إنسانيات عدد 29-30 | 2005 | أبحاث أولى 2 (أنثروبولوجيا، علم الاجتماع، جغرافيا، علم النفس، أدب) | ص 217-237 | النص الكامل
Les réseaux universitaires et l’organisation de l’espace en Algérie Abstract: L’Algérie a développé son réseau universitaire depuis l’indépendance en déployant les établissements de l’enseignement supérieur dans la plupart des wilayas afin de les mettre au service du développement. Mots clés : réseau universitaire - ville universitaire - recherche scientifique - développement - aire d’influence - intégration - marginalisation. |
Wassila BEN KARA MOSTEFA : Université de Constantine, Constantine, 25 000, Oran, Algérie.
مقدمة
تؤكد جل التعاريف العامة و الأكاديمية الخاصة بالمؤسسة الجامعية على أن مفهوم هذه الأخيرة يتركز أساسا على مدى قوة و مكانة العلاقات القائمة بين الوظائف الثلاث التي تؤديها في مجتمعاتها و هي: التعليم، البحث العلمي وخدمة المجتمع أي تنميته.
اليوم، و بظهور ما يعرف بالشبكات العالمية للمدن، يبرز و يتجلى و نستشعر يوما بعد يوم الدور الهام المنتظر آداؤه من طرف هذه المؤسسة لمسايرة السياسة العالمية؛ هذا الدور الذي يبنى على التوفيق بين محورين رئيسيين:
أولهما داخلي (محلي) يتمثل في مساهمة الجامعة في التنمية المحلية لإقليمها، و الثاني خارجي(إقليمي، عالمي) يتمثل في مدى قدرتها على تحقيق استقلاليتها و اكتسابها للمؤهلات العلمية و التكنولوجية التي تثبت مكانتها في الشبكة التي تنتمي إليها؛ بفضل ما تمتلكه من طاقات و إمكانيات في جانب البحث العلمي- هذا النشاط الذي تطور بدوره من عمل فردي إلى مهمة جماعية تتطلب مؤسسات قائمة بذاتها تعمل في إطار شبكات- الذي يلعب دورا هاما ويساهم بطريقة مباشرة في خلق و تدعيم البيئة العلمية التي يحتاجها و يتطلبها الاستثمار المعاصر.
فالجامعة الجزائرية مطالبة اليوم أكثر من السابق بتجسيد الدور المنوط بها الذي تحدد شروطه بنية الشبكة الجامعية و مدى تماشيها والأهداف المرجوة منها "محلية و خارجية". لكن، قبل الحديث عن وضعية مدننا الجامعية في إطار شبكاتها الإقليمية، نقدم نبذة تاريخية عن تطور حركة التعليم بالجزائر منذ القديم و التي تتلخص في ثلاث فترات رئيسية:
فترة ما قبل العثمانيين
تميزت بظاهرة اللاتوازن بين الحواضر الكبرى "قسنطينة، بجاية و تلمسان" المتخمة بالعلم و العلماء و حواضر أخرى جد صغيرة "بسكرة، الجزائر، وهران"، و من جانب آخر وجد تباين كبير مع المجال الريفي الذي كان يعاني من وطأة الجهل و الأمية و إن كان مجاورا لحاضرة كبرى.وعلى الرغم من كثرة المعاهد التعليمية في هذه الفترة، و تنوعها "بالحواضر" أنه لم يعرف أيا منها التطور الذي عرفته جوامع: الزيتونة "تونس"، الأزهر"مصر" و القرويين "المغرب"؛ و يرجع هذا لسببين رئيسيين هما: التقارب في المستوى العلمي بين هذه المعاهد و استقلالية كل منها بذاته،و الآخر يتمثل في عدم الاستقرار السياسي الذي عاشته البلاد نتيجة الصراع القائم بين الدولتين الحفصية في الشرق و المرينية في الغرب.
فترة التواجد العثماني
تميزت بانتشار كبير للعلم عبر كامل أنحاء البلاد بفضل مختلف المؤسسات التعليمية التي ظهرت لآداء هذه الوظيفة بدءا من المرحلة الابتدائية "الكتاب" إلى المرحلة الثانوية و التعليم العالي "المسجد، المدرسة، الزوايا".
- ساهم تحول مدينة الجزائر إلى عاصمة سياسية بطريقة فعالة في الوصول إلى هذه الوضعية من الثبات، حيث عملت "مدينة الجزائر" على استقطاب رجال العلم بقوة من كامل أرجاء البلاد فحطمت الركود و الفتور الموجود و صارت تشكل مركزا تنتظم و تتمحور حوله باقي المدن الكبرى و الصغرى عبر الشرق والغرب، أي أن هذا التحول خلق و أفرز توازنا و استقرارا.
فترة الاحتلال الفرنسي: انقسمت إلى مرحلتين متباينتين:
المرحلة الأولى: تم فيها استعمال القوة، حيث تم تدمير واسع للمدرسة الجزائرية؛إذ "وجدت في مدينة الجزائر وحدها سنة 1836 حوالي 14 مدرسة من أصل 100 مدرسة كانت قائمة عام 1830"1. و هو الأمر الذي يعكس بوضوح سياسة التجهيل التي تبناها الاحتلال الفرنسي في الجزائر.
المرحلة الثانية: اتسمت باستعمال الطريقة السلمية لمقاومة المدرسة الجزائرية، فظهرت المدرسة الفرنسية جنبا إلى جنب مع نظيرتها الجزائرية عبر كامل البلاد "مدن، قبائل، مجال ريفي...".
- بعد الاستقلال، ورثت الجزائر في ميدان قطاع التعليم العالي جامعة وحيدة هي جامعة الجزائر التي أنشئت عام 1877 و أعيد تنظيمها عام 1909.
أما اليوم، فقد ازداد و ارتفع عدد المؤسسات التابعة لهذا القطاع، مشكلة بذلك مدنا جامعية عبر كامل التراب الوطني، و فيما يلي نستعرض حالة و وضعية الشبكات التي تنتمي إليها هذه المدن.
1. وضعية المدن الجامعية الجزائرية
اكتسبت الجزائر إلى غاية الموسم الجامعي 2001-2002 ما يقارب 40 مدينة جامعية، ضمت 55 مؤسسة تعليمية تتنوع ما بين "جامعة، مركز جامعي، مدرسة عليا، معهد و مدرسة وطنية"، لكل منها ما يعرفه و يحدده نظاما توجيهيا للتسيير متضمن في نص تشريعي خاص به.
و انطلاقا من الخريطة المرافقة "لمستويات المدن الجامعية في الجزائر" التي أنجزت اعتمادا على نتائج تصنيفية للرتب التي استعملت فيها مؤشرات مختلفة (خاصة بالجانبين التعليمي و البحث العلمي)، يمكن تقديم القراءات التالية:
وطنيا، 90 % من المدن الجامعية توجد في شمال البلاد منها أقل من 50 % (41 %) تتمتع بالمستوى الفعال (5) أي أن مجال (نفوذها) يتعدى حدود الولاية التي تنتمي إليها (100كم2).
و تنفرد المدينة الجامعية (للجزائر العاصمة) بأعلى المستويات (الرتبة 9) ثم تليها بكل من الشرق و الغرب المدينتان الجامعيتان:قسنطينة و وهران في المستوى الموالي (8) من الترتيب.أما إقليميا فنجد:
تدرج متباين في مستويات المدن الجامعية
إقليم الشرق
يضم 17 مدينة جامعية أي ما يقارب 50% من حجم الشبكة الوطنية، منها 30 % تعتبر مدنا جامعية فعالة (مؤثرة) بانتمائها إلى المستوى الفاصل (5) فأكثر. تتميز تراتبية هذا الإقليم بتوفرها على كل المستويات أي غياب فراغات بين أعلى مستوى الذي تمثله قسنطينة بالرتبة (8) و باقي المدن: عنابة بالرتبة (7)، سطيف و باتنة بالرتبة (6) فبسكرة في المستوى (5)، إلى غاية الوصول إلى المدينة الجامعية ذات المستوى (1).
إقليم الوسط
يضم حوالي 25% (10 مدن جامعية) من إجمالي العدد الوطني، منها 50% ذات المستوى (5) فأكثر.توجد بهذا الإقليم أول مدينة جامعية على المستوى الوطني هي مدينة الجزائر(9)، ثم تليها مجموعة المدن الجامعية في المستوى الموالي (5) و هي مدن: بجاية، تيزي وزو، بومرداس و البليدة (المدن المشكلة للإقليم العاصمي)، ثم تأتي بقية المدن الجامعية للإقليم برتب أقل.
إقليم الغرب
يضم بدوره 25% (9 مدن جامعية) من مدن الشبكة الوطنية، تمثل المدينة الجامعية وهران القطب الرئيسي للإقليم لانفرادها بالرتبة (8) و تليها المدينتان الجامعيتان سيدي بلعباس و تلمسان في المستوى (6)، ثم المدينة الجامعية مستغانم في المستوى (5).
و على العموم نسجل تميز و بروز مستوى المدينة الأولى لغياب مدينة جامعية من المستوى الموالي مباشرة (7)، كما نسجل أيضا غياب المستوى (1).
* تجعل الوضعيات المختلفة لمستويات المدن الجامعية الجزائرية عبر الأقاليم الرؤية غير واضحة بخصوص وضعية كل مدينة جامعية رئيسية "الجامعة الأم" بالنسبة لبقية مدن الإقليم، و من أجل الحصول على توضيح أحسن.
و أعمق لهذه الوضعيات نقترح البيانات التالية الخاصة للعلاقات القائمة على مستوى كل شبكة محلية (إقليمية) و المنجزة على أساس عمليات تسجيل طلبة السنة أولى، استخلصنا منها:
علاقات الارتباط بين المدن الجامعية لكل إقليم
حالات استقطاب متمايزة
نميز من هذه الأشكال وجود علاقات قوية مع المدينة الأم لإقليمي الوسط و الغرب، مقابل تداخل في العلاقات على مستوى الشرق. لوجود:
استقطاب أحادي:على مستوى إقليمي الوسط و الغرب
تستقطب المدينة الجامعية للجزائر العاصمة حوالي 78% من مدن الإقليم بعلاقات قوية و قوية جدا، أما عن العلاقات بين بقية المدن الجامعية فيما بينها فنجد: علاقات قوية جدا على بين مدن الإقليم العاصمي (تيزي وزو، بجاية، بومرداس و البليدة) من جهة، و من جهة أخرى علاقات قوية جدا مع المدينة التي خولت لها مهام تسيير الإقليم من الدرجة الثانية و هي البليدة.
يشكل إقليم الوسط إقليما منتظما مبنيا على أساس تدعيم الإقليم العاصمي "تركز نقطي للقوة ".
أما بخصوص الإقليم الغربي فهو الأكثر انتظاما، الأحسن اندماجا و تفتحا. من خلال:
قوة علاقات المدينة الجامعية الأم (وهران) مع بقية مدن الإقليم و التي بلغت نسبة استقطابها ما يقارب 65%، ثم تأتي العلاقات بين بقية المدن و هي علاقات قوية بنسب استقطاب متقاربة حوالي 50%.
استقطاب مزدوج
تعكسها وضعية العلاقات بالإقليم الشرقي، أيــن تقتسم كل من المدينتين الجامعيتين قسنطينة و عنابة استقطاب بقية المــدن الجــامـعـية بالإقليم؛ فللأولى 56% من المدن بعلاقات قوية و قوية جدا، في حين بلغت نسبة استقطاب الثانية 31%. أما بين باقي المدن، فالعلاقات القوية تتوفر بين المدن القريبة مجاليا (البرج و المسيلة مع سطيف، خنشلة و تبسة).
إقليم الشرق: إقليم مشتت البنية، منغلق (مجال امتداد العلاقات القوية جد ضيق)
* يمكن القول انطلاقا من هذه النتائج، و على الرغم من كون عملية التسجيل التي تم الاعتماد عليها عملية مبرمجة و موجهة، إلا أن الوضعية العامة لمدن هذه الأقاليم تتحكم فيها عدة عوامل أهمها و بدرجة كبيرة تلك المتعلقة ببنية و خصائص الشبكات التي تنتمي إليها.
- 2.بنية الشبكات الجامعية الجزائرية و خصائصها (إقليميا)
تتميز الشبكات الجامعية الجزائرية بالخصائص التالية:
بنية إقليمية غير موحدة
يوجد على المستوى الوطني أكثر من 500000 طالب ينقسمون بين 95.5% بسلك التدرج و 4,5 % دراسات عليا، يؤطرهم أزيد من 16000 أستاذ أما على مستوى كل إقليم فنسب أحجام الطلبة و الأساتذة كما يلي:
توزيع نسب الطلبة و الأساتذة عبر الأقاليم
|
إقليم الشرق |
إقليم الوسط |
إقليم الغرب |
نسب الطلبة |
37 |
42 |
21 |
نسب الأساتذة |
41 |
34 |
24 |
المصدر: وزارة التعليم العالي و البحث العلمي 2001-2002.
يوافق اختلاف نسب هذه المؤشرات من إقليم إلى آخر اختلاف حجم الشبكة الجامعية التي يمتلكها كل إقليم (أي عدد المدن الجامعية المشكلة له: 17 بالشرق، 10 بالوسط، 9 بالغرب).
لكن توزيعها (المؤشرات) على هذه المدن لا يعطي نفس الهيكل أو البنية كما يلي:
نماذج بنيات المدن الجامعية عبر الأقاليم
أحجام المدن الجامعية لكل مستوى عبر الأقاليم
|
الحجم بالنسبة للإقليم |
|
طلبة التدرج |
الأساتذة |
|
المدينة الأم "قسنطينة" |
23 |
28 |
مدينة عنابة |
16 |
21 |
مدن الفئة II (3 مدن) |
32 |
29.5 |
مدن القاعدة (5 مدن) |
29 |
21.5 |
المصدر:وزارة التعليم العالي و البحث العلمي 2001-2002
|
الحجم بالنسبة للإقليم |
|
طلبة التدرج |
الأساتذة |
|
المدينة الأم "الجزائر" |
50 |
45 |
مدن الفئةII (3 مدن) |
33 |
25 |
مدن القاعدة (6 مدن) |
17 |
30 |
المصدر:وزارة التعليم العالي و البحث العلمي 2001-2002
|
الحجم بالنسبة للإقليم |
|
طلبة التدرج |
الأساتذة |
|
المدينة الأم "وهران" |
33 |
46 |
مدن الفئةII (3 مدن) |
45 |
38 |
مدن القاعدة (5 مدن) |
22 |
16 |
المصدر:وزارة التعليم العالي و البحث العلمي 2001-2002
البنية الموحدة "أحادية الرأس" الموجودة على مستوى إقليمي الوسط و الغرب بـ رأس واحد، قاعدة غير عريضة و فارق واضح بين المستويات (أكثر حدة بإقليم الوسط)، تختلف عن بنية الإقليم الشرقي التي تتميز بقاعدة عريضة من المدن الصغيرة، فئة المدن المتوسطة و قمة برأسين مع تسجيل غياب التباعد بين المستويات و هذا ما يبينه التحليل الموالي المرافق للجداول و الأشكال البيانية المنجزة على أساس عنصري الطلبة و الأساتذة:
الطلبة
في الوقت الذي تتطابق فيه الوضعية بين إقليمي الوسط و الغرب (بأقل حدة) بحيث نجد: حجم المدينة الأولى في الإقليم الأول يساوي 5 مرات متوسط حجم مدينة واحدة من الفئة الوسطى التي تمثل بدورها 3 مرات متوسط حجم مدينة واحدة من فئة القاعدة، وحجم المدينة الأولى للإقليم الثاني يساوي 3 مرات حجم متوسط مدينة واحدة من الفئة الثانية، التي بدورها تمثل 4 مرات متوسط حجم مدينة واحدة من فئة القاعدة، يعيش الإقليم الشرقي وضعية خاصة؛ إذ لا يمكن قياس الفارق بين الرأس (المدينة الأولى) و متوسط مدن الفئة الثانية لأن القمة تتكون من رأسين. فالعلاقة بين المدينة الأولى و ما يليها غير واضحة، في حين أن متوسط الحجم لمدينة واحدة من الفئة الثانية يساوي 4 مرات متوسط حجم مدينة واحدة من فئة القاعدة.
الأساتذة
يعرف مؤشر الأساتذة نفس الوضعية؛ فحجم المدينة الأولى للإقليم الأول (الوسط) يساوي 6 مرات متوسط حجم مدينة واحدة من مدن الفئة الثانية التي تمثل ضعف متوسط حجم مدينة من فئة القاعدة، و حجم المدينة الأولى للإقليم الثاني (الغرب) يساوي 4 مرات حجم متوسط مدينة واحدة من الفئة الثانية التي تمثل بدورها 4 مرات متوسط حجم مدينة واحدة من فئة القاعدة.
أما عن الإقليم الثالث (الشرق)، فمتوسط حجم مدينة واحدة من الفئة الثانية يساوي 3 مرات متوسط حجم مدينة واحدة من فئة القاعدة.
و بالتالي نستخلص ما يلي:
- تعود ضخامة رأس هرم إقليم الوسط بهذه الدرجة أساسا لاستفادة المؤسسات التعليمية لهذه النقطة من مكانة و مركز المدينة التي تنتمي إليها (عاصمة البلاد)، و ما يتأتى عنه من توفر مختلف الإمكانيات و الخدمات السامية التي يتطلبها هذا القطاع، الشيء الذي يعمل على خلق جاذبية كبيرة لهذه المدينة الجامعية مقارنة بباقي المدن على المستوى الوطني.
إضافة إلى هذا، فقد ساهم التركز و التنوع الكبيرين للمؤسسات التعليمية "جامعات، معاهد، مدارس وطنية" ذات التكوين العالي و النوعي الموجه للتسجيل الوطني بشكل كبير في دعم هذه الوضعية كونه لا يتوفر إلا بهذه المدينة الجامعية.
- هرم إقليم الغرب يعرف تدرجا منتظما من القمة إلى القاعدة، فالفارق الموجود بين المستويات محفوظ بشكل متوازن بين التضخم و الضعف.
على عكس وضوح بنية الهرمين السابقين، فبنية الإقليم الشرقي غير واضحة
هذا عن مؤشري طلبة سلك التدرج و الأساتذة أي مؤشرات خاصة بالجانب التعليمي، أما عن جانب البحث العلمي (طلبة الدراسات العليا، أساتذة الصنف السامي و مخابر البحث العلمي) فالوضعية نفسها إن لم تكن أكثر حدة لسبب النوعية المميزة التي تشترطها مؤشرات هذا الجانب، بالإضافة إلى أن القيمة الكمية التي أحصيت عن علاقة الارتباط الموجود بين قسمي المؤسسة الجامعية (التعليمي، البحث العلمي) بلغت حدود 90%، أي كلما زاد حجم القسم التعليمي زاد حجم البحث العلمي بفضل ما يوفره الأول من متطلبات الثاني أي طلبة ما بعد التدرج و الأساتذة ذوي الصنف السامي الذين يقومون بأعمال البحث.
النتيجة
نتبين من هذه الوضعيات الثلاث، الخلل الموجود في بنية الإقليم الشرقي الذي يتركز أساسا على مستوى فئاته العليا، أي بين القمة المشكلة من رأسين و فئة المدن الموالية في شبكة الإقليم؛ إذ لا يمكن حساب الفارق بينهما زيادة على كونه يتسم بالضعف، و هو الشيء الذي أثر على طبيعة انتظام العلاقات بين المدن الجامعية لهذا الإقليم على عكس الإقليمين الآخرين (كما تم توضيحه في العنصر السابق).
بنية الشبكة الجامعية للإقليم الشرقي الأبعد عن المثالية:
و بتحقيق المعادلة الموالية (نموذج زيف) Log pn = log p1 + α log n التي تقدم ترتيب المتغيرات
(n : الرتبة) تبعا لأحجامها (Pn) وفق خط الانحدار المثالي الذي يشكل مع المستقيم الأفقي زاوية 45◦ (α =-1)، توصلنا إلى ما يبينه الشكل المرافق الذي يؤكد من خلال صورته العامة التطابق الكبير الموجود بين الشبكتين الجامعيتين لإقليمي الوسط و الغرب مع اختلافهما و الشبكة الجامعية للإقليم الشرقي. أما عن التحليل المتعلق بهذا البيان تبعا لمبدأ المعادلة المطبقة و بشكل عام: تعرف شبكة الإقليم الغربي أحسن توزيع باقتراب ميل خط انحداره (-1,4) من القيمة المثالية (-1)، تليها شبكة الإقليم الشرقي (-1,64) ثم شبكة إقليم الوسط الأكثر ابتعادا عن المثالية (-1,74) بسبب الفرق الكبير الموجود بين حجم مدينة الرأس و باقي مدن الشبكة.
و بالإضافة إلى هذا يتبين لنا ما يلي:
- تعرف المدينة الأولى بكل الأقاليم أحجاما أقل من الأحجام المثالية بحيث تقع أسفل خط الانحدار و هي في الشرق (قسنطينة) أبعد مقارنة بالمدينتين الأخريتين (الجزائر، وهران) - مع مراعاة أن الشبكة في الوسط بعيدة عن المثالية.
- المدينة الثانية تحتل وضعية أحسن، إذ تقترب في كل الأقاليم من الأحجام المثالية (عنابة بالشرق أعلى من الحجم المثالي)، و تعرف مقارنة بالمدن الأولى الوضعيات التالية: عنابة = 3/4 قسنطينة، البليدة =1/4 الجزائر، تلمسان = 1/2 وهران.
- تتمتع مدن الفئة المتوسطة بأحجام مثالية في الشرق، بينما تعرف أحجامها تضخما في الوسط و الغرب بسبب العدد الصغير لمدن فئة القاعدة.
و من هذا البيان أيضا، تبرز ظاهرة المدينة الجامعية الصغيرة (آخر نقطة في الشبكة) التي تعرف أحجاما صغيرة مقارنة بالأحجام المثالية و هي في الشرق أكثر تقزما بسبب وجود عدد كاف جدا من المدن المتوسطة و المدن القاعدية.
بصفة عامة
و على عكس وضعية إقليمي الوسط و الغرب؛ حيث نسجل اقتراب المدينة الأولى من الحجم المثالي، اعتدال حجم المدينة الثانية و نمو المدن المتوسطة (بسبب النقص في عدد مدن القاعدة)، إذ تعتبر المدن الجامعية في الشرق الجزائري الأبعد عن المثالية بسبب: المستوى المتراجع جدا الذي تعرفه المدينة الأولى، تضخم المدينة الثانية و الحجم الصغير جدا للمدن الثلاث الأخيرة (عوض مدينة واحدة).
فمدن شبكتي الوسط و الغرب تعرف نموا على عكس مدن شبكة الإقليم الشرقي الذي يبين شكل شبكته على العموم تراجعا في النمو "نظريا".
المدن الجامعية بالإقليم الشرقي أضعف قوة (وزنا): متوسط وزن المدينة الجامعية الواحدة لكل مستوى عبر الأقاليم
إقليم الغرب |
إقليم الوسط |
إقليم الشرق |
|||
المدينة الواحدة% |
المستوى |
المدينة الواحدة% |
المستوى |
المدينة الواحدة% |
المستوى |
- |
9 |
52.55 |
9 |
- |
9 |
36.19 |
8 |
- |
8 |
26.85 |
8 |
- |
7 |
- |
7 |
18.14 |
7 |
15.89 |
6 |
- |
6 |
14.59 |
6 |
14.67 |
5 |
10.1 |
5 |
6 |
5 |
8.78 |
4 |
4.87 |
4 |
3.5 |
4 |
5.27 |
3 |
- |
3 |
3.33 |
3 |
3.29 |
2 |
1.78 |
2 |
0.5 |
2 |
- |
1 |
0.39 |
1 |
0.61 |
1 |
المصدر: إنجاز وسيلة بن قارة مصطفى (معطيات الجداول السابقة+المصفوفة).
و بمطابقة أحجام المدن الجامعية في كل شبكة و المستويات لتي تنتمي إليها، خلصنا إلى ما يلي كما يوضحه الجدول المبين:
- في الوقت الذي تتوفر فيه فراغات بينية (متنفسات) بكل من إقليمي الوسط و الغرب، يتميز الإقليم الشرقي بانعدامها حيث نجد كل المستويات مشغولة.باستثناء وضعيات المدن الجامعية الأولى للأقاليم، تتميز وضعية باقي المدن بما يلي:
- مدن الإقليم الغربي هي الأكثر قوة، إذ تحتل المرتبة الأولى في الترتيب عند كل مستوى مقارنة بنظيرتيها في الإقليمين الآخرين، بالإضافة إلى أن أضعف مستوى بشبكة الإقليم يتمثل في المستوى الثاني (2).
- على عكس وضعية الإقليم الغربي، تحتل مدن الإقليم الشرقي المرتبة الأخيرة (3) في كل مستوى مقارنة بمدن الإقليمين الآخرين؛ فمدنه تعرف أدنى النسب باستثناء المدينة الجامعية ذات الرتبة (1) التي تعتبر أقوى من نظيرتها في إقليم الوسط (بسبب التركز و القوة الكبيرين الموجودين على المستوى المركزي لهذا الإقليم – الإقليم العاصمي- أين يوجد أكثر من 90 % من الحجم الكلي).
إذن:
- الإقليم الغربي يضم مدنا جامعية تتمتع بأحسن الوضعيات "الوزن" على مستوى كل الشبكة مقارنة بالإقليمين الآخرين.
- التركز المركزي الكبير في إقليم الوسط يشكل ضغطا على باقي مدن الشبكة.
- تعاني المدن الجامعية بالإقليم الشرقي ضعفا واضحا مقارنة بنظيراتها في الإقليمين الآخرين، باستثناء المدينة الثانية التي تعرف ثقلا مميزا (مؤقتا) – إذ لا يمكنها الصمود وسط الضعف العام المسجل لا سيما و أنها لا تمثل رأس الهرم.
3. أثر بنية الشبكات الجامعية على المدينة الأم في كل إقليم
يتجسد هذا التأثير أو الأثر في مدى قوة المدينة الجامعية الأم بكل إقليم، و قد حاولنا إبرازها من خلال حساب مجالات نفوذها بالنسبة للمدن الجامعية المنافسة لها على مجال يمتد على طول 200كم (مرجع الأستاذ M. Cote)، و التي تتحكم فيها حالة الخصائص السابقة الذكر (نوع البنية، التوزيع، الوزن).
و بالرغم من أن حجم المدينة الجامعية قسنطينة (50000طالب) يفوق حجم المدينة الجامعية وهران التي تضم 40000 طالب من جهة و من أن لهما نفس قوة التأثير على مجال 60كم (نسبة 100 %) من جهة أخرى، إلا أن التباين بينهما يتجلى على المجال البعيد "200كم" أين تنخفض نسبة ثقل الأولى إلى أقل من 30% مقارنة بالثانية التي تصل فيها هذه النسبة إلى 40 %.
تعود هذه الوضعية إلى اختلاف عدد المدن الجامعية المنافسة على هذا المجال الذي يمثل 12 مدينة بالنسبة لقسنطينة مقابل 6 مدن (النصف) بالنسبة لوهران.
أما بخصوص مدينة الجزائر، فالتركز الكبير على مستوى هذه المدينة الجامعية (100000طالب) جعل مجال نفوذها يغطي كامل إقليم الدراسة بنسبة تفوق 50 % مع إهمال قوة الدعم التي توفرها مدن الإقليـم العاصمي (أكـثـر من 90 % من حجم الإقليم).
مجالات نفوذ المدينة الجامعية قسنطينة
المسافة كم |
المدينة الجامعية القطب |
المدن الجامعية المنافسة |
|||
الحجم |
% |
العدد |
الحجم |
% |
|
30 |
49630 |
100 |
0 |
0 |
0 |
60 |
100 |
0 |
0 |
0 |
|
90 |
78.5 |
2 |
13572 |
21.5 |
|
120 |
38.1 |
6 |
80679 |
61.9 |
|
160 |
30.1 |
8 |
115134 |
69.9 |
|
200 |
27 |
12 |
134165 |
73 |
المسافة كم |
المدينة الجامعية القطب |
المدن الجامعية المنافسة |
|||
الحجم |
% |
العدد |
الحجم |
% |
|
30 |
117819 |
100 |
0 |
0 |
0 |
60 |
70.3 |
2 |
49753 |
29.7 |
|
90 |
68.67 |
3 |
53753 |
31.3 |
|
120 |
59.3 |
5 |
80882 |
40.7 |
|
160 |
59.3 |
5 |
80882 |
40.7 |
|
200 |
52.55 |
7 |
106365 |
47.4 |
مجالات نفوذ المدينة الجامعية وهران
المسافة كم |
المدينة الجامعية القطب |
المدن الجامعية المنافسة |
|||
الحجم |
% |
العدد |
الحجم |
% |
|
30 |
40450 |
100 |
0 |
0 |
0 |
60 |
100 |
0 |
0 |
0 |
|
90 |
51.6 |
3 |
37888 |
48.4 |
|
120 |
41.17 |
4 |
57803 |
58.8 |
|
160 |
39.68 |
5 |
61482 |
63.8 |
|
200 |
36.2 |
6 |
71302 |
63.8 |
الاقتراحات
من أجل تصحيح و تقوية البنى الإقليمية للشبكات نقترح ما يلي:
- العمل بمبدأ تعدد المراكز (Polycentrisme) على المستوى الوطني، انطلاقا من المدينة الجامعية الأولى التي تمثل العاصمة السياسية للبلاد، مدن المستوى الثاني التي تمثلها أيضا العواصم الإقليمية ثم المدن الجامعية المتوسطة فالصغيرة. و هذا قصد تحقيق بنية قوية تساهم بفعالية في إدماج المدن الأقطاب في الشبكات العالمية كل قطب حسب مستواه.
مدن صغيرة (قاعدية)
ضرورة بلوغ بنية نموذجية على المستوى الإقليمي "الشرق و الغرب"، تسمح بحفظ المستويات بين القمة، الفئة الوسطى و القاعدة،.و بإحداث إعادة تنظيم (توزيع) في النقاط الموجودة أو إضافتها (يساعد في هذا سياسة التقسيم الإداري لارتباط مقرات المؤسسات الجامعية بمقر الولايات).
- تطبيق نظام تعدد مركزي إقليمي، بتقوية العلاقات القائمة بين نقاط كل شبكة بشكل فردي "إقليم الغرب" أو بشكل جماعي (كتلي) بالنسبة لإقليم الشرق لوجود عدد كبير من المدن على مستوى القاعدة (بالإضافة إلى عملية التسجيلات الجامعية، يلعب نشاط البحث العلمي دورا كبيرا في تحقيق و تقوية هذه العلاقات). و من هنا، يبرز الدور الهام الذي يتعين على المدن المتوسطة أن تلعبه في إدماج المجال. أما على مستوى إقليم الوسط، فالاندماج لا يكون بالنسبة للمدينة الجامعية الأم (الجزائر) كونها تمثل القطب الرئيسي الوطني، بل يتم بالنسبة للمدينة الثانية إقليميا وهي البليدة (كما وضح سابقا في مخطط العلاقات).
الخلاصة
يستلزم النظام العالمي الجديد "العولمة" المبني على أساس الشبكات (نقاط و علاقات، مدن و تدفقات)، و يحتم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على كل نقطة استغلال كموناتها و طاقاتها للالتحاق بهذه الشبكات بدل تفضيل اختيار العزلة و التهميش.
و نظرا للدور الكبير و الهام جدا الذي يلعبه توفر البيئة العلمية في تعيين و تحديد مكانة و رتبة كل نقطة في كل مستوى (إضافة إلى مؤشرات أخرى تشترك كلها في انتمائها إلى القطاع الثالث الذي يقدم الخدمات السامية التي تعمل على جلب رؤوس الأموال للاستثمار)، فإن المؤسسة الجامعية اليوم – أكثر من أي وقت آخر- مطالبة بتجسيد هذا الدور و بلوغ أهدافه رغم اختلاف البيئة و المجال الذي تنتمي إليه كل منها من إقليم إلى آخر.
قبل أن نطالب هذه المؤسسة بالمساهمة الإيجابية و الفعالة في عملية التنمية و الاندماج هذه، لابد أن تتوفر أولا على ما يؤهلها و يساعدها على ذلك.و هو الشيء الذي لا يتأتى لها إلا إذا كانت تتمتع و تحتل المكانة التي تستحقها في مجالها، في إقليمها و في شبكتها.
و من هذا المنطلق، جاءت هذه الدراسة التي أفرزت التباينات الموجودة في بنية الشبكات الجامعية بين الأقاليم الجزائرية الثلاث مما يؤثر على وضعية كل نقطة "مدينة جامعية" على حدة بالإيجاب أو السلب و على الشبكة بشكل عام، و مدى انعكاسه على التنمية المحلية للارتباط الموجود بين الاثنين (المؤسسة الجامعية و التنمية).
كما تضمنت تحليلا للنماذج المحصلة، و خلصت بتقديم اقتراحات من شأنها لفت الانتباه قصد تحسين الوضعيات الحالية، و التي نطمح من خلالها كهدف أبعد إلى تحقيق الاندماج محليا، إقليميا و عالميا.
المراجع
باللغة العربية
عرنفج، سامي سلطي، الجامعة و البحث العلمي، عمان، دار الفكر، 2001.
تركي، رابح، "تطور التعليم الجامعي في الجزائر وفق سياسة التوازن الجهوي في التنمية الشاملة"، المجلة العربية لبحوث التعليم العالي، دمشق، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، المركز العربي لبحوث التعليم العالي، العدد الثاني، ربيع الثاني1405هـ ديسمبر/ كانون الأول 1984.
مسعود، العيد، "حركة التعليم في الجزائر خلال العهد العثماني"، المجلة التاريخية الاجتماعية "سيرتا"، معهد العلوم الاجتماعية - جامعة قسنطينة، العدد الثالث، رجب 1400هـ/ ماي 1980.
بن قارة مصطفى، وسيلة، الشبكات الجامعية و تنظيم المجال في الجزائر، مذكرة ماجستير، كلية علوم الأرض، الجغرافيا و التهيئة العمرانية، جامعة متنوري قسنطينة، 2005.
باللغة الفرنسية
Ministère de l’enseignement supérieur et de la recherche scientifique, guide de l’enseignement supérieur et de la recherche scientifique. 2001-2002.
الهوامش
* ماجستير في التهيئة الإقليمية، تحت إشراف حسني بوكرزازة، جامعة منتوري قسنطينة، ديسمبر 2005.
1 مسعود، العيد، "حركة التعليم في الجزائر خلال العهد العثماني"، مجلة سيرتا، معهد العلوم الاجتماعية، جامعة قسنطينة، السنة الثانية، العدد 3، ماي 1980، ص.70.