تقديم

LE COMITÉ DE RÉDACTION D’INSANIYAT (Author)
9 – 13
في مواجهة الجائحة وماذا بعد ... ؟ ‏الجزء 2 : الفئات المهنية والمجموعات الخاصة ‏‎‎
ع. 105 — م. 28 — 30/09/2024

على غرار مختلف بلدان العالم، تأثّرت الجزائر بشدّة بأزمة كوفيد 19. وشهدت اضطرابات كثيرة في الحياة الاجتماعية اليومية، إذ أثّرت عواقب العولمة والنيوليبرالية، التي تفاقمت في سياق كوفيد، على التضامن الاجتماعي وعلى أشكال الحماية والحقوق الاجتماعية، حيث شكّل الوباء الذي مثّل امتحانا، وكاشفًا، بل فاضحا للوظائف الاجتماعية والاتجاهات العميقة السّائدة في المجتمع، حيث سلّط الضوء على مكانة ودور السلطة العامّة التي تعتمد أكثر على منطق الإكراه بدلاً من منطق التسوية، فهل يمكننا استخدام مفهوم "الأزمة" كصدى لخلفية مشتركة لكلّ ما يحدث بشكل مفاجئ وغير متوقع؟

لقد أصبح من الضروري جمع أكبر قدر من البيانات لتقدير درجة الاضطراب وعدم المساواة بين الأفراد، بُغية تجنب الافتراضات والروايات المتخيّلة، وبعد زوال أثر الصدمة، تضاعفت التوقّعات اتّجاه الدولة الاجتماعية، و اعتبارا لذلك فإن تقييم الوضع، وإن كان جزئيا، سيسمح بتقديم تحليلات أكثر واقعية. وبغض النظر عن المعارف المكتسبة عن قرب، فإنّه من الجدير بنا استجواب جميع جوانب الحياة الاجتماعية والتركيز على خصوصيات المجتمع، وإن كنّا نعلم أنّ الآخر ليس مختلفًا تمامًا، وأنّ استعادة الثقة في الوقت نفسه مع الاستمرار في العمل، من خلال مواجهة العديد من حالات الارتياب، يُشكِّل رهانا عظيما.

من خلال التجربة الاجتماعية للحجر الصحي بسبب جائحة كوفيد 19، وبشكل أوسع بسبب الأزمة الصحية، ثمّة استنتاج واحد يفرض نفسه، يتمثل في زيادة المخاوف والشكوك،

وقد كان من المفترض، في الواقع، أن يكون هذا العدد مخصَّصًا لتقديم نتائج دراسة أجراها مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (كراسك) حول تأثير جائحة كوفيد على المجتمع الجزائري، بيد أن العديد من المقالات التي تلقيناها، دفعتنا إلى إصدار هذا العدد الموضوعي في جزئين، وبالتّالي تم تقليص عرض نتائجنا إلى ثلاث مقالات، ومع ذلك فإنّنا نعتقد أنّه من المجدي تذكير القارئ في هذا العرض"الخاص"، بشكل ما، بأكثر النتائج أهميّة في رأينا، والتي تتعلّق أساسا بتجربة الجزائريين خلال هذه الأزمة:

1. أدّت التحديات التي تتعلّق بالتعليم المدرسي، بالإضافة إلى المسار البطيء الذي أدّى لتفاقم الفوارق الاجتماعية والمعاناة النفسية لكل من ذوي الدخل المنعدم وذوي الدخل المنخفض والمتوسط، إلى إعطاء الأسرة "المحدودة" مكانة متزايدة الأهمية.

2. صمود المجتمع إلى حد كبير في مواجهته للأزمة بسبب اعتياد الأفراد على حالات الطوارئ، لا سيما فترة الاستعمار، وكذا حظر التجوّل فترة العشرية السوداء بسبب الإرهاب الذي دام لمدة تزيد عن عشر سنوات.

3. لم تكن المركزية القويّة للدولة في إدارة الجائحة "فريدة" من نوعها على الإطلاق، إذ أدّى الامتثال للأوامر والتجاوزات وفقًا للأماكن والأوقات وكذلك الدوافع، إلى الاعتراف بشرعية قرارات السلطة العامّة.

4. تأكيد العمل الميداني للفرضية القائلة بأنّ جائحة كوفيد 19 شكّلت فرصة للبعض، وأضعفت وضع فئاتٍ أخرى، حيث مثّلت بشكل خاص فرصة للموظفين الحكوميين وللنساء في القطاع العام، وأضعفت وضع العاملين في القطاع الحر أو الأطباء.

وبالتّالي، سحاول في هذين العددين من إنسانيات ، بالاعتماد إلى حد كبير على نتائج عملنا الميداني، تحليل ممارسات المجتمع للتكيّف، بل، ولمحاربة الفيروس، وما فرضته السلطات العامّة من تدابير لمعالجة هذه الأزمة.

لقد تحوّل الوضع إلى "أزمة على جميع المستويات"، وظهرت على الفور مسألة كيفية مواجهة المؤسّسات والفاعلين لها. في الواقع لقد اعتمدت السلطات العامّة في مواجهة الجائحة على التفاوض في علاقتها بالسلطة، وقد ظهر ذلك من خلال اعتماد مقاربات تميّزت بالتنوّع بين الخوف والعقاب، مرورًا بالتسوية والتظاهر بل وحتى التساهل.

وجدير بنا هنا التساؤل: على أي نوع من العقلانية استند الأفراد والجهات الفاعلة والمؤسسات عند تقديم "حلول" معيّنة؟ ما هي المعايير التي اتبعوها؟ هل ترتبط التدابير المعتمدة بشكل أكثر على الاحتراز بدلاً من اتباع استراتيجية صحيّة واضحة، مما يجعل المسؤولية في اتخاذ القرارات تقع على عاتق اللجنة العلمية؟

تتوزّع المحاور التي نعالجها في هذين العددين على أكثر من عشر مقالات، إضافة إلى العديد من العروض التي تُسهم في التّعريف بالمنشورات الحديثة، والتي أُعدّت بشكل أساسي استنادًا إلى دراسات ميدانية. وتركّز هذه المحاور على موضوعين رئيسيين: الحياة اليومية للفاعلين الاجتماعيين العاديين والمؤسّسيين من جهة، والفئات المهنيّة المعنية بسياق الجائحة، من جهة أخرى.

يتضمّن الجزء الثاني من هذا العدد خمس نصوص، يبدأ بمقال
لنبيل بلوطي عن رجال الأعمال الجزائريين ووضعيتهم بين الركود والمرونة إبان جائحة كوفيد، حيث يناقش الباحث التّدابير التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لتعزيز الإنعاش الاقتصادي منذ عام 2020، مُشيرًا إلى أنّ الجزائر تمكّنت من تقليص العجز المالي بشكل ملحوظ. ويتساءل بلوطي: هل يمكن اعتبار الأزمة الصحية الناتجة عن كوفيد 19 دافعًا لتحوّل النسيج الاقتصادي ومرونة الشركات؟ من خلال استطلاع شمل 250 مديرًا ، يستعرض الكاتب تأثيرات الأزمة على التنظيم والنشاط والسلوك المتعلّق بالتوظيف، وبناءً على تحليل مقارن للديناميكية الديمغرافية للشركات على مدى عشر سنوات، يستنتج وجود اضطراب تنازلي غير مرتبط بفترة كوفيد، بل يسجّل وجود قدرة على الصمود والتكيّف مع الصدمات، مقترحًا مسارات للحل أو معالجة التحديات.

في سياق آخر، تقدم نسيمة رماس ورفيقة حفظ الله دراسة حول
"دور الفرق الطبيّة والقدرة النفسية على التحمل: حالة الممارسين الصحيين الجزائريين في خدمات كوفيد" ، وذلك بالاستناد إلى تجربة الممرضين والأطباء، وقد استخدمت الباحثتان بروتوكول مقياس« Had » ، ما سمح لهما بتقييم أعراض القلق وأعراض الاكتئاب لدى مقدمي الرعاية وكذلك مقياس تحملهم النفسي. (hardiness)، وقد سُجل على مجموعة البحث ظهور أعراض اكتئابية شديدة بنسبة 67.64%، فيما أظهر 44.11% منهم مستوى متوسطا من التحمّل. وتخلص الدراسة إلى أنّ الخوف من العدوى وضعف النفسية لهما تأثيرات على جودة الرعاية وجودة الحياة.

تتساءل زبيدة رباحي- سنوسي في دراستها حول الجامعة أثناء كوفيد والبديل الحضوري، عن النمط الجديد من التّعليم بعد أن فُرض التعليم عن بُعد منذ الفصل الدراسي الثاني من عام 2020 على جميع المؤسسات الجامعية، مما فاجأ الطُّلاب غير المعتادين عليه، وكشف عن صعوبات الوصول إلى التكنولوجيا واستخدامها. تُظهر هذه الدراسة التي تجمع الاستطلاعات الكميّة والنوعيّة أنّ القليل من الأساتذة قد لجأوا إلى التعليم عن بُعد، وحتى عندما تم ذلك، كان النموذج السائد هو نموذج النقل. ترتبط النظرة السلبية التي يحملها الأساتذة والطلاب أيضًا، بشأن التعليم عن بعد، بغياب التدريب على استخدام هذه التكنولوجيا، وتخلص الدراسة إلى اعتبار أنّ استمرار التعليم عن بُعد، كانت أكثر استجابة لأهداف إدارة التدفّق منها لإدارة تعليمية.

أمّا دراسة نورية بن غبريط-رمعون، المقدّمة تحت عنوان "التعليم في مواجهة التسرب المدرسي المفروض: يوميات غير مسبوقة"، فقد ركّزت على البحث فيما ترتّب من نتائج على أداء التلاميذ نتيجة القرارات التي اتخذتها السلطات العامّة لتجنب انتشار الوباء. من خلال تحقيق وطني أُجري في عام 2021 في الكراسك، شمل 1200 أسرة و5852 مستجوبًا، قدّمت المؤلفة ملامح للمنقطعين عن الدراسة أو الفئات المعرّضة لخطر الانقطاع عن الدراسة. واستنادًا إلى بيانات ميدانية ومؤشّرات محدّدة، سمحت مطابقة الأزمة الصحية مقابل الأزمة المدرسية، بتحديد عواقب التدابير المتبعة على تعميق أشكال اللامساواة. ويعترف التلاميذ على الرغم من انغلاقهم في تجربة معقدة بالفعل، بسبب معاناتهم من صعوبات متعددة في المدرسة، بمكانتها الأسّاسية في التنشئة الاجتماعية.

تُقدّم مقالة شهرزاد خلف الله المعنونة بـ "أعمال فنية تحت اختبار الحجر الصحي: دراسة السيرة الذاتية لفنان شارع من الجزائر" جوانب من تجربة فنّان شارع من الجزائر، والتي تُعتبر في ذات الوقت تجربة عزلة اجتماعية. يأتي هذا المقال كجزء من عمل بحثي تمّ إجراؤه مسبقًا عن "الفنانين الحضريين" وفق تعبير غارفينكل. تستخدم الباحثة نهجًا تفاعليًا بين المجال التخصّصي لعلم الاجتماع والمناهج الإثنولوجية، وتهدف قصّة حياة الفنان هنا إلى تقديم الذات، والبيانات السردية، والمسار البيوغرافي لهذا الفنان خلال فترة الوباء. أثار التجوّل من الجداريات الحائطية إلى الجداريات ذات المحتوى الرقمي، بدءًا من الشخصيات المعروفة (المؤثّرين، المتابعين بالملايين، الدعوات إلى البرامج)، ضجة غير متوقعة على فيسبوك، تقدم الباحثة هنا بعض جوانبها.

تعزّز هذا العدد بمقال خارج موضوع الجائحة، أُدرج في قسم المتفرقات، قدَّمه الباحث الفلسطيني موسى سرور من جامعة بير زيت، حول رحلات العلماء والشخصيات الجزائرية إلى القدس بين عامي 1948 و1967، وذلك بالاستناد إلى وثائق الأرشيف الاستعماري الفرنسي.

ولا يمكن إنهاء هذا العدد الموضوعي دون إلقاء نظرة على بعض المنشورات والفعاليات المتنوّعة التي تستهدف فهم تجارب الجائحة في سياقات اجتماعية متعدّدة، حيث شكّل اختبار الأزمة الصحية كوفيد 19 في أمريكا اللاتينية، في أوروبا، في إفريقيا، موضوع عروض وقراءات متقاطعة.

Cite this article

LE COMITÉ DE RÉDACTION D’INSANIYAT, (2024). تقديم. Insaniyat - Algerian Journal of Anthropology and Social Sciences, 28(105), 9–13. https://insaniyat.crasc.dz/en/article/tqdym-fy-mwajha-aljayha-wmadha-bad-aljz-2-alfyat-almhnya-walmjmwaat-alkhasa