Sélectionnez votre langue

ظاهرة المهدي المنتظر في المقاومة الجزائرية خلال القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين

إنسانيات عدد 11 | 2000 | المقدس والسياسي | ص11-22| النص الكامل  


Mahdism and resistance in 19th C Algeria

Abstract: The essence of mahdism remains the wait for a radical work change which will be reflected in a “just society” rid of all imperfections mahdism presents main characteristics : firstly a total refusal of the present world and a search for a better world, secondly a stereotype “ideology” which is based on the idea that the actual world will end one day. This is a notion reserved to the monotheistic religions Judaism Christianity and Islam. Thirdly mahdism is not a maker of revolutions, it waits until it happens by miracle. The people’s role is to follow the prophets who predict the coming of the great day.
In the 19 th C, mahidistic movements were initiated by the marabouts. They concern regions of agricultural structure in violent conflict with colonial capitalism (violent penetration dispossession and distructuration) and reaching social layers impoverished by colonial exploitation (small owners, craftsmen and share croppers).
The Algerian historiography – of positive  essence – conceals the symbolic and anthropological dimensions of mahidism, whose historical function is to preserve the hope of an imminent delivery and of reviving national pride among populations suffering from the colonial yoke.


Mohamed GHALEM : Enseignant, Université d'Oran, Institut d'histoire, 31 000 Oran, Algérie
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle,
31 000 Oran, Algérie


 

تنتمي فكرة المهدى المنتظر إلى الأمثولة – أي إلى الأساطير التي تهيكل الفكر البشري – فالأسطورة – قصة مروية أو مكتوبة – تحتوى على وظيفة تفسيرية أساسا، تتعلق بالإنسان و الطبيعة و الكون. فالميثولوجيا اليونانية تفسّر وضع الإنسان في الكون و سماها البعض عن حق "علوم العصور الأولى"[1].

تختلف الأسطورة عن الخرافة أو القصة العادية التي لا تخرج عن نطاق التسلية و الاسمار، إنها تهدف إلى تحقيق وظيفتين رئيسيتين هـُمَا:

تحقيق التماسك الاجتماعي بين الجماعات البشرية سواء كانت قبلية، عرقية، محلية أو وطنية، بما يوحدها و يدعم أواصرها تجاه التحديات الـبشرية و الطبيعية.

- تكريس تراتب اجتماعي داخل الجماعة البشرية المعنية، يحقق سلطة معنوية أو مادية لفئة اجتماعية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بإنتاج الأسطورة و تعميمها.

1. خصائص الإيديولوجيا المهدية

يتمثل جوهر الحركات المهدية في انتظار تحول شامل و جذري للعالم من وضع قائم يتسم بالظلم و الفساد إلى وضع مرتقب تسوده العدالة و السكيـــــنـة. و يختلف المجتمع " المهدي" عن المدينة الفاضلة التي تَصَوَّرها الفلاسفة (جمهورية أفلاطون أو مدينة الفارابي) لأن الفلاسفة يؤمنون بسيادة العقل إذ تتكون مدينتهم من أشخاص مثاليين تغلب العقل على أهوائهم.

تتسم الإيديولوجيا المهدية بسمات عامة نجدها في الحركات المهدية التي شهدها حوض البحر المتوسط عبر التاريخ. تتصل هذه الحركات بفضاء الديانات السماوية (أهل الكتاب) إذ نجد فكرة "المهدى المنتظر" لدى الشعوب التي تؤمن بالديانة اليهودية أو الديانة المسيحية أو الإسلام. في المسيحية، كان يعتقد أن المسيح عيسى سيعود إلى الأرض بعد ألف سنة من ميلاده – مييلينوم Millenium – ليملأها عدلا.

ساد هذا الاعتقاد في أروبا المسيحية عند نهاية الألفية الأولى و هو ينتشر من جديد لدى طوائف مسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية مع نهاية الألفية الثانية و حلول الألفية الثالثة.

و في التاريخ الإسلامي، انتشرت فكرة " المهدي المنتظر" لدى الفرق الشـيعية و السنية على السواء، إلا أنها اتخذت صيغة عقائدية إلزامية عند الشيعة. فالإمام المهدي – في المصطلح الشيعي – أختفى لكنه سيعود إلى الأرض ليقيم فيها الحق و ينشر الدين الحنيف (العقيدة الشيعية). ينحدر "المهدى المنتظر" في رأي الشيعة من أهل البيت (ذرية علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء) في حين يعتقد فيه أهل السنة، بإمكانية انحداره من قريش عامة[2].

في الإسلام، اتخذت الحركات المهدية طابعا سياسيا واضحا: إذ كانت تسعى إلى تغيير النظام القائم مثل الثورات الشيعية أو إلى تكريسه مثل الخلافة العباسية (تسمية الخليفة العباسي الثالث بالمهدى مثلا).

1.1 تشترك الحركات المهدية في المبادئ التالية:

الاعتقاد بأن نهاية "العالم " أمر حتمي، على أنقاضه يقوم عالم "السعادة الكاملة" و تكمن رسالة المهدى المنتظر في تحقيق هذا الحلم.

تستند فكرة المهدى المنتظر إلى إيديولوجيا جاهزة لا تقوم على تغير الأسس الاقتصادية و الـسياسية و الاجتماعية، فالتغير المنشود يتم بانتظار "معجزة ربانية" و ترقب الشخص الذي يملك الكرامات الكافية و الخوارق اللازمة لتجسيد هذه المعجزة. مثل هذا الاعتقاد يصدر بشكل خاص – عن فكرة الولاية الصوفية الخفية التى قال بها أهل التصوف. فالولى الصالح يقول بالكرامات لجلب النفوس سعيا وراء تحقيق أغراض روحية تهذيبية "فلا مانع أن تنقلب الولاية إلى مهدية حالما كانت الأغراض و الأهداف سياسية ملوكية دينوية"[3].

فالحركات المهدية التي قاومت الإستعمار الفرنسي خلال القرن التاسع عـشر و بداية القرن العشرين كان يتزعمها شيوخ ينتمون إلى الطرق الصوفية. و في السودان، اعتبر المهدي[4] نفسه "من الأولياء العارفين الذين أدركهم الله بسابق سعادة ولم يحجبوا عن رؤية نبيهم صلى الله عليه و سلم".

يحقق المجتمع المهدي "السعادة للبشر لا بفضل تطوير لوسـائـل الإنـــتـــاج و المبادلة، بل عن طـريق توزيع عادل للخيرات المتوفرة، و بتقاسم الأعباء بين الأفراد. فالحركات المهدية تتمسك بالأساليب و التقاليد القديمة و لا تسعى إلى تجديد نظم الإنتاج ووسائله، بل تترك الجوانب الاقتصادية بدون تغيير أو تعديل…

2.1. الأيديولوجيا المهدية و البني الاجتماعية.

من الناحية الاجتماعية، ينتشر الفكر المهدى في أوساط تتميز ببنية زراعية أو حرفية تقليدية في مواجهة عنيفة مع الرأسمالية الاستعمارية و تجند عادة شرائح اجتماعية متباينة طالها الفقر و الخـراب بفعل السياسية الاستعمارية و الفواجع الطبيعية كالأوبئة و المجاعات. و تتكون هذه الشرائح من الفلاحين الفـــقــراء و الجماعات البدوية أومن أرستقراطيات عقارية عانت من سياسة الـمــــصـادرة و الاستغلال أو من حرفيين و تجار أصابهم الإفلاس بفعل المنافسة الرأسمالية.

- إن هذه الشرائح الاجتماعية المتباينة لا تؤمن بجدوى العمل السياسي المنظم4 لتحقيق أمانيها و تطلعاتها السياسية و الاجتماعية بل تؤمن بالعمل المباشر و العنف، و تهاجم رموز الظلم الاستعماري: المعمرين، أعوان الإدارة الاستعمارية، مراكز الدرك و الشرطة و الإدارة، ثم تلجأ إلى مواقع تختفى بها في انتظار تحقيق المعجزة على يد المهدى المنتظر.

- تندلع الثورات المهدية دون جهد كبير و يكون انتشارها في الأقاليم سريعا مثل انتشار النار في الهشيم لكن سرعان ما ينطفئ لهيبها نظرا لضعف تنظيماتها و قلة استعداداتها المادية و العسكرية. عادة، لا تصمد أمام المواجهات الأولى مع الجيش الاستعماري، لكنها تترك آثارا عميقة في نفوس الرعية، بعد إخمادها.

2. المقاومة و المهدية خلال القرن التاسع عشر

لا الأمير عبد القادر ولا الشيخ الحداد في منطقة القبائل ولا الشيخ بوعمامة بإقليم الجنوب الغربـي، و كلهم قادوا مقاومات مسلحة عظيمة ضد الاستعمار الفرنسي، قالوا بظهور المهدي رغم انتمائهم إلى الطرق الصوفية الكبرى مثل القادرية و الرحمانية و الشيخية.

فالأمير عبد القادر اضطر إلى مقاومة الحركات المناوئة له التي تزعمتها شخصيات آدعت "المهدية" مثل الشيخ موسى بن الحاج الدرقاوي بإقليم المدية سنة 1834 و الشيخ محمد الصغير التيجاني بإقليم الجنوب سنة 1838.

1.2. الحركات المهدية في الجزائر في القرن 19:

في البداية، نسوق أمثلة عن الحركات المهدية التي شهدتها الجزائر خلال القرن التاسع عشر.

خلال سنة 1834، ثار الشيخ أبو موسى بن الحاج الأغواطي في نواحي المدية على الأمير عبد القادر و شق عصا الطاعة لأنه كان يعتبر التفاوض مع الكافر الفرنسي انحرافا عن الجهاد. "لقد عـارض الشيخ أبو موسى المعاهدة التي أبرمها الأمير عبد القادر مع الجنرال "دي ميشال" و أعـلن الجهاد فالتفت حوله قبيلة صبيح و كثر أشياعه و أدعى الكرامات فاعتـقد الناس "أن هذا السيد لا يتكلم فيه البارود ولا يضره الرصاص المزيد ولا يجرحه لا هو ولا جيشه الحديد"[5].

- ينتمي الشيخ أبو موسى إلى الطريقة الدرقاوية التي اشتهرت بمواقفها الثورية" و بنفوذها الواسع في الأوساط الفقيرة، فكثر اتباعه وكان "جيشه كالجراد المنتشر" اقتحمته قوات الأمير عبد القادر في معارك عديدة بصبيح ثم جندل ثم وادى وأمري "فلم يكن غير ساعة إلا و أبوحمار قد أنهزم بجيشه وولى الإدبار"[6].

وخلال سنة 1845، قامت انتفاضة الشيخ "بومعزة " بإقليم الظهرة فاتسع نطاقها إلى جبال الونسريش وإقليمي التيطري و الحضنة. كان "بومعزة" شيخا من شيوخ الطريقة الطيبية" لا يظهر أمام الناس إلا مستصحبا عنزة يجرها معه فَتَكَنَّيِ بها[7]" تظاهر بمظهر الصالحين الناسكين، وصارت الخوارق تظهر عـــلى يــــده، و تلقب بالمهدي محمد بن عبد الله، فتبعه الناس وآنطوت تحت لوائه قـبــائـل و عروش و كثر أشياعه فاشتهر ذكره عند العام و الخاص[8].

ظهرت حركة المهدي بومعزة في ظرف تاريخي عم فيه اليأس بسبب الضربات التي تلقتها مقاومة الأمير عبد القادر، دامت حركة الانتفاض إلى غاية ماي 1847 حيث استسلم الشيخ بومعزة. استمرت الحركة سنتين كاملتين لأن هذا الأخير كان ينتقل من إقليم إلى آخر، يقوم ثم يختفي رغم الضربات التي كان يتلقاها من الجيش الفرنسي.

عقب ثورة 1871 الشهيرة و في ظل وضع اقتصادي مُتَرَدِ اتسم بالجــــفـــاف و العوز العام، قامت حركة الشيخ محمد أمزيان بإقليم الأوراس سنة 1879، كان الشيخ إماما فقيها، ينتمي إلى زاوية تبرماسين الرحمانية، اعتقد الناس بخـوارقه و كراماته "لحظة فرح عام بتحرر الوطن و ساعة ابتهاج عم الجميع[9]، اعتبر نفسه مهديا لإثبات قوته و تمكين نفوذه، فكان يوقع الرسائل التي يوجهها إلى العروش " محمد بن عبد الرحمن الإمام المهدى، المبعوث إلى الحق و يهزم من كفر".

- بدأ العصيان يوم 30 ماي بمقتل شخص من فرقة الدواير التي حاولت اعتقال الشيخ محمد أمزيان وسط عرش اللحالحة الذي نزل به في مهمة تدريس القرآن و إمامة الناس. ثم استمر إلى غاية 17 جوان حيث وقعت معركة الأرباع وانتهت إلى هزيمة الثوار و انسحاب الشيخ محمد أمزيان و بعض إتباعه إلى نفطة بالجريد التونسي[10]. تمكنت الحركة من القضاء على بعض القياد و أعوانهم لكنها لم تصمد أمام قوة الجيش الفرنسي إذ كان سلاحها لا يتجاوز " الـعـصـى و السيوف و بعض البنادق الفاسدة" و كان نطاقها ضيقا لم يشمل سوى عرش أولاد داود و غاليبة بنى بوسليمان و فرقة من بنى أوجانة وزاوية العبدى.

- في 26 أفريل من سنة 1901، احتشد أكثر من مائة شخص من دوار عدلية بقرية عين التركي (عريوة حاليا) التي تبعد عن مدينة خميس مليانة بتسعة كليمترات، يقودهم مرابط (الشيـخ يعقوب) اعتبر نفسه مهديا جاء لينقذ المسلمين من بطش الكفار"[11]. استولى الثوار على القرية عند منتصف النهار واشتبكوا مع القايد وأعوانه ثم اعترضوا عددا من المعمرين فخيروهم بين الدخول إلى الإسلام أو القتل، فرفض خمسة منهم ذلك فقتلوهم. أما المتصرف و نوابه فقد تظاهروا باعتناق الإسلام فنجوا من القتل. وفي المساء، وصلت كتيبة من الجيش واشتبكت مع الثائرين فقتلت ستة عشر منهم وسيطرت على الوضع و عادت الأمور إلى حالتها دون أن تتحقق "معجزة" الشيخ يعقوب.

- شمل العصيان قبيلة ريغة التي كانت تقطن جبال زكار و تعيش على أراض زراعية فقيرة و على رعي الحيوانات في الأحراش و الغابات. بلغ التذمر ذروته لما عانته هذه القبيلة من سياسة المصادرة و التعسف الإداري. في سنة 1868، انتزعت الإدارة الاستعمارية من القبيلة مساحة تقدر ب 1463 هكتارا بموجب قانون مجلس الشيوخ لسنة 1863 الذي يعمل على تفتيت الأملاك الجماعية و عندما ألحق دوار عدلية ببلدية "عين التركي" المختلطة، انتزعت الإدارة مساحة أخرى تقدر ب 1799 هكتارا فيما بين 1877 و 1881 ثم [12] باعت القبيلة إلى المعمرين بسبب الفقر و الحرمان مساحة أخرى تقدر 3329هـ فيما بين 1881 – 1900. هكذا تقلص عدد الفلاحين بالمنطقة إلى 3206 فلاحا و تقلصت ملكياتهم من 9323 هـ إلى 4066 هـ : 960 هـ منها صالحة للزراعة. إلى جانب ذلك، تعرضت حيواناتهم إلى المصادرة بسبب سياسة الزجر و المحاكمات الجائرة.

2.2. فكرة "المهدي المنتظر" في الأدب الشعبي

فيما بين 1881 – 1918 انتقلت فكرة " المهدي المنتظر" إلى الأدب الشعبي على يد شعراء شعبيين (مداحون وقوالون) كانوا ينتقلون في المدن و القرى بمناسبة الأعياد وانعقاد الأسواق الأسبوعية يقرأون أشعارهم و يَرْووُنَ قصصهم في حلقات يحضرها الكبار و الصغار.

تناول "الشعر الملحون" في الجزائر قصائد ملحمية تحيي ذكرى أبطال مسلمين و شخصيات جزائرية و تعرض لمواقف هجائية تصب اللوم على الإدارة الفرنسية وأعوانها مـن الأهالي. إن الأدب الشعبي" نضالي المنحى يعبر عن ذاتية جزائرية صادقة ترتكز على ثوابت تاريخية مثل الارتباط بالأرض و التطلع إلى الـحـريــــة و مقاومة الاستعمار. يعتبره الباحث الاثـنوغرافي ج. ديبارمى "الصورة الصادقة للشعور الجماهيري المتطلع إلى جلاء الفرنسيين من الـبلاد"[13] إذ كانت موضوعاته تعمل على مقاومة اليأس و ترسيخ الأمل الخاص بالتحرير من النير الاستعماري.

اعتقد شعراء الملحون أنهم "مسكونون" بأرواح الأولياء الصالحين العارفين"، فذاع صيتهم في الأوساط الشعبية وانتقلت شهرتهم في المدن و الآرياف. خلال سنة 1908، حلل الباحث ديبارمي[14] مدونة " ديوان الصالحين " التي عثر عليها بناحية البليدة، فلاحظ أنها تحكي "مـداولات الأولياء الصالحين بإشراف القطب سيدي عبد القادر الجيلالي" و تدعوهم إلى تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي. لقد دارت الجلسة الرابعة والثمانون حول كيفيات تحقيق الدعوة التالية "يا أيها الأولياء الصالحون قوموا و تكفلوا بقضيتنا..ابعثوا إلى هذه الأمة صاحـب الوقت ومول الساعة". اقترنت سنة 1908 الميلادية بحلول القرن الرابع عشر و اعتـبره الرأي العام الجزائري زمن ظهور "الإمام" الذي اصطفاه الله لقيادة المؤمنين و إنقاذهم من جور الكافرين".

وخلال سنة 1893، اقترنت صورة "المهدى المنتظر" بالسطان العثماني، فانتشرت في المدن و الأرياف أخبارا تتحدث عن قدوم الجيش العثماني إلى الجزائر لتخليصها من الوجود الـمسيحي، و على إثر الانتصار الذي حققته الجيوش العثمانية ضد اليونان سنة 1879، تجددت الشائعات حول قدوم السلطان العثماني على رأس جيوش جرارة فكان ذلك "حديث الناس في المقاهي و الأسواق" و"هو قطب عصره – المهدى المنتظر… "

تقول قصيدة عثرت عليها الإدارة الاستعمارية بناحية معسكر

الترك بالأمحال يبرهن v هنا ولهيك غاذي

تسعدله الأيام يا أحرار v ومعه تسعد الأيام

على العدو، ياربي دور v الفلك وأعطينا أيام

الحق يعود فيها باين v يزول عنا القهر و الظلام [15]

و فيما بين 1905- 1918، انتقلت صورة "المهدي المنتظر" إلى شخص الأمبراطور الالماني "قـيوم الثاني" الذي نعتته الأدبيات الشعبية بالحاج قيوم". لقد كان الرأي العام الشعبي يفسر الأحداث الدولية المرتبطة بالمسألة المغربية "على طريقته، فذاع صيت الملك الألماني الذي اعتبر نفسه "صديق 300 مليون عربي يعلنون ولاءهم إلى الخليفة العثماني"[16] وقال قائلون "إنـه أسلم و حسن إسلامه" على إثر الزيارة التي قام بها إلى فاس كما كثر الحديث في مقاهي الجزائر العاصمة عن قيام حرب ألمانية فرنسية سيستقل الشمال الإفريقي على إثرها.

و خلال الحرب العالمية الأولى، تغنت الجماهير الشعبية بالحاج قيوم "قاهر سبعة أجناس منها الفرنسيين" و بجيشه العرمرم الذي يضرب بمناطده -Zeppelins - في السماء و بغواصاته في الـبحر و بمدافعه ذات عيار 420 في الأرض"[17] فما على فرنسا إلا أن تغادر الجزائر أمام زحـف القوات الألمـــانـــية و تكهن وعاظ كانوا يتحدثون على لسان أولياء صالحين أمثال سيدى عبد الرحمن الثعالبي، بحلول يوم الاستقلال سنة 1915 "ما بين العيد الأصغر و العيد الأكـبر على الساعة الحادية عشر صباحا "أو" أثناء موسم الحصاد حيث يشتد القتال بالمدافع خلال سبعة أيام ثم تنحسب الجيوش الفرنسية في اليوم الثامن"[18] لتترك المكان لولى العهد العثماني الأمير محمد بن عبد الحميد الثاني.

لقد خلد الشعراء الشعبيون التحالف العثماني الألماني واعتبروه ضرورة عسكرية سياسية تمـهد لقدوم الجيوش العثمانية في حالة قيام الثورة في شمال إفريقيا وارتبط التحرير المرتقب على يد الجيوش العثمانية الألمانية "باستعادة الأهالي لأراضيهم المغتصبة وبإعفائهم من دفع الضرائب الثقيلة"[19] و عشية انتفاضة بنى شقران بمعسكر لسنة 1915 " تناقل الناس في المقاهي و الحمامات أخبارا عن قدوم الأمير خالد – حفيد الأمير عبد القادر – إلى المنطقة، إذ وضعه الألمان على رأس جيش كبير جاء لتحرير المستعمرة"[20].

تفطنت الإدارة الاستعمارية إلى خطر هذه التنبؤات، فلاحقت المدّاحــــيـــــن و القوّالين و مـنعتهم من تنظيم "الحلقات" في الأسواق و الساحات. إلا أن نفوذ دعوتهم المهدوية" المناوئة للاستعمار كان راسخا في ذهنيات الجماهير و لم تنجح محاولتها الرامية إلى تعيين "مداحين طيعين" يعملون على الدعاية للأعمال الفرنسية في الجزائر.

3. الوظيفة التاريخية للإيديولوجيا المهدية.

1.3. نظرة الأسطوغرافيا الجزائرية إلى الحركات المهدية :

تنظر الاسطوغرافيا الجزائرية التقليدية و المعاصرة إلى الحركات المهدية نظرة ازدراء و احتقار و يتخذ مؤلفوها موقفا معاديا من القائميين بها.

ينعت المازرى الشيخ أبا موسى الدرقاوي ب "رجل خامل الذكر، ساقط القدر".. فوكل به الشيطان ففاه بالمخاريق "ويصف حركته" بأنها أخلاط من العرب…"[21] و نلمح النظرة نـفسها عند الشيخ عبد الرحمن الجيلاني حين يتهم أبا معزة با"لمتمهدي" الذي يتظاهر بالورع و الصلاح ويقول بالكرامات[22].

يعود عداء المؤرخين التقليدين للحركات المهدية إلى عاملين هما:

- إنهم عادة مثقفون سلفيون لا يؤمنون بصحة نسبة الكرامات و الخوارق للأولياء و الصالحين إذ لا يرون لها دليلا قاطعا في النصوص الدينية.

- إنهم شريحة اجتماعية تنتمي إلى طبقة الخاصة التي تنظر بعين القلق إلى الثورات الاجتماعية التي ترمي إلى زعزعة النظام القائم و إلى ذهاب امتيازاتهم الاجتماعية و الاقتصادية (الفتنة أشد من القتل).

و حتى ابن خلدون الذي تميز بنظرة عميقة للحركات الاجتماعية التي شهدها المغرب في العهد المريني الزياني، فانه أعتبر دعاة المهدية "من الموسوسين يأخدون أنفسهم بإقامة الحق و لا يعرفون مايحتاجون إليه في إقامته من العصبية و لا يشعرون بـمغبّة أمرهم ومآل أحوالهم"[23] ويؤكد في حقهم "ومن هذا الباب، أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من الفقهاء، فإن كثيرا من المنتحلين للعــبادة و سلوك طرق الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمـراء داعين إلى تغيير المنكر و النهي عنه و الأمر بالمعروف فيكثر أتباعهم و المستبشرون بهم من الغوغاء و الدهماء – لكن أحوال الملوك و الدول راسخة قوية لا يزحزها و يهدم بناءها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل و العشائر"

وحذا المؤرخون الجزائريون المعاصرون حذو أسلافهم، فلم يهتموا بظاهرة "المهدي المنتظر" و تأثـيراتها على المقاومة الجزائرية[24]. فمنهم من لم يتناولها تماما وأعرض عن دراستها[25] ومنهم من أدمجها ضمن العامل الديني[26]. يعود ذلك إلى المنظور القومي الوضعاني الذي تتسم به الاسطوغرافيا الجزائرية المعاصرة.

نجد اهتماما بالتصورات المهدية في البحوث الأنثوغرافية و الدراسات الأنثروبولوجية التي تتناول التراث الشعبي في المجتمعات المغاربية و ظاهرة المقدس على الخصوص. كيف تتجلى الوظيفة التاريخية للحركات المهدية من خلال هذه الدراسات و البحوث؟

2.3. الوظيفة التاريخية للحركات المهدية :

لإدراك حقيقة هذه الظاهرة، يجب فهم المسيرة التاريخية للانتفاضات المسلحة في الجزائر. عرف القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين حركات مسلحة ضد الاستعمار الفـرنسي، تـفاوتت قوتها بين الفترة و الأخرى. انتهت مقاومة الأمير عبد القادر سنة 1845 ؛ عقبتها فترة "هدوء" دامت إلى سنة 1851، ثم قامت ثورة الزعاطشة و ثورة القبائل و ثورة الأوراس (بين 1849 و 1857) عقبتهما فترة "هدوء" أخرى دامت إلى سنة 1863 ثم قامت ثورة أولاد سيدي الشيخ بالجنوب الغربي سنة 1864 ثم كانت فترة "هدوء" إلى أن قامت ثورة 1871 بالقبائل الكبرى و الصغرى ثم عقبتها فترة "هدوء إلى أن ظهرت ثورة أولاد سيدي الشيخ الثانية سنة 1881 و هكذا دواليك إلى أن كانت ثورة بلزمة في الأوراس سنة 1916.

هكذا يتخذ زمن الحركات المسلحة المناهضة للاستعمار الفرنسي شكل ملتوية جيبية sinusoide)) تحتل الانتفاضة المسلحة قمتها وفترة الهدوء قاعها.

 

يساعدنا هذا الترتيب الزمني للانتفاضات على تحديد الوظيفة التاريخية للحركات المهدية التي تتميز بقلة التنظيم و ضعف الاستعدادات المادية و ضيق الرقعة و الانتشار فإنها تنتشر عموما عقب الثورات المسلحة الكبرى و خلال ما أ سميناه بفترات هدوء بهدف مقاومة اليأس الناتج عن إخفاق هذه الثورات وإحياء الأمل بالتحرير المرتقب. "ما هو ثابت و مؤكد أن الشعب الجزائري قادر على الصمود أمام النكبات و المحن. لقد كتب الله على المسلمين أن تنالهم المصائب و عليهم أن يتجلدوا بالصبر و يتحلوا بالعزيمة القوية إلى أن تحل ساعة الفرج"[1].

تعيد الحركات المهدية تفعيل الذهنيات الحية حين تخفق الانتفاضات المسلحة، إنها لا تترك مجالا لليأس و الخنوع، بل تعمل على إثارة "الغيرة الوطنية" وإبقاء أمل الاستقلال ثابتا لا يتزعزع في نفسية الشعب و الجماهير.

كلما أحيى الشعراء الشعبيون (المداحون) ذكرى الأمام " على بن أبي طالب" و هو يصارع الغول (الاستعمار الفرنسي) أو ذكرى أولياء صالحين قامت دعوتهم على الأمر بالمعروف و الـنهي عن المنكر، أنتج المجتمع الجزائري ذاكرة خصبة تعيد الاعتبار إلى الذات الجماعية التي ترتكز على اليقظة الوطنية و إرادة التحرير[2].

- مست الأيديولوجيا المهدية المخيال الجماعي لشرائح اجتماعية واسعة كانت تعاني من آثار الاستعمار الفرنسي و عواقب الرأسمالية الحديثة و رغم التفتيت الذي تعرضت له البنى الاجتماعية و الاقتصادية التقليدية بفعل سياسة الرأسمالية الاستعمارية (القبيلة و الزاوية على الخصوص)، حافظت فكرة "المهدى المنتظر" على القدرات القتالية و طاقات المقاومة لدى هذه الشرائح الاجتماعية المتذمرة.

إلا أن المجتمع الجزائري كان مطالبا – مع نهاية الحرب العالمية الأولى – بتغيير بناه الاجتماعية و الاقتصادية – أي بناء مؤسسات حديثة – و باعتماد أساليب نضالية معاصرة (الحزب السياسي – المطالبة بالحقوق الســـــيــاسـيـة و المدينة) لمواجهة الاستعمار الفرنسي و تحديات العصر.

المراجع

المراجع العربية

  1. ابن خلدون (ع ر) – (دون تاريخ) : المقدمة – بيروت لبنان
  2. الجيلاني (ع ر) – 1984 – تاريخ الجزائر، العام – 4 أجزاء – الجزائر.
  3. زوز ( ع ح) – 1986- ثورة الأوراس لسنة 1897 – الجزائر
  4. لشرف (م) – 1983 – الجزائر : الأمة و المجتمع – ترجمة حنفى بن عيسي – الجزائر-
  5. المازرى (ا ع) – 1990 – طلوع صعد السعود في أخبار و هران … بيروت – لبنان (تحقيق يحي بوعزين)
  6. سيمينوف (س) 1994 – دولة المهدية في السودان – ترجمة هـ – رياض – بيروت – لبنان

المراجع الفرنسية

 

1. AGERON, CR.- Les Algériens musulmans et la France.- Paris,. Puf, 1968,  2 t.

2. Encyclopédie de l’Islam 1990.- in Mahdi, Paris, nouvelle édition.

3. Hobs bawn (EJ) Les primitifs de la révolte dans l’Europe moderne Fayard Paris.

4. Société de géographie d’Alger (bulletin) : BSGA, ALGER. J. Des parmet:

- Les cent et une séance. – 1910.

- La propagande allemande à Alger.- 1915

- La Turcophilie en Algérie.- 1916 – 17

- Les réactions nationalitaires. – 1932.

- Les élègies et les satires politiques. –1933.

5. Revue Africaine – Alger – 1939.

6. J. Des parmet. Les chansons de geste : 1870- 1914.


الهوامش

[1] - La science des premiers âges.

 [2]- لمـزيد من المطالعة، أنظر مقال: Encyclopédie de l’Islam –Paris, Nouvelle édition MAHDI, 1990. –p.p 1221 – 1228.

 [3]- العروي، عبد الله.- مجمل تاريخ المغرب.- ج 2، الدار البيضاء، 1994.- ص.148.

 [4]- سيمونوف، س.- دولة المهدية في السودان .- ط1، دار الجيل، بيروت، 1994.- ص.114.

 قاد المهدي حركة عارمة ضد الوجود الانكليزي-المصري في السودان سنتي 1881-1882.

  مكرر- E.J. Hobsbawn .- Les primitifs de la révolte dans L'Europe moderne.- Paris

(voir chapitre : millenarisme) 

 [5]- إبن ع المازري.- طلوع سعد السعود.- 1990.- ص.125.

 [6] - نفس المصدر.- ص.128.

 [7]- الجيلانى، ع. الرحمن .- تاريخ الجزائر العام.-ج.3، 1984 .- ص.204.

 [8] - ابن ع المازرى.- المرجع السابق.- ص. 222.

 [9] - زوزو، ع ج.- ثورة الأوراس. – الجزائر، 1986.- ص.63.

 [10]- AGERON, C.H.R.- Les Algériens….- Tome 1, 1968.– p.59.

 [11]- نفس المصدر.– الجزء الثاني.- ص.965. تؤكد الأسطوغرافيا الوطنية أن تجربة "بومعزة" (الطريقة الطيبية) كانت تهدف إلى ضرب أركان الدولة التي أقامها الأمير عبد القادر على أسس سنية إصلاحية أكثر مما تهدف إلى مقاومة الاستعمار. فاللجوء إلى الفكر المهدوي كان يرمي إلى التشكيك في شرعية إمامة " الأمير عبد القادر الوضعية أكثر مما كان يرمي إلى تجنيد القوى الاجتماعية ضد العدو الفرنسي. يحتاج هذا الافتراض إلى أدلة تاريخية واضحة خاصة حين تحول إلى "مؤامرة" حاكتها قيادة الطريقة الطيبية بالمغرب الأقصى لضرب مشروع "الدولة الوطنية" الذي كان يدعو له الأمير عبد القادر أنظر:

 A. NADIR.- Les ordres religieux et la conquête française 1830 - 1851.- in Revue algérienne des sciences juridiques, n°4, Alger, 1972.

 [12]- المرجع السابق .– الجزء الثاني.- ص.966.

 [13]- DESPARMET, J..- Les élégies et les satires politiques.- in BSGA, Alger, 1933.

 [14]- DESPARMET, J..- Les cent et une séance. – in BSGA, Alger, 1910.

 [15]- Archives de la wilaya d’Oran – Dossier Beni-chougrene.

 [16]- AGERON, C.R.- Op.cité, T.II.- p.1182..

 [17]- DESPARMET, J..- La chanson d’Alger pendant la guerre.

 [18]- AGERON, CR..- Op.cité.- I. II.- p.1183.

 [19]- AGERON, CR..- Op.cité.- I. II.- p.1187.

 [20]- Archives de la wilaya d’Oran – Dossier Beni Chrougrane : letttre du sous-préfet p. Bert : 19-10-1915.

 [21]- ابن عودة المازرى.– المرجع السابق (الجزء الثاني).- ص.126.

 [22]- جيلاني، ع.الرحمن.- المرجع السابق (الجزء الرابع).- ص.207

 [23]- بن خلدون ، ع. الرحمن.- المقدمة يخص ابن خلدون فكرة المهدى المنتظر" بفصل من كتاب المقدمة لكنه يدرسها في سياق نظريته العامة حول الملك و الدولة إنه لا يؤمن بالدعوة التي تقوم بغير عصبية إذ لا يحصل الملك إلا بشوكة العصبية و القبيل.- ص.ص. 113 - 114.

 [24]- اهتم مؤرخون مغاربة بالحركات المهدية في بلادهم و درسوها بطريقة جيدة مثل عبد الله العروى في كتابة "الأصول الاجتماعية للوطنية المغربية" و محمد قدورى في أطروحته حول "أبي محلي"…

 [25]- أمثال يحي بوعزيز في كتابه "ثورات الجزائر" و مصطفى الأشرف في كتابة" الجزائر: الأمة و المجتمع..

 [26]- أمثال: ع ح زوزو في كتابه "ثورة الأوراس" سنة 1897 شض…

 [27]- DESPARMET, J..- Les réactions nationalitaires….- in BSGA, Alger, 1910.  

 [28]- DESPARMET, J..- Les chansons de geste 1830 – 1914.- in Revue africaine, Alger, 1932.

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche