التجربة الأخيرة خاصة بتونس، وفيها يكتسب الطلاب قدراً محدوداً من المعرفة الدينية الضرورية دون توسع رأسي أو أفقي، ما يعني أن المعرفة الدينية تقع على هامش المعرفة المدنية في تونس.

ثم أفاض في عرض حالة التعليم الديني في مصر، داخل مؤسسات الأزهر، وقطاع التعليم المدني الحكومي والخاص. بالإضافة الى عرض الطرق الخفية المؤثرة في تشكيل السياق الديني العام في مصر، تأثيراً ينحرف بالحاسة الدينية للنشء والشباب نحو التشدد والجمود وعدم قبول الآخر، ومن بين هؤلاء يخرج المتطرف والمتعصب والإرهابي.

وبصفة عامة فإن هذا الفصل يكشف بوضوح أن ثمة توسعا واضحا في التعليم الديني أفقياً ورأسياً، التوسع الذي يعمل على نشر ما أطلق عليه زايد "المنصات الخطابية".

  1. النخب الدينية: تشكيل الإطار المهيمن وبناء الهوية الدينية

ويذهب زايد في الفصل الرابع إلى أن النخبتين الدينية والسياسية، أجهضتا بعض المحاولات الجريئة لتعاطي العقل العربي مع الحداثة القادمة من الغرب، واصطنعتا نمطا هجينا من الحداثة البين بين، لا تقطع مع الماضي ولا تعرف طريق المستقبل. وعبر نقاش جاد وعميق لعمليات تشكل النخب الدينية، أوضح المؤلف أن النخبة الدينية المصرية لم تعد متماسكة، ودخلت عليها عناصر ذات توجهات سياسية ودينية وفكرية مختلفة لحد التناقض والصراع. ولأن بعض رموز هذه النخبة تهيئت لها عوامل الانتشار والتشبيك، عبر استغلال ميزات ثقافة الاستهلاك (خاصة الاعلامي) واستثمار آليات السوق الرأسمالي، وتمدد رجال الدين داخل الطبقة الوسطى بشرائحها الثلاث، فإن المحصلة المحبطة هي تحول الدين إلى أداة من أدوات التوتر وعدم الاستقرار والتصارع داخل المجتمع الواحد، وبين المجتمعات كما نشهد الآن.

ولأن التعاطي مع الحداثة كان استاتيكيا، أمسى الحقل الديني محتفظا بوضعه المركزي داخل المجتمع، الذي طالما تمتع به تاريخيا. وهنا نجد النخبة الدينية بعلاقتها مع النخب الحاكمة من جانب، وقوة تأثيرها على جمهور المتدينين من جانب آخر، تفرض آليات متنوعة للهيمنة، كتوسيع دائرة الإثم والتجريم والتحريم، واستخدام الفتوي كأداة للمراقبة، وتوسيع دائرة الشعور بالخطر على الدين والعقيدة، وتأكيد أهمية الخلاص الديني، ويصبح من نتيجة هذا التمدد والتجدد في الآليات، أن الديني المقدس لا يستسلم للعلماني المدني، ولا يتعايش معه إلا في ضوء المصالح السياسية المنظورة.

على أية حال فإن المؤلف ينهي الفصلين الثالث والرابع المخصصين للبحث في بُعْدِ التكوين، مستنتجاً أن الهوية الدينية تتشكل عبر تحديد ملامحها من ناحية والدفاع عنها بالحضور الدائم المستمر للدين. وإذ تتأكد الهوية الدينية على هذا النحو يتأكد الإطار الديني المهيمن الذي تنتجه النخب الدينية، والذي يعمل على تهميش الأطر الأخرى التي تزاحمه. (ص. 119).

  1. مضمون الخطاب الديني

ينتقل زايد في الفصلين الخامس والسادس إلى البحث في "بُعْدِ المضمون"، يقدم في الخامس تحليلا للخطب المنبرية المطبوعة واسعة الانتشار، يقوم على تقسيم موضوعات هذه الخطب إلى "الموضوعات ذات التوجه الديني الأُخْرَوِي"، وتستحوذ هذه الموضوعات على 77% من مساحة هذه الخطب، وأمّا الموضوعات ذات التوجه الدنيوي، فلم تستحوذ الا على 23% ، وتتفرع إلى موضوعات سياسية واجتماعية عامة، الحقوق، العلاقة بالذات والآخرين، القيم ، نقد السلوك والممارسات الشخصية، قضايا علمية عامة، رؤية المستقبل. واتضح أن القيم والحقوق، يحتلان مستوى الاهتمام البؤري في نصوص الخطب ذات التوجه الدنيوي.

تقف دراسة صوت الإمام عند ست معان ودلالات يؤشر عليها الخطاب، وتبث فيه، وتنكشف في معانيه الخافية، تقف هذه الدلالات خلف النص وتساهم في إعادة إنتاجه. فالخطاب يحمل دلالة النخبوية ومجافاة المتلقي، حيث يبدو وكأنه هابط من أعلى بشكل دائم. كما يحمل دلالة الاستحواذ على النصوص وعدم فتح آفاقها على الحوار مع نصوص أخرى. يرسل الخطاب باستمرار معاني تصور المجتمعات المعاصرة على أنها ابتعدت عن الدين، ويصفها بأنها مجتمعات جاهلية. يميل الخطاب إلى إضفاء القداسة على ذاته، ويكرس ابتعاده عن الدنيوي الذي أصابه الدنس. تنبثق عن الخطاب دلالات ومعاني لبث الخوف وتأسيسه في النفوس. وأخيرا يكشف الخطاب عن شقاء حقيقي للوعي الديني، فهو وعي مشتت بين التاريخ والواقع المعاصر بما فيه الآخر المختلف المهيمن، حيث تتنازع الوعي مكونات ثلاثة هي: الواقع المتردي، والآخر المهيمن، والتاريخ الضائع، فيصير وعيا شقيا وقلقا، وينتج ذاتا قلقة تنقل قلقها بشكل مباشر إلى المتلقي.

يتميز الفصل السادس، بالوضوح الإبستمولوجي الرائع، والروعة مصدرها الحقيقة التي استطاع المؤلف أن يستخلصها من البيانات الخام التي أخضعها للتحليل، وفي السهل الممتنع التي صيغت به هذه الحقيقة، لكي تناسب كل مستويات القراءة، ونذكر القارئ أننا مازلنا في البحث عن مضمون الخطاب الديني، لكن في هذا الشوط تختلف الأدوات والموضوعات، فالتحري هنا عن قيم التنمية (السياسية، الاجتماعية، العمل، والقيم الشخصية)، ومجموعها 54 قيمة فرعية. والبحث عن درجة ظهور هذه القيم وأشكاله، في عينة كبيرة من الخطب الشفاهية (خطب أيام الجمع) في عدد من محافظات الدلتا والصعيد، بلغ مجموعها (470 خطبة).

وتشير البيانات الواردة في الفصل إلى عدد من الحقائق الصادمة: فلدينا أكثر من ثلث العيّنة، لم تظهر فيها أي من قيم التنمية. وأكثر من 80% من الإشارات التي وردت في الخطب عن قيم التنمية جاءت اشارات غير مباشرة. كما تشير البيانات إلى غياب تام لعدد 15 قيمة فرعية وظهور هامشي لعدد أكبر من ذلك.

لكن تكفي الاشارة إلى أن قيمة العمل احتلت المرتبة الأخيرة بين القيم الأساسية التي ظهرت في العينة، كما أن الغياب الكبير للقيم الفرعية جاء على حساب قيم العمل. واحتلت القيم السياسية المرتبة قبل الأخيرة. وظهرت القيم السياسية الفرعية، ظهورا غير متزن، فقيمة المسؤولية الاجتماعية التهمت أكثر من نصف التكرارات. وغابت قيم فرعية بالغة الأهمية كالشفافية والمحاسبية، وقيمة المواطنة، وقيمة الحفاظ على المال العام. أما بالنسبة للقيم الاجتماعية فقد احتلت المرتبة الأولى في الظهور، وعلى مستوى القيم الاجتماعية الفرعية، احتلت قيمة الاحترام وحسن التعامل مع قيمة التكامل والتعاون على ما يقرب من نصف التكرارات، وجاءت قيمتا السلام والتراحم في مؤخرة القيم الاجتماعية الفرعية. وزاحمت القيم الشخصية القيم الاجتماعية في الظهور، وأظهرت النتائج وجود مستوى مقبول من الاشباع لكافة القيم الفرعية، باستثناء غياب قيمتي الشجاعة، والاعتماد على الذات. وظهور يتيم (مرة واحدة) لقيم الإرادة، احترام القانون، القناعة.

وبالجملة فإن هذه الحقائق العلمية، تشير كما يذكر زايد، إلى أن تعاطي الإمام مع قيم التنمية لم يكن بقصد الحض على الحياة والتقدم، وإنما جاء على هامش القصدية الدينية، وتركيز الاهتمام على القضايا التنموية الصغرى واهمال الضروري أو السكوت عنه بالكلية.

  1. تلقي الخطاب الديني حقائقه وأسراره

انطلق زايد في الفصل السابع من مقدمة نظرية ضرورية للعلاقة بين انتاج المعاني وفهمها. استعان فيها بأفكار، رولان بارت، فولفجانج إيزر، ميشيل فوكو، وغيرهم، مستنبطاً أن جمهور المتلقيين بعد انتهاء عصر التلقي التقليدي ودخول العالم عصر التلقي الرقمي التفاعلي، يخلقون منصاتهم الخطابية في خضم الحياة اليومية عبر إعادة إنتاج صور متعددة ومختلفة من الفهم للخطابات الدينية التي يتعرضون إليها. ما يعني أن التلقي يعود انعكاسيا فيصبح جزءا من عملية تكوين الخطاب الديني، حيث يتحول ناتج التلقي إلى منصة خطابية عبر ما يسميه زايد بـ "الأركيولوجيا المعكوسة لتلقي الخطاب" بحيث تتدرج المستويات الخطابية على هرم، قاعدته تمثل منصات خطاب الحياة اليومية، وأوسطه يمثل المنصات الخطابية داخل المساجد، وقمته تمثل المنصات الخطابية للإطار الديني المهيمن. (ص. 232).

وتؤكد الملاحظة العلمية والمقابلات والاستبيان المطبق في هذا الفصل على أن الصمت الذي يصاحب عملية التلقي ما يلبث أن يتحول إلى موقف واضح يعبر فيه الناس بشكل مباشر عن رأيهم فيما استمعوا إليه، نقداً وشجباً واعجاباً وتأويلاً. إنها عملية تقييم شاملة للخطاب: من صوت الإمام وحركاته وسكناته إلى مضمون الخطاب. على معنى أن المتلقي لم يعد ذلك الصامت الخاشع مطأطئ الرأس، وإنما هو المتلقي المتأمل البليغ، أو المتلقي المقاوم، أو المتلقي المفتون، أو الصامت المصفق.

لقد أثبت زايد أن المعرفة الدينية تنصهر في الآفاق المعرفية والوجدانية لدى المتلقي لتنتج خطاباً جديدا بمعارف ومدركات جديدة (ص. 242)، وبحسه السوسيولوجي العالي وجد أن العلاقة بين فعل التلقي والبنية التي تتم فيها عمليات تكوين الخطاب، ماتزال في حاجة لمزيد من الفحص والتحري، فانتقل في القسم الثاني من الفصل نقلة نوعية أخرى، وفيها يختبر زايد مفهوم الهابيتوس لدى بيير بورديو، اختباراً امبيريقيا، وقد تعامل زايد بمهارة نظرية ظاهرة في انتاج هذه المعرفة الإمبيريقية، فاستخدم مفهوم النمط المثالي لدى ماكس فيبر، وعدد من دراسات التلقي لفهم وتحليل كيفية تشكل الهابيتوس الديني لدى جمهور المتلقيين.

انتهى إلى أن الهابيتوس الديني لدي الشباب، يتأسس على قاعدة الفهم المثالية، فلدى هذه الفئة تصورات واستعدادات ايجابية نحو الدين. ينتج عن ذلك طموح مثالي، حيث كشف الاختبار الامبيريقي عن رفض كثير من الأطر الجاهزة التي يتضمنها خطاب الوعظ، ونقد حاد لكبار الدعاة. بينما يتأسس الهابيتوس الديني لدى الكبار (أكبر من 50 عام)، على قاعدة الفهم التقليدي، فهم أكثر ميلا إلى الوعظ الديني التقليدي، ويتمتع كبار الدعاة لديهم بالتبجيل الزائد، مع الاستخفاف بالدعاة الجدد، وضعف الإقبال على التلقي منهم، وفي ضوء هذا الميل التقليدي، يختفي الطموح الديني أو ينحصر في التمسك بالعبادات، خاصة الانتظام في الصلاة.

ما يعني أن لدينا اختلافًا بين هابيتوس الشباب وهابيتوس الكبار، ففي حالة الشباب يكون الوسط المعيشي الثقافي، أكثر مرونة وأكثر انفتاحاً، وأكثر استعداداً للتغير والانفتاح على خبرات متعددة، وأكثر قدرة على التأمل الانعكاسي النقدي الذي يحقق الاستقلالية للفرد من ناحية، وإعادة بناء استعداداته وميوله من ناحية أخرى. (ص .249) ويلفت زايد الانتباه إلى أن اثبات هذين النمطين المثاليين للهابيتوس الديني، لا يعني وجود حالة استقطاب، بل على العكس فإن المزيد من التعمق يظهر تنويعات وأطياف متعددة بين هابيتوس الشباب وهابيتوس الكبار.

وتوصّل إلى وجود خمسة أنماط: المتلقي الواعظ، المتلقي شبه الواعظ، المتلقي الناقد، المتلقي الانتقائي، المتلقي الساكن أو السلبي. وهي الأنماط التي تؤسس لما سبق وأطلق عليه في بداية الفصل بمنصة خطاب الحياة اليومية. 

في الفصل الختامي، يحول زايد المستخلص من البحث في الموضوع إلى مقترح لدمج الخطاب الديني في قضايا النهضة والتنمية. هذا الفصل قدم في الجزء الأول خلاصة البحث في أبعاد تكوين ومضمون وتلقي الخطاب الديني في الحالة المصرية. ثم عرض في الجزء الثاني للأسس العامة لتجديد الخطاب الديني، التي تقوم على ثلاثة مستويات من التفكيك: تفكيك التاريخ الإسلامي وتقديمه لأبناء الإسلام كتاريخ واقعي وليس تاريخ مصنوع على هوى الحاكم أو الجماعة المهيمنة. ثم تفكيك النصوص الخطابية، التي تفسر وتؤول القرآن والسنة. تفكيكا يكشف تحيزاتها السياسية والاجتماعية، وما فيها من تطرف، ودور بعضها في إعاقة التقدم نحو المستقبل. وأخيرا تفكيك وظيفة الدين ونطاق تأثيره في الحياة، وفق معنى تطوير الخطاب الديني على قاعدة الفهم الدقيق لدور الدين في حياة الناس.

وفي نهاية الفصل، يقدّم زايد قائمة بالبرامج التي يجب أن تطبقها الدولة لتطوير المحتوى وتتمثل فيما يلي : ترشيد ممارسة الخطاب الشفاهي، وتجديد مصادر الخطب المنبرية المكتوبة. وتوسيع دائرة اختيار الدعاة، وتأهيلهم تأهيلا دورياً والاهتمام بأحوالهم الاقتصادية. وتوحيد الرؤية وتحييد المؤثرات الأخرى على المتلقيين، خاصة في المجال التعليمي والإعلامي. وأخيرا تفعيل دور المؤسسات الرسمية ذات الصلة.

وبعد، فقد قمنا بهذا التحليل والعرض بعد أن قرأنا النص مرتين حتى نتمكن من فهم خباياه النظرية والمنهجية والمعرفية. إنه مكتوب بأسلوب ولغة جديدين على الوسط العلمي السوسيولوجي، تجمع بين ثلاثية: التماسك المنطقي، التطور الابستمولوجي للأفكار، وجمال العبارة. كأن المؤلف يحتفي باللّغة العربية التي كتب بها صوت الإمام، وكأنه يُلْبِس كل فكرةٍ الحلةَ التي تليق بها، ويختار لها أفضل ما في اللّغة من ألفاظ دالة على المعنى. ومن الناحية النظرية، لم يكن المؤلّف مسترشداً بإطار نظري محدد، إنما استفاد من عدد كبير من النظريات في علم الاجتماع واللسانيات على أرضية فلسفية مكنته في أغلب الفصول من ممارسة التأليف النظري لتفسير الواقع المصري. وقد أبدع زايد في استخدام الأدوات المنهجية السوسيولوجية، وضفر التحليل الكمي بالكيفي، فقدم في صوت الإمام معرفة علمية أصيلة نافعة خالية من التعقيد والاستعلاء.

أحمد موسى بدوي

خالد عبدالفتاح عبدالله


 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche