نظم قسم التاريخ - كلية الآداب والعلوم الإنسانية- بجامعة صفاقس بتونس، ندوة دولية أيام 25، 26 و27 أكتوبر 2007 حول "الأزمات في تاريخ المغرب الكبير" من أجل مقاربة جديدة. وتتمثل الإشكالية حول الأزمة كحدث عابر وبطيء ومتقلب أحيانا، وليس غريبا أن يشهد المغرب الكبير ظاهرة الأزمة عبر تاريخه المتلاحق، إلا أن مقاربة دور الأزمات في تاريخه ما تزال ناقصة. ولهذا استهدفت الندوة مقاربة متعددة الاختصاصات للأزمات من أجل فهم أفضل لدورها في بلورة المسارات التاريخية وتناول مختلف الأبعاد لهذه الظاهرة.

تناول المتدخلون عدة محاور حول مفهوم الأزمة وجذورها وامتداداتها، والقضايا المنهجية المرتبطة بمعالجة موضوع الأزمة من الداخل ومن الخارج، حيث التقت خطابات متعددة، كل حسب قراءته وأدوات التحليل والتأويل الخاصة به، وقد غطت المداخلات فترات مختلفة من تاريخ المغرب الكبير، وأخذت فترة القرن التاسع عشر ميلادي الحيز الأكبر. حيث تناول الأستاذ "عبد الحميد فهري"من جامعة صفاقس، مفهوم الأزمة بين النظرية والواقع، منتقدا التقسيم الكلاسيكي للأزمات، ومبرزا الفرق بين الأزمة الهيكلية والأزمات الظرفية.

محمد جادور من جامعة بنمنسيك بالدار البيضاء بالمغرب، تناول موضوع الأزمة، جذورها وامتداداتها، حيث أشار إلى أشكالها وتمثلاتها مركزا على المغرب الأقصى في القرن 17 م من المنصور السعدي إلى قيام الدولة العلوية، ليصل إلى ضرورة العودة إلى الوعي الجمعي للأزمة لأن التحديد الإيسطوغرافي غير كاف.مبروك الباهي من جامعة صفاقس،تناول الأزمات بين تمثلات المؤرخ ومبررات السياسي من خلال ثلاثة فترات في تاريخ تونس وهي فترات كل من "حسين بن علي، خير الدين باشا، الحبيب بورقيبة، حيث دائما يعقب الأزمة الانفراج. رضا الزواري من جامعة تونس، تناول مفهوم الأزمة عند الفيلسوف "ابن رشد" والمتمثلة في التكفير الذي سببه تأويل الشريعة عن طريق علم الكلام، مبينا مدى التشابه بين تلك الفترة في الأندلس والمغرب والواقع الحالي. رالف شور من جامعة نيس بفرنسا تناول أزمة الهوية من خلال مسألة اندماج المغاربة المغتربين في فرنسا في القرن 20 م. حيث تعرض إلى العوامل المساعدة على الاندماج مثل العمل واللغة والعلاقات الاجتماعية مع البلد الأصلي، واستنتج أن الأجيال السابقة كانت أكثر اندماجا مقارنة بالأجيال اللاحقة لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، وتوصّل إلى أنه كلما كان هناك اندماج قلّت المشاكل داخل المجتمع الفرنسي، وأن الهوية الأصلية غير قابلة للزوال. تناول الهادي بن منصور من جامعة باريس 4، إشكالية القرصنة والتضامن الإسلامي في البحر الأبيض المتوسط مركزا على فترة القرنين 16 م و17 م كما تحدّث عن التضامن المغاربي في القرن 19 م، فالقرصنة تمثل الجهاد وهي تابعة للسلطة السياسية والدينية، وأكبر أزمة عرفتها القرصنة الإسلامية هي سقوط غرناطة 1492 م، واحتلال المرسى الكبير من طرف الأسبان.

كما تناول "عبد الوهاب دبيش" من المغرب أزمة الفقهاء المؤرخين في المغرب والأندلس أمثال ابن خلدون وابن مرزوق وركز كثيرا على ابن الخطيب، حيث اعتبر هؤلاء الثلاثة شهود الأزمة وتعرضوا للمعاناة، وتوصّل إلى أن ابن الخطيب شهد أكبر أزمة سمّاها أزمة مؤسسات متمثلة في صراعات الحكم، وأزمة مجتمع متمثلة في أزمة التواصل، وأزمة ذاتية متمثلة في مكر أصدقائه. وكل هذا يرتبط بكتابه "الحب الإلهي" الذي اعتبر آنذاك إباحيا.

عبد الوهاب بلغراس تناول "الأمير عبد القادر في مواجهة أزمة الأسر" حيث ركز على الأبعاد الصوفية التي جعلت الأمير يعيش أزمة الأسر بطريقة مغايرة، ويحولها إلى مجال للإبداع الفكري وحوار الأديان والثقافات.

وأهم النتائج التي خرجت بها الندوة:

- أنّ المؤرخ لا توقفه طابوهات البحث العلمي.

- هناك تماثل وتشابه بين مختلف المناطق المغاربية من حيث الظروف والأزمات السياسية والاجتماعية.. كما أن هناك تماثل بين الحقب التاريخية داخل القطر الواحد.

الأزمة عبارة عن محرّك للتاريخ، وبالتالي إعادة النظر في المدونة الإيسطوغرافية، وفتح مشاريع التاريخ المقارن.

كما تبلور النقاش حول تحديد الأزمة كحدث تاريخي وربط المفهوم بالنقد والمرجعية الإبستيمولوجية والفلسفة السياسية والاشتقاق الإيتيمولجي حيث كلمة أزمة crise هي مفهوم طبي، انتقل إلى الاقتصاد ثم إلى الديموغرافيا ،ثم استعمل في باقي الحقول الاجتماعية والإنسانية.

كما أنه بقدر ما تؤثر في المؤرخ المبالغة في استخدام مفهوم الأزمة، فإن عدم الاعتراف بها أيضا تؤثر فيه وتقضي على الموضوعية.

الكاتب

عبد الوهاب بلغراس