Sélectionnez votre langue

عبد العزيز الدوري، "الجذورالتاريخية للقومية العربية"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، أكتوبر 2008، 87 صفحة

يعالج هذا الكتاب المسار التاريخي للقومية في البلاد العربية، ويُعرض الفكرة من فترة بدايتها إلى الوقت الحاضر. و دار موضوع الكتاب في محورين:

أولاً: تأكيد الذات والاعتزاز بها إذ يقول عبد العزيز الدوري[1] إن أوليات الوعي العربي كانت مُبهمة وفوضوية في بدايتها، وعزا ذلك للوضع السياسي و الاجتماعي التي عاشته الجزيرة العربية قبل الإسلام، ومع مجيء الإسلام أصبـح الديـن المرجع الأساس في إيقاظ الوعي، إذْ تطورت نظرة العرب من عبادة الآلهة (فردية) للقبائل إلى آلهة أعـم و أشمـل، والاشتراك في العبادة في بيئة موحدة. وهذا التوحيد لا يتصل بالمسيحية التي دعمتها السياسة البيزنطية آنذاك، ولا إلى اليهودية التي كانت تتمتع ببعـض الحمايـة الساسانية، بل اتجهت عقيدتهم إلى الأعلى والأسمى إلى "الله"، فقد عمل الإسلام على إيـقاظ الوعي العربي، وتوحيد الكلمة و القيادة... وتشكلت حركـة عربية في بيئتها وفي لغتها وفي رسالتها، وهي تنشد الوحدة السياسية، وتنكر الانقسام والتجزئة، وترفض التبعية، وهي تتجه إلى تكوين قِيم ومُثل مُوحـدة، وتتخذ وجهة مَدنية في الحياة اليومية. تلت هذه المرحلـة فتوحات إسلامية جابت الأسفار والأمصار، ونشرت السيادة للعرب و المسلمين، وفُتِحَت أبواب من المعمورة، ولم تتوقد شعلة العلوم والمـعرفة إلاّ بعد إرساء دعائم الدولة (خاصة في بداية العصر العباسي) حيث اشتغل العرب في تأكيد ذاتهم بظهور الدراسات والبحوث العربية، وحركة التدوين و التأليف والتصنيف، لغوية وتاريخية وتجريبية، وبرزت الدراسات الإسلامية المتخصصة كدراسة القرآن والحديث جنب الدراسات الفقهية. فنشأت المدارس الفقهية الأولى ومهدت لظهور المذاهب الفقهية الأخرى فيما بعد[2]... وقد صـارت هذه المـدارس قاعدة الثقافة العربـية وأساس تكوينها.

يقول الكاتب مستدركا السّرد التاريخي للقومية العربية "لن يفيدنا أن نمجد هذه الحضارة ولكننا نريد معرفة الجذور، وإذا كانت الحضارة العربية قد ازدهرت، فذلك بسبب التحرر الفكري وسعة الأفق والجرأة العلميـة، وبسبب البحث عن الحقيقة واحترام آراء الغير واجتهادهم مهما اختلفوا... ولـذا ركد الـعرب حين مالوا إلى التقليد وحين تضاءل نطاق الحرية الفكرية " (ص. 21).

إن الوعي العربي استند إلى أسس ثقافية بالدرجة الأولى، وإنه اتخذ وجهة إنسانية في مراحل تطوره وإن هذا التطور كَون له جذوراً راسخة هي بذاتها الأسس الاجتماعية والثقافيـة للقوميـة العربـية.

ثانياً: ظهر الوعي القومي في القرن التاسع عشر، وقد مهدت له مُحاولات نشر التعليم وبث الثقافة وخاصـة في لبنان وسورية ومصر، و كانت من آثاره بداية الغزو الغربي التي بدأت بحملة نابليون 1798م، و الإرساليات الأجنبيـة في القسم الثاني منه، و تغلغل الأفكار والعادات الغربية. و تمثل هذا الوعي في الاهتمام باللغة العربية واعتبارها أحد مقومات العروبة، ونجد أن النشاط الثقافي الذي قامت به الجمعيات الأولى التي تأسست في البلاد العربية كـ "الجمعية العلمية السورية التي تأسست في بيروت سنة 1857م، والحلقة الثقافيـة التي تكونت بدمشق في أواخر القرن التاسع عشر حول الشيخ طاهر الجزائري، ثم الحلقة الثقافية الصغيرة بدمشق التي تبلورت في سنة 1903م بجمعية سرية وأثمرت في جمعية النهضة العربية سنة 1906" (ص. 50) كان لها بعدا سياسيا كذلك. و كان لاحتكاك الثقافي مع الغرب في الأول الأمر، ثم اصطدام العرب الاستعمار لاحقا أثر في تجليـة الجذور التاريخية للقومية العربية وتماسكها وترصين مفاهيمها. فقد رَحب العربُ بمفاهيم الحرية، وحرِصوا على الأخذ بما يُمكنهم من تحسين أمورهم المعاشية والاقتصادية، إلا أنهم لم يكونوا مستعدين للتخـلي عن تراثهم أو إنكار ذاتهم، فاشتد حرصهم على تأكيد الذات؛ يلخص ذلك المويلحي عندما يقول " السبب الصحيح في ذلـك هو دخول المدنية الغربية بغتة في البلاد الشرقية، وتقليد الشرقيين للغربيين في جميع أحوالهم ومعايشهـم، لا يستنيرون ببحث ولا يأخذون بقياس، ولا يتبصرون بحسن نظر ولا يلتفتون إلى ما هنالك من تنافر الطباع وتباين الأذواق واختلاف الأقاليم والعادات، ولم ينتقوا منها الصحيح من القبيح، بل يأخذوها قضية مسلم بها، وظنوا أن فيها السـعادة والهناء، وتوهموا أن يكونوا لهم القوة والغلبة، وتركوا لذلك جميع ما كان لديهم من الأصول القديمة والعادات السليمة والآداب الطاهـرة، ونبذوا ما كان عليه أسلافهم من الحق ظهرياً، فانهدم الأساس وهوت الأركـان وانقطعت فيهم الأسباب فأصبحوا في الظلام يهيمون"[3].

و في النهاية، ليست فكرة القومية فكرة طارئة أو مقتـبسة بل هي نتيجة تطور الوعي العـربي الذي تفجر ودام أكثر من أربعة عشر قرناً، يتمثل في حيـوية جديـدة تريد بعث الحياة في الأمة، وتريد كياناً خاصاً لها؛ وهذا ما يسعى إليه الوعي القومي الحديث الذي كانت بدايته في مطلع النهضة مع حركة المثقفين.

عبد الكريم حمّو

 


الهوامش

[1] ولد عبد العزيز الدوري في بغداد عاصمة العراق عام 1919، عمل مؤسساً وعميداً لكلية الآداب والعلوم، ثم رئيسا لجامعة بغداد خلال الفترة 1963-1968 لينتقل بعدها للتدريس في الجامعة الأردنية. استطاع الدوري في مؤلفاته التاريخية أن يقدم صورة جديدة للتاريخ العربي الإسلامي عن طريق دمجه لأصالة البحث التاريخي في مؤلفات المؤرخين العرب القدماء مع أدوات التحليل والبحث التي استقاها من الغرب.

[2] Schacht, Joseph, The origins of muhammdan, jurisprudence, Oxford, charedon press, 1950, p.125.

[3] المويلحي، محمد ، حديث عيسى بن هشام ، أو فترة من الزمن، القاهرة، مصر، دار المعارف، 1947، ص. 252.

 

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche