إنسانيات عدد 29-30 | 2005 | أبحاث أولى 2 (أنثروبولوجيا، علم الاجتماع، جغرافيا، علم النفس، أدب) | ص 129-142 | النص الكامل
Les patronymes en Algérie à travers la loi sur l’état civil : le cas de Constantine 1870-1900Abstract: La mise en œuvre des projets coloniaux français d’intégration ont provoqué de nombreux changements et mutations en Algérie durant le 19ème siècle. Après avoir réorganisé le territoire et les tribus suivant la loi du Senatus-Consulte et la loi sur la propriété individuelle, il était nécessaire de restructurer la famille arabe selon la vision française. Cette démarche ne pouvait être réalisée que par la création de la structure de l’état civil provenant du code civil français, à partir de l’année 1858, qui s’est clarifiée d’une façon officielle et codifiée en 1882 par l’application de la loi de ‘création des statuts relatifs’ obligeant tous les habitants du Tell algérien à porter des noms de famille. Mots clés : code des statuts relatifs - nom familial - Constantine - livret mère - extraits de naissance - le colonialisme français. |
Yasmina ZEMOULI : Ecole Normale Supérieure de l'Enseignement, 25 000, Constantine, Algérie
لقد أحدث تنفيذ المشاريع الاستعمارية الفرنسية الادماجية العديد من التغيرات والتحولات في الجزائر خلال القرن التاسع عشر ميلادي، فبعدما تمكنت من إعادة ترتيب الأرض والقبائل بموجب قانون "سيناتوس كونسلت" وقانون الملكية الفردية، كان من الضروري إعادة هيكلة العائلة العربية وفق المنظور الفرنسي. و لم يتأت ذلك إلا بإنشاء مؤسسة الحالة المدنية المنبثق عن القانون المدني الفرنسي ابتداء من سنة 1858 لتتضح معالمها بصفة رسمية ومقننة سنة 1882 بفرض "قانون إقامة الأحوال النسبية" الذي ألزم كل سكان التل الجزائري بحمل ألقاب عائلية.
تكمن أهمية دراسة قانون 23 مارس 1882 في الكشف عن آليات تطبيقه وتقنينه بشكل رسمي، وفي معرفة معايير الاختيار والإجبار من خلال تسليط الضوء على سلطة النص القانوني و ممارسة الواقع العياني في مدينة قسنطينة التي أعطت عينة معبرة للدراسة. ولمقارنة مدى التغييرات التي طرأت على منظومتها الاسمية خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر الذي شهد مسار التحول من التداول بالاسم الشخصي والنسبة إلى الأب والجد إلى التعريف باللقب العائلي والاسم الشخصي.
أولا: الإشكالية
يشكل البحث في التاريخ الاجتماعي المفتاح الأساس لفهم تطور المجتمع وخصوصياته ولاسيما القضايا المرتبطة ارتباطا وثيقا بالشخصية الوطنية والهوية الحضارية كموضوع "الألقاب العائلية" التي أفرزها نظام الحالة المدنية الفرنسي ضمن سياسته الإدماجية لإعادة ترتيب الأرض والعائلة العربية، وهو يحتاج إلى العديد من الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية والقانونية وخاصة اللغوية من أجل الوقوف على التمثلات والتفسيرات الدلالية والرمزية والنفسية والذهنية الدافعة للاختيارات الاسمية.
بما أن التسمية ودراسة الأعلام بمختلف مجالاتها الحيوية تعبر أساسا عن الإحساس والتفكير والسلوك في الزمان و المكان[1]. و من هنا كان الاهتمام بالألقاب العائلية من أجل التعرف على الخصائص الثقافية والحضارية السابقة والحاضرة، والتمييز بين ما هو محلي لصيق وما هو دخيل على صيرورة المجتمع الجزائري.
انطلقنا من تحديد الموضوع واختياره، و وقفنا على الطرح المنهجي الذي اتخذته الدراسة لمعالجة الإشكالية المعتمدة.
فيبدو جليا من العنوان:"الألقاب العائلية في الجزائر من خلال قانون الحالة المدنية أواخر القرن التاسع عشر ميلادي" أن الإشكالية الجوهرية تتمحور حول مواصفات الألقاب العائلية التي أفرزها قانون التلقيب وفق الطرح التاريخي. ذلك أن دراسة الألقاب العائلية تعكس الصورة الواقعية المفصحة عن الوضعية الثقافية والاجتماعية وعن الذاكرة الجماعية، كما أنها تكشف عن المخزون الحضاري من حيث الرصيد الدلالي والرمزي.
يصنف الموضوع ضمن التاريخ الاجتماعي إذ يهتم في جانب منه بتاريخ نظام الحالة المدنية في الجزائر الذي أرسي بصفة رسمية ابتداء من سنة 1854 حيث ألزم الجزائريون بتقييد مواليدهم ووفياتهم وعقود زيجاتهم وطلاقهم، من أجل تنظيم الحياة المدنية وضبط الإحصاءات الديموغرافية، وتحديد علاقة الفرد ببقية أفراد مجتمعه الصغير والكبير على حد سواء.
ولقد ارتكز اختياري للموضوع على إشكال محوري: كيف تم ترسيخ الألقاب العائلية بصفة إجبارية في الجزائر من قبل الإدارة الكولونيالية، خاصة إذا علمنا أن نظام الألقاب العائلية ليس بالجديد على الجزائريين، إلا أن تقنينه جاء مع قانون 23 مارس 1882 الذي حوَر المنظومة الاسمية الجزائرية وفق النظرة الفرنسية بإلزاميته. وهذا ما استدعى ضرورة معرفة جوهر الإشكال الذي ظل هاجس عدد كبير من الجزائريين حول المرجعية التي تحكمت في الاختيار وفي صاحب الاختيار، وإلى أي مدى تعكس الألقاب العائلية تمسك الجزائريين برصيدهم التسموي؟
وهل حافظ نظام التلقيب على استمرارية التواصل الهوياتي أم أنه أحدث قطيعة؟ وهو ما يفصح عن مكانة مؤسسة الحالة المدنية ككل في بناء المشروع الاستعماري الذي يدخل في نظام تاريخ المؤسسات الاستعمارية وتأثيرها في قولبة المجتمعات.
وما يعزز طرح هذا السؤال المحوري هو الهاجس الراهن الذي حدد منطلقات اختيار الموضوع المتمثل في سكوت الجزائريين عن ألقابهم العائلية المشوهة للمنظومة الاسمية على الرغم من أنهم ينتمون إلى حضارة تحث على حسن اختيار الأسماء والألقاب فكيف يمكن لنا فهم هذه التحولات التي طرأت على المعجم التسموي؟ وبماذا يفسر التعايش السلمي الذي يمارسه بعض الجزائريين مع ألقابهم الجارحة واستمرارهم في تجاهل عملية تصحيح الهوية الاسمية التي تعد جزءا وطيد الصلة بمسألة الهوية في شكلها العام والشخصية الوطنية، و هو ما ينم عن حس غير واعٍِ للآثار الناتجة عن ذلك؟
وتعتبر هذه الدراسة دعوة تضاف إلى بقية الدعوات[2] التي شهدتها الساحة الثقافية والفكرية في الآونة الأخيرة والتي توجه بها الباحثون بمختلف مشاربهم العلمية للاهتمام بميدان الأنثروبونيمية (Anthroponymie)[3] إذ اتجهت الدراسات اللسانية بمختلف فروعها إلى جانب الأنثروبولوجية في الوقت الحاضر إلى دراسة موضوع الاسم في الجزائر بمختلف مجالاته[4]؛ لما يشكله هذا الأخير من أهمية كبرى في إعادة بناء الهوية الوطنية والشخصية الجماعية في الجزائر بإرجاع المكانة للاسم العائلي في التداول الرسمي بين الأفراد، ولا يتم هذا المطلب إلا باستبدال الألقاب العائلية المشوهة للرصيد التسموي عن طريق عقلنة الألقاب العائلية وفق المرجعية التراثية للمجتمع الجزائري.
ومن أجل معرفة الأسس والمعايير التي بني عليها اللقب العائلي الجزائري والوقوف على مقدار التغييرات التي شهدتها المنظومة الاسمية، كان من الضروري استنطاق الوثائق الإدارية المختلفة التي تركتها مؤسسة الحالة المدنية.
حصرت الدراسة في فضاء محدود المعالم الاجتماعية والثقافية والجغرافية والبشرية بغرض الوقوف على نتائج دقيقة وعلمية، فضاء تشكل من عينة معتبرة هي 897 عقد مـيلاد و 1124 لقب عائلي من الألقاب العائلية القسنطينة. ولأسباب موضوعية اتخذت مدينة قسنطينة حقلا نموذجيا للدراسة، لتوفر المصادر الأولية بها، كما تسنى لي الوقوف على التحولات التي نجمت عن تطبيق قانون 23 مارس 1882 من خلال إجراء دراسة مُقَاَرَنة بين النتائج المستخلصة من هذا العمل وخلاصة عمل الباحثة فاطمة الزهراء قشي في أثناء القرن الثامن عشر، لأقف عندها على النتائج الدالة على الحركية التاريخية التي عرفها المجتمع الجزائري خلال قرن من الزمن وما أفرزه الواقع العياني عند تطبيق هذا القانون.
في حين تم اختيار الثلث الأخير من القرن التاسع عشر كمجال زمني للدراسة باعتباره مرحلة انتقالية بين أساليب التداول بالأسماء الشخصية والنسبة إلى الأب والجد والنسب التي كانت سائدة سابقا والتعريف بالألقاب العائلية التي فرضها قانون التلقيب. وتوافق سنة 1870 وضع أول سجل لعقود ميلاد القسنطينيين، مما يسمح بدراسة نمط التقييد والتعريف بالأفراد في ظل الإدارة الاستعمارية ومقارنة ذلك بما كان من قبل، أما نقطة النهاية فكانت مع سنة 1900 باعتبارها بداية قرن جديد زال فيه نظام التسمية التقليدي وترسخ فيه نظام التلقيب الجديد، بعد المصادقة النهائية على إقامة الأحوال النسبية بصفة مقننة ورسمية لأهالي الجزائر بتاريخ 1894، حيث أصبح القانون يعاقب كل من لا يستعمل لقبه العائلي.
ثانيا: مصادر الدراسة
فرضت طبيعة الدراسة الارتكاز على المادة الأرشيفية بالدرجة الأولى لتوفرها بمدينة قسنطينة، في مقابل قلة الدراسات والمراجع المعالجة للموضوع إن لم أقل غيابها، كما تطلب الاعتماد على مصادر جديدة للبحث في التاريخ الاجتماعي المتمثلة أساسا في سجلات الحالة المدنية؛ وبالتحديد في سجلات عقود الميلاد لثلاثين سنة من 1870 إلى 1900[5] وهي الفترة التي شهدت ترسيخ نظام الحالة المدنية وتقنينه بشكل فعلي وإلزامي.
1. سجلات الحالة المدنية
1.1. سجلات عقود الميلاد
تعد سجلات الحالة المدنية البلدية عموما وسجلات الميلاد خصوصا مصدرا إداريا يكشف عن طريقة التعامل الرسمي مع الأشخاص من أجل حماية مصالح المتعاقدين. فلقد عرفت الجزائر ولأول مرة في تاريخها ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر تقييد عقود الميلاد بصفة رسمية ومنتظمة، إذ شهدت مدينة قسنطينة على سبيل المثال تقييد عقود ميلادها ابتداء من سنة 1870، وهذا قبل تطبيق قانون التلقيب، في حين وضع أول سجل للوفيات لنفس المدينة وفي البلدية ذاتها سنة 1850 ثم توقفت العملية لتنطلق بصفة منتظمة ومستمرة منذ سنة 1858، فكانت بذلك أولى التحولات في تنظيم المجتمع.
1.2. سجلات التلقيب
فبالإضافة إلى سجلات الميلاد تم استنطاق "سجلات التلقيب" ويقصد بها شجرة العائلة المماثلة لجمهرة الأنساب عند العرب التي وضعت من قبل الإدارة الفرنسية بمدينة قسنطينة بغرض التمييز بين الأفراد وإعدادهم لنظام الأحوال النسبية، إلى جانب الدفتر الأم وهو سجل إحصائي يشمل كل العائلات والأفراد الخاضعين للقانون. وكان ذلك سنة 1889 فيما يخص مدينة قسنطينة مع العلم أن شجرة العائلة كانت أسبق من الدفتر الأم.
على أن الاعتماد في هذه الدراسة كان على سجلات التلقيب "شجرة العائلة والدفتر الأم في توضيح مسار تطبيق قانون التلقيب بالدرجة الأولى، في حين شكلت مدونة الألقاب العائلية من المعطيات الواردة بسجلات عقود الميلاد لاستيفائها بالمطلوب، وهذا تفاديا لتداخل المعلومات واحتراما للوقت.
2. الوثائق الإدارية
و إلى جانب سجلات البلدية بأنواعها تم الاعتماد على وثائق أرشيفية محفوظة بمصلحة أرشيف ولاية قسنطينة من أجل فهم حيثيات تطبيق القانون، ذلك أن سجلات الميلاد لا تجيب على كل التساؤلات المطروحة ولا تعالج كيفية تطبيقه، كما أنها لا تطلعنا على الاختيارات الاسمية الحقيقية و الرسمية للجزائريين. و لهذا تم توظيف الوثائق الإدارية الصادرة عن اللجنة المركزية و هي سلطة تنفيذية أنشئت بقرار من وزير العدل حافظ الأختام لتطبيق قانون 23 مارس 1882 بالجزائر.
و هي ملفات متكاملة فيما بينها إذ تحتوي على جل الوثائق التي اعتمدت في تنفيذ القانون و تتمثل في: وثائق إعلامية ثم إنذارية باختيار اللقب العائلي، من برقيات استفسارية، تعليمات، تقارير بعض مفوضي الأحوال النسبية عن سير العملية، نشريات من الحاكم العام عن افتتاح و اختتام العملية و المصادقة عليها، أوامر حكومية، قوائم إحصائية، قوائم التعديلات بالإضافة إلى سجل للشكاوي.
و من أجل التعرف أكثر على قانون 23 مارس 1882 الذي أرسى نظام الألقاب العائلية بالجزائر، كان لابد من الاطلاع على النشرية الرسمية لعقود الحكومة العامة بالجزائر (Bulletin officiel des actes) باعتبارها المصدر الأساس لكل القوانين والقرارات و الأوامر الصادرة في أثناء الفترة الاستعمارية، إلى جانب الاعتماد على نشرية المبشر (Le Mobacher) التي كانت تظهر مرتين في الأسبوع لترصد كل القضايا الخاصة بالجزائريين و المستعمرة.
و لتدعيم الدراسة بمادة مصدرية أساسية زودتني الأستاذة المشرفة بمجموعة من الوثائق الأرشيفية متمثلة في نسخ عن سجلات الحالة المدنية لأرشيف ولاية وهران، وكذا بعض وثائق تطبيق القانون لعمالة قسنطينة وهي مكملة للملفات السابقة المحفوظة في أرشيف ما وراء البحار بفرنسا ولها مني كل الشكر والعرفان.
3. الوثائق العقارية
لقد كان يجدر بي أن أطلع على الوثائق الخاصة بتطبيق قانون فارني (Warnier) المؤسس للملكية الفردية والمعروف أيضا بقانون 26 جويلية 1873 الذي أقر بصفة إلزامية حمل ألقاب عائلية لكل المالكين، وهو يعد القاعدة الأساسية التي ارتكزت عليها الحكومة العامة بالجزائر لإعداد قانون التلقيب، غير أني لم أتمكن من الإطلاع إلا على ملف واحد يعود إلى "دوار مراشدة" وهو عبارة عن محضر عام بالنص العربي يتضمن قائمة الملاك ونصيبهم من الأرض والألقاب العائلية التي أصبحوا يعرفون بها، لكن دون توضيح إن كان الاختيار من قبل الملاك أم من قبل الإدارة الاستعمارية.
4. المصادر
وعلى الرغم من ذلك لم تف هذه الوثائق بالغرض المرجو من الدراسة، فكان لزاما علي الاستعانة ببعض المصادر المعاصرة لفترة تطبيق القانون ولاسيما عند تعذر العثور على عدد منها[6]، فكان أهمها دراسة كورنو (E.Cornu) بعنوان "الدليل التطبيقي لإقامة الأحوال النسبية للأهالي"[7] الذي كان أمينا للجنة المركزية لعمالة وهران وشاهد عيان على تنفيذه، فخوله منصبه هذا إلى تقديم ملخص عن مجموعة من التوجيهات المأخوذ بها في الميدان، خاصة وأنها مؤسسة وفقا لمخطط موضح ومدعم ببعض الملاحظات الشخصية المستخلصة من اجتهادات اللجان المركزية للعمالات الثلاث التي راقبت عملية ترسيخ قانون التلقيب ووقفت على مدى استجابة الجزائريين له، فمن خلال كتابه نتعرف على مجرى تطبيق القانون.
ودفعت أسئلة اللجان المركزية الكثيرة في أثناء الممارسة التطبيقية إلى إصدار تعليمات تنظيمية من قبل الحكومة العامة بالجزائر من أجل الإجابة وتذليل العقبات أمام مفوضي الحالة المدنية، فكانت الدراسة المعنونة بـ "تعليمة مكملة للتحقيقات العامة لسنة 1885 حول إقامة الأحوال النسبية للأهالي المسلمين بالجزائر"[8] لا تقل أهمية عن الأولى خاصة وأنها تطلعنا على حيثيات تطبيق القانون وماهية الأسئلة المطروحة من قبل مفوضي الحالة المدنية.
كما تم الاعتماد على بعض المصادر المتخصصة في الجانب القانوني البحت مثل مصدر استبلون وليفيبور (R.Estoublon et A.Lefébure) "شرح القانون الجزائري"[9]، وكذا كتاب ايميل لارشى (E. Larcher) تحت عنوان "معالجة أولية للتشريع الجزائري"[10] .
5. المراجع و الدراسات
و لغياب الدراسات المعالجة لمثل هذا الموضوع استعنت بمختلف المراجع والدراسات التي لها علاقة من قريب أو من بعيد بالموضوع مهما اختلفت ميادين اهتمامها؛ من أجل الاستفادة منها منهجيا أو معرفيا، إلا أن الاعتماد كان بشكل كبير على دراسة ش.ر. أجرون (Ch.R.Ageron) تحت عنوان "المسلمون الجزائريون و فرنسا (1871-1919)"[11]، الذي رافق صفحات هذا العمل من بدايته إلى نهايته لتطرقه إلى الموضوع بتركيز فعال أفادني في الكشف عن كثير من المعطيات. كما تم الاعتماد على دراسة "أنا بارزيمي" (A.Parzymies)[12] التي عالجت موضوع التسمية في الجزائر قبل تطبيق القانون و بعده، و هي تعتبر دراسة هامة خاصة في غياب الدراسات اللغوية للأسماء و الألقاب العائلية في الجزائر.
ثالثا : منهج الدراسة
للخروج من الأحكام العامة و معرفة النادر من المشهور و الشاذ من الشائع من الألقاب العائلية المرسخة بموجب قانون التلقيب بالجزائر كان لابد من اعتماد أداة المسح الكمي الذي ساعد على تركيب المدونة بغرض تحليل المواصفات التي تميزت بها الألقاب العائلية المرسخة من قبل الاستعمار الفرنسي و مزاوجتها.
و بغرض الحصول على نتائج علمية، تم الاعتماد على آليات الإعلام الآلي الذي أفرز مدونة ذات معالم واضحة، يمكن للمهتمين بحقل الدراسات الأنثروبونيمية الاستفادة منها.
و لقد فرضت علي الألقاب المدونة على هوامش بعض العقود ما بين (1870-1889)، استعمال المسح الموجه و الكلي للإجابة على الأسئلة النوعية التي فرضتها طبيعة الموضوع، حذرًا من اقتصار الدراسة على فئة معينة و محدودة من أفراد المجتمع القسنطيني، حيث بدت ملامح المنظومة الاسمية مقتصرة على العائلات العريقة و المعروفة منذ زمن طويل بأسمائها العائلية.
و بما أن الهدف قد ارتكز على معرفة مدى تأثير قانون 23 مارس 1882 على أسس المنظومة الاسمية الجزائرية، كان من الضروري الاعتماد على المسح الشامل لبقية السجلات من أجل الحصول على عينة معيارية تظهر الأنماط الغالبة والدخيلة، و مقدار تواصل الرصيد التسموي و مشتقاته. ذلك أن المسح الكمي لا يغفل التحليل النوعي بقدر ما يفرض الدقة في التعامل معه.
و مع ذلك احتاجت الدراسة إلى أداة المقارنة لمقابلة نتائجها مع نتائج دراسة القرن الثامن عشر لنفس المدينة من أجل معرفة مدى ممارسة تطبيق القانون على مستوى الواقع و ما مقدار محافظة الجزائريين على موروثهم التسموي في ظل الاستعمار.
رابعا : هيكـل الدراسـة
و قد هيكلت الدراسة في خمسة فصول حيث تناول الفصل الأول المدخل التاريخي لنظام الحالة المدنية في الجزائر إذ تم التطرق قبل البدء في التعريف بمفهوم الحالة المدنية الاصطلاحي إلى التعريف بنظام التسمية في الجزائر قبل تطبيق قانون التلقيب، و الإطلاع على أنماط التداول و لاسيما معرفة التطور التاريخي للقب الذي انتقل من النبز إلى لقب عائلي، ثم إيضاح التعريف الاصطلاحي لماهية الحالة المدنية و آلياتها من خلال وصف عقودها، باعتبارها مادة البحث الأساسية و رأيت ادراجها ضمن هذا الفصل لارتباطها بتقييد عقود الميلاد لأول مرة في التاريخ الجزائري، بعدها يتم الحديث عن إرهاصات نظام الحالة المدنية بالجزائر من خلال محاولة الإدارة الكولونيالية تطبيق تقييد المواليد و الوفاة و الزواج و الطلاق، ثم فرض التداول بالألقاب العائلية بصفة إلزامية ضمن عقود الملكية الفردية لقانون فارني (Warnier) لتشرع في الأخير لقانون التلقيب محاولة منها إعادة تأسيس الشخصية الجزائرية بعدما تمكنت من إعادة بناء الأرض بموجب قانون سيناتـوس كونسـلت (Senatus Consulte) لسنة 1863.
يتم الحديث عن قانون الأحوال النسبية (قانون 23 مارس 1882) في الفصل الثاني من الدراسة و هذا من خلال التعريف بالقانون الذي أجبر الجزائريين على تبني ألقاب عائلية و التدليل على أنه جزء من نظام الحالة المدنية، و ليس نظام الحالة المدنية في حد ذاته، كونه عالج نقطة واحدة و أساسية متمثلة في كيفية تلقيب الجزائريين. و من هنا كان لا بد من التمييز بين القانونين و إظهار الأبعاد الحقيقية لقانون الأحوال النسبية و الأهداف المرجوة من وراءه بتوضيح مسار تطبيقه على الجزائريين، ووصف آلياته الأساسية المتمثلة في شجرة العائلة التي وضعت من أجل ربط كل عائلة بمؤسسها وبأسلافها إلى جانب الدفتر الأم الذي ساعد على حصر كل الخاضعين للقانون وإحصائهم، لتطرح بعدها القضايا التنظيمية مثل معرفة المناطق التي حددها القانون والقائمين على عملية التنفيذ والميزانية المخصصة لذلك.
تطرقت في الفصل الثالث إلى مسار تطبيق القانون، وهذا من خلال تحديد الهوية بحصر كل من خول لهم القانون أحقية الاختيار من رجال ونساء، وكيفية التعامل في غياب أو امتناع أحد الأطراف عن تبني لقب عائلي ثم كيفية منح الأسماء النسبية ومراجعتها إما من قبل مفوضي الأحوال النسبية أو من قبل الجزائريين أنفسهم قبل الإقدام على عملية المصادقة على نظام التلقيب، ليكون بعدها حمل اللقب العائلي إجباريا على كل الأطراف المعنية ويعاقب عليه من لا يلتزم به.
في حين يتناول الفصل الرابع قانون التلقيب من التشريع إلى الواقع من خلال الحديث عن التجاوزات الناتجة عن الإدارة الاستعمارية في أثناء التنفيذ وعدم الالتزام بنص القانون والتعليمات والأوامر التي حثت الجزائريين على حمل أسمائهم الأبوية وإبراز نمط الألقاب العائلية الجارحة من وجهة نظر المشرع الفرنسي، وفي الوقت ذاته الألقاب التي اختارها الجزائري بمحض إرادته ورغبة منه، ليعرج بعدها إلى تجاوز ثان تمثل في فرض نمط جديد من التداول على سكان جرجرة الذي لم ينص عليه المشرع الفرنسي وأوجبته الظروف التطبيقية، ليظهر نمط آخر سبّب انعكاسات خطيرة على حامليه ويتمثل في الإنكار التسموي أو (SNP) وبعد ذلك يتعرض إلى موقف الجزائريين من نظام الحالة المدنية بصفة عامة وقانون التلقيب بصفة خاصة بين مؤيد ورافض ليقيم في نهاية مسار العملية التي أسفرت عن أخطاء نسخية وخطية نتيجة فرنسة الألقاب العائلية.
وتعرض الفصل الخامس إلى نتائج تطبيق قانون 23 مارس 1882 الذي أسفر عن مصنفة ألقاب عائلية ويقتصر الحديث هنا على قاموس الألقاب العائلية بمدينة قسنطينة بين التراث المحلي والموروث الاستعماري من حيث الدلالة و الاشتقاق والتركيبة والوقوف على مقدار التحولات في هذا الجانب بمقارنة العينة والنتائج المتوصل إليها بعينة ونتائج نفس المدينة خلال القرن الثامن عشر للباحثة الدكتورة فاطمة الزهراء قشي.
ليختم الموضوع بأهم النتائج المتحصل عليها من هذه الدراسة المتواضعة بالإجابة عن الإشكالية المطروحة حول مدى فعالية مؤسسة الحالة المدنية في تنظيم المجتمع الجزائري؟
ولقد تطلب توضيح مسار تطبيق القانون وآلياته الاعتماد على عدد من الجداول والمخططات وشجرة العائلة للتوضيح إلى جانب الفهارس التي أبرزت أسس ومعايير الاختيار من قبل الجزائريين أو الإدارة الفرنسية وهي كثيرة جدا لم يتسن لي إدراجها كلها في هذه الدراسة، ويمكن للمهتمين من الباحثين بهذا الموضوع الاعتماد عليها من أجل استكمال البحث في الألقاب العائلية.
خامسا: نتائج الدراسة
و بفضل ما استندت إليه الدراسة من مادة خبرية متنوعة تمكنت من التوصل إلى عدد من النتائج الآتية:
- أثبتت الممارسة الميدانية للإدارة الفرنسية صعوبة التعامل بالمنظومة الاسمية الجزائرية المتغيرة العناصر إما بالزيادة وإما بالنقصان. أضف إلى ذلك محدودية الأسماء المتداولة وتشابهها في غياب وضع محدد للقب العائلي فكان الحل لتلك الأساليب إجبارية الاسم النسبي (اللقب العائلي) لكل الجزائريين بعدما اقتصرت إلزاميته في البداية على فئة الملاك تطبيقا لنص قانون فارني. وهذا ما جعل الدارسين في الجزائر يعدون قانون 23 مارس 1882 هو نفسه قانون الحالة المدنية، إلا أن ذلك يعد مغالطة تاريخية لكون قانون التلقيب يعد جزءا من نظام الحالة المدنية العام للأحوال الشخصية، وليس القانون كله حيث شرَع لقضية أساسية، وهي كيفية إجبار الجزائريين على التداول بصفة رسمية باللقب العائلي وتثبيت مكانته وتعميمه على كل سكان المنطقة التلية.
- إن ظهور العديد من الألقاب المتشابهة والمماثل بعضها بعضا والمنتشرة على مجمل التراب الجزائري كان نتيجة الثغرات القانونية بسبب إصرار التعليمات التنظيمية الفرنسية على عدم منح نفس اللقب العائلي في المنطقة الواحدة تفاديا للخلط بين العائلات وتيسيرًا لعملية المراقبة عند تمييز الألقاب العائلية، ومع هذا استمر التشابه بسبب منح نفس الاسم النسبي في بقية المناطق، وعليه شكل هذا القانون نوعا جديدا من الروابط بين مختلف العائلات التي لا تجمعها روابط دموية ولا روابط اجتماعية، بل أصبح يربطها نفس اللقب العائلي، وبذلك فرقت عائلات وجمعت عائلات أخرى.
- لقد أوجد قانون التلقيب إلى جانب قانون فارني للملكية الفردية الذريعة لتفكيك الروابط الدموية بين أفراد العمومة الواحدة وأحيانا بين الإخوة أنفسهم بحملهم ألقابا عائلية مختلفة بعضها عن بعض بغرض الحفاظ على أملاك العقب دون بقية الأفراد أو لأسباب أخرى، كما أوجد الأرضية الأساسية لتسوية الخلافات العائلية القائمة بين أفراد العائلات الموسعة -خاصة إذا كان الإخوة من أمهات مختلفات- بالانفصال، وذلك بحمل ألقاب عائلية مختلفة كليًا أو جزئيًا.
- لم تختلف مدونة الألقاب العائلية القسنطينية الناتجة عن تطبيق قانون التلقيب كثيرا من حيث الدلالة عن مدونة القرن الثامن عشر، إذ فاقت نسبة الألقاب العائلية المشتقة من البنوة و النسبة بقية الألقاب و تعادلت فيما بينها تقريبا، في حين ارتفعت نسبة الكنية -بخلاف الفترة السابقة- إلى جانب ظهور نوع من الأسماء النسبية لا يختلف عن صيغة البنوة (بن)، لأنه تحريف لها نتيجة الإدغام، وهي الألقاب التي تبدأ بلفظ (بل)، حيث مثلت نسبة خمسة من المائة من مجموع أسماء المدونة، وهذا يدل على أن مرجعية الاختيار كانت التراث المحلي بالدرجة الأولى، حيث اختار بعض القسنطينيين أسماء آبائهم بدرجات متفاوتة، في حين وجدت الإدارة الفرنسية في الرصيد التسموي المتداول محليا قاموسا جاهزا استعانت به عند فرض الألقاب العائلية تطبيقا لنص المادة الخامسة، وبذلك تحولت الألقاب/ الأنباز التي كانت مقتصرة على أفراد بعينهم إلى ألقاب عائلية ثابتة ورسمية وميراث يثقل حمله في بعض الحالات، وهذا ما دفع إلى الاعتقاد بأن المستعمر الفرنسي هو الذي شوه الهوية الاسمية الجزائرية.
- كما استمرت التركيبة العربية للأسماء في شكل النسبة إذ سجل تداولها في مدينة قسنطينة وفي سائر مناطق الجزائر قبل التقنين، وأدمجت الأسماء الوافدة والدخيلة، مثل الألقاب التركية التي ظهرت بشكل محسوس ضمن العينة، إلى جانب ظهور بعض الألقاب العائلية البربرية التي كانت شبه منعدمة في القرن الثامن عشر الميلادي.
- فباستثناء القليل من الأسماء النسبية الجارحة والمستنكرة نطقا ومعنى والتي تقل نسبتها عن الواحد، اتسم الرصيد التسموي بالثراء والتنوع وحمل العديد من الإيحاءات الجمالية والدلالات الموروثة من المحيط البيئي والحضاري المرتبطة بروافد متعددة ومرجعية محلية، تعكس في الواقع المنظومة الثقافية والاجتماعية الجزائرية، فكانت بذلك عربية النحت والاشتقاق والتركيبة وإن غلب عليها النطق المحلي.
- يمكن استنتاج من النصوص التشريعية والتطبيق الميداني والدراسات المختلفة الجارية مساهمة كل من الطرف الجزائري والطرف الفرنسي في تشويه الهوية الاسمية الجزائرية، وذلك بتجاوز مفوضي الأحوال النسبية للتعليمات التنظيمية والمبالغة في تطبيق نص المادة الخامسة، وتعسف بعض الجزائريين في اختياراتهم الاسمية بعدم الاكتراث والاهتمام بالدلالة اللغوية والاجتماعية، وهو ما ينم عن عدم الوعي بالآثار العكسية لمثل هذه الألقاب وقد يكون ذلك بسبب الذهنية التهكمية، وأحسن دليل على ذلك استمرار منح بعض الأسماء المستنكرة لدى عامة أفراد الشعب في حالات استثنائية إلى اليوم.
- و قد فقدت بعض الألقاب العائلية الجزائرية شحنتها الدلالية بسبب التداول اليومي والرسمي، وهو ما أبعدها عن دائرة التنابز والتهكم والسخرية إلى درجة أنه لم يعد في نظر كثير من الجزائريين ضرورة لتغييرها أو تعديلها لكونها غدت جزءا من هويتهم التعريفية.
- فكانت بذلك خريطة الألقاب العائلية المتداولة بعد تطبيق قانون 23 مارس 1882 وتعميم استعمال اللقب العائلي عبارة عن لوحة فسيفسائية مشكلة من صور متباينة ومتنوعة ذات دلائل جمالية تنم عن الروح السامية لأفرادها وأخرى مستقاة من المحيط وغيره لا تلفت الانتباه إلى الدلالة الاستنكارية.
وعلى الرغم مما قيل عن مؤسسة الحالة المدنية وعن انعكاساتها العائلية والاجتماعية فإنها حافظت على تراث أمة كاملة بتخليد حضارة الأجداد كتابة ومشافهة، وبينت نوعية الروابط الاجتماعية المختلفة القائمة بين الأفراد، كما كشفت في أغلب الحالات عن أسطورة النسب الشريف، إذ لم تتمكن معظم العائلات المقيدة بشجرة العائلة القسنطينية على سبيل المثال من التعرف على أقدم جد واقتصرت في أحسن الحالات على ذكر الجد الثاني، كما أنها حافظت على الرصيد التسموي الذي عرفه الجزائريون قبل ذلك ورسخته، وتمكنت من تنظيم المجتمع تنظيما مدنيا محكما لم يكن في مقدور الجزائر المستقلة التخلي عنه.
الهوامش
* ماجستير في التاريخ الاجتماعي تحت إشراف، فاطمة الزهراء قشي، جامعة قسنطينة، جويلية 2003.
[1] عياد، مصطفى، "العام والخاص في التسمية المواقعية"، أعمال الندوة الوطنية الأولى حول الأعلام الجغرافية (أيام 15، 16 و17 أفريل 1992) الاسم الجغرافي: تراث وتواصل، المحمدية –المغرب، مطبعة فضالة، 1994، ص.154.
[2] حيث شهد مركز البحث والأنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية بوهران مؤخرا (18-19 مارس 2003) أياما دراسية حول الحالة المدنية والأنثروبونيمية في الجزائر، أسماء و...أسماء بجامعة مستغانم، كما ستشهد جامعة منتوري- قسنطينة فعاليات الملتقى الأول حول: أسماء الأعلام والأماكن في الجزائر –دراسة لغوية دلالية تاريخية اجتماعية قانونية- من أجل الإجابة على الإشكاليات المطروحة في الساحة الوطنية التي أصبحت انشغال الطبقة المثقفة والسياسية على حد السواء.
[3] متكونة من انثروبوس التي تعني "الإنسان" و "نيمي" الاسم، و تعني دراسة أسماء الإنسان، وتشكل مع علم دراسة الأمكنة (Toponymie) من العلوم التي تبحث في الأعلام المعروفة بعلم الأعلام أو (Onomastique).
[4] Benramdane, Farid, De quelques représentations anthropologiques et Toponymiques dans les pratiques langagières dans l’ouest algérien, Alger, CNRPAS, 1977.
- Yermèche, Ouerdia, Etude linguistique et socio-linguistique de l’anthroponymie algérienne, thèse de Doctorat d’Etat, en cours.
جباس، هدى، الاسم: هوية وتراث "مقاربة أنثروبولوجية لدلالة الأسماء في مدينة قسنطينة"، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، لم تناقش بعد.
[5] Registre de naissances musulmanes de la commune de Constantine (1870-1900), A.P.C de Constantine.
[6] خاصة كتاب آرنست ميرسي باعتباره شاهد عيان على تنفيذ قانون 23 مارس 1882 وهو على رأس بلدية قسنطينة:
Mercier, Ernest, L’état civil des indigènes musulmanes (1891) & Kehl, L., L’état civil des indigènes de l’Algérie (1931).
[7]Guide pratique pour la constitution de l'état civil des indigènes (Titre 1er de la loi du 23 mars 1882), librairie Adolphe Jourdan, Alger, 1889, pp.10-17.
[8] Instruction faisant suite aux instructions générales du 17 août 1885 sur la constitution de l’état civil des indigènes musulmans de l’Algérie ( 20 avril 1888).
[9] Code de l’Algérie annoté.
[10] Traité élémentaire de législation algérienne.
[11] Les algériennes musulmans et la France (1871-1919).
[12] Anthroponymie algérienne des noms de famille modernes d’origine Turque.