Sélectionnez votre langue

الماتقى الدولي حول الظاهرة الدينية. قراءات جديدة من العلوم الاجتماعية والإنسانية

الملتقى الدولي حول "الظاهرة الدينية قراءات جديدة من العلوم الاجتماعية والإنسانية"، أيام 14، 15، 16 أفريل 2008، تنظيم المركز الجامعي مصطفى اسطمبولي بمعسكر*

لقد شهد المركز الجامعي مصطفى اسطمبولي بمعسكر حدثا علميا هاما تمثل في الملتقى الدولي حول الظاهرة الدينية قراءات جديدة من منظور العلوم الاجتماعية والإنسانية، اجتمع فيه مفكرون وباحثون من جامعات جزائرية وأخرى أجنبية.

وقد عمد المنظمون إلى عرض الظاهرة الدينية من منظور فلسفي أولا، ثم من منظور علم الاجتماع ثانيا، وأخيرا من منظور تاريخي. ولقد فتح الملتقى بذلك المجال لقراءة الظاهرة الدينية من زوايا مختلفة، من أجل الإلمام بها أكثر.

ويظهر أن المداخلة المعنونة بـ "الدين في القرن العشرين" والتي افتتح بها البخاري حمانة قد وضعت الظاهرة الدينية في إطارها الحقيقي، فالإنسان في نظره يسعى بصفة دائمة إلى مطلب المعنى ومطلب المطلق، فلا مهرب من الله إلا إليه، وهذا ما يفسر العودة المفاجئة للدين خاصة والمقدس عامة. وقد شهدت نهاية القرن العشرين تزايدا في الجمعيات والأحزاب الدينية أو ما يعرف بالصحوة والحركات السرية، وحضورا أكثر للدين في السياسة، وللسياسة في الدين. ما يؤكد أن الحداثة لم يعد لها من قيمة إلا في تفاعلها مع الدين من خلال إنتاجها  للائكيه إيجابية.

ولقد اعتبر المفكر حسن حنفي الغائب بشخصه والحاضر بنصه، أن الظاهرة الدينية ظاهرة إنسانية، فالدين ليس ظاهرة متعالية خارج الزمان والمكان والناس والتاريخ، ويعتبر أنها أيضا ظاهرة نفسية بالأساس، وظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية وأخلاقية وقانونية وفنية وميتافيزيقية. وهي ليست موجودة إلى الأبد، لأن الإنسان يعبد ما يعجز عن تحقيقه، وبذلك فهو يؤكد على الطابع الشمولي لهذه الظاهرة، ما يوجب على العلوم الإنسانية كافة التوجه إلى دراستها وتحليلها بطريقة علمية، لألا تصير حكرا على العلوم الدينية وحدها.

ولقد أكد المتدخلون على الفرق الموجود بين الدين كحدث متعالي، وبين الظاهرة الدينية في أبعادها المختلفة والتي تعكس مستوى من الفهم والوعي والتطور. ومن المؤكد أن الطقوس الدينية اليوم حاضرة أكثر من أي وقت مضى، ولكنها طقوس في أغلبها بدون روح، فهي تعبر عن الآلية والرتابة سعيا للارتباط بالله من أجل تحقيق خلاص فردي، من غير أي اكتراث بالآخر. وفي اعتقاد   بن عمر كريمة فإن الطقس الديني هو المجال الذي يتحول فيه المقدس إلى معيش.

ولم يخلو الملتقى من مداخلات جريئة كالتي تفضل بها بوعرفة عبد القادر حول "الصحاح في الثقافة الإسلامية بين المفكر و اللامفكر فيه" معتبرا أنه إذا كانت جملة الظواهر الدينية اليوم هي نتاج فهم للقرآن وتطبيق لنصوصه، فهي كذلك تدين للحديث الذي يطرح تدونه صعوبات كثيرة، وذلك لوجود أحاديث موضوعة أو ضعيفة يناقض مضمونها قوانين الطبيعة والعقل، وهي موجودة حتى في كتاب الصحاح للإمامين البخاري ومسلم. واللامفكر فيه يتمثل في عدم تصور أنه بالإمكان نقد وتمحيص هذين الكتابين. ويقترح المتدخل منهجا فينومينولوجيا من أجل فضح اللامفكر فيه، على أساس من التعليق الزمكاني والقصدية، فلا بد اليوم من مواصلة ما بدأ الأولون في تصحيحه.

أما مداخلة الباحث حيرش بغداد محمد من المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعيةCRASC ، فقد كانت بعنوان "التأويلية كمنهج لقراءة النص الديني عند نصر حامد أبو زيد". بين فيها أن التأويل حديثا تطور ليصير تأويلية أو هرمينوطيقا مستخدمة عند أبو زيد كأداة أساسية تضفي على النص الديني صبغة علمية. إن القراءة العلمية التي يقترحها تتوجه إلى النص في تاريخيته وتهمش المتعالي، والمشكلة في هذه الحالة أن هذه التاريخية تحجب لحظة التأسيس باعتبارها وحيا.

كما أن المداخلات اختلطت بتطلعات مثالية كالتي بادر بها إبراهيم القادري بوتشيش حول "خطاب التقريب بين المذاهب الدينية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة: حدود الإنجاز ومبادئ التطوير"، وقد خاض في المبررات الداعية إلى التقريب بين المذهب السني والمذهب الشيعي، وخاصة في زمن العولمة وحوار الحضارات. كما تطرق إلى معوقات التقريب بين المذهبين، وخاصة ما تعلق منها بالأصول وطريقة التعامل مع الصحابة. وتبقى في نظره الأحداث التاريخية الجسيمة حائلا أمام إمكانية التقريب، فالظواهر الدينية تستحدث اليوم انطلاقا من الهوة الموجودة بين المذاهب السنية والشيعية وحتى داخل المذاهب السنية نفسها، ما يولد خطابات دينية يغلب عليها التطرف والتعصب وإقصاء الآخر، واللجوء إلى التكفير.

وإضافة إلى هذه الرؤية التي تحاول التقريب بين المذاهب، نجد أن مداخلة ستفان لاتيون Stéphane Lathion تحاول أن تؤسس لتدريس علم الأديان المقارن من خلال مداخلته المعنونة بـ " تدريس تاريخ الأديان المقارن" لما لهذا الفعل من آثار إيجابية تقرب بين الشعوب وتؤدي إلى حوار الحضارات، وفهم الآخر، وقد اعتبر ذلك من صميم الإصلاح الديني.    

ولقد كان الجانب التاريخي حاضرا أيضا من خلال التطرق لنشوء الحركة الإسلامية في الجزائر من خلال مداخلة الطاهر مسعود حول "الظاهرة الإسلامية: قراءة في تشكل الحركة الإسلامية في الجزائر"، حيث استعرض المشهد النخبوي الجزائري في مرحلة ما قبل الاستقلال الذي عرف نخبة حداثية ونخبة إصلاحية ونخبة وطنية. وقد كان الاحتجاج الإسلامي حاضرا عشية الاستقلال في ظل استحواذ الدولة الوليدة على التراث الرمزي الذي رسخته الحركة الوطنية، وقد حاولت جمعية القيم وحركة البناء الحضاري توطين قيم الحركة الإسلامية في الساحة السياسية، وقد أمكن لهؤلاء أن يعبروا عن توجهاتهم عشية الإصلاحات السياسية التي رافقت أحدات أكتوبر 1988.

أما مداخلة جيلاني كوبيبي معاشو "مقاربة سوسيولوجية للمد الإسلاموي لجزائر ما بعد الاستقلال" فقد انصبت في نفس المضمون، وفي نظره فإن جمعية العلماء المسلمين تعد من بين المشارب الفكرية للحركات الإسلامية، بالإضافة إلى الإخوان المسلمين، وجمعية القيم. وقد بدأت المعارضة الإسلامية منذ الستينات، واتضحت أكثر سنة 1982، ثم 1988. وبعد الانفتاح السياسي الذي لم يدم أكثر من ثلاث سنوات شهدت الجزائر من جديد تراجعا سياسيا أعطى مبررا للحركات السياسية لأن تمارس العنف.

ولقد تطرق بن علي محمد من خلال مداخلته " الديمقراطية الجزائرية على محك الإسلام و اللائكية" إلى الفهم المغلوط الذي تشهده الساحة السياسية، فالداعون إلى إقامة دولة دينية يعتقدون أنهم يعيشون وضعا لائكيا لا بد من استبداله بوضع ديني. والداعون إلى دولة لائكية يعتقدون أن الدولة الدينية تتهددهم، في حين أننا لم نتمكن لا من إقامة لا دولة لائكية ولا دولة دينية، فالدولة الجزائرية ما زالت في صدد التأسيس، وما زالت تتجاذبها خيارات سياسية بعضها حداثي وافد من الغرب، وبعضها إسلامي وافد من التراث.       

وقد عاد بنا جمال شعبان إلى "تجلي الظاهرة الدينية عند نشأة الدول في فلسفة ابن خلدون"، حيث استعرض من خلال مداخلته محاولة ابن تومرت إصلاح الوضع السياسي مركزا على مبدأ التوحيد جامعا بين العلم والسياسة مؤسسا بذلك الدولة الموحدية. ولكن الحركة الإسلامية المعاصرة تفتقد للأساس النظري الذي يمكن من خلاله تغيير الأوضاع، وفي نظره يوجد في الجزائر اليوم أزمة فراغ فكري ومفاهيمي ومشكلة وعي بالمرحلة التاريخية.

ولم ينس المتدخلون دور الظاهرة الدينية في مقاومة الاستعمار، فقد تطرق بوداوية مبخوت إلى "دور الطريقة الشيخية في مقاومة أولاد سيد الشيخ الثانية"، فقد أشهرت أغلب الطرق الصوفية سيوفها في وجه الفرنسيين، كالطريقة القادرية نسبة إلى سيدي عبد القادر الجيلاني، والتي تأثر بها أولاد سيد الشيخ.

ولقد تفاعل الحضور الذين كان أغلبهم من الطلبة مع هذه المداخلات بطريقة إيجابية، وقد ظهر ذلك من طبيعة الأسئلة الموجهة إلى المتدخلين، والتي لم تتضمن أحكام الإقصاء أو المواقف المتطرفة فقد كانت موجهة بفضول علمي ومعرفي، رغبة في مزيد من التوضيح والتعميق، ما يدل على ارتقاء الوعي والفهم بالظاهرة الدينية، وخاصة في أوساط طلبة العلوم الإنسانية.

ولكن الملاحظ على الملتقى غياب العلوم الدينية بمعناها الكلاسيكي عن الملتقى، فمن بين 35 مداخلة لا يوجد إلا مداخلة واحدة محمد بن معمر من معهد الحضارة الإسلامية -جامعة وهران- تطرق فيه لـ "تأصيل الشاطبي لظاهرة المسكوت عنه في الشريعة الإسلامية". 

ولقد اختتمت أشغال الملتقى يوم 16 أفريل 2008، على أمل انعقاد ملتقيات أخرى، إدراكا لما لهذا النشاط العلمي من أهمية ترقى بالحوار، وتعمق فهمنا بأنفسنا وبالآخرين وبالعالم.   

هوامش

* و قد تمّ نشر أعمال الملتقى في عدد خاص من مجلة المواقف (عدد خاص، أفريل 2008) التي يصدرها المركز الجامعي مصطفى اسطمبولي- معسكر.

كاتب

 محمد حيرش بغداد

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche