Abdelhafid GHERSALLAH : Professeur de sociologie, Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie.
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie.
يحـاول الخطـاب العلمـي، أن يخترق مناطق يتشابـك فيها كـل من الدينـي والأسطـوري والمخيـال الشعبـي العام، و هي مناطـق مشكلـة من حيـاة الأفـراد ووجـودهم الاجتماعـي المتشابك، وانتمائهم التاريخي الموغل في القدم. ولعل ما يثير الباحث، و يدعوه إلى المزيد من التقصي، هو أن هذه المناطق، ليست مجرد فضاءات مكشوفة على العراء، بل هي أرضية شُيّدت عليها مؤسسات باشرت وظيفة الإنتاج للحياة الاجتماعية، وتصدير قيم لكيفية بناء هذه الحياة.
إن الخطاب العلمي وهو يلامس شغاف هذه الأرضية، لا بد له أن ينفعل مع خصوبة وأجواء وخصوصية هذه الأرضية، ليتسنى له حصد ثمارها اليانعة. وبهذا الصدد نقف الآن على أرضية علمية أخرى أتت أكلها في نهاية القرن العشرين حين انعقدت الجمعية الدولية لعلم الاجتماع AIS سنة 1990 والتي تناولت طرح راهن الإشكاليات في العلوم الاجتماعية، حيث تمخض عن هذا اللقاء العلمي الأكاديمي مجموعة نتائج أهمها[1]:
- جعل أساس التوليف بين فروع العلوم الاجتماعية، منطقا للبحث والمعالجة العلمية في هذه العلوم.
- استثمار عناصر تشكيلة الذات العارفة في الكشف عن الموضوع، أو بصورة أخرى، إيجاد مساحة من التفاعل البنّاء بين الذات الفردية والذات الاجتماعية.
نتصور أنها أرضية علمية، صالحة لإستكناه المناطق الموصوفة سلفا بالهيمنة الروحية والميثية والمخيالية، والمؤسسة من مؤسسات تقليدية لا تزال تصنع دلالات الانتماء الحضاري، والتمايز الثقافي والهويّاتي.
لقد باتت هذه الدلالات التي تربطنا بالانتماء والتاريخ والقيمة، محل جدل ذي أوجه متعددة ومختلفة مع واقع عملية التحديث السائدة في مجتمعاتنا، ومن ثم أضحت بادية للعيان ظاهرة الثنائية البنيوية على كافة المستويات والأصعدة.
وعليه كان أساس بناء إشكاليتنا، ومنطق تشكّل تصورنا، ينطلق من الأصل الذي انبنى عليه واقع التحديث وتزاوجت معه كل مظاهر التغير الحادثة والطارئة، هذا الأصل تبدّى في أجلّ صوره في تلك المؤسسات الروحية والثقافية والاجتماعية المتمثلة في الزوايا في سياقها التاريخي، والتي قامت بتأطير قطاع واسع من الحياة المجتمعية العربية والإسلامية وبالخصوص المغاربية منها التي تطبعت بقيم تنشئتها، حيث كانت الزاوية منذ ظهورها في بداية القرن الثاني عشر[2]، تتموضع في مركز المحيط الاجتماعي المغاربي، وتحرك كافة المستويات والبنى و الوظائف الأخرى، يمكن القول : إن المجتمعات المغاربية وشمال إفريقيا الإسلامية قد صدرت من رحم مؤسسة الزواية، من خلال أدوارها المناطة بها ذات الأبعاد المختلفة.
وبعد أن بدأت عملية التحديث فعلها عن طريق ما تم غرسه من بنى تحديثية في المرحلة الاستعمارية، بدأت مكانة الزاوية وأدوارها وعلى غرار سائر المؤسسات التقليدية تتزحزح عن موضعها الأصلي، لتبقى في نهاية المطاف على هامش الحياة الاجتماعية، ساكنة في طقوسها محدودة في حركيتها، لا ينظر إليها إلا كبناية صورية مما تبقى من مخزون التاريخ المعماري، أو محطة احتفال تحضر فيها صور الذاكرة متلبسة تعابير اجتماعية شتى.
والتساؤل السوسيولوجي الجوهري الذي بدأ يراود رواد البحث فـي العلوم الاجتماعية في هذا المجال هو ما يلي :
هل بإمكان المؤسسات التقليدية ذات النشأة التاريخية والمرجعية الروحية والدينية أن تستعيد دورها من جديد ؟ وبأي شكل ؟ وما مدى تفاعلها مع المؤسسات التحديثية ؟
إن الإجابة عن هذا التساؤل، يقتضي وجود نموذج لمؤسسة تقليدية باشرت تجربة التحديث، وفي هذا الإطار كانت الزاوية العلوية النموذج الذي يؤكد هذه التجربة، فثمة إجماع إلى حد الساعة على أن الزاوية العلوية قد عكست نمطا من الاستعادة للمؤسسة التقليدية على نحو حداثي[3].
لقد مثلت الزاوية العلوية موضوع دراستنا المحددة، من خلال جوانب التحديث القائمة فيها من حيث الهيكل والصدى والالتحام الإنساني، و كانت أيضا نداء مجسدا للطرح الإصلاحي النهضوي الذي يرتكز على نص الحديث النبوي الصحيح الداعي إلى التجديد : "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كّل مائة سنة من يجدد لها دينها"[4].
وكان العلوي في عرف العلويين إلى يومنا، هو المجدد، وآخر رجال الله المجددين في هذا العصر.
أما فيما يتعلق بالدراسات السابقة حول الموضوع عموما، ففي الأدبيات السوسيولوجية هناك أهم دراسة والتي تعد مرجع كل مقاربة في السوسيولوجية الدينية وهيى التي أوضح فيها أهمية المحفزات الروحية والأخلاقية في إيجاد مناخ لليبرالية والحداثة في الغرب، وقد أفاض شراح وممن تصدوا لقراءة تراثه السوسيولوجي حول الدين كأمثالRaymond Aron في كتابه[5] (مراحل الفكر السوسيولوجي) "Les étapes de la pensée sociologique" جوليان فراند[6] في كتابه "سوسيولوجية الدين عند فيبر"، وأخيرا القراءة الصادرة في آخر عدد من مجلة "L’année sociologique" قدمها Boudon[7] يركز فيها على المعطى العقلاني في التشكل الديني وانتظامه وتطوره بالمنظور الفيبري دائما.
أما فيما يخص موضوع الزوايا ومنظومة الطرق الصوفية، فقد اعتمدنا أساسا على الدراسة الموسوعية والمتخصصة، التي أشرف عليها أخصائيون في هذا المجال من S N R C حول "الطرق إلــى الله" "Les vois d’Allah"[8]، تحت إشرافAlexandre Popovic و Gille Veistein، نعتقد أن هذه الدراسة المسحية التي عكف عليها طاقم من الباحثين والمتخصصين، تعد بحق أهم مرجع أكاديمي في رصد وبحث ظاهرة الإسلام و الطرق في العالم الإسلامي وحتى في الغرب إلى حد الآن.
أمّا بالنسبة لما كتب حول الزاوية العلوية خاصة، باستثناء الكتابات الكلونيالية التي اهتمت بالنظم الدينية حيث كان نصيب الزاوية العلوية فيها محدودا، بحكم حداثة نشأتها، مقارنة بالزوايا العريقة والتي بدأ الاهتمام بها منذ أواخر القرن 19 م، حيث نجد في هذا الصدد أهم أثر تاريخي ومعرفي يتناول الزاوية العلوية كان من تأليف .Berque حول شخصية الشيخ العلوي بعد وفاته بسنتين ’ سنـة (1936) المنشور في المجلة الإفريقية. استثمر Berque علاقته الحميمية التي كانت تربطه بالشيخ ابن عليوة وزاويته طيلة 14 سنـة’ في وصف وتحليل طبيعة وأبعاد شخصية الشيخ العلوي، وكثيرا من المعطيات التاريخية المتعلقة بحيثيات بناء الزاوية في بداية العشرينيات وانتشار الطريق في الأقطار المختلفة، وكذا القضايـا اللاهوتية والعرفانية المطروحة في فكر الشيخ العلوي.
وثمة دراسات أخرى من هذا القبيل ذات طابع بيوغرافي قام بها أتباع الطريق العلوية سواء من الجزائريين أم من الغربيين، ونشير هنا إلـى كتاب Martin Lings " Un saint soufi du XX Ahmed El Alouai"[9]، أما الدراسات الأكادمية حول الموضوع "رسائل وأطروحات جامعية" فلا نجد لها أثـرا يذكر في حدود بحثنا واطلاعنا ماعدا إشارات ولفتات وجدناها في إصدار أبي القاسم سعد الله الأخير لمشروعه حول تاريخ الجزائر الثقافي ج 2، ج 4،[10] اللذين خصصهما لدراسة الزوايا والطرق في الجزائر ومنها الزاوية العلاوية والتي أثار حولها الكثير من التساؤلات، أعاد بها إثـارة بعض الحزازات التي كانت بين الإصلاحيين والعلويين.
دون أن نغفل بعض الإحالات الهامة من طرفErEric Geoffroy المشارك في كتاب "Les voies d’Allah" بتغطية شاملة حول المدرسة الشاذلية الصوفية تاريخا وامتدادا عبر فروعها، أهمها العلوية.
أما بخصوص تقنية المقاربة الميدانية، فبحكم طبيعة الموضوع التحليلية كان اختيارنا لتقنية مسارات الحياة Les récits de vie، التي نعتقد أنها التقنية الأكثر اختراقا لعوالم الفاعل الاجتماعي والأقوى اقتحاما لسجّل تصوراته المرتبطة بمواقعه الاجتماعية وسياقاته المختلفة، إن تقنية مسار الحياة تسمح لنا بمعرفة تجربة الفاعلين العلويين النخبويين، ومجال تفاعلهم مـع العالم الخارجي، فقد تمكنا في طور تحقيقنا الميداني من الاقتراب المباشر من 40 فقيرا علويا من الجنسين، ذوي مستويات جامعية، يحتلون مراكز مهنية هامة، كإطارات في مختلف المؤسسات الحديثة، ومن جهات مختلفة من الوطن، واستطعنا من خلال ما استجمعناه من معطيات عبـر مقابلات معمقة ومطولة، وأخرى مكتوبة بشكل Autobiographique، أن نحضر في سياقاتهم المتنوعة، وننسج خيوط التقائهم وتواجدهم في المؤسستين التقليدية والتحديثية، ونكشف عن معاني هذا الالتقاء وعناصره المشكلة له.
ولا غرو أن نجد في تراثنا العربي والإسلامي على شاكلة مسارات الحياة، في تلك المنظومات الهائلة من التراجم في كل فن معرفي من نظم الثقافة العربية الإسلامية الكلاسيكية، وفي نظام التصوف بالذات نجد : الطبقات الصوفية للسلمي، الشعراني، الأصفهاني و ابن مريم التلمساني والحفناوي، تروي مسارات سلوك أهل المعرفة وتفاصيل العبور والانتقال بين الخلق والحق.
وبعد تحريرنا للتقنية الناجعة في المعالجة الميدانية، شرعنا في بناء مقدمات نظرية وعناوين معرفية، حاولنا بها تأصيل جهازنا المفاهيمي منهجيا وعلميا، إن ما كان يعطي الوجود والديمومة للزاوية العلوية ويعمر أرجاءها، ويحرك وظائفها بل حتى دفعها التجديدي، هو المقدس الإسلامي في صوره العليا ومستوياته القصوى، الذي يختزن طاقة روحية يستمدها من اعتقادات عميقة بالماورائي Surnaturel (الغيب) وكان الشكل الأكبر في تمظهر المقدس الإسلامي هو النظام الصوفي الذي ينطلق من حالة استنفار كل القوى الذاتية والوجدانية والطقوسية من أجل تمثّل المطلق. النظام الصوفي هو عبارة عن خطوط متوازية ومتقاطعة لكنها كلها تنتهي إلى الحضرة الإلهية-بالتعبيرالصوفي- والتصوف في نهاية المطاف هو محاولة الكائن الإنساني التأله لكن في حدود الشروط الإنسانية والموضوعية حتـى يبقى وقعه وصداه فاعليْن في مناحي الحياة الاجتماعية، إنّ التصوف أخصب نظام في الدّين استطاع أن يصنع معنيين أساسيين من منطلق مفهوم الحقيقة : المعنى المطلق – المعنى الإنساناوي.
أولا : المعنى المطلق
فالفقير السالك إلى الله، أو العارف بالله يسلك سلوكا تقدميا progressiste ليمثل كل دلالات الكمال الإلهية في الجمال والجلال، وبالتالي فإن الحركة في النظام الصوفي ليست حركة رجعية وخلفية بل هي تصاعدية واستشرافية، فالسير إلى الله بهدا المعنى هو سير تقدمي وتطوري يسعى إلى تحقيق الكمال من دون أن يصطدم مع حركة التاريخ أو يعرقل خط تطور المجتمعات.
ثانيا : المعنى الإنساناوي
يتحدد النظام الصوفي وفق عملية استراتيجية تقوم على آليات التخلّية والتحلّية، التخلّي عن كل ما هو غير سويّ أو شاذ في الطبيعة الإنسانية والاجتماعية، والتحلّي بكل ما يخدم الطبيعة الإنسا نية والاجتماعية، ويقوي فيها مواطن الإيجابية والفعالية، إن قيم الصدق، المحبة، التعظيم، من شأنها أن تفتح مجالا واسعا للانفتاح الاجتماعي، إن المعنى الإنساني الدفين يبدو هو الأصل في عملية التأله، فكلما تمثّلنا قيم المطلق، كلما عمقنا وحققنا إنسانيتنا أكثر، وهذا المعنى غير معزول عن الإنسان الآخر بل هو الهدف والمقصد في نهاية المطاف، أي تحقيق الآسرة الإنسانية،- فالله وروح الله- حاضرة في هذا الإنسان، فما عليه إلى أن يكشف حجاب نفسه ويرفع غشاوة الوهم عنها لتشرق عليه شمس الحقيقة، بالتعبير الصوفي وبهذه المعاني الغزيرة والعميقة التي تستهدف المثل الأعلى في كل شيء سواء على مستوى الحركة الفردية والاجتماعية أم على مستوى المشاريع وصور النهضة والتقدم، أفلم تكن أبدية الفرح واستحقاق الوجود عند رابعة العدوية، وحكم ابن عطاء الله، وأحزاب الشاذلي، وعشق الحلاّج، وهوى ابن الفارض، أو فتوحات ابن عربي ومثنويات الرومي، ومواقف عبد القادر الجزائري، ومنح العلّوي، كفيلة كلها في إعطاء نفس جديد ورؤية وجودية حداثية أخرى، تستبطن الكثير من الدعامة والسند الروحي والقيمي، من أجل محو أحقاب تاريخية من الجهالة، ونسخ أفكار ميتة شابت التفكير العربي والإسلامي منذ عهود، وفي هذا الصدد يذهب بول ريكور[11] إلى أن أزمة المجتمعات المعاصرة هي أزمة فقدان المعنى، وسيادة العبثية والعدمية، وانتقاء مشاريع إنسانية واضحة، وإن لنا في مقدسنا الإسلامي الصوفي خزانا عميقا بالمعنى للإنسان والحياة والوجود كله.
نتائج الدراسة
لا ندعي أننا توصلنا إلى نتائج في غاية الدقة والإحاطة حول الموضوع المدروس، وإنما شكلت مقاربتنا هاجسا علميا حول أرضية البحث، لم تعطها آلية التفكير السوسيولوجية المحلية حقها من النظر والاهتمام المستحقّيْن، فكم نحن أحوج إلى معرفة عملية بتركيبة بنانا ومؤسساتها التقليدية يقوم بها أهلها وذويها.
إنّ ما استطعنا كشفه من نتائج تطابق تمامًا مع الفرضيات المقترحة في إشكالية البحث، أدى تأكدها إلى مجموعة من الاستخلاصات :
1- قدرة منطق الحقيقة الذي يبينه النظام الصوفي على تحقيق الانفتاح على منجزات وأوضاع حداثية مختلفة، ذلك أن هذا المنطق يتجاور الثنائية التي يقيمها خطاب الشريعة : الكافر/ المؤمن، التقي/ الفاسق، العاصي/ المطيع، ويصنف الجماعات والأفراد والمجتمعات في ضوئها، إذ أن خطاب الحقيقة في الزاوية العلوية خطاب إنساناوي، مركز يؤكد أن الحقيقة في عمقها هي مسألة إلهية وليست إنسانية محضة، وبالتالي فالبشر والثقافات والأديان يسعوْن في اكتساب جزء منها.
إن أساس الانفتاح الاجتماعي الثقافي والديني المكرس في الزاوية العلوية هو نتيجة هذا المعنى للحقيقة المبلور في خطابها، مما مكّنها من الانتشار الواسع والسريع والمكثف إلى أن تصبح اتجاها عالميا يتواصل مع الاتجاهات الروحية والإنسانية الداعية إلى التعايش والوحدة، مما جعلها – الزاوية العلوية- تتمركز الآن في قلب العالم الغربي الحداثي، بل ويحضنها هذا الأخير، ويستسيغ التجاوب معها بل وحتى الاندماج والانخراط فيها.
2- أكدت الدراسة على أهمية العامل الروحي في عملية التنشئة داخل الزاوية العلوية في إنتاج تصورات اندماجية غير انعزالية أو انسحابية لدى الفقراء النخبويين وفي تشكيل فن صناعة الحياة على حد تعبير إحدى الفقيرات، كما كشفت الدراسة عن العلاقة الموجودة بين الترقية الروحية لدى الفقير العلوي النخبوي والترقية الاجتماعية والثقافية، حيث مثل العامل الروحي في التنشئة العلاوية، أحد المحفزات المنتجة للنخبة الحديثة، فمفهوم الخصوصية ومقامها يؤدّيان بشكل معين إلى إنتاج نخبة حديثة ذات الارتباط بالمرجعية الروحية.
3- إن تواجد الإطارات والنخب المتعلمة داخل الزاوية العلوية، يؤكد التناسق الموجود بين المؤسسات التحديثية والتقليدية، إذ يتحقق من ذلك قابلية المؤسسة التقليدية على استيعاب معطيات التحديث وأشكاله.
4- كشفت الدراسة أيضا عن بروز شكل من أشكال العقلانية، ونمط من الاستقلالية داخل الزاوية العلوية، أوجده الجيل العلوي الجديد، جيل النخبة المثقفة التي يقودها وينظر لها شيخ خالد بن تونس رمز هذه النخبة، وصاحب الإصلاحات داخل الزاوية الشبيهة بالإصلاح البروتيستانتي، تمثلت عناصر العقلانية والاستقلالية في ذلك التنظيم الجمعوي الذي تأسس في نهاية القرن العشرين من قبل تلك النخبة والذي يحاول عقلنة وظائف الزاوية من خلال إيجاد إطار تنظيمي لها محكوم بقواعد ومعايير لتوجيه فعل الزاوية في المجتمع، إذ لا بد للزاوية من إطار عقلاني يتجاوب مع المؤسسات الرسمية ويتبادل معها الخبرات، ويتكامل في أداء المهام.
ومن هنا بدأ يحدث الفصل في وعي الفاعلين (الفقراء العلويين النخبويين) بين الزاوية كمكان لتحيين لحظات المقدس في الدورات اليومية الأسبوعية والمحطات الاحتفالية التي تؤدي دور الشحن الروحي، ثم الجمعية التي تمثل تجسيد الفعل الاجتماعي بكل أهدافه وأبعاده، فرغم وجود الارتباط الوثيق بينهما، ثمة شكل من الاستقلالية بدأت تتشكل. وفي الأخير إنّنا نستشعر أنّ الموضوع مطروح في ضوء الإشكالية المحددة في إطار اجتهادنا السوسيولوجي، هو أكبر وأكثر سعة علمية من الجهد المبذول، لكننا نعتقد أننا حاولنا فتح نوافذ عديدة للبحث المعمق حول هذا الفضاء المؤسس ذي المرجعية الروحية والدينية.
و قد زادنا هذا الجهد المتواضع، وما انكشف لنا من دلالات سوسيولوجية، قلقا معرفيا، وتعطشا في حب البحث.
الهوامش
* رسالة ماجستير في علم الاجتماع، تحت إشراف الدكتور، أحمد العلاوي-جامعة وهران 2000 – 2001.
[1]- Sous la direction de De Cauljac, Vincent et Roy, Shirey : Sociologies cliniques, hommes et perspectives.- 1993.- p. 12.
[2]- أبو العباس أحمد بن أحمد الغربي : عنوان الدراية في من عرف من العلماء في المائة الثامنة ببجاية.- الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1981.- ص.137.
[3]- Ageron, Charles-Robert : Confrérie Musulmane.- Encyclopédia Universalis, V. 6, p. 359.
[4]- بن طاهر المقدسي، محمد: ذخيرة الحفاظ.- رقم الحديث 1003ج2, نقلا من موسوعة الحديث النبوي للدكتور طالب عبد الرحمان.- ص.603.
[5]- Aron, R. : Les étapes de la Pensée Sociologique.- Editions Gallimard, 1997.
[6]- فروند، جوليان : سوسيولوجية ماكس فيبر، ترجمة جورج أي صالح.- مركز الإنماء القومي، ط1.
[7]- Raymond, Boudon : La rationalité du religieux selon Max Weber.- In l'Année sociologique, 2001.- 51, p.p. 9-50.
[8]- Alexandre, P. et Gilles, V. : Les voies d’Allah, les ordres mystiques dans le monde musulman, des origines à aujourd’hui.- Editions Fayard, 1995.
[9]- Lings, M. : Un Saint Soufi du XXème Siècle "Le Chikh Ahmed El-Alaoui".- Editions de Seuil, 1990.- Coll. Points sagesse.
[10]- أبو القاسم، سعد الله : تاريخ الجزائر الثقافي.- ج2، ج4، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1998.
[11]- بن حسن، حسن : النظرية التأويلية عند ريكور دار المسيرة سنة 1991.- ص. 26.