Sélectionnez votre langue

مكانة البكالوريا في عملية الحراك الاجتماعي

إنسانيات عدد 06| 1998 | المدرسة: مقاربات متعددة | ص 5-13 | النص الكامل 


The G. C. S.E ("A" Levels or Highers) and Social mobility

Abstract : « A » Levels or Highers are seen to the observer to be a set of standards, effectives, evaluating the relevance of programs, subjects, proposed exercises, or validation of curriculum which prepare for them etc... But these exams, which form a real rite of passage, can also reveal important differences in successive orientations and thus in the probability of success which determine different social conditions. In this article, we try to mark out the steps to make up the information necessary to analyse this type of social relations.

Keywords : baccalaureate, student, exams, success, social mobility


Mustapha HADDAB: Université d’Alger, 16 000, Alger, Algérie
Membre du Conseil supérieur de l'éducation, Centre de Recherche en Economie Appliquée pour le Développement


تؤدي شهادة البكالوريا، في مجمل تطور عمليات التكوين، و التراتب الاجتماعي و إعادة إنتاج النخب، وظيفة أصبحت أهميتها تتدعم أكثر فأكثر. بينما، و على الأقل حتى أواخر السبعينات كانت تعرض أعمال (أشغال-استخدامات) و مهن "مغربة" في القطاعات العمومية و "شبه العمومية" للشباب الداخلين في الحياة العملية، حتى و إن بقي تعليمهم دون المستوى المجازي بالبكالوريا، نلاحظ أثناء الثمانينات و التسعينات أنّ إمكانيات بلوغ شغل يؤمن الرخاء المادي و يضمن مستقبلا مهنيا مرضيا، تميل إلى التقلص في العدد و التدنّي فيما يخص مستواهم في التراتب الإداري و الاجتماعي.

طبعا إن تأثيرات هذه النزعة إلى سدّ أبواب بعض الشعب المهنية في وجه الشبان الذين لا يتجاوزون المستوى العلمي للبكالوريا، تختلف كثيرا حسب الشرائح و الأوساط الاجتماعية. فتوجد بدائل للنجاح المدرسي تقريبا مرضية أو نافعة لفئات مثل المقاولين، و كبار التجار، الإطارات العليا للإدارة و الجيش، الخ؛ غير أنّ الطبقات المتوسطة المؤلفة في قسمها الأكبر من أجزاء استفادت من ترقيات اجتماعية ضخمة منذ الاستقلال هي التي تعاني أكثر من هذه الوضعية الجديدة للشغل، وضعية تهدد الأجيال الجديدة المنتمية إلى هذه الشرائح بتصنيع الفوائد المادية و الرمزية المحصل عليها من طرف أوليائهم. بل كل شيء يشير إلى أن الشرائح الاجتماعية الأحسن تجهيزا بالرأسمال المادي و الرأسمال الرمزي، وأيضا برأسمال من العلاقات الاجتماعية، تجعل من امتلاك أحسن الشهادات الجامعية الممكنة أداة ضرورية للمحافظة على المكانة و الفوائد الاجتماعية التي حققها جيل الأولياء، و أكثر من ذلك، أداة للإرتفاء إلى مستوايات اجتماعية أكثر علوّا من تلك التي بلغها هؤلاء.

ففي إطار خصوصيات الحراك الاجتماعي التي يعرفها الجزائري الحالي-إطار ذكرناه بشكل مبسط و يحتاج إلى تعميق من حيث التحليل الكمي و النوعي- تجد أنواع الاستراتيجيات التي يمارسها التلاميذ و أولياؤهم تجاه هذا الامتحان دلالاتها الخاصة و كذلك النصوص القانونية المعمول بها من طرف المسيرين الإداريين لهذا الامتحان : مسيرون يعملون حسب المقوّمات الضمنية و غير الضمنية للسياسة التربوية المتبعة من طرف الدولة.

تبيّن المجموعات الإحصائية الرسمية المتوفرة المتعلقة بالبكالوريا بعض الميولات التي تساهم من دون شك في تحديد بعض جوانب سلوكات التلاميذ وأوليائهم تجاه البكالوريا.

إن دفعات التلاميذ المختلفة التي استطاعت الارتقاء إلى الطور الثانوي منذ ما يقرب من عشرين سنة، تعلمت أن تأخذ بعين الاعتبار، في تحضيرها للبكالوريا، الهبوط الهام لنسبة النجاح في هذا الامتحان الذي وقع ابتداء من السبعينات. إن سلوكات التلاميذ و استراتيجياتهم تجاه البكالوريا تختلف اختلافا كبيرا حسب المجموعات الاجتماعية التي ينتمي إليها هؤلاء. كما أن عائلات المترشحين للبكالوريا، حسب مكانتها و ظروفها الاجتماعية، تؤثر مباشرة أو بصفة غير مباشرة و بأشكال متفاوتة، على العقلية و طرق العمل و أساليب التعلم و حتى الاحتيالات، الخ، التي يتهيأ بها تلاميذ المرحلة الثانوية لامتحان البكالوريا.

إن أهمية الفعالية لمختلف أصناف الرأسمال الاجتماعي الذي تمتلكه العائلات و الجماعات الاجتماعية التي ينتمي إليها التلاميذ يزيد مفعولها بالقدر الذي تتسع الفروق التي تتميز بها القيمة الاجتماعية المرتبطة بمختلف شعب البكالوريا[1].

جاذبية قوية من "علوم الطبيعة و الحياة"

هكذا فالعديد من السلوكات الخاصّة بالتحضير البيداغوجي و البسيكولوجي للتلاميذ-التحضير الذي يبدأ عند بعض الفئات الاجتماعية في السنوات الأولى من التمدرس- و السلوكات الخاصّة بالخيارات بين التوجهات التي تمنح في آخر السنة التاسعة أساسي، و السلوكات الخاصّة بالبحث عن "أحسن" المؤسسات التعليميةالخ مستوحاة من رغبة الأولياء بموافقة أبنائهم و أحيائهم بدونها، في أن يروا هؤلاء يحصلون على بكالوريا شعبة علوم الطبيعية و الحياة تفضيلا على الشعب الأخرى.

إن هذا الجذب القوي لبكالوريا شعبة علوم الطبيعية و الحياة، يظهر بوضوح كبير في تطور الإحصائيات المتعلقة بالمترشحين و الناجحين البكالوريا. هكذا، و بدون أن تقوم هنا بفحص دقيق لهذه الإحصائيات، نذكر على سبيل البيان، أن نسبة 28,2 % من المترشحين للبكالوريا كانوا مسجلين في شعبة "الرياضيات في سنة 1987، فتتحول إلى 14,7 % في سنة 1994 في شعبة "العلوم الدقيقة"، (التسمية الجديدة لشعبة الرياضيات). في سنة 1994، 47,8 % من المترشحين للبكالوريا كانوا مسجلين في شعبة "علوم الطبيعية و الحياة". و في دورة 1997، سجلت شعبة "العلوم الدقيقة" %6,8 من المترشحين. و لنفس السنة 27 % كانوا مسجلين في شعبة الآداب و العلوم الإنسانية[2].

و لمحاولة توضيح نظام العوامل و المكانيزمات الاجتماعية التي أدت نشاطها المتظافر إلى هذا التوزيع غير المتوازن لنسب التلاميذ المسجلين في مختلف شعب البكالوريا، يجب الحصول على نتائج تحريات سوسيولوجية ملائمة. يمكن لهذه الأخيرة أن تسمح به التشريعات، و هذا حسب فروق الرأسمال الاجتماعي والاقتصادي و الثقافي الذي تمتلكه هذه العائلات. إن أهمية عامل كالفروق الكمية و خاصة النوعية للإعلام الذي تكتسبه العائلات حول سير المنظومة التربوية في اتخاذ القرارات الخاصة بمسار التلاميذ، تجعل كذلك من الضروري أن تخضع هذه القرارات لتحاليل مضبوطة. و كذلك الأمر بالنسبة لتمثلات الوظائف والوضعيات الاجتماعية التي يمكن أن تؤدي إليها الدراسات اللاحقة للبكالوريا : هذه التمثلات التي تحدد بمقدار كبير خيارات توجيه و سلوكات تستطيع أن تكتسي صيغة غير واقعية أو غير عقلانية في بعض الأوساط الاجتماعية، كما يمكنها بالعكس أن تنتج عن تقييم متبصر للارتقاء و الامتيازات الحقيقية المرتبطة بهدة الوظائف و الوضعيات.

فزيادة على طرح أسئلة مناسبة على أفواج ممثلة للمترسحين إلى البكالوريا، يمثل إجراء محادثات معمقة مع أعداد كافية من التلاميذ و عائلاتهم قصد إبراز الظروف المدرسية و الثقافية و حتى البسيكلوجية التي يتم حسبها تحضير امتحان البكالوريا[3]، أحيانا منذ السنوات الأولى من الدراسة، منهجا ضروريا لفهم السيرورات التي يتم بها تفاضليا الرفع إلى أعلى درجة ممكنة من حظوظ النجاح في البكالوريا و بالتالي يتعين فهم العوامل المؤدية بالعائلات إلى ارتكاب أخطاء إستراتيجية أو إلى غياب أية إستراتيجية أو أي مشروع دراسي واع و منظم لديها. إن تجنيد العديد من العائلات لوسائل مادية ضخمة (دروس خاصة، الحصول على وسائل تعليمية إضافية الخ) بهدف توجيه أولادهم نحو النمط الدراسي المرغوب فيه، و إزالة العراقيل التي تقف عائقا لتحقيق هذا النمط، اصبح يتم بكثافة اكثر نتيجة ضعف نسبة النجاح في البكالوريا و الضرورة القوية في أن يحتلوا رتبة جيدة تسمح لهم بالارتقاء إلى شعب التعليم المطلوبة أكثر (علوم طبية، EPAU، INI، ENA، ترجمة، الخ).

البكالوريا و العلاقات داخل العائلات

إنّ هذا التثمين الخاص لامتحان البكالوريا لا يتم دون إضفاء حدة على ازدواجية العلاقات البسيكلوجية داخل العائلات، حدّة تولّد أحيانا لدى الشبّان اضطرابات تحدد بدورها في غالب الأحيان وضعيات بسيكلوجية تستطيع أن تقود بطرق مختلفة إلى "الهروب" أمام القلق المرتبط بالامتحان، و تستطيع أن تترجم برسوبات متكررة في هذا الامتحان.

و من الخصوصيات الأكثر تمييزا للبكالوريا الجزائري، تلك التي تمكن في كون المترشحين يتقدمون إليه و بقسم هام منهم عدة مرات. في كل سنة توجد نسبة مرتفعة من المترسحين للبكالوريا الذين يعيدونه للمرة الثانية أو الثالثة (كانت نسبة التكرار في القسم النهائي على سبيل المثال 30 % سنة 1994-1995). إن الأغلبية العظمى للمترشحين الأحرار تتكون من شبّان لم يسمح لهم بالبقاء كتلاميذ في الثانويات من جراء رسوبهم، و هم يواصلون مع ذلك الترشح للبكالوريا. هذا "العناد" لشبان كثرين في محاولتهم للحصول على هذه الشهادة يمثل مؤشرا جيدا يجب التدقيق في تحليله الإحصائي، لا بالنسبة للصعوبة التي أصبحت تميز هذا الامتحان مستقبلا في وجه فئات عديدة من التلاميذ فحسب، بل كذلك للأهمية الاجتماعية المتزايدة التي تكتسبها شهادة البكالوريا كشرط لإعادة إنتاج الإطارات و ترقيتها الاجتماعية. فيجب القيام بمقارنات بين خصوصية البكالوريا الجزائري و الجوانب المماثلة لها في بكالوريات بلدان أخرى : جوانب يتم انتقاؤها بشكل وجيه.

لتأكيد الفائدة الكبرى التي يكتسبها تكوين مدونة لمحادثات و ملاحظات عند عائلات اختيرت بطريقة صحيحة، يمكن الإشارة هنا إلى الملاحظات التي استطعنا القيم بها عند دراستنا لردود الفعل التي أثارها التأخر الدراسي الهام و النتائج السيئة التي تحصل عليها تلميذ ينتمي إلى عائلة ميسورة تقطن في حي بوسط الجزائر العاصمة. و وصل هذا التأخر إلى حد خطير أدى بمجلس القسم في الثانوية إلى اتخاذ قرار عدم السماح للتلاميذ بالانتقال إلى السنة الثالثة ثانوي، أي حرمانه من إمكانية الترشح للبكالوريا، و بتوجيهه في نهاية السنة الثانية ثانوي نحو "الحياة العملية" يحرمه مجلس القسم كذلك من الإمكانيات المختلفة المدرسية منها و الإدارية المرتبطة بالتسجيل في السنة الثالثة ثانوي، و منها على الخصوص حق التسجيل لامتحان البكالوريا كمترشح حر.

إن الأب و هو إطار سام، و الأم بدون مهنة، لكنها تنتمي إلى عائلة كبيرة تابع أغلبية أفردها من الجنسين دراسات جامعية منينة، أصيبا بقلق نتيجة قرار مجلس التوجيه مع أن نتائج ابنهم المدرسية، و قلة موظبته، و مَيْله لكل أنواع التسلية كانت تشير إلى توقع هذا القرار. و لتفادي قرار الطرد قبل أن يؤخذ، قاما الوالدان بمساعي مباشرة و غير مباشرة بواسطة شخصيات لدى مديرية الثانوية. لكن نقط هذا التلميذ كانت سيئة إلى حدّ كبير و التأخر الذي راكمه و بالتالي سنّه وصلت إلى حد أدى إلى صدور قرار طرده دون استئناف، و يعيش والدا هذا الشاب الحدث ككارثة شنيعة، إلى الحد أنه تقرر إشاعة نبأ نجاحه وسط العائلة. و باستعماله أيضا و بأكثر قوة علاقاته الاجتماعية توصل الأب إلى تسجيل ابنه في ثانوية أخرى خلال الدخول المدرسي الذي عقب طرده.

بتعين الحصول على مدونة كاملة و مكونة بطريقة منهجية لحالات مماثلة لهذه. و يمكن تحقيق هذه المدونة انطلاقا من مقولات و تساؤلات سوسيولوجية متعددة (إستراتيجية اجتماعية، الدفاع عن الشرف العائلي، تمثل المستقبل الاجتماعي و المهني)، تحليل قد يفضى إلى تفسيرات على المستوى البسيكولوجي تستند إلى فحص وضعية الأشخاص المعنيين في نظام علاقاتهم العائلية، و في تاريخ هذه العلاقات (ارجع في هذا المنظور للتحاليل المقترحة من طرف السيد سي موسى)[4]. قد سجل هذا الباحث أنّ نسبة مرتفعة من الشباب، ضمن جماعة تقدر بألف شخص تم فحصها طيلة جلسات عديدة من العلاج النفسي، تبدي استعدادات للرسوب إزاء هذا الانتقال من "الطفولة" أو من المراهقة إلى سن الكهولة الذي يتزامن و سنة القسم النهائي، استعدادات يمكن ربطها بالعوائق الاجتماعية البسيكولوجية الخاصة نوعا ما بالمجتمع الجزائري و التي تعني بالخصوص شروط تجاوز البنيات الطفولية و الأوديبية... إن جميع الأشخاص حسب رأي المؤلف[5] لا يعانون من "غياب التعويض" في القسم النهائي و على الأقل يرون اضطراباتهم تزيد شدة بصفة محسوسة في هذه الفترة عكس ما يعتقده البعض، فإن أغلبيتهم، و من دون شك المترشحين للبكالوريا لا يخشون الرّسوب، و لكن يخشون عن غير وعي النجاح و المعاني التي يأخذها هذا النجاح في وسطهم.

و لفهم تام لجميع التأثيرات السوسيولوجية للنجاح أو للرسوب في البكالوريا، يجب ربطها بعدد هام من العوامل. فالتحليل الثانوي للمعطيات الإحصائية-بمفرده-لا يمكن أن يحقق ذلك الربط. أن المدلول-أو القيمة الاجتماعية للنجاح أو الرسوب في البكالوريا مرتبط لا بالشعبة التي سجل فيها المترشح فحسب، بل بالسن، بالجنس[6]، بالدرجات المحصل عليها، كذلك بالمنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها المترشح، بالمستوى الاجتماعي و الاقتصادي و الدراسي لوالديه المباشرين و بمستوى عائلته بالمفهوم الواسع، بخصوصيات مجمل مساره الدراسي، و خصوصيات المؤسسة الثانوية حيث حضّر امتحانه الخ.

البكالوريا، الدولة و المجموعات الاجتماعية

انطلاقا من تحليل الظروف الاجتماعية التي يتم أعداد البكالوريا فيها (بالمدلول البيداغوجي و المدرسي لهذا اللفظ و لكن أيضا بالمدلول الاستراتيجي والعلائقي)، يمكن تحقيق تقدم في معرفة تركيب و تطور ظواهر سوسيولوجية أساسية، مثل خصوصيات الحراك و إعادة الإنتاج الاجتماعي في مجتمعنا، الانعكاسات الاجتماعية و الاقتصادية، على المستوى الجهوي و الوطني، توسيع التمدرس، خصوصيات تسير الرسوب المدرسي، المدلول الاجتماعي لتطور نسب التمدرس للبنات (هل تقع هذه تفاضليا لدى بعض الفئات الاجتماعية على حساب فئات أخرى؟) الخ. لكن ليس أقل أهمية أن نلاحظ أن دراسة الوقائع المرتبطة بتسيير و تنظيم البكالوريا تكون مسلكا مفضلا لتحليل الإنتاج و الدلالات الاجتماعية للسياسة التربوية الواضحة أو الضمنية المتبعة من طرف سلطات القرار و التسيير.

إن التدابير و التنظيمات الرسمية المتعلقة بتنظيم امتحان البكالوريا و توجيه الحاصلين عليه نحو مختلف مؤسسات التعليم العالي للبلاد و نحو مختلف الشعب الجامعية هي بمثابة تسجيد لتسويات نتجت عن مفاوضة ضمنية تقع بين الدولة و الجماعات الاجتماعية المستعملة لنظام التعليم. تسعى الدولة- من جهتها إلى تنظيم تدفق حاملي البكالوريا الجدد بالتكفل بثلاث ضغوطات : تلك المرتبطة بالمحلات و التجهيزات المتوفرة، ثم تلك المرتبطة بضرورة التوازن بين أعداد الطلبة في مختلف التخصصات و مختلف الجامعات و المراكز الجامعية في البلاد، و أيضا تلك المرتبطة بضرورة اعتبار و لو بصفة موجزة بنية حاجيات البلاد من الإطارات... إلخ إن الجماعات الاجتماعية المستعملة لنظام التعليم تعمل حسب تطلعات اجتماعية مهنية مبرّرة نسبيا، مستوحاة من إعلام قيمته متفاوتة النوعية.

نكتفي هنا بذكر مؤشر واحد، من بين مؤشرات كثيرة، تؤكد قدرة تأثير لا يستهان بها، للضغوطات الاجتماعية على نظام التعليم و مسيريه لإحداث تغييرات معتبرة في التنظيم التربوي لكثير من المؤسسات : التفصيل القوي لدى التلاميذ و أوليائهم لشعبة علوم الطبيعة و الحياة أنجزّ عنه على مستوى عدد كبير من مؤسسات التعليم الثانوي التناقص المتزايد و أحيانا زوال أقسام كاملة تحضر إلى شعبة "العلوم الدقيقة". هكذا في سنة 1997، لم يكن من الممكن تحضير البكالوريا في شعبة "العلوم الدقيقة" إلا في 645 مؤسسة، بينما كان من الممكن تحضير البكالوريا شعبة "علوم الطبيعة و الحياة" في 803 مؤسسة. في كثير من الأحيان و تحت ضغط أولياء التلاميذ حوّل مديرو الثانويات أقسام "الجذع المشترك للتكنولوجية" إلى أقسام "جذع مشترك للعلوم"، مبررين هذا بعدد تلاميذها الضعيف جدا الذي لا يسمح بإبقائها، و مجبرين بهذه الوسيلة المكلفين بتوجيه التلاميذ إلى توجيه هؤلاء بعدد أكبر نحو "الجذع المشترك علوم".

الإعلام الآلي و سياسة تسيير الجامعة

إن إنشاء نظام إعلامي لتوجيه الحاصلين على البكالوريا الجدد في سنة 1989 استجاب إلى ضرورة تخفيف العبء على مسيري المؤسسات الجامعية. فقد كان هؤلاء مجبرين على مواجهة تأثيرات تزايد أعداد الطلبة الجدد أثناء كل دخول جامعي، أيضا لمواجهة الضغوط و الرغبات العديدة، الناتجة عن سعة تحرك الطلبة و أوليائهم التي يسمح بها التنظيم المرن نسبيا مما دفع نسبة هامة منهم إلى التحايل على النصوص القانونية.

إن تحليل الظروف الاجتماعية لتطبيق الإجراءات المرتبطة لأنظمة التوجيه من شانه أن يساهم في توضيح أبعاد عديدة للعلاقات بين الدولة و مختلف الفئات الاجتماعية "المستعملة لنظام التعليم. إنه يفضى بذلك إلى إدراك. و بدقة محققة، مدى تبعية تراتبية التخصصات الجامعيات للتمثلات الاجتماعية لهذه التخصصات التي تتأسس تفاضليا لدى مختلف الجماعات الاجتماعية التي ينتمي إليها التلاميذ و أوليائهم. إن المعدلات الدنيا المطلوبة في هذه الشعبة الجامعية أو تلك هي نتيجة إمكانيات الاستيعاب للمؤسسات المعينة و كذلك أهمية الطلب التي يوجه إلى هذه الشعبة. هكذا أصبحت التخصصات خاضعة كل سنة لشبه "اقتراع" يظهر ثوابت بنيوية و تغيرات ظرفية و تميز القيمة الاجتماعية لهذه التخصصات.فالمعطيات التي أوجدها تطبيق هذا النظام التوجيهي سمحت كذلك بمتابعة تغييرات هذه "القيمة" لا في الزمان فقط بل و حتى في المكان إذ يمكن في نفس السنة للمعدلات الدنيا المطلوبة أن تتغير بصفة محسوسة من مدينة جامعية إلى أخرى. هكذا على سبيل المثال ففي سنة 1995، كان الواجب الحصول على معدل 14.3 في مدينة عنابة، و 14 في تيزي وزو، 13.8 في الحزائر العاصمة، 12.5 في تلمسان، 12.4 في وهران، 11.6 في سيدي بلعباس، للقبول في الجذع المشترك للطب.

يمكن القول أنه أثناء السنوات التي طبق فيها النظام الإعلامي للتوجيه بصرامة حقيقية (من 1990 إلى 1996)، تحققت الأهداف إلى درجة معتبرة. حسب المعطيات التركيبية المقدمة سنة 1995 من طرف المعهد الوطني للإعلام الآلي، المكلف بعمليات التوجيه هذه، ما يقرب من 70% من حاملي البكالوريا استفادوا من توجيه كان ضمن رغباتهم الخمس الأولى. نلاحظ كذلك أن 30% تقريبا من حاملي البكالوريا يحصلون على توجيه مناسب لرغبتهم الأولى. يبدو أن تطبيق هذا النظام استجاب بقسط هام إلى رغبة مسيري المؤسسات الجامعية لأنه كان يهدف إلى تقليص عدد حاملي البكالوريا غير المقتنعين بتوجيههم إلى عدد ضئيل نسبيا و بالتالي "قابل" للتسيير.

إن الوثائق التي يعتمد عليها توجيه حاملي البكالوريا حسب الشعبة، و المعدلات لا تحمل مع الأسف معلومات حول مهن أوليائهم. لذا فإن تحليل التغيرات حسب الانتماء السوسيولوجي لحاملي البكالوريا، و الاستراتيجيات الموظفة و النتائج التي تؤول إليها هذه الاستراتيجيات لا يمكنه أن يتحقق دون تحريات نوعية. هذه الأخيرة وحدها جديرة بأن تكشف عن طبيعة الانتقاء التي تفرض على التلاميذ أثناء دراستهم الثانوية و في مناسبة البكالوريا.

ألا تكون "التسهيلات" المعتبرة الجارية حاليا (1998)، إشارة تدل على أن بنية العلاقات بين الجماعات الاجتماعية تفرض أن تكون لاستراتيجيات عائلية معينة حظوظ أكثر لتحقيقها، كلما كانت مضايقتها ضعيفة إزاء تطبيق إجراءات مستوحاة من منطق تابع لمتطلبات التسيير أو منطق تابع لتوزيع الامتيازات حسب الاستحقاق؟

هذا ما يدفعنا للقول أن تقليد الانتقال الذي يمثله البكالوريا، يأخذ مكانا هاما في عملية التكوين و إعادة إنتاج النخب.


الهوامش

[1]- هكذا يجب ربط انخفاض نسبة النجاح في البكالوريا التي وقعت ابتداءا من دورة 1979 بنمو منشورات القطاع الخاص التي تهدف إلى التحضير للبكالوريا (حوليات-ملخصات…)

[2]- من بين النترشحين للبكالوريا (دورة جوان 1995) المنـتميـن إلى خـمس ثــانـويــات في ناحية البليدة 2, 68 % منهم كانوا مسجلين في شعب العلوم الدقيقة، مقابل 39, 2 % في شعبة علوم الطبعية والحياة، و19, 5 % في العلوم الانسانية؛ و من الثانويات الخمس ثلاث لم تقدم أي مترشح في شعبة العلوم الدقيقة (تحقيق د. فروخي).

[3]- الأبحاث السوسيولوجية في هذا الميدان يجب أن تقام لا على مختلف أصناف المتفوقين في البكالوريا، أي بعبارة أخرى على شبان يتابعون دراساتهم في التعليم العالي فحسب، بل كذلك على أفواج ممثلة للتلاميذ رسبوا في هذا الامتحان.

[4] - عصاب و علاج نفسي بالجزائر : قضايا التشخيص و التكفل : مداخلة ألقيت في الأيام الوطنية لعلم النفس – الجزائر 25،26،27 مايو 1998.

[5]- نفس المصدر صفحة رقم 6.

[6]- كان ينبغي مثلا محاولة إبراز العوامل التي تمكن من تفسير أن عدد التلميذات بنات في السنة الثالثة ثانوي يتجه نحو التزايد بالنسبة لعدد التلاميذ (ذكور): في سنة 1994 – 1995، كانوا على التوالي 137.995 و 132.254. زاد عدد البنات على عدد الذكور و كان يبدو لنفس السنة مناسبا لنجاح أحسن لدى البنات في الثانوي، لأننا نلاحظ أن لمجموع الطور عدد الذكور كان يفوق شيئا ما عدد البنات (390.231 مقابل 386.852).

 

 

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche