أحمد زغب،(2021). القراءة الأنثروبولوجية للأعمال الأدبية، الجزائر: دار الكتاب العربي، 136صفحة.

مفلاح بن عبد الله (Author)
65 – 68
التُراث المُوسيقي و فنون الأداء في الجزائر
ع. 106 — م. 28 — 31/12/2024

يهدف المؤلف من خلال هذا الكتاب إلى عرض نموذج من نماذج التلاقح المثمر بين الأنثروبولوجيا والأدب، ويُعدّ من بين أهّم الكتب التي تولّت تبسيط المعرفة الأنثروبولوجية بغية الولوج إلى هذا الحقل المعرفي الخصب والمتميز، والذي يتقاطع مع العديد من الحقول المعرفية الأخرى.

يضم الكتاب 136 صفحة، وقد صدرت طبعته الأولى عن دار الكتاب العربي بالجزائر سنة 2021، ويتضمّن الكتاب مقدمة، ومدخلا نظريا، وأربعة فصول تطبيقية.

اجتهد المؤلف في عرض أبجديات المعرفة الأنثروبولوجية بمنهجية محكمة مزج فيها بين الأفكار والممارسة، أو بين النظري والتطبيقي، فبدأ مؤلّفه بمقدّمة تناول فيها ضرورة الوعي بالمنهج لدى الباحث، مشيرا إلى أهمية ذلك، وداعيًا إلى تدريب الباحثين على حسن اختيار المنهج الملائم، لأن ذلك يتيح للباحث استقلالية الرأي بعيدا عن التأثيرات الخارجية، كما يُسهم الوعي بالمنهج وآلياته في تدريب الباحث على تبني الروح الموضوعية. ثم أتبع مقدمة الكتاب بمدخل نظري تطرّق فيه إلى النقد الموجّه للطرق الكلاسيكية المستعملة في مقاربة النصوص والأعمال الأدبية، حيث تقوم هذه الطرق على طرح أسئلة توجِّه الطالب نحو إجابات متوقعة قد تنزع به منزعا إيديولوجيا، متجاهلة استقلالية الطالب في التعبير عن ذوقه في تقييم العمل الأدبي.

ودافع المؤلف عن مشروع الباحثين الفرنسيين توريل (Tourrel)وجيرفود (Gerfaud) اللّذين قدّما منظورا جديدا في مقاربة النصوص، يعتمد أساسا على تمكين الباحث من عدّة مقاربات نصية أساسية تبدأ من اختيار استراتيجية القراءة وتنتهي بإنتاج تقرير يبيّن الفوائد التي استخلصها الباحث من العمل الأدبي. وقد أنهى المؤلف المدخل بعرض ما سمّاه "مستويات القراءة، وجعلها ثلاثة مستويات:

المستوى الإثنوغرافي، وفيه يقوم الباحث بجمع المعطيات من النص.

المستوى الإثنولوجي، وفيه يركّز الباحث على الرموز الثقافية المهيمنة على النص، ويكشف عن السياقات الثقافية المغايرة وتفاعلها مع الثقافة المهيمنة داخل المجتمع.

المستوى الأنثروبولوجي، وفيه يبدأ التأويل لمجموعة الرموز التي تمّ استخراجها في المستويين: الإثنوغرافي، والإثنولوجي.

ثم انتقل المؤلف في الفصول الموالية إلى القسم التطبيقي، حيث أخضع تلك التصورات والمرتكزات النظرية إلى التجريب، فاجتهد في تلمسها في الأجناس الأدبية، ومثّل لكل جنس أدبي بعملين أدبيين شارحا ومعللا ومستخلصا الأحكام والتخريجات التي رآها تعبّر عن مدى أهمية الأنثروبولوجيا في فهم الأعمال الأدبية والوقوف على مقاصدها، ففي جنس القصة القصيرة قارب المؤلف عملين قصصيين: أولهما: "ضلال بلا أجساد" للقاص الجزائري بشير خلف، فدرسها من حيث المستويات الثلاثة: الإثنوغرافي والإثنولوجي والأنثروبولوجي، وتلمس من خلالها ملامح النشاط الاقتصادي ونمط المعيشة، وملامح التنظيم الاجتماعي وبنية القرابة، وملامح الثقافة والعمران والعادات والمعتقدات والطقوس.

أما العمل القصصي الثاني، فكان المجموعة القصصية "ذهب مع المطر" [1] للقاص الجزائري الصديق معوش، حيث عمل المؤلف على استنباط الدلالات الظاهرة والباطنة التي تزخر بها المجموعة القصصية بغية اكتشاف العلامات الإشارية الرئيسية كالمطر والموت والطفولة التي تسمح بصياغة الأنموذج الرمزي الذي ترتضيه الثقافة.

كما كانت للمؤلف وقفة مع الرواية تجلت في اختياره لعملين، أولهما: رواية عائشة للروائية الجزائرية حواء حمكة، حيث سعى المؤلف من خلالها إلى الكشف عن ملامح المجتمع عبر تلمس مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وخلص إلى أن الرواية ثرية بمظاهر الثقافة، وتكشف عن مجتمع تقليدي صالح للدراسة الأنثروبولوجية. أما العمل الثاني فكان رواية
"فجر الغيطان"[2]للروائي الجزائري خليفة قعيد، حيث استثمر المؤلف المنهج الأنثروبولوجي في دراستها، ساعيا للكشف عن طبيعة الصراع بين مجموعة القيم الخيرة ومجموعة القيم الشريرة، وخلص إلى أن هناك تباينا شديدا بين مجتمع الريف الذي يعيش على الفطرة وبساطة التفكير والممارسة، وبين مجتمع المدينة الذي غلبت عليه الحياة المعقّدة في كل شيء. ومثلما قارب القصة والرواية نلفيه يخصّص للمسرح حيزا معتبرا باختيار مسرحيتين: كانت الأولى المسرحية الغنائيّة "حنين الخوابي" [3] للشّاعر الجزائري بشير غريب،أمّا المسرحية الثّانية فكانت "بابا مرزوق" [4] للكاتب الجزائري يحي موسي، الذي بذل جهدا واضحا في تفكيك النسق الثّقافي للمجتمع عبر تقديم قراءة ناقدة وساخرة ولاذعة في الآن نفسه لمكونات الثقافة السائدة في المجتمع.

وختم المؤلّف مقارباته للأجناس الأدبيّة بجنس الشعر، حيث انتقى عملين، أحدهما كاتب جزائري، وهي "القصيدة البوزيدية" [5] للشّاعر كمال عجّال، وفيها أعمل مفردات المنهج الأنثروبولوجي محاولا الكشف عن بيئة الشّاعر الثقافية والاجتماعية، وخاصّة عادات وتقاليد المنطقة الظّاهرة والخفيّة.

أمّا العمل الشعري الثّاني، فكان لشاعر ليبي، وتمثّل في قصيدة
"رحلة نخلة" [6] للشّاعر معاويّة الصويعي، والتي أبرز من خلالها ملامح البيئة البدويّة، والحياة الاجتماعية والثّقافية المحليّة والإنسانية، وكذا المعتقدات التي تتأسّس عليها كالمعتقدين الديني، والشعبي الأسطوري.

وفي سياق ما تم تقديمه، يمكن القول إن كتاب "القراءة الأنثروبولوجية للأعمالالأدبية" بمنهجيته المحكمة، وبالتصورات العامة التي قدّمها، وبالمقاربات التي أبرز فيها أهميّة هذا الحقل في فهم المعتقدات والنظم والقيم، يهدف إلى تبسيط حقل الأنثروبولوجيا للباحثين الشباب، بغية الاستفادة من آلياته التحليلية والنقدية.

[1] مجموعة قصصية صدرت عام 2009 عن دار الشهاب بالجزائر.

[2] صدرت عام 2011 بمطبعة سخري بالواد بالجزائر.

[3] مسرحية غنائية صدرت عام 2016 عن رابطة الفكر والإبداع لولاية الوادي بالجزائر.

[4] مسرحية صدرت عام 2012 بمطبعة سخري بالواد بالجزائر.

[5] قصيدة ملحمية طبعت عام 2012 عن م.خ.م.م. باتنيت بباتنة بالجزائر.

[6] مجموعة شعرية صدرت عام 2019 عن دار الاسلام للطباعة والنشر المنصورة بمصر.

Cite this article

مفلاح بن عبد الله, ب. ع. ا. (2024). أحمد زغب،(2021). القراءة الأنثروبولوجية للأعمال الأدبية، الجزائر: دار الكتاب العربي، 136صفحة.. Insaniyat - Algerian Journal of Anthropology and Social Sciences, 28(106), 65–68. https://insaniyat.crasc.dz/en/article/ahmd-zghb2021-alqraa-alanthrwbwlwjya-llaamal-aladbya-aljzayr-dar-alktab-alarby-136sfha