Sélectionnez votre langue

نورية بنغبريط-رمعون وبلقاسم بن زنين (إشراف)، النساء الإفريقيات في محك التنمية، منشورات مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، وهران، سبتمبر 2012، 306  ص

ص 75-79
تهتم النصوص الواردة في هذا الكتاب، بالمرأة الإفريقية ودورها في التنمية، كما تؤكد على دور البحوث الجندرية وما تقوم به السياسات العمومية الاجتماعية منها  والاقتصادية في  ترقية مكانة المرأة الإفريقية وإشراكها في التنمية. يختلف الخطاب حول وضع المرأة من بلد إفريقي إلى آخر بل يبدو متناقضا أحيانا، ويعود ذلك إلى خصوصيات كل بلد. وانطلاقا من سياقات مختلفة ومن أطر نظرية متعلقة بالنوع والتنمية تتساءل المساهمات التي يتضمنها هذا المؤلّف عن كيفية وصول النساء إلى التعليم وإلى إنتاج المعرفة في القارة الافريقية، كما تشير إلى العوائق التي تحول دون المشاركة الكاملة للمرأة في التنمية والمشاركة في صنع القرار. يتضمنّ الكتاب ثلاثة محاور أساسية مرتبطة فيما بينها: يتعلّق المحور الأول بكيفية وصول النساء إلى التعليم وإلى إنتاج المعرفة وإلى الموارد البشرية في القارة الإفريقية، ويشير المحور الثاني إلى مسألة النساء في علاقتهنّ بالمؤسّسات السياسية والحركة الجمعوية ويتناول المحور الأخير المقاربة الجندرية في إفريقيا وتطبيقاتها النظرية.

أشارت المساهمات في مستوى أول إلى التحديات التي تواجه القارة الافريقية في مجال التنمية ومنها مكافحة الفقر والجوع الذي يعاني منه عدد كبير من شعوب أفريقيا جنوب الصحراء، خفض معدلات وفيات الأطفال، تحسين صحة الأمهات، مكافحة مرض نقص المناعة " الإيدز " والملاريا وغيرهما من الأمراض. كما تواجه المنطقة تحديات تحقيق الديمقراطية والحكم الراشد، القضاء على الصراعات المحلية المسلحة، وإرساء قواعد السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، بما في ذالك توسيع المشاركة الشعبية في عملية صنع القرارات، وتكريس سيادة القانون، وتسهيل إمكانية ممارسة المواطنين لحقوقهم، وتمكينهم من الحصول على المعلومات التي تساعدهم على  استيعاب الواقع المعاش من أجل التأثير فيه وتطوير شراكة دولية من أجل التنمية وتحقيق تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من المشاركة الفعلية في التنمية الوطنية. تتعلّق تلك التحديات أيضا بترقية التعليم وتعميم التعليم الابتدائي على وجه الخصوص حتى تواكب المنطقة  التغيرات الحاصلة في العالم في جميع الميادين وحتى تتمكن الدول من الالتحاق بمسيرة التحولات العالمية الكبرى ممثّلة في ثورة المعلومات والاتصالات‏ مع ضمان تحقيق الأهداف التي تبنّتها الأمم المتحدة بشأن التنمية تحققها الدول خلال الفترة الممتدة بين 2000 و2015..

تقف المساهمات في مستوى ثان معوّقات التنمية تحليلا وتعليلا، وأهم تلك المعوقات حسب استنتاجات الباحثين تهميش دور المرأة في إفريقيا، إذ لا زالت تعاني تبعات السياسيات المعتمدة وعبء التقاليد والمعايير والمرجعيات الاجتماعية والثقافية التي تدعم الممارسات التمييزية بين الجنسين، وتعبّر عنها الزيادة الكبيرة في نسبة الفتيات غير المتمدرسات بإفريقيا حسب تقرير منظمة اليونيسكو (أوديل ندومبي فاي).يحول التمييز جنسي دون اقتحام المرأة فعليا في سوق العمل حيث تشكّل نسب البطالة النسوية أعلى النسب بأفريقيا (أيمن بن ابراهيم). هناك مشكلة كبيرة تتعلق بالإدماج الاجتماعي والمهني للمرأة، والتي تعكس التطور البطيء لمسيرتهنّ المهنية، وتبقى المدرسة الخيار الأمثل الذي تعتمد النساء عليه للنهوض الاجتماعي من جهة واستراتيجية للحركة الاجتماعية من جهة ثانية (عمر دراس- فانتا مايغا ديالو). لا تزال المرأة الإفريقية تعاني من الفقر والجهل حيث تؤكد نتائج البحث الذي قام به كل من جاك شارم ومليكة رمعون حول توظيف النساء واستعمال الزمن لديهنّ على فكرة "تأنيث الفقر"، حيث تنفق النساء كمية كبيرة من الوقت في العمل المنزلي غير المأجور والمرتبط ثقافيا واجتماعيا بدورهنّ كأمهات أو زوجات، الأمر الذي لا يعطيهن الوقت الكافي لاستثمار عمل مدفوع الأجر بإمكانه أن سيساعدهن، لو وجد، في الحصول على موارد نقدية تتيح لهن مزيدا من الاستقلالية و تساعدهن على التحكم في راتبهن. تشير إحدى المساهمات أنّه في المجتمع الإفريقي - قبل الاستعمار - لم يكن هناك انحياز للرجال لاسيما في المجال العام، فقد أسهمت فيها المرأة الإفريقية بدور كبير في أعمال الإدارة والتجارة. كما تمتّعت المرأة الإفريقية قبل الاستعمار الأوروبي ببعض الامتيازات تحيل إلى جانب من التحرر الاقتصادي كامتلاكها مشروعات زراعية وتجارية مختلفة، ولاسيما في البلاد الساحلية، كما سيطرت النساء على الأسواق الريفية والتجارة المحلية حتى أنّهن وضعن قواعد للسيطرة على تلك الأسواق، وهو الأمر الذي أدّى إلى نعتهنّ بملكات الأسواق  أو أمهات السوق (فانت ديالو ماج).

وأماّ الوضعية الصحية الهشّة للمرأة في إفريقيا فتتجلى، كما تشير بعض مساهمات الكتاب، في معدل وفياتهنّ والذي يعتبر من أعلى المعدلات في العالم، إذ لا يمرّ يوم ّواحد إلاّ ويشهد وفاة امرأة بسبب المضاعفات المرتبطة بالحمل أو الولادة..يشير الكتاب إلى الإحصائيات المتعلقة بنسب الوفيات ففي نحو ثلثي وفيات النساء في العالم، عشرون بالمائة منها في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وهي: أنغولا وبوروندي والكاميرون وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا-بيساو وليبيريا وملاوي والنيجر ونيجيريا وسيراليون والصومال ورواندا. يشكّل هذا الواقع الصحي الصعب انتهاكا لحقوق الإنسان بصفة عامة والمرأة بصفة خاصة كما يعدّ مؤشرا يعكس المكانة والمنزلة الاجتماعية المتدهورة للنساء في غالبية البلدان الإفريقية. ولا يمكنه للمجتمع الإفريقي تحقيق تنمية إذا ما استمر في تهميش المرأة. على الدول الإفريقية والحالة هذه أن تقوم بجهود كبيرة لاحترام حقوق النساء في العمل من جهة وتوعية المجتمع بدور المساواة بين الجنسين في التنمية وترقية المرأة من جهة ثانية، إضافة إلى أهمية إشراك النساء في صنع القرار وإنجاز السياسات العامة لصالح النساء، وهو ما من شأنه ضمان تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للشعوب وتطوير مستوى الخدمات في مجال الصحة والتعليم، أي ما يشكّل بارومتر تقاس به درجة التنمية (درية امرابطن).

تتناول مساهمات الكتاب في مستوى آخر موضوع مشاركة المرأة الإفريقية في الحياة السياسة وتمثيلها في المجالس البرلمانية والحكومة ومختلف هيئات صنع القرار حيث تشير الاستنتاجات  حيث تبقى هذه المشاركة في معظم البلدان الأفريقية ضعيفة (فاطمة الزهراء ساي) مقارنة بمشاركتها في الجوانب المتعلقة بالمساعي الإنسانية مع أنّها شكّلت فاعلا حيويا في النضال ضد الاستعمار، وعليه لا يمكن الحديث اليوم عن اندماج حقيقي للنساء في الحياة السياسية كشريك نشيط متساو مع الرجال. ولم تعجّل التغيرات الديمقراطية الحاصلة في القارة الإفريقية وصول المرأة إلى السلطة إذ لا تزال تعاني كثيرا من أوجه التمييز (فاتو سار). لا تلعب السياسات العمومية التي تهدف إلى تأسيس حقوق النساء وحماية الأسرة دورها عندما يتعلق الأمر بتعزيز حقوق المرأة القانونية ضد الرؤى البالية والنظام الأبوي بما من شأنه أن يمكّن النساء من التمتع الكامل بحقوقهن على قدم المساواة مع الرجل، و هذا يرجع إلى حقيقة أخرى مفادها أن تشريع القوانين حول الأسرة يعتمد على نمط بناء الدولة في كل بلد لإفريقي (فاطمة الزهرة غشي).وبالرغم من النسب الكبيرة للنساء ديموغرافيا في البلدان الإفريقية إلاّ أنهنّ لا زلن ضحايا أشكال متعدّدة من التمييز السوسيوثقافي  والسياسي المبني على النوع الاجتماعي. فالمرأة في كل هذه البلدان، وإن اختلفت وضعيتها من بلد إلى آخر، إلا أنّ إشراكهن في الحياة السياسية وفي دوائر المسؤوليات القيادية ومراكز اتخاذ القرار ونسبة تمثيلهن في البرلمانات الأفريقية لا زالت ضعيفة لا تعكس حجم مشاركتهن الاجتماعية (فاطمة الزهراء صاي) إذ لا تتعدى نسبة الـ 10% " من إجمالي مقاعد البرلمان في الغالبية العظمى من الدول الأفريقية. وتبقى مشاركتهن في الجزائر والمغرب وتونس على سبيل المثال مرتبطة بالأوضاع السياسية المضطربة (فاطمة الزهرة غشي).فرغم التعديلات التي أدخلت على قوانين الأسرة بتونس (1956)، المغرب (2004) والجزائر (2005) وكلّ الإصلاحات التي تمّت على النظم السياسية إلاّ أن الوضع الاجتماعي والسياسي الراهن للمرأة لم يصل بعد إلى الأهداف المرجوّة. فقد شكّلت السيرورة التاريخية للدول الثلاث القاعدة التي ارتكزت عليها السياسات الوطنية في التعامل مع المشاركة السياسية النسوية وفي إرساء الاستراتيجيات الأسرية حيث تبنّت الحركات القومية في الدول الثلاث خيارات مماثلة فيما يخص الشريعة الإسلامية، واتسمت سياساتها بالخيارات المحافظة والإصلاحية (فاطمة الزهرة غشي).

يعدّ ما تتعرض إليه النساء الإفريقيات من عنف ولامساواة بجميع أشكالها دليلا عن طبيعة العلاقة السياسية بين المواطنين والدولة من جهة وعن إعادة إنتاج الهيمنة واحتقار النساء من جهة ثانية، وهو ما يحول دون ارتقائهن ويعطّل مشاركتهنّ الفعّالة في التنمية، كما يعترض الاختيارات والوسائل التي تضمن الحق في المواطنة فيصبح النوع والتنمية في هذه الحالة مجرّد خطاب ليس له أيّ معنى. فعدد كبير من النساء مهضومة حقوقهنّ على الرغم من إسهاماتهن الكبيرة في دخل الأسرة "عن طريق العمل المنزلي غير رسمي"، ويشكّل ذلك إحدى الأسباب التي تؤثر سلبا على وضع ومكانة النساء، ولا سيما الماكثات بالبيت   أو المطلقات (غنية غرابة). يتغذّى الوعي الذاتي بالمواطنة من المكانة المعتبرة والواعدة التي يخص بها المجتمع أفراده ومن درجة ما يضمنه لهم من رخاء في مختلف مجالات الحياة (الصحة، الأمن، التعليم والعمل...) دون تمييز بين الجنسين، وهو ما يشكّل أيضا مؤشرا تقاس به درجة تقدم مجتمع ما (دليلة جربال).

وعلى الرغم من أن البلدان الإفريقية كلّها قد صادقت على اتفاقية "سيداو" حول القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ضد المرأة إلاّ أن القوانين والأعراف الاجتماعية في هذه البلدان تظل تمييزية وتجعل مقاومة النساء صعبة من أجل الاستقلالية والمساواة. فالهيمنة الذكورية تعيق إدماج المرأة في عملية التنمية ولا تعّزز مشاركتها الفعلية في التقدم الاجتماعي والاقتصادي. تبدو مقاربة النوع الاجتماعي في الواقع قوية وجذابة في إفريقيا لكنّها تواجه مقاومة التقاليد والعقليات البالية فهل يمكن الحديث اليوم، والحالة هذه، عن حكم راشد "مؤنث"؟ كيف يمكن في هذه الحالة أن نسمع أصوات الإفريقيات اللواتي تطالبن بحق مراقبة خصوبتهنّ والتمتع بحرية التصرف في أجسادهن، والحق في تقرير مستقبلهنّ وحقوقهنّ في التعليم والعمل والتنقل والتعبير الحر؟ كيف يمكن في مثل هذا الواقع أن نتحدّث عن حقوق النساء في المواطنة والمساواة والضمان الاجتماعي؟

خديجة مقدّم


الهوامش

[1] Benghabrit-Remaoun, N., Benzenine, B. (2012), Les Femmes Africaines à l’épreuve du développement, éditions du Crasc, Oran, 306 p.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche