Sélectionnez votre langue

شهود العدالة في قسنطينة القرن التاسع عشر. الانتماء العائلي والمسار المهني

إنسانيات عدد 35-36 | 2007 | قسنطينة. مدينة في تحول | ص 57-76 | النص الكامل


Witnesses to deeds « Les Adoul » at Constantine in the 19th C. Family adherence and professional circuit

 Abstract: Deed witnesses  « Les Adoul » the subject of this study make up an important link in the judicial system in so much as an institution directed by the State aiming to organize and control society : just as they are defined as an integral part of social network and administrative hierarchy. For practical reasons we have limited our work to Constantine in spite of our desire to go beyond that limit .Resulting from census and hierarchical work, we have been able to note that the number of signatory deed witnesses during  a one year period were over 20 towards the end of the19th C. This figure would seem high in relation to the mission they were charged with, concerning the number of cases recorded and the town « average ». The « Adoul » signatory is the guarantee of case contents in the act, and its organized and chronological transcription ; From the first reading in order to divulge individual circuits, we notice that certain families are represented  by more than one person in the justicial corps. The profession of « Adoul » is not a public office but a free profession submitted to known criteria and characteristics, since the salary is taken from the sum paid by the owner of the act. The profession of deed witness is free in spite of promotion of certain « Adoul » to the rank of Cadi.
We put forward a hypothesis showing that the « Adoul » represent a homogeneous category thanks to a common profession and to family unions. The second hypothesis shows that the public circuit even if organized under colonial organization led to an anchorage of a feeling of adherence to a group of professions in a larger field, where functions were dominated in the past by family adherence.  

Keywords : social history - Constantine - judicial institution - 19thC.


Fatima - Zohra GUECHI : Enseignant, Chercheur, Université de Constantine, 25 000, Constantine, Algérie


إسهاما مني في هذا العدد من مجلة إنسانيات المخصص لمدينة قسنطينة آثرت مناقشة مسألة تندرج في التاريخ الاجتماعي وتاريخ المؤسسات من خلال دراسة عدول المدينة في القرن التاسع عشر. لا يعد هذا المقال سوى جزء من دراسة في طور الإنجاز ومن ثم فهي غير مكتملة النتائج.

يوجد العدول في وضعية متوسطة (أوانتقالية؟) بين مناصب القضاء الخاضعة للسلطان بحكم التعيين والعزل وبين وظائف الخدمات الحرة التي تحيط بمثل هذه المؤسسات والتي تخضع لقانون السوق من إقبال وإعراض. و هو في الواقع يقوم بمهمة رسمية ولكنه ليس موظفا رسميا، بمعنى أوضح أن ما يقوم به معترف به ومقنن ولكن في الوظيفة لا يخضع إلى تعيين وراتب.

نطمح من هذه الدراسة إلى بناء مسارات العدول في زمن استقرار سياسي لتفهم الآليات الاجتماعية التي تفسر مدى استمرارية في الوظيفة ومدى ارتباطها بمؤسسة القضاء وتحولاتها من حيث الوظائف والصلاحيات ومكانة الأفراد، من قضاة وعدول، ودورهم في المقاومة والتأقلم أمام المعطيات الجديدة التي يفرضها النظام الاستعماري.

يشكل العدول والقضاة حلقة مهمة في جهاز العدالة كمؤسسة تشرف عليها الدولة لتنظيم المجتمع ومراقبته. ونحاول في هذه المساهمة المتواضعة طرح الإشكالية والتعريف بالعدول في الشبكة الاجتماعية بين أعيان المدينة، وذلك في القرن التاسع عشر قبل انتصاب الاستعمار الفرنسي ومع مراحله الأولى.

لقد اخترنا قسنطينة ميدانا وموضوعا وإن نحتاج إلى دراسات مماثلة حول أماكن وفترات أخرى هذه لبنة أولية إن تفتقد إلى تراكم المعارف ولذلك نعتبرها مسألة منهجية لما نتوفر عليه من معطيات لا تسمح بتفسيرات واضحة.

وعليه عمدنا إلى تركيب قائمة العدول في النصف الأول من القرن التاسع عشر ثم استخلاص بعض مواصفاتهم الاجتماعية من زاوية دائرة المصاهرات وتوارث الوظائف ونرجئ لفرصة أخرى دراسة ومواقف العدول من الهيمنة الفرنسية على جهاز القضاء وتفاعلهم مع الترتيبات الجديدة فيما يخص التكوين والتوظيف والترقية وغيرها من الآليات القانونية التي تنظم وتراقب الوظيفة.

  1. قسنطينة في النصف الأول من القرن 19م

لا يخلو عقد من العقود الموثّقة من أسماء عدول الشهادة وعليه فمن السهل نسبيا التعرف عليهم شريطة أن يكون التوقيع واضحا، وهو شرط غير مضمون وغير متوفر دائما ولكن هنا تتوقف السهولة وعليه، يجب القيام بجرد في سجلات المحكمة الشرعية أو بسبر من خلال لفافات عقود الأوقاف والبيع والشراء والزواج والعتق وغيرها[1] كما يمكن استقاء المعلومات من كل أنواع العقود الموثقة بشهادة عدلين ولو وردت في سياق طلب للفتوى[2].

بالنسبة لمدينة قسنطينة يمكن تركيب قائمة عدول وافية ومعبرة في فترتين متباعدتين من الحكم العثماني إذا كانت المادة متوفرة فإنها متناثرة، ويمكن لمن يقدم على مثل هذه البحوث أن يعتمد في البداية على فهارس الأعلام التي تذيل البحوث الجامعية، فضلا عن الدراسات التي تهدف إلى التعريف بالأعلام في سياقات مختلفة مثل منشور الهداية وتعريف الخلف وتاريخ الجزائري الثقافي، على سبيل المثال لا الحصر[3] وتبقى النتائج غير مضمونة لمن يطمح إلى رصد مسارات جماعية والوصول إلى مواصفات تهم المجموعة ككل.

يتفق المؤرخون على الحرص الشديد الذي توليه السلطات المعنية على "توظيف" العدول، فلا يقبل في سلك العدول إلا من يتسم بسمعة طيبة وأخلاق عالية شرط وارد تحت الحكم الحفصي ويستمر إلى الحكم الاستعماري وربما هذا ما يفسر أن ينتمي هؤلاء بصفة إجمالية إلى عائلات العلماء وعائلة الأعيان المعروفين في المدينة

يقوم شاهد العدل بدور الإثبات في القضايا المطروحة أمام القاضي أو في المعاملات المدونة في سجلات المحكمة كما يقوم أيضا بالتعريف بمن يتقدمون لتسجيل عقود زواج وهم غير معروفين لدى القاضي.

لا تحتاج العقود الموثقة بشهادة عدلين إلى توقيع الأطراف المعنية، يعتبر توقيع العدلين ضامنا لمحتوى العقد ويوجد في نهاية كل عقد وقد يصل عدد العقود في الصفحة الواحدة العشرين عقدا، بخط مغربي رفيع ودون فراغات بين العقود ودون هوامش على اليمين واليسار في السجلات التي دونت فوقها العقود المبرمة أمام قاضي المحكمة الذي يصادق على صحة العقود مرة في مطلع كل شهر بالتأكيد على أنها "صحيحة خالية من كل تحريف وتزييف".

لقد تم التدوين بانتظام وتسلسل حسب تاريخ العقد نلاحظ تتابع التوقيعات لمختلف العدول في الصفحة الواحدة أنه بعد إتمام العقد في مكتب العدول ينقل نصه في سجل المحكمة.

بعد جرد طويل اتضح لنا أن عدد العدول الموقعين في السنة الواحدة كان يفوق العشرين عدلا في مطلع القرن الثالث عشر للهجرة/نهاية الثامن عشر يبدو الرقم عاليا مقارنة بالمهمة المنوطة بهم وبحجم المدينة "المتوسط"[4] وبعدد المعاملات المسجلة.

يمكن من خلال القراءات الأولية ملاحظة حضور بعض أسماء العائلات في مختلف الفترات إما في تكرار أو في تتابع أو بالموازاة وقد وجدت عائلات ممثلة في نفس الوقت بأكثر من شخص مثل عبد الرحمان بن أحمد بوعكاز ومحمد بن أحمد بوعكاز بل وبنفس الاسم تقريبا مثل: محمد بن أحمد العلمي ومحمد بن محمد العلمي. إلا أن تقنيات التدوين تحرص على عدم الخلط بينهما إذا ما حضرا في نفس القضية فجاء تحت قلم الكاتب:"تم أمام محمد العلمي ومحمد العلمي أيضا"[5] ولأننا غالبا ما لا نتوفر إلا على الأسماء في شكل توقيع فقط علينا أن نوظف كل المعلومات الإضافية العرضية التي قد تساعد في رسم ملامح الشخصية أو مكانة العائلة وعليه سنعرض أيضا لعلاقات المصاهرات التي تميز مجموعة العدول في قسنطينة.

ولكن قبل العودة إلى هذه المسائل فلنتعرف سويا على عدول قسنطينة في أكثر من نصف القرن أي من بداية سلسلة السجلات إلى غاية فرنستها وتغيرها 1202-1273هـ/1787-1857م.

وكانت فكرة توظيف المتخرجين الجدد وأصحاب الشهادات والإجازات لم تكن غائبة عن اهتمامات الحكام الحفصيين في تونس في القرن 14م[6]. هل يفسر هذا العدد بنفس المشاغل أم بكثرة نشاط التوثيق؟

عائلة العلمي:

تأتي عائلة "العلمي" على رأس القائمة بعدد العدول والقضاة وبحضورها المستمر على مدى سبعين عاما في سجلات المحكمة (1202-1273هـ/1787-1857م) لم تكن معروفة قبل القرن الثامن عشر، ولم تذكر بين الأعيان في القرنين السادس عشر والسابع عشر في "منشور الهداية" وغيره من الدراسات بين الجرد تواجد 7 عدول وقاضي ومفتي في هذه الفترة المحدودة بهذا العدد هيمنت العائلة على المهنة بل برز حضورها بقوة.

لقد وجد في نفس الوقت وفي موقع الإشهاد، مرة في نفس العقد عدلان من العائلة بنفس الاسم الأول مما دفع كاتب المحكمة إلى توضيح الأمر بعبارة: بشهادة محمد العلمي ومحمد العلمي أيضا. وكان الاثنان في الخدمة في مطلع القرن فيما بين 1202 و 1210هـ وفي سنة 1204هـ ظهر توقيع عبد الرحمن العلمي وسجل نفس التوقيع بعد 68 سنة أي عام 1270هـ، والأرجح أنه اسم لأحد أحفاده مؤكدين بذلك عادة "إحياء الفقيد" فيمن يزيد من العقب[7].

وبين هذين التاريخيين، برز بلقاسم العلمي سنة 1215هـ/1800م أما محمد الصغير ومحمود فقد دونت توقيعاتهما سنة 1245هـ /1829م، إحدى سنوات السبر الإحصائي، مما يعني أنهما كانا في الخدمة قبل وبعد هذا التاريخ. قد تساعد المقتطفات من الدراسات الجانبية على تحديد مدة الخدمة لكل منهما، فضلا عن الجرد الكامل في السجلات ثم فيما بعد في قرارات التعيين.

أما أحمد العلمي فقد كان صاحب منصب المفتي المالكي سنة 1209هـ[8]، كما ورد اسمه في سياقات أخرى، على الأقل فيما بين 1202 و1214هـ لقد دعم الزياني في ترجمانته الكبرى وجود أحمد بن المبارك العلمي في منصب المفتي الثاني، أي بعد المفتي الحنفي الذي كانت له الأولوية والصدارة في العهد العثماني، فذكر "سيدي الحفصي العلمي" كقاضي للوقت[9].

هذا وقد حظي بترجمة من سطرين في "تعريف الخلف برجال السلف" لأبي القاسم الحفناوي[10]: هو أبو العباس أحمد العلمي، فقيه، عارف بالقوانين، تقلد خطة الإفتاء المالكي ثم خطة القضاء، ومات مقتولا سنة 1229هـ. ولا يعلق المترجم على هذا الموت العنيف ولا على الاغتيال ودوافعه.

وللأسف ليس لدينا ما يسمح لنا بشرح هذا الحضور الكثيف لعائلة العلمي قبيل القرن التاسع عشر وأثناءه لم تكن للعائلة مكانة تقليدية في هذه الوظائف في القرون الأولى من الحكم العثماني إنما ارتقت إليها في عهد صالح باي وبعده. وكانت عائلات أخرى في نفس الوضع ويمكن ذكر عائلات ابن عزوز، وابن الكيرد وبوعكاز والراشدي القريبة العهد بهذه الخطط.

بعد ثلاثين سنة من الاحتلال لا زالت عائلة العلمي حاضرة بين قائمة العدول حيث تم تعيين الاخضر بن أحمد العلمي وعمار بن إبراهيم العلمي عدلين أمام قاضي محكمة الدائرة القضائية الرابعة لعمالة قسنطينة.

إن حضور عائلة العلمي أو بالأحرى من يحمل اسم العلمي، دون تشكيل للحروف، كثيف أيضا في مدونة الزواج والطلاق لمدينة قسنطينة في مطلع القرن الثالث عشر هجري. إذا ما تغير نطق الكلمة بضم العين أو نصبه وجره مع السكون أو الفتحة على اللام تغيرت عائلة الانتماء إلا أننا ننطقه بما كان سائدا في المدينة ما دام الكاتب لم يشكل الحروف - والسائد هو ضم العين والسكون على اللام وجر الميم للنسبة - العٌلمي. على أن:"العَلمي" بفتح العين واللام متداول أكثر في كل من فلسطين و مصر في وقتنا الحالي.

وقد سجلنا إذن من بين 5506 عقدا تقدم 48 رجلا و41 امرأة باسم "العلمي" أمام القاضي لتوثيق زواج أو طلاق[11].

عائلة بن عزوز:

اجتمع ثلاثة عدول من العائلة وفي نفس الوقت مع مطلع القرن الثالث عشر وهم: "علي عزوز" أو "علي بن عزوز" و "علي بن محي الدين" أو "علي بن محي الدين بن عزوز الشريف"، قد تكون كل هذه التسميات صيغ لاسم وشخص واحد مما يدفعنا للاحتراز من احتسابه عدة مرات خاصة في حالة توظيف الحاسوب حيث تسجل كل معلومة إضافية على أنها علامة تمييز.

أما الثاني، إنه "محمد بن عبد القادر بن عزوز" أو "محمد بن عزوز الشريف" وردت الصيغة الأولى بذكر اسم الأب وجاء في الثانية لقب العائلة "الشريف" ونجد نفس الأسلوب في "مصطفى بن عزوز" ومصطفى بن السيد عزوز الشريف"... وقد يكون اسم العائلة هنا هو نفسه اسم الجد ما دامت البنوة لم تذكر سوى مرة واحدة، حذفت بعد عبارة التكريم السيد (ابن) عزوز وكانا يترددان على المحكمة فيما بين 1204 و1215هـ/ 1789-1800م[12] .

أما في 15 ديسمبر من سنة 1848 فقد استدعي سي محَمد بن عزوز، الطالب حزاب بمسجد بسيدي الطنجي، قسنطينة إلى مهام أخرى[13] .

جدول رقم: 1 . عدول قسنطينة مطلع القرن 13هـ/ نهاية القرن 18م

من تركيب فاطمة الزهراء قشي، المصدر سجلات المحكمة

  اسم العدل الاسم العائلي تواريخ الخدمة
1 حسين الفكون 1204-1207
2 بلقاسم بن إبراهيم الجيجلي 1204-1208
3 محمد الحملاوي 1204-1208
4 عبد الكريم الراشدي 1204-1208
5 محمد الربروب 1204-1208
6 محمد العلمي 1204-1208
7 محمد بن احمد العلمي 1204-1208
8 عبد الكريم بن الحاج عبيد العنابي 1204-1208
9 شعبان بن حبابة الكانوني 1204-1208
10 الطاهر المرشدي 1204-1208
11 محمد السعيد النايلي 1204-1208
12 عبد العالم الهنداوي 1204-1208
13 على النوري بن محمد بن باديس 1204-1208
14 الحاج حسن بن رايس 1204-1208
15 محمد بن سي عمر بن سلطان 1204-1208
16 مصطفى بن عبدي 1204-1208
17 علي بن عزوز 1204-1208
18 محمد بن عبد القادر بن عزوز 1204-1208
19 مصطفى بن عزوز 1204-1208
20 علي بن محي الدين بن عزوز الشريف 1204-1208
21 محمد بن عزوز الشريف 1204-1208
22 عمار بن قليل 1204-1208
23 محمد بن احمد بن محجوبة 1204-1208
24 عبد الرحمن بن احمد بوعكاز 1204-1208
25 محمد بن احمد بوعكاز 1204-1208
26 ونيس البزناوي 1204-1208
27 محمد بن المسبح 1218-1242
28 أبو القاسم العلمي 1215

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عائلة ابن الكيرد:

من العائلات التي ظهرت في الواجهة وبكثافة كبيرة في منتصف القرن التاسع عشر عائلة ابن الكيرد. لم تكن حاضرة في القرون السابقة ولم يذكرها عبد الكريم الفكون في منشوره[14] في سنة 1840م كان أربعة من نفس العائلة يقومون بمهمة شهادة العدل أمام محكمة قسنطينة: سي العربي بن سي مسعود، سي عبد الكريم، سي مصطفى وسي الطيب بن الكيرد[15]. بعد عشر سنوات، عين سي محمد بن الطيب بن الكيرد إماما خلفا لأبيه في نفس المنصب[16].

وإن بدت حديثة العهد بهذه الوظيفة يلاحظ أنها في استمرار وإقبال عليها ضمن قائمة التعيينات في عهد الإمبراطورية الثالثة حيث عثرنا على وثيقة تحويل أحدهم من الدائرة القضائية الرابعة إلى الثالثة في منصب شاهد عدل خلفا لمحمد الحاج محمد المتوفى.

أما من العائلات الراسخة في هذه الوظائف منذ القدم والتي استمرت إلى حد ما في الواجهة واجتازت القرون نسجل عائلة المسبح و الفكون.

عائلة المسبح:

حظي أولاد بن المسبح بخمس ترجمات في "منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية" وهي الدراسة الاجتماعية الثرية التي بينت مواقع الأطراف الفاعلة في المدينة حسب تصنيف أخلاقي كما يبدو من عنوان الكتاب وكما أراده صاحبه عبد الكريم الفكون الحفيد. وقد كان ابن المسبح فيمن عرفهم المؤلف وخالطهم وقد ذكر الفكون الأب ثم أبناءه الثلاثة: أحميدة الفقيه والمدرس والمفتي في بلدة قسنطينة وهو ينتمي إلى عائلة عريقة من الأعيان. وله من الأبناء:عبد اللطيف "الفقيه الفرضي"، المفتي، الفنان في مجال التوثيق، كتب شرحا لابن الصغير أما محمد المسبح فكان نائبا لقاضي المدينة، مكث كثيرا بالخطة، عزل عدة مرات، ضعيفا الفكر والكتابة ولكنه جعل من العدالة "صنعة" لما تميز من مهارة في الموضوع ويرى صاحب المنشور أنه لا يبلغ مرتبة أبيه ولا إخوته، لأنه اشترى خطة النيابة من "القضاة العجم" حسب تعبيره و"امتحن كثيرا وهذا شأن من يقترب كثيرا من الأمراء"...هذا هو الدرس الذي استقاه الفكون من هذه التجربة.

أما بركات المسبح، هو الأصغر سنا وأكثر الإخوة ذكاء واطلاعا، وقد اهتم أكثر بالعلم والتعليم ومات بالطاعون عام 982هـ/1574، قبل إخوته.

إلا أن تجربة عائلة المسبح المبكرة أبرزت إمكانية التقاء الأب و الابن في خطة واحدة في تكامل أولا ثم في تنافس بإقصاء الآخر، وهذا ما حدث لهما حسب "المنشور" دائما[17] .

وبعد أكثر من ثلاثة قرون، لا زالت عائلة المسبح تمد المدينة قضاة وعدولا ففي سجل الأوقاف لصالح باي[18] ورد اسم الحاج محمد المسبح في توقيع أحد عقود الوقف سنة 1197هـ/1782م[19]. بعد خمس سنوات لا زال محمد المسبح، يبدو أنه نفس الشخص، يقوم بالشهادة كعدل في المحكمة المالكية كما هو ثابت في صفحات السجلات على مدى سنوات أخرى.

في سنة 1253هـ كان كل من سي خليل بن المسبح و سي حمو بن المسبح يشهدان عن الوفيات المصرح بها في التاريخ ولكن بصفة كل منهما عدلا حنفيا. ويقال أن الباي عثمان (1804م) قد طلب من محمد المسبح السابق الذكر أن يتقلد خطة الخطابة والإمامة بجامع سوق الغزل حيث يصلي الباي وقد كان قاضيا عدة مرات وتوفي سنة 1242هـ/1828م؟ ارتقى من الشهادة إلى القضاء وعمر طويلا في هذه الوظيفة ولو بصفة متقطعة.

أطنب الحفناوي في مدحه بعالم وعارف للغة والحديث، كان خطيبا وليس لصوته مثيل تتلمذ على الشيخ عبد القادر الراشدي وعلي الونيسي المفتي الحنفي والقاضي المالكي في تلك الفترة. كان محمد المسبح قاضيا سنة 1218هـ/1804م في حين كان عمر المسبح مفتيا حنفيا في شهر محرم 1214هـ/1800م[20]، أي قبل وصول عثمان باي إلى رأس بايلك الشرق.

تمثل عائلة المسبح نموذجا متميزا لعائلات القضاء و قد يكون التحول بين المذاهب وطرق وأسباب التعيين من المسائل الجديرة بالبحث، في المستقبل القريب.

عائلة الفكون:

اشتهرت عائلة الفكون أيضا باستمرارها في مجال الخطابة والإمامة ووجدت بصفة استثنائية في وظائف القضاء والعدالة. ذكر عبد الكريم الفكون، وغيره، كيف قبل قاسم الفكون منصب القاضي الذي اعتذر عنه الشيخ عمر الوزان في منتصف القرن السادس عشر وربما كان الأول والأخير من العائلة لتبوء هذا المنصب، طوال الحكم العثماني.

وهذا العدل السيد حسين الفكون (أصبح الاسم ينسخ:الفقون وينطق بالكاف المعقودة، في مطلع القرن التاسع عشر[21]) يوقع العقود في مطلع القرن الثالث عشر الهجري بين أقرانه كما ورد اسمه في عقود زواج عندما زوج ابنته وابنه.

كانت عائلة الفكون قد فازت بخطة إمارة ركب الحج منذ سنة 1638م[22] ثم بوظيفة شيخ البلد في القرن الثامن عشر واستمرت في ورثتهم حتى سقوط المدينة في يد المحتلين الفرنسيين بل إلى غاية 1838[23].

جدول رقم: 2. عدول قسنطينة سنة 1253هـ

من تركيب فاطمة الزهراء قشي، المصدر سجل الوفيات

تواريخ الخدمة ملاحظة الاسم العائلي اسم العدل
1218-1242   بن المسبح محمد
1245   العلمي محمد الصغير
1245   العلمي محمود
1253   الخيتمي الحاج حميدة
1253 حنفي بن الطبال محمد
1253   بن الطويل عمر
1253 حنفي بن الكيرد الطيب
1253   بن الكيرد العربي بن سي مسعود
1253   بن الكيرد عبد الكريم
1253   بن الكيرد مصطفى
1253 حنفي بن المسبح حمو
1253 حنفي بن المسبح خليل
1253   بن بلوم محمد

1253

  شطاب العربي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كان العدول مستقرين في وظيفتهم لسنوات متتالية ولمدة طويلة في بعض الأحيان و السؤال الذي يتبادر إلى الذهن يتمثل في معرفة ما إذا كانت الوظيفة تشغل صاحبها بصفة دائمة أي هي مصدر الاهتمام ومصدر الرزق أم أنها عمل إضافي ومكمل فقط، أم أنها خطة شرفية لا يقوم بها إلا الميسورون وذوو السمعة الطيبة؟

قد يفسر هذا التردد الكثيف للعدول على المحكمة بالاهتمام الذي توليه الإدارة لتدعيم المؤسسة وترسيخ التعامل بالعقود المكتوبة والابتعاد عن التعامل الشفوي وقد يفسر بحركية النشاط الاقتصادي والاجتماعي مما يستدعي التدوين والتسجيل في كل وقت[24]. ربما كان لهذا العامل دور ولكنه طفيف لأن عدد سنوات الخدمة لا يعني بالضرورة الشهادة على عدد كبير من القضايا وبانتظام. حاولنا القيام بسبر بين لنا أن عدد المعاملات التي حضر فيها العدول تختلف بشكل كبير إذ هناك من وقع أكثر من مائتي عقد في السنة الواحدة وهناك ووضع اسمه وراء العشرات فقط. قد تفيد العملية الحسابية لفهم كيف يتقاسم العدول القضايا على مدى الأسبوع والسنة وعبر السنوات وهل يعود هذا الأمر إلى اختيار العدول أم إلى اختيار من يقدم على الزواج أو البيع... ونحن نعلم أن لها علاقة وثيقة بالأرباح المبنية على رسم على كل عقد حسب طبيعته.

لا نعلم بالضبط عدد العقود المبرمة سنويا أمام عدول قسنطينة ولكنها تقارب الألف على الأقل وإذا ما وزعناها على عشرين عدلا وعلى اثني عشر شهرا نجد أن المعدل صغير جدا. و من ثمة نميل إلى ترجيح فكرة تعاطي حرفة مكملة كلما استطاعوا الجمع بين الوظائف أو النشاطات وإن لم نتمكن من الكشف عنها بعد. قد تكون وظيفة في التدريس أو الإمامة وغيرها من المهام المساعدة في المساجد والأوقاف... قد يكشف هذا الالتزام والاستقرار في الخطة على توجه نحو ترسيخها كوظيفة رسمية لأعوان القضاء بفرض نوع من الرقابة ومنحهم أجرة محددة على كل عملية.

في الواقع، أكثر من 28 عدلا قاموا بمهمة الشهادة في العقد الأول من القرن الثالث عشر للهجرة أي في العقد الأخير من القرن الثامن عشر للميلاد.

لم تكن فكرة توظيف المتخرجين الجدد وأصحاب الشهادات والإجازات غائبة عن اهتمامات الحكام الحفصيين في تونس لقرن 14م[25]، فهل كانت نفس المشاغل تراود بايات قسنطينة وبشوات الجزائر؟ نقطة تستحق البحث!

  1. توارث الخطط والمصاهرات بين العدول

من بين عمليات التماسك الاجتماعي والحرص على مميزات الجماعة غالبا ما يتم اللجوء إلى المصاهرات التي توطد الروابط الأسرية وتدعم الرصيد الرمزي للفرد بوضعه في شبكة متينة من العلاقات الراسخة حرفيا واجتماعيا.

وليس من الغريب إن نلاحظ هذا المنحى لدى جماعة العدول بحثا عن التكافئي أو الارتقاء.

مما استقيناه من المعطيات من خلال عقود الزواج التي لا تذكر فيها المهنة إلا بصفة اختيارية تمكنا من رصد زيجات بعض العدول أو أبنائهم. ويمكن استخلاص عدة ملاحظات.

حرص العدول أكثر من غيرهم على تدوين مهنة الزوج أو أب الزوج أو الزوجة، لأنهم يعرفونها ولأنهم يفتخرون بها.

وبالفعل تمكنا من جرد 18 عقدا تخص زيجات العدول أنفسهم أو بناتهم وبنيهم في مدة سبع سنوات من مطلع القرن الثالث عشر للهجرة وعليه فهذه نماذج فقط - يمكن استكمالها لمن يريد المزيد - نعتمدها مؤشرا لقياس درجة الزواج بالمثل أو الزواج المتكافئ وسعة دائرة المصاهرات[26].

جدول رقم 3. عائلات العدول المتصاهرة 1204- 1208هـ

من تركيب الباحثة

  الاسم العائلي للزوج وظيفة الزوج أو الأب الاسم العائلي للزوجة وظيفة الأب
1
الفكون   ابن محجوبة  
2
الفكون   الاموي  
3
ابن نعمون   الفكون  
4
البيجاوي   الفكون  
5
المسبح   الصنهاجي  
6
المسبح   المسيلي  
7
منماني   المسبح  
8
المستغانمي   المسبح  
9
العنابي   الورتلاني  
10
ابن عزوز   ومنجل  
11
العنتري   بودودة  
12
العلمي   حيدوسي  
13
ابن باديس   الانجشايري  
14
ابن باديس   الزموري  
15
الراشدي   الراشدي  
16
ابن سلطان   اولاد سي علي  

17

الزيات   ابن سلطان  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

و الهدف من هذا الجرد مزدوج: استخراج أكبر عدد ممكن ممن تعاطوا خطة شهادة العدل ثم دراسة المدونة من منظور توارث الحرفة ومن منظور الزواج من الأقرب وقد نضيف المستوى الاجتماعي.

لقد زوج السيد حسين الفكون ابنته فطوم إلى الحاج ابراهيم بن نعمون يوم 22-10-1202 وقبل هذا بثلاثة أشهر كان ابنه محمد قد تزوج من راضية بنت السيد محمد بن محجوبة (18-07-1202)، وهي ابنة العدل بالمحكمة.

وبعد سنتين، يوما بيوم، أقبل الابن الثاني على الزواج من شريفة بنت سي مالك الأموي كانت البنات الثلاثة في زواج أول وسن مبكرة إذ تذكر العقود على كل منهن أنها "بكر مجبرة" تحت ولاية أبيها يبدو أن الحاج إبراهيم هو الوحيد الذي كان في وضعية زواج مكرر حيث طلق زوجه وريدة بنت الحاج محمد البيجاوي أمام القاضي في 14-03-1202 ثم راجعها بعد أقل من أسبوعين أي يوم 25 من نفس الشهر.

إلا أن المراجعة لم تمنع الحاج ابراهيم بن نعمون من الزواج مرة أخرى، فتاة بكر وابنة الحسب والنسب العدل حسين الفكون لم يعترض الأب على تكراره الزواج ولم يخش على ابنته من الضرة إذ لم يدون أي شرط في العقد وكان الأمر متداولا وما يلاحظ على هذه المصاهرة أنها بين أقارب لأن العائلتين تتبادلان النساء منذ ثلاثة قرون.

ونفس الشيء يمكن قوله على عائلة ابن محجوبة الذي من بين أسلافهم المفتي المعاصر للشيخين عبد الكريم الفكون الجد والحفيد في أواخر القرن السادس عشر، وكانت بين العائلتين مصاهرة[27].

و الأرجح، أن السيد محمد بن احمد بن محجوبة العدل في التاريخ (1202-1208) هو أب راضية.

ثلاثة استنتاجات حول هذين العدلين: من حيث السن يفترض أنها على الأقل في الأربعينيات إذ هما بصدد تزويج أبنائهم وبناتهم.

تأكيدا للقاعدة، اختار كل منهما الكفاءة الاجتماعية والقرابة باختيار الزواج داخل دائرة ضيقة.

إلا أن هذا لا يمنع مخاطر الطلاق الذي مس كل الفئات الاجتماعية حيث اضطرت فطوم بنت الحسين الفكون إلى طلب الخلع بالتسليم في مؤخر الصداق.

بعد الآباء الذين أشرفوا على تزويج أبنائهم وبناتهم، نسجل إقبال الجيل الثاني على المحكمة لإتمام نصف الدين وهم في حرفة شهادة العدل. فما هي اختياراتهم ؟

تزوج المكرم السيد محمد بن سي عمر بن سلطان فيالة بنت محمد بن بلقاسم من اولاد سي محمد بن علي، بكرا مجبرة بحضور والدها، وأصدقها مائة ريال كلها نقدا وحالا وهذا يوم 16-06-1206هـ.

لا نملك معطيات كافية حول العائلة وهل تنتمي إلى اولاد سلطان من قبائل جنوب قسنطينة... واللافت للأمر هو صيغ التكريم المرتبطة بذكر اسم لأب "المكرم السيد" ونفس المعاملة نلاحظها عندما تتزوج "آمنة بنت السيد مسعود بن سلطان" تبدو العائلة قليلة العدد بين سكان قسنطينة حيث سجلنا تردد 4 رجال و3 نساء على المحكمة لتدوين عقود الزواج هذه المصاهرة تمت مع عائلة تبدو أصولها ريفية قبلية ويظهر هذا من طريقة التعريف:" من أولاد سي محمد...".

عائلة ابن باديس:

يمكن التوقف عند عقود زواج ابن باديس واعتباره حالة متميزة قد يصعب في بعض الأحيان تحديد هوية العدل لتعدد طرق التعريف واختلاف عناصرها في كل مرة وقد تزيد هذه التفاصيل تعقيدا قبل أن تفك الرموز وتكتمل الصورة[28] وهذا ما حدث لنا مع العدل "علي النوري" و"علي بن باديس"، لحسن الحظ وردت صيغة ثالثة مطولة أزاحت كل التباس:"علي النوري بن باديس"، إنه عدل واحد والممثل الوحيد لعائلة ابن باديس في الفترة المدروسة في مجال العدل والقضاء والإفتاء.

الأمر يهم "العدل الرضي" السيد علي النوري بن باديس الذي يظهر أول مرة عندما يطلق زينب بنت الزموري، في طلقة ثانية وذلك يوم 28-06-1202 ولا ندري متى تزوج من راضية بنت سليمان الانجشايري لكن الطلاق سجل يوم 17-09-1207 مع تسليمها باقي الصداق على أن يتكفل الأب بنفقة ولده مدة سنة لا يستمر الانفصال حيث يراجع النوري بن باديس زوجه راضية بعد شهر دفع عشرة أريلة صداقا نقدا والتزم بالأربعين الباقية والأمة بعد عشر سنوات.

إنه الممثل، في البداية، الوحيد لعائلة ابن باديس في مدونة الزواج (5506 عقدا) وإن وجد في ثلاثة عقود زواج وطلقتين. ارتبط النوري بن باديس بابنة انجشايري وهم من الأتراك الوافدين من الأناضول في أغلب الأحيان مما يضعف الفرضية القائلة بأن أعيان الحضر نفروا من مصاهرة الأتراك والحكام العجم...وربما كان الاستثناء الذي يؤكد القاعدة...

إن الطلاق ظاهرة اجتماعية واسعة الانتشار ولم يكن العدول بحكم حرفتهم ولا بحكم انتمائهم الاجتماعي إلى الطبقة الوسطى بمنأى عن تهديداته.

وهذا السيد ونيس البزناوي، العدل في هذه الفترة الأولى، يطلق زوجه زينب بنت محمد في 17-10-1205 وذلك بالتسليم في كل صداقها، وأرجعت له حايكا (غطاء) و تلثيمة أما عبد الكريم الراشدي، العدل حرفة هو الآخر، فقد طلق زوجه -وهي ابنة عمومه- فاطمة بنت السيد احمد بن مسعود الراشدي، فالتزمت بحضانة ابنها منه وبنفقته.

عائلة الراشدي:

وعليه، نجد في هذه الحالة الأخيرة ظاهرة الزواج من الأقرب أي بابنة العم من جهة العدل وأخته وظاهرة الطلاق كما تزوجت لطيفة بنت السيد عبد القادر الراشدي سي عمر بن سي السيد على الراشدي في 21 -03-1202 وكانت ثيبا من طلاق أصدقها ابن عمها هذا 100 ريال مع قفطان وملحفة وأمة وأوقيتين من الجوهر. انقدها خمسين ريالا ويعد الباقي مؤجل الصداق وقد زوجها بتوكيل منها أخوها العدل السابق الذكر، عبد الكريم الراشدي.

هل يمكن الخروج باستنتاج بسيط وواضح مفاده أن العدول يمثلون فئة متماسكة بحكم الحرفة المشتركة وبحكم التزاوج بين العائلات؟

أما زواج الراشدي من داخل العائلة قد يفسر من عدم رسوخ العائلة في المدينة ومن ثم استمرار الروابط الدموية لقد عانى الشيخ عبد القادر الراشدي الأب من المنافسة وربما كان لأصله الريفي ولما حظي به من امتيازات في عهد صالح باي الذي عينه على رأس الإفتاء الحنفي ما يفسر ذلك العداء[29].

تبدو دائرة المصاهرات ضيقة ومحدودة في وسط الحضر بل وربما انحصرت في عائلات العلماء مثل العنابي و الورتلاني أو العنتري وبودودة أو الفكون وابن محجوبة...

لا يمكن قياس درجة الانفتاح إلا بمعرفة المكانة الاجتماعية للوافدين الجدد على الحرفة والمصاهرات التي تظهر جديدة لجهلنا بانتماءات أصحابها.

إلا أن قائمة العدول توسعت بأسماء جديدة تأخذ مكانها في الوظائف القضائية بالمواصفات الجديدة أي الانتقال من مدينة إلى أخرى ومن بلدة إلى غيرها وسيكون لهذا الخيار الاستعماري انعكاس على بلورة روح الانتماء إلى السلك.

  1. جماعة حرفية أمام التحولات

كان العدول موظفين متوسطي الدخل، ينتمون إلى عائلات محترمة بحكم عفافها و كفافها، لعلمها ومكانتها الاجتماعية والاقتصادية. وهم ينتمون إلى عائلات مرابطية أو طرقية أو فقهية، يعتمدون على الشبكة العائلية والاجتماعية للارتقاء ويدعمونها بالمصاهرات بين الأنداد ويعملون على المحافظة على الروابط العائلية وقواعدهم وأصولهم ومصدر نفوذهم وثرواتهم.

لذلك نجد العدول بين أعيان المدينة وإن كانوا في المراتب الوسيطة بصفة عامة، بين مهام القضاء والإفتاء العالية الشأن ومهام أخرى من تدريس ومساعدة في شؤون المساجد، وذلك لانتماءاتهم العائلية ومستويات الثروة الموروثة والمكتسبة.

كما نلاحظ اختلافات كبيرة بين العدول في عدد المعاملات التي يشهدون على توثيقها وقد يعود الأمر إلى الخبرة والمصداقية والشهرة ومدى التفرغ لهذه المهمة وما إلى ذلك من عوامل موضوعية وذاتية تجعل التفضيل بين العدول والإقبال على الأشهر.

يتضح في الأخير أن الشهادة ليست وظيفة "حكومية" إنما هي وظيفة حرة إن صح التعبير، تخضع لمقاييس ومواصفات معلومة ومحددة إذ يقتطع الأجر مما يدفعه صاحب العقد تعتبر حرفة شاهد العدل مستقلة بذاتها وإن حدث أن ارتقى العدل إلى وظيفة القاضي هل يمكن اعتبارها مرحلة انتقالية لاستكمال الخبرة والتكوين قصد نيل منصب في القضاء ؟

لا يمكن الجزم في الجواب ولكن طول مدة الوظيفة لبعض العدول تشير إلى إمكانية القيام بها كمهنة مدى الحياة العملية كما أنها خطة استقطبت بعض العائلات التي استحوذت عليها في بعض الفترات مثل عائلة المسبح منذ القرن السابع عشر وعائلة العلمي في التاسع عشر.

هل كانت الوظيفة في توارث؟ قد لا نجد الجواب القطعي لكن يوجد ميل واضح إلى القيام بمثل ما قام به الأب أو العم. بحكم الاحتكاك، ثم إنها حرفة شبه رسمية وشبه مستقلة حيث لا تحتاج إلى تعيين من "الأمير". إنها تتطلب الأمانة والعدالة والاستقامة و السمعة الطيبة...

يبدو أنها مالت في القرن التاسع عشر إلى أن تصبح حرفة مدى الحياة حيث استمر العديد من العدول من عشر سنوات إلى أكثر من عشرين سنة في الخدمة مثل علي النوري بن باديس الذي استمرت توقيعاته من 1204 إلى 1225 أو محمد بن محجوبة إلى 1215 أو مصطفى بن عزوز إلى غاية 1218.

جدول رقم: 4. قضاة وعدول في عائلات الأعيان 1202- 1280هـ

من وضع الباحثة

الاسم العائلي عدد أفراد العائلة في العدالة عدد أفراد العائلة في القضاء عدد أفراد العائلة في الإفتاء
العلمي 7 1 1
الفكون 4 - -
المسبح 4 1 1
ابن جلول 3 2 -
ابن عزوز 4    
ابن باديس 4    
ابن الكيرد 4    
بوعكاز 2    
ابن الطويل 2    
ابن رجب 2    

الراشدي

1    

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بعد الاحتلال تغيرت تدريجيا شروط التوظيف في شهادة العدل بل وفي التنظيم القضائي بأكمله.

تم تصنيف مهمة العدالة في رتبة أعوان القضاء. فأصبح القضاة والعدول يخضعون لامتحانات التوظيف والارتقاء. يتقاضون أجورا من الإدارة الحكومية ويقبلون بفكرة التنقل عبر التراب الجزائري. و إلى الأرياف[30] أما العدول فأصبحوا يعيشون على مداخلهم التي تدفعها خزينة المحكمة الرئيسية التي ينتمون إليها وكانت الحقوق المقتطعة من المسلمين هي المصدر الوحيد لموظفي العدالة التي مست في حقوقها وفي سمعتها وفي مستواها المعيشي بحرمانها من فوائد المهن الحرة[31].

أدى التوظيف الحكومي إلى ترسيخ الشعور بالانتماء إلى جماعة حرفية على مستوى أوسع مما كانت عليه الوظائف في السابق حيث الانتماء العائلي والحضري قد يكون طاغيا.

الخاتمة

كيف تم تنظيم الحرفة عند فرنسة القضاء في الجزائر في ظل القوانين الإستعمارية؟ كيف كان الإقبال على حرفة شهادة العدل؟ و كيف انفتحت على شرائح أخرى من المجتمع؟ كيف تأقلمت عائلات العدول مع التحولات داخل مؤسسة القضاء وخارجها على مستوى الوظائف المرتبطة بالأحوال الشخصية بصفة أوسع هذا ما نحاول الجواب عنه في عملنا في طور في الإنجاز.


الهوامش

[1] للمزيد حول: سعدالله، أبو القاسم، تاريخ الجزائر الثقافي (1500-1830)، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط:1، ج:1، 1998.

- غطاس، عائشة، "سجلات المحاكم الشرعية وأهميتها في دراسة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي بمجتمع مدينة الجزائر، العهد العثماني"، إنسانيات، المجلة الجزائرية في الأنثروبولوجية والعلوم الاجتماعية، مركز البحث في الأنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية، وهران، عدد 3.

[2] نوازل، الفكون، مخطوط لعائلة الشيخ محمد بن عبد الكريم الفكون (1114/1702) جامع هذه النوازل يتألف من 566 صفحة بخط مغربي واضح.

قشي، فاطمة الزهراء، قسنطينة المدينة والمجتمع في النصف الأول من القرن الثالث عشر للهجرة ممن أواخر القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر، رسالة دكتوراه دولة في التاريخ، إشراف محمد الهادي الشريف، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة تونس الأولى، 1419هـ-1998م (غير منشورة).

[3] الفكون، عبد الكريم، منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية، تحقيق:أبو القاسم، سعدالله، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1987.

الحفناوي، أبو القاسم، تعريف الخلف برجال السلف، تونس، مؤسسة الرسالة-المكتبة العتيقة، 1402هـ-1982م.

[4] A., Raymond, «Caractéristiques d’une ville arabe «moyenne» au XVIIIe, siècle le cas de Constantine», Les Cahiers de Tunisie, T XXXIV, ¾ trim N° 137-138, 1986.

[5] سجلات المحكمة، رقم 1، 1202-1205هـ، مخطوط، أرشيف قسنطينة.

[6] R., Brunschwig, La Berbérie Orientale sous les Hafsides des origines à la fin du XVe siècle, 2 vol, Paris, 1940 et 1947, p.182.

[7] فاطمة، الزهراء فشي، "التركيبة السكانية في قسنطينة، الأسماء والأنساب هوية وانتماء"، في الأسماء والتسمية، أسماء الأماكن والقبائل والأشخاص في الجزائر، تنسيق: فريد بن رمضان و إبراهيم عطوي، منشورات مركز البحث في الأنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية (CRASC)،2005. ص.ص، 5، 56.

[8] سجل المحكمة قسنطينة، رقم 2، ص 287.

[9] الزياني، أبو القاسم، الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا، تحقيق عبد الكريم الفيلالي، الرباط، دار نشر المعرفة، 1991، ص،153.

[10] ج:2، تونس، 1982، ص، 66.

[11] قشي، فاطمة الزهراء، قسنطينة المدينة و المجتمع، سبق ذكره.

[12] قشي، قسنطينة المدينة والمجتمع

[13] دفتر قايد البلاد في قسنطينة، الشريف مقناوة، مطبعة ابراهم، 1929.

[14] المصدر السابق.

[15] المصدر السابق.

[16] Registre du Caïd el Bled, op. Cit.

[17]المصدر السابق، ص90.

[18] حول السجل راجع: قشي، فاطمة الزهراء، قسنطينة في عهد صالح باي البايات، قسنطينة، ميديا بلوس، 2005.

[19] دفتر الأوقاف لصالح باي بين 1185هـ و 1204هـ، أرشيف ولاية قسنطينة، ص ص.52-53.

[20] سجل رقم 3، (صفحات غير مرقمة).

[21] سجل رقم 2، 1205-1210هـ. مخطوط غير مرقم الصفحات، أرشيف ولاية قسنطينة.

[22] سعدالله، أبو القاسم، عبد الكريم الفكون شيخ الإسلام رائد السلفية، دار الغرب الإسلامي، 1986.

[23] Registre du Caïd el Bled, op. cit.

[24] صرهودة، يوسفي، معاملات ومبادلات اقتصادية في قسنطينة أواخر العهد العثماني، مذكرة ماجستير في التاريخ، تحت إشراف د. فاطمة الزهراء، قشي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الأمير عبد القادر، قسنطينة، 2005.

[25] R. Brunschwig, op-cit. p.182

[26] - قشي فاطمة الزهراء، سبق ذكره.

"دوائر المصاهرات في قسنطينة مع نهاية القرن 18"، إنسانيات، المجلة الجزائرية في الأنثروبولوجية والعلوم الاجتماعية، مركز البحث في الأنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية، وهران، عدد 4، 1998.

[27] الفكون، عبد الكريم، المنشور، سبق ذكره.

[28] F.Z., Guechi, «Du «nasab» au «laqab», héritages controversés», in Constantine, une ville des héritages, s/d F.Z Guechi, Constantine, Media Plus, 2004.

[29] الراشدي، القسنطيني، تحفة الإخوان في تحريم الدخان، دراسة وتحقيق: عبد الله حمادي، دار الغرب الإسلامي، 1997.

[30] Chritellow, A, Baraka and bureaucracy: Algerian muslim judges and the colonial state (1854-1892), Princton, University Press, 1985.

[31] Ageron, Ch.R, Histoire de l’Algérie contemporaine, Paris, PUF, 1978, P.35.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche