النوع الاجتماعي مؤشرا لبحث الممارسات الفاسدة في التربية والتعليم: قراءة في تقارير دولية ووطنية

نجاة ساسي (Author)
91 – 120
ممارسات الناس العاديين : اليومي من بعض المداخل الموضوعاتية
ع. 94 — م. 25 — 31/12/2021

انتشرت في السنوات الأخيرة مقاربات جديدة حول الفساد وتوسعت فيها الأبحاث حول آثاره الجسيمة التي طالت ركائز دولة القانون والأمن والتنمية، مما حوَله إلى مشكل عالمي مؤثر في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، ومن بين تلك المقاربات: ربط الفساد بالتعليم وإدراج " النوع الاجتماعي" في تحليله، أما الأولى فكشفت عن مرض اجتماعي يعاني منه كل أفراد المجتمع وتمارسه مختلف الفئات إلى درجة بث مقبولية جماعية بأنه الأسلوب الطبيعي لتطوير الحياة الثقافية والعلمية والمهنية مثلما درسته نظريتا البنائية الوظيفية والتبادل الاجتماعي (حاتم وعبد الرزاق، 2014)، أما اعتبار التنمية شرطا للتطور الإنساني للمجتمعات والتعليم إحدى مكوناتها، فذلك ما يبرر اضطلاع منظمة اليونيسكو بتحديات وصوله إلى كافة الناس، والذي لا يمكن أن يتحقق أبدا في ظل بيئة فاسدة (L’EPT, 2010). في حين أن المقاربة الثانية تنطلق من فكرة الحق في التعليم التي تعد مضمونة بموجب المواثيق الدولية بناء على ثلاثة مكونات أساسية وهي: المجانية للجميع، عدم التمييز وأخيرا تكافؤ الفرص[1].

إنّ استحداث التحاليل حول السلوكات الفاسدة كشف على ممارسات تحول دون تحقيق المساواة، وأبرزها تنامي عدد النساء والفتيات ضحايا التمييز من حيث الجنس، والتي تسببت فيها اللامساواة البنيوية التي تقصيهن من الحقوق أو الوصول إلى فرصهن، ترتَبت عنه نتائج منها: تأثير "النوع" في وجود تلك الممارسات والانعكاسات الجنسانية للفساد، وأيضا دور "إدماج النوع" في التخفيف منه[2].

ويطرح موضوع الدراسة الحالية يطرح مقاربة ثالثة تجمع بين المفاهيم كلها "الفساد-النوع والتعليم"، والتي تكاد تكون فيها الدراسات نادرة في ظل عدم إمكانية الوصول إلى معطيات دقيقة أو بسبب صعوبة الكشف عنه، ومن ثمَ سيكون الهدف تحليل مدى مقبولية إدراج النوع الاجتماعي لتفسير ظاهرة الفساد في مجال التربية والتعليم.

دراسات حول الموضوع

سبق للباحثين ومؤسسات الفكر والمجتمع المدني أن طرحوا مقاربات فردية منهجيا
أو موضوعيا حول الفساد التعليمي عموما دون منظور النوع أو حسب طبيعة التعليم
أو المستوى التعليمي المنتشر في حدود إقليمية أو وطنية معينة (خاصة في الدول النامية)، ودراسات أخرى نادرة حول النوع استخدمت مناهج استقصائية وتحليل المعطيات، نذكر منها:

  • تقرير مؤسسة ميشلسن النرويجية (Chr Michelsen institute)[3] حول "الفساد في قطاع التعليم" (2009) الذي ركزا على (4) مواضيع مفتاحية للمناقشة، وهي: الأجور، شفافية الميزانية، الصفقات العمومية، وتتبع النفقات العمومية وتمويل التعليم.
  • دراسة الأستاذ عبد الغفار الدويك[4] (2013) حول "الأساليب الحديثة المستخدمة في المؤسسات التعليمية في حماية النزاهة ومكافحة الفساد".
  • دراسة الأستاذ أبو كراموكو[5] حول "الفساد في الوسط المدرسي وتعليم الإناث: كوت ديفوار" الذي ركز على التعريف بأشكال الفساد في وسط معقد وكثير الآثار، كما أنه دعم فكرة تكوين الفاعلين في التعليم لمواجهته انطلاقا من البرامج المقررة.
  • دراسة لـ نغاسا نيا ايفاس دانيال Nya Yves Daniel[6] حول "الفساد في الوسط المدرسي في الكاميرون: حالة ثانوية تربوية"، والتي ركز فيها على وجهة نظر المؤسسات الدولية والوطنية.
  • دراسة الأستاذة خديجة حسين حول "مفهوم الفساد لدى النساء الفلسطينيات"[7] (2014) التي ركزت على حداثة موضوع النوع الاجتماعي وعلاقته بالفساد إلى درجة التداخل الجدلي بين مفهومه واكتشافه فعليا تحت طائلة المعطيات المجتمعية[8].
  • دراسة قام بها الأستاذان جها وسرانجي Jha and Sarangi[9] حول "الفساد والنساء: أي مراكز وجب شغلها لإحداث الفرق؟ "(2018) سلطا الضوء على علاقة تقلد النساء لمناصب سياسية بأدنى مستويات الفساد المجتمعي لاسيما التربوي، وأبرزها الحصول على اعتمادات مدارس خاصة أو تقديم تسهيلات للأقرباء أو التظاهر بتوفير مشاريع تنموية لفائدة مناطق الظل وذوي الاحتياجات الخاصة.
  • دراسة أجرتها منظمة الشفافية لمدغشقر (2021) تم فيها فحص جدية مشكل تنامي الفساد في المنظومة الوطنية من خلال اجتماع عدة عوامل وتعدد أشكالها، وفي نموذج لدولة مدغشقر فهي تتميز بعراقيل اقتصادية[10].
  • دراسة مهمة ونوعية للأستاذتين ليش فيونا وميتشيل كلوديا (2006) حول "مكافحة العنف الجنساني في المدارس وحولها" فتحتا النقاش حول المفاهيم المتصلة بالعنف في المدارس من منظور جنساني معتمدة على دراسات الحالة، كما قدمت أحدث الاستراتيجيات لمكافحته[11].

حدود الدراسة وإشكاليتها

من الناحية الزمنية ستتقيد الدراسة بجدة الموضوع المنبثقة عن دراسات تقارير دولية ووطنية حديثة[12]،أما من الناحية المكانية، فالدراسة تدخل ضمن حقل قانون العلاقات الدولية في موضوع ذي الصلة بالتعليم والتنمية وحقوق الانسان، والذي يُعتبر ذا بعد عالمي، مما يفسر حصره في الجانب الموضوعي لدراسة التقارير على اختلاف سياقاتها من أجل إثبات العلاقة بين الفساد، التعليم والنوع من عدمها.

هل تعد مناقشة الفساد في التعليم والتربية من منظور النوع الاجتماعي مسألة ممكنة؟ وهل حققت مختلف التقارير الدولية والوطنية أثرا تقدميا للتأثير في السياسات الوطنية بالنظر لقيمتها القانونية المعنوية غير الملزمة للدول؟

الفرضيات: تفترض الدراسة ما يلي:

  • تفسير علاقة الفساد التعليمي بالنوع غير ثابت ويخضع لتفسير نظريات متعددة.
  • العلاقة الثلاثية: فساد -تعليم- نوع تحددها النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
  • لا يختلف نطاق الفساد التعليمي من حيث أشكاله ومستوياته من منظور النوع إلا في أسلوبه ومركز الضحية أو الفاعل.
  • لازالت مكافحة هذا الشكل من الفساد خاضعة للأطر العامة وتحتاج للتجديد في ضوء النقاش الدولي حول إدماج النوع الاجتماعي في القضايا الحساسة.

تعريف الفساد في مجال التربية والتعليم من منظور النوع

بداية، يتعيّن علينا العودة إلى التعريف العام للفساد والذي يعني تدهورا في القيم الأخلاقية في المجتمع أو الفرد عن طريق تغييب النزاهة واللجوء إلى الاحتيال وإساءة استعمال السلطة والمحسوبية والتحيز، وتعرفه منظمة الشفافية الدولية على أنه "السلوك الذي يمارسه مسؤولو القطاع العام أو القطاع الخاص سواء بصفتهم سياسيين أو إداريين بهدف إثراء أنفسهم أو أقاربهم بصورة غير قانونية عن طريق سوء استغلالهم للسلطة الممنوحة لهم (TI. Glossaire. Anti- Corruption sans précision)، أما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2003) فقد تجنبت الإتيان بتعريف شامل واكتفت بتعداد الأفعال المشكلة له[13].

وبالنسبة لفكرة النوع "Genre"[14] فهي تنطوي على البنية الاجتماعية والثقافية للأدوار الأنثوية والذكورية والعلاقات بين النساء والرجال والتي تنبثق عنها قوى خاصة كالثقافة والتقاليد والدين والقيم والأنظمة القبلية والسياسية...إلخ (Millard, 2013, p. 87 ; OMS, 2002). وتجدر الإشارة إلى أن 'الجنس" مفهوم ثنائي لـ"النوع" من حيث أنه يشتمل على الاختلافات البيولوجية / الجينية بين الرجال والنساء[15] وتنشأ عنه وضعيتان: إما مساواة أو إنصاف من حيث الجنس[16]، وكلاهما يخضعان لمستلزمات "النوع" فيصبح عندئذ "الجنس" مفهوما توأما له.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الرابط بين الفساد ونظرية "النوع" لا يستند إلى تجانس سياسي أو أخلاقي، وإنما يبقى خاضعا للتوجه الليبرالي أو المحافظ الذي ينطوي عليه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يظل المفهوم القانوني للفساد من "منظور النوع" مقيدا بالطرح الداخلي للدول (Temple & Petrov, 2004, p. 94)، كما أن ارتباط التربية والتعليم بالفساد لا تثير إشكالا مفهوماتيا من حيث كونها تخضع للمستلزمات نفسها وتجتمع في السلوكات الفاسدة نفسها مع بقية القطاعات[17]. وقد سبق للأستاذين بواسون وحالاك (Hallak & Poison, 2009b) أن عرفا الفساد في قطاع التربية بأنه استعمال ممنهج للأعباء العمومية من أجل مزايا خاصة، والتي لها تأثير معتبر في نوعية الأموال والخدمات التربوية والتعليمية وتوفيرها، أما النتيجة المترتبة، فتكمن في الحيلولة دون الوصول إلى التعليم ونوعيته والإنصاف فيه (حسام ومحسن، 2008، ص. 33-35، تقرير مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، 2020)، ومن أمثلته تحقيق منافع معنوية و/ أو مادية بين عدة فاعلين: الموظف كممثل للدولة، والزبون (أستاذا، طالبا أو تلميذا أو مقاولا،...إلخ)، والدولة كشخص معنوي[18] ((Lenevada, 2013  ; Temple & Petrov, 2004, p. 95-97، ويتعين ربطه أيضا بالقرارات المتخذة والموارد المستعملة، فتظهر في شكل "فساد صغير" أو "فساد كبير" (UNESCO, 2015 ; Foster, 2001)، كما قد يندرج في نطاق فساد مؤسساتي يورط منظومة التعليم ككل أو مجرد استعمال أسلوب ممنهج أو عشوائي أو اعتيادي[19]، أما الدروس الخصوصية التي أصبحت حاليا محل استغلال أو ابتزاز معنوي لأغراض ربحية خاصة لا تسهل وضع حدود فاصلة بين سلوك فاسد وغير فاسد بالنسبة لمعلمات وأستاذات تكثف منها لتحسين دخلها (Hallak & Poison, 2002a)، وفي نفس السياق أوضح البنك الدولي
Banque Mondiale, 2010)) بأن "الفساد الكبير لا يشكل إلا الجزء الظاهر من الجبل الجليدي، أما إذا كان ضمنيا ومخفيا فهو أقل ظهورا للعيان"، وفي نظرنا عندما تتورط فئة النساء في هذا الأخير -وهو الوضع الغالب- فإنه يصعب إثباته، وبالتالي لن يسهل مساءلتهن.

وحتى إن كان الرأي الغالب لا يرى اختلافا بين مرتكبي الممارسات الفاسدة رجالا أو نساء (Sineau, 2010, p. 187-190) فإن النظرية العامة "للنوع" تؤيد فكرة تأثير المركز الاجتماعي والقانوني والثقافي والديني للمرأة على تحديد مسؤوليتها عن تلك التصرفات، ومن وراء اعتبارها أكثر توجَها لوظائف التعليم والتربية، فذلك يجعلها في مواجهة مباشرة لبيئة مستقطبة للممارسات الفاسدة[20]، حيث يجدها البعض الجنس الأكثر إنصافا وإنسانية والأسبق في التحلي بالأمانة والشفافية تجاه المال العام (Dollar & al , 2001,p.  423-425). أما الفساد فلا يُرتكب إلا استثناء، ويضيف البعض الآخر بأن تقلد النساء للمناصب وارتقاءَها علميا وأكاديميا مصدر مهم لتراجع نسبة الفساد[21]، كما تظهر الدراسات بأن 80%  من الأمهات هن اللاتي يقررن اختيار المدارس لأبنائهن و35% أكثرهن دفعا للرشوة، أما2,11  % فيوافقن على هذه الممارسة حتى ولو لم يمارسنها فعلا (عبد الغفار،2013  Sung, 2003, p. 703-723 ;).

عوامل انتشار الفساد وآثاره على التعليم من منظور "النوع"

يلاحظ من خلال الجدول أدناه بأن الصنف الأول من العوامل لا يُميز بين الفئات رجالا/نساء؛ إذ يكفي أن تتوفر الظروف المواتية حتى يتشجع القائمون على خدمة التعليم أو المتلقون لها على الممارسات الفاسدة، كما أن تلك العوامل هي المسؤولة عن تحديد درجة تغلغل الظاهرة واستفحالها، في حين أن الصنف الثاني منها يجسد نطاق تورط النوع فيها زيادة ونقصانا، ولكنها تظل تتصف بالعمومية وعدم الوضوح بسبب تداخل متغيرات أخرى، فعلى سبيل المثال: لا يمكن تفسير انعكاسات عامل "الأدوار" الممنوحة للمرأة بمعزل عن العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تحدد درجة استقلاليتها واللامساواة التي تحول دون العدل معها، وكذلك بالنسبة لعامل "المخاطرة" الذي يرتبط بعوامل الكفاءة والمركز الاجتماعي وضعف الرقابة وهكذا، عندئذ سيكون من الضروري القبول بالتفاعل بين "النوع" والأبعاد الأخرى لفهم متغير النوع ذاته[22].

تتسع وتضيق آثار الفساد حسب أهمية العوامل المؤثرة في هذا السياق وتفاعلها، والتي يمكن أن تُحدث الفارق فيها من حيث "النوع"، حيث تتحول النساء إلى ضحايا مباشرة و"عملة" للفساد كلما اقتربنا من قلة مسؤوليتها أو ضعفها في إدارة الشؤون التربوية، وصورتها الغالبة هي العنف الجنسي أو التحرش اللاأخلاقي في علاقة المعلمات بالطلبة أو موظفات التربية بمسؤوليهن أو بمناسبة الدروس الخاص (L’éducation des filles et Asie du Sud, 2006, p. 06 ; Hallak & Poisson, 2009b)، وأيضا نتيجة الظروف القاسية التي تواجهها في دول هشة بعد النزاع (CNUCED, 2019 ; ONUDEC, 2017).وهناك أيضا وضعية النساء كضحايا غير مباشرة للفساد الذي يجعلها أكثر تبعية للمرافق والخدمات التعليمية العمومية كما يُعمق اللامساواة والمعاملات التمييزية في مواجهتها بمناسبة تقلد الوظائف وفرص التعلم والتكوين والترقيات...إلخ (Banque Mondiale, 2016 ; PNUD, 2018).

بالإضافة إلى أنه من الممكن بالمقابل أن تتحول النساء إلى فاعلات مسؤولات عن الممارسات الفاسدة تحت تأثير تداخلي للعوامل السابقة الذكر، مثلما هو الشأن بالنسبة لتقلدها دورا رئيسيا في العملية التربوية، كحويل المديرات للمدارس والجامعات الخاصة إلى مصدر للأرباح[23] (Zavan , 2004, p. 133-140 ; Lacoume, 2010, p. 189-194) ، حيث يفيدنا ذكر ما جاء في تقرير مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الانسان لواقع الفساد التعليمي (2020) في مصر بأن انتشاره مسألة موجودة ولكن عدم توفر الوثائق الكافية ذات المنهج الشامل يُصعَب إثبات علاقته بالنوع. كما أن خلق الهوة بين التعليم العمومي والخاص في تونس هو ما تسبب في تراجع أخلاقيات التعليم وتنامي النزعة التمييزية ليس من حيث النوع فقط وإنما من حيث الطبقات(Mokaddem, 2010). وبالمثل تحول التعليم الخاص في الجزائر وفي دول الجوار إلى تجارة، كما أن إسهام النساء في ذلك يعد مهما لكنه يظل خفيا دوما (تقرير الملتقى المغاربي حول إصلاح التعليم،2018). وأخيرا تشير دراسات في بأن الأستاذات وهن في حالة الفقر والحاجة يلجأن إلى التحرش بطلبتهن للحصول على خدمة أو مقابل مالي (Gupta & Davoodi, Tiongson, 2000).

منهجية الدراسة وأدواتها

تستند الدراسة إلى تحليل النظام القاعدي والمؤسساتي من خلال الكشف عن الارتباط بين الأنظمة الوطنية والنظام الدولي وتفسير مضمون القواعد والسلطات المنبثقة عن مختلف المؤسسات الداخلية والدولية، الرسمية منها وغير الرسمية، وعندئذ يصح في هذا المقام أن يُلجأ إلى منهج "البنائية" المطبق في قانون العلاقات الدولية والسياسية الذي طوره جان جيرار روجيJohn Gerard Ruggie  المتميز بطرح نظري نقدي[24]، حيث يهدف هذا المنهج إلى خلق قناعة بعدم وجود نظرة مؤكدة معتمدا على نشطاء في التنمية وحقوق الإنسان يروَجون لأفكار محددة ويُشجَعون الدول على القبول بقواعد سلوك ملائمة. ولعل ظاهرة الفساد التعليمي من منظور النوع تتواجد وسط طرح متعدد السلوكيات وذات طابع تبعي لظواهر أخرى ومعقدة في تركيبتها، ما يستلزم معه الانفتاح لفهمها بين حدود الدولة الواحدة و/أو خارج الحدود وفق التفاعل مع متغيرات أخرى[25]، ولهذا فمن الملائم لهذا المنهج استعمال النموذج التأويلي[26] الذي يشهد في الوقت الحالي تطورا معتبرا في الميادين الاجتماعية (Cabanis, 2010, p. 56-61)، ومن ثمَ سيسهل تركيب طرحنا البنيوي في شرح وتحليل الموضوع من خلال المستوى الفردي، والمستوى النظامي الدولي (أي المؤسسات الدولية) وأخيرا ما اتُخذ من قرارات بين الدول (أي العلاقات فوق الوطنية).

استندت الدراسة إلى مصدرين أساسين لتبرير الطرح البنائي المشار إليه آنفا، وهما: التقارير الدولية التي انبثقت عن تجارب عابرة للأوطان تبنتها مؤسسات وهيئات دولية حكومية وغير حكومية، وكذلك تجارب مقارنة من دول لها من الطرح والجهود في معالجة الفساد التعليمي المبني على النوع ما يمثل نماذج يستحق أن تحتذي بها دول لازالت متأخرة فيه. وبالرغم من وجود اتفاقية دولية لمكافحة الفساد، إلا أن التحولات الجديدة هي التي تبرر اللجوء إلى تفسير وتحليل مثل هذه الأدوات[27]، وقد تم انتقاؤها وفق تأثيرها على السياسات الوطنية للدول:

  • تقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية[28] (2003) حول "عودة أدبيات المدرسة المرتبطة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في الدول النامية"، والذي ركَز على تحليل جذور هذا الشكل من العنف وآثاره وأطرافه، وهو ما سيتوافق مع النتيجة المتوصل اليها لاحقا بأن النساء يتحولن إلى "عملة فساد" سواء بصفتهن طالبات أو تلميذات أو معلمات أو موظفات في المؤسسات التعليمية على نحو واسع الانتشار في الدول النامية بسبب اللامساواة من حيث النوع الاجتماعي المبررة بخصوصيات الثقافة والهوية ودور النساء في بيئة عدائية متنكرة لهن.
  • تقرير الفساد العالمي لمنظمة الشفافية الدولية حول "التعليم" (2013) الذي يعتبر دراسة موضوعية قطاعية اهتم بتحديد المعايير الدولية والوطنية لإحقاق الحق في التعليم وتصنيف الفساد حسب مختلف الأشكال والمستويات في هذا المجال[29] وكذلك عرض الأدوات الأكثر فعالية والتي أثبتتها تجارب دول من القارة الافريقية والآسياوية وأمريكا اللاتينية[30]، وحتى ولو شكل هذا التقرير مصدرا بحثيا عاما في دراستنا، فهو يمثل أهم الأسس القابلة للتطبيق على النوع الاجتماعي دون تمييز، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تضمن التقرير أبرز دراسة قامت بها الأستاذة فيونا ليش Fiona Leach[31] حول "الفساد كإساءة لاستخدام السلطة، العنف الجنسي في المؤسسات التعليمية"، والتي ركزت فيها على الاستغلال الجنسي في أوساط المدرسين والقائمين على التعليم. والأهم من ذلك أكدت على عدم توفر إحصائيات متكاملة تستند إلى منهجيات بحثية مثبتة بسبب تداخل المفاهيم، ولاسيما العنف الجنسي، وحساسية الموضوع بالنسبة للنساء والفتيات خاصة، وأيضا انتشار ثقافة الإنكار لدى أصحاب السلطة إلى درجة عدم الإبلاغ خوفا من الانتقام، وأكدت بأن كل الدول تعرف انتشارا لهذا الشكل من الممارسات[32] بناء على دراسات أُجريت حول مدارس من 15 دولة بمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية والكراييب.
  • تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD) لعام 2018 الذي أكد على علاقة الفقر بتأثر النساء ومعهن الأطفال بالفساد ومواجهتهن لعراقيل تمنعهن من الحصول على الحق في التربية، كما أن فقرهن أساس تبعيتهن للمرافق والخدمات العمومية (لاسيما التعليمية)، وأن النظام السياسي للدول هو ما يعمق اللامساواة من حيث الجنس ويتسبب في الكثير من التمييز في مجال الموارد والمناصب الاجتماعية.
  • تقرير المجموعة الدولية باهاية Bahaiie (2018) الذي ركز على مطلب الأخلاق لتمكين المرأة في المجال التربوي من خلال دراسة حالات نموذجية لعمليات تدريب النساء على التعليم والتربية الأخلاقيين والروحيين مبكَرين في كل من المناطق القبلية (تايلاندا) والمناطق الزراعية (افريقيا الوسطى) في محاولة لإثبات متغير "الأدوار" كأساس لتحسين الحوكمة.
  • تقارير البنك الدولي (2013-2016-2018) التي تصف الفئة النوعية للنساء بالهشة وأن التمييز المجتمعي هو الذي يحول دون ممارستهن لحقوقهن أو مشاركتهن بأدوار مهمة فيزيد من استغلالهن كعملات للفساد التعليمي مثله مثل بقية المجالات.

الإقرار بأثر النوع الاجتماعي في تجسيد الفساد التعليمي (من وجهة نظر الفاعل والضحية)

إن مقاربة "النوع" تعتمد على دراسة "الأدوار والنماذج السلوكية" المسندة إلى كل جنس (رجالا أو نساء) والعلاقة السببية مع مسألة "النوع" تعدَ غير فاصلة وفق ما تُبرزه وضعية الدول داخليا بالنسبة لهذه الظاهرة، وقد حللتها الأستاذتان ليتش وميتشل (2006) من منظور شامل مبني على صلاحية استخدام "النوع" و"الجنس" كمتغير غير ثابت لإثبات ظاهرة اجتماعية معقدة كالفساد، تؤثر في نسبة الوصول إلى التعليم بشكل جد مختلف من بلد لآخر. 

تمثل الأشكال الثلاثة نماذج أقرتها المؤسسات والهيئات الدولية لشرعنة استعمال "النوع" من أجل تبرير وضعيات التنمية وتحدد مسار تطورها من تدهورها بسبب الفساد في التعليم على شاكلة البنك العالمي والشفافية الدولية، فبالنسبة للشكل الأول يجتمع نوعان من الحاجات والشروط: واحدة لترقية الحياة اليومية ومحددة لعلاقات القوة بين الجنسين وأخرى ذات طبيعة استراتيجية محددة لدرجة التمييز المضر بالمرأة  ; Moser, 1989) هيئة مكافحة الفساد، 2017(. ومن ثمَ تصبح هذه الأخيرة الفاعل المهم (وليس بالضرورة الأساسي) في تجسيد مستوى الفساد الذي يتغلغل في الوسط التعليمي بإسهام سلبي أو إيجابي. أما بالنسبة للشكل الثاني فهو أقرب كثيرا من المضمون المادي والفعالية الاقتصادية، ويتم على أساسه قياس توزيع الأعباء والمسؤوليات في التسيير، فمثلا إذا لم يكن للمرأة فرصة في المشاركة في وضع البرامج التعليمية أو الرقابة على تنفيذها (بصفة مفتشات تربية) أو إدارة مؤسسة مثلها مثل الرجل لا يمكن معرفة درجة شفافيتها أو فساد سلوكاتها مقارنة بالنتائج الاجتماعية والاقتصادية المرجوة إليها(عبدالغفار،  ;2013أنور،2016 ; ربى،2018 ; طوطح،2019 ; عبد الباسط 2020). بيد أنه بالنسبة للشكل الثالث فهو يبرز درجة انتشار المؤسسات الحقيقية و/ أو الشكلية وغير المنتجة، كما يبرز بأن "التنمية" منفردة دون محددات المركز الاجتماعي والأدوار التشاركية لا يشكل معيارا لقياس السلوكات الفاسدة.

ولعل ما يثبت هذا الطرح هو التطور الذي جاءت به تقارير المؤسسات الدولية وهي تتبنى طرحا حديثا في نقاشات "النوع" يخص مبدأ "التمكين Empowerment" الذي يسمح للمرأة من خلق ديناميكية حقيقية في العمل الجماعي أو الانفرادي[33] ( (Majnoni, 2009 ; Talahite, 2009, p. 03-13. وقد جاء في تقرير صندوق النقد الدولي (2018، ص. 09-10) بأن عدم المساواة وانعدام التماسك الاجتماعي نوعيا يؤدي إلى إهدار الموارد وعدم الوصول إلى خدمات التعليم ويضعف آفاق التوظيف ويرفع من تكلفته واستقطاب السلوكات الفاسدة[34]. كما أن الاعتماد على النوع بالنسبة للفساد في التعليم قائم على توجهات ثقافية أكثر منها عالمية، أي بمعنى أن المرأة مازالت تكافح للقضاء على التمييز في التعليم ومختلف صور التهميش والاستغلال والنزاعات القبلية في القارة الإفريقية ودول آسياوية مثل الهند، إندونيسيا وسنغافورة ...إلخ. ومن ثمّ يتوجب النظر إلى الفساد من جهة الفاعل والضحية، حيث قد تكون قوة المراكز الذكورية في التعليم مصدرا للفساد في مواجهة الفتيات والنساء. وقد يكون للنساء فرصة ارتكاب تلك الممارسات على أساس اعتبارات خاصة (Sineau, 2010, p. 187-189). بيد أن هذا الطرح تعمق ابتداء من عام 2009 بفضل تبني "مؤشر الفساد العالمي"[35] (Le Baromètre Mondial de la corruption de TI, 2009a et 2013b)، وهو مصدر أساسي بالنسبة للسياسات الوطنية، أمكن توضيح نموذج عام منه يمكن تطبيقه على موضوع الدراسة.

وفي هذا الإطار تتبنى الهيئات الدولية منهج تحديد مظاهر الفساد التعليمي من حيث الأنظمة والنماذج السائدة في الدول كمؤشر رئيسي كلما تعرضت له كظاهرة عالمية، ولكنه يُحدد كمؤشر فرعي في مجالات ذات الصلة بالمعرفة أو التنمية[36] (تقرير الشفافية الدولية، 2013، تقرير الاستشارات الوطنية لبرنامج UNDP، 2015 )، ففي تقرير صادر عن مركز الإعلام والتوثيق حول حقوق الطفل والمرأة وبدعم من الوكالة الاسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية (2018) جاء التأكيد بأن الاحتشام الذي يواجهه تجسيد مبدأ "التمكين"[37] تغير نحو الأحسن منذ الإقرار للمرأة بالمشاركة في الحياة السياسية والعمومية وتكريس "التمييز الايجابي" بجعلها شريكا في كل القطاعات .ونشير إلى أنه في تقارير البنك العالمي للسنوات 2010- 2016- 2018 ربطت الدراسات مسألة تدني النتائج المدرسية والجامعية بتطور حالة الفساد في الدول الإفريقية دونما إفصاح التحقيقات المجراة عن تورط فئة النساء، وذلك لا لسبب إلا لإخفاء سياساتها التمييزية بين الجنسين في الحصول على فرص التعليم، ما لا يثير الانتباه كثيرا إلى انتشارها في الأوساط الأنثوية.

المصدر:  ITICO-UNESCO

يوضح الجدول أعلاه نموذجا من الدراسات الاستقصائية الخاصة بدولة الجزائر حول الممارسات الفاسدة في التعليم ضمن خريطة قاعدة البيانات المحددة وفق المنهج الذي حدده المعهد الدولي للتخطيط التربوي لمنظمة اليونيسكو، والتي تبرز بأنها خضعت لثلاثة بارومترات[38] (عالمية، إفريقية (خلال جولتين) وعربية(، على اعتبار أنها إما متزامنة أو مختلفة دوريا، مع التأكيد على أنه ليس النموذج نفسه بالنسبة لبقية دول العالم، فمثلا نجد أن تقرير الشفافية الدولية في بارومتر عالمي لعام 2013 هو المصدر الأساسي للسياسات الوطنية للدولة محل البحث والذي يختلف عن نظيره على المستوى الإفريقي أو العربي. ومن جهة أخرى إذا كان هذا النموذج الاستقصائي قابلا للتطبيق في مجال التعليم ككل دونما تمييز في النوع يتعين ألا يخرج عن نطاق تلك الأسئلة عندما نحاول البحث فيه عن فئة النساء والفتيات في حيز جغرافي معين، مثلما سنبرزه في مخططنا أدناه:

يوضح المخطط مجموعة من الأسئلة التي صيغت وفق المعايير المكرسة في التقارير الدولية باعتبارها قالبا للدراسات الاستقصائية، وهو الطرح الذي يتماشى والمنهجية التي ضبطتها منظمة اليونسكو بمناسبة تحليل نظم التعليم منذ عام 2010 وأكد عليها مؤشر المعرفة العالمي لعام 2021 الذي يدعم استخدام مؤشرات السياق ومؤشرات التعليم والتعلم المعالجين لمسائل نوعية محددة (مناخ التعليم، الجودة، وتطبيق الأنظمة...إلخ). وفي ضوء نظرية الارتباط بين النظام الدولي والوطني التي اتبنى عليه موضوع الفساد التعليمي من منظور النوع في دراستنا الحالية هي تشكل قواعد ملاءمة توجيهية، ويمكن الاسترشاد بها مثلا لتحديد حالات المعلمات اللواتي يتلقين أو تُعرض عليهن الرشوة أو طالبات يتعرضن للعنف الجنسي مقابل النجاح في فصولهن.

إدراج "النوع" في مختلف الممارسات الفاسدة في الوسط التعليمي: الأشكال والمستويات

يتعين القول بأن تحديد مضمون الممارسات الفاسدة يعد أمرا صعبا وسهلا في آن واحد، فالصعوبة تكمن في التحقق من عدم شرعيتها وعدم قانونيتها؛ لأنها لا تعد ولا تحصى، وتختلف بحسب وسائلها، غاياتها وفاعليها، ولكنها سهلة بالنظر لوضوح المستوى الذي تنشأ فيه (حسب الأطوار التعليمية، والقطاع الذي تنتهي إليه دونما اختلافات محددة .إن مسألة تعداد أشكال وأصناف الممارسات الفاسدة في التعليم ممكنة، والأرجح أنها مرتبطة بفكرة أن التعليم كمال عام في حد ذاته، باعتبار أن أبعاده النوعية والأخلاقية غير قابلة للتجزئة، ما يجعل الفساد آفة خطيرة تنعكس عليه سلبا في كل الأحوال (U4 – Anticorruption Resource Centre, 2009 :08-09).

تمت صياغة هذا المخطط من خلال العديد من الدراسات المتخصصة ذات الصلة ببحث الممارسات الفاسدة، وكما يلاحظ جليا أنها لم تُصنَف من منظور النوع الاجتماعي، وذلك يعد أمرا طبيعيا؛ لأنه سينطبق عليها التصور نفسه المطبق بالنسبة للعوامل مثلما سبق تحليلها.

في حقيقة الأمر تعد هذه التصنيفات شاملة ورئيسية لا تُقصي أي فئة من منظور الضحية أو الفاعل، ويستوي أن تكون النساء محورا لها أم الرجال طالما أن الآثار هي التي تحدد خصوصيتها ونطاقها. فعلى مستوى الأشكال والصور التي تظهر بها تلك الممارسات لوحظ أن تبديد الأموال المخصصة لبناء الهياكل التعليمية يتم إما لأغراض سياسية أو شخصية أو من أجل مشاريع غير مفيدة (Poisson, 2018 : 18)، وأن نسبة معتبرة من تلك المشاريع تُسيرها نساء ذوات نفوذ سياسي أو حزبي أو قبلي عرفت انتشارا في دول آسيا الجنوبية وأمريكا اللاتنية، في حين أن الصفقات والعقود العمومية والخاصة تمثل مجالا للمرابحة بأسعار تفضيلية مقابل رشاوى قيَمة للظفر بعروض مربحة، لاسيما ما يخص توريد التجهيزات والمطاعم المدرسية والنقل، وهي الظاهرة التي تعرف انتشارا واسعا في الدول الآسيوية مثلما أظهرتها تقارير اليونيسكو ومؤسسة مناهضة الفساد والشفافية بالنرويج (U4 – Anticorruption Resource Centre, 2009). وقد استحدثت أساليب جديدة للإثراء غير المشروع بانتشار ظاهرة المحسوبية وشراء اعتمادات المؤسسات الخاصة والشهادات المسوَقة (Chronicle of Higher education , 2002)، بيد أن الصورة ذات النطاق الأوسع والتي تعرف انتشارا معتبرا في الأوساط النسائية تتعلق بالرشاوى والتحرش المعنوي والترهيب- قد تصل إلى درجة الاغتصاب- من أجل إنجاح الطلبة وانتقائهم في المسابقات والاختبارات (Étude sur les vols des pauvres de la Banque Mondiale, 2010)، مما حوَل التعليم إلى محل لتطور وسائل التكنولوجيا من أساليب تلك الممارسات بتحويلها للعملية التعليمية إلى محل للابتزاز والتسويق، وأخيرا يشكل سوء تسيير العنصر البشري (أساتذة وموظفين) مسارا مهما لسلسة التجاوزات واللاعدل في مجال التعيينات والترقيات وآداء الأعباء المهنية تحت طائلة عدم العقاب وعدم التبيلغ، حيث تسهم النساء والفتيات في استفحالها كلما ارتبطت بعوامل أخرى (النفوذ المالي والقرابة والسلطة) وتصل إلى حد الممارسات القاسية المهينة في دول إفريقيا الصحراء الكبرى ودول من آسيا. كما أن المعلمات يتعرضن للابتزاز الجنسي من قبل طلابهن في دول أوربية (فرنسا، إسبانيا، إيطاليا)، أما الدول العربية فتحكمها الطابوهات الاجتماعية والثقافية التي تعقَد من إظهارها كمشاكل أمام الهيئات الوصية، ومن بينه الدروس الخصوصية التي تعد من الممارسات السلوكية الفاسدة الخفية بأساليبها وانحرافاتها (عبد الباسط،2020).

ومن الأهمية بمكان الإشارة أيضا إلى أن الفساد التعليمي يعرف درجات ومستويات متعددة مثلما يحدده المخطط أعلاه، حيث يتخذ طابعا خاصا، كونه ينجم هو الآخر عن مختلف ممارسات الفساد السياسي والاقتصادي والإداري مركزيا كان أو لامركزي ويتغلغل إلى غاية قاعات التدريس، مثلما أكدته منظمة اليونيسكو في تقريرها (2008) بأنه كلما تمركز الفساد في المستويات العليا كان من الصعب كشف المسؤول عنه ومتابعته أمام العدالة، وفي الوقت نفسه، عندما يطغى المال على البيئة التربوية، فإنه يصعب فضح ممارسي الفساد ولاسيما في القطاع الخاص. وبالتالي، تظهر مستويات تلك الممارسات حسب النطاق الهيكلي، الأداتي، والغائي، أي عموديا وأفقيا، بالإضافة إلى أن إسهام "النوع" في تجسيدها تحددها درجة طبيعة القيود والضوابط التنظيمية والاجتماعية التي تزداد من القاعدة أين تتواجد أطراف العملية التعليمية (المستوى الثالث من المخطط أعلاه) وتقل أو يتم تجاهلها والتخفيف منها كلما صعدنا نحو المستويات العليا (خاصة في المستوى الأول).

جدية الإقرار الدولي بإدماج النوع الاجتماعي في مشاكل الفساد التعليمي

إن تحديات قطاع التعليم في ظل الممارسات الفاسدة من منظور النوع الاجتماعي موضوع حديث يحتاج إلى تدعيم تحليله وطنيا كي يُوضح سياقه وحاجات الدولة لأدوات مواجهته، وهو المنهج الذي تعتمده الهيئات الدولية من خلال تقاريرها المختلفة.

صحيح أن تلك التقارير لا تُشكل مصدرا إلزاميا في مواجهة الدولة في ظل القانون الدولي، إلا أنها تمثل آليات توجيهية للحكومات تتضمن مجموع المبادئ والمعايير الواجب إتباعها أو تضبط نماذج قانونية للأنظمة الداخلية ذات الصلة أو تبادر بخطط عمل واستراتيجيات في هذا الشأن، ومن أمثلتها[39]: 'إعلان بكين' وخطة العمل (1995) اللذان أكدا على واجب الحكومات في ترقية سياسة فعالة وواضحة لتعميم المنظور الجنساني في كافة السياسات والبرامج قبل اتخاذ القرارات مع إمكانية إجراء تحليلات لآثارها بالنسبة للنساء والرجال. وهناك أيضا "دليل مكتب المساعدة على مكافحة الفساد" لمنظمة الشفافية الدولية (2016) حول "النوع والفساد" الذي حدَد معايير كيفية الإدماج والتمكين وطنيا، ثم تدعَم هذا التوجه في التعليم بالذات من قبل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE في مناسبتين: الأولى كانت في إطار خطة العمل المصاغة في تقريرها حول التبادل ومقارنة سياسات الحكومات واستخراج أحسن التجارب ذات الصلة، أما الثانية فتكللت بتبنيها لنظام النزاهة في التعليم INTES[40].ومن المهم الإشارة إلى تقرير حديثا جدا لمؤتمر الدول الأطراف في UNCAC[41] (2021) أقر بجدية خطورة الفساد التعليمي الذي تمارسه النساء كشكل من أشكال الفساد مستندا إلى خطط عمل استراتيجية موجهة للحكومات لإعادة ضبط المساواة الجنسانية وتقديم برامج لتدعيم الوقاية والتصدي لها[42].

بيد أن مثل تلك التقارير كشفت عن نطاق الصعوبات الجادة التي تواجه مكافحة الفساد التعليمي، حيث حللها الأستاذ بواسون Poisson (2018) بأنها منوطة بـدرجة "دمقرطة المجتمعات "التي تدفع لوضع قواعد محددة وضمان فرض احترامها من قبل الجميع، وتتطلب إرادة سياسية حقيقية لإنفاذ "نظام المكافحة" عن طريق إرساء قانون صلبHard Law من أجل إنفاذ "المساءلة" و"الشفافية" وقبول مشاركة المعلومة بين الجميع، وأيضا إحاطة الأفراد المعنيين بالبيئة التعليمية بمعلومات حول موارد وأزمات المدارس والجامعات )طوطح،2019 ; عبد الباسط،2020)،ومعه دعم المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في هذا المجال، مثلما تجسد في أدوار المسؤولية المجتمعية لدى الجمعيات الدولية في النرويج (Chr Michelsen institute) ومنتدى تقييم الجامعات (ITCEQ) والمؤسسة الإسبانية لدعم التنمية البشرية وترقيتها وغيرها[43]، غير أن هذه الوسائل لا تحقق نتيجة إذا اصطدمت بعراقيل سياسية تُشجع على تفشي الفساد مثل: الغُلُوّ في الخطابات السياسية والبرامج الانتخابية لتمكين المرأة وعدم تقييدها ثم التراجع عنها، أو منع البرامج والنقاشات الموضوعية حول الفساد من منظور "النوع"، كما أن غياب الحوار الاجتماعي اليوم يُؤثَر على توضيح معالم المشكل وتشخيصه ويُعيق تحرير مخطط التنمية من أجل التربية وإعادة النظر في مركز 'المرأة'.

ولعل الأمر الأكيد أن الأنظمة التي تشهد مستوى متدني من الديمقراطية الاجتماعية والثقافية لا تسمح بتطور نظم مكافحة الفساد، كما أن المجتمعات التي لازالت تُمارس التمييز في التعليم من حيث النوع لا تستطيع تجسيد المساواة في التعامل مع فاعلي وضحايا الفساد، ضف إلى ذلك أن تردي المستوى المعيشي لأطراف العملية التعليمية سبب آخر للحيلولة دون استيعاب ثقافة مكافحة الفساد. أما إذا تعلق الأمر بالنساء والفتيات فلسن كلهن يفضلن اللجوء إلى الأساليب القانونية للكشف عن الحقيقة و/أو متابعة المسؤولين قضائيا. وأخيرا، إن قلة التجارب التي أظهرت جرأة في الطرح لا تزال حبيسة الحلول التكنوقراطية وذات طبيعة معقدة تصلح لحالة معينة دون غيرها ما يُصعّب قبولها كمثال أو نموذج للإصلاحات[44] مثل المؤسسة النرويجيةChr. Michelsen Institute  التي تُعرف بمنهجها في اقتراح أساليب المكافحة بشكل أكثر تقنية.

إدماج "النوع "في مكافحة الفساد التعليمي

تُعدُّ "الحوكمة" المنهج الأكثر نفعا وحداثة لمكافحة الفساد في التعليم، وذلك متى دعمتها مبادرة حقيقية وخطة متعددة الأطر والاستراتيجيات، غير أنها لا تتوقف على تدبير معين أو إجراء محدد أو مجرد عملية إصلاح؛ إذ حسب تحليل بواسون وحالاك (Poisson & Hallak, 2009b) تعتمد على ثلاثة محاور أساسية: أ-إجراءات واضحة معروفة ومقبولة للكل بشأن اقتسام الموارد ومعايير التوظيف وقواعد السلوك وسلوكات الأساتذة، ب- دعم القدرات الداخلية للنظم التعليمية[45]،ج- ترقية حق الحصول على المعلومات[46] التي تسمح بممارسة الرقابة الاجتماعية والمواطنة وترقيتها (Poisson & Hallak, 2009b)، ومثله ما قام به المعهد العربي لحقوق الإنسان في إنشاء شراكة مع وزارة التربية التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل من خلال إطلاق "حملة مدرسة المواطنة" التي قادتها مجموعة من منظمات المجتمع المدني منذ عام 2013 ممثلة في "شبكة عهد الثقافة المدنية" وهدفها الأساسي كيفية إعادة النظر في منهج الإصلاح للنقاش المجتمعي (طوطح،2019)،أو تلك الشراكة التي تمت بين مؤسسات التعليم العالي (جامعات وكليات الشريعة والحقوق) ووزارة الشؤون الدينية ومنظمات المجتمع المدني الشبابية والمرأة بمعية هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية (هيئة مكافحة الفساد،2017).

ثم إن لجوء الهيئات الدولية إلى تقييم الأنظمة التعليمية للدول حالة بحالة يسمح بالمشاركة في ضبط القواعد والإجراءات وترشيدها حسب فئاتها، حيث توصلت مختلف الدراسات إلى إمكانية تكريس "الحوكمة التعليمية" كأسلوب جديد ضامن لمكافحة للفساد على المدى الطويل[47] (Rey, 2013). ونماذج الدول التي خاضت تجارب مشجعة يُحتذى بها مهمة مثل: مصر التي جسدت التزاما بالتنسيق بين الهيئات الحكومية التربوية ومؤسسات الرقابة ضد الفساد بموجب قرارها رقم (64) لعام 2016 بإنشاء "لجنة مكافحة الفساد بالديوان العام لوزارة التربية والمديريات التعليمية"[48]، وجامعة "نايف" السعودية التي جسد برنامجها للتعاون مع الأجهزة المختصة بالفساد إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد وإنشاء وكالة الشفافية على مستوى وزارة التعليم العالي مع إعداد ميثاق شرف بروتوكول إعلامي وأمني[49]، وكذلك مخططات الاستجابة الوطنية للالتزامات الدولية لمعالجة الأبعاد الجنسانية للفساد في كل من البرازيل وغانا وأندونيسيا التي استهدفت تقديم مواد فكرية للمجتمع وترجمتها وطنيا (ONUDC, 2020). وبالمقارنة مع "منهج الإصلاحات" التي باتت تتبناه دول كالجزائر والمغرب وتونس مدعما ببرامج التعاون والمساعدات والتبادل الأورو –متوسطي في مجال التعليم الجامعي (Euro Med, 2019) أصبحت "الحوكمة" مرتبطة بالتنمية الشاملة التي تعوَل على الأدوات المعاصرة لمكافحة الفساد في التعليم وضمان نوعية المنتوجات والخدمات التعليمية من خلال مفهوم "ضمان الجودة" (Bakouche, 2018)، كل ذلك وهي لا تعتمد على منظور "النوع" في النقاشات الإقليمية أو الوطنية بالنسبة للفساد في قطاع التعليم في ظل غياب دراسات متخصصة فيه.

خاتمة

توصلت الدراسة إلى التأكيد على أن العلاقة بين الفساد في التعليم و"النوع" حقيقية وتحددها درجة ومركز النساء والرجال في المجتمعات (ديموقراطية/ غير ديموقراطية) وصرامة الأنظمة القانونية (ردعية/لينة). وفي ظل حساسية موضوعها وجدنا التقارير التي تم تحليلها ليست ملزمة للدول قانونا وإنما هي ذات قيمة أدبية وأخلاقية لمناقشة موضوع ذي بعد عالمي وبأبعاد متعددة مهددة للتنمية والحق في التعليم وعدم التمييز، وهي آليات توجيهية للسياسات الوطنية من أجل تطوير أنظمة مكافحة الفساد. والباحثون يحتاجون جهدا أكبر للمشاركة في تنوير الرأي العام بخطورتها، ولهذا يتعين فتح بابا للحوار مع صناع القرار لإظهار أهمية العوامل والآثار التي تنعكس عنها.

كما يجب اللجوء إلى تجميع معطيات خاصة بالجنسين لتحليلها بشرط إشراكهما فيها، ويمكن اتباع نماذج الاستقصاء الموضوعة في التقارير مثلما اقترحتها الدراسة لاستخراج مؤشرات خاصة بــ "النوع" وعلاقتها بالمتغيرات الأخرى بالنظر لخاصيتها التداخلية، ويجب الاهتداء بتجارب الدول التي أسهمت بإرساء آليات خاصة بمكافحة الفساد التعليمي داخل الأجهزة المركزية (وزارات التربية والتعليم) أو أجهزة مستقلة، بالإضافة إلى فتح مراكز للاستماع واستقبال التبليغات خاصة بالنساء، وأخيرا يتعيّن ترقية مفهوم "حوكمة التعليم" بما يضمن عدم التمييز من حيث النوع.

بيبليوغرافيا

أشغال الملتقى المغاربي الرابع حول إصلاح التعليم (2018)، تونس، متوفر على الموقع: https://bit.ly/3w5o4Xg، تاريخ الاطلاع: 15/10/2019.

الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية (2017). الميثاق الجامعي التونسي ، مؤسسة روزا لوكسمبورغ، التعاون الألمانية، متوفر على الرابط التالي: https://bit.ly/3yeQQrc، تاريخ الاطلاع : 22/12/2021.

أنور المصده، (2016). مقرر نموذجي لتدريس اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مبادرة أكاديمية مكافحة الفساد، مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات (UNODC).  https://bit.ly/3saxake تاريخ الاطلاع عليه: 22/12/2021.

حاتم جاسم عزيز؛ عبدالرزاق جدوع محمد،(2014). دور التربية في مواجهة الفساد: الأسباب والمعالجات، ورقة بحثية، كلية التربية الأساسية، جامعة ديالى. https://bit.ly/3yttgY3

حسام بدراوي؛ محسن يوسف، (2008). الشفافية ومحاربة الفساد في قطاع التعليم في مصر، مكتبة القاهرة، وهيئة مكتبة الاسكندرية.

ربى مصطفى، زايد محمد الضمور؛. ثريا العثمان؛ عبد الرحمن المهيدات، (2018). البرنامج التدريبي: تعزيز قيم النزاهة، دليل تدريب المدربين، وزارة التربية والتعليم، إدارة مركز التدريب التربوي، https://bit.ly/3FeCTek

صندوق النقد الدولي (2018). تقرير سنوي لعام 2018، https://bit.ly/3P0r28m

ضويفي حمزة؛ بوكرديد عبد القادر، (2020). دراسة تحليلية لمؤشرات مدركات الفساد في القطاع العام مع الإشارة إلى حالة الجزائر (2012-2018)، مجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية،(2) 12، 46-58، https://bit.ly/3vHqVXB  

طوطح سناء، (2019). أثر الفساد على مؤسسات التعليم العالي والوسائل الأكاديمية المقترحة للحد منه. ملتقى المبادرة العربية الأكاديمية لمكافحة الفساد، جامعة القدس، فلسطين: https://bit.ly/3w6D0nU  

عبد الباسط بن حسن، (2020). إعادة دور المدرسة كفضاء تربوي ورمزية المعلم. أجرى الحوار أسامة عثمان، حوار، المفكرة القانونية، تونس: التعليم، قلعة تونس المتصدعة، 18.

عبد الغفار عفيفي الدويك، (2013). الأساليب الحديثة المستخدمة في المؤسسات التعليمية في حماية النزاهة ومكافحة الفساد. ندوة في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، https://bit.ly/3MTSClL

مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، (2020). مكافحة الفساد في قطاع التعليم قبل الجامعي.

نافاثيم بيلاي، كلمة افتتاحية، (2013). تقرير الشفافية الدولية، https://bit.ly/3KNosyR

هيئة مكافحة الفساد، (2017). جهود مكافحة الفساد في فلسطين، ملحق صادر عن هيئة مكافحة الفساد ضمن الخطة المشتركة مع صحيفة الحياة الجديدة، 1، https://bit.ly/3vGDQsH

Banque mondiale. (2019). Indicateurs du développement en Afrique. URL : https://bit.ly/3w3ASxl

Bekouche, S. (2013). Management de la qualité dans les services publics, CRUEST, URL: https://bit.ly/3vGrLDI

Belkaid, A. (août 2016). L’école algérienne face au piège identitaire : l’ombre du secteur privé. Monde diplomatique.

Document. (2006). L’Éducation des filles en Asie du Sud (9), série sur l’éducation et l’égalité des genres, aperçu de programme. GB. Février 2006. URL : https://bit.ly/3ytC8wP

Foster, C. (2001). Corruption of politics and the politics of corruption. Public management and policy. association. London.

Hallak, J., Poisson., M. (2002a), Ethic and corruption. In Education.Result from the expert World Held. Paris : IEP.

Hallak, J., Poisson., M. (2009b). Ecoles corrompues, universités corrompues : que faire? Paris : IEP.

Heyneman, S. (2004). Education and corruption. International journal of educational development. Vol. 24, (6).p. 673-648.

ITCEQ. (septembre 2017). L’enseignement supérieure en Tunisie: Dynamique et analyses de la performance. In Fenêtres sur la lutte contre la corruption en Tunisie, (actualisé en novembre 2018, p. 51-68, URL : https://bit.ly/3satXRX

Karamoka, A., Konan, K.-A. (2006). Corruption en milieu scolaire
et éducation des filles
. Projet de recherche, UFR, SHS de Cocody et réseau ouest et Centre africain de recherche en éducation (UEMOA). Abidjan, URL: https://bit.ly/3yf5QFG 

Kaufmann, D., Kraay, A. (2007). Governance indicators where we should be going. Policy Research Working Paper, n° 4370. Banque Mondiale. Washington.

Ledeneva, A. (2013). Can Russia modernism? Sistema, Power Networks and Informal governance. Cambridge: Cambridge University Press.

Mauro, P. (1996). The effects of corruption en investment: Growth and Government expenditure. IMF. Working Paper, n°98. International Monetaryfund. Washington.

Millard, E. (2013). Droit et genre. L’Harmattan, 87-104. Doi: halshs.archives-ouvertes.fr/file /925895/filement/droit et genre Eric Millard. Prof.

Mokaddem, L. (2010). La corruption compromet elle la réalisation de l’éducation pour tous, les canaux de transmission. URL : https://bit.ly/3KJBiyn

Moser, C.O.N. (1989). Gender planning. In the third world meeting practical and strategic gender needs, World Development, n°11.(Doi.org/10.1016/0305-750X(89)90201-5).

Ordnioni, N. (2005). L’approche genre, outil développement ou dispositif idéologique ou source de la bonne gouvernance mondiale? In. Forger, G & al. Quels acteurs pour quel développement. Gendev, Kartala p. 55-70.

ONUDC. (2016). Document : Action against corruption. URL: https://bit.ly/3FhWVVu

ONUDC. (2016). Stratégies nationales de lutte contre la corruption Guide pratique d’élaboration et de mise en œuvre. URL : https://bit.ly/37WwHM1

Poisson, M. (2018). La corruption dans l’éducation. In. Foro entretien du 1.05.2018. URL : https://bit.ly/3ydGnMH

Sineau, M. (2010). Genre et Corruption : des perceptions différencies. In Lascounes. P. Favoritisme et corruption à la française. Presse de sciences politiques, p 187-198.

Tanzi, D.-H. (1997). Corruption, public investment and Growth. IMP Working paper. 139, International Monetary Fund. Washington.

Temple, P., Petrov, G. (2004). La corruption dans l’enseignement supérieur : enseignement tirés de la situation dans les Etats de l’ex Union Soviétique. Politique et gestion de l’enseignement supérieur. 16, (1),
93-111.

Transparence Internationale. (s.d). Glossaire anti-corruption. URL : https://bit.ly/3FvsMC3

Transparency international. (2005). La corruption dans le secteur de l’éducation, anti-corruption.

Transparency International. (2013). Corruption dans les écoles et les universités : l’éducation de nos enfants. Rapport du 01/10/2013. URL: https://bit.ly/3sc8jNa

U4. (2005). Corruption et genre : enquête de preuves plus importantes, In Rapport mondial sur la corruption. Paris : Karthala, p. 370 - 390.

UNESCO. (2008). Afrique subsaharienne. Rapport mondial de suivi sur l’EPT

UNESCO. (2015). Rapport mondial de suivi sur l’éducation pour 2015: enjeux et progrès. Edition UNESCO.

 الهوامش :

[1] مثلما نص عليه العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) في المادتين 13 و14، اتفاقية القضاء على التمييز العنصري ضد المرأة (1979) في المادة 10، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في المادة 5 واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة 24 وكذلك اتفاقية اليونيسكو ضد التمييز  في التعليم، وأخيرا الهدف الخامس(5) من إعلان الألفية حول أهداف التنمية المستدامة (2015) بشأن المساواة واستقلال النساء والفتيات مع مطلع عام 2030.

[2] أنظر تقرير المؤتمر التاسع للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، شرم الشيخ، مصر، فترة 13-17ديسمبر 2021 حول "ارساء النوع الاجتماعي في عملية مؤتمر الدول الأطراف: معالجة الأبعاد الجنسانية للفساد".

[3] هو معهد بحثي للعلوم الاجتماعية ومقره مدينة Bergen ويختص بمعالجة المشاكل ذات الصلة بالتنمية والتحديات العالمية والمسائل المتعلقة بالتنمية وحقوق الإنسان، ويتوفر هذا التقرير على منصة افتراضية « U4 »  التي تعتبر مركزا للموارد الإلكترونية.

[4] بحث مقدم لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.

[5] Un travail qui a été élaboré via les chercheurs suivants :Ehien Abla Anne-Marie,Bende N’Dasso Flore et Konan Kouakou Arnaud . « Etude de cas : Cote d’Ivoir » et financé par le ‘Resean Ouest et Centre africain de Recherche en éducation (ROCARE), 2007.

[6] Voir Ngassa Nya Yves Daniel. « La Corruption en milieu scolaire Cameroun : Les opinions des élèves comme moyen de compréhension du phénomène », 2016.

[7] بمعية هيئة مكافحة الفساد وبالشراكة مع طاقم شؤون المرأة.

[8] العادات والعلاقات العائلية والحزبية.

[9] Jha, Ch.- K., Sarangi, S. (2018). Women and Corruption: What Positions Must They Hold to Make a Difference? Journal of Economic Behavior and Organization. (151), https://bit.ly/3KWkfcp

[10] وتتمثل في زيادة الطلب على العمل مقابل قلة أو ندرة العرض.

[11] لاسيما في سياق هدف متفق عليه عالميا يتمثل في "تعليم غير تمييزي"، كما هو مقرر في النصوص الدولية الأساسية وتقرير مجموعة الخبراء المستقلين للأمم المتحدة حول العنف ضد الأطفال لعام 2006 وأهداف الألفية والحملة الدولية للتعليم من أجل الجميع.

-See Leach, F., Mitchell, C. (Ed). (2006). Combating gender violence in and around school. Stokr on Trent: Trenthan Books.

[12] تتراوح بين سنوات الألفينيات إلى غاية عام 2021.

[13] تسمى اتفاقية UNCAC وهي الاتفاقية التي شهدت اعترافا دوليا واسعا بانضمام 187 دولة إلى غاية أفريل 2020.

[14] عرفته منظمة الصحة من خلال  وثيقة "سياسة النوع" لعام 2002 على أنه يضم خصائص النساء والرجال حسب بنيات اجتماعية، حيث يشكل تحليل النوع توضيحا للأفعال التي تكافح وتناهض اللامساواة الناجمة عن أدوار النساء والرجال وعلاقات السلطة اللامتساوية بينها وآثارها على الحياة والصحة...إلخ.

[15] الإنسان إما يولد رجلا أو امرأة.

[16] حيث تعني الوضعية الأولى غياب التمييز المؤسس على الجنس للحصول على المزايا والموارد والوصول إلى الخدمات، أما الثانية فهي اقتسام المزايا والمسؤوليات بين الرجال والنساء، ويكون الهدف المرجو هنا تصحيح اللاتوازن.

[17] مثلا نجد فعل  تقديم أو تلقي الرشوة في مجال التربية على شكل مقابل لضمان القبول في مدرسة أو جامعة أو الحصول على أحسن علامة بغير وجه حق لهدف خاص، وهو نفس الفعل عند التعامل مع إدارة عمومية في قطاع آخر، ولكن السياق فقط هو ما يختلف.

[18] مع العلم أن البعض أمثال الأستاذ هاينمان (Heyneman) يستند إلى معايير أضيق تتعلق "باللاساواة في حظوظ الوصول إلى التعليم"، "واللاعدل في نشر البرامج والدعائم " ، كما أن نظرية الموظف والزبون تمثل تصورا متطورا للمقاربات الروسية.

[19] وفي هذا الإطار ميز البنك العالمي في تقريره لعام 2010 بين الفساد الكبير (رشاوي- محاباة- تبديد الأموال، التي لا ترقى إلى الحصول على منافع مالية) والفساد الصغير الذي ينطوي على تصرفات تعسفية لا ترقى إلى الحصول على المنافع.

[20] وذلك لاعتبارات شخصية أو مهنية أو ثقافية.

[21] أنظر تقرير المؤتمر التاسع للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، المرجع السابق، ومن بين ما جاء فيه أن الفساد يؤثر على النساء والرجال بطرق مختلفة-من منظور الضحية- ويجعلها أكثر ضعفا، ويستبعدها من أدوار صنع القرار كما يحد من فرصها في التقدم على الصعيدين التربوي والاقتصادي.

[22] وهو التصور الذي أكدته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في تقريرها لعام 2017.

[23] حيث لا يلجأ إليها الأولياء في حالات معينة إلا اضطرارا، تحرص الكثير من الأمهات هنا إلى دفع رشاوى لضمان تعليم تفضيلي في غياب الرقيب من الوزارة الوصية.

[24] Voir Audie Klotz, Cecelia Lynch. « Le constructivisme dans la théorie des relations internationales ». (Trduc par) Bouyssou, Rachel et Smouts, Marie-Claude. Rev, critique internationale.1999:2. p.51-62.

[25] Pour plus de détails voir « Prospective, Publication du centre d’études prospectives », n° 12, janvier 1965, La recherche, l’Etat et la société .PUF.France.1965.p.20 et 21, 55-57, 77 et ss.

[26]« Modèle herméneutique », voir M. Girod-Séville et V. Perret. «Fondements épistémologique de la recherche », in Méthode de recherche  en management (Sous dir) R-A Thietart et al.3éme  éd.Dimod.Paris.2007.p.13-33.

[27] ونحن نستند إلى المواد 31،32 و33 من اتفاقية فيينا للمعاهدات التي تنص على اللجوء إلى مصادر التفسير متمثلة في: نية الأطراف والسياق، وهو ما ينطبق على الدراسات ذات الصلة بهذا المجال.

[28] هي هيئة مستقلة للفدرالية الأمريكية مسؤولة عن إدارة الإعانات والمساعدات الخارجية المدنية وكذلك المساعدة من أجل التنمية، وعموما تعد أول فاعل دولي في هذا المجال.

[29] إذ يذكر التقرير صورا خاصة تنتشر في مجال المشتريات الحكومية التعليمية، والترخيص لإنشاء المدارس الوهمية، تسويق التعليم، في إجراءات القبول والنجاح للطلاب والفساد الخفي المستند على الغيابات، وكذلك المحسوبية في التعيينات، وأيضا تعليم الظل، وفي مستوى التعليم العالي يشير إلى الغش في الأعمال الأكاديمية وبرامج التعليم المكثف وفساد البحث العلمي.

[30] مثل إجراءات جودة التعليم والحوكمة، تفعيل دور القضاء، المحاسبة والمساءلة، وتلقين ونشر ثقافة المبادئ المضادة ، وأيضا ترشيد القيادة والإدارة التعليمية.

[31] هي مختصة في دراسات النوع الاجتماعي بجامعة سويكس.

[32] See Parkes and Heslop, ( 2010). UNICEF International Plan save the children. Sweden and Action Aid. Too often in Silence: A report on school-based violence in West and Central Africa (Naiirobi :UNICE. https://bit.ly/3P90hhO

[33] عرف عدة مجالات: تمكين المرأة من الأدوار السياسية، وكذا الاقتصادية والثقافية وطنيا ودوليا في وقت تحتاج فيه إلى تعزيز معالجة مركزها إزاء تطور أو تراجع التنمية ذاتها.

[34] حيث أصبح تعدد طبقات الفساد يؤدى إلى نمو احتوائي قابل للاستمرار سلبا في شكل نظامي، والمقصود بالطبقات هي الفئات التي تمارسه (نساء ورجالا). وقد سبق للبنك الدولي أن ضمن هذه الرؤية في تقريره لعام 2000، وفي دراسة أثبتت أن اعتلاء المرأة لمناصب صنع القرار في كل قطاع مهم (التربية والدفاع) من المؤسسات الديمقراطية الحرة مخفف لظاهرة الفساد، مثل الدول الاسكندنافية (Hung- En Sung, 2005)، وتؤيد الأستاذة Anne Marie Götz (2003) فكرة المساواة في الوصول إلى مصادر التأثير الاجتماعي، والاقتصادي كسبب لقلة الممارسات الفاسدة.

[35] والذي وضعته منظمة الشفافية الدولية لكافة القطاعات، أما فيما يخص قطاع التعليم فيوضح المؤشر على أن النساء أكثر عرضة للارتشاء لأنهن أكثر ميلا لتقلد الوظائف التربوية وفي مختلف المستويات، كما أنهن أشد ارتباطا بالمناصب ذات الصلة.

[36] حيث لوحظ بأن الفساد أضر بقطاع التعليم وسمعته كثيرا، وأن البيئة العامة التي تحيط به لازالت تحتاج إلى الترشيد، لاسيما وأن عدم التجانس بين ما هو ثقافي وتعليمي وتباطؤ الإصلاحات يبقيان العائقين نحو تسريع عجلة التنمية من أجل الجميع.

[37] فالمرأة في الجزائر تعيش في مجتمع نسبة 31% منه ترفض، وعندما تتوفر لديها فرص التعليم تصبح لها الأحقية لمنافسة الرجل في الالتحاق بمناصب القطاع التربوي التي تعد الأكثر ملاءمة لها، كما أن العقلية الاجتماعي- ثقافية تجعل "النخبة المحافظة " تحسب لخطاها ألف حساب.

[38] تستند البارومترات إلى مؤشرات(perceptions)  الفساد، حيث تمثل مرجعا مستعملا لقياس ومقارنة درجة الفساد في دولة معينة، مثلا منظمة الشفافية تستعمل مؤشر يتراوح بين 1 و10 وعلى أساسها يحدد نوع الفساد : كبير أو صغير، ومركز الدولة المعنية. لمزيد من التفصيل انظر دليل استطلاعات الفساد وإرشادات منهجية لقياس الفساد والأشكال من خلال استطلاعات العينة، UNODC/UNDP, 2018.

[39]والتي ذكَرت بها مجموعة التنمية للأمم المتحدة  في أجندة  التنمية المستدامة (2017) ودعت إلى تعميم المنظور الجنساني على المستوى المحلي وإدماجه في الخطط الوطنية للتنمية، مع التأكيد أن تلك لنصوص وإن اعتمدت مضمونا عاما لا يخص فقط قطاع التعليم إنما من وجهة نظر دولية مجرد استعمالها لصياغة "الجماعية" و"كافة السياسات والقرارات والخطط"... يعني أنها تُطبق في كافة القطاعات دون استثناء.

[40]يعتمد على تطوير أنظمة النزاهة في التعليم والكفاءات، كما يهدف لتطوير خريطة موثوقة للكشف عن أي أصول للفساد في التعليم وعلاقته بالسياسات الفاشلة التي تسببت في تفاقم الظاهرة، مع وضع المعايير الدنيا لتكييف كل عمل أو ممارسة تشكل انتهاكا للنزاهة وفي كل المستويات: الابتدائي، الثانوي والجامعي، وهو يساعد الممارسين على تحديد مشاكل الفساد.

See Kirya, M. (2019). « Education sector corruption : How to assess it and ways to adress it » . U4 Anti-corruption Ressouce Centre. Chr. Michelsen (U4.Issue): 5.

[41] 9th Conference of the States Partes to the United Nations Conventions against Corruption’ met on 15th October 2021. URL  https://unis.unvienna.org/unis/ar/pressrels/2021/uniscp1138.html), accessed 18/02/2022

 [42]من بين مرجعياته: القرار (4/3) :إعلان مراكش حول الوقاية من الفساد في 28/10/2011،القرار (5/5) حول ترقية إسهام الشباب والأطفال للوقاية من الفساد وترقية ثقافة احترام القانون والنزاهة في 29/11/2013، القرار (6/10) حول التربية والتعليم والتكوين في مجال مكافحة الفساد المؤرخ في 06/11/2015، قرار(9/8) مبادرة التعليم  وتمكين الشباب في 2021.

[43] خاصة في نشر الوعي والتحسيس لدى المواطنين وإطلاق حملات إيجابية وحيوية للكشف عن ممارسات الفساد في استخدام الموارد العمومية واللجوء إلى جلسات التدقيق والاستماع الاجتماعية (Audites) وعهود الإدماج بطاقات تقييم المواطنة وتشجع وضع مدونات السلوك...إلخ.

[44] هي أصلا غير منشورة أو مخفية المصدر.

[45] تكوين الإداريين والأعوان في مجال المحاسبة وإبرام العقود العامة والتدقيق الداخلي والخارجي، وتكوين فرق وطنية مكلفة بتقييم صحة الامتحانات وضمان قواعد سرية للمترشحين.

[46] حول البرامج والمزايا عن ميزانية المؤسسات والأساتذة الملتحقين بها وفئاتهم وعدد الأدوات المحوسبة في إطار المعطيات المفتوحة.

[47] من أهم أدواته اتخاذ إجراءات جديدة لتطبيق المبادئ القاعدية التي تسمح بالتدخل المضاد للفساد بالتنسيق مع الشركاء المحليين، لأن لامركزية التعليم ستحقق إيجابية نوعية في الاندماج في مشاكل من صميم المجتمع في القطاعين العام والخاص.

[48] ذات صلاحيات أوسع للمتابعة والرقابة والإشراف، ومسؤوليتها تكمن في إعداد خطة تنفيذية  رئيسية لإستراتيجية مكافحة الفساد في مجال التربية والتعليم.

[49] تتضمن واجب تحميل المسؤولية المجتمعية في النظام التعليمي بواسطة تشريعات حول المساءلة والشفافية وحرية التعبير والإعلام وتثمين دور المجتمع المدني في المساءلة.

Cite this article

نجاة ساسي, ن. (2021). النوع الاجتماعي مؤشرا لبحث الممارسات الفاسدة في التربية والتعليم: قراءة في تقارير دولية ووطنية. Insaniyat - Algerian Journal of Anthropology and Social Sciences, 25(94), 91–120. https://insaniyat.crasc.dz/en/article/alnwa-alajtmaay-mwshra-lbhth-almmarsat-alfasda-fy-altrbya-waltalym-qraa-fy-tqaryr-dwlya-wwtnya