Sélectionnez votre langue

الجبال التلية الشرقية : مقاربة أحادية لمجال محلي

إنسانيات عدد 16 | 2002 | وقائع، ممثلون وتمثلات للمحلي بالجزائر | ص29-38 | النص الكامل


A monographical approach  for the Tellien mountain local space

 Abstract: Local space pertaining to a place, is the basic element of geographical space. It undoubtedly forms the elementary link in a structured hierarchy.
In Algeria, local is explained by different scales  in terms of altitude and latitude. In northern zones, local space is made up of  well-knit links while in southern zones, it changes scale and fits into a less rigid network.
The Tellien mountain space is an extremely hilly space, densely populated since antiquity. Habitat is  the axis around which  local life is organized, it establishes close relationships  with a number of exogenous factors which organize space. This local community attachment to the land and to a secular system of production has made agriculture an essential activity, despite the modest position that it occupies in employment. It is this which shapes the countryside and organizes its inhabitants’ lives.
Characterized by the slackness of its connection to a network, this  local mountain space is rich in its diversity of local micro-spaces which it is made up of. Whether there is a crisis, or a period of stagnation, change or progressive transformation it accumulates paradoxes. Forgotten by the authorities it depends on the organization of inter-dependent local communities, which put mechanisms and substitution actions in place, enabling them to adapt to the country’s multiple development.
An understanding of local space can allow us to orientated territorial organization towards putting a desired network and not inflicted one into place, to install a real territorial democracy and to set going a relocalization of power for the benefit of local communities.

Key words : Mountain – Network – Micro-space – Local – Community


Hosni BOUKERZAZA et Abdelhamid BOUGHARA  : Maître de conférences, Université Mentouri, Faculté de Sciences de la Terre, la géographie et la configuration,  25 000 Constantine, Algérie


مقدمة

المجال المحلي هو "ما له علاقة بالمكان ، و خاصة ما يتعلق بالبعد المحلي للمسائل الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية". المجال المحلي هو المكان الأساسي للمجال الجغرافي، و هو الذي يجيب على السؤال : "أين ؟"[1].

إن المكان يحمل – مبدئيا - اسما لتعريفه و إعطائه دلالة و "بعدا رمزيا، يترجم انسجاما داخليا للمجال المعيش"[2]. و تساهم التسمية في تكوين إقليمية تنجم عن نظام ثلاثي البعد : "مجتمع، مجال، زمن"[3] و تؤدي إلى التملك و الشعور بالانتماء إلى جماعة ما.

غالبا ما يكون المكان معمورا، و لا يمكن تصوره غير ذلك، فالتعمير هو أولا – معرفة المكان الذي يعبر عن الانسجام و ارتباط الجماعة بالإقليم، و تميزها - في الوقت نفسه – عن الجماعات الموجودة خارجه : و المعرفة تعني بالنسبة للجماعات و الأفراد الأُلفة مع المكان، و تشهد لهم "بإدراك حسّي للمحيط"[4].

إن رسم الإقليم في المجتمعات البشرية عملية تعبر عن الامتلاك، و أثر السلطة في نطاق معين . و الحد كأسلوب مستعمل من طرف الجماعات يعتبر معلومة تهيكل الإقليم، و هو في الوقت نفسه المكون الأساسي للعلاقة مع الأرض، كما يتضمن انسجاما داخليا للجماعة، وعلاقات أقوى مع الأماكن الداخلية أكثر منها مع الأماكن الخارجية، فالحد إذن يعني مفهومي الضم و الطرد في الآن ذاته،"  و الطرد هو ما يوجد خارج الحدود و يمكن إبرام علاقات معه ".

"إن الدخول في علاقات مع الأشخاص و الأشياء يعني رسم حدود"[5]، و النطاقات المعرفة بحدود هي نطاقات ممارسة السلطة، تؤسس فيها تبادلات وعلاقات داخلية و خارجية (اجتماعية، اقتصادية، سياسية...).

إذا كان المجال المحلي يعبر عن مجموعة العلاقات السكانية مع المكان، فإنه يطرح مسألة المقياس: ما حجمه ؟ ما مساحته ؟ و ما مداه ؟ و هو في الواقع، يعبر عن مستويات مختلفة، من الإقليم إلى المز درع، إلى الحي؛ و من القبيلة إلى الفرقة إلى الدوار، بينما لو اعتبرناه كوحدة حياة و عمل و علاقات "مثل الإقليم الصغير" فهو المدى الذي " يمكن عبوره خلال يوم مشيا على الأقدام" [6]، و هو مجال أليف معيش يوميا[7].

المجال المحلي هو – حتما – الخلية الأولية لبنية متسلسلة، و نسخ مجالي متكون من أماكن ملتحمة و أخرى منفكة، فالامتلاءات هي المساحات التي تبرز فيها قوة التضامن و تقارب أماكن الحياة و العلاقات و الإنتاج، و المشتة مثال حي لذلك، أما الأماكن المنفكة و الممتدة في اتجاه الحدود و الأطراف، فهي مجالات انتقالية يضعف فيها الإحساس بالانتماء الجماعي .

يعرف المجال في الجزائر بمقاييس مختلفة حسب الارتفاع و دوائر العرض،  و إذا كان يُعرف في الأواسط الجبلية من خلال الامتداد الذي يمكن عبوره مشيا على الأقدام خلال يوم واحد، فإنه يُعرف في السهول بكل ما يغطيه البصر و يحده الأفق، و إذا كان المجال المحلي يتكون في المناطق الشمالية من حبكة صغيرة، ففي المناطق الجنوبية يتغير المقياس و يصبح النسيج واسعا.

قبل الاحتلال كان التنظيم القبلي يترجم وجود سلطة محلية، و كان النسيج القبلي يمثل خلايا حقيقية تعكس انتماء السكان لمجتمعات بشرية متجانسة  و متمسكة بالإقليم[8].

غير أن الاستعمار محا الحدود القديمة، و كسر النظام الإقليمي الأصلي،  و فرض نسيجا جديدا بمستويات مختلفة أصبح فيه الدوار و البلدية يمثلان المستوى المحلي لانتماء ترابي جديد .

و منذ الاستقلال أصبحت الدولة هي الفاعل الإقليمي المميز،و الجماعات المحلية تنوب عنها "برقابة أحسن"[9].

بين الولاية و البلدية يصعب الحديث عن الحياة المحلية التي يعبر عنها من خلال السلطة التقليدية للمجتمع القبلي، و الذي لا يزال قائما في بعض المجتمعات المحلية الريفية و خاصة الجبلية التلية، كالواقعة شمال ميلة [10].

1. مجال ذو ميل شديد

يُعرف الوسط الجبلي بتضاريسه الوعرة، و هذه الحقيقة التي يصطدم بها السكّان في تنقلاتهم اليومية، تبرز الخاصية الأساسية للجبل و المتمثلة في تجزئة المجال و انحصار الأودية . غالبا ما يتطلب الانتقال من مكان لآخر لفة طويلة، و رغم أن أعالي القمم تفوق 1300م تظل ضمن منطقة الجبال المتوسطة (600–1000م)، و تحتل الأراضي المنخفضة المتواجدة تحت مستوى 300م شريطا ضيقا ممتدا مع الواد، و لكن رغم الارتفاعات المتوسطة، فإن الانحدارات الشديدة تؤكد الميزة الجبلية، و تطرح نسبها المرتفعة مشكلة استعمال التربة و صرف المياه في الأوساط حيث يظل عدم استقرار المنحدرات عائقا قويا.

و بصفة عامة، تغطي الانحدارات التي تفوق 12% معظم المجال و هذا النوع من الأراضي لا يتحمل – كنشاط زراعي– إلاّ الأشجار المطرية و الرعي الحر في الغابات و الأحراش، المعزق و المحراث و خاصة الجرّار، أدوات لا يُفضّل استعمالها إلاّ في المصاطب المزروعة؛ و الأراضي التي يمكن استخدامها في الزراعات الكثيفة ( سقي و آلات زراعية ) محصورة في شريط ضيق (بعض عشرات الأمتار)ممتد مع الواد، و تمارس الزراعات المعاشية على السطوح الطبوغرافية و المساحات الضيقة ضعيفة الانحدار و المنتشرة هنا و هناك.

نتجت عن القاعدة الجيولوجية تربة فقيرة مميزة بأراضي هشّة ذات حساسية شديدة للتعرية و معرّضة لعمليّة الغسل.

المناخ المميّز بتساقط معتبر و عنيف خاصة على القمم (< 1000مم / السنة) يشكل عاملا مساهما في تدهور المنحدرات، كما يتعرّض الغطاء النباتي للتدهور بسبب التدّخلات البشرية (الاستغلال و الرعي المفرطان و الحرائق) خاصة في الأحراش و غابات البلّوط.

2.مجال ذو تعمير كثيف، عريق و أصيل

يحمل المجال التلّي الوعر كثافة سكاّنية عالية، ناتجة عن الزيادة الطبيعية فقط، فقد ارتفعت الكثافة – خلال عقدين من الزمن– من 140 إلى 240 سنة/كم2 ممّا ترتّب عنه ضغط سكّاني شديد على المجال.

تميّزت الزيادة السكّانية بالانتظام منذ أكثر من قرن، و هي الصورة المميّزة للمناطق الجبلية في بلدان حوض البحر المتوسّط، حيث تراكمت الكثافات المرتفعة سواء هروبا من الأخطار الخارجية أو بهدف التكامل في استغلال الأراضي، و كان الاستيطان الفرنسي من أهم العوامل المساهمة في ارتفاع الكثافة السكانية الجبلية.

إذا سُئل السكان عن أصلهم الجغرافي ، يُلاحظ أن أكثر من 85% من أرباب العوائل ذوو أصل محلي، و الأقلية القادمة أتت من أوساط جبلية محيطة لا تتعدى مسافة 50 كم، فالجبل غير مؤهل لاستقبال مهاجرين جدد.

منذ عُشرية لوحظ تجمّع السكان و انزلاقهم نحو السفوح و هي ظاهرة عامة، فالتجمعات اليوم تمثل 45% من جملة سكان المناطق المبعثرة . كما أن أكثر من 50% من سكان البلدية يتواجدون على 30% من مساحتها، هذا الاتجاه نحو التركّز خفّف من حمولة المناطق الوعرة لصالح المناطق السهلية.

3.سكن تقليدي في حالة تطور

يشكل السكن العنصر المحوري الذي تنتظم حوله مناحي الحياة المحلية،  و هو يتميّز بالانتشار الذي لا يصنف عادة كسكن مبعثر؛ إذ يكون التباعد بين المساكن كافيا بحيث لا يجعل منها سكنا متجمعا، كما أن التقارب النسبي فيما بينها لا يؤدي إلى اعتبارها سكنا مبعثرا.

إن هذا النوع من السكن يختار تواجده الاعتيادي بأواسط السفوح الجبلية بدلا من الاستيطان على القمم أو في بطون الأودية، و يتلازم وجوده بخطوط التماس بين الأحراش (الماكي) أو السفوح الجدباء ذات الميول الشديدة من جهة،  و المجالات المزروعة خاصة منها بساتين الخضراوات من جهة أخرى ضمانا للقرب من المراعي و أماكن العمل.

إن السكن في حقيقة الأمر لا يمكن اعتباره كيانا مستقلا ؛ إذ أن له ارتباطا شديدا بعوامل خارجية عديدة، كونه على علاقة بعناصر مهيكلة للمجال ( نشاطات، خدمات، شبكات اتصال...الخ).

و نظرا لحضور مجالات قابلة للاستخدام حول المساكن الفردية، فإنّ الخلية السكنية تشمل امتدادات أخرى منها الحيازة المعاشية الداعمة لتحسين مداخيل الأسر الريفية، و تتكون الخلية السكنية من ثلاثة أقسام أساسية : بستان الخضراوات، بستان الأشجار المثمرة، حيّز مخصص للحيوانات و الدواجن و النحل، و كلّما آل السكّن نحو التجّمع كان ذلك على حساب انحسار الحيازات المعاشية.

بمراعاة الشكل الذي يأخذه في توزيعه المجالي و المواضع التي يحتلّها، فإن السكن بالتّل الشرقي يختلف في خصوصيته عن السكن الأوراسي و القبائلي.

من هنا يكون من الواجب إعطاء تحديد دقيق لمصطلح "مبعثر" الذي يدلّ على "مسكن معزول" و لا يعكس الواقع الجبلي . لأن السكن بهذه المناطق التلية ينتظم على شكل "عناقيد" من بنايات و الأصح أن يسمى " نصف متجمع"  أو "نصف مبعثر" عبارة عن سُدُمٌ تسمى "مشاتي".

المشتة هي مجتمع بشري متجانس نسبيا يتكون من عائلة أو عدة عائلات تجمعها عادة رابطة الدم وعلاقات تضامنية قوية، و يمكن أن تكون عوامل التوحيد ذات طبيعة اجتماعية (الانتماء لنفس الدوّار..استخدام مشترك لمصادر المياه...) أو ثقافية (استعمال مشترك لأماكن العبادة و الترفيه...) أو اقتصادية (شراكة في أداء النشاطات الخدمية، تعاون في الأعمال الفلاحية و بناء المساكن...).

يظهر المسكن أكثر تطورا في المناطق المنخفضة و الرّوابي أين تدخل المواد " الحديثة " في البناء سواء في الأرضية أو الجدران أو السقف ( البلاط، الطوب الإسمنتي، الآجر، القرميد، الإسمنت المسلّح...و غيرها ) تتراوح نسبتها من 65 إلى 95 % ، أما في الجبال فإن المساكن تكون أقل تطورا حيث تكون مواد البناء تقليدية دلالة الفقر ( طوب لبني، حجارة مدمجة، الطين، صفائح ترنيت ... ) و أغلب المساكن أرضية (82 % من مجموع المساكن) ، و هو النمط التقليدي السائد في المناطق الريفية الجزائرية (أرضي و ممتد) كون غالبية السكان لا يملكون القدرات المادية لإنجاز بنايات عمودية ؛ و التي ظهرت في المجال الريفي في منتصف الثمانينيات.

تمثل الملكية الخاصة ثلثي السكنات التي تكون موروثة أو تكون ثمرة جهود حياة من العمل لكل أفراد العائلة، فهي تمثل إذن أهم استثمار لها.

و رغم المجهودات المبذولة تظل المساكن ضيّقة و صغيرة الحجم، فنادرا ما يتجاوز عدد الغرف خمسة، إذ أن 80% من المساكن تحتوي على أربع غرف فأقل.

يصل معدّل إشغال المسكن 9.5 نسمة/المسكن و يفوق بكثير المستوى الوطني (7.61) ممّا يؤكد عمق الطابع الريفي لهذا المجال الجبلي المحلي،و يتفاوت المعدّل من مكان لآخر إذ يتراوح من 7 إلى 16 نسمة / المسكن فيشتد الاكتظاظ بالمناطق العليا حيث تسود المساكن الأرضية محدودة الغرف.

تظل الإقامة وسيلة أساسية للسكن الذي يُعد ركيزة للنّشاط الإنتاجي، فتربية المواشي كنشاط رئيسي يتطلّب بناية خاصة و منفصلة عن المسكن، و هذه إحدى الخاصيات الكبرى للسكن.

4.تمسّك المجتمعات المحلية بالأرض و بنظام إنتاجي عريق

إن شكل ملكية الأرض يكشف عن رسوخ المجتمعات البشرية، و يظهر هذا الرّسوخ خاصة في المناطق المتضرّسة و التي لم يتعرّض سكّانها الأصليون للاختلاط بارتفاع نسب التمليك (70% ) على عكس المناطق المنخفضة.

تتشكل الملكية من مساحات محدودة تتطلّب مجهودات صعبة وشاقّة لاستصلاحها و استغلالها، و تُنقل جيلا عن جيل بواسطة الإرث، و هو ما يؤكد استقرار المجتمع الجبلي و ارتباطه القوي بوسطه.

رغم المكانة المتواضعة التي تحتلها الفلاحة في الشغل، تظلّ النشاط الرئيسي في المجال الجبلي المحلّي، فهي التي تشكّل المناظر، و تنظم حياة السّكان، و كعنصر اختلاف تُميّز و تُشخّص المجال الجبلي المحلي على نحو بارز، إضافة إلى ضمان دخل العديد من العائلات. فنصيب هذا القطاع من الشغل أكثر أهمية ممّا تبديه الإحصائيات الرّسمية، لأن النّساء و الرّجال الذين يعتمدون على النشاط الفلاحي يصرحون أنفسهم بدون عمل، على أساس أن الفلاحة- بالنسبة لهم – أسلوب حياة و ليس نشاطاً، لأن الإنتاج موجّه للاستهلاك الذّاتي و ليس للتسويق أمّا العمل فيقابله راتب.

الكميات المعتبرة من الأمطار لا تعود بالفائدة على المجال و تذهب مباشرة لتغذية المجاري المائية لعدم إمكانية استغلالها، و التكوينات الجيولوجية النّفوذة هي أصل تواجد الكثير من المنابع و الآبار التي تُستغل بصورة محدودة في سقي البساتين أو تزويد السكان بمياه الشرب.

أمّا العائق الأساسي فيكمن في الانحدار الذي يعرقل الاستغلال الأمثل، و تُعذ هذه الخاصية الطبوغرافية عاملا مشددا للتعرية خاصة على المنحدرات التي تفوق 12% ، بالإضافة إلى مساهمة التكوينات الصّخرية السائدة ( مارن و رمل ) في حدّتها.

بسبب هذه العوائق الطبيعية لا يمكن للجبل أن يكون مجالا مفضّلا لزراعة ناجعة، فالأراضي المخصّصة مخلّة بالعطاء و المساحة الصالحة للزراعة محدودة  ( من 50 إلى 60% من المساحة الإجمالية ) كما تساهم رداءة التربة في تقليص المساحة المستغلّة فعلا، لتتراوح بين 21 و 24% من المساحة الصالحة للزراعة  و بين 11 و 14% من المساحة الإجمالية ، فالأرض الفلاحية معرّضة أكثر فأكثر للإهمال.

هذه الفلاحة الموجّهة أساسا للاستهلاك الذاتي و التي تكتسي طابعا عائليا،تعتمد على تنويع ماهر من استغلال أدنى مسطّح إلى استعمال الأحراش و الغابات للرّعي الحرّ.

السّقي تطبيق عادي رغم قلّة المساحات المسقية و القابلة له، و يُمارس في المناطق المتضرّسة التي يُستغل فيها أيّ عقيق (وادي صغير) و أشكاله عديدة تتدرّج من التقنيات التقليدية (الآبار و تحويل المجاري) إلى المضخّة الآلية التي لا زالت وسيلة محدودة الاستعمال، فطبيعة المزدرعات تبرّر استعمال المضخّة الآلية بالوسط الجبلي.

إذ يوجد تعاكس بين الأوساط الجبليّة من جهة و الروابي و الأحواض من جهة أخرى، حيث تمتاز الأولى بزراعة متنوعة ترتكز على الأشجار المقاومة مثل الزيتون، بينما تسود أحادية الإنتاج متمثلة في الحبوب بالأوساط الثانية.

الرّعي نشاط قاعدي في هذا الوسط، و لكنه أقل أهمية في الأماكن المنخفضة حيث تُمنع الزراعات الواسعة انتشار الماشية لفترة طويلة من السّنة، فالفلاح يظل زارعا أولا و لو احترف الرعي . أمّا في الجبال فإن النشاط يرتكز على الجمع بين الزراعة و الرّعي. الذي يمارس بطريقة تقليدية باستعمال المراعي الطبيعية  و الحصيدة.

و الرّعي نشاط يتطلّب مجهود معظم أفراد العائلة، و يرتكز عادة على رؤوس الماشية لاستغلال الحليب و أخرى لاستغلال اللّحوم.

الممارسة الأكثر شيوعا هي الاستهلاك الذاتي، و التسويق لا يخصّ سوى الفائض من المنتوج خاصة في أماكن الزراعات المتنوّعة، و هذه الممارسة مرتبطة بأسلوب تقليدي لنظام الكفاية الذاتية الذي فرضته العزلة و الحرمان و التاريخ.

5. مجال معزول ضعيف البنية

يتميّز المجال الجبلي المحلي بضعف ربطه مع الشبكات (الطرق، الكهرباء  و الغاز، التموين بمياه الشرب، التصريف و الهاتف ...) و للتخفيف من هذا النقص تصرّف السكان بمهارة الريفيين و تضامنهم . فحول مولّد كهربائي  أو اثنين تتشكل شبكات صغيرة جدا توزّع الطاقة الكهربائية للمساكن مقابل مساهمة مالية. إذا كان هذا النظام يخفّف من عجز السلطة العامّة المحلية  و يكسر احتكار توزيع الطاقة الكهربائية فإنه يحمل عائقين كبيرين : غلاء ثمن الكهرباء و عدم توفّره باستمرار. و يُستعمل الجرار على المنحدرات كوسيلة نقل أكثر من استعماله كآلة فلاحية خاصة في المجالات الأكثر تضرّسا كما تستعمل المضخة الآلية لتزويد العائلات بالمياه العذبة مثل استعمالها في السقي.

التجهيزات و المرافق المتوفّرة لا تكفي حاجيات السكان باستثناء المنشآت المدرسية، و المركز الرئيسي يجمع جملة المرافق و يمارس جاذبية على السكان تتجسّد في التردّد المتكرّر اتجاهه، إضافة إلى غياب مراكز ربط، و هذا النقص المزمن في التجهيزات خلّف مجالا محليا ضعيف البنية.

خلاصة

رغم كونه محدود المساحة (16000 هكتار) فالمجال الجبلي المحلّي ثريٌ بتنويع مجالاته الجزيئية (micro- espace locaux) المحلية التي تبرز من خلال تصنيف يرتكز على تحليل متعدّد المتغيرات، حيث إن كل مجال جزيئي هو تتويج لارتباط شديد بين الوسط الطبيعي و الاستغلال البشري (معامل الارتباط 0.877) سواء أكان في حالة أزمة أم جمود أو تحوّل أو تطوّر، فالمجال الجبلي المحلّي الذي تتراكم عليه التناقضات مجال متجانس من حيث المواصفات الطبيعية و البشريّة، و يحمل دلالة التاريخ و التقاليد و الارتباط بالأرض و الأصل، هذا المجال الهش البخيل بالعطاء و المعزول يضمّ كثافات سكانية عالية تشكّل خطرًٍا على التوازنات، و تغذّي النّزوح الريفي و ترك المكان . هذا المجال المهمل من طرف السلطات العمومية يتألّف من جماعات بشرية متماسكة، تخلق البديل من أجل التأقلم مع التطورات المتعدّدة التي يعرفها البلد.

إذا افترضنا أن "كل مرحلة أزمة تعكس تغييرا قويا نسبيا لأنظمة الحدود".[11]

نستطيع القول بأن الأزمة الجزائرية قد تؤدي إلى تنظيم إقليمي جديد، فمعرفة المجالات المحلّية تسمح بتغيير النّسيج نحو حبكات "مختارة" و ليست مفروضة، و وضع ديموقراطية إقليمية حقيقية، و إعادة تحديد السّلطة [12] لصالح المجتمعات المحلّية بإدماج أسس التضامن العريق في إدارة المؤسسات، و فرض التطوّر في اتجاه "أكثر محلّي" .


الهوامش

[1]-Brunet, Roger : Les mots de la géographie. Dictionnaire critique.- Paris, Editions Reclus-la Documentation Française, 1993.

[2]-Monnet, Jérôme : La symbolique des lieux : pour une géographie des relations entre espace, pouvoir et identité.- Article publié dans la revue électronique CYBERGEO.

[3]-Raffestin, Claude : Pour une géographie du pouvoir.- Paris, Edition LITEC, 1980.

[4]-Kayser, Bernard : La renaissance rurale. Sociologie des campagnes du monde occidental.- Paris, Editions Armand Colin, 1990.

 [5]-Raffestin, Claude : Pour une géographie…

[6]-Brunet, Roger : Les mots…

[7]-Gumuchian, Hervé : Représentations et aménagement du territoire.- Paris, Editions ANTHROPOS, 1991.

[8]-Boukerzaza, Hosni : L’espace local en Algérie : de la tribu à la wilaya.- In Géographie et Développement, Revue de l’association des géographes tunisiens, n°15-16, Janvier 1999.

[9]-Raffestin, Claude : Pour une géographie…

[10]-Ce qui suit est principalement tiré d’un travail de recherche dur « Ruralité et territorialité dans l’Algérie du nord-est », Boukerzaza, H. et Boughaba, A. (1996-1998).

Voir également : Crises, adaptations et mutation dans un espace rural montagnard algérien.- Communication présentée par Boukerzaza, H. au colloque « Dynamique rurale, environnement et stratégies spatiales » organisé par l’UMR 5045 « Mutations du territoire en Europe », 13 et 14 septembre 2001 (Actes publiés).

[11]-Raffestin, Claude : Pour une géographie…

[12]-Le Coz, Jean: Espaces méditerranéens et dynamiques agraires. Etat territorial et communautés rurales.- In Options Méditerranéennes, Montpellier, CIHEAM-UNESCO/MAB, n°2 de la série B : Etudes et Recherches, 1990.

Jean, Le Coz parle de « déstructuration des communautés locales » et de la « délocalisation du pouvoir au profil de l’Etat territorial ».

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche