Sélectionnez votre langue

التراث الشعبي و المسرح تجربتان من الجزائر


إنسانيات عدد 12 | 2000 | إشكالية التراث ؟ | ص21-26 | النص الكامل


Patrimony and the theatre. Two Algerian experiences

 AbstractWhen one goes back to the beginning of the theatre in Algeria, one understands that investing the patrimony was an unavoidable necessity. Allalou, after the failures of Georges Abiod and Tahar Ali Chérif, use the Jeha heritage, a Thousand and One Nights, just as Alloula in the 1980’s uses the patrimonial form (Halqa) for a more direct contact with the public, which he wanted to enlighten and to make consionable.


Ahmed HAMMOUMI  : Faculté des Lettres, Langues et Arts, Département de langue et littérature arabe - Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie


تجمع الثقافة الشعبية بين طرفين يقصدان طرفا ثالثا، أما الطرفان فهما الثقافة ذاتها و حاملها و هو المرسل، و أما الطرف الثالث فهو المتلقي.

كان لموقع المداح[1] و حلقته أثر بليغ في المجتمعات العربية، فهل كان يمكن لمن مارس المسرح في البلاد العربية أن يتجنب هذا الزخم المتوفر و القريب من متناول اليد ؟

نرى أن الوقت قد حان لنطرح إشكالية التراث الشعبي موضع السؤال و البحث، لآن المسار الذي قطعه التراث الشعبي و المسرح يتطلب وقفة.

وقفة لمعرفة هذه العلاقة من حيث نوعيتها و ما أنجز عنها من مسرح و لا مسرح لآن العامل الذاتي في توظيف التراث خطير الأهمية.

التراث و المسرح عنصران مستقلان، يتمتع كل منهما – عند المنطلق – بحرية مطلقة في الحراك و السيرورة و الصيرورة، و لكن لقاءهما يعطى نتاجا ثالثا مستـقلا عن الأول و الثاني جميعا حيث ينتج عن عنصر موجود بالفعل مضاف إلى عنصر موجود بالقوة عنصر موجود بالفعل و لا هو الأول و لا هو الثاني.

و قفة للبت في مسألة بحثية متعلقة بما ننعت به هذا المسرح المتولد عن لقـاء المسرح و التراث الشعبي، أ هو مسرح تجريبي ؟ أم غيره هو المسرح التجريبي ؟

من أجل معرفة واقع علاقة المسرح بالتراث الشعبي في الجزائر نقترح طريقة تنظر إلى هذه العلاقة على مستويين :

أولا : كثير ممن كتبوا و اخرجوا[2] مسرحيات، تعامل مع التراث الشعبي أما من باب إتباع الموضة أو لفقر نظري و ضعف الثقافة المسرحية لديهم.

ثانيا : منهم من استعمال التراث الشعبي بسابق أصرار و بوعي تام و يمكن تقسيم هؤلاء قسمين :

  • استلهام موضوعاتي
  • استلهام تقني شكلي أو كلاهما. كم يمكن تحقيبهم كما يلي
    • البداية الأولى و هي الفترة التي ظهر فيها المسرح يستمر حتى الآن فاستلهم سلالي من التراث لجلب المتفرج.

- فترة الاستقلال حين زاوج ولد عبد الرحمن عبد القادر (كاكي) بين التراث الشعبي و المسرح.

- فترة الثمانينات حين يركب المسرح السياسي مطية التراث الشعبي لتمرير الخطاب السياسي و على رأس هؤلاء عبد القادر علولة.

ا- التجربة الأولى أو إشكالية البداية

في مطلع القرن العشرين، أصبحت الكلمة سلاحا يشهر في وجه المستعمر بعد الفشل النسبي الذي عرفته المقاومات الشعبية[3].

بدأت الحركة الوطنية تتشكل و بدأ العمل السياسي جنينيا و ظهرت الصحافة باللغتين العربية و الفرنسية.

إذا فقد اضطلع المجتمع المدني بتسيير النضال ضد الاحتلال على المستويين السياسي و الثقافي.

يقول المؤرخ شارل روبير آجرون أن "حركة الشباب الجزائري انقسمت إلى من ينادي بالتجنس مع التخلي عن نظام الأحوال الشخصية الإسلامي و إلى من يطالبون بالمواطنة و بحق التمثيل البرلماني مع الإبقاء على نظام الأحوال الشخصية (...) و كان الفريق الثاني أكثر تأثرا بإرادة الجماهير الأهلية في الحفاظ على معتقدهم و على شخصيتهم و قد وجد الفريق الثاني في الأمير خالد من يحمل رايتهم"[4].

كان الأمير خالد و هو حفيد الأمير عبد القادر الجزائري – قد استقال من الجيش الفرنسي ليوفر جهوده كلها للعمل السياسي المتمثل في الدفاع عن الجزائريين، يدافع في البرلمان و يدافع في الصحافة[5].

لم يفصل ما بين العمل السياسي و العمل الثقافي

حضر حفل تسلم جورج أبيض شهادة التخرج من الكنسر فتوار بباريس في السنة 1910 و طلب منه أن يمده بمسرحيات عربية أو مكتوبة بالعربية[6] كما سهل عليه الإقامة و العروض حين زار جورج أبيض الجزائر في 1921.

في هذه الظروف يظهر المسرح بالجزائر على يد طاهر الشريف[7] الذي اقتنى أثر جورج أبيض فكتب ثلاث مسرحيات ما بين 1921 و 1924.

  • الشفاء بعد العناء
  • خديعة الغرام
  • بديع

و موضوعها جميعا ادمان الخمر مع الملاحظة أنه كتبها باللغة العربية الفصحى.

لم يهتم به الجمهور، فانصرف عن المسرح ليتعاطى العمل السياسي المباشر، من بين الأسباب التي كانت وراء فشل مسرحيات طاهر على الشريف. انعدام الصلة بين الجزائريين و بين المسرح بصفته نشاطا يعرض في قاعة مغلقة تحتوى ركحا صالحا للتمثيل، أضف إلى ذلك كون جمهور العاصمة ذا أصل ريفي علاقته بالمدينة محدودة و قصيرة المدى الزمني، كما أن مرجعيته الثقافية مازالت ريفية. يتفرج الناس على المداح كل أسبوع في الأسواق أما المسرح كما قدمه طاهر علي الشريف و من قبله جورج ابيض فلم يكن لهم به علم[8].

فالمتفرج و قتها – بائع أو مشتر أو متجول عاد، يقف عفوا عند حلقة أو أخرى / من دون أن يعي هذه العملية فقد لا يبرمجها و هو خارج من بيته.. بل قد لا يبرمج دخول السوق بينما طلب منه أن يلج قاعة عروض و ضعت خصيصا لهذا الشأن و عرضت عليه "رواية" غريبة ناطقة بلغة عربية فصيحة.

كان سلالي علي – علالو – على علم بكل هذا... فقد نفرج على ما قدمه جورج أبيض و طاهر علي الشريف... فاعتمد على التراث الشعبي واسطة للتواصل مع الجزائريين.

في العقد الثاني من القرن العشرين بدأ المستعمرون يفكرون في الاحتفالات بالذكرى المئوية الأولى للاحتلال و كانوا يريدونها فاخرة على كل الأصعدة بما فيها الثقافي.

كان المستعمر مسيطرا على كل الفضاءات الاجتماعية و لم يترك للجزائريين سوى حيز ضيق جدا فقد كانوا مرغبا عنهم، الفقر قوتهم اليومي، كما أن الحياة السياسية و الثقافية تتطلب ثقافة عامة و خاصة لم يكن لهم منها النصيب الكافي كما أن فضاء آتها كانت متقلصة.

في مثل هذا الجو كان الضحك الضالة المنشودة،...

عاش علالو و تنفس هذا الجو، و كان رجوعه إلى التراث الشعبي لتلبية هذه الرغبة عند الناس.

اختار لأول مسرحياته شخصية جحا واسطة بينه و بين متفرجيه.. فجحا يبقى أحسن إشهار.

لكن أحداث المسرحية لا تمت بصلة إلى حجا الأسطوري[9]، و قد حققت نجاحا معتبرا، فيبحث علالو عن مفردة أخرى يستقيها من التراث و يرجع إلى "ألف ليلة و ليلة" المعين الذي لا ينضب و المعين حين يتعذر على الكاتب توفر حكاية تكون دعامة لحنك. يحدو حدو مارون نقاش فيمسرح مغامرات أبي الحسن المغفل في مسرحية "النائم اليقظان" ثم يبحث له عن شخصية اسطورية متجذرة في الخيال الشعبي و يكون عنترة بن شداد العيسى بطل المسرحية "عنتر الحشايشي".

و يستمر في استلهام التراث حتى ينقطع عن المسرح في 1932[10].

عرض علالو على متفرجيه عالما عجائبيا خرافيا و كان هذا العالم بالنسبة إليهم "تعبيرا رومانسيا عن أمال الشعب الذي كان يرتاح إلى هذا التعبيير لآنه يصور له العالم الجميل الذي يصبو إليه[11].

التعويضية سلاح يقاوم به المرء "ضيق العيش" يسعد للحظات بسعادة غيره بل و يحيا حياة بالإنابة.

جنى علالو من التراث الشعبي ليعرف الجزائريون أن للعرب تاريخا عريقا – فلا يبتدئ في 1830 تاريخ دخول فرنسا الجزائر – كما أن علاقتهم بالحضارة ضاربة في العروق و أنهم عرفوا عصورا ذهبية عاشوا خلالها في أبهة و بذخ و عجائبية.

هل كان بوسع علالو أن يتجنب التراث الشعبي ؟ فلا تكوينه النظرى و لا المستوى الذي كان عليه المسرح و الجمهور يسمحان بذلك..[12].

ب- التجربة الثانية : تجربة عبد القادر علولة

استنجد علولة بالتراث شكلا ليجنب المتفرجين الانبهار، كان علولة يحمل فكرا اشتراكيا و مارس مسرحه بصفته مناضلا يساهم في توعية الجماهير لأن المسألة الأساسية التي فرضت نفسها ضمن الواقع الاجتماعي هي انعدام الديمقراطية بالجزائر، فلم ير بد من المساهمة في المعركة التي دخلت فيها الجماهير بواسطة مسرح بمجد الكادحين و يشجب السلوكات المشينة من محسوبية ورشوة و نهب و بيرقراطية.

بعد تجربة دامت عشر سنوات مع المسرح ذي الشكل التقليدي، يبحث علولة من شكل تعبيري يوصله إلى المتلقي بأكثر سرعة و أكثر نجاعة. فيرجع إلى التراث.. يرجع إلى الحلقة و يجرب هذا الشكل في ثلاث مسرحيات ما بين 1982 و 1988 يوظف لقوال و يوظف السرد، فكان يقول دوما أن "الناس تبصر بآذانها".

يشرع في التجربة الأولى مع "الأقوال" و هي عرض من ثلاث لوحات "قدور السواق" "غشام" و "زينوبة".

"قدور السواق" كان سائق مدير إحدى الشركات الوطنية و قد تحول المدير من إنسان ثوري (شارك في حرب التحرير) إلى الخائن انتهازي مما يدفع بقدور إلى الاستقالة.

اللوحة هي رسالة الاستقالة يقرآها قدور على المدير المشخص بكرس يتحدث إلى قدور.

أما "غشام" فهو عامل تعلم النضال مع العمال الأجانب قبل الاستقلال ليجد نفسه أجيرا عند "برجوازي جزائري مستغل عرق بني وطنه كبارا و صغارا. و "قول" "غشام" موجه لأبنه الذي يحمله مشعل الاستمرار في النضال ضد الاستغلال أما اللوحة الثالثة فحكاية عن "زينوبة" : الذي تذهب عند خالها الذي يعمل عند جزائري مستغل، لا يعرف قلبه الرحمة يطرح الكاتب في هذه اللوحة الفوارق الطبقية و ضرورة النضال ضد اعداء الاشتراكية.

تم تأتي "الأجواد" تجربة ثانية و هي كذلك ثلاث لوحات مع وجود التمثيل.

المداح جماعي و العلاقة مع الواقع مباشرة. و هي نشيد نخب "الأجواد" الذين لم يبخلوا بشيء من أجل الآخرين.

و تكون "اللثام" خاتمة الثلاثية. و بها نال التمثيل قسطا أوفر إلا أن نجاحها كان ضئيلا مقارنة مع الأولى و الثانية التي حققت أكبر نجاح جماهيري عرفه المسرح الجزائري.

كان علولة ينتمي إلى مدرسة الواقعية الاشتراكية و كان يعتقد بنظرية الانعكاس. لكن الأشكال في تطبيق نظرية الانعكاس هذه. فقد أخذ بها الكثيرون من هواة و محترفون لكنهم أنتجوا اللامسرح لأنهم قرأوها تصويرا فوتوغرافيا للواقع مع شيء من الكاريكتور.

كما كانت ممارسة أغلبيتهم اقتداء بعلولة و نقلا عنه مع أنه كان دوما يقول إنه في طور التجربة، أخيرا نشير إلى أن توظيف الحلقة شكلا مسرحيا يبقى في نظرنا مشروعا مستقبليا

يتطلب ثقافة مسرحية عالية متعمقة و الماما بالتراث ليخرج من لقاء التراث و المسرح إبداع فني يحقق المتعة لدى المتفرج.


الهوامش

[1] - هو المحبض – الحكواتي – المقلد – الحداء.

[2]- نظرا لتأخر التكوين المسرحي في بلادنا و لعدم اهتمام السلطة بقطاع المسرح – فإن عدد المخرجين ضئيل جدا لذا فكثيرون كتبوا و اخرجوا مسرحياتهم.

[3]- مقاومات المقراني و الحداد و الأمير عبد القادر.

[4]- شارل روبير آجرون "تاريخ الجزائر المعاصرة" ترجمة عيسى عصفور. ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1983 ص 118.

[5]- يلتحق بجريدة "الأقدام" محررا قي 1920 في 1921 يصبح مديرها حتى 1929.

[6]- بعث له في 1911 مسرحية "ماكبث لشكسبير من تعريب محمد عفت و مسرحية "المروءة و الوفاء و الوفاء" لخليل اليازحي و "شهيد بيروت لحافظ إبراهيم (أنظر مقالة محمد محبوب اسنطبولي في مجلة آمال العدد 32 وزارة الأعلام – الجزائر – صفحات 61 إلى 72).

[7]- و كان قد أنشأت جمعية ثقافية اسماها "المهذبة) و كان نشاطه داخل هذه الجمعية.

[8]- على رغم من العروض المستمرة طول السنة للمسرح الفرنسي بالجزائر و قسنطينة، و هران و سيدي بلعباس، إلا أن هذا لم يكن له تأثير على الجزائريين بل كان نفورهم – وقتها – حتى من المدرسة لعدم ثقتهم في المستعمر.

[9] - أصبح فيها جحا طيبا رغم أنفه و يقول علالو أنه أخذ موضوعها من فارس "الفلاح الطيب" و التي ظهرت في القرون الوسطى و لم يأخذها عن موليير – على حد تعبيره. أنظر : L’Aurore du théâtre algérien.- CDSH, 1982.

[10]- علالو (1902-1992) يعتبر سلالي علي المدعو علالو الأب المؤسس للمسرح الجزائري فقد كان أول من خاطب جمهور المسرح بالدرجة العاصمية و قد كتب جحا (1926) زواج بوعقلين (1926) النائم اليقظان (1927) الصياد و الجني (1928) عنتر الحشايشي (1930) الأمير و خليفة الصياد (1931) حلاق غرناطة (1931). كما جمع مذكراته في كتاب أسماء L’Aurore du théâtre algérien "شروق المسرح الجزائري" نشره مركزا التوثيق في العلوم الإنسانية Centre de Documentation Sciences Humaines.

[11]- علولة عبد القادر (1939-1994)

بعدما تعلم المسرح مع فرقة "الشباب" الهاوية في أواخر الخمسينات قام بأول إخراج في السنة 1963 مع فرقة "المجموعة المسرحية الوهرانية" و كان مسرحية " السجناء لبلاوتس (Plante) ثم التحق بالمسرح الوطني الجزائري ممثلا محترفا. و قد أخرج "دراهم الذهب" عن حكاية صينية "الملك الطائر" لتوقيف الحكيم. "الدهاليز" عن "بؤساء المجتمع" لفوغول "حمق سليم" عن "مذكرات معتوة" لغوغول.

[12]- ثم كتب و أخرج :

"العلق" (1969) "الخبزة" (1970) "حمام ربي" (1973)

"حوت يأكل حوت" (1975)

"الأقوال" (1982)

"الأجواد" (1985)

اللثام" (1988)

"التفاح" (1992)

و أخرج في السنوة نفسها مسرحية "أرلوكان خادم السيدني : بعدما ترجمها عن رائعة غولدوني

 

 

 

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche