Sélectionnez votre langue

التراث الوطني المخطوط. مخطوط للقاضي الفقيه محمد بن محمد بن الكيرد العثماني في شرح العقيدة الصغرى لسيدي أحمد بن يوسف الملياني أنموذجا.


إنسانيات عدد 12 | 2000 | إشكالية التراث ؟ | ص39-48 | النص الكامل


National patrimony. A study of a Kadi theologian’s manuscript, Mohamed Ibn Kürd a divan on the work of Sidi Ahmed ben Youcef of Miliana

 Abstract: Our approach on the kadi theologian’s manuscript Ibn Kürd enters in the field of studies of national patrimony, in the sense that a manuscript heritage is considered as part of the individual and collective memory of a country, from where its contribution and major role in conserving cultural identity on the one hand. On the other hand, our approach accentuates the problems which our national patrimony is experiencing, in spite of natural causes or others which go as far as making it disappear or its partial or total destruction.
Thus, it has proved correct that the role of certain international institutions, in particular the programmes of UNESCO which are responsible for protecting international cultural patrimony against all destruction whatever be their nature, are still insufficient.
This approach raises several questions of historical nature and methodology, certain are relevant to the field of research on Arabo-Muslim texts, and the real mechanisms which could aid in classifying and studying these ressources of Maghrebin (N. African) archives, so rich, and which remain unknown to the majority of national or maghrebin scholars.


Abdelkader CHARCHAR  : Faculté des Lettres, Langues et Arts, Département de langue et littérature arabe, Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie


1. وضعية التراث الوطني المخطوط:

يمثل التراث المخطوط جزءا من الذاكرة الفردية والجماعية للوطن، وقد لعب دورا أساسيا في الحفاظ على الهوية الثقافية، وأسهم بشكل حاسم في توجيه وإرساء قواعد بناء الدولة الجزائرية المعاصرة.

و على الرغم من أهمية هذا التراث إلا أنه يواجه أوضاعا صعبة، نتج بعضها عن نقله من أمـاكنه الأصلية، مما تسبب في إتلاف و ضياع بعض المخطوطات النادرة، كما أن توزيعه عـبر مراكز متعددة ساعد على بعثرة بعض أجزائه، و قد يصعب تجميعها من جديد نظرا لعوامل كثيرة لا يمكن ذكرها في هذا المجال.

كما تتعرض نسبة كبيرة من هذا التراث المخطوط إلى التلف لأسباب طبـيعـيةProcessus naturels، يعود بعضها إلى نوعية الورق«Papier acide» الذي يتأثر بالحرارة والرطوبة والغبار.

وبالإضافة إلى العوامل الطبيعية، هناك كوارث تتسبب في إتلاف هذا التراث، كالفيضانات، والحرائق، والعواصف، والزلازل، والحروب، والصراعات، وتبقى القائمة طويلة.

و وعيا بخطورة نتائج هذه الكوارث المدمرة، تدخلت هيئة اليونسكو المسئولة عن حماية التراث الثقافي العالمي للتصدي لظاهرة التخريب والإتلاف التي يتعرض لها كل يوم التراث الإنساني، ولهذا الغرض شرعت في تطبيق برنامج سنة 1992 أطلق عليه ذاكرة العالم «Mémoire du monde»[1].

ولم تقم الجهات المعنية بالجزائر-في حدود علمنا- بإحصاء المكتبات ومجمعات الأرشيف«fond d"archives» التي لحقها إتلاف عام أو جزئي، نتيجة سياسة التدمير للمنشآت الـثقافية والدينية والعلمية كالمساجد والتكايا ودور العلم التي انتهجها الاستعمار الفرنسي، أو التي استهدفتها أيدي جائرة أخرى.

ونظرا للأهمية التي يكتسيها موضوع التراث ومنه التراث المخطوط والمحافظة عليه، يتطلب الأمر التفكير في برنامج مناسب وطموح يهدف إلى المحافظة على ما تبقى من هذه الثروة، عن طريق استغلال تقنيات متطورة في الإحصاء، ومعالجة المخطوط، والتخزين، وكيفيات الاستثمار وترقية البحث في هذا المجال.

ويطرح الاهتمام بدراسة التراث الوطني المخطوط كثيرا من الأسئلة التاريخية والمنهجية، يتعلق بعضها بالبحث عن الآليات الحقيقية والواقعية التي حكمت تأليف الكتاب القديم في العالم الإسـلامي، ويتصل بعضها الآخر بتصور كيفية التكفل بالكم الهائل من المخطوطات وتصنيفها بحثا عن خصوصيات التأليف القديم وما يترصع به المخطوط من إشارات تاريخية، وفنية، وربما عمرانية فريدة، تعين على معرفة زمنه، والتقنيات المستعملة في كتابته.

وينبغي الإشارة في بداية هذه الدراسة إلى ظاهرة خطيرة وهي أن كتابة المخطوط في الغرب الإسلامي لم تلق العناية المطلوبة، مع قدر وحجم المخطوط المنجز في الأقطار المغاربية و ما ورثته هذه الجهة من العالم العربي والإسلامي من كتابات علمية وفقهية وأدبية كانت نتاج ما توصلت إليه حضارة الدولة الإسلامية في الأندلس في فتراتها المختلفة، بالإضافة إلى ما خلفته الإمارات و الدويلات الإسلامية في المنطقة من تراث علمي وأدبي وديني، لا يزال في حكم المغمور إلى يوم الناس هذا.

و إن كنا لا نقلل من جهود بعض الفرق العلمية التي تصدت لدراسة التراث المخطوط خـاصة في بعض المراكز الجامعية بالمغرب الشقيق، إلا أن الإحالات المرجعية، والفهرسة الـكاملة الموجودة في بعض المكتبات والمراكز العلمية بالأقطار المغاربية، لا تقنع الباحث في هذا المجال، ولا ترضي طموحه.[2]

2. أهمية دراسة المخطوط في ضوء الدراسات المعاصرة:

و إذا كان المخطوط عبارة عن كائن حيّ، فهو كذلك مرآة للحياة التي عاصرته، بما يحمله من إشارات تاريخية وحضارية، سواء في متنه، أو فيما يذيل عليه من توقيعات، وخواتم، وعبارات وقفية، وظروف النسخ، وغيرها من الإشارات التي تقتضي تحليلا ودراسة لمادة المخطوط.

ولئن وجهت عناية الباحثين العرب إلى متن المخطوط، وتحقيقه بطريقة تقليدية، لا تعتمد الوصف الكامل، والضبط الشامل لمادة المخطوط، ومعطياته التركيبية، فإن علم "الكوديكلوجيا Codicologie"[3] الجديد في صيغته، القديم في وظيفته وأهميته، يعمل على تحليل المخطوط، مع التركيز في البحث عن حفرياته التاريخية التي تعتمد شكل الحروف وترتيبها، وانتشار السطور والأوراق، ودراسة أحجامها وأرقامها، وأوضاعها المختلفة في عصور متباعدة.

3. الإشارات التي تحملها المخطوطات والمعطيات الدالة على ذلك:

يتطلب البحث عن خصوصية الخط المغربي القديم معاينة مجموعة من الخطوط العربية القديمة، وفحصها من خلال المعطيات، والتقنيات الآتية:

1-يضبط تاريخ هذه المخطوطات، ويحدد انطلاقا من بعض الإشارات الواردة في المخطوط، حسب الأماكن التي وجد فيها.

2- البحث عن مقارنة المخطوطات المغاربية بالمخطوطات المشرقية من حيث:

- ظهورها زمنيا.

- العلم الذي تتضمنه

- طريقة الكتابة، والتقنيات المختلفة.

- الوثائق التاريخية المتصلة بالمخطوط، والتي من شأنها التعريف بصاحب المخطوط

- عبارات الوقف.

- علاقة النسخ بالكتاب.

- خصوصيات التغليف والتجليد، وغيرها من المعطيات التي حاولنا أن نضبط من خلالها مجموعة من الخصوصيات التي يتميز بها المخطوط المغربي في رسمه وكتابة حروفه التي ترتبط بتاريخ الكتاب، كما يمكن أن تكون لها علاقة بمجالات العمران وغيرها.

4. مشروع صيغة نموذجية لفهرسة المخطوطات العربية:

سعيا نحو تحقيق بحث مدقق لترقية التراث المخطوط إلى درجة ترضي الماضي وتشرف المستقبل، وإيمانا بأن البحث في هذا الميدان لا يقتصر على قراءة المحتويات المباشرة للمخطوط فـقط، بل يسعى إلى أن يشمل أيضا التقنيات المرتبطة بإخراج وكتابة المخطوط بلوازمه، و مادته المكتوبة، نقترح صيغة مقدمة في شكل بطاقة، تتضمن معطيات يتعلق بعضها بمحتوى المخطوط، ويتصل بعضها الآخر بجوانبه الشكلية التي تدخل ضمن اختصاص علم الكوديكولوجيا، ويجمع هذا المشروع بين الاتجاه المتحمس لفهرسة تفصيلية معمقة، والاتجاه الذي يدعو إلى فهرسة مختصرة، تمنح الباحث أهم البيانات المتصلة بالمخطوط، نعرضها -ضمن هذه الدراسة- لتمكين المختصين من مناقشتها شكلا ومضمونا، آملين تطويرها وتقويمها مستقبلا.

5. قراءة في مخطوط للقاضي الفقيه محمد بن الكيرد العثماني:

1.5. بطاقة فنية لفهرس المخطوط [4]

موجود في مكتبة - زاوية : أسرة فروخي بمدينة مليانة.

المجال المعرفي: علم التوحيد

العنوان : طوالع الخبرات وقيلها في حل ألفاظ الصغرى و شرحها.

المؤلف: محمد بن محمد بن الكيرد العثماني.

أول المخطوط : بعد البسملة و الصلاة على النبي و آله " الحمد لله الذي جعل التوحيـد ميـزانا لـقلوب العارفين ، وسع الكتاب أفكارهم فهم في رياضه متبخترين ، وأشهد أن .."

آخره : أتى به المصنف ردا على المعتزلة القائلين يجب النظر في المعرفة المعجزة في كل إلى ثبوت الشرع

عقلا .. وبين أهل السنة و المعتزلة نزاع فلينظر في محله من شرح الكبرى.

تاريخ النسخ : ضياع الورقة الأخيرة حال دون معرفة ذلك.

اسم الناسخ: غير معروف نظرا لضياع الورقة الأخيرة من المخطوط.

الحواشي: قليلة جدا ، كتبت بخط مغاير ، ومداد مخالف.

التمليكات: غير مذكورة.

الخط: مغربي نوع المداد: استخدم اللونين : الأبيض و الأحمر.

الأسطر : 16 قياس الورقة: 30.5 x 20 سم

حالة المخطوط جيدة: متوسطة: /× رديئة:

الزخرفة : غير موجودة التجليد : ممزق الأطراف الإطار : / التعليقة:

ملاحظات أخرى : ضاعت الأوراق الأخيرة من المخطوط،ولا نعرف عددها، وقد تعذر جراء ذلك معرفة اسم الناسخ ، وتاريخ النسخ. و من الآثار الباقية بعض  التصويبات بحبر مخالف.

2.5. مضمون المخطوط:

تحدث الفقيه محمد بن الكيرد العثماني في هذا المخطوط عن أهمية تعاضد الأصول والفروع في الشهادة، وأشار إلى أن أفضل العلوم كلها ما طابق فيه دليل المعقول المنقول، و هو العلم المتعلق بتوحيد الله وصفاته، ثم خصص جانبا من مطلع المخطوط للحديث عن أهداف هذا العلم ومواصفاته، وشروطه، وما يحصل للمتعلم منه، المحيط به.

كما أشار إلى فيض ما أُلف في هذا العلم من المختصرات والمطولات، ومنها: عقيدة الشيخ الإمام الفقيه الولي العلامة علم الأعلام سيدي محمد بن يوسف بن عمر السنوسي، والذي يـرفع نسبه إلى القبيلة المعروفة بالمغرب من قبل أبيه الحسين ( بفتح الحاء والسين المهملتين)وهي فرع من الشجرة المباركة المنحدرة من نسب الحسين بن علي بن أبي طالب سبط سيدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

ويحيل الفقيه محمد بن الكيرد العثماني على مؤلف الشيخ الملالي في كتابه: المواهب القدسية في المناقب السنوسية، الذي أثبت شرف النسب بالأم، كما يذكر له كتبا أخرى تعرضت لسيرة الشيخ سيدي أحمد بن يوسف السنوسي، وكراماته، ويجعل ذلك توطئة للحديث عن سبب اختياره لشرح العقيدة الصغرى دون سواها من مؤلفات الشيخ، فيقول: "وكنت ممن شارك في قراءتها(العقيدة الصغرى) مشاركة قليلة، فأردت أن أضع عليها تقييدا على ألفاظها-كذا-، مجموعا من كتب الايمة الذين قبلي، لأجري لي بينهم قلما، تفاؤلا مني أن يضع الله لي معهم في الموقف قدما.."[5] على أنه ذكر في ذلك ما يدل على شرفها، ولعل ذلك لما احتوت عليه من بليغ البراهين، وبيان المعنى من كلمتي الشهادة وما يدخل في ذلك من عقائد الإيمان، فقد قال الملالي في المواهب:فما يدل على شرفها ما حدثني به مؤلفها عن محمد بن يحي أنه مات صـديق له، وأدرك زمن وضع العقيدة، فرآه في النوم فأخبره بأن ملكيْ السؤال، أول ما سألاه عن التوحيد، وقالا له ما الذي قرأت من كتب التوحيد، فقال عقيدة فلان وفلان، وسماهم، فقالا له بغضب..لم تقرأ عقيدة السنوسي، وهلا قرأتها لكفتك عن غيرها .."[6]

وبعد أن يستلهم الفقيه محمد بن الكيرد العثماني العون والصبر من الله العلي القدير بالثبات والنفع، جريا على عادة المؤلفين في عصره، يصرح أنه اختار لمؤلفه هذا اسما هو: طوالع الخبرات وقَيْلِها في حل ألفاظ الصغرى وشرحها.ثم يشير إلى المنهج الذي سلكه قائلا:"وسلكت فـيه طريق الرمز والإشارة، طلبا الاختصار في العبارة بما صورته .. لشرح الشيخ المصنف على هذه العقيدة، وغيره من كتبه.."[7].

و يؤكد الفقيه محمد بن الكيرد العثماني في مطلع مؤلفه أن الملالي ذكر تآليف كثيرة للشيخ سيدي أحمد بن يوسف الملياني، عدّها وأحصاها في ستّ وأربعين كتابا، سمى كل واحد منها باسمه طالعه فيه.مع ذكر "أنه رأى بخطه كثيرا من كتب العلماء ودواوين القدماء، ومن الرسائل و الأجوبة التي تريد(كذا) عليه كثيرا ممن يحسن أن تُعدّ من تآليفه لطولها وكثرة الكلام فيها."[8]

و لعل هذه الكثرة من التآليف دفعت فضول الملالي ليسأل شيخه العلامة سيدي محمد بن يوسف السنوسي الملياني، قبل وفاته بعامين عن سنه، فذكر له أنه خمس وخمسون سنة، ومع هـذا "فقد جمع في هذه المدة اليسيرة من عمره من التصانيف المفيدة، والخصال الحميدة والعلوم اللدنية والأسرار التوحيدية، وغير ذلك ما لا يمكن أن يجمعها من طال عمره، وعظم اجتهاده."[9]

وهي إشارة إلى كرامة الرجل الذي "اشتغل بطاعة ربه، فسهل عليه كل عسير، وبارك له في عمره، حتى أدرك في زمن يسير وعمر قصير من منن الله تعالى، [ما لا يدخل تحت العبارة]."[10]

3.5. منهج القاضي محمد بن الكيرد العثماني في حل ألفاظ الصغرى وشرحها:

وبعد أن عرض مؤلِّف المخطوط المنهج الذي سار عليه، والإشارات المستخدمة في التأليف، شرع في المراد" راقما للشرح شين، وللنص صاد، عدا المتن فأشرحه ممزوج الأصل والشرح بالحمرة، والمراد ليسهل تناوله على من له أراد."[11]

أما منهجه فقد قام على إعطاء كل عالم اعتمده في هذا الشرح رمزا، وهو عبارة عن حرف أو حرفين وهاك تصوره :

ع مهملة للشيخ عبد القادر بن خدة الراشدي.

ح مهملة للشيخ يحي الشاوي نزيل مصر وشهرته أغنت عن التعريف به.

ك مهملة للشيخ عيسى السكتاني مفتي مراكش وكان من المحققين.

كك مهملة للشيخ الفكيكي بالكاف (كذا) ويذكر أنه بخط العالم المحقق الشيخ محمد بن مزيان ورآه في بعض النسخ مكتوبا بالجيم وفي بعضها بالقاف .

ط (مهملة) للشيخ الوجهاني .

ز (معجمة) للشيخ أبي الحسن الزيات.

غ (معجمة) للشيخ الغناسي.

يس للشيخ ياسين في حاشيته .

د (مهملة) للشيخ محمد بن مزيان الملياني الذي كان من الحفاظ في المعقول والمنقول حسب رواية الكاتب. و يذكر أن هذا الرجل وافته المنية وهو في طريقه إلى بيت الله الحرام قرب مصر عام ست وعشرين من القرن الثاني عشر. ودفن بضريح الشيخ عبد الكريم بموضع يقال له المويلح.

ث (مثلثة) للشيخ عبد الرحمان الثعالبي، نزيل المحمية بالله تعالى، وقد ذكر من مؤلفاته  وكتبه:

العلوم الفاخرة والجواهر الحسان.وفي كثير من الأحيان كان يصرح بهما دون ذكر صاحبهما(ث).

ذكر بعض الأجزاء المتصلة بالجواهر الحسان.

روضة الإخوان، ورياض الصالحين.

التقاط الدرر والدرر الباقي.

شرح ابن الحاجب و الجامع الكبير.

المختار من الجوامع.وباقي مؤلفات الثعالبي، ومنها: شرح الحاجب الفرعي، والجامع الكبير الملحق به، ومنها إرشاد السالك، وهو أصغرها، ومنها الأربعون حديثا.ذكر ذلك الملالي في باب عدد أشياخ المصنف، لأن الثعالبي كان منهم قرأ عليه صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث، وأعطاه إجازة، رآها الملالي، بخط يده المباركة.[12]

وقد اعتمد الفقيه "محمد بن محمد الكيرد العثماني" في شرحه للصغرىكثيرا على المؤلف الأول للشيخ عبد الرحمان الثعالبي باعتباره مصدرا ثريا لشرح مقاصد الشريعة، بالإضافة إلى كونه حجة في علم التوحيد ببلاد الجزائر المحمية ، وهو من مشايخ سيدي أحمد بن يوسف وولي نعمته.

وتكشف طريقة الشرح والتفسير عن أثر منهاج السكاكي في مفتاح العلوم، وغيره ممن أسسوا لهذا الأسلوب في التفسير، من التابعين ومن تبعهم في التأليف في علوم التوحيد[13]، وقد امتد هذا الأسلوب في مقاربة النصوص الدينية وتأويلها، حيث تجلى في كثير من الدراسات الحداثية، بالإضافة إلى ما يربط هذا الأسلوب بالمناهج الغربية، وما تطرحه هذه المناهج اليوم من قضايا نقدية و بلاغية[14] هي ضمن اهتمامات الدراسات الأكاديمية المعاصرة، التي تركز عـلى دراسة النص عبر حقول معرفية كثيرة كالسيميولوجيا Sémiologie))، التي أولت عناية خاصة لمقاربة النص الديني القديم .

وتستمدّ الطريقة التي انتهجها الفقيه القاضي محمد بن الكيرد العثماني في التأليف أهميتها من:

أولا: آراء وفهم الآخرين-من علماء اللغة والفقه والأصوليين- للعبارة ، أو الآية ، أو اللفظ داخل سياق معين .

ثانيا: تتجلى هذه الطريقة مشفوعة بالآراء المتناقضة، فقد يضطر الشارح إلى الإتيان بالرأي المناقض تعميما للفائدة، وتوسيعا للشرح والاستقصاء في تعميق الفكرة.ثم ينهي النقاش برأيه الشخصي، إن كانت المسألة تتطلب حسما.[15]

ثالثا: لا يعتمد المؤلف في شرحه للمصنف على العلوم اللغوية من نحو و صرف و بلاغة، ويـهمل العلوم النقلية كالقرآن والحديث وأقوال الفقهاء و المشايخ السابقين ، ولا سيما الـذين تعرضوا للنص نفسه بالشرح والتفسير، بل نراه يمزج بينها مزجا جميلا.ومن أمثلة ذلـك" ص. الذي شهد بوجوب وجوده ووحدانيته وعظيم جلاله وجوب افتقار الكائنات إليه من الأرض والسماء. ش: الذي لفت له، وشهد فعل ماض معناه حقق، وبوجوب الصفة جار ومجرور متعلق// ويأتي الكلام عليها في المتن، وقوله:وعظيم جلاله من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي جلاله العظيم، قال يس:يقال جل فلان إذا عظم، وجلال الله عظمته، وقال الراغب الجلالة عظم القول، والجلال بغير الهاء هو التناهي في ذلك، وخص بوصف الله..ولم يستعمل في غيره.اهـ."[16]

رابعا: ظاهرة إعادة الشرح لنص مشروح: يلاحظ في متن المخطوط أن أكثر من عشرة مؤلفين تصدوا للنص نفسه بالشرح، وهي طريقة يقصد منها عرض الآراء المختلفة لمسألة واحدة، وإحصاء الفروق الدقيقة بينها، وهو أسلوب تعليمي استخدم في الفترة التي سبقت النهضة في البلاد العربية والإسلامية، يكشف عن منهج في التأليف شاع في الفترة التي ظهر فيها هؤلاء العلماء حيث كان يخصص لكل شرح شروح أخرى، ويتلو الشروح تعليقات وتذييلات، و قد رأى بعض المحدثين هناتٍ في هذا الأسلوب من التأليف، إلا أنه منهج درج عليه الأقدمون في نقل العلوم النقلية والعقلية، ولعل من بين أهداف القراءة الحداثية اليوم الوقوف على ما يمكن أن يستخلص من هذه التصانيف حول طرق التعليم والتأليف في تراثنا الوطني قبل الاحتلال الفرنسي .

خامسا: يقوم منهج التأليف على عرض المادة المراد إخضاعها للشرح : مفردة ، جملة أو أكـثر، ثم تفـكيك هذه المادة إلى عناصرها الأولية(اللفظ)، وشرح كل عنصر على حدة، مع عرض آراء وشروح العلماء الذين ذكرهم في بداية المخطوط، حيث يشير إلى اسم (رمز) العـالم، ويذكر عنوان مؤلفه، ثم يأتي بقوله، ويعرض أقوال غيره، إما تكريسا للمعنى أو للإشارة إلى معاني مناقضة في حياد مطلق عجيب.

وبعد عرض الرأي والرأي المناقض -إن وجد- بإحالات لطيفة مقنعة، يحصل المؤلف على رأي مستقر، يثبته دون أن نشعر أنه يفرضه أو يسد الأبواب دونه.

سادسا: تُنتقى الألفاظ المستخدمة في متن المخطوط، فهي غالبا ما تكون شفافة، مناسبة للـحقل المعرفي المصرفة فيه، قابلة لاستيعاب معاني كثيرة، وبذلك يبتعد المؤلف عن المصطلحات المحصورة الدلالة، والمشبعة درسا وتمحيصا، مما ألفه الكتاب في عصره.


الهوامش

[1] - Chapman, Patricia, L’informatique au service des instruments de recherche dans les archives. Programme général d’information et UNISIST, UNESCO, Paris, 1993.

[2] - خصصت مجلة دراسات مغربية التي تصدرها كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير، في عددها التاسع، لسنة 1999 بحثا مقتضبا حول دراسة المخطوط، وكيفية ترقيته. انظر: ص.75-78

[3] - علم الكوديكولوجيا Codicologie : يتركب المصطلح من كلمتين لاتنيتين، وهما: Codex بمعنى الكتابة، و Logie بمعنى العلم أو علم الكتاب، وينصب اهتمام هذا العلم الجديد في صيغته، والقديم في وظيفته وأهميته على دراسة المخطوطات والاهتمام بما يتعلق بدراستها، وضبط محتوياتها من رسم ، وورق ، وحبر ، وكتابة، وهندسة خط، وأشكال التصنيف والتأليف للمخطوط.

ينظر: Grand dictionnaire Encyclopédique Larousse, Tome: 3, Librairie Larousse, Paris, 1984, P.2342

[4]- هذه الصيغة مقترحة في شكل بطاقة من الدكتور العوفي عبد الكريم من جامعة باتنة ، و قد أجرى عليها الدكتور بوعناني مختار من جامعة وهران تعديلات استثمرنا شكلها وبعضا من مضمونها، بعد أن قارناه بفهارس عربية للمخطوطات ، وأطلقنا عليه " مشروع صيغة نموذجية لفهرسة المخطوطات العربية."

[5] - انظر:محمد بن محمد الكيرد العثماني، طوالع الخبرات وقيلها في حل ألفاظ الصغرى وشرحها، مخطوط محفوظ بمكتبة أسرة الفروخي بمدينة مليانة ولاية عين الدفلة، الجزائر، غير محقق.

[6] - المصدر السابق، الورقة الثلاثون من المخطوط.

[7] -ينظر: المصدر السابق.(مطلع المخطوط)

[8] - المصدر السابق، الورقة الثالثة من المخطوط.

[9] - انظر: طوالع الخبرات وقيلها في حل ألفاظ الصغرى وشرحها، مصدر سابق.

[10] - المصدر السابق.

[11] المصدر السابق، ينظر: الأوراق الأولى من المخطوط.

[12] - مطالع الخبرات وقيلها في حل ألفاظ الصغرى وشرحها، (المخطوط).

[13] - أبو حامد أحمد بهاء الدين السبكي، عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، القاهرة، مصر، 1927، ص.5

[14] - محمد مفتاح، التلقي والتأويل.مقاربة نسقيّة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1991، ص.16.

[15] -ومثال ذلك ما ورد في المصنف من شرح لفظ العزيز : ص.العزيز الذي عز في ملكه، عن أن يكون له شريك في تدبير شيء ما، فتعالى وجل عن الشركاء. ش: قال في الجواهر الحسان العزيز الذي يغلب ويتم مراده، وهو اسم من أسمائه تعالى.اهـ. قال يس أي في الغالب من عزّ إذا غلب..ويورد المؤلف عددا من الشروح على هذا النحو، تبدو في أغلبها متناقضة، لكنه يجد السبيل في جمعها بأسلوب حصيف، قل أن نجد له مثيلا في الدراسات الحديثة. انظر المخطوط، الورقة العاشرة.

[16] - انظر ما جاء في المخطوط حول شرح لفظ: الجلال، الورقة العاشرة، وما بعدها.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche