Sélectionnez votre langue

تقديم

 إنسانيات عدد 65-66 | 2014  | الجزائر 1962 | ص09-13 | النص الكامل 


تستعيد مجلة إنسانيات في هذا العدد الموضوعاتي الموسوم بـ"الجزائر 1962" بعضًا من المحاضرات المقدمة من طرف باحثين في العلوم الاجتماعية والانسانية، خصوصا المؤرخين منهم، والتي تمّ تقديمها ضمن سلسلة "محاضرات مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية" [1] ،وتفتح هذه الإسهامات المجال للتفكير في المظاهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للجزائر خلال الفترة الممتدة ما بين 1830 و1962، بحيث يتمّ استدعاء الإيسطوغرافيا الكولونيالية المهتمّة بالتاريخ البعيد، كما تُبرز أهمية المقاربات المقارنة (حالة الجزائر وتونس)، وتقترح بعض المقالات، على سبيل المثال، تحليلا للمسارات الشخصية لبعض مناضلي حزب المور (Maure).

يمكن اعتبار القراءات المتعددة والرؤى المتقاطعة إحدى أهم النقاط الأساسية لمجموع المقالات المقترحة، فهي تعتمد في تحاليلها على الإسطوغرافيا الجزائرية والفرنسية المشتركة، على شاكلة النموذج الموجود بين فرنسا وألمانيا [2] ، وتُعالج إشكالية الاستقلال الوطني (جويلية 1962) سواء على ضوء الذكريات أو إسقاطات الماضي على الحاضر (حالة وهران ما بين 1962 و1994) أو من خلال تسليط الضوء على الظاهرة السياسية والعسكرية والمتمثلة في المواجهة بين الولايات التاريخية سنة 1962.

ولا تتوقّف المساهمات في هذا العدد عند حدود ما سبق ذكره، بل توظّف الأدوات الحديثة للتحليل الاقتصادي [3] من أجل جعل الحقائق التاريخية أكثر قابلية للإدراك. وإذا كانت سيرورات الانخراط في حرب التحرير الوطني والالتزام ضمنها خاضع لاعتبارات داخلية وخارجية جدّ معقدة، فإنّ هذا العدد من إنسانيات يقترح معالجةً لهذه السيرورات وفق جدلية العلاقة بين الحالة الكولونيالية والنيوكولونيالية، كما أنّ دراسة أشكال التضامن الدولي تبقى غاية في الأهمية بالنسبة لمثل هذه المواضيع خصوصا في حالة هولاندا. إضافة إلى ذلك، يعرض هذا العدد للنقاش موضوع مهنة المؤرّخ وعلاقاته مع الإرث الخلدوني.

بدايةً، يبرز جيلبار مينييه في مقاله المعنون بـ "الجزائر والجزائريون في النظام الكولونيالي. مقاربة تاريخية وإيسطوغرافية" مدى تعقّد العلاقة بين التاريخ الوطني الجزائري والنظام الكولونيالي، ويبيّن أهمية الاستعانة بـ "الزمن طويل المدى" من أجل تحليل هذه المرحلة، كما يوضّح الباحث دور "تقاليد الكتابة التاريخية الفرنسية في صناعة جزائر متناسبة مع أساطير فرنسا"، دون الأخذ بالاعتبار عينه معارضة الجزائريين للمشروع الكولونيالي، وهذه وضعية لا ينبغي أن تحجب إعجاب وتعاطف العديد منهم مع الأفكار اللبرالية المتعارضة تماما مع السياسة الاستعمارية.

وفي مقال آخر مرتبط بكتابة التاريخ بين ضفتي المتوسط، يسلّط جيل مونسرون الضوء على ترسّخ الأفكار الاستعمارية في فرنسا حاليا، ويبيّن الكاتب، فيما يخص الجزائر، أنّ التاريخ الرسمي والمعتمد على التمثلات التبسيطية قد عوّض الواقع المعقّد بقراءة انتقائية لمرحلة أساسية في التاريخ المعاصر، ومن نتائج هذه الوضعية تنامي حرب الذاكرات والإصرار في كلا البلدين على المطالب والمواقف التي لا تخدم المقاربة الهادئة والعلمية والرؤى المتقاطعة للبحث في هذا الحقل الأكاديمي.

ويربّط صادق بن قادة في مقاله المعنون "وهران (1962، 1994) أو استرجاع الذاكرة في القصص القصيرة لآسيا جبار" بين الأحداث التي ميّزت السّتة أشهر الأخيرة لثورة التحرير الوطني والأحداث التي عرفتها الجزائر خلال العشرية السوداء (سنوات 1990) معتمدا على ما تقترحه الروائية آسيا جبّار والتي قارنت، عقب اغتيال عدد كبير من أصدقائها المثقفين، بين الجنون القاتل للجماعات الإرهابية في الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي والأعمال الإرهابية لمنظمة الجيش السرّي سنتي 1961 و1962. ويوضّح صاحب المقال أنّ الكاتبة "تعود لمساءلة الماضي المرتبط بثورة الأمس" من أجل إعادة الربط بين الأشخاص والأماكن المتشابهة خلال ظرفين مختلفين هما: سياسة الأرض المحروقة لمنظمة الجيش السريّ والأحداث الدموية التي شهدها يوم 5 جويلية 1962 من جهة، والمجازر التي حدثت خلال سنوات 1990 من جهة أخرى.

ويحلّل عمّار محند عامر مرحلة من المراحل الحساسة في تاريخ الجزائر من خلال مناقشة الأدوار التي لعبتها الولايات التاريخية سنة 1962. فحسب صاحب المقال، واجهت جبهة التحرير الوطني أزمة سلطة كان من بين أسبابها إشكالية تموقع الولايات التاريخية الداخلية على الخريطة السياسية والعسكرية الجديدة في الجزائر، وهذه الأزمة تجد جذورها في فترة حرب التحرير الوطني، خصوصا مع بروز مراكز مستقلة للقرار، وقد أوجد هذا الصراع ما يمكن وصفه بمرض المراحل الأولى للثورة والمتمثلة في: النزعة السلطوية للولايات التاريخية.

من جهته، يعالج هارتموت إلسينهانز في مقاله مسألة غياب القدرة في التأثير على منع حدوث "حرب الجزائر"، ويعتبر أنّ سبب ذلك يعود لغياب القوى النيوكولونيالية، ويعتمد في تحليله هذا على ثلاثة عناصر هي: تضييع فرنسا لصفة القوة العظمى التي تمتعت بها سابقا، قدرة جبهة التحرير الوطني على تعبئة الجزائريين، وعدم وجود قاعدة شعبية للجيش الفرنسي في الجزائر، ويمكن أن نعتبر أنّ الطرح الذي يقترحه الباحث مجدد للمعرفة التاريخية حول الموضوع، خصوصا أنّه يولي أهمية بالغة لدراسة سيرورات نهايات الحرب وفق تحليل للميكانزمات السياسية والاقتصادية.

أمّا نياك باس فيناقش تبعات الموقف الهولندي من الصراع الجزائري الفرنسي المتبني للطرح الكولونيالي الفرنسي المتباين مع بعض المواقف الأوروبية المتزّنة. فضمن دراسته للمبادرة الإنسانية الموسومة "أنقذوا طفلا"، والمنظمة من طرف لجنة النشاط والإعلام /الجزائر لفائدة اللاجئين الجزائريين في المغرب وتونس، يوضّح الكاتب أشكال الدّعم الدولي الذي حظيت به القضية الجزائرية في بلد كولونيالي مثل هولندا.

في حين يتطرق محمد قويدري للقانون رقم 158-2005 الصادر في 23 فبراير 2005 الموسوم بـ "اعتراف الأمّة والإسهام الوطني للفرنسيين العائدين لوطنهم"، ويبيّن عكس منحى القانون، أنّ المرحلة الكولونيالية في الجزائر لم تكن أبدا مرادفا للتنمية الاقتصادية وللرقي الاجتماعي لدى الجزائريين، بل كانت عرضة للتفقير والاستغلال الاقتصادي نتيجة لضغط السياسة الاستعمارية، ويؤسّس لهذه التحليل السوسيو-اقتصادي بناء على استعماله للأدوات التي يقترحها المؤشر الموضوعي القابل للتحققIOV ومؤشر التنمية الإنسانية IDH.

بدورها، تناقش عبلة غزيل في مقالها المقترح موضوع ردود الأفعال الأولى للجزائريين على الاستعمار من خلال دراسة مواقف ثلاثة وجهاء منتمين لحزب المور وهم: حمدان خوجة وأحمد بوضربة والشيخ الحاج سيدي سعدي، وتتساءل الباحثة عن بدايات اعتماد هذه الشخصيات للمقاربة السياسية المتوافقة مع السنوات الأولى للاحتلال في الوقت الذي تميّزت الفترة نفسها بلجوء الجزائريين إلى المقاومة المسلحة، وهذا إلى غاية نهاية القرن التاسع عشر.

أمّا محمد غالم فيتساءل عن سبب إهمال المؤرخين الجزائريين المعاصرين للمرجعية الخلدونية، في الوقت الذي كان عليهم إعادة قراءة الإرث الخلدوني باهتمام أكبر، خصوصا إذا كان هذا الإرث، الذي يذكّرنا بمدرسة الحوليات الفرنسية من حيث الثورة على التاريخ التقليدي، قد سبق له تناول الظاهرة التاريخية بأبعادها الاجتماعية والسياسية قاطعا أشواطا هامّة من حيث المنهج والقواعد النظرية لبناء تاريخ جديد، ويعتقد الباحث أنّ الخطاب التاريخي في الجزائر يتموضع بين الأساس المعرفي والمحتوى الإيديولوجي (الوطنية الضيقة)، بحيث يأخذ من المدرسة التاريخية الاستعمارية معارفها وأدواتها المنهجية وإن كان يخالفها من حيث حكمها على تاريخ الجزائر.

من جهته يعالج فؤاد صوفي مسألة البعد السياسي والرمزي للأرشيف بالنسبة للدول ودوره في التأسيس للتاريخ الوطني، ويستعرض حالة الأرشيف الجزائري المحجوز / المحفوظ في فرنسا، كما يتساءل عن ظروف هذه الوضعية التي يعتبرها الكاتب مثالا عن حالتي "النهب" و "السلب" وهذه المساهمة تحلّل أيضا النقاشات حول إشكالية الأرشيف الوطني بعد 50 سنة من الاستقلال.

في سياق منفصل عن المساهمات الموضوعاتية لهذا العدد، يقترح هدي سعيدي قراءة تاريخية للعلاقة بين نظام الحماية ودستور 1861 لإيالة تونس، ويتساءل الباحث حول مسألة التعايش على مستوى القانون الدولي بين المؤسسات الوطنية التونسية ونظام الحماية الفرنسي المفروض على البلد في 1881، بحيث يسجّل الكاتب تراجع حقوق التونسيين في ظل هذا النظام الجديد الذي هو أقرب للاستعمار منه للحماية، كونه يمسّ بشرعية دستور 1861.

لا تدّعي الإسهامات المقترحة الإلمام بالموضوع المعالج ضمن هذا الملف، بل تجيب عن بعض التساؤلات حول الواقع الاستعماري وعلاقة تلك الفترة الطويلة بالحاضر، وهي تقدّم بذلك محاولات جديدة لقراءة تاريخ الجزائر المعاصر.

صادق بن قادة و عمّار محند عامر

ترجمة فؤاد نوار


 الهوامش

[1] مثّلت الذكرى الخمسون للاستقلال الوطني (1962-2012) فرصة لمركز البحث في الأنثــروبولوجيا الاجتماعية والثقافية لتنظيم مجموعة من التظاهرات العلمية، فقد انعقدت أشغال ورشة التفكير حول موضوع "الجزائر: التفكير في التغيير. ما هي إسهامات العلوم الاجتماعية والانسانية؟" يومي 4و5 جانفي2012، وهذه الأشغال كانت بمثابة التحضير للمؤتمر الذي عالج الإشكالية نفسها يومي 4 و5 ديسمبر 2012، كما شهدت السنة نفسها تنظيم مؤتمر دولي حول" 1962، عالم" بالشراكة مع مركز الدراسات المغاربية بالجزائر وجامعة هوبكينز Hopkins(و..م.أ) ومعهد التاريخ حول الزمن المعاصر (فرنسا) خلال الفترة الممتدة ما بين 14 إلى 16 أكتوبر، وضمن سياق الاحتفال بهذه الذكرى أيضا، أطلق المركز سلسلة "محاضرات مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية".

نشر المركز ضمن العدد المزدوج 57-58 الموسوم " 50 سنة بعد الاستقلال 1962- 2012. بين الاستمرارية والتغيّر" أعمال المؤتمر الموسوم "الجزائر: التفكير في التغيير. ما هي إسهامات العلوم الاجتماعية والانسانية؟".

[2] أول كتاب مدرسي مشترك للتاريخ الألماني الفرنسي موجه لتلاميذ الأقسام النهائية كان متوفرا في الدخول المدرسي لـسنة 2006، وحول هذا الموضوع يرجى مراجعة الموقع التالي: http://eduscol.education.fr/cid45744/manuel-franco-allemand.html

[3] مؤشر التنمية الانسانيةIDH والمؤشر الموضوعي القابل للتحقق منه IOV.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche