Sélectionnez votre langue

إبراهيم أحمد حسن ، العنف من الطبيعة إلى الثقافة. دراسة أفقية، دمشق، النايا للدراسات و النشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2009، 282 ص

الكتاب معنون: "العنف من الطبيعة إلى الثقافة"، هو تتبع لمسار العنف في الحياة البشرية منذ الوجود الأول للإنسان على وجه الأرض حتى اليوم، تحول من دافع طبيعي إلى سلوك يومي. انطلق المؤلف من وجود أقانيم ثلاثة في حياة الإنسان و هي: "الإنسان" و"الطبيعة "و "التاريخ". هذه الأقانيم هي التي تتحكم في حياة البشر، و يذكر لنا تعريف بربارا ويتمر Barbara wetmer للعنف بأنه "خطاب أو فعل مؤذ أو مدمر يقوم به فرد أو جماعة ضد أخرى"[1]، و يرى أن العنف موجود داخل الذات البشرية و مع وجود العقل كحائل دون أن ينجر نحو حيوانيته، لذلك يلجأ الناس إلى تقديم مبررات إما لإيهام النفس أو الغير على صدق ما يقومون به. نجد في هذا السياق مقارنة بين العنف الممارس من طرف الإنسان و العنف الممارس من طرف الحيوان، بحيث أنّ الأول ينطلق من الثقافة و العقل أما عنف الحيوان فهو وليد الفطرة والغريزة، كما نجد عرضًا لأنواع العنف و أشكاله وكذا أماكن تواجده. و برغم من وجود بعض النظريات التي تقول بتأثير العامل الجغرافي على طبيعة الإنسان إلا أن الكاتب لا يعتبر أنها تحمل من القوة حتى يأخذ بها.

حاول المؤلف التركيز على العقائد و السياسات والعلاقة بينهما و كيف يتم استغلال العقائد من أجل المصالح السياسية، و العنف مهما كان شكله أو نوعه فله خطاب يمهد له أو ثقافة تتبناه كوسيلة للدفاع عن الذات أو عن مصالح مشتركة، و هو ما يظهر من خلال تبرير الاغتيالات السياسية أو الدينية بتبريرات على نحو  الخيانة أو الزندقة أو الهرطقة.

و في تقديمه للاختلاف بين العنف المادي و العنف الرمزي، نصوغ هذا التعريف الذي يقدمه علي حرب[2]  و الذي يعتبر "العنف المادي هو ترجمة لعنف رمزي، أكثر من يمارسه المثقفون أنفسهم بعقولهم المفخخة و خطاباتهم الملغمة بالتصنيفات الحصرية، و المفاضلات الاصطفائية والممارسات النرجسية والاعتقادات الدوغماتية، أي كل ما يحول الثقافة إلى خزان لتوليد العنف". إن هذا التقديم يمكّن من اختزال مصادر العنف و آليات استغلاله. وإذا كانت أغلب أشكال العنف موجهة إلى الغير، فهناك عنف موجه إلى الذات، و أبرزه العنف الطقسي الديني، في حين تبقى علاقة السلطة بالعنف علاقة أزلية الترابط بحيث لا تخلو سلطة مهما كان نوعها من العنف.

في القسم الثاني من الكتاب، ينطلق المؤلف من دور الأسطورة في التأسيس للعنف و ترسيخه و كذا تغذيته وسط الجماعة أو الشعب، و إذا تحدثنا عن الأسطورة فلا يمكن تجاوز الدين، لذلك يركز الكاتب هنا على علاقة الديانات الإبراهيمية الثلاث بالعنف و يقدم لنا سردا لمختلف الأحداث و النصوص التي بررت وجود العنف وإمكانية استعماله ضد من يخالفها في الاعتقاد، و درجة تفاوت استعمال العنف و شدته من ديانة إلى أخرى، و الدور الذي لعبه رجال الدين في إذكاء روح العنف وسط أتباع هذه الديانات، وقد صاغ المؤلف أمثلة متعددة على التداخل بين الديني و الدنيوي. يمكن أن تكون الديانات هي التي تنشأ العنف و تسمح باستعماله، و يمكن كذلك للقوانين أن تؤدي المهمة نفسها وهذا ما يتعارض مع هدف إنشائها.

ينتقل المؤلف من العنف في مجال القوانين إلى مجال آخر و مغاير و هو عنف السوق الاقتصادي، و هو ما يميّز العصر الحالي لماله من تأثيرات على حياة الشعوب و الأمم و ارتباطها به عن طريق الشركات متعددة الجنسيات وسيطرتها على خيرات الدول و استغلالها لليد العاملة الرخيصة و غيرها من المخلفات التي تؤدي حتما إلى شكل من أشكال العنف. أقصى درجات الهيمنة المعاصرة كما يرى المؤلف هي هيمنة الامبريالية الأمريكية.

ينمو العنف و يظهر في الحياة الاجتماعية بشكل كبير، حيث يتأثر به الفرد مباشرة من خلال بعض أشكاله على نحو العنصرية و العنف ضد المرأة، هذا الأخير الذي يبقى حسب الكاتب من مميزات المجتمعات العربية على نحو خاص و ذلك ارتكازا على ترسانة كبيرة من القيم و الأعراف تسود هذه المجتمعات. في ظل التطور التكنولوجي الكبير، ظهرت أشكال أخرى من العنف أبرزها العنف المرتبط بالتكنولوجيا (الأسلحة الفتاكة و أساليب الاستنطاق والتعذيب وقمع المظاهرات). لم يرتبط العنف بالعادات والتكنولوجيات فقط، بل نجده في الفن و الأدب الإنساني، فمنذ القدم كان العنف في الأساطير الفرعونية والميثولوجيا اليونانية و غيرها من الحضارات الإنسانية في وصفها لذلك الصراع الدائم بين الخير و الشر و حالات العنف من قتل و بتر و غير ذلك . نجد أن الشعر العربي مليئ بالأبيات الشعرية التي تدعو للعنف وتبرر استخدامه، و من هذا فالتاريخ لم يخل يوما من العنف سواء في حالات السلم أو الحرب، ولكن تبقى للعنف آثارا سلبية تجعل منه منبوذا بالرغم من وجود من يرى له ضرورة تجعل منه إيجابيّا، فهو يؤثر على حياة الفرد النفسية ثم حياته الاجتماعية وبذلك تجعله يعيش في وسط مشحون و مليء بالعقد و التراكمات السلبية، وتجعل من المجتمع في حالة خوف و اضطراب ومشاكل. إذا ارتبط العنف بالأخلاق و القيم فإنه يكتسي شرعية تجعل من يقوم به يحسّ بالارتياح والاطمئنان اتجاه فعله، و تبقى آثار العنف سارية المفعول مدة أطول، حتى و إن استطاع الإنسان أن يضع آليات لمواجهتها.

 الهوامش

[1] أحمد حسن أحمد، العنف من الطبيعة إلى الثقافة، دراسة أفقية، دمشق، النايا للدراسات و النشر والتوزيع، 2009، الصفحة12-

[2] المرجع نفسه، الصفحة 93.

الكاتب

حمزة بشيري

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche