Sélectionnez votre langue

 المجالات الهامشية بولاية جيجل

إنسانيات عدد 29-30 | 2005 | أبحاث أولى 2 (أنثروبولوجيا، علم الاجتماع، جغرافيا، علم النفس، أدب) | ص 185-215 | النص الكامل


Espaces marginaux dans la wilaya de Jijel

Abstract: A l’instar des autres espaces marginaux du pays, les espaces marginaux de la wilaya de Jijel, et en dépit des mutations et changements socio-économiques connus par cette dernière, sont passés de l’état de zones déshéritées durant la période coloniale à celui de zones marginalisées et enclavées pendant les différentes étapes de développement. La mise en place des structures de base du développement socio-économique devant permettre l’intégration de la région dans la dynamique de développement du pays n’a pas été réalisée. Par ailleurs, les structures naturelles caractérisées par un relief difficile et une topographie souvent accidentée ont aiguisé la crise, limitant la mobilité et l’ouverture de ces espaces, accentuant la marginalisation et l’enclavement qui résultent de l’absence de connexion aux réseaux, seule en mesure de faciliter l’intégration. La conséquence directe est l’accroissement de l’exode vers les villes et les espaces de plaine caractérisés par une forte concentration des activités. Cela a aggravé la marginalisation spatiale et sociale ainsi que la crise des espaces marginaux.    
Aujourd’hui, il s’agit de trouver de nouveaux mécanismes qui soient en mesure de donner au territoire de la wilaya plus de cohérence facilitant l’intégration des espaces marginaux dans la dynamique du développement libéral. L’enjeu est difficile car l’orientation libérale du pays peut s’accompagner d’une concentration des investissements privés dans les zones économiques dynamiques et dans les grands centres urbains.

Mots clés : espaces marginaux - disparités socio spatiales - inégalités - exclusion - enclavement - intégration - développement local – réseaux.

 

Naziha BOUDJERDA : Université de Jijel, 18 000, Jijel, Algérie


 

مقدمة

تعتبر العلاقات المتبادلة بين الإنسان و العناصر الطبيعية والاجتماعية من حيث التأثر و التأثير داخل مختلف المجالات من العوامل التي تطبع الخصوصيات المختلفة لكل مجال عن الآخر، و"المجال أساسا متباين الخواص ويصبح صعبا أن نأثر فيه من أجل المساواة في جميع مكوناته و خصائصه"[1].

وبالتالي فإن كل التدخلات المختلفة على أي مجال مهما كانت طبيعته لابد أن تأخذ بعين الاعتبار الخواص التي يتميز بها من أجل ضمان أفضل النتائج، خاصة إذا كانت المجالات المتدخل عليها حساسة وتتطلب تدخلات خاصة من أجل تجنب الأخطاء التي قد تؤدي إلى نتائج كارثية، و ذلك بظهور مجالات مهمشة أو تعاني من إقصاء و تهميش مجالي و اجتماعي يعمل على الحد من نقص اندماجها في وتيرة التنمية.

وبالتالي تقف أمام تطور هذه المجالات العديد من المشاكل في ظل النظام الليبيرالي الذي يحفز النمو الذاتي، إذ ستكون المجالات خاضعة إلى المنافسة من أجل استخدام الأرض حيث يتركز رأس المال المستثمر نحو المناطق الأكثر تطورًا من الناحية الاقتصادية و بخاصة نحو المدن الكبرى، و بالتالي تهمش وتقصي باقي المجالات. كما أن التهميش المجالي و الاجتماعي أصبح اليوم من اهتمامات الدول و المؤسسات العالمية و ذلك لضمان تنمية اجتماعية بشرية تضع الإنسان في قلب الاهتمامات الاقتصادية، أنظر تقارير حول التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة (Site de PNUD).

وتعتبر {المجالات الهامشية بولاية جيجل}، كمثال حي نستطيع من خلاله تحديد أسباب التهميش و الإقصاء الذي تعاني منه العديد من المجالات بالوطن بصفة عامة، إذ أن 80 % من إقليم الولاية هو عبارة عن مجالات جبلية تشهد أرقى صور الأزمة بوصفها إطارا محفزا للعزلة و التهميش المجالي و الاجتماعي من منظور المصاعب الطبيعية المطروحة و تراجع إمكانياتها وهشاشتها، ومجالات سهلية متدرجة في مقوماتها و قدراتها و انفتاحها مما يعطي تفعيل أكثر للاندماج والانسجام، وبالتالي ظهور الولاية ببنية اقتصادية واجتماعية مختلة مكانيا، والتي هي محصلة لتغيرات عميقة في المجال انطلاقا من الفترة الاستعمارية. و قد شكلت هذه البنية قاعدة انطلاق في المراحل التنموية التي مرت بها البلاد، وما كان لها من انعكاسات كبيرة على مجال الولاية من خلال تركز الثروة والاستثمار بالمناطق السهلية و حرمان المناطق الجبلية من إمكانيات التطور و الاستفادة من التنمية. و لهذا يبدو من الضروري إدماج هذه المجالات في وتيرة التنمية للخروج من التهميش و الإقصاء الذي تعاني منه. و عليه يمكن لنا أن نصيغ إشكالية البحث في التساؤلات الأساسية التالية:

1- هل تؤدي التباينات الموجودة في الموارد الطبيعية إلى إنتاج مجـالات مهمشة ؟

2- هل يؤدي التهميش الاقتصادي إلى تهميش اجتماعي، هل المجال المهمش يعرف نقصا في النشاطات الاقتصادية أي هو غير منتج ؟ و هل يؤدي نقص الاستثمار إلى إنتاج مجالات مهمشة؟

3- و هل يؤدي غياب الارتباط بالشبكات إلى التهميش؟

و من خلال هذا الطرح تمت معالجة البحث بالاعتماد على معايير و مؤشرات خاصة لقياس و ضبط المجالات الهامشية بالولاية، أي دراسة البنية الطبيعية وتأثيرها في إفراز إختلالات واضحة بإقليم الدراسة خاصة بالنسبة لتوزيع السكان و استقرارهم وذلك بحساب متوسط ارتفاع كل بلدية لمعرفة العلاقة بين التهميش و البنية الطبيعية، هذا بالإضافة إلى دراسة توزيع الأنشطة الاقتصادية و علاقة توزيع الاستثمار الخاص في زيادة الفوارق بين مختلف المجالات بالولاية، ومدى توفر الخدمة عن طريق حساب متوسط المسافة الزمنية للوصول للخدمة بالنسبة لكل البلديات وبالتالي إبراز العلاقة بين الحصول على الخدمة و التهميش، كما أن حركية المجال تبرز من خلال الربط بمختلف الشبكات لذا كان من الضروري معرفة أهمية الربط و علاقته في ظهور المجالات الهامشية بالولاية.

  1. I. تشكل و تطور المجالات الهامشية في الجزائر
  2. I.1. الفترة الاستعمارية: تهميش و تنظيم مزدوج للإقليم

قبل مجيء الفرنسيين إلى الجزائر كان هناك أكثر من 600 قبيلة مستقلة الواحدة عن الأخرى. كان تنظيم هذه التجمعات التقليدية في الواقع متعارضا مع ضروريات الدولة التي تبنى على تجاوز التقسيمات الجغرافية والسياسية. و مع مجيء الاستعمار الفرنسي فرض منطق الدولة نفسه على الوحدات المستقلة، والعقلية المركزية على العقلية المحلية، و انتهى في الأخير إلى وضع تنظيم مزدوج لكل الأماكن المتواجد بها، بحيث أصبح هناك: مجال رئيسيا يتمتع بعدة امتيازات (للمعمرين) و مجال مهمشا خاص بالأهالي الجزائريين.

  1. I. بعد الاستقلال: سياسة التوازن الإقليمي (1962-1970)

و حددت بعد الاستقلال الجزائر أهداف لتغيير هذا التنظيم المزدوج والمساعدة على الاندماج داخل الإقليم، و يمكن أن نطرح هنا سؤال أساسي هو: كيف نزيل الفوارق الموروثة ؟ .

و الأجوبة المعبر عنها بسياسة التوازن الإقليمي جاءت في صورتين:

أولا:وضع برنامج التجهيزات المحلية، وثانيا: المخططات الخاصة للمناطق المحرومة و المهملة من طرف الاستعمار، ماديا تبدو هذه السياسة محدودة، و إداريا هناك تركز، و بالتالي اتضح أن هذه السياسة للتوازن الجهوي غير كافية ضمان الاندماج المرسوم.

I.3. تخطيط التنمية أو متابعة المجالات الهامشية (1970-1980)

اعتمدت الجزائر، إبتداءا من سنة 1970، المخطط الرباعي ثم الخماسي والذي كون مقاربة إجمالية قطاعية للتنمية، و يمكن تسجيل نظام التخطيط في إطار تنمية اقتصادية واجتماعية مست كل مناطق الوطن وخاصة المناطق المحرومة، المخطط الوطني أقر إنشاء أقطاب تنمية مخصصة لإنتاج اقتصاد وطني.

حققت بعد عشرية من التخطيط والاستثمارات الثقيلة خصوصا نتائج لحساب الصناعات الثقيلة (المصنعة).

أصبحت الموازنة الإقليمية مقلقة، حيث تم توسيع الفوارق المجالية الموروثة.

جعلت الاشتراكية الجزائرية المجالات الهامشية الموروثة في وضعية هشة، مع تشجيع الثقل الاقتصادي للمجالات الأكثر تنمية، حيث ألصق تحويل النموذج الاستعماري و متابعة سياسته إلى أخطاء التخطيط و ثقل الموروثات.

  1. I.4. التهيئة العمرانية (الفشل بسبب الأزمة) (1980-1990)

وضعت الجزائر قانونا و أدوات للتهيئة العمرانية لتصحيح الأخطاء، و قد أعطى هذا القانون توجهات جديدة بالنسبة للتنمية المجال (1987)، و تهدف هذه المقاربة المجالية الجديدة إلى إدماج المناطق الأكثر تهميش، و ترتكز على توطين مشاريع بنيوية كبيرة غير صناعية، المبنية على إستراتيجية طويلة المدى و على التضامن الجهوي. خصصت الجزائر مخططات للتهيئة على مستوى وطني، إقليمي، ولائي و بلدي، هذه الوسائل نظمت لضمان الترابط بين القطاعات و بين الأقاليم، أي التكامل والتوازن.

ما إن بدأ في تطبيق القانون و الوسائل حتى وقعت البلاد في أزمة، و هذا ما أدى إلى التخلي عن التخطيط الاقتصادي و المجالي و تبني المبدأ الليبرالي (الرأسمالي)، و أدت الأزمة بنتائجها الأولى إلى تمرد بالمناطق التي بقيت على هامش التنمية.

  1. I.5. الليبرالية و توسع المجالات الهامشية

بدأ تطبيق النظام الليبرالي بإصلاحات عميقة للإقصاد الوطني، و ترجم تنفيذ في الإصلاحات بغلق مئات الوحدات الإنتاجية و تسريح مئات الآلاف من الأشخاص على البطالة، لذا توسع الفقر خصوصا لدى الطبقات المتوسطة، و تفاقم التهميش المجالي. و بتطبيق الليبرالية بوسائلها التنظيمية المحكمة بكل حقيقتها، ظهر خطر خضوع الإقليم إلى المنافسة من أجل استخدام الأرض بحيث يوجه رأس المال طبيعيا نحو المناطق الأكثر نموا من الناحية الاقتصادية، خصوصا نحو المدن الكبرى.

و على السلم الوطني: خطر التوجه أساسا نحو الساحل و خاصة في أقاليم الجزائر العاصمة و وهران، و أيضا نحو مناطق إنتاج البترول و الغاز، و نتيجة هذه الاختيارات يصبح هناك تركز وإعادة لظاهرة التسحل باتساع التنمية، و كذلك نزوح ريفي كبير باتجاه المدن الكبرى، و تهميش أقاليم بأكملها و على الأخص المجالات السهبية و الجبلية، هذا التطور يستطيع أن يؤدي إلى خلق فراغ بالمناطق الداخلية السهبية التي تفرق بين الشمال بـ (90 % من السكان) و الجنوب بـ (98 % من الصادرات).

و لتحديد المجالات الهامشية بولاية جيجل، بصفة دقيقة فقد تمت الإجابة على التساؤلات السابقة انطلاقا من البحث في المسببات و العوامل التي أدت إلى بروز التهميش و الإقصاء بهذه المناطق بالتحديد.

IІ. التهميش و المفارقات الطبيعية و الديموغرافية

يكون المجال فقيرا نتيجة نقص في الإمكانيات و الوسائل، و يكون هذا النقص ناتجا أيضا عن فقر طبيعي (إمكانيات طبيعية قاسية و محدودة)، أي الخصائص الطبيعية للمجال (الموقع- الطبوغرافيا – الانحدار...الخ) التي قد تكون صعبة و معقدة، وهذا ما يؤدي إلى تهميش المجال، كما أنه في أحيان كثيرة تعتبر هذه العوامل الطبيعية سببا مباشرا في طرد متواصل للسكان، وقد تؤدي إلى تفريغ كامل لبعضها.

.1. البنية الطبيعية الصعبة و المعقدة مما يطرح عدة إختلالات داخل الإقليم

تقع ولاية جيجل ضمن الإقليم الشمالي الشرقي للجزائر و تنتمي إلى مجموعة القبائل الصغرى، بواجهة بحرية بطول 120كم، حيث أن لهذا الموقع خصوصيات جعلته مجالا يتميز بمفارقات عديدة بين مختلف وحداته الجغرافية خاصة من منظور المصاعب الطبيعية التي يطرحها و هذا ما سوف نتطرق إليه فيما يلي:

أ. الأشكال التضاريسية الكبرى بالولاية، التباينات المختلفة تطرح عدة مصاعب

الأشكال التضاريسية بالولاية متباينة ومختلفة، و يزيد في تنوعها اختلاف الشروط و الظروف المناخية التي توجد فيها الصخور، التي هي نتيجة الحركات التكتونية التي تعرض لها الإقليم، حيث تشكل الطبوغرافيا خصائص المنطقة الإقليمية في جبال يصل ارتفاعها إلى 1662م بجبل شنيقرة تحيط بها وديان وعرة الجوانب (النيل –جن جن –كسير)؛ و مع وجود سهول خصبة كسهل جيجل-الطاهير-الميلية-العوانة، و بعض المنخفضات مثل منخفض الميلية، بلغيموز، و هي تكون سهول الولاية المحصورة بين الجبال و البحر ويمكن تصنيف المجموعات لتضاريسية بالمنطقة إلى المجموعات الموضحة بالخريطة رقم (01).

ب. متوسط الارتفاع يبرز طبيعة الولاية (ارتفاعات كبيرة)

لمعرفة متوسط الارتفاع الخاص بكل بلدية فقد تم أخد أعلى و أدنى نقطة ارتفاع بكل بلدية، ثم حساب المتوسط بين النقطتين، و في الأخير نتحصل على متوسط الارتفاع لكل بلدية، و النتائج موضحة بالخريطة رقم (02)، إذ توضح فئات متوسط الارتفاع بالولاية، حيث تبرز الاختلافات واضحة و بصفة كبيرة بين بلديات الولاية أين يتراوح المتوسط مابين 150م بكل من البلديات الواقعة بسهول الولاية المحصورة بين الجبل و البحر و1161م بكل من بلدية إيراقن الواقعة بأقصى جنوب الولاية، و حيث تبرز البلديات الجنوبية للولاية بمتوسط ارتفاع كبير، أين تشكل التضاريس حاجز طبيعي يفصل الولاية عن الهضاب العليا الشرقية.

ج. ا لانحدارات كبيرة تترجم طبيعة الإقليم المتضرسة

إن طبيعة الولاية التي تتميز بارتفاعات كبيرة و صعوبة التضاريس جعلت درجة الانحدار بها كبيرة حيث تغطي الانحدارات الشديدة >12.5% نسبة 80 % من مساحة الولاية وهذا ما تترجمه طبيعة الإقليم المتضرسة. فهذه الانحدارات الشديدة التي تتميز بها ولاية جيجل زادت من صعوبة الربط و الاتصال بين مناطقها و الأقاليم المجاورة.

ومما سبق يمكن القول أن سطح ولاية جيجل يبرز عدة صعوبات بالنسبة لعملية التنمية، و أن المناطق الطبيعية بالولاية تتميز (بنية طبيعية صعبة)، و هذا ما يجعل الوسط صعبا و يطرح عدة فوارق مختلفة، و إختلالات داخل إقليم الولاية، و هنا يمكننا أن نتساءل إلى أي حد يمكن أن تؤثر هذه المفارقات في التنمية، و هل تؤثر هذه البنية في توزيع السكان و استقرارهم؟

IІ.2. تطور و توزيع السكان (توزيع غير متوازن)

تكون العلاقة بين المجال المهمش وتوطن السكان من خلال معرفة مدى تأثير البنية الطبيعية للمجال التي قد تكون معقدة و تعمل على طرد السكان و بالتالي زيادة تهميشه، أو تساعد على التوطن و الاستقرار و بالتالي استقطاب السكان.

قدر عدد سكان ولاية جيجل في آخر تعداد عام للسكن و السكان سنة 1998 بـ 582.865 نسمة، و قد وصل هذا العدد إلى 619.519 نسمة[1] حسب تقديرات لسنة 2002، أي بمعدل نمو يقدر بـ1,42 %[2]، بالتالي فهو أقل من معدل النمو للسنة 1998 و الذي بلغ1,64 % لولاية جيجل، و الذي هو أصغر من المعدل الوطني لنفس السنة و الذي بلغ 2,15 %.

يتميز توزيع السكان حسب تعداد 1998 بعدم التوازن عبر البلديات حيث تضم كل من بلديات جيجل، الطاهير، الميلية لوحدها% 44,06 من مجموع السكان و هذا ما يوضح الضغط الكبير على هذه المراكز باعتبارها أهم الأقطاب الرئيسية بالولاية (العامل التاريخي)، ارتفاع عدد السكان بالبلديات القريبة من المراكز المهمة، التي تقع بـ : (السهول الخصبة، و أحواض الأودية المهمة)، أما البلديات الواقعة بالمناطق الجبلية، فعدد السكان بها ضعيف و بخاصة بالبلديات الجنوبية الغربية للولاية، خريطة رقم (03).

و يمكن أن نوضح ذلك من خلال توزيع التجمعات الحضرية التي يبرز مدى مساهمة البنية الطبيعية في توطن السكان وتجمعهم، حيث تقع هذه التجمعات أساسا بالمناطق السهلية نتيجة تركز مقومات التنمية بها، خريطة رقم (04).

يمكن أن نلاحظ هنا كيف أن العوامل الطبيعية تلعب دورا كبيرا في توزيع السكان بالولاية، مناطق ذات أشكال تضاريسية منبسطة (سهول + انحدارات بسيطة) تركز للسكان (كثافة سكانية عالية + تركز للتجمعات الحضرية + استقطاب متواصل للسكان).

مناطق ذات أشكال تضاريسية معقدة (جبال + انحدارات كبيرة) طرد متواصل للسكان (قد تكون في بعض الأحيان ملاذا لبعض الخارجين عن القانون)،(كثافة سكانية ضعيفة + تجمعات ريفية مبعثرة) مناطق مهمشة.

  1. III. التهميش و النشاط الاقتصادي بالولاية

تتميز بعض المجالات بإمكانيات ضعيفة و بالتالي بنقص النشاطات المنتجة، أي تهميش المجال و فقره، و هنا يمكننا أن نتساءل عن أهمية هذه النشاطات و توزيعها بمجال الولاية و مدى مساهمتها في إبراز مظاهر التهميش.

  1. III.1. النشاط الفلاحي و الصعوبات الكبيرة نتيجة ضعف المساحة الزراعية (صعوبة التضاريس)

يعتبر النشاط الفلاحي بولاية جيجل من أهم النشاطات التي مارسها الإنسان لارتباطها مباشرة بتغذيته، و لأن الولاية تمتاز بطابعها الريفي الذي يساهم قطاع الفلاحة بشكل كبير في تنميته المحلية، فهو يحتل مرتبة هامة بها و هذا رغم العوائق الكثيرة التي تقف أمامه {صعوبة تضاريس المنطقة، قلة المساحات الزراعية، انحدارات كبيرة، نقص وسائل تخزين المياه...}.

تقدر المساحة الإجمالية للإقليم بـ 239800 هكتار، حيث تمثل المساحة الزراعية الإجمالية منها41,36 % أي بـ 99183 هكتار منها 43391 هكتار مساحة زراعية مستغلة فعلا (SAU) أي بنسبة18,09 % من مجموع أراضي الإقليم، و هي صغيرة بالمناطق الجبلية أين توجد على شكل مساحات مبعثرة ومتفرقة و محصورة و أحيانا ذات انحدارات مهمة، أين تستعمل هذه المساحات أساسا لزراعة معاشية ذاتية كما تنتشر زراعة الأشجار المثمرة بالإضافة إلى زراعة الزيتون الذي يمثل قيمة اقتصادية مهمة بهذه المناطق بصفة خاصة و بالولاية بصفة عامة، حيث بلغ الإنتاج 156457 قنطار للموسم 2002-2003[1] كما نجد زراعة الخضراوات والحبوب على السفوح المخصصة للاستهلاك الذاتي وليس للتسويق، حيث أن"الزراعة الجبلية تحولت إلى نشاط هامشي أو ثانوي، لأنها لا تدخل تقريبا في الدخل العائلي، و دورها أصبح يقتصر على الاستهلاك الأسري لزيت الزيتون والتين والنشاط في البستنة العائلية وتربية الحيوانات"[2] بينما تزداد أهمية المساحة الزراعية بكل من سهل جيجل– الطاهير، بالشريط الساحلي و حوض الوادي الكبير بالجهة الشرقية، و حيث يتم استغلال هذه المساحة أساسا في زراعة الخضروات وخاصة الزراعة تحت البيوت البلاستيكية والزراعة الصناعية بأكبر كميات من الإنتاج بهذه المناطق، إذ بلغ الإنتاج للموسم 2002-2003 بالنسبة للزراعة تحت البيوت البلاستيكية بـ 238396 قنطار وهذا رغم كونها تحتل مساحة صغير لا تتعدى 554 هكتارا لنفس الموسم، و عموما فإن الزراعة بهذه المناطق من الولاية موجهة للتسويق أساسا، حيث أن الإنتاج يعرف فائضا ويتخطى حدود الولاية من تسويق الإنتاج نحو مناطق الإقليم الشمالي الشرقي من الوطن، كما نجد زراعة الزيتون والأشجار المثمرة .

 و عموما تبقى سهول الولاية تتميز بزراعة كثيفة (الخضراوات أساسا) موجهة للتسويق، بينما تنتشر زراعة الزيتون و الأشجار المثمرة بالمناطق الجبلية   و التي تعتبر الزراعة بها معاشية (استهلاك ذاتي)، الشكل رقم(01).

  1. III الوحدات الصناعية تبرز في توزيعها حجم الفوارق بمجال الولاية:

تنتمي الوحدات الصناعية بالولاية في أغلبها إلى الصناعات الصغيرة والمتوسطة، و يتميز توزيعها عبر مدن الإقليم بالتركز في مراكز تنمية من الدرجة الأولى (جيجل– الطاهير- الميلية)، و هذا نتيجة للاتجاه الذي تبنته الدولة بعد الاستقلال (الإرث الاستعماري)، بالإضافة إلى بروز مناطق جديدة تتميز بقربها من هذه المراكز و تمتاز بتركز الشبكات والبنية التحتية المتطورة و التجهيزات الأساسية، (استمرار التوجه من طرف القطاع الخاص)، حيث أن 4/3 من هذه الوحدات تتواجد بشريط ساحلي ضيق وفي نقاط محددة مع تهميش كلي لباقي مناطق الولاية، الخريطة رقم (06).

- مناطق سهول و أحواض الأودية -------  توجه الدولة (إرث استعماري)، استمرار توجه القطاع الخاص و بالتالي استمرار التركز والضغط.

- مناطق جبلي------ تهميش من طرف الدولة (إرث استعماري)، استمرار التهميش من طرف القطاع الخاص و بالتالي استمرار الفوارق المجالية.

.3. الاستثمار الخاص: التركيز على المناطق المجهزة و زيادة تهميش المناطق المحرومة

في ظل الفوارق المجالية الكبيرة التي تعرفها الولاية، و مع التوجه نحو تبني النظام الليبرالي الذي يشجع الربح السريع، فإن كل الآمال أصبحت معلقة على الاستثمارات الخاصة و ما تجلبه من خيارات تنموية، لتدارك التخلف التنموي الذي تعرفه كافة الميادين. و عليه يمكننا أن نتساءل عن علاقة الاستثمار الخاص في زيادة حدة التهميش بالولاية.

تحتوي ولاية جيجل على منطقة صناعية واحدة تقع بمنطقة أشواط ببلدية الطاهير و هي تعرف التشبع التام حيث تضم العديد من الوحدات الصناعية التي تنتمي إلى الصناعات الصغيرة و المتوسطة، و سبع مناطق نشاط و على الرغم من عددها الضئيل فهي غير مستغلة حيث أن منطقتي نشاط فقط مستغلة: واحدة ببلدية جيجل وتضم عدة وحدات صناعية و تجارية، و الثانية ببلدية الميلية وهي تتميز بالتشبع التام، بينما نجد 5 مناطق نشاط المتبقية غير مستغلة، حيث يظهر العقار الصناعي بالولاية غير مهيأ لأن يلعب دور فعال لتنمية المنطقة، جدول رقم(02).

جدول رقم(02): حالة مناطق النشاط بولاية جيجل

مناطق نشطة

مناطق غير نشطة

المنطقة الصناعية الطاهير، منطقة النشاطات (جيجل)، منطقة النشاطات (الميلية)

منطقة بلدية الأمير عبد القادر، منطقة بلدية سطارة، منطقة بلدية العوانة، منطقة بلدية وجانة، منطقة الأفلاز بلدية الميلية.

المصدر: مديرية الصناعة و المناجم لولاية جيجل.

وقد بلغت كلفة مشاريع الاستثمار الخاص عبر ولاية جيجل 4.9 مليار[1] دج، هذه القيمة موزعة بطريقة متفاوتة بين بلديات الولاية حيث يتميز توزيع حجم الاستثمار بالتركز بالبلديات المهمة بالولاية التي تحتوي على الإمكانيات والعوامل المحفزة لجلب المستثمرين إليها (جيجل، الطاهير، الميلية)، أين قدرت كلفة الاستثمار الموجه إليها بـ 4.6 مليار دج، أي بنسبة 93 % من مجموع كلفة مشاريع الاستثمار الخاص بالولاية، وذلك لأن المستثمر الخاص يبحث عن الربح السريع. كما نجد كل من البلديات القريبة من هذه المراكز التي عملت على جلب المستثمرين إليها وهي كل من (الأمير عبد القادر، العنصر، تاكسنة، سيدي عبد العزيز)، و بالتالي يبرز الاتجاه نحو هذه المناطق أهداف المستثمر الخاص الذي يبحث عن الربح السريع على حساب تنمية متوازنة حيث نجد تهميش لباقي بلديات الولاية خاصة الجبلية منها و البعيدة عن المراكز المهمة و المحاور الكبرى للتنقلات، و استمرار الاتجاه نحو المراكز المهمة من طرف القطاع الخاص (نفس الاتجاه السابق للدولة)، وهذا على الرغم من التشبع الذي تعرفه خريطة رقم(07).

جدول رقم (03): توزيع عدد مشاريع الإستثمار الخاص عبر القطاعات

القطاعات

الخدمات

الصناعة

الفلاحة

سياحة

أشغال عمومية

المجموع

عدد المشاريع

23

7

6

7

10

53

المصدر: لجنة دعم وترقية الإستثمار لولاية جيجل.

يوضح الجدول (03) كيف أن المستثمر الخاص يبحث عن الربح السريع حيث أن أكبر عدد من مشاريع الاستثمار الخاص كانت موجهة نحو قطاع الخدمات و الذي لا يتطلب كلفة كبيرة، و لا يساهم في دفع وتيرة التنمية بالولاية، من خلال ضعف الاستثمار بالقطاعات الإستراتيجية.

وعموما فإن الاستثمار الخاص اتبع في توزيعه وانتشاره عبر بلديات الولاية نفس اتجاه الاستثمار العمومي حيث همش المستثمر الخاص المناطق الجبلية التي لم تعرف أي استثمار عمومي، و استمر في الضغط على المناطق المهمة (تتميز بتركز العوامل المساعدة لتحقيق فرص ربح سريعة ومضمونة بدون خسارة)، و بالتالي زيادة الفوارق المجالية.

. التهميش:هيكلة الخدمات و الحركية داخل مجال الولاية

إن أهمية أي إقليم تكمن في الخدمات التي يقدمها و التي تنطلق أساسا من الحاجة إلى التعليم – العلاج والترفيه، و معرفة إمكانية هذا الإقليم في تحقيق متطلبات سكانه في أقرب وقت (أي أقصر مسافة)، وبالتالي فإن السؤال الذي سنحاول الإجابة عنه: هل يؤدي نقص التجهيزات و عدم إتاحتها للفرد في كل وقت و في أقرب مدة زمنية في مجال معين إلى تهميشه ؟ كما أن حركية أي مجال تتضمنها الشبكات المختلفة، حيث يصبح المجال معزولا و مهمشا نتيجة ضعف الربط بالشبكات التي تساعد على الاندماج وفك العزلة، وتمكننا أن نتساءل أيضا عن دور الشبكات بمجال الولاية في التقليل من عامل العزلة والتهميش ؟

  1. IV.1. متوسط المسافة الزمنية للوصول إلى الخدمة: تبرز حجم التفاوت في توفير الخدمات:

كلما كانت الخدمة متاحة بسرعة كلما زادت درجة خدمة المجال للسكان وبالتالي زادت عناصر القوة به. كما يصبح المجال مهمشا في حالة تأخر الحصول على الخدمة، و من أجل معرفة متوسط المسافة الزمنية اللازمة للوصول إلى الخدمة بمجال ولاية جيجل، فقد تمت دراسة كل من خدمة التعليم والعلاج باعتبارهما من أهم الخدمات التي يطلبها السكان قبل الخدمات الأخرى المختلفة، وتم إتباع المنهجية التالية:

تسلسل الخدمات من البسيط أي القاعدي إلى التجهيز السامي كما يلي:

بالنسبة الخدمات التعليمية فقد اتبعنا التسلسل التالي: تجهيز قاعدي: مدرسة ابتدائية، متوسطة، ثانوية. تجهيز سامي: جامعة أو فرع جامعي، بالنسبة للخدمات الصحية (العلاج)، فقد كان التسلسل كما يلي: تجهيز قاعدي: قاعة علاج، مركز صحي، عيادة متعددة الخدمات. تجهيز سامي: مستشفى.

و بعد ذلك تم حساب المسافة الزمنية التي يتم استغراقها للوصول إلى الخدمة بالتسلسل كما يلي: من التجهيز القاعدي إلى التجهيز السامي لكل بلدية ثم حساب متوسط المسافة الزمنية للوصول إلى الخدمة.

و ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أنه بكل بلدية تم أخد مركزين ثانويين فقط مع مقر البلدية، و هذا تبسيطا للعمل لأنه في حالة أخد جميع التجمعات فسوف نقع في أخطاء عديدة.

جدول رقم (04): متوسط المسافة الزمنية للوصول للخدمة بولاية جيجل

الخدمة

متوسط المسافة الزمنية (الدقيقة)

العلاج

27

التعليم

29

متوسط الخدمة

28

 المصدر:إنجاز شخصي

 و من خلال قراءتنا للجدول رقم(04)، نلاحظ بأن متوسط المسافة الزمنية للوصول للخدمة بولاية جيجل يقدر بـ 28 دقيقة، و هذا بالنسبة لخدمتي التعليم والصحة وبالتالي فقد بلغ بالنسبة لخدمة التعليم 29 دقيقة، بينما بلغ بالنسبة لخدمة العلاج 27 دقيقة، حيث التفاوت في معدل الحصول على الخدمة بين بلديات الولاية يبقى واضحا، و نستطيع من خلال الخريطة رقم(08)، أن نستنتج بأن البلديات الواقعة بسهول الولاية والمراكز المهمة هي التي تتمتع بالتجهيزات المختلفة، التي تفعل الاندماج و الانسجام، حيث تتيح الحصول على الخدمة للفرد في أقصر وقت ممكن إذ يبلغ بها مابين 5 و 19 دقيقة. بينما تبقى البلديات الجبلية تعاني النقص الكبير في مختلف التجهيزات، وهذا ما يجعل الوصول إلى الخدمة في وقت قصير صعبا إذ يتراوح مابين 40 و60 دقيقة بكل من البلديات الجبلية الجنوبية للولاية ومابين 30 إلى 40 دقيقة بكل من البلديات القريبة من محاور التنقلات المهمة. و بالتالي نلاحظ بأن البنية الطبيعية لها دور كبير في بعث حركية المجال، و كلما كان المجال ذو تضاريس معقدة كلما صعب الحصول على الخدمة به وإتاحتها في كل وقت، كما ارتبط توفر الخدمات بالمراكز المهمة لارتباطها بمسار التخطيط العام، و تقع هذه الأخيرة بسهول الولاية حيث يساعد السهل دائما على توطن مختلف المنشآت القاعدية والتجهيزات المختلفة.

.2. حركية المجال: اندماج تضمه الشبكات بالمناطق السهول و تبقى المناطق الجبلية تعاني العزلة

يتمثل أهم دور تلعبه الشبكات بالنسبة لأي مجال في حركيته ومدى اتصاله بمختلف الأقاليم، سواء كانت العلاقة محلية أي بين مناطق الإقليم، أو على مستوى إقليمي أي بين مختلف أقاليم الوطن أو كانت هذه العلاقة دولية أي خارج حدود الوطن، وحتى يمكن أن تحقق مناطق الإقليم تنمية فعالة و إيجابية فإنه بالضرورة أن يكون هناك ربط مع مختلف الشبكات. وكلما كان الربط ضعيفا كانت هذه المناطق مهمشة و غير مندمجة، وهذا ما يجعلها مناطق معزولة، وعالميا تكون المراكز غير المتصلة بالشبكات العالمية عبارة عن مراكز مهمشة و ذات دور سلبي في علاقاتها.

أ. شبكة المواصلات الموروثة عملت على زيادة العزلة والتهميش

لأن حركية وليونة أي مجال لا تكون إلا من خلال كثافة شبكة المواصلات به وكذلك مدى ربط كل العقد الموجودة به، واليوم فإن مدى كثافة شبكة الطرق واتصالها هي التي تسمح باندماج وحركية المجالات بالنسبة للمركز، بينما تتجه نحو التهميش والعزلة تلك التي لا تتوفر على شبكة تربطها بمختلف المراكز الحيوية.

و على الرغم من كثافتها العالية بمجال الولاية والتي تقدر بـ 0.36 كم/كم²، غير أننا نجد أن معظمها في حالة رديئة و لا تتعدى نسبة الطرق في حالة جيدة 15,7 % إذ تتسم معظم هذه الطرق بالضيق الشديد وكثرة الإلتواءات، إضافة إلى تعرضها باستمرار إلى الإنزلاقات من جراء ارتفاع نسبة الرطوبة وامتداد أغلبها على حافة الأودية.

ما زالت الشبكة الحالية للطرق بالولاية تعرف ضعفا كبيرا حيث أن أغلب بلديات الولاية لا تغطي عبر ترابها شبكة الطرق الموجودة بها كل النقاط، وهذا خاصة ببلديات الجهة الجنوبية أين تقف التضاريس الصعبة عائقا أمام مد الشبكات. و هذا ما جعل شبكة الطرق تتركز خاصة بالمناطق الساحلية ذات التضاريس المنبسطة، سهل جيجل– الطاهير، والتي ينشطها محور الطريق الوطني رقم 43 والذي قام بإعطاء حركية كبيرة للمناطق الواقعة على طوله، حيث يعتبر شريان الولاية الذي يضمن ربطها مع أقاليم الوطن المختلفة، وبالتالي تكون تلك الشبكة ضعيفة بالمناطق الجبلية.

ب. العقد المهمة: تبقى مهيكلة على طول محور تنقلات مهم

" يكون المجال معزولا نتيجة غياب الحركة أو الاتصال مع المحيط "[1]، ومن جراء ذلك تبرز معرفة التنقلات الواقعية بالولاية حجم الحركية أو هيكلة التنقلات وأهميتها داخل المجال ، والتنقلات تبرزها حركات المسافرين عبر خطوط النقل بين بلديات الولاية التي تظهرها الخريطة رقم (09) .

نلاحظ من خلال عدد خطوط النقل المنطلقة والمارة بمختلف العقد بالولاية بأن العقد المهمة حسب خطوط النقل تتمثل في كل من مراكز (جيجل، الطاهير، الميلية)، وهذا لكونها أقطاب مهمة بالولاية.

كما نجد كل التجمعات الواقعة على طول محاور الطرق الوطنية، والتي تقوم على إعطاء حركية أكبر للمناطق التي تخترقها، حيث أن جميع التنقلات داخل الولاية مهيكلة على طول هذه المحاور، وهذا ما يعطي الأهمية للعقد المارة بها، بينما نجد بأن العقد الواقعة جنوب الولاية التي تقع خاصة بالمناطق الغربية الجنوبية والبلديات الجنوبية بالمنطقة الوسطى من الولاية فهي عبارة عن عقد مهمشة داخل المجال و ذلك من خلال نقص التنقلات نحوها وانعدامها في بعضها الآخر وهي بلديات في أغلبها جبلية، وتنقصها شبكة طرق جيدة تعمل على بعث الحركية بها.

ج. التغطية الهاتفية: بروز العزلة بالنسبة لشبكة الهاتف الثابت، و العمل على الاندماج بالنسبة لشبكة المحمول

تعد شبكات الهاتف اليوم من أهم طرق الاتصال، بحيث أن كثافتها بإقليم ما يعني مدى ترابط مناطقه ببعضها البعض وبمختلف الأقاليم الخارجية والعالمية، كما أن كثافتها تعني أيضا تقليص عامل العزلة والتهميش بالنسبة لهذه المناطق.

بلغت نسبة التغطية الهاتفية بولاية جيجل بـ 61 خط لكل 1000 نسمة بالنسبة للهاتف الثابت وهي نسبة ضعيفة مقارنة مع عدد سكان الولاية والطلبات المستمرة على الهاتف، وترتفع هذه الكثافة بالمراكز المهمة الحضرية من الولاية ما بين 70 إلى 126 خط لكل 1000 نسمة، وتتراوح مابين 33 إلى 69 خط لكل 1000 نسمة بالنسبة للبلديات القريبة من المراكز الحضرية والتي تعرف كثافة سكانية كبيرة، عكس البلديات الجبلية والتي لا تتعدى كثافة الخطوط بها 16 خط لكل 1000 نسمة.

وتبقى التغطية الهاتفية بالنسبة للشبكة الهاتف الثابت بولاية جيجل تتركز أساسا بالمراكز الرئيسية (جيجل، الطاهير، الميلية)، والبلديات التي تقع بسهول الولاية، بينما تبقى غير كافية أو منعدمة بالبلديات الجبلية، خريطة رقم(10).

فبعد أن كان للهاتف المحمول حكرا على (القطاع العام)، أصبح اليوم المجال مفتوحا على المنافسة وأصبحت السوق الوطنية تعرف منافسة كبيرة في مجال الاتصال، عملت على إحداث تغيرات كبيرة في مجال الاتصالات واليوم ينشط في هذا المجال إلى جانب اتصالات الجزائر (Algérie-Télécom) مستثمرين جديدين هما: أوراسكوم المصرية و الوطنية الكويتية، و لم نتمكن بالنسبة لهذين الأخيرتين من الحصول على الأرقام الخاصة بها في مجال الخطوط الموزعة فكان اقتصارنا فقط على الخطوط المقدمة من طرف اتصالات الجزائر (Algérie-Télécom)، و إن كانت هذه الأرقام لا تعبر كثيرا عن الرقم الحقيقي لمشتركي الهاتف النقال في الولاية فهي تعطينا صورة ولو بسيطة عن توزيعها عبر البلديات، ومدى مساهمتها في تقليص عامل العزلة الذي تعاني منه العديد من مناطق الولاية، حيث بلغت نسبة التغطية بولاية جيجل بالنسبة للهاتف المحمول بـ 3.24 خط لكل 1000 نسمة، إذ تتراوح نسبة التغطية بالبلديات الجبلية ما بين 5 و 12 خط لكل 1000 نسمة. كما نلاحظ بأن الهاتف المحمول قام بتنشيط الاتصالات داخل هذه البلديات التي هي بحاجة كبيرة إلى تغطية هاتفية جيدة، بينما نلاحظ بأن بأغلبية البلديات بالولاية تتراوح نسبة التغطية ما بين 4 و 1 خط لكل 1000 نسمة، إذ نجد بأن نسبة التغطية تتراوح مابين 4 و 2 بكل من المراكز المهمة بالإضافة إلى البلديات قريبة منها، ومع ذلك فإننا نلاحظ بأن الهاتف المحمول كان له دور كبير في العديد من البلديات الجبلية خاصة بالمناطق التي مازالت تعرف نقصا كبيرا في الخطوط الهاتفية الخاصة بشبكة الهاتف الثابت. خريطة رقم(10).

و أهم ما يمكن أن نستنتجه من خلال دراسة الاتصال بالشبكات المختلفة بالولاية هو اختلاف مفهوم العزلة بالمناطق الجبلية حيث أن التفاعلات المختلفة داخل المجال التي تفرضها الضرورات الملحة للعولمة بصفة عامة تجعل من المجالات الجبلية أكثر انفتاحا على العالم الخارجي (شبكات الهاتف المحمول والفضائيات المختلفة (البارابول)، خاصة مع التطور التكنولوجي، والمنافسة التي يفرضها النظام الاقتصادي الجديد (النظام الليبرالي) من خلال البحث عن الربح السريع، وبالتالي نستطيع أن نقول أن المجالات الجبلية تعرف تحولات كبيرة تفرضها الظروف الحالية للعولمة بصفة عامة، وهذا الاتجاه يبقى يسير بوتيرة بطيئة مقارنة مع البلديات السهلية بالولاية التي تعرف اتصالا بمختلف الشبكات وبالتالي فإن المفارقات داخل مجال الولاية مازالت تعقد من وضع المجالات الجبلية، التي تجعلها مجالات متأزمة ومهمشة.

  1. V. التهميش : مجالي و اجتماعي

تعتبر العلاقة بين طبيعة المجال والمجتمع، من أهم الدراسات المجالية والتي اهتم بها علماء الاجتماع وحتى الجغرافيين على حد سواء، وذلك من خلال ربط العلاقة بين طبيعة المجال وهوية الطبقات الاجتماعية (طبقة غنية، طبقة فقيرة)، وهذا ما يؤدي إلى تمييز المجالات عن بعضها البعض، كما أن الدراسات الجغرافية، عملت على إبراز هذه العلاقة، من خلال معرفة العلاقة بين التهميش المجالي والتهميش الاجتماعي، ويمكننا هنا أن نطرح التساؤل التالي: هل يؤدي التهميش المجالي إلى تهميش اجتماعي ؟

أ. التهميش الاجتماعي: تقسيم المجال حسب الوضعية الاجتماعية

تكون دراسة مستوى الفقر الاجتماعي عبر بلديات الولاية، من خلال دراسة نسبة البطالة، وذلك من أجل وضع تقسيم للمجال حسب الوضعية الاجتماعية للسكان أي وضع روابط بين الإقليم أو المجال والمجتمع.

بلغ ارتفاع معدل البطالة على المستوى الولاية 33,38 % لسنة2003[1] ، بسبب قلة فرص العمل وبهذا فهو يفوق المعدل الوطني لسنة 1987 الذي كان21,29 %، وبتوزيع معدل البطالة عبر بلديات الولاية، من أجل إعطاء صورة أوضح عن واقع الهيكل العام للبنية الاقتصادية و الاجتماعية لسكان الولاية لسنة 2003، الخريطة رقم(11).

 حيث نلاحظ بأن المعدلات متباينة من بلدية لأخرى إذ تـتراوح ما بـيـن 25,7 % ببلدية جيجل إلى64,06  % ببلدية غبالة الجبلية، وتبرز أكبر معدلات البطالة بالبلديات الجبلية التي تعكس الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لسكان هذه المناطق، بينما نلاحظ بأن باقي البلديات التي تقل بها معدلات البطالة عن المعدل الولائي، فهي تتمثل إجمالا في المراكز المهمة بالولاية بالإضافة إلى البلديات السهلية القريبة منها، أين تتركز مختلف النشاطات بالولاية.

ب. العلاقة بين التهميش الاجتماعي و التهميش المجالي

قامت الدراسات الاجتماعية دائما على إبراز العلاقة بين التهميش الاجتماعي و التهميش المجالي، حيث بحثت هذه الدراسات في تحليل هذه العلاقة، من خلال إبراز مكانة الإقليم في ظواهر الإقصاء والتهميش، ونحاول هنا إبراز هذه العلاقة وذلك من خلال الاعتماد على مصفوفة معايير البعد الاجتماعي حيث تم اختيار مؤشرات لقياس الوضعية الاجتماعية للسكان عبر بلديات الولاية وتتمثل فيما يلي: نسبة البطالة، المستوى التعليمي لرب الأسرة، نسبة الأمية، نسبة النساء الأميات، عدد جمعيات المجتمع المدني، عدد الأطباء لكل 10000ساكن، عدد جراحي الأسنان لكل 10000 ساكن، عدد الصيادلة لكل 10000 ساكن، النتائج مبينة في الخريطة رقم (12)، إذ تبرز الفوارق الاجتماعية بين بلديات الولاية بصفة حادة، و أين تظهر الأزمة الاجتماعية بالبلديات الجبلية والتي تنقصها التجهيزات والوسائل، التي مازالت خزانا للهجرة. و ما صعب الاندماج رغم الجهود المبذولة، ارتباط المستوى الاجتماعي الجيد بالمراكز المهمة من الإقليم التي استفادت من التجهيزات المختلفة وهذا مند الزمن القديم (العامل التاريخي). و بالإضافة إلى الموقع الممتاز، فإن تطور الحالة الاجتماعية للسكان البلديات الواقعة بالقرب من المراكز المهمة بالولاية، التي استفادت من تجهيزات مختلفة بالإضافة إلى موقعها سهل التنقلات خاصة نحو المراكز المهمة داخل الإقليم، وحتى خارجه، كانت هذه الحركية نتيجة موقعها بالقرب من المحاور الكبرى الطرق وهذا ما عزز من اندماجها.

 وهنا يمكننا أن نقول بأن الأعمال التنموية التي انطلقت من منطلقات تمييزية بين المجال الجبلي والسهلي، سعت على إحداث مفارقات بين المجالات داخل الولاية، وهذا ما أدى إلى تهميش المناطق الجبلية والتقليل من وظيفتها في تحقيق الاندماج الفعلي على مستوى المجال، وبالتالي سبب الهجرة من أجل تحسين الوضعية الاجتماعية والبحث عن فرص أفضل للعمل. وعليه تلعب طبيعة المجال دورا مهما في تحديد الوضعية الاجتماعية للسكان، إذ يؤدي التهميش المجالي لأي إقليم بالضرورة إلى التهميش الاجتماعي.

 

الخاتمة

تنطلق إشكالية "المجالات الهامشية بولاية جيجل"، من أهمية البحث في الظروف والمسببات التي أدت إلى الإقصاء والتهميش المجالي والاجتماعي، و بالتالي تصل إلى تحديد المشكلات الأساسية التي تعاني منها هذه الأخيرة على وجه أخص والولاية بصفة عامة، ومن خلال تقييم الموارد والظروف الطبيعية والإقتصادية والإجتماعية التي أدت إلى إرساء المفارقات بين المجالات المختلفة، إذ نجد من أهم أسبابها:

الإستراتيجية الاستيطانية للفترة الاستعمارية والتي شكلت موروثات إجتماعية وإقتصادية من خلال تهميش المناطق الجبلية حيث القدرات هشة والمصاعب الطبيعية تحول دون التأثير المباشر في خصوصيات المجال، التي شكلت قاعدة إنطلاق في المرحلة التنموية حيث تم التركيز على المناطق المهيأة التي استفادت من التدخل في مجال التجهيز والتطور الإقتصادي، وظلت المفارقات قائمة و بشدة في القسم الجبلي حيث تبرز الحتمية الطبيعية كعنصر فعال في الحد من قدرات هذه المجالات وتهميشها وهي التي جعلت الولاية مقسمة إلى منطقتين هامتين:

منطقة سهول: تتوفر على كل مقومات التنمية عملت على شد السكان نحوها، من خلال حجم الهجرة الوافدة إليها، والتركز السكاني الذي تعرفه.

منطقة جبلية يشد الإنتباه فيها التذبذب الديمغرافي، نتيجة تصاعد الهجرة نحو المراكز الحضرية، التي تبرز بصافي هجرة سالب، وهذا ما يفسر حجم الأزمة بهذه المناطق نتيجة التأخر التنموي بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية والتي عملت على تعقيد الوضع من خلال تقلص السكان، شكل رقم(02).

بروز منطلقات تمييزية بين مجالات الولاية في النشاطات والخدمات والتجهيزات وفي الربط بمختلف الشبكات أدى إلى تهميش المناطق التي بقيت خارج التنمية وهذا ما يجعلنا نتساءل عن مستقبل باقي المجالات خاصة الجبلية والمهمشة في ظل الإتجاه الليبرالي الذي يشجع الربح السريع على حساب تنمية متوازنة، وذلك ما تؤكده طبيعة توزيع مشاريع الإستثمار الخاص، و الملاحظ عليها أنها تركزت في أهم التجمعات الحضرية لإستفادتها من قانون التكتل والتمركز مما أدي إلى تعميق الفوارق بين مناطق الإقليم المختلفة.

وهذا ما يقودنا إلى التأكيد على أن التهميش ظاهرة نشأت من خلفيات طبيعية إقتصادية عملت على إفراز وضعية إجتماعية صعبة، و كان الإنسان الأداة في تعميقها من خلال تدخلاته التي لم تكن إيجابية إلى حد بعيد في تفعيل المجال وتحصين قدراته، وإعادة توازنات قادرة على بعث الإندماج وتقليص الفوارق، من أجل تحقيق تنمية موجهة لإزدهار وترقية الإنسان والمجتمعات أي تنمية بشرية وإجتماعية دائمة.

المراجع باللغة العربية

الكتب

د. بهلول، محمد بلقاسم حسن، الاستثمار وإشكالية التوازن الجهوي (مثال الجزائر )، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب،1990.

رحماني، شريف، الجزائر غدا، وزارة التجهيز والتهيئة العمرانية، الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية،1995.

الرسائل

حسان، عبد النور، مدينة الميلية وأقاليمها الوظيفية، رسالة ماجستير جامعة قسنطينة، معهد علوم الأرض، 1988.

بولحواش، علاوة، خيارات التنمية المتوازنة في المناطق الجبلية حالة إقليم جيجل، رسالة دكتوراه دولة، جامعة قسنطينة، 2000.

شواش، عبد القادر، التحولات الريفية في البلديات المهمشة حالة بلديات شمال غرب سطيف، رسالة ماجستير، جامعة قسنطينة، معهد علوم الأرض، 2001.

صيفي، زهير، واقع التنمية المحلية بالمناطق الريفية الجبلية، رسالة ماجستير، جامعة قسنطينة، معهد علوم الأرض، 2003.

بخوش، مراد، واقع البلديات الجبلية المعزولة (حالة بلديات إقليم القل)، رسالة ماجستير، جامعة قسنطينة، معهد علوم الأرض، 1995.

المراجع باللغة الفرنسية

Ouvrages 

Brunet, Roger, Les mots de la géographie, dictionnaire critique, Paris, Editions Reclus, 1992.

Cote, Marc, L’Algérie ou l’espace retourné, Paris, Editions Flammarion, 1992.

Cote, Marc, L’espace algérien, les prémices d’un aménagement, Alger, OPU, 1993. 

Boukerzaza, Hosni, Décentralisation et aménagement du territoire en Algérie (la wilaya de Skikda)», O.P.U., Alger, 1991.

Articles

Nait Djoudi, Oulhadj : « Kabylie : un espace agraire en recomposition », Revue de l’U.P.R.E.S.A, UMR 5045, CNRS, 1999.

Mathieu, Nicole, «Pour une nouvelle approche spatiale de l’exclusion sociale ». Cybergeo, Revue électronique de géographie (http : // cybergeo.presse.fr.).

Rhein, Catherine : «Territoire et exclusion : des mots de l’Etat-providence et des maux de la société civile » Cybergeo, Revue électronique de géographie (http : // cybergeo.presse.fr.).

Tabard, Nicole, « Inégalités territoriales de niveau de vie, études sociales », Revue de l’INSEE, 1999.


الهوامش

* ماجستير في التهيئة الإقليمية،تحت إشراف حسني بوكرزازة، جامعة قسنطينة، نوفمبر2005.

[1] Brunet, Roger, Les mots de la géographie, dictionnaire critique, Paris, Editions Reclus, 1992, p.53

[2] تقديرات مديرية التخطيط و التهيئة العمرانية لولاية جيجل لسنة 2002.

[3] تقديرات مديرية التخطيط و التهيئة العمرانية لولاية جيجل لسنة 2002

[4] حسب إحصائيات مديرية المصالح الفلاحية لولاية جيجل للموسم 2002-2003.

[5] Nait Djoudi, Oulhadj, « Kabylie Un espace agraire en recomposition », Revue de L’U.P.R.E.S.A, 5045 de CNRS, 1999, p.53.

[6] لجنة دعم وترقية الإستثمار (CALPI) لولاية جيجل.

[7] Brunet, Roger, Les mots de la géographie dictionnaire critique, Paris, Editions Reclus, 1992, p. 281.

[8] حسب الدليل الإحصائي لولاية جيجل لسنة 2003 (تقديرات).

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche