Sélectionnez votre langue

تدريس حرب التحرير (1954-1962)، ضمن كتب التاريخ القديمة و الجديدة في المدرسة الجزائرية

إنسانيات عدد 39-40 | 2008 | رؤى حول الماضي ورهانات الذاكرة في الحاضر | ص 51-71 | النص الكامل


Teaching the National Liberation War (1954-1962) from former and recent school history text books

Abstract: The National Liberation War (1954-1962) constitutes a founder event for the national State, which emerges at the independence of the country and therefore occupies a particular place in the elaboration of national history and its teaching. We will try to present the characteristics of this teaching through a reading of old and new school history text books, targeting the representations in competition within the State and the society concerning the relations in the pre-colonial past as well as the present stakes.
This will notably be the case for those inherent to a culture of politics and citizenship.

Keywords: Algeria - Liberation War - founder event - national history - teaching and history school text books - culture of politics and citizenship.


Hassan REMAOUN : Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie


 

تشكّل حرب التحرير الوطنية (1954-1962) التي أنهت فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962) الحدث المهم في بناء الوعي الوطني في الجزائر، و تعتبر أيضا الحدث المهم و المؤسس للدولة الوطنية الذي انبثقت مع استقلال البلاد. الأمر الذي يعني أن المناهج الرسمية لتعليم التاريخ في الجزائر تبرز بشكل خاص من خلال وضعها في مكانة مميزة بالنسبة لمراحل أخرى من التاريخ الوطني و حتى الإنساني.

تعاقبت مختلف الأجيال من المناهج والكتب المدرسية ابتدءا من تاريخ الاستقلال إلى يومنا هذا. و يثير انتباهنا في هذا المقام مرحلتين اثنتين هما: المرحلة المتعلقة بالمدرسة الأساسية الممتدة من 1976 إلى 2002 (مع إدخال بعض التعديلات و خاصة منذ سنوات التسعينات) و المرحلة التي تبدأ في 2002 بعدما شرعت اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية خلال سنة 2000 في دراسة مقترحات إصلاح المنظومة التربوية في الجزائر.

كما يمكن القول أنّه إذا كان النظام القديم يعتمد على كتاب رسمي موحد لكل الأقسام، فإن المبدأ بالنسبة للبرامج الجديدة يسمح بالاختيار بين العديد من الكتب المقترحة. إن هذا الإجراء لم يعمّم بعد، خصوصًا بالنسبة لمادة التاريخ، حيث مازلنا نعتمد على الكتاب المدرسي الموحّد لكل سنة من التعليم.

1 . من المدرسة الأساسية إلى النظام الجديد : مناهج مادة التاريخ

نظامَي التعليم

يهدف مشروع المدرسة الأساسية من خلال تعليم إجباري يدوم 9 سنوات، إلى  مزج المراحل الابتدائية القديمة (06 سنوات) و المتوسطة (3 سنوات) في تعليم إجباري يمتد 9 سنوات بداية من السنة الأولى أساسي إلى السنة التاسعة أساسي مع وجود تنسيق بيداغوجي جلي، حيث يعتمد على وسائل مادية و بشرية هائلة للاستجابة للنمو الديموغرافي الكبير و قصد تطبيق مخططات التنمية السوسيو-اقتصادية الطموحة. و ابتداء من 15 أو 16 سنة، يتم توجيه بعض التلاميذ نحو التكوين المهني و المتقنات أو نحو التعليم الثانوي خلال 3 سنوات (من السنة الأولى ثانوي إلى السنة الثالثة الثانوي) و الذين يحضرون امتحان الباكالوريا. 

كان النظام محل نقد نظرا لأسباب لن نذكرها في هذا المقام، و الإصلاح الذي تم انتهاجه ما بين سنة 2002 و 2007 أعاد إصلاح المنظومة التربوية من خلال إبراز تعليم "قاعدي" دوما إجباري خلال 9 سنوات و لكن منظم في طور ابتدائي يدوم 5 سنوات (من السنة الأولى إلى السنة الخامسة ابتدائي) هذا من جهة و من جهة أخرى، مرحلة ثانوية موزعة دائما في 3 سنوات متتالية (من السنة الأولى إلى السنة الثالثة ثانوي) في الثانويات. يلازم هذا الإصلاح بطبيعة الحال تغييرات على مستوى المناهج.

لنتساءل إذن بشكل وجيز تعليم التاريخ المقدم في النظامين التعليميين و هذا من خلال قراءة لمحتويات الكتب الرسمية (كتاب واحد لكل سنة) المكتوبة باللغة العربية.

تعليم مادة التاريخ من 1976 إلى 2002

كان التعليم الخاص بمادة التاريخ يقدم ابتداء من السنة الخامسة أساسي ويستمر إلى غاية السنة الثالثة ثانوي (السنة النهائية). ما مضمون هذا التعليم الموزع على 8 برامج سنوية؟

  • كان يتضمن في السنة الخامسة أساسي، حرب التحرير الوطنية (التي تسمى في فرنسا حرب الجزائر، 1954-1962).
  • يتناول البرنامج في السنة السادسة 6 أساسي، أيضا موضوع الجزائر، و لكنه يهتم بالمرحلة الكولونيالية إلى غاية اندلاع الحرب (1830-1954).
  • يتطرق البرنامج في السنوات السابعة، الثامنة و التاسعة أساسي إلى العصر القديم (إلى غاية ظهور الإسلام في القرن السابع ميلادي)، العصر الوسيط، عصر النهضة الأوروبية إضافة إلى انطلاق المشروع الاستعماري، و أخيرا التاريخ الحديث و المعاصر (ابتداء من التوسع العثماني).
  • في الثانوية، تتطرق المناهج بالنسبة للسنة الأولى و الثانية لمسألة لتاريخ الحديث والمعاصر (من القرن 16 ميلادي إلى الحرب العالمية الأولى) و بالنسبة للسنة الثالثة ثانوي، إلى تطور العالم في القرن 16 ميلادي في مرحلة (مابين الحربين) إضافة إلى حضارات و بعض الهيئات الدولية و الإقليمية مثل (منظمة الأمم المتحدة، السوق الأوروبية المشتركة، جامعة الدول العربية).
  • و في الأخير، نشير إلى أن تعليم التاريخ و الجغرافيا كان يُقدّم بنسبة ساعة واحدة أسبوعيا بالنسبة للسنة الخامسة و السادسة أساسي و بنسبة ساعتين إلى ثلاث ساعات (حسب الشعب) بالنسبة للأقسام الأخرى.

تعليم مادة التاريخ من خلال المناهج الجديدة (التي ظهرت ما بين 2002 و 2007)

إن هذا التعليم يبدأ ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي و يستمر إلى غاية السنة الثالثة ثانوي، بمعنى أنه يمتد على مدى 10 سنوات (عوض 8 سنوات كما كان في النظام القديم).

-  في السنة الثالثة ابتدائي، نبدأ تلقين المادة بتقديم مفاهيم عن الحدث، الزمان، المكان، الكرونولوجيا و السُلّم و الخريطة...، قبل التطرق لأول مرة لتاريخ وطني محدد في مرحلة حرب التحرير.

  • في السنة الرابعة ابتدائي، نرجع إلى العناصر المنهجية التي تمّ التطرق إليها في السنة الثالثة ابتدائي، قبل تناول الجزائر من خلال مفاهيم متعلقة بالوطن، الرموز الوطنية، الهوية الوطنية، و عناصر التاريخ الوطني الجزائري المتضمن لمرحلة ما قبل التاريخ و مرحلة العصر القديم، العصر الوسيط و العصور الحديثة مع إبراز مختلف الدول التي تعاقبت إلى غاية المرحلة الاستعمارية.
  • في السنة الخامسة ابتدائي، البرنامج مخصّص للمرحلة الاستعمارية مع إبراز أشكال المقاومة للاحتلال إلى غاية حرب التحرير الوطني، و السياسة المنتهجة من طرف الدولة الجزائرية المستقلة (ابتداء من 1962).

تمّ تناول في السنوات الأولى، الثانية، الثالثة و الرابعة متوسط (في المتوسطة)، مسألة العصر القديم المغاربي (في السنة الأولى متوسط)، و كذا نهاية العصر القديم وظهور الإسلام وبداية حضارته في المشرق و المغرب العربيين (في السنة الثانية متوسط) والعالم الإسلامي في العصر الوسيط إلى المرحلة العثمانية إضافة إلى الدولة الجزائرية ما قبل الاستعمار الفرنسي و المقاومة الوطنية إلى غاية 1870 (في السنة الثالثة متوسط) و أخيرا، جزائر 1870 إلى غاية الاستقلال و بداية الدولة الوطنية وسياستها الدولية (في السنة الرابعة متوسط) .

تتناول المناهج الموجهة للسنة الأولى و الثانية و الثالثة ثانوي موضوعات العالم الإسلامي و التغيرات الكبرى في أوربا من 1453 إلى 1914، إضافة إلى الجزائر من 1515 إلى 1830 (في السنة الأولى ثانوي)، الاستعمار الأوربي في أفريقيا و آسيا، علاقات أوربا مع العالم من 1815 إلى  1954 و الاستعمار الفرنسي، علاوة على المقاومة الجزائرية من 1830 إلى 1954 (في السنة الثانية ثانوي) و أخيراً بالنسبة للسنة النهائية (ثالثة ثانوي) التطور العالمي من 1945 إلى 1989 (الثنائية القطبية، العالم الثالث) و الجزائر من 1919 إلى 1989.

يُخصص استعمال الزمن بالنسبة للبرامج الجديدة في الطور الابتدائي ساعة واحدة أسبوعيا بالنسبة للتاريخ و الجغرافيا (أي 30 دقيقة لكل مادة) و ثلاثة ساعات لمادة التاريخ و الجغرافيا و الاقتصاد (أي ساعة لكل مادة) في المتوسطة (الطور المتوسط) و أخيراً ساعتان إلى أربع ساعات أسبوعيا مخصصة لمادة التاريخ و الجغرافيا حسب الشعب و السنوات، على مستوى الثانوية (أي من السنة الأولى إلى السنة الثالثة ثانوي).

و بعد هذا التقديم الوجيز حول برامج مادة التاريخ السارية في الجزائر، سنحاول الدخول في صلب الموضوع من خلال التركيز على المضامين الخاصة بالتعليم المتعلّق خصوصًا بحرب التحرير من خلال وصف دقيق للبرامج المتضمنة لهذه المسألة كما تظهرها فهارس الكتب، لأنها بمثابة دعامة لهذا الإجراء.

2 . حرب التحرير في الكتب المدرسية القديمة

يتم تدريس حرب الجزائر في النظام القديم في أقسام السنة الخامسة أساسي، التاسعة أساسي و الثالثة ثانوي، و يساعدنا مسار الكتب المستعملة[1] على معرفة المزيد حول هذه المسألة.

في السنة الخامسة أساسي

 يتضمن الكتاب (من حجم 2127x) 17 درسًا و 64 صفحة، حيث تشكل الدروس الثلاثة الأولى (حوالي 10 صفحات) تلقينا منهجيا بالنسبة للأطفال الذين يدرسون للمرة الأولى مادة التاريخ (يتم تناول الحدث التاريخي، سلم الزمن، وثائق تاريخية...) أما الدروس الـ14 المتبقية إضافة إلى الملحق فهي مخصّصة لحرب الجزائر (حوالي 50 صفحة في مجملها) و تتضمن الدروس المواضع التالية (37):

- أول نوفمبر

- نداء أول نوفمبر

- جبهة التحرير الوطني

- أحداث 20 أوت 1955

- مؤتمر الصومام (20 أوت 1956)

- جيش التحرير الوطني

- من جرائم الاستعمار: التشريد و الحصار

- من جرائم الاستعمار: التعذيب و القتل

- الشعب الجزائري يتحدى الاستعمار: الإضراب العام لـ 8 أيام (جانفي –  فيفري 1957)

  • الشعب الجزائري يتحدى الاستعمار: مظاهرات ديسمبر 1960

- الشعب الجزائري ينتصر (اتفاقيات ايفيان، استفتاء حول تقرير المصير و إعلان الاستقلال 5 جويلية 1962)

  • ثمن الحرية
  • الشعب الجزائري يواصل ثورته لبناء دولة اشتراكية

و أخيرًا نجد في الملحق، صورًا مرفوقة بسيرة وجيزة  لـ 16 شهيدًا للثورة[2]. وتتشكل الدروس أساسا من صور بسيطة، و تعليقات و معطيات رقمية، وإحصائيات تصاحب صوراً و مخططات، و تنتهي هذه الدروس ببعض الأسئلة والتمارين و ملخص من 5 إلى 15 سطرًا بالأحمر (كما هو الحال لبعض التعليقات). يبرز هذا الكتاب بشكل جليّ لأنه يتضمن حوالي 70 صورة ومخططًا باللونين الأسود والأبيض (صورة الغلاف على خلاف ذلك هي بالألوان و تمثل العلم الجزائري محاطا بصور ترمز إلى الحرب و السلام). اختيرت هذه الصور وفقا للمفاهيم المتعارضة مثل: مضطهَد / مضطهد، قمع / مقاومة، قوة وحشية / شجاعة و إصرار، رخاء / بؤس اجتماعي، و كل جوانب الحرب إضافة إلى تناولها، في بعض الأحيان مشاهد يصعب إظهارها للأطفال مثل (التعذيب، الجثث المشوهة...).

يجب أن يكون هذا التعليم الخاص بالسنة الخامسة أساسي له علاقة مع برنامج السنة السادسة أساسي حيث الكتاب له نفس الحجم و نفس الشكل البيداغوجي. تم تناول الفترة الاستعمارية في 60 صفحة، 22 درسًا و 60 صورة  و مخططًا باللونين الأسود و الأبيض و نجد هنا، الصورة الوحيدة بالألوان تخص الغلاف حيث نلاحظ جدولاً يمثل معركة المقطع (التي شهدت انتصار قوات الأمير عبد القادر على قوات الجنرال تريزل (Trezel) بالقرب من مدينة وهران في جوان 1835).

 يتضمن كتاب السنة التاسعة أساسي[3] ذو الحجم (5,16 23,5x ) 256 صفحة و 25 فصلاً و يتناول المرحلة الممتدة من القرن السادس عشر إلى يومنا هذا.

و يتناول خصوصا الجزائر بحيث خصصت سبعة فصول للتطرق للفترة الاستعمارية حتى بداية 1954 و ذلك بالتركيز خصوصًا على نشاطات المقاومة. كما تناول حرب التحرير في 8 فصول (أو دروس) معروضة على75 صفحة و تتضمن العناوين التالية:

- اندلاع الثورة

- جبهة التحرير الوطني تقود الثورة

- جبهة التحرير الوطني تخوض المعارك

- موقف الاستعمار من الثورة

- الشعب الجزائري يجبر فرنسا على الاعتراف بالاستقلال

- التفاوض

- موقف العالم من الثورة الجزائرية

- ثمن الحرية.

هذه النصوص مرفوقة بعدة صور (باللونين الأسود و الأبيض) تمثل جيش التحرير الوطني إضافة إلى مشاهد للقمع الاستعماري، و طرأ شيء جديد (و لكن الكتاب مؤرخ في 1992 فقط) إذ تظهر لأول مرة في كتاب مدرسي صور لمصالي الحاج و الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان.

الفصول الأخرى تمّ إبرازها أيضا بجداول تلخيصية لأقوال مأخوذة من منشورات جبهة التحرير الوطني، و تصريحات مسؤولين و مؤرخين.  

يتضمن كتاب السنة الثالثة ثانوي 37 فصلاً و 418 صفحة و حجمه (16 X 23,5). و يتناول مباشرة حرب التحرير من خلال ثلاثة دروس و 33 صفحة تحت العناوين التالية:

  • جبهة التحرير الوطني و الثورة الجزائرية (19 صفحة)
  • مفاوضات ايفيان، وتحليل الاتفاقيات (7 صفحات)
  • الجمهورية الجزائرية: ظروف تكوينها و المشاكل التي واجهتها (7 صفحات)
  • دروس أخرى حول الجزائر لها علاقة بحرب التحرير، و لهذا لدينا درسين يعالجان المرحلة ما قبل 1954
  • الجزائر أثناء الحرب العالمية الثانية (9 صفحات)
  • دستور 1947 و أثره (8 صفحات)
  • و في نفس السياق، يضع درسان اثنان الثورة الجزائرية في السياق العالمي و هما:
  • دراسة مقارنة للثورات المعاصرة و أثرها في العالم: الثورة الروسية، الصينية و الجزائرية (11 صفحة)
  • دور الجزائر في الوحدة العربية، المغاربية و الإفريقية (9 صفحات)

و في القسم النهائي، 7 دروس على 37 (أي بمجموع 70 صفحة) تخص الجزائر و كلها لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع حرب التحرير.

التصوير الايكونوغرافي نجده بسيطا مقارنة بالكتب الأخرى، بالرغم من وجود بعض التحسن (كما هو الحال بالنسبة لمضمون البحوث) الظاهر في الطبعة الأخيرة للكتاب الذي يعود إلى سنة 2000-2001 (أي قبل انطلاق إصلاح المنظومة التربوية)

3. حرب التحرير من خلال الكتب الجديدة

يتم تدريس حرب التحرير في الكتب الجديدة[4] مباشرة في السنة في السنة الثالثة، الرابعة و الخامسة ابتدائي أي في 4 أقسام من مجموع  12 التي تشكل المسار الدراسي الذي يؤدي إلى امتحان الباكالوريا، بينما نجد 10 أقسام مخصصة لتعليم التاريخ (ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي إلى القسم النهائي)

في السنة الثالثة ابتدائي

 يخصص القسم لمعالجة المسألة و يتكون من 27 صفحة (من مجموع 94 صفحة) من حجم 21×27 سم و يتضمن العناوين التالية:

  • تاريخ تفجير الثورة التحريرية الكبرى
  • مسار الثورة التحريرية الكبرى
  • نتائج الثورة التحريرية

يتشكل الكتاب من صور قصيرة تتعلق بالاستعمار، جبهة التحرير الوطني، اندلاع 1 نوفمبر، التضحيات المقدمة ونيل الاستقلال.

و كل هذا تم إبرازه من خلال نص النشيد الوطني (مع إلحاق صورة كاتبه مفدي زكريا) و جدول يمثل سلسلة من التواريخ تعتبر مهمة بالنسبة للثورة إضافة إلى خريطة الجزائر بالتقسيم إلى 06 ولايات مكافحة. نجد أيضا صورة هامة بالألوان وباللونين الأسود و الأبيض تتضمن صورا لمجاهدين جزائريين و عسكريين فرنسيين، و مشاهد ابتزازية ضد السكان، مظاهر الفرحة بنيل الاستقلال، لجنة الأعضاء الـ"22" (من مفجري ثورة 1 نوفمبر)، إضافة إلى حوالي 15 قائدا، بطلا وبطلة سقطوا في الكفاح (شهداء)، وصور مصحوبة في بعض الأحيان بسير ذاتية قصيرة[5].

بالسنة الخامسة ابتدائي

 تمّ تناول الحرب بمفهومها الصحيح في 16 صفحة (21×27 سم) من مجموع 95، إضافة إلى 16 صفحة إضافية تعالج مقاومة الاستعمار في القرن التاسع عشر (قادها الأمير عبد القادر و أحمد باي)، و المقاومات الكبرى و ظهور النضال السياسي و الحركة الإصلاحية في النصف الأول من القرن العشرين.

الكتاب أكثر تزيينا ميزه من الكتاب السابق، إذ نلاحظ صورًا تمثل المسؤولين الخمسة لجبهة التحرير الوطني اثر تحويل الطائرة من طرف المصالح الفرنسية في أكتوبر 1956، المفاوضين الجزائريين بايفيان في سنة 1962   و حتى صورة للجنرال ديغول يلقى خطابًا خلال جولته في الجزائر سنة 1958.

بالنسبة للسنة الرابعة متوسط :

 كل البرنامج الخاص بمادة التاريخ تتعلق بالجزائر، و يتناول الكتاب الرسمي (175 صفحة بحجم 21 x 27 سم) القسم الخاص بالمرحلة الاستعمارية الممتدة ما بين 1870 و 1953 (و التي تم تناولها في 54 صفحة) مرفوقة بمرحلة الثورة التحريرية (1954 و 1962 في مجموع 74 صفحة) و مرحلة ما بعد الاستقلال (30 صفحة)، و كذا التركيز على النشاط الدولي للدولة الجديدة (مساندة الحركات الوطنية و الدور في المنظمات العالمية و الإقليمية، العلاقات شمال - جنوب...)

يبرز القسم الأول من الكتاب بالنسبة للتلاميذ تطور النظام الاستعماري ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر و ذلك بالتركيز على تجديد حركة المقاومة التي ستتحول من الشكل التقليدي المعتمد أساسا على الحملات و تأثير الزوايا، إلى أشكال ملائمة مع التنشئة الاجتماعية الجديدة المرتبطة بالرأسمالية الكولونيالية (جمعيات و أحزاب سياسية التي تشكل الحركة الوطنية).

تم ابراز حرب التحرير الوطنية في القسم الموالي و التي هي نتيجة حتمية لهذا المسار. و لقد تم تقديم عملية تحضير و اندلاع الثورة بشكل دقيق، ابتداء من أزمة الخلافة داخل الحزب الوطني (حزب الشعب الجزائري - حركة انتصار الحريات الديمقراطية)، تدخل المجموعة المنبثقة عن المنظمة الخاصة و اجتماع لـ"22" إلى غاية الإعلان و تفجير ثورة 1 نوفمبر، إنشاء جبهة التحرير الوطني   و استرتيجيتها، و عملها العسكري و القيادات المتعاقبة، ردود الفعل السلطات الفرنسية، تأثيرها على المجتمع الجزائري و الرأي العام الدولي، و كل الكفاح   و البطولات التي ستؤدي إلى مفاوضات ايفيان و إلى استقلال البلاد. نجد كذلك صورًا كثيرة و أقوالا و تصريحات مأثورة و تحاليل و شهادات تجعل القراءة أكثر جاذبية.

في السنة الثالثة ثانوي (القسم النهائي)

 يتشكل الكتاب الذي يصل إلى 237 صفحة (دائما في حجم 21x27سم) من ثلاثة أقسام أساسية: يتناول القسم الأول (في 72 صفحة) تطور العالم من 1945 إلى 1989 بالتركيز على الثنائية القطبية شرق-غرب، القسم الثاني (68 صفحة) و يهتم بمختلف بلدان العالم الثالث (دائما ما بين 1945 و 1989)، و بتقديم الحركات الوطنية التحررية و نشاط الدول الجديدة و المنظمات الدولية التي تنتمي إليها (غالبا في سياق أزمات سياسية وطنية و دولية)، و يعالج القسم الثالث المتكون من (90 صفحة) الجزائر خلال الفترة الممتدة ما بين 1919 إلى 1989.

في هذا القسم الأخير، تم تناول مسألة تطور الحركة الوطنية إلى غاية 1954، و حرب التحرير و أخيرًا مرحلة الاستقلال.

قُدمت الفترة الممتدة من التحضير لاندلاع ثورة 1 نوفمبر 1954 إلى اتفاقيات ايفيان مرورًا بالاستفتاء حول الاستقلال في 45 صفحة (أي نصف المجموع المخصّص للجزائر). تم إبراز النص من خلال صور مثله مثل كتاب السنة الرابعة متوسط، إضافة إلى أقوال و لكن مع حصر في عدد الصفحات (45 صفحة عوض 74) مما يفسر وجود بيداغوجيا مختلفة بالنسبة للتلاميذ بأعمار ومستويات مدرسية مختلفة، و بسبب كون برنامج الأقسام النهائية مكثف و لا يتناول فقط الجزائر.

4. من برنامج إلى آخر : رهانات تعليم التاريخ و حرب التحرير

لاحظنا أنه منذ تطبيق النظام التعليمي القديم خلال العشرية الأخيرة، أدخلت تغييرات في محتويات الكتب المدرسية، كما هو الحال بالنسبة للسنة التاسعة أساسي في (1992-1993) و الطبعة الأخيرة للسنة الثالثة ثانوي (2001-2002).

سيعمم الإصلاح المنتهج ابتداء من 2002 هذا التوجه و يدعمه. و قبل التطرق للأسباب، سنحاول حصر ما يميز هذا التطور.

تغييرات ملموسة في تقديم التاريخ الوطني

تمّ تناول حرب التحرير الوطنية في نظام المدرسة الأساسية (1976-2002) من خلال ثلاث مقاربات مقسمة على ثلاث سنوات موجودة في البرنامج.

- في السنة الخامسة أساسي، أي حينما يُقدّم التاريخ للمرة الأولى لفائدة التلاميذ (تتراوح أعمارهم ما بين 10 سنوات و 11 سنة، أين يتلقون للمرة الأولى تعليما في التاريخ) فإنه يظهر و كأنه حدث خاص و مؤسس.

- في السنة التاسعة أساسي، يتم إدراج التاريخ على المدى البعيد لأنه يوجد في استمرارية انطلاقا من العصر القديم (في برنامج السنة السابعة أساسي) مرورًا بالعصر الوسيط و العصر الحديث   و المعاصر وصولاً إلى الظاهرة الاستعمارية.

- في السنة النهائية (الثالثة ثانوي)، يُتناول التاريخ كظاهرة معاصرة يحمل في طياته العلامة الكاملة لتاريخ القرن العشرون، بالتركيز على حلقات الثنائية القطبية الشرق و الغرب و ظهور العالم الثالث.

هذه التوجهات تمّ الإبقاء عليها في المناهج الجديدة مع وجود بعض الأخطاء الكبيرة:

- الأولى هي أن تعليم حرب التحرير يبدأ منذ السنة الثالثة ابتدائي بمعنى أنه موجه لأطفال تتراوح أعمارهم من 8 إلى 9 سنوات، و يتم تناوله من جديد في السنة الخامسة ابتدائي بعد تقديمه في السنة الرابعة ابتدائي و في البداية لفائدة السنة الخامسة ابتدائي من خلال تقديم تاريخ وطني يمتد من العصر ما قبل التاريخ و العصر القديم البربري إلى غاية المرحلة الاستعمارية قصد إدراج فيما بعد الحدث داخل هذا العمق و إبراز الاستمرارية بعد استقلال البلاد.

هذا الأمر صالح للتعليم المتوسط المتمثل في نفس الاستمرارية بين السنة الأولى متوسط و السنة الرابعة متوسط، مع انفتاح على التاريخ الإنساني الذي تم تأكيده في التعليم الثانوي (في السنة الأولى ثانوي، الثانية الثانوي و بطبيعة الحال في السنة الثالثة ثانوي). و بعيدًا عن سلسلة حرب التحرير لم يقدم العمق التاريخي الوطني بالشكل القوي، حيث كان منصهرًا في تاريخ العالم الإسلامي الذي يتمركز حول الشرق الأوسط. إن تقديم حدث اندلاع ثورة 1 نوفمبر 1954 كانت بارزة كما يصفها المؤرخ محمد حربي بـ"أسطورة الصفحة البيضاء" التي تغطي كل المرحلة القادمة التي لها علاقة مع الحضارة العربية الإسلامية حتى الكفاح السياسي ضد النظام الاستعماري في إطار الحركة الوطنية مهمشا في البرنامج القديم و الشيء الذي كان جليا هو نشاط حركة العلماء الاصلاحيون لأنها كانت تسمح بإنشاء علاقة بين الماضي الإسلامي المثالي و المقاومات المسلحة الكبرى (المقاومات التي قادها الأمير عبد القادر و انتفاضات قبلية أخرى في القرن التاسع عشر، القمع دموي في الأيام التي تلت أحداث 8 ماي 1945) و التي شكلت مجموعة التحضيرات قصد القيام بالهجوم النهائي الذي حدث في 1 نوفمبر الذي ما يزال يمثل بالنسبة للوعي الوطني "الليلة الكبرى".

أسماء و أماكن[6]... نحو تاريخ أكثر موضوعية ؟

طرأت تغييرات كبيرة إذن على المناهج الجديدة لإبراز التاريخ الوطني ما بعد تاريخ 1 نوفمبر 1954، و بدأ يظهر هذا التوجه في طبعات كتب البرنامج القديم ابتداء من السنوات التسعينيات، و خصوصا بالنسبة للسنة السابعة أساسي (طبعة معادة للسنة الدراسية 1992-1993 و التي تتطرق إلى العصر القديم)       و السنة التاسعة أساسي (طبعة سنة 1992-1993) والسنة الثالثة ثانوي (تم إعادة طبعها سنة2001-2002) واللذان يعالجان المرحلة الاستعمارية و حرب التحرير الوطنية.

يضع الكتابان السابقان قطيعة بالنسبة للممارسات الحالية. و تمكّن التلاميذ لأول مرة من التعرّف (السنة التاسعة أساسي) لتقديم "ايجابي" لسير كل من مصالي الحاج (مرفوقة بصورة)، و فرحات عباس و أسماء قادة جبهة التحرير الوطني الذين تمكنوا من البقاء على قيد الحياة بعد الحرب و الذين كانوا بمثابة تابوهات كما هو الأمر لبوضياف، رابح بيطاط، كريم بلقاسم، آيت أحمد، بن بلة، خيضر، بن خدّة، بوصوف و أوعمران إضافة إلى صورة تبين الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان (ولكن بدون أسماء!). إلى حد الآن، لدينا تاريخ بطولي ومجهول في نفس الوقت حيث لم يتم ذكر سوى الشخصيات المتوفاة "شهداء"، أو بالنسبة للمرحلة التي تسبق الحرب، أسماء مسؤولي جمعية العلماء المسلمين مع أقوال عديدة وصورًا تمثل ابن باديس، الإبراهيمي و قياديين آخرين).

سنتطرق من خلال المناهج الجديدة، ليس فقط إلى نشاط الأحزاب الأخرى التي تشكل الحركة الوطنية إلى غاية ليلة 1954 (حزب الشعب الجزائري، حركة انتصار الحريات و الديمقراطية، أحباب البيان و الحرية، الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، الحزب الشيوعي الجزائري)، بل إلى صور لقياديين، ولكن إلى إعادة تحديد أصول جبهة التحرير الوطني منذ مؤسسي المنظمة الخاصة و مجموعة "22" (مع صورهم) إلى غاية المسؤولين الذين نجدهم في الواجهة الأولى، إضافة إلى المراحل الأساسية للعمل العسكري و السياسي للحركة الوطنية إلى غاية 1962، مع التطرق لمرحلة الاستقلال.

و لكن لم يتم التخلي عن التابوهات، حيث إن كانت صورة عبّان رمضان على سبيل المثال، تظهر 3 مرات في كتاب السنة الرابعة متوسط (بمناسبة مؤتمر الصومام في أوت 1956 أو كعضو في لجنتي التنسيق والتنفيذ التي تعاقبت ما بين 1955 1956) فإن اسمه غير مذكور (وارد) في مكان آخر. و نجد الأمر أحسن من البرنامج القديم للسنة الخامسة أساسي حيث صُرّح كما نشر في جريدة المجاهد أنه سقط "شهيدا" على الحدود المغربية مع أنه تم قتله من طرف أصدقائه في ديسمبر 1957. و قد لا نقول كل شيء... و لكن نتجنب على الأقل الكذب الفاضح[7]

بعض الإشارات الأخرى بالنسبة للمستقبل

لم يتم التطرق لمسألة الأوروبيين الشيوعيون، المسيحيين والليبراليين الآخرين الذين شاركوا و ساندوا جبهة التحرير الوطني، و أحيانا لقوا حتفهم. و في قصيصة من جريدة "صوت الجزائر" (l’Echo d’Alger) المؤرخة يوم الثلاثاء 29 جانفي 1957 تعلق على "فشل" الإضراب العام لـ 08 أيام الذي أعلنته جبهة التحرير الوطني حيث يُقدم كوثيقة في كتاب السنة الثالثة ثانوي، و يمكننا قراءة المقال (باللغة الفرنسية و بدون ترجمة باللغة العربية): "أوربيتان، الأم و ابنتها، تم توقيفهما على إثر اعتداءات يوم السبت،بشارع ميشلي". يعتبر هذا النص بمثابة إشارة خجولة بالنسبة للكتب في المستقبل.

يجب الأخذ بعين الاعتبار بعض الإشارات الأخرى، مثل عدم إعطاء الأهمية في المناهج الجديدة "لحادثتين تاريخيتين" تم إهمالهما كما يشير إليها دائما حربي (وأيضا لشرف). و يتعلق الأمر في البداية بـ "انتفاضة بالإجماع" للشعب مع الاعتراف (في كتاب السنة الرابعة متوسط) بأن حوالي نصف مليون جزائري شاركوا بطريقة إرادية أو غير إرادية في الحرب بجانب الفرنسيين عن طريق (التجنيد الإجباري، التطوع في الجيش و القبعة الزرقاء، الشرطة و مختلف المعاونين). و الأمر الثاني يتعلق بحرب التحرير باعتبارها كانت في الأصل من فئة الفلاحين حيث سنعود لهذا الموضوع.

 ونشير في الأخير إلى الجهد المبذول خاصة في كتاب الأقسام النهائية وذلك قصد إبراز مختلف الفصول، ليس فقط المتعلقة بمقتطفات لتحركات جزائريين    أو فرنسيين و تعليقات صحفية، مع إدراج ضمن قائمة المؤلفين، مؤرخين غير ملتزمين مثل محفوظ قداش، سليمان الشيخ، محمد تقية أو محمد حربي  و بن جامين ستورا (Benjamin Stora)، فقد تمّ ترجمة المقولات من اللغة الفرنسية إلى العربية.

الأحداث البارزة للحرب وفق الكتب المدرسية

هناك بعض الأحداث البارزة التي تميز هذه الحرب وفقا للكتب المدرسية

  • قبل كل شيء و بطبيعة الحال، يعود السبب إلى القمع الاستعماري الذي رسخ داخل المجتمع تقليد المقاومة التي ترتكز على الجماعة حيث يمكن أن تأخذ أشكالا تمردية و إيديولوجية (ثقافة و دين) و سياسية (في إطار الحركة الوطنية). لقد لاحظنا أن كل هذه المعطيات أُخذت بعين الاعتبار في الكتب حتى و إن كانت بعض الأحداث ذات أولوية في بعض الأحيان. و نجد الحدث نفسه الذي تم شرحه دون شك في الكتب الجديدة أكثر من الكتب القديمة بمراحل هامة و التي سنحاول ذكرها الآن:
  • اجتماع مجموعة الـ "22" المنبثقة عن المنظمة الخاصة و إعلان 1 نوفمبر 1954 مع العمل العسكري الذي تم تنفيذه في نفس اليوم.
  • موقف الأحزاب الوطنية التقليدية من جبهة التحرير الوطني
  • القمع الكولونيالي[8]
  • ردود الفعل الدولية (الأفرو-أسيوية، القوى العظمى، منظمة الأمم المتحدة...)
  • العملية التي قام بها جيش التحرير الوطني يوم 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني.
  • مؤتمر الصومام في أوت 1956 و مع تشكيل المجلس الوطني للثورة الجزائرية و بعد ذلك جبهة التحرير الوطني و جيش التحرير الوطني، ثم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في سنة 1958
  • التغيرات السياسية في فرنسا خصوصا مع الانتقال من الجمهورية الرابعة إلى الجمهورية الخامسة سنة 1958.
  • العمليات العسكرية التي شنها الجيش الفرنسي لقطع صلة السكان المدنيين عن جبهة التحرير الوطني (مشروع قسنطينة، البحث عن قوة ثالثة، مراكز تجميع السكان، نشاط مكاتب الفرق الإدارية الخاصة (SAS) و المكتب الثاني).
  • الدعم المقدم من طرف الشعب لجبهة التحرير الوطني خاصة إضراب 8 أيام (جانفي-فيفري 1957) و مظاهرات ديسمبر 1960.
  • رد فعل المعمرّين المتطرّفين المتمسّكين بالاستعمار و انقلاب جنرالات الجزائر في أفريل 1961 و نشاط منظمة الجيش السرية(OAS)[9].

و أخيرا اتفاقيات وقف إطلاق النار و الاستفتاء الذي أدى إلى الاستقلال.

هذه الأحداث و أخرى،  التي قدمت بطبيعة الحال وفق نظرة وطنية ساهمت في صقل الوعي و الثقافة السياسية و التاريخية لدى الجزائريين. و لهذا، صحيح أن تشكل حرب التحرير الوطنية حدثا قريبا نسبيا حينما تم تدريسها (مع بدايات الاستقلال) بحيث نجدها لا تدرس على أنها حدث تاريخي جديد.

إن العمل البيداغوجي لا يمكن له دائما في المستوى أن يكسب تراجعا زمنيا في بعض الأحيان لأنه ضروري لعملية "التوضيح" و "تزيين" العمل الخاص بالمؤرخين.

و من الباب المقارنة، يمكننا الإشارة على سبيل المثال أن الثورة الفرنسية لم تدرج في مناهج التعليم الفرنسية إلاّ بعد مرور قرن من اندلاعها، و أن تعليم الجزائر يطرح دائما مشكل في فرنسا نفسها (خصوصًا مع صدور قانون فيفري 2005).

يعتبر الفاعلون الذين شاركوا في الثورة نفس الأشخاص الذين تقلدوا مهاما على رأس الدولة الجديدة إمّا عن طريق البقاء أو التناوب على السلطة السياسية إلى يومنا هذا و بالتالي شاركوا أيضا في اتخاذ القرار بما في ذلك مضمون مجموع "المعارف" التي تلقنها المؤسسة التربوية.

كما لا يجب إهمال وظيفة الاندماج الوطني و التربية المدنية التي يتم تدريسها إضافة إلى مواد أخرى مثل (التربية المدنية، جغرافيا، و التربية الإسلامية أيضا) و التاريخ عمومًا و الأحداث التي تعتبر أساسية في الجزائر، خصوصًا حرب التحرير الوطنية.

خلاصة

من الحرب عموما إلى حرب التحرير الوطنية خصوصا في التعليم وفهم النزعة الوطنية الجزائرية

لأسباب خاصة بالتاريخ، فإن النزعة الوطنية الجزائرية مأخوذة بشكل كبير من الشعبوية (يتحدث دائما المؤرخ حربي عن "النزعة الوطنية الشعبية"). و بدون الإطالة هنا في هذه المسألة، نشير إلى أن هذا الأمر راجع إلى عدد من المميزات المتعلقة بمقاربة التاريخ الوطني والطريقة التي يدرس بها.

قبل كل شيء، هناك علاقة بثقافة المجهول التي تطرقنا إليها، و التي اكتسبت في السرية ضمن الحركة الوطنية، المنظمة الخاصة وجبهة التحرير الوطني و الشبيبة من جهة، و من جهة أخري علاقة بالأصل، حيث قياديون معرضون للقمع والصراعات الداخلية التي تمثلت خاصة في القطيعة سنة 1954 مع "الأب المؤسس"، مصالي إضافة إلى رهانات السلطة خلال الحرب و بعد الاستقلال.

وأكيد أنه من هنا يظهر المبدأ و الشعار الرسمي "بالشعب وإلى الشعب"      أو "بطل واحد، الشعب". وبعد ذلك، العلاقة بالنزعة الجماعاتية التي تسعى إلى أمثلة لمجتمع ما قبل استعماري و بالأساس ريفي حيث المرجع الإسلامي يشكل على الصعيد الإيديولوجي، العامل الموحد، الذي يؤدي إلى ثورة قام بها مزارعون. مما يفسر بلا شك أيضا أنه حينما نتكلم عن إعلان 1 نوفمبر 1954، فإننا نذكر "بناء" الدولة الجزائرية (ما بعد الاستقلال) الأمر الذي تطلب توضيحًا في الوثيقة التي حضرت خلال مؤتمر الصومام، و التي واجهت مسألة بناء الدولة العصرية، حيث أبرزت مفهوم "النهضة" (للدولة الجزائرية).

- بدون أن نضع أنفسنا ضمن تصور أو  آخر، يمكن إدراك الاستعمار من خلال الاستمرارية في الحروب الصليبية في العصر الوسيط أو مرتبطا بظهور العالم العصري و الرأسمالية في أوروبا، وتوصلت حرب التحرير لتتحول إلى الجهاد التقليدي (بالمعنى الحربي للكلمة)، أو ينظر إليها بمثابة عملية متعلقة بالحركات الوطنية الحديثة التي كان هدفها الدولة الوطنية، بمعنى هوية سياسية مختلفة جذريا عن الهوية التي عرفت في الماضي ما بعد الاستعمار والتي سمحت للجزائريين بالحصول على قانون المواطنة.

و نجد هذين التصورين في صراع مستمر لدى النخبة الجزائرية المثقفة سواء من يعمل منها باللغة العربية أو الفرنسية.

و إلى كل ما سبق، يجب إضافة عنف الصدمة الكولونيالية، و غياب أي تصور لحل سياسي يتبعه حيث برزت فكرة أن التغيير السوسيو-سياسي لا يمكن أن يظهر إلا من خلال العملية العنيفة "مولدة حقيقية للتاريخ" و هنا يكمن النقاش بين الذين يفضلون مراحل المقاومة العسكرية خلال 130 سنة من الاستعمار و "الشهيد" مثل الذي تعرض إليه ضحايا القمع الدموي لأحداث 8 ماي 1945، و  الذين يعتبرون أن هذا الأمر لا يمكن أن يفسر لهم سوى عملية التي أدت إلى الاستقلال البلاد. لقد أدى هذا النوع من الاستعمار و عنفه فقط إلى تعقيد النقاش.

كان الجزائريون بعد الاستقلال إذن، معرّضون لهاته المقاربات، إن رهان الحاضر هو تحديد أثر السياسي في المجتمع الجزائري دون أن ننكر أن العنف كان دائما مفروضًا و لكن شكّل هذا الأخير استثناء، حيث أن القاعدة كانت السياسة، كما أبرزه الذين حرروا وثيقة الصومام أين وضعوا "أولوية السياسي على العسكري"

ساهم كل من المأزق الذي وقع فيه الحزب الواحد و التطور الدموي الذي شهدته الجزائر منذ 15 سنة في إعادة طرح إشكالية مكانة السياسة، الأمر الذي جعلنا نتساءل منذ سنوات التسعينيات عن العلاقة بتاريخنا بما فيه التغييرات التي بدأت تتميز بها المناهج المدرسية.

في المناهج الحالية، حاولنا إعطاء توضيح أكبر لفائدة الأجيال الشابة و المساهمة في انبثاق وعي وطني مكتسب من مختلف التشكيلات و الأحزاب السياسية التي تنشط في الحركة الوطنية و حاولنا أيضا تقديم حرب التحرير من خلال كل هذه المميزات العسكرية و السياسية.

Bibliographie 

Ageron, Charles-Robert (Dir), La guerre d’Algérie et les Algériens, Paris, Armand Colin, 1997.

Borne, Dominique ; Nembrini, Jean-Louis et Rioux, Jean-Pierre (Dir), Apprendre et enseigner la Guerre d’Algérie et le Maghreb contemporain, Paris, CRDP de l’Académie de Versailles, 2002.

Carpentier, Claude (coordination), Identité nationale et enseignement de l’histoire. Contextes européens et africains, Paris, L’Harmattan, 1999.

Collectif, Actes du colloque organisé à la Sorbonne en mars 1992 : Mémoire et enseignement de la Guerre d’Algérie, Paris, ligue de l’enseignement et Institut du Monde arabe, 2 volumes, 1993.

Collectif, Edites et questions identitaires, Alger, Casbah Editions, 1997.

Collectif, La Guerre d’Algérie au miroir des décolonisations Françaises. Actes du colloque organisé en Novembre 2002 à la Sorbonne en l’honneur de Charles Robert Ageron, Paris, Société française d’histoire d’Outre-mer (SFHOM), 2000.

Ghalem, Mohmmed et Remaoun Hassan (coordination de l’Ouvrage), Comment on enseigne l’histoire en Algérie, Oran, CRASC, 1995. 

Harbi, Mohammed, Le FLN, mirage et réalité, Paris, Ed JA, 1984.

Harbi, Mohammed, 1954, la Guerre commence en Algérie, Bruxelles, Complexe, 1984.

Laamiri, Abdeljalil ; Le Dain, Jean-Michel ; Manceron, Gilles et Remaoun, Hassan (textes rassemblés par), La Guerre d’Algérie dans l’enseignement en France et en Algérie, Paris, CNDP, 1993.

Lacheraf, Mostefa, L’Algérie, Nation et société, Paris, Maspero, 1965.

Lacheraf, Mostefa, Des noms et des lieux. Mémoire d’une Algérie oubliée, Alger, Casbah Editions, 1998.

Lardjane, Omar (coordinateur), Mostefa Lacheraf, une œuvre, un itinéraire, une référence, Alger, Casbah Editions, 2004.

Leon, Antoine, Colonisation, enseignement et éducation, Paris, L’Harmattan, 1991.

Liauzu, Claude et Manceron, Gilles (Dir), La colonisation, la loi et l’histoire,  Paris, Syllepse, 2006.

Manceron, Gilles ; Remaoun, Hassan, D’une rive à l’autre, la Guerre d’Algérie de la mémoire à l’histoire, Paris, Syros, 1993.

Marouf, Nadir et Carpentier Claude (Dir), Langue, Ecole, Identités, Paris, L’Harmattan, 1997.

Stora, Benjamin, La Gangrène et l’oubli. La mémoire de la Guerre d’Algérie, Paris, Découverte, 1991.

Périodiques

1. Naqd, Revue d’études et de critiques sociales, Alger (n° 5, 1993) et (14/15, 2001)

2. Les temps Modernes, Paris, (n° 580, 1995)

3. Insaniyat, Revue algérienne d’anthropologie et de sciences sociales, Oran, CRASC, (n°3, 1997), (n°10, 2000), (n°19-20, 2003) et (n°25-26, 2004)

4. International Textbook Research, Georg-Eckert-Institut, Braunschweig (n°1, vol.26-2004).


الهوامش

* يمثل هذا النص تحيينا لمجموعة من المساهمات التي نشرناها حول هذه المسألة حيث سنجد النصوص في كتب جماعية و مجلات تم الإشارة إليها في  البيبليوغرافيا. و ندرج من خلال هذا التحليل، آخر جيل من االكتب المدرسية المستعملة في الجزائر.

و لقد بُرمج نشر هذا النص باللغة الفرنسية في المجلة العلمية الفرنسية "تريما" (Tréma) الصادرة عن المعهد الجامعي لتكوين الأساتذة (IUFM) لأكاديمية مدينة مونبلييه في عددها 29 لشهر مارس 2008 بعنوان "حروب و نزاعات من خلال الكتب المدرسية و التعليم: تأويلات، تمثلات". 

[1] إذا كان إنشاء المدرسة الأساسية بدأً في سنة 1976، فإن تعميمها يعود إلى سنة 1982، و معظم الكتب التي نتناولها في هذا المقام يعود نشرها الأول إلى سنة 1982-1983 (فيما فيها الطور الثانوي).

 الكتب هي في الأصل مطبوعة من طرف المعهد البيداغوجي الوطني (تابع لوزارة التربية الوطنية) و الذي تم هيكلته في سنوات التسعينيات في شكل هيئتين مختلفتين: المعهد الوطني للبحث التربوي (INRE) و الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية (ONPS).

[2] يتعلق الأمر بكل من ديدوش مراد، مصطفى بن بولعيد، أحمد زبانا، زيروت يوسف، العربي بن مهيدي، و ديدة مراد، حسيبة بن بوعلي، علي لابوانت، عمر ياسف (توفي في سن 12)، عبّان رمضان، عبد الرحمان طالب، عميروش، سي الحواس، سي محمد عيسات ايدير، لطفي و فضيلة سعدان.

[3] لم يعرف كتاب السنة التاسعة أساسي طبعته الأولى إلا في سنتي 1992-1993، الأمر الذي يبين وجود انفتاح نسبي و حرية التعبير، التي نلمسها في الطبعات الجديدة لكتب السابعة أساسي فيما يتعلق بالعصر القديم (إعادة الطبع 1992-1993) و السنة الثالثة ثانوي (في الطبعة الأخيرة بالنسبة للبرنامج القديم، أي في 2001-2002).

[4]  عرفت كل الكتب المتضمنة المناهج الجديدة طبعتها الأولى لكي تكون متوفرة حسب أصناف الأعمار التي مسّها الإصلاح بين الدخول المدرسي لسنة 2002-2003 و لسنة 2007-2008.  و إن السلسلة الكاملة لكتب التاريخ متوفرة في السوق مع الدخول المدرسي لسبتمبر 2007 كتب السنة الخامسة ابتدائي و السنة الثالثة ثانوي.  و بدأ الناشرون الخواص في الحصول على اعتمادهم قصد توفير في السوق الكتب المتضمنة لبعض المواد، و ليس هو الحال بالنسبة لمادة التاريخ لأنها مازالت من احتكار الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية.

[5] يتعلق الأمر بصور كل من العربي بن مهيدي (مرتين) لطفي (مرتين)، ديدوش مراد (مرتين) زيغوت يوسف (مرتين)، عميروش (مرتين)، وريدة مراد، عيسات إيدير، بن بولعيد، محمد بوقرة، إدريس عمر، طالب عبد الرحمان، حسيبة بن بوعلي، الجيلالي بونعامة، سي الحواس، باجي مختار، و نجد أيضا صورة للأمير عبد القادر و صورة للشاعر مفدي زكريا.

[6] هذه عناوين مأخوذة من عنوان كتاب أوتوبيوغرافي نشر في 1998 من طرف المؤرخ مصطفى لشرف المتوفى سنة 2007 تحت عنوان: Des noms et des lieux. Mémoire d’une Algérie oubliée    

 [7]مؤلفو الطبقة الأخيرة لكتاب السنة الخامسة أساسي المؤرخ في 2004 موجه للدفعة الأخيرة للمدرسة الأساسية يبدو أنه كان موضوعيا إذ أشار في سيرة عيان "أنه قتل بالمغرب في أفريل 1958"

[8] الحدث البارز للسنوات الأخيرة مع رجوع النقاش حول التعذيب و خصوصًا من خلال الكاريكاتور التي نشرت في الكتاب الجديد للسنة الثالثة ثانوي من طرف الرسام بلانتو )  (Plantu) و التي تبين الجنرال أوساريس(Aussaresse)  "يقوم بالعملية" و تبرز الصورة في آخر صفحة لغلاف كتاب السنة الرابعة متوسط لويزة ايغيل أحريز، هذه الصورة الأخيرة تبدو مهمة حيث تم تصوير شخصيات على قيد الحياة  مثل (زهور ضريف أيضًا) بجانب شخصيات تاريخية أمثال بن مهيدي كريم بلقاسم، بن بولعيد، زيغوت يوسف، علي لابوانت و آخرون بما فيهم الأمير عبد القادر و مصالي (في الصفحة الأولى من الغلاف).

[9] مع إدراج صورة في كتاب السنة الثالثة ثانوي "للجنرالات الأربعة" يمشون في ساحة مقر الحكومة العام.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche