Sélectionnez votre langue

هل يوجد فلاحون جزائريون؟

إنسانيات عدد 07 | 1999 | فلاحون جزائريون ؟ | ص 05-09 | النص الكامل


Is there an Algerian peasantry ?

Abstract : The concept of peasantry deserves to be clarified. In the Maghreb the presence of a mountain peasantry beside agro-pastoral societies appears as a handicap which colonization, fragilized and this to varying degrees. After independence, the Algerian state applied a series of agricultural structural reforms which haven’t enabled the “ repeasantrisation ” (Repaysannisation) expected. However, the Maghreb knows wonderful agricultural transformations, geographically located, and this thanks to its populations’ ability to adapt.

Keywords : Algeria, farmers, rural society, agricultural society, changes


Marc COTE : Géographe, Université d'Aix- Marseille II, France


خلال فترة طويلة، كان يعتقد أن تنمية إقليم ما تعني تجهيزه بالمصانع و الهياكل القاعدية و تزويده بالجرارات و حفر الآبار و إقامة الجامعات. لقد أشار "ج.قيري" بوضوح إلى أن هذا العمل لا يمثل إلا ظاهرة التنمية، إذ أن التنمية الحقيقية توجد بدءا في عقول البشر الذين ينتظمون لغرض تحقيقها. عن مثل هذه الرؤية، يمكن تطبيقها على ميدان الزراعة في المعمورة كما في الجزائر.

1- الفلاحات و الفلاحون

تشتمل كلمة " الفلاحين" على معان عديدة. في هذا المقال، نتبنى المعنى الضيق لها، أي المجتمعات الريفية و الزراعية التي تستجيب لبعض المقاييس الدقيقة :

تأصيل قوي بالأرض، يتجسد من خلال ارتباط الفلاح بالأرض و وجود نظام عقاري يقوم على الملكية الخاصة عموما.

بنى إجتماعية وطيدة ذات نمط مشاعي و تتجسد غالبا في السكن القروي

كثافات سكانية معتبرة تتجسد في تقسيم الأراضي إلى حيازات عائلية صغيرة

استصلاح زراعي من نوع كثيف يعتمد على زراعة متعددة المحاصيل و على الإكتفاء الذاتي.

نجد هؤلاء الفلاحون في آسيا المواسم و في العالم المتوسطي كما نجدهم في جبال "الأنذر" بأمريكا الجنوبية و في إفريقيا ما وراء الصحراء. قد يغيب ملمح من هذه الملامح (سكن متناثر في أرياف رواندا-بروندي) غير أن تظافر الملامح الأخرى يحدد معنى الفلاحين.

يتقابل الفلاحون مع المجتمعات الريفية التي تمارس تأثيرا ضعيفا على الوسط و توفر مغلالية زراعية ذات مستوى ضعيف، و هو حال المجتمعات الريفية الواقعة في إفريقيا ما وراء الصحراء التي تزاول زراعة الضريم و التجمعات السكانية "غير الثابتة" الواقعة بالآمازون و المجتمعات الزراعية –الرعوية التي تقع في العالم المتوسطي و في آسيا الوسطى. يمكن لهذه المجتمعات أن تؤمن توازنا بيئيا جيدا في مستوى التوازن الذي يؤمنه الفلاحون غير أنها لا تقدر إلا على تحقيق مستوى إنتاج و كثافة أدنى بكثير من ذلك المستوى الذي يحققه هؤلاء الفلاحون.

يرتبط مفهوم الفلاحين –إذن- بمفهوم المغلالية الزراعية.

ثمة مفهوم آخر يجب توضيحه "التكثيف الزراعي"، أي التقدم الزراعي و التنمية الريفية لقد أصبح تحقيق التكثيف الزراعي ضرورة ملحة في مواجهة الحاجات الغذائية المتنامية حجما و نوعا. يوجد في المعمورة صنفان من المجتمعات يبديان قدرة على مواجهة هذه الضروريات كما يبينه تاريخ القرون الأخيرة :

الفلاحون المجددون : أي الفلاحون التقليديون الذين تمكنوا من التحديث عن طريق الحصول على الملكية (حالة مصر) أو عن طريق الإستفادة من الري (حالة الصين) أو عن طريق التجديد الخارجي (حالة اليابات). يبدو الريف المصري تقليديا غير أن الفلاحين المصريين لا يرفضون الإستبدال التدريجي للسواقي بالمضخات الألية التي حققت لهم مردودا زراعيا (قطن و أرز) تضاعف ثلاث مرات.

المقاولون الزراعيون: ظهر هذا الصنف من المزارعين على أنقاض المجتمعات السابقة (بأوروبا) أو لدى المعمرين الذين استقروا على أرض بكر (بأمريكا الشمالية) و جمعوا بين المهارة و العمل و الرأسمال و تمكنوا من إدراج نظامهم الإنتاجي ضمن دائرة الإقتصاد الوطني (أو الدولي). في هذه الأقاليم، و لا تتعارض المكننة المتطورة مع تكثيف زراعي بلغ مستوى عال جدا إلى درجة أنها تواجه كساد الإنتاج بشكل معتاد.

ما هو وضع المغرب بالنسبة إلى هذين الصنفين من المجتمعات؟

2- العائق التاريخي المزدوج لبلدان المغرب

تشكل بلدان المغرب و الجزائر على الخصوص، حالة خاصة و معقدة.

إذ أن هذا المجال –رغم محدوديته- لا تستقر به مجتمعات متجانسة مثلما هو الحال بمصر أو بالأقاليم الصالحة لزراعة الأرز في آسيا، بل تتواجد به مجتمعات متباينة.

على قسم من أراضيه، تعيش منذ القديم، جماعات فلاحية عريقة ترتبط ارتباطا قويا بمزدرعاتها و تعتمد على ملكية عقارية من نوع "ملك" و تزاول زراعة أشجار كثيفة كما تتميز بكثافة سكانية هامة. تستقر هذه المجتمعات الفلاحية على عدد من الكتل الجبلية (ليس كلها) كالأطلس الكبير و جبال الريف بالمغرب الأقصى و في القبائل و جبال الأوراس و قد يمتد انتشارها إلى بعض السهول كحوض جيجل أو الرأس الطيب و ساحل سوسة و الواحات.

أما الأقسام الأخرى (3/2 الإقليم) فتعيش عليها مجتمعات زراعية-رعوية تعتمد على أعراف "العرش" و ترتبط –فيما بينها- بروابط القرابة الدموية أكثر مما تربطها علاقتها بالأرض و تزاول الترحال، أو مستقرة تعيش على عدد من السهول و التلال كما يمكنها أن تنتشر في بعض الكتل الجبلية (الأطلس المتوسط، جبال عنابة، الظهرة التونسية).

في بلدان المغرب، لا توجد المغلالية الزراعية إلا في مناطق محدودة.

يتمثل العائق التاريخي الثاني بالمغرب في الظاهرة الإستعمارية. لقد أدخل الأستيطان الزراعي به، عددا من التجهيزات الحديثة (سدود، مكننة…) إلا أنه ساهم في تكريس الثنائية السابقة و كذا تدعيمها. من ناحية، حشد الأستيطان الزراعي الفلاحين في المناطق الجبلية ومنعهم من الإستفادة من الأراضي السهلية (وادي السباو، حوض جيجل) و حال دون تحديث وسائلهم الإنتاجية و أساليب عملهم، و من ناحية أخرى، أحدث اضطرابا في المجتمعات الرعوية – الزراعية حين أقبل على انتزاع قسم هام من أراضيها و عمل على تفكيك قوانينها العقارية و تجريدها من "صبغة فلاحية" كانت تطبعها سابقا بشكل ضعيف (بيار بورديو).

على إثر ذلك، انتهت المجتمعات الأولى إلى التحجر بينما لاأصبحت الثانية هشة، إنها ظروف سيئة للغاية لمواجهة صدمة الحداثة.

3- قصر نظر السلطة إزاء المجتمعات الريفية

في سياق موجه التحرر من الإستعمار، تبنت السلطة في الجزائر سياسة زراعية جريئة ظاهريا إذ أقرت العمال الزراعيين السابقين على مستثمرات المعمرين و منحتهم الأراضي و نظمتهم في جمعيات فلاحية. و خلال مرحلة ثانية، اعتنت بالملكية الزراعية الكبرى، فأعادت توزيعها على مستفيدين انتظموا في تعاونيات زراعية.

بعد مرور الزمن، يمكن ان نلاحظ حاليا :

أن تعاقب الإصلاحات التي اعتبرت ضرورية لسد الثغرات السابقة، قد تسبب في نقولة الأرض و عدم استقرار العمال الزراعيين، لم يتجها نحو تأصيل أحسن بالأرض.

لقد حول التأطير البيروقراطي المفرط – الذي تمت استعارته من الأنظمة الإشتراكية عمال المعمرين المياومين إلى إجراء جهاز الدولة دون أن يعيد إنتاج الرباط الأساسي بالأرض.

أفضى الإهتمام المتزايد بالقطاع العام –لأسباب إيديولوجية و عملية- إلى إهمال شامل للقطاع الخاص الذي ضايقته أسعار المحاصيل المنخفضة.

إن الإستمرار في تطبيق مثل هذه السياسة خلال عقود ثلاثة، لم يفسح المجال، لا لتحول ريفيين (إعادة أفلحة) «repaysannisation» إلى شرائح فلاحية و لا لظهور طبقة مقاولين زراعيين من الطراز الرأسمالي. إضافة إلى التقاليد الموروثة سابقا – أفضت هذه السياسة إلى تكريس ثنائية واضحة في الأرياف الجزائرية :

من جهة، وجود مجتمعات فلاحية كاملة تتوفر على مهارة و ترتبط بالأرض غير أنها حشدت في أراضي الجبال الضيقة و في الواحات.

و من جهة أخرى، وجود مستفيدين يملكون أراضي زراعية خصبة تقع في السهول و الأحواض (المستثمرات الفلاحية الجماعية و المستثمرات الفلاحية الخاصة) و ريفيين ينتمون إلى التقليد الزراعي-الرعوي، لا يعتبرون التكثيف الزراعي شغلهم الشاغل. هكذا، و كما أشار إليه ب.روزيي ثمة انفصال بين العنصرين الرئيسيين اللذين يتحكمان في الفلاحة: الإنسان و الأرض، الفاعلون و الوسائل، هذان العنصران لا يوجدان وجها لوجه في العمل الزراعي.

نشير إلى أن البلدان المجاورة للجزائر، التي تبنت سياسات زراعية مغايرة، لم تصل إلى نتائج أحسن بكثير. لقد قامت هذه البلدان بتدعيم الفلاحين الصغار تدعيما إجتماعيا و ساندت اقتصاديا – المالكين المتوسطين و الكبار، إلا أنها لم تعمل –مع ذلك- على إفراز طبقة من المقاولين الزراعيين (في وقت أنشأت فيه السلطة التونسية طبقة المقاولين الصناعيين).

4- بروز الأشكال الجديدة

و مع ذلك، لا يجوز أن نكتفي بهذا العرض المتشائم، ثمة أمور تتغير في الأرياف المغاربية. قد يتخذ هذا التغيير طابعا مؤقتا و محدودا إلا أنه يحتوي على دلالة كافية تستحق التسجيل.

لنأخذ ثلاثة أحداث تسير في اتجاه واحد :

تكثيف زراعي على أيدي فلاحين مجددين : رأينا أن الشرائح الفلاحية غالبا ما تكون محصورة داخل مزدرعاتها الضيقة. إلا أن قانون الإستفادة من الملكية العقارية قد أحيا بالصحراء الجزائرية حركة ملازمة تقوم على استصلاح زراعي يعتمد على حفر الآبار و زراعة النخيل التي أضافت إلى الواحات القديمة غابات نخيل جديدة ورائدة. لقد زادت المساحات المزروعة بالصحراء بأكثر من مرتين. كذلك، أدى جلب المياه من قبل السلطات العمومية في ساحل سوسة إلى انتعاش السقي و الزراعة البلاستيكية. هكذا، و في كلتا الحالتين، تم تحرير طاقات خلاقة كانت مكبوتة زمنا طويلا.

نشوء شرائح فلاحية جديدة مرتبطة بمنشآت المائية الصغرى: خلال عقدين أو ثلاثة، أفضى إدخال تقنية المضخات المائية الناتجة عن مداخيل الهجرة إلى الخارج (مصدر تمويل و عنصر تجديد) إلى تحول مزارعين منتجين للحبوب إلى مزارعين منتجين للخضروات في البلدان الثلاثة. إنه دليل على إن ظاهرة الفلاحين لا يمكن أن تكون دائما وليدة تقاليد موروثة بل نتاجا حيا لضروف مستجدة.

تشكل شرائح فلاحية جديدة داخل مساحات الدولة : لم تنته سياسة السلطات العمومية إلى فشل تام.

شهدت المساحات المسقية بالمغرب الأقصى تطورات كما عرفت تقلبات، إلا أن قسما منها (تادلة، دكالة، المغرب الشرقي) ظهرت به بنية زراعية تتكون من قطع أرضية صغيرة و تأطير تراقبه أجهزة تقنية و فعل زمن دام ثلاثة عقود انتهت كلها إلى تأصيل المستفيدين في الأرض و إلى تشجيعهم على الإستثمار و الإهتمام بمستثمراتهم كما أدت إلى بلوغهم مستوى عالي جدا للتكثيف الزراعي. تشهد هذه المناطق على غرار الأولى شريحة فلاحية جديدة في طور النشأة.

في الحالات الثلاث: نحن أمام ثورة صامتة تنجز من الأسفل. إنها محدودة (مرتبطة عموما بالري) لكنها مهمة إذ تؤكد أن "الموارد البشرية" ليست جامدة.

الخلاصة :

حاليا تمنح الأزمات الإقتصادية و السياسية العامة ببلدان المغرب و التي بلغت درجة الحدة في الجزائر ، وزنا لحرفة المزارع و تعيد تنشيط بعض الزراعات إلا أن الطريق الواجب إجتيازه لا زال طويلا. يجب على السلطات أن تقرر في الاولية النهج الواجب إختياره : أهو إعادة الأفلحة أم هو إقامة صنف من المقاومات الزراعية.

في هذه الحالة نكتشف تلك المعاينة البسيطة التي تخلص إلى أن : وراء المسائل التقنية و التنظيم حسب الأنماط أو السياسات الخاصة بالأسعار يبقى المشكل الفلاحي مشكل رجال.

تعريب محمد غالم*


الهوامش

 * المؤرخ، أستاذ بمعهد التاريخ، جامعة وهران –باحث مشارك بمركز البحث (CRASC)

 

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche