Sélectionnez votre langue

الكتــــابة النســــوية: التلقي، الخطاب و التمثلات. ملتــــقى دولــــي من 18 إلى 19 نوفمبر 2006

الملتقى الدولي حول الكتابة النسوية المنعقد بمركز الأبحاث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية (CRASC) والمنظم من طرف مجموعتي البحث التي يرأسها كل من الأستاذ محمد داود و الأستاذة فوزية بن جليد بمركز الأبحاث في الانثروبولوجية الاجتماعية و الثقافية بالاشتراك مع مجموعة بحث فرنسا- المغرب التابعة للمدرسة العليا للآداب والعلوم الإنسانية بليون/Lyon، جمع عددا كبيرا من الأساتذة والباحثين من الجزائر ومن المغرب العربي ومن أوروبا. بلغ عدد المداخلات خمسين، وأغلب المتدخلين كانوا نساء، وأغلب الحضور كذلك، وذلك طبيعي، نظرا لخصوصية الموضوع. بسبب هذا العدد، فإنه في اليوم الثاني من الملتقى جرى تقسيم المتدخلين إلى ثلاثة ورشات بحسب الاهتمامات (ورشة آسيا جبار، مليكة مقدم، مايسة باي- ورشة أحلام مستغانمي- ورشة خاصة بالتجارب والشهادات). الحضور المشارك المنصت والمتدخل لم يغب عن ذهنه ولو لمرة واحدة تجارب وإبداعات نساء مثل فاطمة المرنيسي، آسيا جبار، أحلام مستغانمي، مليكة مقدم، مايسة باي...الكل حضر ليفهم طبيعة الكتابة النسوية، رؤيتها للعالم عموما، وللرجل خصيصا، القوانين التي تؤطر الكتابة النسوية...

كانت هذه أهم الأسئلة التي شغلت أذهان المتدخلين. بالإضافة إلى أسئلة أخرى كالتي طرحتها نجيبة رقايق (من جامعة سوس بتونس)، وهي تشتغل مند سنوات طويلة على آسيا جبار، ففي المداخلة التي افتتحت بها الملتقى والمعنونة بـ: كتابة نساء أم كتابة نسوية؟ تتساءل عن مقام الكتابة النسوية بالمقارنة مع كتابة الرجل، فهل الكتابة النسوية مازالت لم تنضج بعد؟ وهل هي دائما تصب في الحميميات/l’intime ؟ أم أن خوف الرجل مما تمثله هذه الكتابة هو الذي يجعله يتهمها بهذه التهم؟ الباحثة نجيبة رقايق لم تسطع أن تجزم بأن للمرأة كتابة خاصة بها، يمكن تميزها عن كتابة أخرى مناقضة لها، وإن كانت نجيبة رقايق لا تمنع نفسها من أن تطرح السؤال المتعلق بخصوصية الكتابة النسوية.

مداخلة عبد المجيد حنون (عميد كلية الآداب بعنابة)، فضلت أن تبدأ من البداية، من رواية ألف ليلة وليلة، فمن تجربة شهرزاد تعلمت المرأة كيف تحكي وكيف تقص، أي كيف تستعمل الخيال من أجل التخلص من بطش الرجل (شهريار)، والمحافظة هكذا على الحياة. إن رواية القصص تهدف إلى لفت انتباه الرجل إلى خطاب ليس متعود على إنتاجه، فهو في نظر المرأة ينتج خطابا متسلطا، وإن كان بالنسبة للرجل يمثل خطابه قمة الموضوعية والعقلانية. تعلمت المرأة كيف تستعمل الاستعارة بغرض التحجب، فشهرزاد لا تظهر إلا في الليل، وبذلك تكون المرأة مالكة للسلطة الليلية والرجل مالكا للسلطة النهارية. ولكن في نفس المداخلة، ثم طرح السؤال الجوهري الآتي: هل دور المرأة يكمن فقط في تسلية السلطان؟ إن الشرق القديم المليء بأسوار الحريم هدم بفضل شهرزاد، لأنها بواسطة قدرتها على الرواية و الحكي تمكنت من كبح بطش الملك، وترويض غرائزه، بحيث أنه لم يعد يفكر إلا في شهرزاد وحدها.

تجربة القمع والقهر التي تتعرض لها النساء، قد مرت بها فاطمة المرنيسي، هذا ما يجعل المرنيسي تلبس شخصية كل النساء عبر التاريخ. في مداخلة عبير كريف (Abir Krefa) (ليون – فرنسا)، فإن المرنيسي عندما تقدم سيرتها الذاتية، ولكن السيرة متخيلة، وذلك من أجل المكر بالقارئ، المكر الأنثوي لا يكون إلا من خلال الكلمات المحبوكة بجمالية. المفترض أن ما تكتبه المرنيسي لا يعكس بالضرورة حياتها. لكن الواضح والجلي أن آل مرنيسي يمارسون كغيرهم من العائلات العزل، كآلية لفصل الأجانب عن أهل البيت، معتقدين أن جسد المرأة هو ملك للعائلة، ومن أجل تحرير الجسد هناك استراتيجيات، فالمرأة تكتشف أن هناك نوعان من الحركة، فالحركة الأفقية في المنزل محروسة، أما الحركة العمودية فغير محروسة، مما يسمح بتحقيق الرغبات الممنوعة، إن المرنيسي تحلم بالتحليق لتتجاوز الأسوار السلفية. بالحركة الأفقية يتحقق ارتقاء وصعود المرأة. وفي مداخلة ) (Jacqueline Jondot من جامعة ) Toulouse le Mirail) تبين أكثر هذه الإستراتيجية، فالمرأة تنتقل من النسج إلى الرواية، ومن الصراخ إلى الكتابة، فمن خلال الرواية يتم تجاوز الحدود، والكتابة وسيلـة إحياء و وسيلة قتل للإيروس (الرغـبة الجنسـية)، وسيـلة لحجـب الجسد (Le corps voilé) أو نزع الحجاب عنه ) (Le Corps dévoilé. نفس المبدأ نجده في مداخلة Christine) (Detrez كذلك (من المدرسة العليا للآداب - Lyon France).

تبين في الملتقى أن الرجل لا يمكنه أن يفهم دائما خطاب المرأة، ويظهر هذا جليا في مداخلة محمد نجيب العمامي (جامعة سوس بتونس) عندما تطرق لتجربة بعض الراويات التونسيات، متكلما عن رواية آمال مختار المعنونة بـ "الكرسي الهزاز"، مركزا على طابعها الحميمي أو الإيروسي، حينها بدت المرأة وكأنها الشر بعينه، و بدا على الحضور المتواجدين في الملتقى بعض الحرج، وبعض القلق...

فضلت المتدخلة ) Ieme Van Der Poel ( من جامعة أمستردام أن تقارب بين سيرتي المرنيسي، وسيمون دي بوفوار، المقاربة مست كتاب "أحلام النساء" للمرنيسي، وكتاب "مذكرات فتاة متعقلة" ومن خلال الصورتين البارزتين على غلاف الكتابين تمكنت المتدخلة من استخلاص كثير من المضامين، وخاصة وأن النساء البارزات على غلاف كتاب المرنيسي يدرن ظهرهن للمشاهد، وهن يذهبن إلى الأمام في رواق بيت تقليدي، مما يدل على نوع من النفور، ومن الحشمة، وعدم الجرأة على المواجهة المباشرة، إنهن يدرن ظهرهن للعالم بسبب ما يتعرضن له من قهر... في حين أن سيمون دي بوفوار تقدم في واجهة كتابها صورتها في مواجهة المشاهد، وهي تتكلم باسمها الخاص عن مذكرات حياتها، أما المرنيسي فهي تتكلم باسم النساء كلهن...هذه الاختلافات تبين أن الكتابة النسوية في العالم العربي لم ترتق إلى مستوى الكتابة النسوية في الغرب، لأن تحرر المرأة في الغرب قد بدأ مند زمن طويل.

يبقى اسم آسيا جبار من الروائيات البارزات التي ركز عليها المتدخلون في الملتقى، وحسب النتيجة العامة المستخلصة من الورشة المخصصة لها في اليوم الثاني، هو أن الروائية مشدودة إلى تاريخ الجزائر المعاصر من خلال روايتها )"Le Blanc de l’Algérie"(، وإلى التاريخ الإسلامي من خلال روايتها )"Loin de Médine"(، فالرواية ليست هاهنا ناتجة عن محض خيال، بل الرواية تأخذ طابع الدراسة التاريخية النقدية، من غير أن تتردد آسيا جبار في أن تنظر إلى التاريخ نظرة حالمة، حالمة بما أمكن أن يصير إليه التاريخ لو لم تقبل ولم تطالب "سجاح" بالمهر الذي قدمه لها "مسيلمة". إنه تاريخ ينحو نحو المرأة النبية، الساحرة، الملكة... إن إدعاء النبوة من طرف النساء يعني أنهن أصبحن يحسسن بأنهن مساويات للرجال، وأن لهن نفس الحق في التواصل مع الله. وهن لا يقبلن بأي حال من الأحوال الخضوع. الكتابة وحدها يمكنها أن ترفع الحجاب عن المرأة وتحررها، إنها الكتابة التي تحل محل البياض ومحل الصمت، لا بد من مجاوزة الكتابة بالدم رمز الحرب والعنف. إن آسيا جبار امرأة تحلم بأن تضع يوما متاعها وتستقر نهائيا، فليس محتوما على المرأة أن تهاجر على الدوام، وليس محتوما عليها أن يكون لها رمزيا الأحسن، وتاريخيا الأسوأ. لقد أصبح للمرأة معركتها الخاصة، هي معركة اللغة، وخاصة على مستوى الكتابة الشعرية و الشاعرية التي تتطلب القدرة على المناورة واستثمار الألفاظ إلى أقصى حد.

كما حظيت أعمال الروائية أحلام مستغانمي بالعديد من المداخلات في الورشة الثانية و تمحورت حول ثلاثيتها الروائية( ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سبيل) و تناولت قضايا تتعلق بالجوانب الفنية مثل السرد و الوصف و بناء الشخصيات و الجوانب الموضوعاتية مثل الأنوثة و المدينة و الكتابة في علاقتها بالذاكرة و التاريخ.

أما الورشة الثالثة فقد خصصت للمبدعات، إذ أدلين بشهاداتهن حول الكتابة و الأنوثة و مكانتها في الحقل الاجتماعي و في الفضاء الثقافي. و قد حضرت في هذه الورشة مجموعة من الأديبات أتين من مختلف مناطق الوطن و من بلدان المغرب العربي ( تونس و المغرب) و تمت محاورتهن من قبل مختصين في حقل الكتابة النسوية، منضوين في مشروع بحث فرنسا- المغرب العربي.

استمرت المداخلات في اليوم الثاني إلى المساء، والكل كان يرغب في التدخل والمناقشة، كأن الشيء الذي كان يجب أن يقال لم يقل بعد، ولكن نظرا للرزنامة المحددة مسبقا اختتمت الأشغال، على أمل أن يتكرر ملتقى آخر يدور حول نفس الإشكالية. ما يمكن استخلصه من الملتقى هو أن المرأة بحاجة لأن تعبر عن نفسها وتنقل اهتماماتها للآخرين، كما أننا بحاجة إلى شهادات الأديبات المعروفات وتواجدهن في مثل هذه الملتقيات، من غير أن يمنعنا هذا من الخروج بالانطباعات الآتية:

- المفترض أن المعاناة الظرفية للرجال تعتبر فرصة تحثهم على التفكير في المعاناة الدائمة للنساء. الكتابة النسوية يتخللها الصمت الذي يظهر من خلال البياض الذي تتركه الكتابة، ويفسر ذلك بعدم رغبة المرأة في الانخراط في مشاكل العصر المتولدة من العنف الذكوري، وهذا يجعل صوت المرأة خافتا وأقل حدة من صوت الرجل، لأنها لا ترغب في إسماع صوتها، كتعبير عن إدارة الظهر للمشاكل التي يكون الرجل هو المتسبب فيها.

- لا يمكن أن ننكر بأن الروائي يركب شخصياته الروائية انطلاقا من عناصر حياته الخاصة، وإذا كان الإحساس المشترك بين النساء العربيات هو القهر والظلم، فمن الطبيعي أن يظهر ذلك فيما يكتبن. ولكن المسألة ليست بهذه السهولة لأن القمع حالة يتعرض لها حتى الرجل كذلك، وبالتالي فإن هذا الإحساس متقاسم من طرف الجميع، مما يجعل معرفة الكتابة النسائية من غيرها صعبا.

- الملتقى تجاوز الطرح التقليدي، القائم على إلحاق مظاهر القوة بالرجل، ومظاهر الضعف بالمرأة، فعادة ما اعتمد النقاد والقراء لتمييز الكتابة النسائية عن كتابة الرجل على ملاحظة الصورة التي يظهر بها الرجل في كتابات النساء، فإذا كان الرجل في الرواية رغم الويلات والمآسي التي تحل به لا يبكي أو لا ينهار...أي لا يبدي مظاهر الضعف، يكون المؤلف في هذه الحالة رجلا. أما إذا كان الرجل في الرواية يبكي ولا يبحث عن الثأر...المؤلف يكون في هذه الحالة امرأة، مما يعني أن الرواية ما هي إلا انعكاس لشخصية مؤلفها، الذي لا يمكنه في هذه الحالة أن يتقمص شخصية أخرى.

الكاتب

محمد حيرش بغداد


logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche