Sélectionnez votre langue

من خزائن المخطوطات بمدينة قسنطينة. خزانة الشيخ نعيم النعيمي

إنسانيات عدد 35-36 | 2007 | قسنطينة. مدينة في تحول | ص 39-56 | النص الكامل


Cheikh Naim el Naimi’s Constantine library manuscript stocks

 Abstract: Research in the history of the book industry where printing and building a library represents a scientific work enabling an illustration of the role played by this industry in the intellectual movement encountered by cultural towns of the Maghreb during the Middle Ages  and the contemporary period until the advent of printing.
Constantine was among those towns which saw  their scholars build up a stock of  rare  and precious manuscripts, in the service of Ulemas and students, and of which a part was left by the owners to the Emir Abdelkader University of Islamic Science library .In this latter , one discovers a stock of manuscripts, of  namely Cheikh Naim el Naimi of the Moslem Ulema Association, the subject of this study.

Keywords : manuscript - library - Cheikh Naim el Naimi - Constantine.


َBouba MEDJANI : Université de Mentouri, 25 000, Constantine, Algérie


ترتبط الدراسات المتعلقة بالحركة الفكرية في المدينة الإسلامية بصفة عامة بمدى حركية التأليف و تصنيف الكتب و ما يتبعها من نسخ و تسفير و صناعة مواد الكتابة أو استيرادها، لهذا يعد تتبع تكوين المكتبات و خزائن الكتب جزءا مهما من هذه الحركة. فالمدن التي اندرس دورها الثقافي أو مكانتها في الحركة الثقافية في العصر الوسيط بضياع تراثها المخطوط لأسباب مختلفة منها الحـروب و الفتن و تبدل الأحوال السياسية بسقوط دولة وقيام أخرى مع إغفال المصادر التاريخية التقليدية وسكوتها عن ذكر هذا الدور، الذي يمكن الــكـشـف عـنــه و تسليط الأضواء عليه من خلال ما يوجد بها من خزائن خطية وهو حال مدينة قسنطينة[1] التي لا تزال أبواب خزائنها موصدة أمام الباحثين مما أدى إلى استمرار الغموض حول مكانتها ودورها كعاصمة من عواصم الثقافة في مغرب العصر الوسيط خصوصا بعد أن أصبحت عاصمة ثانية للسلطنة الحفصية التي عرف و اشتهر بعض سلاطينها بتأسيس مكتبات وتعهدهم لها حرصا منهم على نـشر الــعـلــم و المعارف على نطاق واسع وسط الرعية شأنهم في ذلك شأن السلاطين الزيانيين و المرينيين، لهذا كثرت المدن الثقافية في هذا العصر و تـعـــددت، لأن الـعـلــم و تعليمه من الصنائع، و الصنائع حسب النظرية الخلدونية( تكثر في الأمــصـار و على نسبة عمرانها في الكثرة و القلة ....)[2] ، و الوراقة التي ترتبط بالعلوم، هي الأخرى عند ابن خلدون من توابع العمران تزداد بتزايده و تنقص بنقصانه.

إن معرفة تاريخ وكيفية تكوين هذه المكتبات يعد في حد ذاته عملا علميا يساعد على الكشف عن أهمية كل مدينة كانت لها مساهمات في النشاط الفكري في أي عصر من العصور، و مواد هذا العمل تكون من مدخرات الخزائن ذاتها بما يدون عليها من نصوص وقفية أو عملية شراء أو نسخ أو غيرها من الوسائل التي استخدمت في تكوين المكتبات.

تأسيسا على ما سبق تبدو العلاقة جلية بين تكوين المكتبات و ازدهــــارهـــا و استمرارها و أية حركة فكرية أو علمية في أية مدينة من المدن .ولقد حاول بعض الباحثين دراسة الحياة العلمية أو الفكرية استنادا و بإلحاح و شغف على كتب التراجم و الطبقات نظرا لموادها الغزيرة، لأن الإسطوغرافية التقليدية أهملت إهمالا كليا هذا الجانب. غير أن العناية بالخزائن سيوسع من حـقــل الـبـحـث و يفضي إلى جوانب أخرى تساعد على تبديد الغموض حول كثير من القضايا الاجتماعية وحتى الاقـتـصـاديـة إلى جانب الفكرية، مــثــل تـجـارة الـكـتــب و صناعتها. وهو ما تسعى إليه هذه المحاولة في مرحلة أولى، للكشف عن أهمية خزائن مدينة قسنطينة في العصر الوسيط بمقارنة بعض مدخراتها بما تمتلكه خزائن أخرى وهو ما يستفيد منه دون شك المهتمين بتحقيق التراث الإسلامي من جهة و من جهة ثانية الكشف عن كنوز هذه الخزائن لاستغلالها في دراسة الحركة الثقافية بهذه المدينة ضمن حركة كلية و واسعة في مغرب العصر الوسيط .

ومدينة قسنطينة واحدة من المدن الإسلامية التي نالت من إهمال الدارسين الكثير في حقبتها الوسيطة على الرغم من أنها عرفت حركة ثقافية وفكرية كبيرة بسبب تحولها إلى عاصمة إقليم إداري في عصر الحماديين و الزيريين و الموحدين ثم عاصمة للسلطنة الحفصية بسبب حصانتها، حيث تعد من أمنع القلاع الطبيعية لوقوعها في منطقة جبلية وعرة فأصبحت ملجأ يحتمي به و فيه كل طالب ملك أو زعامة أو أمان، هذا إضافة إلى وقوعها على الطريق التجاري الرابط بين القيروان و فاس وهو الطريق الذي عرف في هذه الحقبة باسم طريق بلاد كتامة[3].

أما عن النشاط الفكري بها فيستدل على حركيته بالعدد الكبير من علمائها الذين ترجم لهم أصحاب كتب التراجم خاصة في العصر الموحدي و الفترة التي تلته و التي أصبحت فيها بلاد المغرب تحكم من قبل السلطنات الثلاث، الحفصية و الزيانية و المرينية. وكانت مدينة قسنطينة وكما سلف القول العاصمة الثانية للسلطنة الحفصية بعد الانقسامات و الصراعات التي عرفها أبناء هذا البيت الحاكم، و أصبحت هذه الحواضر السياسية قواعد و حواضر علمية قبلة لطلاب العلم و العلماء يتنقلون بينها طلبا للاستزادة، و مع تنقل العلماء وطلاب العلم تنقلت الكتب التي كانت تشكل مقررات التدريس إضافة إلى المصنفات الكثيرة التي ظلت توضع من طرف العلماء في شتى أصناف العلوم ضمنوها نتاج مناقشاتهم و آرائهم في القضايا التي ظل النقاش حولها دائرا، أو وضع تلاخيص و شروح لما كان يعد مستغلقا من المصادر التي هي مقررات للتدريس.

وبناء عليه فإن المكتبات في بلاد المغرب في العصر الوسيط تشكل جزءا ضمن كل يشمل الكتب المقررة في التدريس و التصنيف في القضايا التي ظـلــت تـدرس و تفحص في شتى أنواع العلوم العقلية منها و الدينية إضافة إلى تنقل الكتب بين مختلف حواضر العالم الإسلامي مع تنقل الأشخاص سواء كانوا طلاب عـلـم أم علماء وهو ما نتج عنه ما يعرف بالوراقة أي عملية صناعة الكتاب مـن نــســـخ و تجليد و تسفير.

من هنا تبدو الصورة جلية في كيفية تكون المكتبات في الـعـصر الــــوسـيــط، و كانت مدينة قسنطينة إحدى الأمصار الإسلامية التي عرفت تشكل مكتبات بسبب مكانتها العلمية بين مختلف الأمصار. وتبدو لنا هذه المكانة من خلال علمائها الذين نالت بعضا من شهرتها بهم ممن وضعوا التصانيف في شتى علوم عصرهم و تتلمذ عليهم عدد كبير من طلاب العلم في مناطق عديدة من العالم الإسلامي و في أمصار علمية شهيرة مثل مكة و المدينة المنورة و القاهرة و دمـشـق و بيت المقدس و تونس و فاس و غيرها من كبار القواعد العلمية.

وإذا عدنا إلى علماء هذه المدينة كقرينة على مساهمتها و مكانتها في الحركة الفكرية سواء في بلاد المغرب أو العالم الإسلامي أذكر على سبيل المثال، أسرة الفكون التي تربعت على عرش المشيخة العلمية منذ عهد شيخها أبي علي حسن بن الفكون القسنطيني الفقيه و الكاتب و الأديب البارع[4] الذي عاش في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي. ومن علماء مدينة قسنطينة الذين أدركوا ابن الفكون، حسن بن أبي القاسم بن باديس من علماء المائة الثامنة ممن لهم تقاييد في السير لم تصلنا. و إلى ذات الأسرة يعود نسب حسن بن خلف الله بن حسن بن أبي القاسم بن باديس القسنطيني، ابن عم و ابن خالة حسن بن أبي القاسم كانت له رحلة إلى الشرق أخذ فيها عن كثير من علماء الحجاز إلى جانب مشايخه ببلاد المغرب[5].

و من علماء القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي، أبو العباس أحمد بن يونس القسنطيني، ولي قضاء الأنكحة بتونس لعلمه و تفقهه و بلغت سمعته بلاد المشرق فكانت الأسئلة ترد عليه طلبا للفتوى مثل ما ورد عليه من بلاد اليمن، من مصرها مدينة صنعاء فأجاب عن هذه الأسئلة. وتعد هذه الأجوبة من بين المصنفات التي وضعها هذا العالم إلى جانب قصيدة مدح فيه الرسول صلى الله عليه و سلم، و آخر في ترجيح ذكر السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و في ذات القرن عاش الفقيه العالم أبو اسحق إبراهيم بن فائد الزواوي القسنطيني صاحب المصنفات الفقهية العديدة منها شرحان على مختصر ابن الحاجب كبير و صغير. ومن علماء القرن التاسع كذلك أبو زكرياء يحيى بن أحمد بن عبد السلام العلمي القسنطيني نزيل القاهرة ثم الـحـرم المكي و كان من كبار علماء الحديث و الفقه في عصره، له العديد من التصانيف. إلى جانب التأليف جلس أبو زكريا للتدريس و الإقراء في كل من الحـرم الــمـكـّـي و الأزهر فانتفع بعلمه كثير من العلماء[6].

هذه أمثلة عن العلماء الذين أطبقت شهرتهم الآفاق، تـصـديهم لـلـتـدريـس و التأليف يرتبط بوجود المصنفات التي كانوا يدرسونها و بوضعهم تآليف في العلوم التي برعوا فيها و اشتهروا بها و هو ما يؤدي بالضروره إلى وجود مكتبات و خزائن كتب يعود إلى مدخراتها كل من يطلب التأليف أو تعميق معارفه.

و من دون شك أن المؤسسات التعليمية بهذه المدينة من مـسـاجـد و مــدارس و زوايا إضافة إلى بيوت كبار العلماء مثل ابن القنفد القسنطيني و ابـن الـفـكـون و غيرهم كثير يضاف إليهم قصور الحكام و الأمراء و كبار رجال الدولة الذين كانت دورهم و قصورهم فضاءا علميا يجمع كبار العلماء، كانت لها هي الأخرى مدخراتها من الكتب و التآليف وهو ما تؤكده الوقفيات المدونة على الورقات الأولى من مدخرات بعض هذه الخزائن مثل خزائن بعض المساجد و الزوايا التي جمعت أشهر علماء هذه المدينة، مثل جامعها الأعظم الذي شيّد أيام الزيـريـيـن و كذلك المسجد الذي أسسه أحد كبار علمائها عند أحد بابيها ،باب القنطرة وهو مسجد الشيخ الصوفي و العالم أبي عبد الله الصفار[7] و مسجد القصبة، مسجد الأمراء و كبار رجال الدولة الذي كان يلتقي فيه كبار علماء العصر المـوحـــــدي و الحفصي، ومسجد أبي الحسن علي بن مخلوف[8] و غيرها من المساجد التي شيّدها كبار علماء و متصوفة المدينة.

و كان للمكتبات هي الأخرى دورها و مكانتها في الحياة الثقافية فكبار العلماء كانت لهم خزائنهم الخاصة بهم التي ضمتها دورهم، كما أن المدارس و الزوايا كانت هي الأخرى تحتوي على خزائن وهي التي استمر تداول ذخائرها بين العلماء وطلبة العلم حتى الفترة المعاصرة عن طريق النسخ، أو الشراء، مما يبين أن صناعة الكتاب استمرت إلى ما بعد نهاية العصر الوسيط . و هذا الاستمرار عن طريق النسخ أو الشراء أو الوقف هو الذي حافظ على هذه الخزائن التي ظلت منتشرة في مدينة قسنطينة حتى وقتنا الحاضر و غالبيتها تعود إما للأسر العلمية و العريقة في هذه المدينة التي ظلت منتمية إلى الثقافة التراثية أو الثقافة العربية الإسلامية و نموذج علماء جمعية العلماء المسلمين، أهم قرينة على ذلك فهم الذين أوقف عدد كبير منهم أو ورثتهم خزائنهم على مكتبة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية من بينهم ورثة خزانة الشيخ نعيم النعيمي التي تقتضب هذه الدراسة الحديث عنها لتتوسع فيه مع باقي الخزائن في دراسة أخرى.

في سنة 2004 أهدى ورثة الشيخ نعيم النعيمى الأديب و الفقيه، عضو جمعية علماء المسلمين، مكتبته إلى جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية*. ليضم هذا الرصيد إلى مجموع المكتبات بعض علماء الجزائر التي أهديت أو حبست على هذه الجامعة. وكان أول من أوقف مكتبته هو الشيخ محمد خير الدين البسكري (تـ1994) سنة 1989.

و الشيخ خير الدين تقلب في عدة مناصب سامية أثناء الثورة التحريرية وبعد الاستقلال.فلقد كان نائب رئيس جمعية علماء المسلمين الجزائريين و عضو مجلس الثورة عام 1958 وعضو المجلس الشعبي الوطني بعد الاستقلال.

كان وقف الشيخ خير الدين هذا بمثابة حجر الأساس الذي سوف يشيد عليه رصيد هذه الجامعة من التراث الخطي، فاقتفى هذا الأثر الطيب علماء آخرون أو ورثتهم فأوقفت خزائنهم المخطوطة، مثل مكتبة الشيخ محمد الطاهر ساحلي الجيجلي (تـ1990) عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. و الشيخ محمد خباب الخياط وغيرهم من العلماء الذين أوقفت مكتباتهم على هذه الجامعة التي خصت هذه الخزائن بقاعة خاصة أطلق عليها اسم مكتبات الشيوخ وهي في ذات الوقت مكتبة للأساتذة بها أمهات المصادر من موسوعات وقواميس وغيرها من المصادر التي يحتاجها كل باحث في العلوم الدينية و الاجتماعية و الإنـسـانـيـة و الآداب.

وهذه الخزائن لا تمثل إلا القليل مما تكتنزه الأسر العلمية التي توارثت العلم و الخطط الدينية و الإدارية أبا عن جد في قسنطينة و غيرها من القواعد الثقافية في الجزائر، ولا يزال الكثير منها موصدة أبوابه في وجه الباحثين و المهتمين بالتراث المخطوط بصفة عامة و الجزائري منه بصفة خاصة. و إذا كان الباحث في بعض الأحيان يلتمس العذر لبعض أصحاب هذه الخزائن نظرا لما تعرضت له من سلب و ضياع و تهجير لمحتوياتها فإنه في ذات الوقت لا يرى مبررا لاستمرار هذا المنع والتكتم على هذا التراث الذي يعد رمزا لذاكرة الأمة و تاريخها و في ذات الوقت مجدها و فخرها بين الشعوب و الأمم، فهو الشاهد على إسهاماتها في التراث العربي الإسلامي بل و العالمي. كما يعكس التطور الذي عرفه المجتمع الجزائري و اهتمام كثير من فئاته بالعلم و مكانتهم بين المجتمعات في مختلف العصور خصوصا أزهاها أي العصر الوسيط.

وكانت مكتبة الشيخ نعيم النعيمي[9] بما حوت من مخطوط و مطبوع آخر ما أضيف إلى هذا الرصيد الذي ساهم في عمارة هذه المكتبة، غير أن الذي يهمنا هو قسمها المخطوط الذي يعد أكبر رصيد تم وقفه على الجامعة إلى حد الآن و الذي بلغ سبع مائة و عشرون (720) مخطــوطا. منها ست مائة وثلاثون مخطوطا (630) هو رصيد مكتبة الشيخ النعيمي.

يشكل التراث الديني القسم الأكبر من هذه الخزانة، ما بين مصاحف وحديث وسيرة نبوية وفقه مالكي و حنفي و حنبلي و أصــول الـديــن ونــوازل و أحكام قضائية و غيرها من العلوم النقلية ،نذكر منها على سبيل المثال: القاضي عياض فتح الصفا لشرح معاني ألفاظ الشفاء و متن الشفاء بتعريف حقوق المصطفى، و فتاوى أبي عمران الفاسي[10] إضافة إلى مختصر خليل و رسالة ابن أبي زيد القيرواني وغيرها من المصادر الدينية المعروفة .

إلى جانب ذلك تحتوي المكتبة على مخطوطات في الأنساب مثل شجرة من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب لمحمد مزوار الشرفاء.

وفي التصوف شرح حكم ابن عطاء الله الإسكندري نسختان، لأحد كبار متصوفة بلاد المغرب وآخر أئمة التصوف الجامعين لعلمي الحقيقة و الشريعة، أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بـ زروق المتوفى سنة 899 هـ/ 1493- 1494 م بـ مسراطة من أعمال طرابلس.

و لإبراز أهمية هذه الخزانة والقيمة العلمية و التاريخية لبعض محتوياتها تم اختيار نماذج لأشهر علماء نهاية العصر الوسيط في التاريخ و العلوم الصحيحة وهم: عبد الرحمن بن خلدون و لسان الدين بن الخطيب في التاريخ و ابن غازي في الرياضيات.

تضم هذه الخزانة مخطوطات في التاريخ و التراجم ومن أهم ذخائرها، نسخة من كتاب العلامة أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي"التعريف بابن خلدون" مع الجزء الثالث من العبر، فهرست تحت رقم 1/ - 0 .956 . ورقها من الحجم الكبير و تقع في 42 ورقة كل ورقة بها حوالي ثمانية و عشرون سطرا (28 سطرا) كتبت بخط مغربي واضح و جميل ليس بها خروم ما عدا الأطراف لكنها لم تؤثر على المتن. ويعود تاريخ نسخها إلى سنة 1218 هـ. و كتب متن هذه النسخة بحبر أسود و العناوين بالحبر الأحمر.

جاء عنوان المخطوط كالتالي:"التعريف بالشيخ الإمام العالم العلامة"، أما العناوين أو رؤوس المواضيع فإنها شملت التالي:

نسبه، نسبنا، سلفه بالأندلس. سلفه بإفريقية، أما عن نشأتي فلقد ولدت بتونس.... و أما عبد المهيمن، ولاية العلامة بتونس و الرحلة بعدها إلى المغرب، حدوث النكبة من السلطان أبي عنان، الكتابة عن السلطان أبي سالم في الــسـير و الإنشا للرحلة إلى الأندلس، الرحلة من الأندلس إلى بجاية، مشايعة أبي حمو صاحب تلمسان، مشايعة السلطان عبد العزيز صاحب المغرب، العودة إلى المغرب الأقصى، ثم بدا للأمير عبد الرحمن في ذلك الحصار، الإجازة ثانيا إلى الأندلس، الإجازة إلى تلمسان و اللحاق بأحياء العرب و الإقامة عند أولاد عريف، ألفه إلى السلطان أبي العباس بتونس و المقام بها، الرحلة إلى المشرق و ولايته القضاء، السفر إلى الحج .

أما عن بداية المخطوط فقد جاء فيها:"الحافظ المحقق أوحد عصره قاضي القضاة ولي الدين مفتي الإسلام سيف المناظرة حجة العلماء العاملين قدوة العباد لسان الفصحاء شرف الزاهدين شيخ الإسلام و المسلمين أبي زيد عبد الرحمن بن الشيخ الإمام أبي عبد الله محمد بن خلدون الحضرمي رحمه الله تعالى و أصل هذا البيت من إشبيلية ......."[11].

أما نهايته قال فيها:"وصرفه القلادة التي ألبسني كما كانت فأعاد لي ما كان ما أجراه من نعمته ألزمت كسر البيت ممتعا بالعافية لابسا برد العزلة عاكفا على قراءة العلم و تدريسه لهذا العهد فاتح سبع و تسعين و الله يعرفنا عوارف لطفه  و يمد علينا أصل ستره و يختم لنا بصالح الأعمال وهذا آخر ما انتهينا إليه وقد نجز الغرض مما أردنا إيراده في هذا الكتاب و الله الموفق للصواب و إليه المرجع  و المثاب و الصلاة و السلام على سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم".

نهاية المخطوط هذه هي ذاتها نهاية النسخة التي أهداها ابن خلدون للملك الظاهر برقوق وتتوقف أحداثها و أخبارها عند سنة 797 هـ/ 1394 م، وهي السنة التي عاد فيها من الحج، وما جاء بعد هذه السنة يعد إضافة على الأصل الذي راجعه ابن خلدون قبل أن يقدمه للملك الظاهر. و هذا ما يعطي أهمية لنسخة هذه الخزانة التي يبدو أنها نسخت عن الأصل وقبل أن يضيف إليه ابن خلدون مرحلة ما بعد الحج التي عاد فيها ابن خلدون إلى تولي الوظائف السلطانية. وهذا القسم نجده في نسخ أخرى من هذا المخطوط منها التي اعتمدها ابن تاويت الطنجي في تحقيقه وأشار إليه بـ "الظـاهري" ويـضــم الـحــــوادث و الأخبار التالية:

ولاية ابن خلدون الدروس و الخوانق، خطبة له أنشأها عند تدريسه لكتاب الموطأ، ولايته خانقاه بيبرس وعزله عنها، لقاء ابـن خـلــدون لـتـيـمــور لــنـك و تنتهي بولايته القضاء بمصر مرة ثالثة و رابعة وخامسة . ويبلغ عدد الصفحات المضافة حسب النسخة المطبوعة من ص 279 إلى 384.

المخطوط الثاني في التاريخ من هذه الخزانة لا يقل أهمية عن سابقه، وهو نسخة من أعمال الأعلام لمعاصر ابن خلدون وصديقه لسان الدين بن الخطيب، وعنوان المخطوط بالكامل هو:أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام. ألفه للسلطان المريني أبي فارس عبد العزيز بن أبي الحسن (767-774 هـ / 1366-1372 م).

يقع المخطوط في حوالي مائة و سبعون ورقة و نصف. وكتب بخط مغربي دقيق لكنه سهل القراءة، و عناوين المواد أو رؤوس الموضوعات كتبت بذات الخط لكنه بحجم أكبر و باللون الأحمر.

وضع الناسخ على طرفي الورقة بعض التعليقات وهي عبارة عن توضيحات أو ملاحظات أو تصويبات، مثل إضافة وهو من بويع قبل الاحتلام على يمين الورقة أو يسارها. فعند عنوان "دولة عبد الله بن محمد بن مسلمة بن الأفطس" يضع الملاحظة السابقة على يمين الورقة. و عند التعرض كذلك لدولة محمد بن المظفر بن عبد الملك بن محمد بن المنصور بن أبي عامر الملقب بالمعتصم.

ويعود تاريخ النسخ إلى سنة 1243 هـ/ 1827 م، من طرف عبد القادر بن الزين المغربي كما جاء في الورقة الأخيرة من المخطوط.

وجه الورقة الأولى كتب عليه اسم مالك المخطوط بعد ذكر عـنـوان الـكـتــاب و مؤلفه ّوهو من أملاك العبد الذليل خادم العلم الشريف...... غفر الله له آمين واسم مالكه شطب بحبر أسود مما جعل قراءة الاسم غير ممكنة. ويليه مباشرة العبارة التالية ثم انتقل لنوبة من هو مذكور في الصفحة الثانية بخط مغربي يختلف تماما مع ما كتب به في السابق، وهو ما يجعل القارئ يعتقد أن العبارة الأخيرة أضيفت إلى الأصل بعد النسخ، لأن تاريخ النسخ مذكور بعد اسم مالكه الذي شطب و بعد عبارة غفر له آمين وكتب سنة 1243هـ.

و في الورقة الثانية كتب البيتين التاليين بنفس الخط الذي كتبت به عبارة ثم انتقل لنوبة....

وجاء في البيتين التالي:

إن ذا الســــــــفر نوبة من           يرتجى العفو من الرب العلي

مهري عمر و عطوى نسبا           رب جد واعف واغفر زللــي

و هناك اسم آخر في أعلى الورقة الأولى وهو "للشيخ مولود مهري" كتب بخط نسخ ويبدو أن الكتابة حديثة، أحدث من الخط الذي نسخ به المخطوط و الخط الذي كتب به بيتي الشعر و عبارة ثم انتقل لنوبة من هو مذكور في الصفحة الثانية.

و بناء على ما سبق فإن اسم المالك الحقيقي للمخطوط شطب بحبر أسود مما جعل قراءة الاسم أمرا مستحيلا وما بقي هو اسم الشخص الذي آلت إليه ملكية هذا المخطوط الذي أصبح في الأخير من محتويات خزانة الشيخ النعيمي.

إن شطب اسم المالك الأول للمخطوط يقطع الطريق على الباحث الذي يريد تتبع انتقال التراث المخطوط من خزانة إلى أخرى وهو ما يؤدي حتما إلى طمس معالم تاريخ المكتبات الخـطـيـة و مـواردها إضافـة إلى الـتعرف على رجال العلم و الثقافة.

كما أن الختم الذي مهرت به مخطوطات الشيخ النعيمي شطب هو الآخر مما يؤكد على طمس كل ما من شأنه أن يقود الباحث إلى التعرف على أصل هذه المخطوطات أو مورد هذه الخزانة.

يقع مخطوط أعمال الأعلام في 158 ورقة مقياس 30/11 كتب بخط مغربي واضح و جميل و كتبت العناوين بخط حجمه أكبر من حجم خط المتن مع كتابتها بلون أحمر. كما توجد به تنبيهات و تصويبات على حاشية الورقة يمينا وشمالا وأسفل الورقة وهو ما تمت الإشارة إليه سابقا و بلغ عدد الأسطر في الورقة تسع و عشرون سطرا.

أما عن محتوى المخطوط فلقد ذكر ابن الخطيب في مقدمته[12] أسباب التأليف ودواعيه وانقطاعه عن مواصلة الكتابة فيه بسبب اشتغاله بكتابه الكبير المسمى "برياسة الفلك في سياسة الملك" الذي ألفه زمن السلطان أبي فارس بعد عودة هذه السلطة إلى سابق قوتها و مجدها. ويقول عنه (أن الله إذا يسر فيه سيكون غنيا عن سواه و مجتزي عن غيره بما حواه أنه لما أحيى الله كسر الدولة المرينية من بعد الاضطرار و الاضطراب و تعذر الأراء و الأراب و عمرها أظلال الـخراب و جمع شملها من بعد الشتات و الافتراق و ردها إلى عادة الأمان من بعد الإرعاد و الإبراق و عرفها عارفة الوفاق على حال الفتن الآخذة بمجامع الأفاق على ولي الحق الذي ثبتت عقوده و استقلت و عظمت حقوقه على الـمـسـلـمـيــن .......و المتحلى بحلي الولاية في ريعان الشباب إمام الـحــرب و الــمـحــراب و سيف الله الماضي الضراب و فخر الملوك إلى منقطع التراب مولانا السلطان الكبير الهمة الفارع للغمة الراعي للأذمة فاتح الأمصار و الأقطار و ممهد الأوطـان و مدرك الأوطار ... المقدس الممجد المطهر المنعم أبي فارس عبد العزيز ).

ذكر ابن الخطيب وزير السلطان المريني أبي فارس، أبي يحيى أبي بكر بن أبي مجاهد غازي بن يحيى بن الكاس، الذي أشرف على تعليمه واختيار مؤدبيه و تربيته على حب الشعر و الأدب، مع... به في ملكه وتسيير شؤون سلطنته ونعته بأحسن الصفات و أجلها فقال عنه: ( الشيخ الوزير العماد الأعلى علم الأعلام و فخر الليالي و الأيام الطاهر الذات و الصفات البعيد عن الشبهات المرشح في خزاين الغيب لدفع الملمات المدخور عدة للحياة و الممات أبو يحيى أبوبكر بن وزير المقدس المولى أبيه ذي القدر السامي و المحل النبيه كبير الوزراء و صدر الصدور الطهراء الذي بذل في نصيحة أمره غاية اجتهاده ثم باع نفسه من الله تحت راية جهاده و وقف موقف الشهادة تشهد الأشان بثبات فؤاده السعيد الشهير أبي مجاهد غازي بن يحيى بــن الـكـاس بـورك للإسـلام و أهله في عمره و جعل الدهر منفذ نهيه و أمره ....)[13].

نصب الوزير أبو بكر بن غازي السعيد أبا زيان بعد موت والده السلطان عبد العزيز سنة 774 هـ / 1372 م وهو لم يستكمل الرابعة من عمره وهذا السلطان الطفل هو الذي ألف له ابن الخطيب كتابه هذا الذي سماه "أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام" هذه المقدمة تبين مدى ارتباط ابن الخطيب بالسلطان المريني أبي فارس الذي ألف في عهده كتابه "رياسة الفلك في سياسة الملك" وخليفته السعيد الذي ألف له كتاب أعمال الأعلام.

عندما أقدم ابن الخطيب على تأليف كتابه الأخير يقول أنه نظر في ملوك الإسلام ممن تولوا السلطة دون بلوغ سن الاحتلام فوجدهم ثمانية و أربعون حاكما وقام باستخراج متوسط حكم هؤلاء على سنين عمر الدولة الإسلامية فوجد أن متوسط حكم كل واحد منهم نحو خمسة عشر سنة ثم يذكر هؤلاء بدءا بالدولة الأموية بالمشرق و عدد من تولى الخلافة من هذا البيت قبل الاحتلام وهم:

يزيد بن معاوية و الوليد بن يزيد بن عبد الملك ثم ابناه الحكم بــــن الــولـيـد و عثمان بن الوليد وفي الدولة العباسية عبد الله المأمون بن الرشيد و محمد الأمين أخوه و أخوهما المؤتمن بن الأمين و المعتز و المؤيد و المقتدر. لينتقل بعد ذلك إلى الدولة الأموية في الأندلس فيذكر الحكم بن عبد الرحمن المستنصر و هشام بن الحكم المؤيد و محمد بن سليمان.

وفي المغرب بدأ بدولة الأدارسة العلويين ثم الفاطميين و الزيريين و يذكر الأمراء الحماديين ضمن الأمراء الزيريين. والذي تولى من الأسرة الحمادية الحكم دون سن البلوغ الأمير العزيز بن علاء الناس. لينتقل بعد ذلك إلى دولة الملثمين ثم يعود ثانية إلى الأندلس فيذكر أمراء الطوائف.

ويصرح ابن الخطيب في ورقة 5 من المخطوط أن عزيمته فترت لكنه عاد مستعينا بالله وشرع في إملائه مبينا أقسامه و فصوله فقال أنه اشتمل على مقدمة بيّن فيها عدة مسائل منها فضل التاريخ الذي يقول عنه أنه لولاه لضاعت رسوم الدين و ماتت الهداية بموت الهادين، ليأتي بعدها على ذكر الدول الغفل مـنها و المشهور فذكر شيئا من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم و الخلفاء الراشدين مع ذكر أيام الحسن بن علي و يأتي بعد ذلك على ذكر دولة الأمويين و الـعـباسيين و البويهيين و السلاجقة وبني حمدان و بني طولون و بني طغج ثم ينتقل إلى دولة الفاطميين و الأيوبيين، وينتقل بعد ذلك إلى المغرب فيبدأ بالأغالبة ثم صقلية وينتقل بعد ذلك إلى دولة بني نصر بالأندلس ويعود بعد ذلك إلى المغرب فيذكر دوله ما عدا دولة الخوارج الرستميين بينما لا نراه يستثني دولة الصفرية بسجلماسة و ينهي بدولة المرينيين التي يقول عنها الدولة الطاهرة الزكية و يختم على حد قوله "بتقرير فضل الدولة المرينية على كل دولة ما عدا ما يختص بصحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ لهم فضل الزمان و المكان و الاستباق إلى الهدى و الإيمان و المزية بلقاء رسول الله صلى عليه و سلم ...".

إن الهدف من وراء هذا العرض و الوصف لهذا المخطوط أهميته وما يمكن أن يقدمه للباحثين في مجال التاريخ خصوصا إذا علمنا أن القسم المنشور منه و هو القسم الثالث خاص بالمغرب فقط[14].، وقام بنشره كاملا سيد كسروي حسن[15]، غير أنه اعتمد نسخة وحيدة وهي نسخة معهد المخطوطات العربية بالقاهرة مصورة عن نسخة الخزانــة العامــة بالرباط رقــــم: D 552. وهذه النسخة مقارنة مع نسخة خزانة الشيخ نعيم النعيمي سيئة نظرا لما أصابها من رطوبة حيث بلغت نسبة الضرر حسب محققها الثلث، مما جعل النص مشوها. إضافة إلى عدم توفق المحقق في قراءة كثير من الكلمات مما يوقع القارئ والباحث المستخدم للنص في أخطاء تاريخية فادحة وسوف أسوق الأمثلة التالية كنموذج عن هذه الأخطاء و التي تبين في ذات الوقت أهمية نسخة خزانة الشيخ النعيمي:

ففي الورقة الأولى من المخطوط كلمة يقصد، قرأها المحقق فيفيده. و فريده قرأها يزيده. و كلمة نحمده في النسخة التي اعتمدها غير موجودة[16]. و تأبيده عنده تأييده، و نصلي مولانا، عنده في النسخة المعتمدة بياض فأضاف المحقق عبارة و صلى الله[17].

وإذا انتقلنا إلى الصفحة الموالية تستمر الأخطاء في قراءة النص منها، باديا للأنام قرأها باديا للعيان[18] أو هي هكذا في النسخة المعتمدة. و هذه النماذج من الأخطاء تبين مدى أهمية تعدد النسخ في قراءة النصوص الخطية، لهذا جاءت الأخطاء كثيرة و البياض كثير في النص المطبوع.

من هنا تبدو أهمية هذه النسخة التي من دون شك أنها ستكون عونا لكل مهتم بهذا النص و يمكن إجمال أهميتها في التالي:

1-إن نسخة الرباط تعتبر أحدث من نسخة خزانة الشيخ نعيم النعيمي فالأولى نسخت في27 ربيع الأول 1258 ونسخة النعيمي نسخت سنة1243.

2- نسخة نعيم النعيمي كاملة و جيدة خالية من البياض ولم تصب بضرر الرطوبة أو الأرضة ماعدا ما جاء في ورقة 126 ظ كتب على الحاشية التالي "هنا بياض في المنتسخ منه قدر ورقة" وهو قسم خاص بدولة السلطان محمد بن يوسف بن هود الجذامي، فهو بياض في الأصل وليس تلف بسبب الرطوبة.

إضافة إلى هذا البياض وبعد مقارنة نسخة الرباط التي اعتمدها المحقق مع نسخة النعيمي اتضح أن النقص في النسخة الأولى يزيد عن ورقة. ففي ورقة 127و سقطت فقرة في آخر هذه الورقة في خمسة أسطر ثم عنوان وهو "ذكر خلاف بين نصر و بين بني أشقليولة" ثم سطر آخر، وفي الورقة 127 ظ سقط حوالي سبعة وعشرون سطرا تتضمن أخبار الثائر ابن أشقيلولة في الأندلس على بني نصر.

و بمقارنة نسخة خزانة النعيمي ونسخة الخزانة العامة بالرباط وكذلك النص المحقق من قبل كسروي وهو نص الكتاب كاملا و القسم الثالث الخاص بالمغرب يتضح التالي:

  • لقد سلف الحديث عن أهمية نسخة النعيمي وهو ما يجعل إعادة تحقيق و ضبط النص ضروري لتصحيح الأخطاء الكثيرة التي وردت في هذا النص المحقق.
  • أهمية القسم الثالث تكمن في أن المحققين يعدان من أشهر الأساتذة الذين تعاملوا مع التراث المخطوط استخداما و توظيفا و تحقيقا و نشرا، وهو ما يتجلى في استخدامهم لأكثر من نسخة لضبط النص و تقويمه. لهذا القسم المشرقي يتطلب عملا أكاديميا و إعادة نشر لتجنيب الباحثين و المتعاملين مع التراث الخطي الأخطاء الكثيرة التي وقع فيها محقق النص.

هذا فيما يتعلق ببعض المخطوطات التاريخية، أما المخطوطات العلمية فإن هذه الخزانة لا يعدم الباحث فيها مخطوطات في العلوم الصحيحة أو العقلية، وسوف أكتفي في هذا التعريف بالخزانة و محتوياتها على عرض لمخطوط واحد في الرياضيات لمحمد بن أحمد بن محمد بن علي بن غازي المكناسي (تـ 919 هـ/ 1513 م) نزيل فاس وبها ألف كتابه هذا الموسوم ب"بغية الطلاب في شرح منية الحساب" ألف عام 895 هـ/ 1490م و نسخ سنة 1018 هـ / 1609 م.

كان ابن غازي من كبار علماء عصره بل كان عالم عصره ،جمع بين علوم عدة كالحساب و الفرائض و القراءات و التجويد و الـفقه و الـعـربـيـة و الـتـفـسـيـر و الحديث و غيرها من علوم العصر مما جعله يتبوأ المكانة السامية، منها تصدره للتدريس بجامع القرويين بفاس، فكان طلاب العلم يرحلون إليه من كل أنحاء بلاد المغرب للأخذ عنه. و إلى جانب تصدره للتدريس و الإقراء تولى الخطابة في ذات الجامع، جامع القرويين.

جمع ابن غازي بين التدريس و الخطط الدينية و التأليف فلقد صنف عدة مؤلفات في الفقه و الحديث و العربية و فهرسة لشيوخه تم تحقيقها و نشرها[19] .

إن نسخة ـ أي نسخة البغية ـ خزانة الشيخ النعيمي غير معروفة لدى الباحثين و يمكن أن تقدم الجديد للمهتم منهم بتاريخ الرياضيات كما أنها دون شك ستفيد في التحقيق فالنسخ المعروفة هي نسختان بالمكتبة الوطنية بباريس نسخت إحداها في 14 رمضان سنة 1214 هـ 1799 م، نسخة دار الكتب المصرية و بها خرم، و أخيرا نسخة مكتبة حسن حسني عبد الوهاب و يعود تاريخ نسخها إلى شهر ذي القعدة سنة 1279 هـ، أي أحدث من إحدى نسخ المكتبة الوطنية بباريس. ومن هنا تبدو قيمة هذه النسخة أي نسخة خزانة النعيمي جلية فهي أقدم من كل النسخ السابقة كما أن حالتها جيدة لا يوجد بها نقص ولم تصب بالرطوبة أو الأرضة.

و المنية[20] هي تلخيص لـ "لتلخيص أعمال الحساب" لابن البناء المراكشي، وهي عبارة عن أرجوزة تقع في 439 بيتا، وأصبحت هذه المنظومة عمدة لدارسي الرياضيات حتى بداية القرن العشرين. ثم قام ابن غازي بشرح منيته وهي التي توجد منها نسختين بخزانة الشيخ النعيمي.

يقع المخطوط في 109 ورقة من الحجم الصغير كتب الـمـتن بـحـبــر أســـود و المواضيع أو مواد الكتاب وهي القواعد الحسابية بالحبر الأحمر بخط مغربي بسيط و مقروء، أوراقه جيدة لا يوجد بها خروم.

بدايته جاء فيها: يقول محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن غازي العثماني معترفا بذنبه راجيا عفو ربه متوكلا عليه راجيا إليه صلى الله على خير خلفه.

ثم بعد ذلك يقول:"وبعد فهذه بغية الطلاب في شرح منية الحساب قصدت فيها بالذات التفسير لجوامع ألفاظها و التقيد على مواقع ألحامها بضرب ما يقنع الأماثل من الأمثال"[21].

وفي نهايته:"...... وكـان الـفـراغ مـن تـألـيـفـه يـوم الـخـمـيـس الرابــع و العشرين من شهر رمضان المعظم عام 895 خمسة و تسعين و ثمان مائة عرفنا الله خيره و بركته بمنه بمدينة فاس ....."[22]

والتزاما بما جاء في مقدمة هذا المخطوط فسر صاحبه عدة مصطلحات مثل التمحيص و المونقة وغيرها من المصطلحات فقال:"و التمحيص الامتحان قال الجوهري محصت الذهب بالنار إذا أخلصته مما يشوبه و الـتـمحيص الابـتــلاء و الاختبار. المونقة المعجبة قال الجوهري الأنق الفرح و السرور... و التلويح ضد التصريح و أصله من قولهم لوح بثوبه إذا لمع به..."[23]

أما عن طريقة ترتيب مواد هذا المؤلف فلأن المنية وضعت نظما، صاحبها يأتي أولا بالأبيات الشعرية التي تتناول القاعدة الحسابية ثم يـقوم بـشــرحــها و توضيحها. و تبدأ الأرجوزة بالأبيات التالية:

يقول راجي العفو و المفاز                  محمد بن أحمد بن غازي

الحمد لله الذي نـــــــــورا                 قلوبنا بما بها تفجــــــرا

..................

وبعد فالقصد بذا الكتاب                    نظم المهمات من الحساب

ضمنته مسايل التلخيص                   و ربما أزيد في التمحيص

تحرير و مسئلة غريبة                      أو نكتة مونقة عجيـــــــبة

و ربما استغنيت بالتلويح                   مخافة الطول عن التصريح

فجاء تأليفنا صغير الحجم                  قد احتوى على كثير العلم[24]

إلى جانب هذه النماذج تحتوي الخزانة على مخطوطات في الطب عددها قليل جدا لا يتعدى المخطوطتين وهي:

"مادة الحياة لحفظ النفس من الآفات" لمحمد أبي بكر الفاسي و "الــعـلاج و الأدوية" لنفس المؤلف .

كما أن هذه الخزانة لم تخل من مخطوطات في علم الفلك و إن كان عددها قليل كذلك وهي:

"فتح المغيث في شرح المواقيت" لمحمد الراديسي و"الضروري في علم الأصول من علم الأسطرلاب".

وتبقى هذه الخزانة، التي ظلت أبوابها موصدة في وجه الباحثين إلى حين وضعها ورثتها في مكتبة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية من أهم الخزائن الخطية في مدينة قسنطينة سواء من ناحية عدد المخطوطات أو أهميتها العـلمية و التاريخية. ومن دون شك ستكون ملاذا لكثير من الباحثين المهتمين بالتراث الخطي، تحقيقا ونشرا أو استخداما و توظيفا.

هذا و أملنا أن تفتح باقي الخزائن الخاصة بهذه المدينة التي يصعب على الباحثين ولوجها و الاطلاع على محتوياتها وعندما تفتح أبوابها للباحثين سوف تكشف عن كثير من نفائس المخطوطات التي سترفع الحجب عن بعض القضايا التاريخية مثل الحركة الفكرية التي لا تزال تنتظر من الباحثين إبرازها، منها مكانة و مساهمة علماء مدينة قسنطينة في هــذه الـحــركة في الـجـزائـر خـاصـة و العالمين العربي و الإسلامي عامة وهو ما يقودنا إلى التعرف على تاريخ الوراقة وصناعة الكتاب منذ ظهورها في العالم الإسلامي في العصر الوسيط ثم انتشارها وتطورها الذي يرتبط بتطور عمران المدينة و انتقالها من مدينة ثانوية إلى عاصمة سياسية للسلطنة الحفصية فأصبحت مركزا علميا و ثقافيا استقطب الكثير من العلماء الذين اتخذوا منها موطنا و كوّنوا بها خزائن وهو ما سنحاول القيام به في دراسات لاحقة من خلال التعريف بمدخرات بعض الخزائن سواء أكانت خاصة أو خزائن زوايا و مساجد. إضافة إلى التعريف ببعض المخطوطات الموزعة في أماكن مختلفة سواء أكانت مؤسسات علمية أو لدى الأشخاص و التي دوّن وسجل عليها اسم المالك أو المحبس و المؤسسة التي حبست عليها، من أجل التعرف على مصير بعض الخزائن التي توزعت مدخراتها لأسباب عدة سواء كانت خزائن خاصة تعود للأسر العريقة أو لمؤسسات تعليمية و دينية واجتماعية مثل المساجد و الزوايا.


الهوامش

[1] وصفها جغرافيو و رحالة العصر الوسيط من بينهم أحد الرحالة من القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي، الذي قال عنها: (وهي مدينة كبيرة عامرة قديمة أزلية، فيها آثار كثيرة للأول.... و مدينة قسنطينة حصينة في نهاية المنعة و الحصانة لا يعرف بإفرقية أمنع منها .... و هذه المدينة من عجائب العالم قد دخلتها مرارا و تأملت آثارها و دخلت مواضع كثيرة فيها آثار للأول فتأملتها....) مجهول: الاستبصار في عجائب الأمصار، تحقيق سعد زغلول عبد الحميد، الدار البيضاء 1985 ص 165-166. راجع كذلك: أبو عبيد، عبد الله البكري، المغرب في ذكر إفريقية و المغرب، البارون دوسلان، باريس 1965 ص62.

[2] عبد الرحمن، ابن خلدون، المقدمة، القاهرة، دار الشعب، 400. و عن صناعة الوراقة يقول في ص 382 وما بعدها:( كانت العناية قديما بالدواوين العلمية و السجلات في نسخها و تجليدها و تصحيحها بـالرواية و الضبط. وكان سبب ذلك ما وقع من ضخامة الدولة و توابع الحضارة. و قد ذهب ذلك لهذا العهد بذهاب الدولة و تناقص العمران بعد أن كان منه في الملة الإسلامية بحر زاخر بالعراق و الأندلس. إذ هو كله من توابع العمران و اتساع نطاق الدولة و نفاق أسواق ذلك لديهما...).

[3] حول هذا الطريق انظر: البكري:المصدر السابق، ص 62.

[4] كان ابن الفكون من فحول شعراء عصره غزير الشعر و النثر على حد سواء له قصيدة امتدح فيها الخليفة الموحدي كما دون رحلته إلى مراكش نظما، ومن قصائده التي نالت شهرة كبيرة قصيدته التي تغنى فيها بمدينة بجاية قال فيها :

دع العراق و بغداد و شامها              فالناصرية ما إن مثلها بلد

انظر:أبو العباس، أحمد بن أحمد الغبريني: عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، تحقيق رابح بونار، الجزائر، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، ص 280 و ما بعدها.

[5] أحمد، بابا التنبكتي، نيل الابتهاج بتطريز الديباج، إشراف و تقديم عبد الحميد عبد الله، الهرامة، طرابلس، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، ص 160 ـ161.

[6] محمد، بن محمد مخلوف، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، ص259، 262، 265.

[7] ابن القنفد، القسنطيني، أنس الفقير وعز الحقير، نشره و حققه محمد الفاسي و أدولف فور، الرباط، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي، 1965، ص62 .

[8] ابن القنفد، القسنطيني، الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية، تحقيق الشاذلي النيفر و عبد المجيد التركي، تونس 1968، ص 305.

* فضل القائمين على جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية علي كبير، عندما باشرت العمل في هذا الموضوع اتصلت بهم فلم أجد مـنـهم إلا الـتــرحاب و العون و المساعدة، فلم يبخلوا علي بشيء، أخذت من وقتهم الكثير ومع ذلك لمست فيهم كل العون جزاهم الله خيرا، ومن الواجب، تقديم الشكر لفضيلة الدكتور عبد الله بوخلخال رئيس الجامعة، الأستاذ الفاضل عميد كلية الآداب و نائبه، الدكتور صاري أحمد و الدكتور عمارة علاوة السيد المحترم مدير المكتبة بن عميرة عبد الكريم و مساعده رشيد مزلاح.

[9] فقيه و أديب ممن درسوا بالزيتونة بتونس ولما حط رحاله بوطنه عيّن مفتشا عاما بوزارة الشؤون الدينية كما كان عضوا في لجنة الإفتاء إلى أن أقعده المرض في أواخر حياته فتوفي عام 1973.

[10] تقع هذه الفتاوى ضمن مجموع ضم كذلك شرح السنوسية في العقيدة وجاء في مقدمة هذه الفتاوى التالي: "هذه فتاوى الشيخ أبو عمران الفاسي رحمه الله. الحمد لله بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا محمد و سلّم تسليما. قال الشيخ العالم العلامة بحر الفهامة السيد الأجل الفاضل الأكمل أبو عمران الفاسي نفعنا الله به وبركاته آمين. هذا ما اختصرنا من الدواوين من مسايل المدونة ..." وفي خاتمته التالي:"انتهى على يد كاتبه لنفسه و لمن شاء من بعده الفقير إلى ربه المقر بالعجز و التقصير الرادي عفو مولاه و غفرانه زروق بن قصير بن سلطان الفرشيشي العلوي السماعلي الصغير غفر الله له و لوالديه وكان الفراغ من نسخه ثالث يوم صفر وهو يوم الاثنين وقت الزوال عام ثمانين و مائتين و ألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة و أزكى السلام".

[11] ورقة 1.

[12] و رقة 2 و.

[13] ورقة 2 ظ.

[14] حققه كل من مختار، العبادي و الأستاذ محمد، إبراهيم الكتاني، دار الكتاب الـدار الـبــيـــضـاء 1964. و اعتمد المحققان على ذات النسخة أي نسخة الخزانة العامة إضافة إلى نسخة خزانة تامكروت الـناصرية و نسخة محمد التطواني كما اعتمدا على القطعة التي نشرها الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب الخاصة بتاريخ إفريقية.

[15] نشرته دار الكتب العلمية، بيروت، 2002.

[16] انظر ورقة1 و من المخطوط و ص25 من المطبوع.

[17] ورقة 2 و.

[18] ورقة1 و.

[19] حققه محمد، الزاهي، مطبوعات دار المغرب للتأليف و الترجمة و النشر، سلسلة الفهارس، الدار البيضاء، 1979.

[20] طبعت المنية طبعة حجرية بفاس و عن مصنفات ابن غازي راجع: ابن غازي: التعلل برسوم الإسناد بعد انتقال أهل المنزل و الناد، تحقيق محمد الزاهي ص 170 وراجع كذلك مقدمة المحقق ص 12.

[21] ورقة1 و.

[22] ورقة 109.

[23] ورقة 2 و.

[24] ورقة1 و، ظ.*

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche