Sélectionnez votre langue

الأصول الريفية للعامل الصناعي في الجزائر

إنسانيات عدد 07 | 1999 | فلاحون جزائريون ؟ | ص 37-45 | النص الكامل


Rural Origins of Algerian Industrial Workers

Abstract : There is no doubt that economic changes which the Algerian society has seen, have influenced the rural social structure. For example industrializatian accelerated the exodus of people, with rural and agricultural origin, to Algerian towns, seeking to improve their standard of living by the acquisition of new, jobs in industrial institutions.
This article tries to present rural origins of the AIgerian industrial worker through the analysis of survey data in order to show the social and professional origin of the industrial worker, his nostalgia to the past represented by the preference of agricultural work and rural life, and at the end presenting some of his cultural characteristics sustained by the rural society.

Keywords : Ghazaouet, countryside, worker, industry, transformations


Mourad MOULAI-HADJ : Sociologue, Institut de Sociologie, Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie


مقدمة

نحاول من خلال هذا المقال إعطاء بعض الخصائص السوسيولوجية و الأنثروبولوجية للعامل الجزائري، آخذين بعين الإعتبار للمجتمع الجزائري على أنه كان أكثر المجتمعات المغاربية تريفا حتى سنوات الإستقلال. إلا أن هذه الوضعية لم تبق على حالها بل ظهرت تحولات اقتصادية أثرت على المجتمع الجزائري برمته.

إن التحولات الإقتصادية تتمثل في السياسة الصناعية المتبعة خلال المخططات التنموية، ىو التي أثرت على التركيبة الإجتماعية للمجتمع الجزائري. فتشيد المؤسسات الصناعية و دفع حركة التعمير في المدينة أثر بالسلب على الريف الجزائري، حيث أسرعت في وتيرة نزوح الأفراد الديناميكيين و الأكفاء ذوي الخبرة المهنية الزراعية. إن هذا النزوح تبرره ظروف اقتصادية، فالفقر و تدني المردود الفلاحي أرغم هؤلاء الأفراد على التنقل نحو المدينة لإعالة أسرهم و الرفع من مستواهم المعيشي.

و من هنا فقد يتفق أغلب الباحثين الإجتماعيين على أن العمال الصناعيين الذين يمثلون قوة عمل المؤسسة الصناعية في الجزائر هم من أصل ريفي، و ما زال أغلبهم يقطن في المناطق الريفية. و بالتالي قد نفترض أن المجتمع الريفي بعد مرجعية لأغلب عمالنا الصناعيين.

للدفاع عن افتراضنا ارتأينا الرجوع إلى تحليل بعض المعطيات التي حصلنا عليها خلال أعمالنا الميدانية و هذا باستنطاق عينة عشوائية تتكون من 100 عامل صناعي بمؤسسة الزنك بالغزوات[1].

1- الأصل الإجتماعي و المهني للعمال الصناعيين :

إن تنصيب مؤسسة الزنك بالغزوات، عمل على توظيف أكثر من 900 عامل في سنة 1974، حيث كان عدد سكان هذه المدينة لا يتعدى 15000 نسمة. فهذه المؤسسة تعتبر أول مؤسسة تحويلية في المدينة، ذات تكنولوجية عالية، التي عملت على تشجيع حراك العمال في السنوات الأولى من بداية الإنتاج، بسبب عدم التأقلم مع هذا الوسط الجديد. إلا أن هذا لا ينفي أن هناك تقبل لهذا الوسط الجديد من طرف فئة إجتماعية كانت تعاني من تدهور دخلها. فقد عملت إدارة المؤسسة على تشجيع تنقل الأفراد الريفيين نحو المدينة للعمل في القطاع الصناعي[2].

فالعينة المدروسة كشفت لنا أن هناك أكثر من 38 % من المبحوثين صرحوا بأنهم ولدوا بالمناطق الريفية، و أن 37 % ولدوا في المناطق الشبه ريفية. فهذه الإحصائيات تبين و تدعم الأصل الريفي للأفراد القاطنين بالمدن الجزائرية. و لكن هذه الظاهرة لا يمكن أن تكون حكرا على الجزائر و إنما هي ظاهرة عالمية. فلقد كان المجتمع الريفي يعد مصدرا للإنتاج الإقتصادي، و للعمل توفير الأيدي العاملة، حيث يرى شنين : "SHANIN أنه عبر التاريخ كان الفلاحون يعدون جد مهمين من الناحية الديموغرافية و الإقتصادية[3]. فارتفاع حدة الفقر بالريف أدى إلى زيادة النزوح" نحو المدينة.

فهذه المعطيات التي بين أيدينا تدلنا على أن عمالنا نشأوا في الوسط الريفي، و تلقنوا ثقافته و معاييره منذ ولادتهم، فدور كايم و ماوس Mauss استعملا مفهوم Habitus كما قام بورديو Bourdieu بإثراء هذا المفهوم لتبيان الرسوخ الثقافي عند الإنسان. و بالتالي عندما يتنقل الفرد ليعمل في المؤسسة فإنه ينقل معه ممتلكاته السوسيو ثقافية أو ما يسمى بHabitus[4]. فالمبحوثون ينتمون إلى وسط ريفي امتاز بخصوصيات ثقافية و زراعية معينة. فالدراسات المونوغرافية، إبّان التواجد الإستعماري، لمنطقة ترارة تعطينا وصفا دقيقا للإنسان التراري على أنه يعطي أهمية كبيرة لملكية الأرض فيحاول دائما شراء السهول الصالحة للزراعة و أن ملكية الأرض كانت جد مقسمة بين السكان في هذه المناطق ذات الكثافة السكانية. كما أن هناك تأكيد على أن الفلاحين جديين في عملهم و بالتالي كان هناك إستغناء عن العمال المغربيين الذين كانوا يأتون من منطقة الريف و بني زناسن بالمغرب، فيقطعون منطقة ترارة للتوجه نحو مناطق أخرى بحثا عن العمل الفلاحي كمنطقة عين تموشنت، و تلمسان و سيدي بلعباس و مستغانم[5].

فهذه الخصوصية للتركية الإجتماعية الترارية قد تكون لها مخلفات مهنية و ثقافية لدى الفئات الوراثة لهذا الوسط الفلاحي الذي يتميز كنمط حياة قروي قائم على علاقات إجتماعية تقليدية و بسيطة. فاكتساب و تعلم مهنة الفلاحة تتم بطريقة مباشرة ما دام العمل الفلاحي يشترط مشاركة كافة أفراد الأسرة. فعاملنا مثلا عاش في تلك الأسر حيث نجد أن أكثر من 76 % من المبحوثين صرحوا بأن آباءهم كانوا فلاحين. فهذا الواقع أثر على المسار المهني لعمالنا، حيث أن أكثر من 65% من المبحوثين صرحوا بأنهم مارسوا النشاط الزراعي و الأعمال المرتبطة بالمحيط القروي. و الملفت للإنتباه هو أن أكثر من 37 % من المبحوثين صرحوا أنهم يملكون أراضي زراعية، و هذا إذا استثنينا 21% من المبحوثين الذين رفضوا الإجابة عن سؤال خاص بمتغير ملكية أرض فلاحية.

فهؤلاء المالكون للأراضي الفلاحية طرقوا أبواب المصانع تاركين أراضيهم لكي تستغل من طرف أسرهم. فالعمل الزراعي لا يعد عملا مثل الأعمال الأخرى فهو يتم في أوقات خارج أوقات العمل الصناعي. و أن الإرتباط الذي يربطهم بهذا العمل ذي الدخل المحدود يجعلهم يعتبرونه عملا ثانويا[6].

إن هذه المؤشرات تدعم و تثبت لنا الأصل المهني الفلاحي لعمالنا، و هذا ما يؤثر على سلوكهم و مواقفهم تجاه العمل الصناعي. فتقبل العمل في عالم يختلف عن عالمهم السابق، رغم الصعوبات التي قد يواجهونها داخل هذا الوسط الجديد، تبرره إرادة الحصول على مستوى معيشي أرقى مقارنة مع وضعهم السابق. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل إستطاع هؤلاء العمال وضع قطيعة مع عالمهم السابق؟

2- الحنين إلى الماضي عند العمال الصناعيين :

إن التنقل اليومي لبعض العمال بين الوسط الريفي و المدينة مقر عملهم، راجع إلى تفاقم مشكل السكن في الأوساط الحضرية ذات التحول الصناعي الذي شهدته معظم المدن الجزائرية. فهذا التنقل اليومي قد يكون عائقا أمام عمالنا لاكتساب تقاليد صناعية، و ثقافية حديثة مرتبطة بطبيعة النشاط المهني و المحيط الذي يعملون فيه.

أما فيما يخص عينتنا، نلاحظ أم أكثر من 27 % من المبحوثين مازالوا يعيشون في الوسط الريفي، فالمعايير و القيم الثقافية التي قد يغرسها المصنع في عاملنا، لا تستطيع أن تقاوم تلك الثقافة المحلية التي مازال لها وجود بين الأقارب و الأهل في الوسط الريفي حتى و لو نظرنا إلى هذا الوسط على أنه في ديناميكية و ليس كوسط ثابت.

فهذا لا يعني أن اللذين غيروا مقر سكانهم من الريف إلى المدينة، قطعوا الصلة مع الوسط الريفي الذي نشأوا و ترعرعوا فيه. بالعكس من ذلك، إن معظم مازال لديهم ارتباطات و علاقات اجتماعية وطيدة. فالأفراد الريفيون الذين لا ينتقلون إلى المدينة عادة ما يتلقون مساعدات مالية من ذويهم الذين يعملون في العمل المأجور بالمدينة، كما أن هؤلاء العمال مازالوا يتلقون هدايا، و خاصة المنتجات الزراعية، من أقاربهم الريفيين[7].

إن هذا الإرتباط الوثيق لعمالنا بالعالم الريفي، قد يؤثر على تصورتهم و ميولهم. و للكشف عن هذه التصورات حاولنا معرفة مدى تقبلهم لوضعهم الحالي كعمال صناعيين، و ذلك بمطالبتهم وضع مقارنة بينهم و بين الفلاحين الذين مازالوا يقطنون في الريف. النتائج المحصل عليها تبين أن 67 % من المبحوثين يرون أن عمال الفلاحة يتمتعون بحياة أفضل، و الغريب في الأمر أنه حتى الذين قضوا مدة زمنية تفوق العشرين سنة بالمؤسسة الصناعية و لديهم خبرة مهنية في الوسط الصناعي، يفضلون الرجوع إلى المجتمع الريفي إذا توفرت الظروف من إمكانيات و أدوات مساعدة على العمل الفلاحي.

من الناحية الأديولوجية، مازال للعمل و الوسط الفلاحيين وزن و تفضيل كبرين في نظر العمال، رغم أنهم واقعيا يلبون حاجياتهم و حاجات أسرهم من العمل الصناعي. فتفضيل العمل الفلاحي يبرزه نوع من الحنين إلى الماضي و إلى الحياة القروية ذات البساطة في العيش، و الحرية في التصرف في العمل الفلاحي. و تصريحات بعض المبحوثين تبين الأسباب الخفية لهذا التفضيل.

"الفلاحة ربيت عليها الكبدة منين كانت عندي ثمن سنوات، فأنا أفضل العمل في الفلاحة لأن هناك الهواء النقي، الراحة و المخ هاني، الحرية و الأكل من عملي" (مبحوث 40 سنة).

"الفلاحة تعمل في رزقك، تربح صحتك و لا توجد صعوبات إذا وجدت الإماكنيات، كما أنه لدى ميول نفسي لأنني عشت في الريف و أفضل أن أكون حرا، و هنا يوجد سوء تفاهم مع المشرفين، تخدم و ما عايش، الفلاحة تردي أحس بأنني أنتج عندما أرى النباتات تنمو" (مبحوث 50سنة).

إن هذه التصريحات تبين أن هناك رفض للعمل الصناعي حيث يوجد ظروف عمل جد صعبة من تلوث و إرهاق أثرا على هؤلاء العمال حيث أصبحوا يفضلون و يحنون إلى العالم الريفي و يرونه أحسن من الواقع الذين يعيشون و يعملون فيه. فهناك حب للفلاحة و الإحساس بالإنتماء إلى هذا الوسط، رغم أنهم يستفدون من إيجابيات العمل الصناعي. و نفس الإستنتاجات توصلت إليها كلودين شولي Claudine CHAULET في بحثها حول الفلاح الجزائري، حيث وجدت أن هناك تفضيل للعمل الفلاحي و الحياة الريفية مع تقديم تبريرات أخلاقية و معايرية و ليست اقتصادية في الأساس[8]. و من بين تصريحات المبحوثين التي تقدمها شولي في كتابها لتبيان التوجه العام للعمال و علاقاتهم بالوسط الريفي، تم اختيارنا لتصريح وجدناه مطابقا لتصريحات عمالنا : "العمل، هناك العمل في كل مكان، و لكن أفضل العمل في القرية. إننا جد مرتاحين، فمن الأفضل تجنب العلاقات مع الأفراد الأخرين، و لو عندي مال سأبني مأوى لإيواء أدوات العمل و مختلف الأشياء الأخرى[9]".

3- العمال الصناعيون و الثقافة الريفية:

عملت المميزات السوسيولوجية للعامل الصناعي على إبرازه أن له إرتباطات بالمجتمع الفلاحي التقليدي، وهذا ما حاولنا تناوله سابقا. و لهذا قد لا نستغرب، و لا يندهش الباحث في العلوم الإجتماعية، في حالة ما إذا إصطدم بعمال صناعيين يشغلون مناصب عمل ذات تكنولوجيا عالية، لا يختلفون في سلوكهم و مواقفهم عن زملائهم الفلاحين في المجتمع الريفي. فعاملنا هو نتاج لعالمين كما جاء على لسان سعيد شيخي : "العامل الجزائري هو إنسان هجين ذو جسم عامل و رأس فلاح[10]".

و من هنا يقوم بعض الباحثين بالتأكيد على تأثير الحياة الإجتماعية خارج المؤسسة الصناعية. فيرون أن المؤسسة الصناعية تتكون من عمال أولا و قبل كل شيء " أفراد إجتماعيين"، عكس ما تؤكده و تدافع عنه بعض نظريات ثقافة المؤسسة فحسب رأيهم، الأجراء لا يغادرون "ذواتهم الإجتماعية" عند دخولهم المؤسسة الصناعية[11].

إن الإقتراب من تمثلات عمالنا لواقعهم و الوقوف على مدى تقبلهم للتغير الإجتماعي الذي أصبح ملاحظا في حياتهم اليومية، و هذا يعد تعودهم على نمط معيشي ريفي يمتاز بالبساطة في الحياة، و المدعم بكل أنماط التضامن الإجتماعي القائم على نظام القرابة، فلا شك أن هذا الرصيد الثقافي للمجتمع الريفي، قد يؤثر في سلوك و مواقف عمالنا حول تغير المجتمع المعاش و الذي أصبح يتميز بنوع من التعقد في الحياة و ظهور نظم و قيم جديدة تحكم سير المجتمع.

و في نفس الإطار يقدم لنا Inkeles و زميله Smith بعض الأمثلة عن التغيرات الإجتماعية التي يمكن ان تكون ذات أهمية في قياس درجة حداثة الفرد في دول العالم الثالث ذو الأصل الريفي: "مشاركة سياسية كبيرة من طرف عدد واسع من الشعب، و زيادة في الحراك الإجتماعي و الفيزيقي، و غتاحة فرص كثيرة للمرأة، و أخيرا وجود حرية في العلاقات بين المسؤولين و الأتباع و كذا بين الكبار في السن و الشباب[12].

و من هنا أردنا معرفة المشاركة السياسية للمبحوثين و هذا يطرح أسئلة حول الديمقراطية في المجتمع الجزائري و مدى انتخابهم في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة و هل يشاركون في إحدى الجمعيات السياسية أو التطوعية.

فالمعطيات المحصل عليها تدل على أن عمالنا غير راضيين عن واقع الديمقراطية في الجزائر فأكثر من 86 % من المبحوثين يرى ان ليس هناك تجسيد لمعنى الديمقراطية في الجزائر. و ارتكزت إجابتهم على أدلة مستنبطة من الواقع (غياب العدالة، الظلم…) كما جاء في بعض التصريحات.

"الحالة رها تبين الظلم، الخيانة، ناس عيشة و ناس لا" (مبحوث 30 سنة).

"الظلم، الخيانة، ما كانش العدالة، أين هي الديمقراطية؟" (مبحوث 45 سنة).

أما عن مشاركتهم في الإنتخابات الرئاسية، فكل المبحوثين قد انتخبوا. فهذا لا يعني أن عمالنا أصبحت لهم ثقافة سياسية و اصبحوا فاعلين سياسيين. فالسبب أو الدافع من وراء مشاركتهم في الإنتخابات قد يرتبط بتفكير يرجع إلى ثقافة المجتمع الريفي التقليدي. فالمشاركة تعني الحصول على خاتم على بطاقة الناخب و التي تسهل له في ما بعد، كدليل على مشاركته، في إقتناء كل مل يلزمه من أوراق و ملفات إدارية.

فالمشاركة السياسية الفعلية لعمالنا ضعيفة أو شبه غائبة، فأغلب المبحوثين أي ما يقارب 90 % من العينة المبحوثة، لا يشاركون في أي جمعية و هي تعيش في معزل عن هذه المجالات، هذا يبين غياب ثقافة و رؤية سياسية لدى هؤلاء المبحوثين. فتبريراتهم المستقاة في تصريحاتهم تبين ذلك.

"خاطيني البوليتيك"، و هذا الصوالح ما يهمونيش، فأنا من الخدمة للدار" (مبحوث 44 سنة)

"لا يوجد تنفيذ تشارك أو لا تشارك فلا شيء إيجابي و ما نحبش ندخل في الصوالح دي بعاد، الإنسان ولى يخاف" (مبحوث 37 سنة).

فالبوتيك يعني بالنسبة للعامل عمل سلبي و لا يهمه الأمر في مصير المجتمع الذي يعيش فيه، فهذه مسائل بعيدة، و تنحصر حياة عاملنا بين البيت و المصنع، و هذا ما يبين عدم استطاعة بعض العمال أن يندمجوا في الوسط الحضري، و تقبل ثقافة المحيط الذين يعيشون فيه.

أما العامل الثاني الذي من خلاله يمكن معرفة نظرة عمالنا للتحول الإجتماعي هو قضية المرأة التي شاهدت نوعا من الإنسلاخ من تلك القيود التقليدية، فالضرورة الإقتصادية فرضت عليها الخروج إلى سوق العمل للبحث عن عمل خارج البيت للتخلص من ثقل صعوبة الظروف المعيشية. كما أن استفادتها من قسط من التعليم سمح لها أن تسلك سلوكا مخالفا عن ذلك الذي عاشته والدتها.

و رغم أن بعض العمال الذي استنطقناهم، استطاعوا أن يكتسبوا بعض الأفكار المغايرة عن عالمهم الأصلي، إلا أنه مازال بعضهم محافظين على مبادئ و قيم الثقافة الريفية، و خاصة في المسائل المرتبطة بالمرأة، و الشرف…إلخ و التي لها مدلول كبير لدى هؤلاء العمال. فنجد أن نسبة 45% من المبحوثين قد احتفظوا بفكرة أن المرأة لا تعمل خارج البيت و هم متشبثون بهذه الفكرة و لا يرون المرأة إلى في البيت و هذا ما تؤكده بعض تصريحاتهم.

"حنا برّا، ما شي حاجة نورمال، هذه المرأة انتع الدار" (مبحوث 44 سنة).

"هذا الشيء غريب، المرأة المسلمة تقعد في الدار تقابل أولادها" (مبحوث 53 سنة)

فبرا تعني المجتمع الريفي الذي لا ينتقل خروج المرأة خارج البيت و الإتصال بالجنس الأخر، و الغرابة و الشيء الغير عادي في نظر هؤلاء المبحوثين هو أن تعمل المرأة خارج البيت، حيث أن المرأة هي عورة يجب أن لا تشارك الرجل "محيطه" فالإسلام في نظرهم يحد من مجال نشاط المرأة، فعملها هو عمل البيت فقط.

و حتى و لو حتمت الظروف أن تعمل المرأة خارج البيت لأسباب اقتصادية، فهناك شروط يجب تتقيد بها المرأة عند خروجها من البيت مثل لبس "الحايك" و اللثام، و هذا لقوة رسوخ الثقافة التقليدية عند الإنسان الجزائري و المستمدة من المجتمع الريفي. و في هذه الصورة نستشهد بشريط تلفزيوني، حيث يقدم فيه أحد الأنثروبولوجيين المرأة العاملة الجزائرية و هي متجهة إلى المؤسسة الصناعية (مؤسسة الإلكترونيك بسيدي بلعباس)، في حافلة نقل العمال مرتدية الحايك و اللثام، و بعد دخولها إلى المصنع تترع الحايك و اللثام لتباشر العمل أمام تكنولوجية متطورة. فيعقب ذلك الباحث عن المشهد و يقول: "في كل أربعة و عشرين ساعة، تقطع المرأة العاملة الجزائرية أربعة عشرة قرنا من الزمن، ما بين مقر السكن و مكان العمل[13]" فيرجع المحيط الإجتماعي إلى القرن السابع (أي زمن رواج الحضارة العربية الإسلامية) و المؤسسة الصناعية إلى القرن الواحد و العشرين (أي زمن التطور التكنولوجي).

أما بالنسبة لأولئك الذين صرحوا بقبول خروج المرأة للعمل خارج البيت، فقد تغيرت مواقفهم عندما طرحنا عليهم فكرة خروج بناتهم إلى العمل خارج البين، أغلب المبحوثين اتفقت آرائهم على عدم السماح لبناتهم بالعمل خارج المنزل، و مثلوا نسبة 79%، فأغلبهم يرون أن البنت لا تصلح إلا للمنزل و عملها داخل المنزل فقد. و الملاحظ أن السماح للمرأة بالعمل خارج البيت تلك المرأة التي هي في حاجة إلى إعالة أولادها (كما رأينا من قبل)، أما البنت في تحت رعاية الأب الذي لا يتقبل اختلاطها مع الرجل. أما الذين يسمحون بخروج بناتهم للعمل خارج المنزل (18%) فيحبذون أن تعمل بناتهم في المؤسسات التي أغلبيتها نساء. و هذا ما لاحظناه، من خلال اختياراتهم المهنية لبناتهم حيث أنه من بين 18 مبحوث، نجد 15 مبحوثا يختار مهنة ممرضة /طبيبة/معلمة لابنته و مبحوثين يفضلون مهنة الخياطة لبناتهم. إنها المهن الصالحة للبيت في رأيهم.

خاتمة

التصنيع في الجزائر بعد إحدى الظواهر التي ساهمت في خلق و ظهور تضارب في الحياة اليومية للأفراد الذين هم في اتصال مباشر مع هذا الواقع الجديد. لقد عمل هذا التغير الاقتصادي و الاجتماعي على الزيادة في وتيرة نزوح الأفراد من المجتمع الريفي نحو المدينة للبحث عن مناصب عمل بهدف الرفع من مستواهم المعيشي. فهذا الحراك عمل على تنقل الأفراد يوميا بين فضائين نختلفين : المصنع ذو التكنولوجيا العالمية و المحيط التقليدي الذي استقبل التصنيع.

فأغلب العمال الصناعيين هم من أصل إجتماعي تقليدي، حيث ولدوا و نشأوا في القرى و المجتمعات الريفية، حيث ما زال معظمهم يقطن. و أن أصلهم المهني حد متأثر بوسطهم الإجتماعي حيث عمل أغلبهم في القطاع الفلاحي قبل إلتحاقهم بمهنتهم الحالية كعمال صناعيين.

فهذه الخصائص الإجتماعية و المهنية لها أثر على عمالنا في تقييمهم لعملهم و وسطهم المهني، فمواقفهم و خطابهم و ردود أفعالهم تجاه الواقع الذي يعيشون فيه مستمدة من المجتمع و الثقافية الريفيين. و هذا ما يؤثر على مشكلة تأقلمهم مع الوسط الصناعي و الحياة الحضرية في المدينة. فهم يفضلون و يحنون إلى العمل الفلاحي و الحياة الريفية و خاصة إذا توفرت الظروف اللازمة لإنجاح العملية الفلاحية. و أن الفلاحة هي المخرج الوحيد بالنسبة للمالكين للأراضي الزراعية في حالة ما إذا تم تسريحهم من العمل الصناعي. فثقافة المؤسسة ليس لها القدرة على المقاومة و القضاء على ثقافة المجتمع المحلي. و قد ظهر ذلك جليا في تحليلنا للقيم الثقافية لعمالنا، فأغلب مواقفهم و خطاباتهم توحي لنا بنوع من المرجعية إلى المجتمع الريفي التقليدي، و أن هناك رفضا شبه معلن للحياة الصناعية الحضرية. و أخيرا نرى أن للخصوصية الثقافية، لأي مجتمع ما ، دورا في التأثير على كيفية و طريقة تأقلم العمال مع وسطهم المعني، و هذا ما يجعلهم ينفردون بمميزات خاصة.

قائمة المراجع

1- BOURDIEU, Pierre, Travail et Travailleurs en Algérie, Paris : Maison des sciences de l’homme, 1962.

2- CHAULET, Claudine, la Terre, les frères, et l’Argent, Alger : OPU, 1987

3- CHIKHI, Said, «La Classe Ouvrière Aujourd’Hui en Algérie », in les temps Modernes, Vol., Jui.- Sept., 1982 : 57-59.

4- HOLT, Henry, Encyclopédia of Cultural Anthropology, New-York : Henry Holt & compagny, 1986.

5- INKELESS, Alex et alt., Becoming Modern, individual change in six developing countries, London : Heinman, 1974.

6- STRATEGOR, Stratégie, !structure, Décision, Identité : Politique Générale d’entreprise, Paris : Inter – édition, 2ème édition, 1993.

7- TINTHOIN, Robert, Les Trara : Etude d’une Région Musulmane d’Algérie, in Bulletin de la Société Géographique et Archéologique d’Oran, T. LXXIII, pp 217-309.

8- WATERMAN, Peter, « Typical Third World Workers » , in Monthly Review, Vol Sept, 1977 : 51-64.


الهوامش

[1] أنظر فرحي،ص.؛ مولاي الحاج،م. و حمداوي، م..-تقرير مشروع بحث : طرارة بين الحداثة و التقليد.- مركز الأبحاث في الأنتروبولوجية الإجتماعية و الثقافية، سبتمبر 1998.

[2] أنظر مقالنا.- الغزوات : مدينة في ظل تحولات سوسيو ثقافية.- إنسانيات، عدد 5، أوت، 1998.- ص.ص. 35-48.

[3] - Cf. SHANIN, Teodor, ed.- Peasants and Peasant societies.- 2rd ed. Oxford, Basil Blackwell, 1987 Cité par levinson Ember, Encyclopedia of Cultural anthropology, Vol.3, New York : Henry Holt and Compagny, 1986, p.913.

[4] - Voir STRATEGOR.- Stratégie, Structure, Décision, Identité : Politique générale d’entreprise.- Paris.- inter-éditions, 2ème édition, 1993.- p.509.

[5] - TINTHOIN, Robert.- Les Trara : Etude d’une région musulmane d’Algérie.- in Bulletin de la Société Géographique et Archéologique d’Oran, T.LXXIII.- p.p. 217-309

[6] - للإطلاع أكثر على هذه الفكرة أنظر : SAYED, A et BOURDIEU, P..- Le Déracinement, la Crise de l’Agriculture Traditionnelle en Algérie.- Paris, Les éditions de Minuit, 1964.-p.67

[7] - Voir, WATERMAN, Peter.- Typical Third World Workers.- in Monthly Review, Vol-Sept, 1977.- p.p 51.

[8] - CHAULET, Claudine- La Terre, les Frère, et L’Argent.- Alger, O.P.U, 1987.- p 641

[9] - Ibid.- p.642.

[10] - CHIKHI, S..- « La Classe Ouvrière aujourd’hui en Algérie » .- in Les temps Modernes, Juil.- Sept, 1982.- p.p. 57-59.

[11] - Voir, STRATEGOR- Op. cité- p. 505

[12] - INKELES, A. and SMITH, D.H. Smith.- Becoming Modern : Individual change in six developing countries.- Londonm Heineman, 1974.- p.30.

[13] - MAZRUI, Ali.- The Africans.- London, BBC Doument, June 1986.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche