Sélectionnez votre langue

القراءة النقدية للتراث وعائق التكفير

يظهر استخدام مفهوم العائق الإستمولوجي في حقل العلوم التجريبية والرياضية مألوفا. وقد بين باشلار في دراسته لتطور المعرفة العلمية، وخاصة الثورة العلمية المعاصرة في مجال الميكروفيزياء والرياضيات اللاإقليدية، أن ذلك ما كان يمكن ليحصل دون تجاوز العوائق الإبستمولوجية ا. هذه العوائق التي عملت المعرفة اللاعلمية على غرسها في بنية الوعي. بما في ذلك الحس المشترك، الملاحظة المباشرة، البداهة، اليقين، التطبيق العملي...في حين أن المعرفة العلمية المعاصرة تقوم على مبادئ وأسس جديدة مناقضة تماما لما سبقها.لقد أصبحت المعرفة تقوم على منهج البناء العقلي للحوادث بالإنطلاق من الفرضي إلى التجريبي.

في مجال العلوم الإنسانية وفيما يخص الموضوع المدروس، أي التراث العربي الإسلامي ، فإنه يمكن اعتبار التكفير عائقا يحول دون تطور القراءة النقدية، لأن الخطاب الديني وضع مجموعة من الطابوهات أو المحرمات التي هي بمثابة مقدسات لا يحق للدراسة العلمية أن تتطرق إليها. وفي حالة اختراق الباحث لهذه الحدود الحمراء، تشتغل آلية التكفير كرد فعل دفاعي. لتضع حدا لهذه الاختراقات بإقصاء الباحث من دائرة الإسلام ووضعه في دائرة أخرى رغما عنه و هي دائرة الكفر. مما يجعل القارئ المسلم لا يثق في أفكار الباحث ونظرياته، لسبب واحد كونه ليس مسلما. وبالتالي لا يمكن لنظرياته أن تخدم الإسلام. العلاقة التي أقامها الخطاب الديني المنغلق مع غير المسلم، هي علاقة عداوة وصراع ، فوجود الآخر وجود آثم ليس له من مبرر إلا هدم الإسلام.

في العلوم الإنسانية فان المسألة ليست بهذه البساطة، لأنه لا يمكن إصدار حكم نهائي حول قيمة عائق التكفير، أو قيمة التكفير باختصار. لأن كثير من المفكرين لا يتاح لهم التكفير الجدي والعميق إلا في الظروف التي يشعرون فيها بالخطر. إذا ما حقيقة التكفير، وكيف يمارس تأثيره على الخطاب التنويري عموما وخطاب أبو زيد خصوصا؟

حضور عائق التكفير في نصوص أبو زيد

"يا أهل مصر المعمورة، لا تصدقوا كلام القاضي أنني مرتد، ولو كان في النقض، لأن المرتد والعياذ بالله لا يتقدم بردته لينال لقب "الأستاذية" في جامعة في بلد مسلم إلا لو كان مجنونا...ولم تظهر علي أعراض جنون من أي نوع." نصر حامد أبو زيد / مجلة الطريق / نداء إلى الشعب المصري / مجلة الطريق /العدد4، السنة 55، 1996.

منذ أن تعرض أبو زيد لحكم التكفير بطريقة غير مباشرة من طرف اللجنة العلمية للجامعة، والتي قامت بقراءة منتجاته العلمية سنة 1992م، وبطريقة مباشرة من طرف محكمة استئناف القاهرة يوم 14يونيو1995م، وأيدته محكمة النقض في 05 أغسطس 1996م. ومن حينها وعائق التكفير حاضر في نصوص أبو زيد بثلاثة أشكال مختلفة:

أ- من خلال التكلم عنه في مقدمات مؤلفاته التي تلت الحكم، والتطرق إليه على أنه مشكلة خاصة، حالت مثلا دون حصوله على الترقية المهنية التي كان يرغب فيها وهي درجة الأستاذية. بالإضافة الى ما ترتب عن حكم التكفير من فصل بينه وبين زوجته ، وأخيرا حالة الغربة التي يعيشها في المهجر...

ب- من خلال ممارسة العائق لتأثير سلبي على فكر المؤلف. غير طريقة تفكيره عن وعي أو عن غير وعي، مما جعله يتراجع إلى حد ما عن مشروعه التنويري. فقد تسلل الخطاب النقيض إلى تفكيره، وقد شعر أبو زيد بذلك. حيث صرح في كتابه "الخطاب والتأويل" قائلا:<< لكن هذا الشيء وتسلل "الخطابية"إلى كتاباتي شيء أخر.لذلك توقفت عن الكتابة لبعض الوقت.حين تأملت الأمر أدركت أن الخطاب النقيض يحاول أن يغزوني من داخلي بالتأثير السلبي على بنية خطابي، وهو خطاب يمكن أن يتمدد تمددا سرطانيا ليصيبه بالشلل.>>([1]). والمقصود بالخطابية علو نبوة الصوت والتنغيم كما يفعل خصومه أمثال محمد عمارة عندما يخاطبون الجمهور، في حين أن طريقة كلام أبو زيد عكس ذلك.

ج- وعي أبو زيد بآلية التكفير بعد تعرضه للمحاكمة، مما جعله يطرح هذه الآلية كعائق مهم

وخاصة في كتابه "التفكير زمن التكفير". ومن بين المسلمات التي يؤكد عليها أن سيطرة إتجاه فكري لفترة طويلة من الزمن لا يعني أن الإتجاهات الأخرى "ضالة" أو"كافرة". بالإضافة إلى وعيه الذي إزداد بتأثير الخطاب النقيض(الخطاب الديني السلفي) المستخدم لآلية التكفير على الخطاب التنويري في مختلف أطوار التاريخ.

قضية أبو زيد تبدأ إذا عندما عرض أعماله العلمية على اللجنة العلمية بغية الحصول على درجة الأستاذية. وكانت اللجنة تتألف من ثلاثة أعضاء دكاترة هم : علي مكي، عوني عبد الرؤوف ، عبد الصبور شاهين. وبعد قراءتها أبدى هذا الأخير ملاحظة فحواها أنه لمس في أعمال المرتشح "أبو زيد" ما يوحي بالكفر والإلحاد. لقد تأثر العضوان الآخران بهذا الحكم، فأقروا جميعهم حرمان أبو زيد من الترقية. وقد أيد مجلس الجامعة قرار اللجنة العلمية، رغم أن كلية الآداب عينت لجنة علمية خاصة شملت مجموعة من الدكاترة هم: حسن حنفي، جابر عصفور وآخرون. وكانت نتائج قراءتهم للأعمال إيجابية(*)، حيث جاء في تقريرها ما يلي : << "قضية أبو زيد" أصبح هذا العنوان يدل دلالة مباشرة على مشكلة حرمان أستاذ بجامعة القاهرة من حقه في الحصول على لقب الأستاذية الكاملة(لا المساعد) وذلك استناد إلى تقرير ينتهي بتكفير الإنتاج العلمي الذي تقدم به الأستاذ المذكور.>>([2]). وقد استند تكفير اللجنة العلمية لإنتاج نصر حامد أبو زيد على المبررات الآتية:

1-العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة، وتفضيل أهل الرأي على أهل الحديث، ونقد الشافعي الذي أعطى الأولوية للنص وجعل القياس مقيدا به، فيما يعرف بالقياس بالنص. 2-نعت الصحابة والأئمة بما لا يليق بهم. 3-إنكار المصدر الإلهي للقرآن والقول بتاريخيته. 4-نفي كون الله خالق كل شيء. 5-الدفاع عن الماركسية والعلمانية. 6-الدفاع عن سلمان رشدي وروايته "آيات شيطانية ".

أمام هذه الادعاءات اعتبر أبو زيد أن عمله هو كشف لآليات الخطاب الديني . وهو يميز تميزا واضحا بين الدين والخطاب الديني المجسد للسلطة التي يلحقها الإنسان بالنص من الخارج ، بما يتلاءم مع رؤيته إلى المجتمع والكون. وهكذا يتهم أبو زيد عبد الصبور شاهين بالمغالطة وتزيف المفاهيم، لأنه ليس هناك دعوة للتحرر من النصوص، بل من سلطة النصوص. وهي السلطة التي أضافاها الشافعي والفكر الديني . لقد حدد أبو زيد آليات الخطاب الديني فيما يلي :

1-التوحيد بين الفكر والدين وبين التراث والدين ، مما يجعل كل من الفكر والتراث دينيين.

2-تفسير الظواهر كلها بردها جميعا إلى مبدأ أو علة أولى فيؤدي دلك إلى تغيب التفسيرات العلمية. 3-الإعتماد على سلطة السلف، وسلطة النصوص. 4-إطلاقية الأحكام، وغياب النظرة النسبية إلى الحقيقية. 5-إهمال البعد التاريخي لتشكل الحقائق.

هذه جملة الآليات التي يضبطها في كتابه نقد الخطاب الديني (الطبعة الأولى). أما في الطبعة الثانية لنفس الكتاب يضيف آلية التكفير قائلا:<< إن التكفير-في الحقيقة-يمثل أيضا إلى جانب "الحاكمية" و النص"عنصرا أساسيا في بنية الخطاب الديني بشقيه المعتدلوالتطرف على السواء،غاية الأمر أنه معلن في خطاب المتطرفين، كامن خفي في خطاب المعتدلين.>>([3]). وقد ثم إضافة هذه الآلية تحت ضغط أحكام التكفير الصادرة ضده. مما يعني أن هناك ما هو أصيل في فكر أبو زيد، وهناك ما هو مجرد رد فعل. لأن كتابه "التفكير زمن التكفير" لا يحلل تحليلا علميا ومنهجيا التكفير بقدر ما هو مجرد تكرار لكتاب "نقد الخطاب الديني" ونقد لوسطية الشافعي، ومجموعة من التبريرات لنفي التهم الموجهة إليه.

لقد دافع أبو زيد عن نفسه من خلال تحديده لثوابت الإيمان الديني المتمثلة في العقائد والعبادات، كالإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت...وتأكيده المستمر أنه مسلم ومؤمن كقوله:<< إتهام كاتب التقرير للباحث إذا بأنه ينكر مفهوم العلة "الأولى"الذي يعني إنكار الألوهية اتهام باطل من أساسه، لكنه الإتهام الذي صوغ مسألة "عداوة النصوص" ويسهل تصديقها من جانب النقلة والأتباع.>>([4]). وهذا يتناقض مع ما طرحه في كتابه " الخطاب والتأويل" قائلا:<< فكلنا مسلمون بداهة،وإسلامنا هو الأصل الذي يحتاج لبرهان.ليس مطلوبا من المفكر أو المواطن أن يثبت إسلامه لأحد.>>([5]). ويظهر التناقض جليا في المقال الذي نشره في "مجلة الطريق" تحت عنوان "نداء على الشعب المصري" والذي صرح فيه: <<وإذا كان شعار العالم "أنا أفكر فأنا موجود"، فليكن شعارنا "أنا أفكر فأنا مسلم">>([6]).  توقف علي حرب عند هذا التصريح في مؤلفه "الاستلاب والارتداد" معتبرا إياه تراجعا عن منجزات الفكر التنويري. فبعد أن كان يهدف إلى إخضاع الخطاب الديني، أي النص الديني والفهم الديني للنصوص إلى الدرس والتحليل العقلاني لإزاحة الغيبي والأسطوري واستبداله بالإنساني والتاريخي. بعد كل هذا يعود في الأخير ليحتمي بالدين وليس بالعلم. هذا الموقف سبق وأن انتقده أبو زيد في كتابه "نقد الخطاب الديني". يقول علي حرب: <<وهكذا انساق أبو زيد،من حيث لم يشأ،تحت تأثير الإرهاب الديني الذي يمارس ضده،إلى تقويض الإنجاز الديكارتي، منقلبا بذلك على عقله التنويري،إذ التنوير هو خروج المرء من قوقعته الدينية ونهوضه من سباته العقائدي. >>([7]). وقد تنبه أبو زيد في كتابه الخطاب والتأويل إلى إمكانية حصول مثل هذا التراجع قائلا: <<ومن شأن هذا الموقف الدفاعي السجالي أن يدخل "الجديد" في دهاليز الديماغوجية الوعظية الإنشائية التي تخاطب العوام بلغتهم وعلى قدر أفهامهم. فينخرط المفكر في إنتاج خطاب ركيك سقيم ينطوي على "التراجع" و"الإستسلام".>>([8]).

في كتابه "دوائر الخوف" يسجل أبو زيد الإعتراف الآتي:<< لقد كان خوفي-الذي ما يزال قائما-من إستراتيجية "البحث عن  العفريت" التي لاحظت أنها تسيطر على قراء كتبي مثبطا شديدا جعلني أحيانا أفقد الثقة في جدوى الكتابة والنشر.>>([9]). فأكيد أنه بعد الأحكام التي صدرت في حق أبو زيد جعل قرائه وخاصة المتشككين في معتقداته يقرؤون نصوصه بكثير من الحذر والتمعن لإيجاد ما يمكن أن يدينه ويؤكد صدق الأحكام الصادرة ضده. وهذا ما يمكن أن يدفعه إلى المزيد من التريث في صياغة أفكاره  والتعبير عنها. رغم أنه من قبل كان يطرحها بلغة جسورة غير مراوغة، لغة تقول ما تريد دون لف أو دوران. لكن شعور كثير من المفكرين بخطورة عرض الأفكار دفعة واحدة وبوضوح جعلهم يلجئون إلى استخدام الحيلة، كما يفعل حسن حنفي والدي يقول:<< أن تقال الحقائق إلى المنتصف حتى يتعود عليها الناس ثم يكمل جيل قادم النصف الآخر خير أن تقال مرة واحدة..أن تقال الحقائق على نحو متشابه ويترك لجيل قادم أحكامها خير أن تقال محكمة فتقابل بحكم آخر، وتسيل الدماء في عصر التكفير والتخويف المتبادلين.>>([10]). وحسن حنفي يعترف قبل ذلك أن أمثال أبو زيد هم الجيل القادم، فبعد جيل المشاريع الكبرى يأتي جيل جديد يحقق مشروع النهضة على نحو عملي دقيق، جيل يوصف بأنه تكون وتجرأ وقرأ بين السطور وتجاوز، مثل جيل نصر حامد أبو زيد، وسيد القمني ثم جيل علي مبروك.....

ما يميز جيل أبو زيد عن جيل المشاريع هو الجرأة. حيث أن أبو زيد أدرك ذلك عشية تكفيره وفي نداءه إلى الشعب المصري إعتبر أن أفكاره وقراءته التي يزعمون أنه ارتد بها عن الإسلام تملأ الأسواق وأرفف المكتبات منذ سنوات طويلة. تسائل أبو زيد لماذا لم يحكموا عليها بنفس الأحكام؟ وهو فعلا يشعر أنه ينتمي إلى جيل جديد، جيل القراءة العلمية. يقول: << لكن التفات مفكر في قامة زكي نجيب محمود لمسألة التراث وتطويره وتجديده أوجد تحققه في الجيل الثاني، فانتقل مشروع النهضة من "قناع" التراث إلى "تجديد التراث"مع حسن حنفي ولعله ينتقل من " التجديد " إلى "القراءة العلمية" عند الجيل الثاني من تلاميذ الراحل العظيم.>>([11]). والمقصود بقناع التراث عند زكي نجيب محمود هو تحول هذا الأخير من الوضعية المنطقية ومحاولة تجاوزه للميتافيزيقا إلى الإهتمام بالتراث العربي الإسلامي تحت تأثير الهزيمة. وبالتالي إدراكه أن الغرب عدو لا يمكن الإعتماد على نظرياته الفلسفية للنهوض بالأمة العربية الإسلامية، فاختفى هكذا وراء قناع التراث للاحتماء به.

لقد طرح حسن حنفي من قبل فكرة التعود على الحقائق، وكأن الحقيقة لا يجب أن تقال دفعة واحدة لكي لا تصدم القارئ، فيتجنب المفكر ردود الأفعال، إلا أنه بالرغم من القضايا التي طرحها أبو زيد إلا أنها تتكرر عند كثير من المفكرين وخاصة منهم: أركون، الجابري، برهان غليون، حسن حنفي… وإن كان الفارق بينه وبينهم هو طريقة الطرح، فأبو زيد أكثر فf;:d$ جرأة جرأة منهم وأكثر وضوحا في التعبير عن أفكاره. إلا أن تكرار طرح هذه الحقائق لم يحدث ما كان يرغبه حسن حنفي أي تعود القارئ عليها. والدليل تكفير أبو زيد مما يعني الرفض المستمر لمثل هذه الأطروحات (العلمانية، التاريخية، العقلانية، الحرية...)، فالتكرار ليس معيارا أكيدا لقبول الحقيقة. وهل يمكن فعلا أن تقال الحقائق إلى المنتصف، وهل يمكن التكلم عن نصف حقيقة؟ فالحقيقة إما أن تقال أو لا تقال. ويمكن أن تقال لفئة معينة ولا تقال لفئة أخرى، تبعا للشروط التي وضعها إبن رشد انطلاقا من فصله بين المعرفة البرهانية والجدلية والخطابية. وهكذا فإن وجود عائق التكفير إما أنه يؤدي إلى قول الحقيقة إلى المنتصف مما يفقد الحقيقة كل معنى أو مصداقية وفعالية، أو أنه يمنع التعود على الحقائق عندما تقال بوضوح وبطريقة مباشرة.

يستعرض كذلك أبو زيد التكفير كعائق أمام العمل الأكاديمي وأمام البحث العلمي. فهو يطرح في هامش كتابه" الخطاب والتأويل" التأثير المباشر للاغتراب: << ومن الضروري هنا الإشارة على سبيل الاعتذار إلى ذلك الاعتماد على دائرة المعارف الإسلامية من جهة، دون العودة إلى المصادر، وكذلك الاعتذار على استخدام طبعات قديمة جدا لبعض كتب إبن رشد، خاصة كتاب التهافت، وبخصوص هذا الكتاب الأخير فالطبعة التي اعتمدت عليها من السوء لدرجة أنها أحوجتني في كثير من الأحوال للعودة إلى الترجمة الإنجليزية للكتاب- والتي سأشير إليها من بعد- من أجل التأكد من صحة قراءتي للنص،ولعل القارئ سيسامح  كل  تلك المحظورات التي أباحتها ضرورة بعدي عن مكتبتي في سياق لا يحتاج لشرح أو إيضاح.>>([12]). فهل يمكن في مثل هذه الظروف المتمثلة في البعد عن الوطن وبالتالي عن الكتاب تحقيق القراءة العلمية التي كان يصبوا إليها أبو زيد؟

في نفس الإطار يشعر أبو زيد بأن ما حدث له شبيه بما حدث لابن رشد الذي أحرقت كتبه. هذا كله أثر على تفكير أبو زيد، مما جعله يجزم بوجود محاكم التفتيش في واقعنا إشارة إلى ما تمارسه مؤسسة الأزهر من مراقبة على منتجات العلوم الإنسانية. يقول:<< فبرغم كل الادعاءات والدعاوي العريضة، والفارغة من الفهم، من عدم وجود سلطة دينية في الإسلام تشبه الكنيسة في المسيحية، فالواقع الفعلي يؤكد وجود هذه السلطة، بل وجود محاكم التفتيش في حياتنا…>>([13]). ويشير محمد عبده إلى أن إنشاء محاكم التفتيش في أوروبا كان مصادفا لظهور الرشدية وانتشار العلم والفلسفة، خصوصا في جنوب فرنسا وإيطاليا. وقد مارست هذه المحاكم عنفا على كل المفكرين الذين لم تكن تصوراتهم تتطابق مع أطروحات الكنيسة. ومن بين الإحصائيات التي بقدمها محمد عبده أنه ما بين 1481م إلى 1808م تم الحكم على ثلاثمائة وأربعين ألف شخص ، منهم ما يقارب مائتي ألف أحرقوا بالنار أحياء. ومن أهم المحاكمات محاكمة غاليلي غاليليو بسبب أفكاره العلمية والفلكية المساندة لملاحظات كوبرنيكوس حول دوران الأرض. يقول بدوي واصفا ذلك:<< وتمت محاكمة جاليليو للمرة الثانية بتهمة الهرطقة. وصدر الحكم في 22يونيو سنة 1633 ، وفي القاعة الكبرى في دير الدومنيكان المسمى دير منيرفا della Minirva ، وإضطر جاليليو وهو جاث على ركبتيه،أن يقر بأنه إرتكب حطيئة وفقا للصيغة التي أعدتها المحكمة – حين إعتقد أن الأرض متحركة وأن الشمس في مركز مجموعة من الكواكب من بينها الأرض.وتعهد بأنه من الآن فصاعدا سيكون مطيعا لسلطة الكنيسة وعقائدها، وبأنه ينفذ كل العقوبات التي فرضت عليه، ومن بين هذه العقوبات:<<السجن الشكلي Carcere Formale لدى الديوان المقدس.>>([14]). وهذا يدل على الطابع الديني لمحاكم التفتيش. فبالرغم من أن أعمال غاليلي كانت متوجهة لدراسة الكون بطريقة علمية، إلا أن نتائج دراسته جعلت المؤسسة الدينية تحكم عليه بالهرطقة، لأنه شكك في المعتقدات الدينية. وخاصة أن معارف الكنيسة العلمية لم تكتسب بوسائل البحث العلمي، بقدر ما اكتسبت بطرق الإيمان الديني التي لا يمكن في نظرها أن تخطئ.

يمكن إقامة مقاربة بين السلطة المهيمنة في المجتمعات الغربية وبين آلية التكفير المشتركتان في قاعدة المنع. فمشال فوكو مثلا في دراساته يؤكد على طبيعة السلطة التي تهدف إلى القمع وفرض القانون والخضوع له. وهذا ما يؤكد على وجود أشكال المقاومة المواجهة للسلطة. وبفضل تمفصل نقاط المقاومة تمتد السلطة إلى مختلف المجالات الاجتماعية . لا يمكن الفصل بين الخطاب والمقاومة لأنه في نظر فوكو أفضل ما يقاوم السلطة، عن طريق قول الحقيقة بوضوح، وتجنب التحريف. والسلطة تلجأ إلى العقاب في حالة عدم الخضوع للقانون. ويختصر فوكو أشكال العقاب في ثلاثة أنواع:<< وثمة طريقة وجيزة لوصف تاريخ العلاقات السلطوية والعلاقات الشيئية تقوم على اختصار أشكال العقاب الثلاثة التي وصفها فوكو، أي التعذيب كوسيلة للسلطة الملكية، والإصلاح الإنساني كحلم للتصور المثالي في العصر الكلاسيكي، وأخيرا السجن والمراقبة الضبطية كتجسيد للتكنولوجيا الحديثة للسلطة التأديبية.>>([15]). والتكفير يخرج عن هذه الأشكال الثلاث من العقاب التي وصفها فوكو، وإن كان يؤدي أحيانا إلى التصفية الجسدية يقول أبو زيد:<<...ويلي الاتهام بسلاح التكفير ومشتقاته إطلاق الرصاص من جانب الجناح العسكري للاتجاه -أو الاتجاهات –الإسلامي..>>([16]). وما يعادل التكفير في المجتمعات الغربية هو الجنون. فالاتهام بالجنون هو أيضا آلية للإقصاء. يرى هنري أوكومب في مقاله "التواصل والجنون" أن المجنون كضحية يؤدي وظيفة مزدوجة، فهو يطرد العنف من الجماعة، لتمركز العنف على شخص بعينه. وهو ثانيا يحقق الإجماع الذي يؤسس التماسك. وبالتالي فإن الإصابة بالجنون خطر يتربص بكل من يعيش في الجماعة، ما دام تحمل الآخر واحترام القانون واجبين إجباريين.

تعرض فوكو من خلال "نظرية القهر" للجنون. فالجنون ليس مرضا عقليا تتم معالجته في المصحات والمستشفيات، لأن الطبقة البرجوازية في العصر الكلاسيكي كانت تفرض أخلاقياتها وقناعاتها على مختلف طبقات المجتمع. ومن يقاومها يعد شاذا أو مجنونا يجب عزله عن الآخرين. وهذا عكس ما هو موجود في الحضارة العربية الإسلامية التي لم تستعمل آلية الجنون للإقصاء. مما جعل المستشفيات التي كانت مخصصة للمجانين أكثر إنسانية وأكثر خضوعا للمعايير الطبية لأنه لم يكن لها هدف آخر غير العلاج. يقول عمر مهيبل شارحا فوكو :<< يظهر أن العالم العربي عرف مند مدة مستشفيات حقيقية مخصصة للمجانين فحسب،قد يكون ذلك في فاس ابتداء من القرن السابع وقد يكون في بغداد في نهاية القرن الثاني عشر، وبالتأكيد في القاهرة خلال القرن الثالث عشر، وقد اتبع في هذه المستشفيات نوع متميز من العلاج، وهو علاج النفس بواسطة الموسيقى، والرقص، والعروض المسلية والشعر الرقيق، الناعم، وكل ذلك يجري تحت رعاية أطباء متخصصين،يقررون وقف العلاج متى تحسنت حالة المريض.>>([17]). عكس المستشفيات الغربية فقد كانت تديرها إدارة مدنية لا علاقة لها بالطب، وفي كتابة "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي" يقول:<< إن المستشفى الرئيسي ليس مؤسسة طبية، هو بالأحرى بنية شبه قضائية، نوع من الهوية الإدارية، التي هي بالإضافة إلى السلطات المشكلة وخارج المحاكم، تقرر،وتحكم وتعدم..>>([18]). صفة الجنون لم تلصق فقط بالمعتوه والأبله والمشرد...بل حتى بالفيلسوف، الذي لم يحاول التخلص منها بقدر ما عمل على جعلها صفة ملازمة له. فنجد أن نيتشه يقول: << ولأننا عقول خطيرة، ولنا جسامة الوزن بدل جسامة الرجال، فلا شيء يستطيع  أن يحسن إلينا أفضل من قبعة المجنون: إننا في حاجة إليها حاجتنا إلى دواء ضد أنفسنا...>>([19]). أصبح الجنون عند نيتشه يعني أن يكون المرء مرحا، رافضا، ساخرا، طفوليا ، وجديا، يستطيع أن يجمع بين المتناقضات، غير راض بالأفكار العمومية والمشتركة أو بالضرورة الاجتماعية. وهذا ما جعل كذلك ديريدا في كتابه "الكتابة والاختلاف" يرى أنه لا تفلسف إلا في الرعب، أي رعب الاعتراف بالجنون. أما فوكو قد اعتبر أن الجنون ملازم للعمل الابداعي، ويظهر الجنون عند اكتمال هذا العمل، حينها يكون العالم في مواجهة هذا العمل المنجز فيضطر إلى أن يقيس نفسه باللامعقولية من خلال مجهوداته ونقاشاته خاصة عندما يتعلق الأمر بأعمال نيتشه أو فون غوغ. هكذا استطاع الفكر الغربي الاعتراف بالجنون مع إعطائه معنا جديدا غير مناقض للعقل بل للأفكار الجاهزة يقول نيتشه: <<...ليست الحقيقة ولا اليقين هما ما يكون الرأي المعاكس لعالم الجنون،بل العمومية والضرورة الاجتماعية لرأي ما...>>([20]). أما في العالم العربي فقد بقي التكفير دائما مناقضا للتفكير، يقول أبو زيد:<<...'التكفير" هو المنهج الكاشف عن مخاصمة "التكفير"والانقلاب ضده...>>([21]).

إن الإقرار بوجود محاكم التفتيش التي تمارس رقابة مستمرة على الأفكار يتناقض مع أطروحات كثيرة من المفكرين الذين ينفون وجودها. مثل محمد عبده ورشيد رضا، بحجة أن الإسلام لم يعرف الكهنوت أو الرئاسة الروحية بتعبير رشيد رضا. بحيث لا يحق لأي أحد من الناس حتى الرسل منهم محاسبة الغير، ولا الإكراه والإجبار،ولا المحاسبة على القلوب أو الأفكار،ولا مغفرة الذنوب والأوزار، ولا الحرمان من الجنة وإدخال النار. بل ذلك كله لله الواحد القهار. وهذا ما يميز الخلافة عن "البابوية" أو الرئاسة الروحية. وبالعودة إلى الإحصائيات التي قدمها محمد عبده حول الأحكام الصادرة عن محاكم التفتيش، وبالمقارنة مع أحكام التكفير الصادرة في حق المفكرين. فالملاحظ أن هناك فرق في كثرة المحاكمات في الغرب وقلتها في العالم العربي الإسلامي، وظاهرة التكفير تكاد تنحصر في المشرق فقط. ويرجع ذلك في نظر مصطفى المنساوي إلى وجود وحدة مذهبية في المغرب وعدم وجودها في المشرق قائلا:<< لم يعرف المغرب في تاريخه الحديث عمليات"تكفير" مماثله لتلك شهدتها بعض بلدان المشرق العربي خلال هذا القرن، وخاصة منها مصر ولبنان، يعود هذا الأمر،من بين ما يعود إليه،إلى الوحدة المذهبية (كل المغاربة مسلمون سنيون،لا يتوزعون بين الديانات والطوائف)،وإلى طغيان الصراع السياسي على الصراع الثقافي وحلوله محله في غالب الأحيان...>>([22]). وهذا ما يوضح أنه من بين الآثار السلبية للتكفير جعل المحكوم عليه يصدر أحكاما مبالغا فيها. وعنوان كتاب أبو زيد:" التفكير زمن التكفير"، يدل على ذلك، فقد جعل التكفير ظاهرة عامة، والتفكير ظاهرة خاصة ومحدودة ، وبذلك غلب التكفير على التفكير. وحكمه على خطابات التيارات الإسلامية بنفس الحكم ووضعها كلها في خانة واحدة، لا فرق بين المتطرق منها والمعتدل حكم غير صائب. لأنه لا يمكن للتكفير أن يكون مشتركا بين كل الإتجاهات الإسلامية. فمحمد عبده الذي يمثل التيار المعتدل كان له موقف رافض للتكفير. فإن كان هناك خطاب يحتمل الكفر بنسبة تسعة وتسعون بالمائة ويحتمل الإيمان بنسبة واحد بالمائة فلا بد من اعتباره خطاب إيمان لا خطاب كفر. فهناك إذا تعقيد واضح في تركيبة "اليمين الديني" كما يستعرض ذلك حسن حنفي: <<والحقيقة أن اليمين الديني أكثر تعقيدا، فهناك خطاب المؤسسة الدينية الرسمي الممثل في الأزهر( الطنطاوي)، وهناك خطاب الدولة الرسمي الممثل في أجهزة الإعلام (الشعراوي). وهناك الخطاب الإسلامي الذي يضم بدوره عدة تيارات مختلفة يجمعها جامع ولكن تتمايز فيها الأصوات، ويقترب البعض منها وهو الإسلامي المستنير (كمال أبو المجد، طارق البشري، فهي هويدي) إلى اليسار الإسلامي بينما يقترب البعض الآخر(محمد الغزالي، محمد عمارة) إلى اليمين الديني..>>([23]). وأبو زيد يضع اليمين الديني بكل تفرعاته (خطاب الدولة الرسمي، خطاب المعارضة الدينية، الإسلام المستنير، التيار العلماني الديني، الإسلام المستنير العلمي) في الطرف المناقض لليسار العلماني الذي يمثله هو نفسه.

من الآثار السلبية لعائق التكفير أن أبو زيد أصبح يمارس على خصومه نوعا من العنف.فهو أحيانا ومن خلال بعض المصطلحات يصفهم بالأصولية والسلفية والرجعية الظلامية...يمارس هكذا بدوره إقصاء لخصومه من الساحة الفكرية، معتقدا أن مثل هذه المفاهيم ستبعد القارئ عن تلك الأفكار. كقوله مثلا:<< ومن هنا تكون الدعوة إلى "التحرر من سلطة النصوص"هي في حقيقتها دعوة إلى التحرر من السلطة المطلقة والمرجعية الشاملة للفكر الذي يمارس القمع والهيمنة والسيطرة حين يضفي على النصوص دلالات ومعاني خارج الزمان والمكان والظروف والملابسات.>>([24]). ويصف كذلك خصومه بالخداع والتزوير والتضليل يقول:<< هذا الإقصاء للعلمانية والعلمانيين من حيز "الوطن" و"الوطنية" يعتمد أيضا على آلية الخداع والتزوير والتضليل، التي توحد بين "العلمانية" و"الكفر" ولا ترى فيها إلا معاداة الأديان.>>([25]). بالإضافة إلى أن مفهوم السلفية الذي يصف به أبو زيد خصومه ليس دقيقا. فطه عبد الرحمان يعتبر أن هذا المفهوم لا يصدق فقط على الاتجاه الإسلامي بل حتى على الاتجاه التنويري يقول: <<فليست الطريقة التي يفكر بها السلفي بمختلفة عن الطريقة التي يفكر بها هذا المدعي،فالفكر أيا كان ولأي كان وفي أي مجال كان،يعتمد دائما وأبدا نماذج "سالفة" يرجع إليها في تحصيل المعرفة وتبليغها.>>([26]). فالتنويري في رجوعه إلى نموذج تراثي غربي يتصور العقلانية كما يتصورها أسلاف الغرب في القرن السابع عشر. وتظهر سلفية أبو زيد بالخصوص في رؤيته القريبة من المادية التاريخية في أصولها الماركسية، والتي تعطي الأسبقية للواقع على ما هو ميتافيزيقي أو روحي. مما أدى بأبو زيد إلى القول بأسبقية الشروط التاريخية وتأثيرها على النص الديني وتشكله. وحتى الفعل الإلهي حسبه يجري على سنن التاريخ وقوانينه. وبذلك يقع في تقديس التاريخ بل تأليهه، كما لو كان سيدا عظيما يقبض على كل شيء.

بالنسبة لأركون فيرى أبو زيد أن هذا الأخير قدم بعض الترضيات للحفاظ على موقعه الشرعي داخل الثقافة. من أجل ذلك يقوم بقراءة في فكر محمد أركون، يصل فيها إلى أنه يسعى من خلال أعماله إلى تجاوز الاستخدام الإيديولوجي للدين في الخطاب الإسلامي. وفي نفس الوقت يهدف كذلك إلى تجاوز الخطاب الاستشراقي الذي يدعي الحياد  والموضوعية في تعامله مع ظاهرة الدينية. وأركون ليس منحازا إلى الخطاب الإسلامي، ولكن يشعر بنوع من التضامن مع الإسلام. وهذا ما يجعله يلتزم التفكير الحر، ويستخدم أفضل طرق الاجتهاد في التعامل مع الخطاب الإسلامي. وحسب أبو زيد فإن أركون متردد في مشروعه بين الحفاظ على "التيولوجيا"، وبين التخلص منها من أجل تأسيس وعي علمي بالتراث. بحجة أن المنهجية العلمية المعاصرة لا تقيم تناقضا بين العقلي والأسطوري. يقول أبو زيد:<<..إن وضع التاريخية  في قلب المجتمعات الإسلامية، تم تتبع مصدر الدين من حيث هو أحد مكونات تلك التاريخية،لا يعني- فيما يرى أركون "أنه ينبغي أن نهجر...مفهوم كلام الله الموحى به في القرآن.>>([27]). وهذا عكس ما كان حاصلا في عقلانية النهضة الأوروبية. ويتوجه أركون لنقد التراث لإظهار التعددية الموجودة فيه. عكس النظرة "الأرثودكسية" التي تدمج التاريخي والإجتماعي في المقدس، مظهرة التراث بمظهر الوحدة. وأخيرا يقوم أركون بتطبيق القراءة التزامنية على الوحي لجعله معاصرا لقارئه. عكس القراءة "الإسقاطية"، أي قراءة العجيب المدهش كما كان يتلقاه المسلم في اللحظات الأولى لهبوط الوحي. وعموما يهدف أركون إلى إقامة تعايش بين الخطابات الدينية الثلاثة (الإسلام، المسيحية، اليهودية) وبين الخطاب العلمي والخطاب الإسلامي المسيطر. ويعتبر أبو زيد أن فكرة التعايش وخاصة بين الخطاب العلمي والخطاب الإسلامي المسيطر ليست إلا محاولة لإرضاء الخطاب الإسلامي المسيطر. وخاصة وأن أبو زيد يقيم علاقة صراعية بينهما محاولا المحافظة على الأول وإقصاء الثاني مركزا على العقل. يقول:<< والأصل والبدء هو سلطة العقل، السلطة التي يتأسس عليها الوحي ذاته ،العقل لا بما هو آلية صورية جدلية، بل بما هو فعالية اجتماعية تاريخية متحركة. هذه السلطة قابلة للخطأ، لكنها بنفس الدرجة قادرة على تصويب أخطائها، والأهم من ذلك أنها وسيلتنا الوحيدة للفهم. فهم العالم والواقع وأنفسنا والنصوص.>>([28]). هكذا يقصي أبو زيد العرفان والتصوف. ويقيم النصوص على دعامة العقل ودعامة الواقع والتاريخ.

لاحظ علي حرب بدوره أن أركون يقدم في كل مرة إجابات مختلفة عن موضوع واحد بنفسه. بغرض تفادي أحكام الأصوليين الإسلاميين المتطرقة. حيث يقول:<< يبدو لي أن اركون يتردد في الإجابة.إنه يجيب كل مرة إجابة مختلفة تنبئ عن الحرج والخشية في مواجهة هذه المشكلة الحساسة، بل هو يلجأ إلى الحيلة والمداورة، بمعنى أنه يجيب ولا يجيب، مرة يقول:من المستحيل عمليا في اللحظة الراهنة فتح مناقشة نقدية تاريخية أو حتى مناقشة تأويلية بخصوص القرآن (الفكر الإسلامي، قراءة علمية،ص51). ومرة أخرى يذهب إلى أن مسعاه من نقده هو"فرض قراءة تاريخية للنص القرآني"( الفكر الإسلامي، قراءة علمية،ص213)، ومرة ثالثة يقول: عملي يقوم على إخضاع القرآن لمحك النقد التاريخي المقارن(الثقافة الجديدة عدد26/27/1983) ومرة رابعة يترك استخلاص الجواب لقارئه قائلا: أجيب على هذا السؤال المرعب ولن أكرر هنا ما قتلته في أمكنة أخرى (الإسلام، الأخلاق، والسياسة،ص23 ).>>([29]). وهذه كلها آليات دفاعية يلجأ إليها بوعي أو بغير وعي، لكي يحول بينه وبين منتقديه من أصوليين وإسلاميين. إلا أن ذلك يتم على حساب البحث عن الحقيقة، أو بالأحرى قول الحقيقة. وعلى حساب كذلك التواصل بينه وبين القارئ الذي سيجد صعوبات في تحديد موقف أركون أو معرفة نتائج أبحاثه بوضوح وبعيدا عن الحيلة والمداورة. ويبقى أركون كما يرى هاشم صالح محل شبهة لدى الدول العلمانية، ولدى الدول الإسلامية. حيث يقول:<< بمعنى أن الدول العلمانية تشتبه به لأنه قد يعيد الدين أو رجال الدين إلى الساحة العامة للمجتمع بعد أن طردوا منها على إثر تأسيس النظام العلماني، وأما في الدول الإسلامية فإن كليات الشريعة والأزهر والنجف ورجال الدين بشكل عام يشتبهون بتاريخ الأديان لأنه قد يؤدي إلى نزع القدسية عن الدين.>>([30]). فرغم أن أركون يعيد الاعتبار للظاهرة الدينية، إلا أنه يخضعها كظاهرة موضوعية لمحك النقد العلمي، متناولا الظاهرة الدينية في مختلف تجلياتها. فإذا كان المستشرقون يراعون الإسلام السني أكثر من غيره، كي لا يجلبوا لأنفسهم أي مشكلة. فإن أركون يرى أن الدراسة العلمية ينبغي أن تطبق على كل تجليات الإسلام. سواء أكان سنيا، أو شيعيا،أم معتزليا، الخ. ومن أشكال النقد التي يمارسها أركون على النص الديني المؤسس (القرآن)، أنه يربطه بالمستوى اللغوي والنحوي، ومرجعياته التاريخية المرتبطة بشبه الجزيرة العربية. ويعتبره كغيره من النصوص الأخرى كالتوراة والأناجيل، والنصوص المؤسسة للبوذية أو الهندوسية. من حيث احتواء هذه النصوص كلها على نفس مستوى التعقيد والمعاني الفوارة الغزيرة. ويرى كذلك ضرورة تقديم طبعة نقدية محققة عن النص القرآني عن طريق إنجاز تصنيف كرونولوجي للصور والآيات. من أجل العثور على الوحدات الأولى للنص الشفهي. ولكي يتمكن من استخدام المنهج التاريخي الذي يربط معاني النص بزمن تشكله. والأهم في تلك الدراسة النقدية إدراكها للفارق بين المرحلة الشفهية والمرحلة الكتابية في تاريخ النص الديني وتشكله. يقول: <<ومن أهم هذه المكتساب ذلك التمييز الذي تقيمه الألسنيات بين النص الشفهي/ والنص ذاته بعد أن يصبح مكتوبا، فهناك أشياء تضيع أو تحرر أثناء الانتقال من المرحلة الشفهية إلى المرحلة الكتابية.>>([31]). وهذه الانتقادات كلها تكرر في مؤلفات أركون كلها وبوضوح، مما لا يترك مجالا لأن يتملص من أحكام الأصوليين المتطرفة. لأن هؤلاء يعلمون أن الدراسة العلمية للقرآن سوف تكشف عن تاريخيته، وسوف تربطه بظروف عصره. مما يؤدي إلى إزالة القداسة عنه. يقول هاشم صالح:<< الإسلام التقليدي المحافظ والحركات الأصولية كلها مرعوبة من تطبيق المنهج التاريخي على التراث الديني الإسلامي، وهي تحاول تأخيره بكل وسيلة ممكنة، وذلك لأنها تعرف أنه سوف يؤدي عاجلا أو آجلا إلى تحرر الناس من هيبة رجال الدين وسيطرتهم على العقول، كما أنه سيؤدي إلى علمنة المجتمع والمؤسسات السياسية والتعليمية وغيرها.وهذا ما تخشاه أشد الخشية.>>([32]). والمعطيات تدل على أن أركون لا يبالي بمواقف الحركات الأصولية منه، لأنه ولسبب بسيط يعيش في بلد أجنبي. عكس أبو زيد الذي كان متواجدا في بلد مسلم، فهو من جهة باحث مسلم، يكتب مباشرة بالعربية ويدرس في جامعة القاهرة. وقد تجرأ على انتهاك المحرمات العديدة التي تحول دون تطبيق الدراسة العلمية على القرآن. وبالتالي فهو أكثر تعرضا لردود الفعل العنيفة والدليل على ذلك أن أفكاره ليس فيها جديد باعترافه هو نفسه. يقول أركون: << في الواقع أن أبحاث الأستاذ أبو زيد ليست ثورية أو انقلابية إلى هذا الحد إذا ما وضعناها داخل الإنتاج العلمي للسنوات العشرين الأخيرة، إنها أكثر من عادية أو طبيعية.>>([33])، إلا أنه رغم ذلك وبسبب العامل الجغرافي والعامل اللغوي (البساطة في التعبير) تعرض أبو زيد للمحاكمة.

إن أحكام التكفير تصدر في دول ذات طبيعة حكم علماني. إلا أن التيار الديني يملك من السلطة الكافية التي تمكنه من جر المفكرين إلى المحاكمة، وكأن السلطة تدفع ثمن علمانيتها بأن تقدم هؤلاء المفكرين "كبش فداء" للمؤسسات الدينية. لأن المؤسسات المدنية (المحاكم المدنية) هي التي تحاكم. بالإضافة إلى المؤسسات العلمية ( الجامعة) التي انسحبت من مهمتها التنويرية أثناء صراع التنويريين مع السلفيين. وهذا ما جعل قصي صالح الدرويش يتساءل:<<..فإذا كانت محاكم وقضايا التكفير بهذا الحجم في ظل أنظمة مدنية غير دينية، فكيف سيكون الحال في ظل دولة إسلامية تقوم على التطبيق الحرفي للشريعة.؟>>([34]).

في الأخير يمكن التساؤل: هل فعلا التكفير عائق أمام التفكير؟ أو هل للتكفير أثار سلبية فقط على القراءة النقدية للتراث؟ للإجابة على هذه الإشكالية يمكن البدء بنص لنيتشه حول امتياز أن نهاجم:<< يسعى العاجزون عن تجلية مزاياهم لأنظار الناس إلى إثارة عدوانية الآخرين الشديدة لهم، حينما يعزون أنفسهم بالاعتقاد أن هذه العداوة تحول بين استحقاقاتهم وبين تقدير الناس لهم بشكل منصف...وأن كثيرا من الآخرين يعتقدون نفس الشيء، وهو في صالح اعتباراتهم.>>([35]). يمكن انطلاقا من هذا النص التعرف على الأسباب الأساسية الداعية لتكفير أبو زيد، ومحاكمته من خلال القضايا الآتية:

  • أبو زيد عاجز عن إظهار مزاياه للناس. وذلك له علاقة بما قاله أركون من أن أفكاره تدخل في إطار العادي والطبيعي، والمقارنة مع العشرين لسنة الماضية فإن كتاباته لا تضيف الجديد إلى موضوع دراساته.
  • أبو زيد يثير عدوانية الآخرين أي الاتجاه الأصولي السلفي عن طريق مايلي:

- اختيار التأويل القائم على الفهم وفق نموذج غادامير. وليس على التفاهم كما يقترحه هبرماس. أي أن أبو زيد يدخل ضمن "صراع التأويلات"، ولا يقدم أرضية للحوار والتفاهم والتواصل بشكل ديمقراطي مع الغير بل على العكس يفضل فهمه الخاص للنص.

- يجرد الخطاب الديني من كل مرتكزاته، أي من النص بالقول أنه منتوج تاريخي. ومن الحقيقية بالقول أنها نسبية وبأن النص فيه من المجاز أكثر من الحقيقة. ومن السلطة برفض الحاكمية، وإرجاع السلطة إلى المجتمع.

- يختار أبو زيد شكل الكتابة القائمة على الوضوح وعدم المراوغة. عكس ما يفعل مثلا حسن حنفي، وذلك كي لا يترك أبو زيد لخصومه أدنى شك حول حقيقة مواقفه. وبالتالي يكون رد فعلهم عنيفا.

  • تكفير أبو زيد يحول بينه وبين مكانته العلمية التي كان من المفترض أن يصل إليها لولا ذلك. أي حصوله على درجة الأستاذية.
  • هذا كله يخدم توجهات أبو زيد لأنه وحسب تعبير نيتشه:"مالا يقتلني يزيدني قوة"، ولأن كثير من الناس لا يعرفون للإبداع طريقا إلا وهم محاطون بالخطر،عندها تنجلي كامل قدراتهم. وهذا ما جعل نيتشه يتكلم عن نقل البطولة إلى ميدان المعرفة يقول:<< أحي كل العلامات التي تعلن مقدم عصر أكثر رجولية وشراسة، عصر سيعرف قبل كل شيء كيف يرد الاعتبار للشجاعة لأنه سيمهد الطريق لعصر ارفع منزلة، وسيركز القوة التي سيحتاجها هذا العصر الآتي- عصر سينقل البطولة إلى داخل ميدان المعرفة وسيخوض حروبا حبا في الفكر وفي آثاره...إن سر تحصيل الخصوبة الكبرى ومتعة الوجود الكبرى، صدقوني؟ يتطلب أن نحيا حياة خطرة…>>([36]). وهو في صالحه كذلك لأن التكفير يؤدي أحيانا مفعولا عكسيا. فبدلا من أن يصرف الناس عن بعض المؤلفات يجعلهم يقبلون عليها.ويعطي علي حرب مثلا عن فتوى الخميني في حق سلمان رشدي قائلا:<<…وفي رأي أن فتوى الخميني أعطت مردودا عكسيا، إذا هي صنعت لرشدي شهرته وأسهمت في ترويج الرواية بحيث صار الكل متشوقا إلى الإطلاع عليها..>>([37]). وهو في صالحه أيضا لأن ذلك لم يغير من واقفة، فربما جعله ذلك أكثر حذرا وأكثر حيطة، وأكثر تخوفا أحيانا أخرى. لكن أكثر ثقة بأفكاره وقضاياه. حيث يقول:<< بعد أربعة سنوات كاملة من الحياة في الغرب الأوروبي، وفي مناخ عامي وأكاديمي مغاير كما وكيفا، وبرغم الظروف الكريهة التي ألجأتني قسرا للرحيل إلى منفاي، ما تزال كثيرا من قناعاتي الأساسية في السياسة والاجتماع، والثقافة والفكر، تكتسب ثباتا.>>([38]). ويقصد بالظروف الكريهة ظروف محاكمته. وخاصة قرار الفصل بينه وبين زوجته.لأن من النتائج المترتبة على الحكم بالردة، أن المرأة المسلمة لا يحق لها الزواج مع مرتد. وبالتالي لم يكن له من خيار آخر غير الهجرة إلى بلاد الغرب، إذا ما أراد أن يحافظ على علاقته مع زوجته.

أخيرا يمكن النظر إلى هذا الصراع القائم بين التنويريين والسلفيين، الصراع الذي يستخدم فيه كلا الطرفين آليات الإقصاء والنفي. يمكن النظر إليه على أنه طبيعي وضروري في نفس الوقت. لأن كلاهما يحمل هم النهوض بالأمة العربية الإسلامية، وفق ما يراه مناسبا من الوسائل والمشاريع. وبما أن القرآن والوحي هو غالبا محور صراعهم من خلال تساؤلهم عن كيفية تدوينه، وكيفية تأويله وتفسيره، وعلاقته بالواقع والتاريخ، وطريقة نزوله، ومدى قدمه أو حدوثه، ونسبة المجاز والحقيقة فيه، وقيمة الأحكام الواردة فيه من حيث نسبيتها وإطلاقيتها، وعلاقته بالعقل والإيمان، وناسخة ومنسوخة، وترتيب النزول والتلاوة...كل هذا يدل على أهميته من حيث كونه نصا مؤسسا، ونصا مشرعا. وحسب سبينوزا فإن الناس لا تتصارع إلا على ما كان محبوبا عندهم. يقول:<<...بالفعل،أبدا ما كانت الخصومات تولد بسبب موضوع ليس محبوبا، لأننا لن نحسن بأي حزن إذا تلاشى،وأي حسد إذا امتلك من طرف الغير، وأي خشية، أي كره،وفي كلمة واحدة أي انفعال شديد للروح.>>([39]).

هذا الانفعال الشديد للروح يظهر في حماس الاتجاه السلفي لتحقيق نموذج الخلافة والتطابق مع التجربة المحمدية. والمحافظة على الامتياز الذي يحتله النص الديني داخل الثقافة. وفي نفس الوقت هناك خشية كبيرة من تحقيق العلمنة. أما الانفعال الشديد للروح لدى الاتجاه التنويري فيظهر في الرغبة الملحة في تحقيق الحداثة والتحديث. والخوف من هيمنة رجال الدين وسيطرتهم على العقول الذي كان سببا في انتكاس مشروع النهضة والتنوير حسب نصر حامد أبو زيد. ويمكن في الأخير الاختتام بهذا النص المميز لسبينوزا، الذي يحدد طبيعة العلاقة التي يجب على المفكر إقامتها مع كل العوائق المحيطة به. يقول:<< رغم أن قوى فكر وحيد هي بالتأكيد محدودة، وفعله محدود،فإن الإنسان الحر يجب عليه العيش بيناالجهلة، الذين بسبب جهلهم نفسه معرضين لأخطر الأهواء:إنهم طموحون، غيورون، متكبرون.أفلا يمكن أن يعاني الإنسان الحر من كرههم ومن اضطهادهم؟ أليسوا عائقا للمحافظة عليها (الحرية)؟ أليس من الأحسن أن يتخلى عن خدماتهم وينسحب في العزلة؟ لا الإنسان الحكيم يعلم أن مجتمع الإنسان، حتى وإن كان جاهلا، هو من أول المنافع من أجل تطور ذاته وعقله، بين ضررين فإنه يعلم كيف يختار أقلهما.>>([40]). هذا الإنسان الجاهل أو العامي الذي ركز عليه أبو زيد. حيث رأى أن عدم اهتمام المنظومات المعرفية المختلفة به هو الذي أدى إلى تفاقم أحكام الردة والتكفير. فالمتكلمون كالمعتزلة وجهوا اهتمامهم إلى الإنسان العاقل. أما المتصوفة والفلاسفة فركزوا على الإنسان العارف. وأخيرا فإن الفقهاء راعوا فقط الإنسان المطيع.أما الإنسان الاجتماعي غير العارف أو غير المطيع فقد تم إقصاؤه.حيث يقول:<<..فهو الإنسان" المفكر"عند المعتزلة،"العارف"عند الفلاسفة والمتصوفة، وهو " المكلف"المطيع عند الفقهاء.وفي معظم هذه التحديدات غاب الإنسان" الكائن الاجتماعي"- غير العارف أو غير المطيع-عن هذا الفكر.>>([41]). ومحمد أركون نفسه تنبه إلى الإقصاء الذي تعاني منه الجماهير الشعبية، من طرف المفكرين. بحيث تظل منغلقة داخل الثقافة الشعبية وحدها، رغم أنها هي تمثل الأغلبية المستهلكة للعقائد الإيمانية، واللاعقائد الخاضعة للبحث العلمي. وسبب هذا الإقصاء يرجع إلى عقلية القرون الوسطى، حيث كانت النخبة تدعو إلى إبقاء العوام بمنأى عن المناقشات العلمية. في حين أن الروابط التي يمكن أن يقيمها المفكر معها هي نافعة له أكثر مما لو عزل نفسه عنها. وحسب أركون كذلك يبقى كل من العنف، التقديس، الحقيقة، القوى الرئيسية التي لم يسيطر عليها الإنسان بعد والتي لا تزال حتى الآن تتحكم بكل أشكال وأنماط الوجود البشري.

الهوامش

[1] أبو زيد نصر حامد- الخطاب والتأويل- م.ث.ع- ط1، 2000. ص 7.

* كما صدر عن عدة مجلات ردود فعل ومقالات تؤيد مواقف أبو زيد، من بينها مجلة الطريق، العدد 4، 1995، حيث نجد عنوانا "دفاعا عن العقل وحق الاجتهاد –دفاعا عن قضية نصر حامد أبو زيد" تضمن عدة مقالات لمجموعة من المفكرين مثل سعد الله ونوس "حكم فاجع الدلالة" –كريم مروة "قضية نصر حامد أبو زيد" والمشروع الجديد للنهضة –وجيه كوثراني "قضية أبو زيد وزوجته: الفتنة داخل ضمير المسلم"… كما أصدر عدد من الكتاب والمثقفين العرب وأسرة تحرير مجلة "النهج" بيانا دافعوا فيه عن الرسالة التي تقاتل من أجلها المفكر العربي المصري أبو زيد وكان عددهم 69. وصدر عن مجلة "القاهرة" العدد 152 سنة 1995، ملفا كاملا عن تكفير أبو زيد تضمن "وثائق خطة إعدام مثقف مصري".

[2] أبو زيد نصر حامد- نقد الخطاب الديني- سينا للنشر- ط2، 1994. ص 21.

[3] المصدر السابق. ص71.

[4] نفس المصدر. ص35 .

[5] أبو زيد نصر حامد- الخطاب والتأويل- م.ث.ع- ط1، 2000. ص87.

[6] أبو زيد نصر حامد- نداء إلى الشعب المصري- مجلة الطريق-العدد4، السنة 55، 1996.ص5.

[7] حرب علي-الاستلاب والارتداد-م.ث.ع- ط1، 1997. ص 12.

[8] أبو زيد نصر حامد-الخطاب والتأويل- م.ث.ع-ط1، 2000. ص 20.

[9] أبو زيد نصر حامد-دوائر الخوف- م.ث.ع- ط1، 1999. ص 13.

[10] حنفي حسن- حوار الأجيال-دار قباء للطباعة والنشر- ب ط ، 1998. ص 512.

[11] أبو زيد نصر حامد- الخطاب والتأويل- م.ث.ع- ط1، 2000. ص 82.

[12] المصدر السابق. هامش ص 23.

[13] نفس المصدر. ص 226.

[14] بدوي عبد الرحمان-ملحق موسوعة الفلسفة-م.ع.د.ن-ط1، 1996. ص 95.

[15] أوبير دريفوس، بول رابينون- فوكو مشال "مسيرة فلسفية"-ترجمة:جورج أبي صالح.مراجعة:مطاع صفدي-مركز الإنماء القومي-ب ط ، ب س. ص 131.

[16] أبو زيد نصر حامد-الاستقطاب الفكري-مجلة الطريق-العدد 3، السنة 53. ماي 1994. ص 9.

[17] مهيبل عمر-البنيوية في الفكر الفلسفي المعاصر-د.م.ج(الجزائر)-ب ط ،ب س. ص 168.

[18] Foucault Michel-Histoire de la folie-le monde en 10/18-1964.p56.

[19] نيتشه فريديريك-العلم المرح-ترجمة وتقديم:حسان بو رقية،محمد الناجي-إفريقيا الشرق-ب ط ، 2000. ص119.

[20] المرجع السابق. ص 95.

[21] أبو زيد نصر حامد-الخطاب والتأويل-م.ث.ع-ط1، 2000. ص 234.

[22] المنساوي مصطفى-أحمد السنوسي"فنان من هذا الزمان" مجلة:الحدث العربي والدولي- العدد4،نوفمبر/ ديسمبر1999. ص 50.

[23] حنفي حسن-حوار الأجيال-دارقباء (القاهرة) -ب ط، 1998. ص 468-469.

[24] أبو زيد نصر حامد-التفكير زمن التكفير-سينا للنشر-ط1، 1995. ص 138.

[25] أبو زيد نصر حامد-دوائر الخوف-م.ث.ع-ط1، 1999. ص 174.

[26] عبد الرحمان طه-العمل الديني وتجديد العقل-م.ث.ع-ط2، 1997. ص 70.

[27] المصدر السابق. ص 116.

[28] بو زيد نصر حامد-نقد الخطاب الديني-سينا للنشر-ط2، 1994. ص 131.

[29]حرب علي-الممنوع والممتنع-م.ث.ع-ط1، 1995. ص 119.

[30] أركون محمد-الفكر الأصولي وإستحالة التأصيل-ترجمة:هاشم صالح-دار الساقي-ط1، 1999.هامش ص 27.

[31] المرجع السابق. ص53.

[32] نفس المرجع. هامش ص23.

[33] نفس المرجع.ص64.

[34] الدرويش صالح قصي-مسؤولية السلطة والإسلام السياسي والنخبة المثقفة-مجلة: الحدث العربي والدولي-العدد4، نوفمبر/ديسمبر 1999.ص43.

[35] نيتشه فريديريك-إنسان مفرط في إنسانيته-ترجمة:محمد الناجي-إفريقيا الشرق-ب ط، 1998. ص 225.

[36]نيتشه فريديريك-العلم المرح-ترجمة وتقديم:حسان بورقية،محمد الناجي-إفريقيا الشرق-ط1، 1993. ص 168.

[37] حرب علي-الممنوع والممتنع-م.ث.ع-ط1، 1995. ص 171.

[38] أبو زيد نصر حامد-الخطاب والتأويل-م.ث.ع-ط1، 2000. ص 224.

[39] Spinoza. B- Traité de la réforme de L’entendement-Texte traduction et notes par. A.Koyré-Librairie Philosophique. J.Vrin.Paris-1994. p8

[40]  Brunschvicg Leon-Spinoza et ses contemporains-P.U.F-4eme édition. 1951. p111.

[41] أبو زيد نصر حامد-دوائر الخوف-م.ث.ع-ط1، 1999.ص165.

الكاتب

 حيرش محمد *

-قسم الفلسفة،جامعة وهران-

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche