Sélectionnez votre langue

الإستعمار، الحركة الوطنية و الاستقلال بالجزائر: العلاقة بين الديني و السياسي

إنسانيات عدد 31 | 2006 | الدين، السلطة والمجتمع | ص 13-29 | النص الكامل


Colonization, national Movement and Independence in Algeria : concerning the relationship between religion and politics

Abstract: If since ancient times Judaism and Christianity had been able to establish themselves in Algeria, it is henceforth Islam which from the middle ages on surpasses the two other monotheistic religions, forming the Algerian society to a point of making it one of the fundamental constituents in the structure of the national personality. Instrumented  by the colonization with notably the1865 Senatus-Consulte relating to Moslem statute, it also served as reference for the national movement emerging between the two world wars, to an extent of being recognized as State religion in all the institutions decreed after the country’s independence in July 1962. Moslem religion is thus at the centre  of the question of relationship between religion and political spheres and seems to have a particular incidence on whatever concerns citizenship in general and the statute of women in  particular, in a society where it remains an instrument to legitimize a patriarchal persistency.

Key words : Islam - colonization - moslem statute - National movement - State religion - family code - citizenship - patriarchy.

 

Hassan REMAOUN : Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie


منذ حصول الجزائر على استقلالها في جويلية 1962، تمّ الإعلان على أن الإسلام هو "دين الدولة" باعتباره ترتيبا مقيدا في مختلف الدساتير التي تعاقب تبنيها في هذا البلد. و قد نتج عن هذا الأمر، انعكاسات مختلفة في النظامين التربوي و التشريعي، و سنعود إلى ذلك لاحقا شكل هذا الإجراء ذريعة استغلها الإسلام السياسي منذ نهاية الثمانينيات، من خلال استخدام جميع الوسائل، بما فيها العنف الأكثر تطرفا، للاستيلاء على السلطة السياسية كليا. و سيسمح ما عرفته هذه الحركة من فشل و تراجع نسبي بمعاينة ما يتضمنه المجتمع الجزائري من تعقيدات مرتبطة بوضع خضع منذ الاستقلال للتسيير المعروف في الجزائر للسياسي.

و لكن لا يمكن إدراك و فهم ذلك، دون العودة للسياق الذي أسهم في تشكيل المجتمع خلال الفترة الإستعمارية و إلى حدود انبثاق الحركة الوطنية و تبلور توجهاتها الأيديولوجية الأساسية.

سيشكل الدين الإسلامي، على الرغم من وجود أديان أخرى لها أتباع و أنصار في الجزائر، المرجعية الأساسية في مناهضة الاستعمار منذ البدايات الأولى لتأسيس جبهة التحرير الوطني. كان الإسلام بمثابة الديانة الوطنية الفعلية و هي الديانة الوحيدة التي أعلنت عن نفسها بهذا الشكل. و تصبح بذلك، الإضاءة التاريخية، في هذا المجال و غيره من المجالات، ضرورة لا يمكن تجاوزها.

1- الأديان بشمال أفريقيا، منذ الأصول الأولى إلى حدود الإستعمار الفرنسي للجزائر

تعرضت، مع نهاية العصور القديمة، الأديان الوثنية ذات الأصول الأفريقية و الليبية البربرية أو تلك التي أدخلت عن طريق البحر الأبيض المتوسط، من قبل الفينيقيين بخاصة (منذ نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد) و من قبل الرومان فيما بعد (بواسطة الشعوب التي سيطرت عليها منذ نهاية حروبهم ضد القرطاجيين في 146 ق.م)، لمنافسة الديانة التوحيدية، التي دعت إليها اليهودية (ح. زفراني، ر. عيون)، و كذلك المسيحية فيما بعد، و قد تم التأكد من وجود هذه الأخيرة بالجزائر منذ الألفية الثانية للميلاد (ش. أ. جوليان، ج. كووك).

و قد برهنت هذه الديانة الثانية على حيوية خاصة في تلك الفترة، حيث قامت كنيسة أفريقيا الشمالية، من خلال شخصيات مثل تورتوليان (القرن الثاني و الثالث) و سيبريين (القرن الثالث) و أوغسطين (القرن الرابع و الخامس) بترك أثار عميقة في تاريخ المسيحية اللاتينية. و يبدو، على الرغم من كون هذه الديانة متجذرة أكثر في المدن، نجد أنها قد حاولت أن تخترق المناطق الريفية كذلك، كما يشير إلى ذلك الالتحام الذي تم في القرنين الرابع و الخامس بين الحركة الاجتماعية التابعة للسيركونسيليون و الدوناتية، و قد اعتبرت هذه الحركة في نظر الكاثوليكية بالهرطقة. و هكذا سيدفع سقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس و دخول الإسلام لأفريقيا الشمالية منذ القرن السابع الجماعات المسيحية إلى الهامش. و قد تعود الآثار التي تركتها في البلاد (و كذلك بالنسبة للغة اللاتينية) إلى القرن الثاني عشر، أما بالنسبة للديانة اليهودية فقد سبق تواجدها بأفريقيا الشمالية الديانة المسيحية، إذ يعود ذلك إلى الألفية الثانية قبل الميلاد. انتشرت اليهودية في الأوساط البربرية للتلّ و الصحراء (في منطقة توات خاصة)، و قد تعززت بحكم مجيء قوافل الهجرة الآتية من المشرق و من البحر الأبيض المتوسط، و من إسبانيا بالضبط و بخاصة مع نهاية الفترة الفيزيقوطية و كذلك بعد سقوط الأندلس و غرناطة سنة 1492.

و على خلاف المسيحية، نجد أن اليهودية في المغرب الأوسط قد صمدت نسبيا أمام التوسع الإسلامي، و لكن سيكون مصيرها مرتبطا بالاستعمار الفرنسي، و بالأخص بعد صدور مرسوم كريميو سنة 1871 الذي منح الجنسية الفرنسية لكل يهود الجزائر (ش. ر. أجيرون، ب. ويل). و يفسر هذا الحدث، بالإضافة إلى الاستعمار الصهيوني لفلسطين، الذهاب الجماعي لليهود و للمسيحيين من الجزائر فور حصول هذا البلد على الاستقلال سنة 1962. وقد أعادت المسيحية الظهور بالجزائر بوصفها ظاهرة دخيلة هذه المرة، و لكنها محصورة في السكان الكولونياليين ذوي الأصول الأوروبية (ويبقى عدد المتمسحين من الجزائريين عديم الأهمية). وستتمكن الديانة الإسلامية منذ دخولها إلى الجزائر في القرن السابع من تحقيق نجاح كبير، إذ يعتنقها أغلب سكان المغرب الكبير، إلى حد أنه أصبحت تشكل المصدر الأساسي للشرعية السياسية لمختلف الأنظمة و الإمبراطوريات التي ترى النور بالمنطقة، بما فيها الإمبراطورية العثمانية التي التحق بها المغرب الأوسط عندما أصبح الضغط الأوروبي (الأسبان في البداية) يلوح في الأفق. و لاداعي للتعجب إذا كانت الديانة الإسلامية مطلوبة باستمرار بوصفها دعامة أيديولوجية حاسمة في مقاومة الاستعمار الفرنسي.

2- الإسلام و المجتمع الجزائري في مواجهة الاحتلال الكولونيالي

كان المجتمع الجزائري، قبل الاحتلال، يعيش في سبات عميق، فالمدن التي عرفت ازدهارا كبيرا في العصر الوسيط، خضعت بدورها لانحطاط كبير، بحكم التحول المركزي الخاص بالممرات التجارية العالمية نحو أوروبا ابتداءا من القرنين الخامس عشر و السادس عشر، بعيدا عن العالم الإسلامي و عن المغرب العربي. و قد مست هذه التحولات نشاطات القرصنة البحرية التي سمحت منذ الإعلان عن الوصاية العثمانية للجزائر سنة 1518 بتحويل جزء كبير من الثروات التي تعبر الجهة الغربية من البحر الأبيض المتوسط لصالح الوصاية، إذ انعدمت من جراء الهيمنة الكاملة للأسطول الغربي على البحر المتوسط. كان المجتمع الجزائري آنذاك منغلقا أشد الانغلاق و بخاصة في عالمه الريفي الذي يمثل حوالي 95% من العدد الإجمالي للسكان. و قد أسهم في هذا الوضع النظام الاجتماعي الريفي و العشائري، كما لعبت الزوايا دورا حاسما في ذلك، بحكم نشاطاتها الدينية و الثقافية، التي لا ترقى إلى التعمق و النوعية، التي امتدت شبكاتها إلى العديد من المناطق على المستوى المغاربي و أحيانا إلى حدود المشرق.

و بعد احتلالها للمدن، أقامت الرأسمالية الكولونيالية التي هي في الأصل ذات طبيعة زراعية، بتفكيك البنية الريفية الجزائرية وإطارها الطائفي التقليدي، باستخدام العنف المسلح و العنف الرمزي. و يتمثل هذا الأخير بخاصة في تلك الترسانة التشريعية التي يمكن أن نجد ضمنها القانون المتعلق بتحديد القطع الأرضية الصادر سنة 1851 و السيناتوس كونسيلت الصادر سنة 1863 و قانون فرنيي (Warnier) الصادر سنة 1873 و قانون الأهالي (code de l’indigenat) الصادر سنة 1881. و هكذا تمر مقاومة توسع النظام الكولونيالي الجديد عبر تعبئة الإطار الطائفي و العشائري، لكن بواسطة الدعم الحتمي للزوايا التي تعطي الشرعية الدينية للكفاح ضد المستعمر عبر إمدادها بقيادات لا يمكن الاختلاف حولها مثل الأمير عبد القادر في بداية الاحتلال (من سنة 1832 إلى سنة 1847)، و كذلك قيادات أخرى و يمكن ذكر بعضها مثل الشيخ الحداد (مع الشيخ المقراني) بالنسبة لثورة منطقة القبائل (و التي امتدت إلى مناطق أخرى) سنة 1871، و الشيخ بوعمامة و ثورة أولاد سيدي الشيخ في الجنوب الغربي للجزائر (سنة 1862 و سنة 1884).

و عندما يتم التحطيم النهائي للبنية الاجتماعية الماقبل رأسمالية من خلال تفكيك بناها العقارية و التنظيمية، و القضاء على المقاومة في الريف الجزائري، يلجأ المجتمع الجزائري إلى تكييف أشكال نضاله لمواجهة الأوضاع الجديدة و ذلك بالاغتراف بشكل جماعي من مؤسسة الديني قصد إعطاء الشرعية لمعركته السياسية، لكن حسب كيفيات جديدة بطبيعة الحال.

3- بروز الحركة الوطنية في شكلها الحديث

بعد إنزال الجيش الفرنسي بالشواطئ الجزائرية و احتلاله لأهم المدن (و قد تم ذلك في بضع سنوات)، تصبح الأرياف بعدئذ مستهدفة، بحكم أنها كانت تزود إلى حدود نهاية القرن التاسع عشر أهم بؤر المقاومة، لكن إضعاف الأرياف من جراء التفكيك الاجتماعي العميق التي تعرضت له، يعلن، كما يبدو، عن انتصار المشروع الكولونيالي.

و بطبيعة الحال، كان من الضروري، انتظار بضع عقود حتى تتمكن حركة وطنية من الظهور، و التأصل في المدن أولا، و من تم الانتشار في بقية المناطق، من خلال تحديد هدف الدفاع عن حقوق الجزائريين ثُم الحصول على الاستقلال في إطار دولة ذات النموذج الحديث.

و في حدود نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين ستبرز نخب جديدة تمثل في الحقيقة أقلية في المجتمع، لتتدخل على المستوى الاجتماعي و الثقافي من خلال الجمعيات و النوادي التي أسستها، و كذلك من خلال الصحف التي كانت تنشرها، لتشكل في نهاية المطاف ماسمي آنذاك بحركة "الشباب الجزائري".

و سيواجه هؤلاء، بوصفهم نتاج المدرسة الفرنسية و أحيانا ذوي التكوين المعرب أو المزدوج، الانعكاسات المتناقضة الواضحة بين الخطاب المتداول عن فرنسا المعروفة بفكر الأنوار و الدفاع عن حقوق الإنسان و بين يوميات الجزائريين المطبوعة بالتمايز في الحقوق و الظلم في المعاملات الناتجة عن الوضع الكولونيالي.

سيفرز هذا التناقض توجهات موالية لفكرة الاندماج من خلال اكتساب الجنسية الفرنسية، و أيضا توجهات أخرى تنظر لمشروع الاندماج نظرة مريبة و هي بالتالي أكثر تمسكا بوضعها القانوني المتمثل في الانتماء إلى فئة الجزائريين المسلمين.

و سيجد لاحقا عدد لا يستهان به من الأفراد الذين انتموا لحركة الشباب الجزائري أنفسهم في المنظمات التي تشكل الحركة الوطنية، أولا في "فيدراليات المنتخبين المسلمين" التي أسست ابتداءا من سنة 1927 من قبل قيادات مثل الدكتور بن جلول و فرحات عباس، و سيكون هذا الأخير على رأس منظمات عديدة، منها "الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري" الذي برز سنة 1946، كما سيلتحق بعضهم بالحركة الإصلاحية التي كونت مع ابن باديس سنة 1931 "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين".

و هكذا سيكون المنتخبون و العلماء وراء دعوة "المؤتمر الإسلامي الجزائري" الذي يعقد جلساته سنة 1936 (أي في ظل حكومة "الجبهة الشعبية" في فرنسا)، و قد رافقهم في هذا العمل السياسي الشيوعيون الجزائريون. و المعروف أن هذه الحركة الأخيرة كانت تضم في بداياتها أعضاء من أصول أوروبية لكن التحق بها جزائريون بشكل كبير تحت غطاء الحزب الشيوعي الفرنسي منذ سنة 1920، إلاّ أنهم انفصلوا عنه ليؤسسوا الحزب الشيوعي الجزائري سنة 1936، و ستسهم نزعة هذه المنظمات الثلاث للتسوية من جهة أخرى، في صعود توجه رابع أكثر راديكالية ضمن الحركة الوطنية.

و قد عرف هذا التوجه السياسي كل أنواع القمع و المنع، إذ تشكل في بداياته الأولى ضمن نجم شمال أفريقيا الذي ظهر في باريس منذ 1926، و من ثم ضمن حزب الشعب الجزائري سنة 1937 و أخيرا ضمن حركة انتصار الحركات الديمقراطية التي برزت سنة 1946.

و تمثل هذه التوجهات الأربعة، التي أشرنا إليها أعلاه، الأطراف الأساسية للحركة الوطنية في شكلها الحديث، بحكم أنها تدعو إلى تحديث البلد، و يمر ذلك، على المدى القصير أو الطويل، عبر القطيعة مع نظام الهيمنة الاستعمارية. تتميز التوجهات الثلاثة الأولى بامتلاكها نظرة مشتركة تتمثل في عدم التفكير، في فترة الثلاثينيات، في استقلال ممكن في الآجال القريبة، لكنها تختلف حول شكل التحديث و ربما حول نموذج الدولة الوطنية المزمع بناؤها في المستقبل. كان التيار الذي يشمل المنتخبين و الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري و هو ذو نزعة ليبرالية يوجه أنظاره نحو فرنسا و نحو الغرب، و يتمسك بالطابع الديمقراطي و بترقية المواطنة اللذين يميزان هذه البلدان. بينما يبحث التوجه الشيوعي دائما في الغرب، و لكن من جهة الحركة الثورية التي انطلقت في روسيا في أكتوبر 1917 و التي تعطي الأولوية لشعار العدالة الاجتماعية، أما جمعية العلماء، و دون رفض للقيم الغربية في مجملها، فقد ظل همها الأساسي هو الحفاظ على الطابع الإسلامي للجزائر، من خلال استلهام تجربة الشرق الإسلامي الذي واجه المشاكل نفسها. إذ حاول المشارقة ابتداءا من نهاية القرن التاسع عشر بالسعي للنهضة العربية الإسلامية عبر الإصلاح الديني و السياسي (مثلما سار الأمر في تركيا و مصر).

و ستبرز المفاهيم الثلاثة المرتبطة بالبناء الثلاثي القائم على: المواطنة – العدالة الاجتماعية – الهوية الإسلامية، كلها و بدرجات متفاوتة في كل خطابات هذه الحركات السياسية الثلاث، و لكن بشكل يهيمن فيه بصفة خاصة مفهوم من تلك المفاهيم عند كل حركة على حدة.

و تبنت الحركة الرابعة (نجم شمال إفريقيا - حزب الشعب الجزائري - حركة انتصار الحريات الديمقراطية) كذلك المفاهيم الثلاثة للبناء الثلاثي، لكنها حاولت من جهتها صياغتها بشكل متميز يخضعها لهيمنة مرجعية رابعة، سيشتغل هذا العنصر الرابع في هذه الحالة مثل النموذج الحقيقي إذ لا بد أن يخضع كل شيء للاستقلال الوطني "هنا و حالا" (ح. رمعون). ويمثل هذا الطرح، الطبيعة الأيديولوجية الأساسية لما سمي آنذاك "بالوطنية الراديكالية" أو " الوطنية العامية أو الشعبية" (م. حربي، 1992). و سيميل هذا النموذج ابتداءا من الثلاثينيات أكثر فأكثر نحو النزعة العربية الإسلامية و نحو الأطروحة الإثنية و الدينية القريبة من توجه جمعية العلماء.

و لحصر الإحالة على الديني في الحركة الوطنية، يبدو الوقوف و لو بشكل سريع على مواقف جمعية العلماء، عملية لا يمكن تجاوزها و مناقشتها.

4- جمعية العلماء و المرجعية إلى الديني

تأسست جمعية العلماء سنة 1931، انطلاقا من نواة شكلتها في العشرينيات، شخصيات تكونت بجامع الزيتونة بتونس أو عاشت لفترة بالشرق الأوسط، و التفت هذه الشخصيات حول عبد الحميد بن باديس الذي برز، منذ تأسيسه لمجلة الشهاب سنة 1925، بوصفه القائد الرئيسي للإصلاح الإسلامي، قبل أن يصبح رئيسا لجمعية العلماء (منذ تأسيسها إلى حدود وفاة الشيخ سنة 1940، و يخلفه في هذا التاريخ على رأس الجمعية البشير الإبراهيمي).

تأثر العلماء الجزائريون بالأفكار الدينية التي بلورتها حركة النهضة الإسلامية التي بادرت بها، في الشرق الأوسط في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، شخصيات نذكر منها جمال الدين الأفغاني و محمد عبده إلى جانب مدرسة المنار التي كان يدعمها رشيد رضا.

و من الواضح أن هذه النزعة الأخيرة ذات التوجه الحنبلي الجديد التي تجد امتدادا لها في أفكار ابن تيمية، فقيه قرني الثالث عشر و الرابع عشر، هي التي ستلهم عقيدة الجمعية، التي تميل دون شك إلى الوهابية مؤكدة في ذلك على المرجعية المالكية التي كانت تمثل المذهب المهيمن منذ القدم في المغرب الكبير (ع. مراد).

و من خلال قراءة مختلف نصوصها، نستنتج على المستوى الفقهي، أن مسعاهم الإصلاحي كان يهدف إلى العودة إلى المصادر الأساسية للدين الإسلامي (و بخاصة القرآن الكريم و السنة النبوية) التي تدعو إلى توحيد الله، و هو ما يتعارض، على ما يبدو بطبيعة الحال، مع تقديس الأولياء و بناء الأضرحة و الزوايا. و من جراء ذلك، سيصطدم المصلحون المسلمون بالزوايا التي كانت تهيمن أنذاك على الممارسة الدينية في الجزائر (و بخاصة في التجمعات الريفية و القرى).

و كما يعلن عنه أحد البيانات الصادر عن الحركة و المنشور في مجلة الشهاب في جوان 1937: " فمؤسسة الزاوية هي بدعة ينكرها أبناء الفترات الأولى للإسلام" بحكم أنها تشجع على "تحقير الناس" و "تدعم أولئك الذين يستغلونهم و يظلمونهم" (أنظر ك. كوللو و ج. ر. هنري- ص.ص: 95-100).

و يقوم العلماء خلال هذه الفترة بنشاط هام يدعون من خلاله لأفكارهم بواسطة الخطب الدينية و المحاضرات، و الدروس التي تقدم ضمن شبكة المدارس التي أسسوها (مدارس حرة للغة العربية) و من خلال النشريات المختلفة التي كانوا يصدرونها.

و كما يبدو، أن النشاط الثقافي، لا يمكنه أن لا يتداخل مع السياسي و يبقى بعيدا عن هذا الحقل، كما يشير إلى ذلك الدور الذي لعبه العلماء في مختلف الأفعال الوحدوية ضمن الحركة الوطنية مثل تنظيم المؤتمر الإسلامي الجزائري (في سنة 1936)، و مع أحباب البيان و الحرية (في سنة 1944) و في إطار الجبهة الجزائرية للدفاع و احترام الحريات في سنة 1951، و الذي شاركت فيها كذلك شخصيات ليبرالية ذات الأصل الأوروبي) أو باندماجهم أيضا في جبهة التحرير الوطني فيما بعد.

في واقع الأمر، لم يسجل العلماء المطالبة باستقلال الجزائر في صلب برنامجهم طيلة مدة طويلة، إذ كانوا يفضلون التركيز على النضال الثقافوي بالدفاع على ما كان يبدو في نظرهم يمثل أسس الهوية الجزائرية، أي التمايزات اللغوية (العربية) و الدينية (الإسلام) بطبيعة الحال. و قد طالبوا باستمرار، فيما يتعلق بالإسلام، بتطبيق القوانين الفرنسية التي تنص على الفصل بين الدين و الدولة، كما حاربوا أنصار القبول بالمواطنة الفرنسية على حساب قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسلمين كما نص عليه السيناتوس كونسيلت الصادر سنة 1865.

و انطلاقا من مقاربة قد تذكر بالنظرية الأغستينية ل "المدينتين" (ع. لرجان) و التي هي أيضا قريبة جدا من تلك التي دعا إليها فرحات عباس الذي حاول التوفيق بين "الوطن الروحي" أي الإسلام و "الوطن الفكري" أي فرنسا (ج. بيرفييي)، قام ابن باديس بالتمييز بين "الجنسية السياسية" و "الجنسية القومية" ذات البعد الإثني و الديني (ع. مراد). و قد كان هذا الموقف التوفيقي للعلماء محل شك و ريبة في وطنية العلماء و ذلك لمدة طويلة. إنه حكم جائر، كما يذكرنا بذلك المؤرخ الجزائري "حربي" الذي يقتبس من كتابات المؤرخ المغربي عبد الله العروي مقولة "الوطنية التكتيكية" التي كانت تطبع نشاط العلماء المكيف وفق مقتضيات المرحلة التي يجب ربطها ب "الوطنية التاريخية" التي ستتدخل على المدى البعيد (م. حربي 1996). و لكن لا يمنعنا الموقف "التكتيكي" المفروض من جراء ثقل الهيمنة الفرنسية، من إدراك أن لابن باديس نوع من الاستعداد المنفتح على فصل نسبي بين المجال السياسي و المجال الديني في البلاد الإسلامية، و هو الأمر الذي يتأكد من خلال الدعم الذي قدمه ابن باديس في العشرينيات للقرار الذي اتخذه أتاتورك بتركيا بإلغاء الخلافة، و كذلك من خلال التعبير عن تضامنه مع الشيخ علي عبد الرزاق بمصر، لما تعرض هذا الأخير لمناهضة شيوخ الأزهر لمواقفه النقدية حول طبيعة السلطة السياسية في الإسلام.

و يبدو أن موقف ابن باديس لم يشاركه فيه جل أعضاء الجمعية، كما لم ينل رضى التيارات التي تعتبر نفسها الآن مخلدة لتراثه الفكري (م. ن. محي الدين).

و انطلاقا من هذا التحديد لتصور ابن باديس للأمور التي يمكن أن تتضمن تشابهات مع ما يمكن نعته "بالعتبة الأولى للائكية" (ج. بوبرو)، فإن الشيخ نفسه لا يمكنه أن يذهب بعيدا، كما يتضح من مواقفه، عن التسوية التي إقترحها للسلطات الفرنسية.

و يتجلى ذلك من موقفه المتشدد بالفعل و بوضوح عندما يرد بعنف لما ترفض السلطات الفرنسية (تحت ضغط الكولون المتطرفين) مشروع بلوم –فيوليت، إذ يذكر في إحدى فتاويه المؤرخة في 10 أوت 1937: "إن فعل اكتساب الجنسية غير الإسلامية يعني الابتعاد عن الشريعة المحمدية، إن التخلي عن مبدأ واحد من مبادئ القرآن الكريم يؤدي، حسب إجماع كل فقهاء الإسلام، إلى الكفر فالمتجنس هو إذا مرتد (ك.كوللو و ج. ر. هنري. ص.ص: 126-127).

5- الإسلام و الوطنية الراديكالية

و يطبع التشدد نفسه على المستوى الديني من ناحية أخرى و مبكرا الوطنية الراديكالية، أي التوجه الممتد من نجم شمال أفريقيا مرورا بحزب الشعب الجزائري إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية. و ستعرف هذه النزعة التي ستصبح مهيمنة داخل الحركة الوطنية، انبثاقها و صعودها بفضل مجموعة من العوامل و نذكر منها على سبيل المثال:

- أهمية عدد المهاجرين الجزائريين إلى فرنسا إذ شارك حوالي 173.000 من الجزائريين المجندين في الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الأولى، بينما كان آخرون يعدّون بمئات الآلاف يشتغلون طوعيا في الميتروبول، مما يعطينا حجما معتبرا للمهاجرين بالمقارنة مع تعداد السكان المسلمين بالجزائر الذي كان يقارب آنذاك خمسة ملايين نسمة، هذا بالإضافة إلى أن الهجرة إلى فرنسا شملت كل مناطق البلاد و بطبيعة الحال القرى الجزائرية.

كما ستفتح مقتضيات إعادة بناء فرنسا ما بعد الحرب، السبيل لتدفق مستمر للعمال المهاجرين، و إذا أخدنا بعين الاعتبار الذهاب و الإياب بين الجزائر و فرنسا، يمكن تعداد أن حوالي 100.000 جزائري، كانوا يقطنون بفرنسا في العشرينيات و في الثلاثينيات.

و قد ظلت هذه الهجرة التي تم استئصالها لتوها من جذورها الريفية، متشبعة بالطابع الطائفي و الديني الذي كان يميز آنذاك القرى الجزائرية، لكن إقامتها في الميتروبول سيسمح لها بالاحتكاك في ذات الوقت بالسياق الديمقراطي و بتصور خاص لحقوق الإنسان و المواطنة الموروثة عن الثورة الفرنسية. و تختلف تلك الحقوق عن تلك التي كانت تمارس آنذاك في بلد مستعمَر، كما سمحت هذه الإقامة باكتساب المهاجرين تجربة سياسية و نقابية ضمن المنظمات الغربية من الكومينترن و الحزب الشيوعي الفرنسي (ع. كارلي و ك. بوقسة).

ستؤثر بلا شك كل هذه العوامل على كيفيات تكوين نجم شمال أفريقيا في سنة 1926، و على التيارات الأيديولوجية التي تصارعت داخل هذه الحركة، من خلال إسهامها في تشكيل تصوراتها العقائدية (و فيما بعد تصورات حزب الشعب الجزائري و حركة انتصار الحريات الديمقراطية) المبنية على أساس تركيب و جمع مفاهيم البناء الثلاثي الذي أشرنا إليه أعلاه.

و يتعلق الأمر في الواقع بتوفيقية عقائدية حيث تعطي فيما بعد للوطنية العامية، التي ستتغلغل، بحكم أجواء أزمة الثلاثينيات، في المدن و كذلك في القرى لتهيمن فيما بعد و تتمثل المميزات الأساسية لهذه العقيدة في:

  • التشدد الذي يواجه بشكل حاد الغطرسة الكولونيالية.
  • الشعبوية التي تطبع بشدة المرجعية الاجتماعية.
  • و أخيرا، النزعة الطائفية خاصة في نهاية الثلاثينيات التي تؤكد على التصور الإثني و الديني للأمة، و على ميل كبير نحو النزعة العربية الإسلامية.

سيتعمق الطابع الطائفي الذي تشبعت به القاعدة الاجتماعية لحركة نجم شمال أفريقيا، منذ بدايتها في الثلاثينيات كرد فعل لقصور الحركة الشيوعية في نظرتها للمسألة الوطنية. لقد كانت هذه الحركة تتبنى تكتيكها المتمثل في "طبقة ضد طبقة" و كذلك فيما يخص "الوطنيات البرجوازية"، قبل أن تعطي الأولوية لمناهضة الفاشية بأوروبا. كانت تنظر بحساسية مفرطة إلى الوضعية الكولونيالية التي لم تقتصر على المغرب العربي، بل امتدت إلى المشرق و خاصة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. و هكذا أصبح الوطنيون الراديكاليون يملكون قابلية لتبني الأطروحات التي تدعو إلى الوحدة الإسلامية و الوحدة العربية، التي روّج لها رجال النهضة (على المستوى الثقافي و الديني على الأقل)، و تعمق لديهم هذا التوجه في العشرينيات و الثلاثينيات لما احتكوا بتيارات و شخصيات تتوجه الاتجاه نفسه، مثل السوري-اللبناني شكيب أرسلان الذي كان مقيما آنذاك بجنيف (جوليات بسيس).

وقد سجل مصالي الحاج في مذكراته المواقف التي تبنتها الحركة التي كان يتزعمها، إذ يقول عن تلك الفترة:

"سنعود إلى الإسلام، إلى القرآن الكريم، إلى سيرة سيدنا محمد، صلى الله عليه و سلّم، تبرز الشخصيات العظيمة التي تنتمي إلى العالم العربي الإسلامي مثل صلاح الدين، جمال الدين الأفغاني، اينفير باشا، مصطفى كمال، عبد الكريم و آخرون أمام عيوني المندهشة مثلما تعرض في شريط فيلم على الشاشة" (ذكره ب. سطورا).

و يسهم بلا شك الاهتمام الذي أولته الحركة الوطنية لتطور الأحداث بالمشرق، في تحوّل القاعدة الاجتماعية التابعة للوطنية الراديكالية جماعيا نحو الإصلاح الديني، و هي قاعدة اجتماعية ذات أصول ريفية في أغلبها و حضرية أحيانا، لكنها متأثرة بالزوايا (و قد كانت عائلة مصالي قريبة من درقاوة بمدينة تلمسان).

و قد لعبت تهمة التعامل مع الاستعمار الموجهة للزوايا دور كبيرا أيضا في هذا التحول نحو الإصلاح الديني، كما تبرر ذلك الرغبة في الانخراط في كل مفاهيم البناء الثلاثي المشار إليه أعلاه، و منه بخاصة المفهوم الديني كما يبرز من خلال "علامات و رموز" جمعية العلماء (م. حربي 1996)، و تعمق ذلك في فترة الثلاثينات، حين بدأت مرحلة انتقال نضال نجم شمال أفريقيا و بعده حزب الشعب الجزائري من الميتروبول و تغلغله في البلد المستعمر، و قد باءت بالفشل كل المحاولات التي قامت داخل الحركة لأجل إعادة توازن البناء الثلاثي في اتجاه يقل فيه تأثير التوجه العربي الإسلامي و يتعلق الأمر هنا بتلك المجموعة من الشباب الذين اقترحوا تعريفا للأمة الجزائرية لا يملك فيه المعيار الديني حضورا قويا، إذ وجهت لهم تهمة الانحراف "البربري المادي" (ع. لرجان). كما تعمق الخلاف بين أعضاء قيادة جبهة التحرير الوطني مباشرة بعد صياغة برنامج الصومام، بسبب أن هذا النص قد حدد بدقة بأن "الثورة الجزائرية ليست حربا مدنية، و حربا دينية" و إنما هدفها يتمثل في "النضال من أجل بعث دولة جزائرية في شكل جمهوري ديمقراطي و اجتماعي، و لا ترمي إلى إعادة بناء ملكية أو دولة دينية تجاوزهما الزمن كما نذكر أيضا أن المجموعة المنبثقة عن المنظمة الخاصّة مباشرة بعد الأزمة التي عرفتها حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي أسست جبهة التحرير الوطني سنة 1954، قد ذكرت في البيان المؤسس لثورة الفاتح من نوفمبر بأن الهدف هو الاستقلال الوطني من خلال:

  • بناء الدولة الجزائرية سيدة، ديمقراطية و اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية.
  • احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.

و بطبيعة الحال، نجد في هذا النص المرجعيات الأساسية التي اعتمدتها الوطنية الراديكالية، هذا بالإضافة إلى وجود المفهوم المهيمن أو النموذجي، أي الاستقلال الوطني و الدولة الجزائرية السيدة (مع مفهوم "الإصلاح" الذي عوضه برنامج الصومام بمفهوم "النهضة") و يضاف كل ذلك، إلى البناء الثلاثي المعبر عنه في الفقرة التالية: "الديمقراطية و الاجتماعية" مع "احترام كل الحريات الأساسية بدون تمييز عرقي أو ديني".

6- من الاستعمار إلى الاستقلال

المرجعية الدينية و الطائفية (الخلاصة)

كان قانون الأحوال الشخصية الإسلامية الذي ناضلت من أجل تطبيقه الحركة الوطنية في الفترة الكولونيالية معترفا به منذ صدور قانون السيناتوس- كوسيلت سنة 1865. و قد ترتب عن ذلك، و منذ استقلال الجزائر و الإعلان على أن الإسلام دين الدولة، تثبيت الانتماء القانوني للإسلام عن طريق الولادة بوصفه معيارا أساسيا للحصول على الجنسية الجزائرية، في التشريع الخاص بالجنسية الصادر سنة 1963 و المعدل سنة 1970. و منذ إقرار قانون الأسرة سنة 1984، أصبح هذا المعيار محددا للعلاقة الشرعية التي تحدد الروابط الزوجية و العائلية، و يجد هذا المعيار أيضا امتدادا له في مجال الميراث.

وقد تضمّن قانون الجنسية بعض الكيفيات للحصول عليها من قبل أشخاص لا يدينون بالإسلام، لكن النزوح الجماعي سنة 1962 للأوروبيين سيجعل هذه الإجراءات لا تسري إلا على حالات قليلة يمكن وصفها بالهامشية. أمّا فيما يخص النساء، فإن المسألة تختلف لديهن عن الرجال، بحكم أنهن لا يستطعن حتى حدود سنة 20051 نقل الجنسية الجزائرية لأبنائهن. وتظل المرأة، بحكم الشريعة، محصورة في علاقة غير متساوية مع الرجل في الحياة الزوجية داخل الأسرة و أيضا في الحصول على العمل. و في الوصاية النسبية (التي هي للرجل) و في الطلاق و أيضا فيما يخص الحق في الميراث (ن. سعدي، س. بن جاب الله، ل. بروفو).

و باستثناء بعض الترتيبات التي تخص دروس التربية الدينية بالمدرسة، و الجدول السنوي الخاص بالاحتفالات الدينية أو بث صلاة الجمعة عبر التلفزة و الإذاعة، فان التوجه الطائفي الديني الذي تدعمه و تشرف عليه الدولة التي تبدو و كأن هدفها الأساسي من وراء ذلك يتمثل في المحافظة على النظام الأبوي (البطريكي) و على هيمنة الرجال على النساء2.

و قد حاول الإسلاميون توظيف الأزمات السوسيو-اقتصادية و السياسية التي زعزعت الدولة مع نهاية الثمانينيات (و بعد أحداث أكتوبر 1988 بخاصة) بإقامة "دولة إسلامية" و بتعميم ممارسة تصوراتهم في كل مجالات الحياة الاجتماعية و السياسية، لكن كل مساعيهم باءت بالفشل بحكم أن المجتمع و المؤسسات التي واجهوها قد أصبحت دنيوية بشكل واسع و منذ مدة طويلة. هذا على الرغم من أن هذه المؤسسات قد ظلت تقدس العلاقة البطريكية إذ كان التوجه الراديكالي من الحركة الوطنية يهدف قبل كل شيء إلى منح الجزائريين جنسية ذات طبيعة نموذجية أشبعت إلى حد الإتلاف لمحتوى المفاهيم المكونة للبناء الثلاثي المبرمج، و ذات الإدعاء المؤسس للجزائر الحديثة، خصوصا من خلال الاستغلال المبالغ فيه للمرجعية الإثنية و الدينية. و لا يمكن للمساعي التي تقوم بها السلطات العمومية خلال السنوات الأخيرة لأجل تقليص تأثير السلفية المتشددة عبر إعادة بعث نشاط الزوايا باعتبارها تحمل مقاربة أكثر "ليونة" للبعد الديني أو بتشجيع قراءة "أكثر تفتحا" لأعمال ابن باديس، أن تجد حلا للمسألة في صلبها.

لقد أصبحت المطالب الخاصة بالمواطنة، و بالعدالة الاجتماعية و الهوية مطروحة أكثر مما مضى داخل المجتمع، و انطلاقا من محتويات تطورت بشكل جديد منذ مرحلة ما بين الحربين العالميتين و حتى بالنسبة للسنوات الأولى من الاستقلال.

كما يقتضي الأمر ضرورة تدعيم الحصول على الجنسية من خلال بلوغ الجزائريين إلى مصاف المواطنة التي أصبحت مطروحة للعيان منذ أحداث أكتوبر 1988 و أخيرا عبر المطالب التي أعلن عنها في منطقة القبائل.

و مع ذلك تظل العلاقة البطريكية، التي تحاربها بعدئذ الجمعيات النسوية و بعض التيارات داخل المجتمع من العوائق الأساسية لهذا التطور (م. فادان، ل. بروفو).

و هو الأمر الذي يبدو إشكاليا على الأقل داخل المجتمع، إلى حد أن محرري الأرضية التي تتضمن خمسة عشر مطلبا و تطمح إلى مواطنة راديكالية مثل تلك التي حررت في القصر (في تاريخ 23 سبتمبر 2001)، لم يروا ضرورة طرحها من خلال الطعن، على الأقل في صياغته التي صدرت في سنة 1984 في محتويات قانون الأسرة و التي كانت سارية المفعول.

يكشف هذا الوضع على أن الطريق لا يزال طويلا للقيام بعلمنة الجزائر و بلوغ مستوى من الفهم المتجدد بعمق لعلاقة مجتمعنا مع النزعة الطائفية و مع الظاهرة الدينية.

و إذا كانت الحركة الوطنية قد حددت آنذاك أهدافا للمجتمع الجزائري تتوافق مع أفاق الأجيال التي تناضل من أجلها، و هي أهداف قد تم التوصل إليها عموما، إلا أن هناك مطالب جديدة تلائم الواقع الاجتماعي الراهن للجزائر و للديناميكية التي يشهدها العالم الذي نعيش فيه، أصبحت "ترفع من درجة" إلزامياتها.

هذا هو بلا شك الرهان الأساسي الذي تواجهه الأزمة الحالية و هو كذلك تحد لا يمكن تجاهله أكثر مما مضى.

ترجمة محمد داود

Bibliographie

Ageron, Charles-Robert, Les Algériens musulmans et la France, 1871-1919, paris, Ed. PUF, 1962, 2 vol.

Bauberot, Jean, Le retour des Huguenots, paris, Cerf/Labor et Fides, 1985.

Bendjabellah, Souad, «Le code de la famille: un code de conduite pour les femmes?», in Actes de l’atelier: Femmes et développement, Oran, Ed., CRASC, 1995.

Bessis, Juliette, «Chekib Arslan et les mouvements nationalistes au Maghreb», in Revue Historique, paris, PUF n° 526, avril-juin 1978.

Bouguessa, Kamel, Aux sources du Nationalisme algérien, Alger, Casbah Editions, 2000.

Carlier, Omar, «La Première Etoile nord-africaine (1926-1929)», in Revue algérienne des sciences juridiques, économiques et politiques, RASJEP, 4, 1972.

Colot, Claude et Henry, Jean-Robert, Le Mouvement national algérien. Textes 1912-195, Alger, OPU, 1981.

Cuoq, Joseph, L’Eglise d’Afrique du Nord du deuxième au treizième siècle, paris, Ed., Le Centurion, 1984.

Gadant, Monique, Le Nationalisme algérien et les femmes, paris, Ed., L’Harmattan, 1995.

Gallissot, René, Maghreb, Algérie, classes et nation,Paris, Arcantère, 1987, 2 vol.,

Harbi, Mohammed, L’Algérie et son destin croyants ou citoyens, Paris, Arcantère, 1992.

Harbi, Mohammed, «Les fondements culturels de la nation algérienne», in (sous la dir. De Manceron, Gilles), ALGERIE, comprendre la crise, Bruxelles, Ed. Complexe, 1996.

Julien, Charles-André, Histoire de l’Afrique du Nord, Paris, Editions Payot, 2ème ed., 1966, 2 volumes.

Lardjane, Omar, «Esquisse d’un débat sur la laïcité au sein du Mouvement national algérien», in Aïssa Kadri (sous la dir.), Parcours d’intellectuels maghrébins, paris, Karthala, Institut Maghreb Europe, 1999.

Mahieddin-Mohammed, N., «La pensée politique de Mustapha Ataturk et le mouvement réformiste en Algérie avant et après la Seconde guerre mondiale», in Insaniyat n° 11, Oran, CRASC, Mai-août 2000.

Merad, Ali, Le Réformisme musulman en Algérie, Paris, Ed. Mouton, La Haye 1967.

Perville, Guy, Les étudiants algériens à l’université française, paris, Ed. CNRS-CRESM, 1984.

Pruvost, Lucie, Femmes d’Algérie. Société, famille et citoyenneté, Alger, Casbah Editions, 2002.

Remaoun, Hassan, «La politique coloniale française et la structuration du projet nationalitaire en Algérie: à propos de l’idéologie du FLN, puis de l’Etat national» in la Guerre d’Algérie au miroir des décolonisations françaises. Actes du colloque en l’honneur de Charles-Robert Ageron. Sorbonne, Novembre 2000, paris, société française d’histoire d’outre-mer, 2000.

Saadi, Nouredine, La femme et la Loi en Algérie, Alger, Ed. Bouchene, 1991.

Stora, Benjamin, «Les Mémoires de Messali: aspects du manuscrit original», in Messali Hadj 1898-1998 Parcours et témoignages, Alger, Réflexion, Casbah Editions, 1998.

Weil, Patrick, Qu’est ce qu’un Français? Histoire de la Nationalité Française depuis la Révolution, Paris, Ed., Grasset, 2002.

Zafrani, Haïm, “Les Juifs au Maghreb. Une histoire deux fois millénaire», in Camille et Yves Lacoste (sous la dir.), Maghreb, Peuples et civilisations, Paris, Ed., La Découverte, 1995.


الهوامش

1صدر أمر رئاسي في تاريخ 27 فبراير 2005 يعدل و يتمم الأمر الصادر في 15 ديسمبر 1970 المتضمن قانون الجنسية الجزائرية و هو الأمر الذي يلغي قانون 27 مارس 1963. يسمح القانون الجديد للمرأة بمنح الجنسية لأبنائها.

2 و تظل هذه الهيمنة قائمة، على الرغم من التعديلات التي أدخلت على القانون و هي لصالح المرأة (شروط الزواج، الطلاق، الحضانة) و التي تضمنها الأمر الرئاسي الصادر في 27 فبراير 2005 المعدل و المتمم لقانون 9 جوان 1984 الذي يتضمن قانون الأسرة.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche