إستطيقا الالتزام عند الفنان محمد خدة

إنسانيات عدد 46 | 2009 | ألسنة وممارسات خطابية | ص143-156 | النص الكامل 


َAmmara KEHLI, Maître de conférences, Université Abdelhamid Ibn Badis, 27 000, Mostaganem, Algérie


 

تتبع لأعمال محمد خدة أن الاتجاه التجريدي الذي تبناه أسلوبًا فنيًا، قد كان موازيًا لجملة الآراء التي كان ينشرها بالصحف السيارة أو بالمجلات على حد سواء. وقد جمعها الفنان ضمن كتابيْن مطبوعيْن هما:

1-  "معطيات من أجل فن جديد" Eléments pour un art nouveau (1972)، طبع مشترك بين الشركة الوطنية للنشر والتوزيع S.N.E.D والاتحاد الوطني للفنون التشكيلية U.N.A.P.

2- "صفحات متناثرة مترابطة"Feuillets épars liés  (1983)، نشر ش.و.ن.ت S.N.E.D.

ويجد القارئ ضمن مقالات هذيْن الكتابيْن مواقف الفنان تجاه المسائل المطروحة آنذاك في الفن: من قبيل موقفه من اللوحة المسندية الغربية ومن رواد الفن الشرقي ومن تاريخ فن التصوير في الجزائر، ومن جيله ومن تراثه. ولا شك أن في طرح هذه المسائل ما يُشير إلى متابعة الفنان لأحداث عصره عمومًا ومواكبته لِما يجري في الفنون التشكيلية تحديدًا. ولأجل ذلك، نسعى إلى مناقشة هذه الأفكار قصد استيعاب مقاصدها الدالة وأبعادها الفنية والجمالية.

ونحسب أن الإشكال الأهم الذي يتعرض إليه الفنان محمد خدة، يصب في رؤيته للفن التجريدي الذي ينتسب إليه؛ إذ يعتقد أن " التعريفات التي تعاملت مع فن التصوير،كانت في أغلبها تحقيرية في نشأتها. وهو شأن – عندما نتذكر- النزعات التكعيبية والتوحشية والتجريد..الخ،فقد كانت كلامًا صُحفيًا يُقصد من ورائه الازدراء، لكونه يتحدث باسم بورجوازية حائرة من جرأة الفن الحديث"[1]. مما يدل – في نظر الفنان – على أن هذه الاصطلاحات تبدو مجانية روجت لها كتابات صُحفية تفتقر إلى حذق جماليات الفن الحديث. ويُرجِعُ الفنان هذا الشطط في التصنيف إلى التسرع في الحكم على اللوحة من "القراءة الأولى"[2]، مما يُفضي إلى نتائج "وخيمة" في فهم المشهد التشكيلي وتأويله.

ينطلق الفنان من أن "أي تصوير هو تجريدي بالتعريف – بوصفه شيئًا آخر غير الواقع القائم، حتى وإنْ نذر نفسه نذرًا وفيًا لغاية تمثيل هذا الواقع.."[3]. فتكون ماهية التصوير - بموجب ذلك-  قائمةً على التجريد مهما كان شكلها، مادام أن نقل الواقع –  وإنْ اتخذ أسلوبًا كلاسيكيا – يقتضي تحويرًا مبدئيًا في تمثيل أبعاده. وهي العِبرة التي يُصبح فيها معنى التجريد مُتَضمنًا في أي تصور نروم من ورائه إبداع واقع من صُلب رؤيتنا الحدسية له ؛ ولذلك ينتقد الفنان تلك النظرات "غير المسؤولة...التي تَتَهِمُ الفن غير التشبيهي بكونه فنًا مستوردًا "[4]، أو تارة "دخيلاً على ثقافتنا، في حين أن الصورة تكاد تكون غير موجودة في الفن العربي الإسلامي"[5]. إن رأيًا من هذا القبيل، لا يُخْفي تأثره بالثقافة الفنية الكولونيالية ذات المنحى الاستشراقي التي حاولت التأريخ للفن منذ احتلال فرنسا للجزائر – وهي المرحلة الاستشراقية[6] للفن التي وسمت المصنفات الفنية جميعها بميسمها.

ومن ثمة، يسعى  محمد خدة إلى الدفاع عن وجود الفن التجريدي بالعودة إلى الفن  العربي الإسلامي، وهي المرجعية التي تكفل له الدعم الذي ينتصر إلى فكرة التجريد  وينبذ التجسيم.

  ومما يجدر ذكره، أن محمد خدة يسعى إلى"جعل التجريد منتظمًا في التصور الرمزي للعالم الإسلامي و ليس في المحظورات كما يزعم بعضهم"[7]. وفي ذلك ما يشير ضمنًا إلى أن الرسام يتجاوز الجدل الذي كان قائمًا حول الخوض في مسألة تحريم الصور في الإسلام؛ ويلتفت التفاتًا خاصًا إلى المبدأ الرمزي الذي يطبع مفهوم الإدراك للأشياء. فالتفكير في الشيء هو نقله رمزيًا من صورته المحسوسة إلى الصورة الذهنية المُجردة. وهذا ينطبق على  الفن الإسلامي[8]؛ حيث يستعير الفنان الشكل الرمزي للشيء، ويضعه ضمن علاقات تشكيلية تحفظ لهذا الشيء ماهيته المجازية التخيلية؛و لذلك يرى  خدة أنه "باستبعاد التشبيه لصالح الزخرفة بِفِعل المد التجريدي؛ وبخلاف التشكيل القديم الذي أدرك في الطبيعة المظهر الخارجي للأشياء. فقد أنتج الإسلام فنًا ميتافيزيقيًا استُبعدت منه الحكاية. فهو فن التصوف الذي كان يطمح إلى كمال روحية الإنسان وتهذيبها"[9]. مما يدل على أن التجريد في رحاب الإسلام قد اكتسب خصوصيته الفنية استنادًا إلى رؤيته الباطنية التي باتت تنظر إلى الطبيعة نظرة داخلية وليست خارجية. ومن ثمة تحولت زاوية النظر في تصوير الواقع الخارجي وأضافت قصدًا جديدًا على الموضوع.

ينفصل خدة عن التصوير التشبيهي[10] بداية عام 1954، ويشق لنفسه مسارًا فنيًا مختلفًا، يكاد يكون مُنعرَجًا تشكيليًا في حياته الفنية، وذلك بانفتاحه المُتبصِر على خبرات الآخر سواءً أكان عربيًا مغاربيًا أم مشرقيًا أم غربيًا. ولأجل ذلك، ألفينا الفنان مُعترِضًا على بعض المصطلحات التجريدية[11]، مُفضِلاً في المقابل مصطلح "غير التشبيهي":" يقولون عني بأنني تجريدي، بينما يصفني آخرون برسام الطبيعة ؛ أُفضل عبارة "غير تشبيهي" ما دام أن الأرض والتراب والشجرة والإنسان- بطريقة ما - هم حاضرون في لوحاتي"[12]. ومما هو ملاحظ فإن هذا التفسير ، يستند إلى مُكوِن تشكيلي يقوم عليه الفن "غير التشبيهي"؛ ذلك أن "عدم المشابهة" مع العالم المرئي هو الحد الذي بموجبه يتخذ موضوع اللوحة طابعًا"غير تشبيهي" يبتعد بالأشكال المرسومة عن الدلالة الطبيعية و يمنحها طاقة رمزية أكبر. ولذلك يُشير الفنان ضمنيًا إلى أن غياب التشخيص[13] في أعماله لا يدل مطلقًا على أن موضوعاته منفصلة عن "الواقع" انفصالاً تامًا، بدليل حضور "الأرض والتراب والشجرة وبشكل ما الإنسان".وإنما يتخذ العنصر الطبيعي مجالاً للتعالي عن طبيعته المألوفة، ويُنْتِجُ بموجب ذلك دلالات غير منتهية ضمن سياقاته البصرية. ذلك أن العلاقات التشكيلية في اللوحة هي التي تُحدد الدلالة الأيقونية لهذا العنصر أو ذاك. "فالعمل الفني يُلمِحُ أكثر مما يُصرِحُ، ويَسْنُدُ إلى المُشاهِد دور الإيضاح والكشف  والتخيل والمشاركة في الفرجة إجمالاً"[14].

من هنا، لا يقف معنى العمل الفني عند حدود تصنيفه، بل يتجاوزه إلى تأويله من خلال مشاركة المُشاهِد له والتفاعل معه على نطاق واسع من التحاور،أو ما يدعوه رومان إنجاردن "بالتجسيد" الذي يُقربُ "القارئ بالعمل معرفيًا وجماليًا"[15]. مما يدل أن الفنان خدة كان حريصًا على تقريب المسافة الموجودة بين اللوحة ومُشاهِدها، حتى يتسنى له أن يتذوق أبعادها الجمالية. وانطلاقًا من أن "التصوير الجيد هو الذي يُكوِن الجمهور الأفضل"[16]، فإن مهمة الفنان أكبر في تحصين فنه من التهميش.

ولذلك حينما يتحدث الفنان عن جيله[17] (جيل 1950)،الذي يَتَصَوَرُهُ قد أحدث "قطيعة مع الجيل السابق"[18]، لأن الفن في تلك الحقبة كان على "هامش الأحداث"[19]، وبخاصة فن المنمنمات وأعمال محمد راسم التي تجاهلت البُعْد الاجتماعي ومآسي الشعب الجزائري في ظل الاحتلال الفرنسي. فلا نجد في فن راسم غير الفرح وبذخ القصور والبطولات التليدة. غير أنه ألا يمكن أن نعزو "مباهج العين" التي يرصدها محمد راسم في منمنماته إلى غير هذا البُعْد السلبي الذي ينتقده محمد خدة ؟ نظرًا لأن تزويق هذه "اللحظات السعيدة" إنما يأتي من باب إيقاظ الوعي تجاه ما كان ذات يوم عند أسلافنا من أحوال ميسورة       و آمنة و مقابلة ذلك بما هو مُفْتَقَد في الحاضر . بمعنى أن الحديث عن "الفرح"، هو تأمل في غيابه أيضًا. فيكون إتحاف اللوحة و تزويق إطارها مواجهة رمزية كي تمر غُفْلاً من استبداد الثقافة الكولونيالية، ولا يعني بالضرورة أن "منمنمات راسم" تنتظمُ مع أيديولوجيا المستعمِر و تتبنى رؤيته الحضارية.

في المقابل، يستعيد خدة نموذج الخطاط يحي بن محمود الواسطي الذي عاش روح عصره في القرن السابع الهجري، رائدًا ومُمَثِلاً "لمدرسة بغداد" في الخط؛ إذ استطاع أن يمنح الخط العربي أسلوبًا فنيًا يُميزه عن بقية الخطوط الأخرى، بعد أن أحدث ضربًا من القطيعة "مع النزعة الكلاسيكية البيزنطية والإيرانية"[20].

لقد أدرك الواسطي التجريد[21] بعد جهود متصلة في "الإيقاع والفضاء والحرف"[22]، وهو ما يؤشر على تراكم عريق في الفن التشكيلي العربي. غير أن ثمة شرخًا في التواصل ما بين الأجيال العربية اللاحقة : إذ لم يكن بمقدور "الزخرفة العربية"[23] أن تُحْدِثَ تأثيرها في اللوحة المعاصرة. وهو السبب  الذي ظلت لأجله الأمور تُراوح مكانها إلى أن قُيِضَ لها فنانون من الغرب يتأثرون بأسلوب الفن الإسلامي، وينقلونه إلى اللوحة المعاصرة، ثم يحدث "الالتفات العربي" بعد الاستكشاف الغربي.

لا يعني التجريد عند خدة انفصال الفنان عن مجتمعه وهمومه، بل على العكس من ذلك تمامًا، نجد أن الانشغال لديه بالجانب العملي (براكسيس) يُعَدُ من الاهتمامات المركزية لدى الفنان. ذلك أن انضمامه المبكر إلى الحزب الشيوعي الجزائري عام 1954، قد جعله من أكثر الفنانين اليساريين التزامًا بقضايا مجتمعه.

يُميِز خدة بين "الالتزام الطوباوي"[24] الذي يرفض كل شيء من المجتمع  و"الالتزام المعتدل والواضح" الذي يربط الفن بالبُعْد الطبقي ضمن رؤية ماركسية[25]. وانطلاقًا من ذلك، واستنادًا إلى رؤية الفنان الشيلي مطاRoberto Matta  (1911-2002) الذي يرى أن "وظيفة الفن تتمثل في كشفه عن الدلالة المُخَرِبَةِ"[26]، يُلاحظ خدة أن هناك اتجاهيْن يُسيطران على الساحة الفنية الجزائرية: يُمثل الاتجاه الأول زمرة الفنانين الذين "ينشغلون بصفة جوهرية بالشكل (الخطوط  والأشكال والألوان) ويؤدون الانطباع. وتكون الرسالة، إنْ كانت موجودة، وكأنها مُحتجِبة من خلال الأسلوب. أما بالنسبة إلى الاتجاه الثاني، فالشيء المُعبَر عنه والمعنى المراد للفنان يكونان على الفور واضحيْن. وأسبقية الرسالة جَلِية. لا يتعلق الأمر بطبيعة الحال برسالة على الطريقة التنبئِية وإنما بوعي يتجه إلى وعي آخر، بوعي يلتزم بعمق فيما يعبر عنه، وهو ثمرة خبرته التاريخية والثقافية والفردية. مهما يكن الشكل المُتَبَنَى أو أصالة الفكر المحمول، فإنه نُميزُ ضمن الفنانين من هذا الصنف اهتمامًا ميالاً إلى الحقيقة الاجتماعية. يُخْضِعُ التعبير التقنية إلى مقتضياته"[27].

نستخلصُ من النص السابق، أن رؤية الفنان تتبنى الاتجاه الثاني شكلاً ومضمونًا. وهي رؤية تفترض أن التقنية تكون في خدمة التعبير لا العكس، حتى يستطيع الفنان الوصول إلى فهم ما يجري حوله. ومن ثمة يكون العمل الفني مجالاً للمحاورة مع الآخرين ومشاركتهم الأعباء الاجتماعية. إن وعيًا من هذا القبيل يُترجم رؤية كونية للفن، ذلك أن الفنان لا يُعبِر عن ذاتيته فقط  وإنما هو صنيع المعطيات التاريخية والثقافية؛ حيث يرى هوسرل أن أي إنسان يشتمل أولاً على الجوهري من عالمه المحيط المحسوس، النواة، وعلى آفاق من ثقافته التي تظل محجوبة عنه[28]. وفي هذا القول إشارة إلى أن الدلالة الإنسانية متأتية من المحيط ومما يوجد فيه من ترسبات ثقافية يعمل الإنسان على حملها في طبقاته الشعورية واللاشعورية، ولذلك ندرك الفن جزءًا من هذه المحصلة الثقافية ونضيف عليها تدريجيًا عندما تَتَشَبَعُ حُدوسه (الإنسان) بوعي الظواهر الفنية تحديدًا. ولأجل ذلك، يحضرُ فيه (الفنان) التراثان التاريخي والثقافي المشتركيْن لكونه امتدادًا طبيعيًا للعلاقات الاجتماعية بين فئات المجتمع.

اهتم الفنان خدة بالبُعْدِ الاجتماعي للعمل الفني لأنه كفيل بمحو الاغتراب منه. فالعزلة لا تُفْضي إلى غير التهميش: "متى يخرج الفنان من مَعْزَلِهِson ghetto ويختار مُعسكره ؟"[29]. وقد لا نُجانب الصواب إذا ما اعتبرنا نبرة التساؤل تدل دلالة عميقة عن هشاشة الدور الذي يضطلع به الفن في المجتمعات المتخلفة. ولعل الصلة بين الفن والثقافة من الترابط الكبير الذي يُفضي إلى تبادل التأثير بينهما. وهو ما يجعل الفنان خدة يحرص على الاعتناء بتثقيف المشهد التشكيلي، لأن ذلك يعني قابلية انفتاحه على الحوار والتأويل. مما يُفسر نشاطه الكثيف في مجال الكتابة الصحفية حتى يُوجِدَ لوجهته حضورًا فعالاً إلى جانب معارضه الشخصية والجماعية. فهو يُعَدُ في نظر الناقد Yves –Michel Bernard "من الفنانين القلائل لجيله الذين تصدوا إلى النقد الفني بمسافة سواء تجاه إنتاجه الخاص"[30]. وفي هذه الشهادة ما يؤكد التميز الذي طبع الالتزام الفني في مسار التكوين الشخصي  لمحمد خدة، لاسيما  أن الساحة الفنية تشهد – إلى يومنا الحاضر – غياب "تقليد الكتابة في الحقل التشكيلي"[31] إلا القليل القليل الذي لا يُشْفي غليل البحث  وعنائه!

الالتزام الفني في كتابة خدة النقدية

إن الاهتمام بالكتابة (أو ما يدخل في شؤون النقد الفني) نراه على الصعيد الفينومينولوجي – وبغض النظر عن الجانب القَيْمي – مظهرًا من مظاهر الوعي الاستطيقي الذي استجاب الفنان خدة إلى قصديتها الدالة. ولذلك كان موقفه الجمالي رافضًا لجملة "الأفكار الخاطئة عن الواقعية الاشتراكية المزعومة"[32] ؛ على الرغم من تبنيه للثقافة الاشتراكية بِحكم أن "منفعة الفن قد غدت المعيار رقم واحد والمقروئية الإلزامية للعمل الفني قد ورطت التصوير أيضًا في ما هو تقليدي"[33]. مما يدل أن الالتزام الأيديولوجي للفنان لم يكن لِيُحاصر رؤيته الفنية داخل أفق دوغمائي ضيق – وهو الذي انتهج التجريدية أسلوبًا له في أعماله الفنية.

لا يُترجمُ الالتزام- بهذا المعنى إستطيقي- لأنه يُترجم حساسية فنية خاصة للموضوع تتجاوز مبدأ التوقع الذي يُفْضي إلى ابتذال المعنى واجتراره. ذلك أن اللوحة لا تَلتزِمُ قبْليًا بما ستُعبِرُ عنه وإنما تفعل ذلك بَعْدِيًا حينما ينتهي الفنان منها. ولقد أبدى الفنان تحفظه تجاه الموضوع المحدد سلفًا لاسيما عند المشاركة في معرض جماعي يتزامن مع مناسبة معينة. إذ "الموضوع – في نظره – مُجبِر دومًا، حيث يُلجِمُ التوجه الضيق من إلهام الفنان غالبًا "[34]. وهو ما يُدعم أفق التفتح الذي كان يرتضيه الفنان لموضوعاته.

واتساقًا مع هذه المعطيات، يُركز الفنان على البُعْد الإنساني للفن لكونه مطلبًا داخليًا يحفظ للعمل الفني أُلفته الاجتماعية. وفي هذا السياق يقول محمد خدة: "نبتغي إزالة الخداع عن إبداعنا، وجعل من العمل الفني أقل رعبًا وأكثر إنسانيةً. بهذا الصنيع، يفقِدُ الفنان قناع الصانع الكرنفالي، ويستعيدُ مظهره الإنساني والأخوي في أعين البشر"[35]. ونحسبُ أن إنسانية الفن مظهر كوني يستعطي تأملاً في كل ما يجعل من الإنسان إنسانًا. وقد يكون الانتهاء إلى هذا البُعْدِ ما يُبررُ التوجه التجريدي عند  خدة. ذلك أن تكويناته التجريدية تَمْتَحُ مصادرها من الوجود الإنساني أساسًا، وإنْ لم تكن إحالاتها شفافة وواضحة، ويلفها قدر غير قليل من الغموض[36] الفني.

يستندُ المعنى التجريدي عند محمد خدة فينومينولوجيًا إلى الوعي الجمالي بالظواهر الاجتماعية التي يتعايش معها و يُبْدي نحوها تحاورًا وتأملاً إنسانييْن. فقد لاحظنا أن الاتجاه اليساري للفنان لم يُقَيِد رؤيته الفنية داخل معايير "الواقعية الاشتراكية"، وإنما أبان عن مرونة فكرية مع ما يحدث من متغيرات داخل المشهد التشكيلي المعاصر. ذلك أن مسافة "الاختلاف" الموجودة بين التوجهيْن الأيديولوجي والفني لا تفترض تمايزًا بينهما بالضرورة. إذ نرى الفنان مهتمًا بأكثر من تفصيل تشكيلي يمس الواقع الاجتماعي، على نحو يتقاطع مع "حساسيته التشكيلية".

لا تحضرُ تيمة "الزيتون" –على سبيل المثال لا الحصر– فقط تكوينًا تجريديًا يُجرِب من خلاله جملة إدراكاته البصرية واللونية وحسب، بل مقصدًا جماليًا يتجلى فيه الوعي المعيش للإنسان المتوسطي أيضًا. إذ يظهر "الزيتون" في عدد لا يستهان به من اللوحات كائنًا كامل العضوية الاجتماعية، لأنه يُخالفُ – في نظر الفنان – الاستطيقا السائدة[37] L'esthétique dominante. وفي ذلك ما يُترجمُ وعيًا ذوقيًا يسعى أن يكون له وجودٌ بموازاة الذوق السائد.

ولا يجوزُ لنا القول مما استخلصناه سالفًا بأن الفنان خدة قد عكس رؤيته اليسارية[38] انعكاسًا كاملاً في أعماله الفنية. غير أنه في المقابل، لا نعدمُ كليةً أن يكون هذا الموقف الأيديولوجي قد أثر في توجهات الفنان الفكرية بما كان يسمى آنذاك "بالفن الطليعي" L'art d'avant-garde. وهو الفن الذي يُعبِرُ فيه معتنقوه عن التزامهم الفني بالتوجهات الفكرية التي يتبنونها. غير أن التوجهات السياسية لتلك المرحلة (الاتجاه اليساري الغالب على الفنانين)،  قد أظهر حضوره على مستوى الخطاب أكثر، وظل سياقًا خارجيًا عن اللوحة لا يُقدم تفسيرًا "مُقنعًا" (فنيًا) عن مرجعيتها الفنية. ولذلك كان الالتزام – بموجب ذلك – مُلْحَقًا بشخص الفنان وفكره من دون أن يتجاوز عمله الفني حتمًا.

تتجاوز إستطيقا الالتزام – تبعًا لِما أوردناه سابقًا – الإطار الشخصي للفنان، وتبحث في ممكنات المعنى التي يغدو معها الالتزام ممكنًا إستطيقيًا أو موقفًا إستطيقيًا. وعلى هذا النحو، تَمْتَحُ إستطيقا الالتزام وجودها من صميم أعمال الفنان، وليس من عنوان نضاله الأيديولوجي. ومن ثمة، بدا لنا أن التمظهر الأيديولوجي للفنان خدة، من خلال ما نشره من مقالات أو مقدمات لبعض معارض أصدقائه فضلاً عن كتابيْه المطبوعيْن، إنما يُعبِرُ عن تكوين شخصي دؤوب ووعي اجتماعي عميق بالظواهر الفنية. فلم يطرح الفنان غير ما عايشه من مادته الفنية التي اشتغل عليها ردحًا من الزمن بمرسمه صحبة لوحاته. وهي مادة يعرفها – على كل حال – وقد اختبر أجواءها وطقوسها سواءً في المنفى     أو في الجزائر. وقد أسهم اطلاع الفنان على المنجزات الفنية العربية سواء منها العتيقة أو الحديثة وكذا الأعمال الفنية الغربية المعاصرة، على تعميق رؤيته الفنية وتخصيب وجهاته الفكرية من على منابر إعلامية متعددة: "إن هذه الكتابة هي استرجاع لحقهم  [الفنانين] التشكيلي في تبيان شؤون مادتهم التي نذروا لها حياتهم، رغم ما يشوب قدرة التعبير لدى بعض الفنانين وما يعانونه من ارتباك في المنهج ولعثمة في أدوات الكتابة، تظل كتاباتهم ألصق بطبيعة صناعاتهم مقارنة بأناقة وشطحات التنظير النقدي المصقول بالعبارة والمفتون بالمحسنات البديعية والذي لا يفضي غالبًا إلا إلى خواء تشكيلي "[39].

ونعتقد أن الاقتراب من كتابات الفنانين قد يُقرِبُ من وشائج التعالق الموجود بين العمل الفني وصاحبه في فهم الرؤيا التي يصدر عنها الفنان في أثناء اشتغاله في مرسمه ولعل ما كتبه الفنان ليوناردو دافنشيLéonardo Da Vinci  (1452-1519) في "نظرية التصوير"(1817)، و"يومية" (1859) الفنان أوجين دو لاكروا Eugène Delacroix (1798-1863)،  و"رسائل" الفنان فان غوغ Vincent Van Gogh (1853-1887) إلى أخيه ثيو، وكتابات الفنان هنري ماتيسHenri Matisse (1869-1954) في الفن،  وغيرها قد أثرت تأثيرًا كبيرًا في الحركة الفنية الحديثة. ولا ننكر في هذا الصدد أيضًا كتابات الفنانين العرب، من أمثال الفنان رمسيس يونان الذي كتب "غاية الفنان العصري"(1938) والفنان شاكر حسن آل سعيد (1925-2004) في كتابه "البُعْد الواحد" (1966)، والفنان أسعد عرابي من خلال كتابه "معنى الحداثة في اللوحة العربية" (2000)..

وبالإمكان أن نستند إلى نصيْن وردا في كتاب ميشال جورج برنار، وهما مقتطفان من ألبوم  المعرض الشخصي للفنان خدة (8-29 نوفمبر 1990 برواق اسما بالعاصمة).

النص الأول :" لا تقود اللوحة إلى لاحقتها بالضرورة. "أفك" اللوحة بدل أن أنهيها ولا أستخلصُ عِبْرةً – أويكاد يكون نادرًا. لا أراكم خبرات..(...) ليست هناك لا خطوات ولا مراتب ولا درجات (هذه المعالم التي تجعل من المسافة قَيْسًا أو من الفكرة تقدمًا). وهكذا فإن صورة المتاهة بارتداداتها حول ذاتها، وبمآزقها وبعقدها تناسب أحسن مساري..."[40].

يشير النص إلى اعتبارات فنية عديدة يضعها الفنان خدة في حسبانه في أثناء إنجازه لأعماله الفنية. ومن هذه الاعتبارات استقلال اللوحة عن غيرها، فهي تكتفي بذاتها لِتُعبِرَ عن وشائجها التشكيلية الخاصة بها. وهو بهذا الاعتبار لا يكترث بالساعة التي ينتهي فيها من لوحته، بقدر ما ينشغل بفهم المعضلة الفنية التي يقوم عليها بناء اللوحة كلها. ينضاف إلى ذلك، أنها ليست مجالاً لاستخلاص العِبَرِ إلا في ما ندر. وهو ما يؤكد خصوصية الفضاء الذي تتميز به كل لوحة.

 يُنبه محمد خدة إلى أنه لا وجود لاعتبارات "كمية" نقيس بها "نضوج" الخبرة في خط زمني مستقيم.  وإنما "المتاهة" - ذات الخطوط الدائرية غير المنتهية حول الذات- هي ما وافقت مسار الفنان. ونحسب أن في هذه الاعتبارات ما يشير إلى أن الرسام خدة لا يكترث بالمُسوغات الخارجية التي تهتم بتطور اللوحة أو بتقدير نضجها الزمني، بقدر ما يهتم بالمُسوغات الداخلية التي تتحكم في اللوحة ذاتها. فالمسار الفني عنده كثيف يستمدُ وجوده من "المآزق الفنية" التي تنتج عن مواجهات الفنان الفعلية مع لوحاته. وهي مواجهة مشحونة بالارتداد الذاتي الذي يُوهِمُ بالتكرار والتماثل مع أعمال فنية سابقة.وهذا ما يُشير إليه  في نص ثانٍٍٍِِ نسوقه لتوضيح إستطيقا الالتزام. وفي هذا النص يقول:

"مساري شبيهٌ بلوحاتي، فهو ممتلئ بالارتدادات حول الذات. وإذا كان هناك من تغيير فلا شأن له...ليست  القطيعة الكلمة التي توافق عملي لأني أعثر على علامات - من سنوات الخمسينيات – لا أزال إلى اليوم أنقلها. هناك وحدة ما في كل ما أنجزته منذ البداية"[41].

من هنا، يتضح جليًا أن الرسام يوازي مساره الفني بما أنجزه من أعمال فنية.  ولا شك أن إنكاره لمفهوم "القطيعة" الذي لا يتوافق مع هذا المنجز – الذي لا ينفي فيه آخره أوله بِحكم الاعتبارات التي أشرنا إليها سابقًا – نقول إن في هذا الإنكار، ما يؤكد مرة أخرى هشاشة الحكم بين موضوع قديم و آخر حديث، نتيجة أن معالجة اللوحة هي التي تستدعي محمولها الفني وذاكرتها مع ما سبقها أو لحقها. وفي ذلك ما يُفضي إلى "تناصية" اللوحة مع غيرها من اللوحات بوصفها "علامات" تشكيلية لا تعرف لها حدًا منتهيًا في لوحة بعينها، وإنما هي "عود أبدي"[42] بتعبير نيتشه Friedrich Nietzsche (1844-1900).        

وتكرار علامة إنما هو دومًا استدعاء سياق جديد لها: فقد رسم بول سيزان Paul Cézanne عددًا لا يستهان من اللوحات عن جبل Sainte - Victoire  وكان – مع ذلك – يرى كل لوحة بعين مختلفة. وهو ما يُفضي إلى مفهوم "الوحدة الفنية" التي يراها محمد خدة حاضرة بشكل ما في أعماله.

وعلى هذا النحو، فإن الجوهري في هذا المقام هو أن العمل الفني لا يُحيل على تاريخ صاحبه حتمًا – على الرغم من الإحالة التذاوتية المتبادلة بينهما ("فكل وعي متأمِل يحملُ "مُفَكَرَهُ فيه"[43] على حد تعبير هوسرل). فاللوحة إذًا "لا تتوافر على أي إحالة خارج "قوانينها الجمالية النوعية"[44]، فهي تحفل بتاريخها وبمرجعيتها الذاتييْن أيضًا. ومن ثمة كان الارتداد الذاتي الذي تنتهي إليه اللوحة أحيانًا، نوعًا من الحفر الباطني الذي تمارسه "ذاكرتها العائدة"[45] إليها بِفعل البحث المستمر في الأشكال. ولذلك، والحال هذه، "كان لا بد من "تجذير" العمل مهما كلف الأمر"[46] بالنسبة إلى الفنان محمد خدة.

لم تكن إستطيقا اللوحة بمنأى عن "النضال الأيديولوجي" الذي كرس له الفنان كتاباته وإبداعاته الفنية؛دون أن يُجَرِدَ الفن من زخمه الجمالي وأشكال التبعية الذوقية أو ما يُسميه الناقد الفرنسي رولان بارت R. Barthes "بالخيال المُعَمَمِ"[47].

وهو الحرص[48] الذي أَوْجَدَ هذه المسافة "المرنة" بين خدة الفنان المُصوِر وخدة الكاتب المتأمِل في شؤون الفن والنقد. ولهذا لم نر أن تكون"إستطيقا الالتزام" شعارًا أيديولوجيًا يبحث في "المُهيمِن" دون "الخاص المتفرِد"، وإنما تسعى إلى استقراء الفكرة التجريدية ضمن هذا "المُفَكَرِ فيه" الذي اشتغل عليه الفنان في مسار أعماله الفنية.


الهوامش

 [1] Khadda, Mohamed, Eléments pour un art nouveau, Alger, U.N.A.P, S.N.E.D, 1972, p.72.

[2] Khadda, Mohamed, Eléments pour un art nouveau, p.71.

[3] Ibid., p.72.

[4] Ibid., p.42.

[5] Khadda, Mohamed, Feuillets épars liés – essai sur l'art, Alger, S.N.E.D., 1983, p.48.

[6]  يذكر الشاعر غوتييه  Théophile Gautier (1811- 1872 ) :" إن السفر إلى الجزائر أصبح بالنسبة للمُصورين أكثر أهمية من الحج إلى إيطاليا". ولقد كانت فيلا عبد اللطيف La Villa Abdeltif مزارًا للعديد من الفنانين الغربيين، وهي تقع خلف المتحف الوطني للفنون الجميلة. وقد نقلت صورة إستشراقية عن رؤية المصور الغربي للطبيعة والأشخاص.

 ينظر: البهنسي، عفيف، الفن والاستشراق، بيروت، دار الرائد اللبناني،  موسوعة تاريخ الفن  والعمارة، ط.2،  1983، المجلد الثالث، ص.ص.54-91.

- وينظر أيضًا : بوذينة، محمد، المغرب العربي و فن الاستشراق، الحمامات / تونس، منشورات محمد بوذينة، 1996، (الاستشراق في الجزائر، ص.ص. 12-68).

[7]ينتقد محمد خدة بعض المؤرخين الذين يُحددون بداية نبذ التجسيم الانساني بتحطيم الأصنام يوم فتح مكة. ينظر:

Eléments pour un art nouveau, p.32.

[8]  ينظر : مظفر، مي، التجريد في الفن الإسلامي، ضمن : حوار الفن التشكيلي، محاضرات وندوات لعام 1992 حول جوانب من الثقافة التشكيلية وعلاقتها بالفنون العربية والإسلامية، عمان/ الأردن، مؤسسة عبد الحميد شومان – دارة الفنون، ط.1، 1995، ص.ص.277-286.

[9] Eléments pour un art nouveau, p.32.

[10] Bernard, Michel- Georges, Khadda, Alger, ENAG.Editions,2002 , p.39.

[11] يقترح أسعد عرابي مصطلح "التنزيه" بديلاً لمفهوم التجريد الذي يُقابل التشخيص Figuration, concret. "فالتنزيه" يُعارض "التشبيه"، إذ يرى الناقد أن هناك خلطًا كبيرًا بين التجريد بمعناه الغربي (لدى كاندينسكي) والتنزيه كمعنى يضم الرقش (التجريد الهندسي و النباتي) ورسوم الكائنات الحية في المنمنمات ومسرح الظل والحفر الشعبي والرسم على الزجاج... فضلا عن أن التنزيه يُخلص الصورة التشخيصية والتجريدية من المماثلة مع المرئي، بينما  غياب الدلالة عن المناظر التجريدية لا تنفي عنها صفة الانطلاق من نواظم المرئي، وهذا يعني أنه في العديد من الحالات يبدو التشخيص المنزه أبعد عن الواقع من التجريد الغربي".ويبدو أن الناقد يستند إلى "التنزيه" لكونه يستمد معناه من غياب المماثلة المرئية فيه. فالمنطلق لا يفترض المرئي في تصوير الأشكال، بخلاف التجريد الغربي الذي يفترض قدرًا من المرئية في الاقتراب من الواقع. غير أن القفز نحو اللامرئي يكون مطيةً في الغالب للكشف عن مرئيتها بشكل من الأشكال، و لذلك فإن هذا القدر من المرئية يفترض وجوده في أي تجريد.

ينظر : عرابي، أسعد، معنى الحداثة في اللوحة العربية، دمشق، دار نينوى، ط.1، 2000، ص.89-90، 243، 256.

[12] Bernard, Michel-Georges, Khadda, p.171.

[13]  يرى فريد الزاهي أن ثنائية التشخيص والتجريد ثنائية زائفة لأن أغلب الفنانين العرب التجريديين يحملون في وعي ولا وعي أعمالهم الفنية نزوعًا نحو التشخيص".

ينظر: العين و المرآة – الصورة و الحداثة البصرية، ص.19.

[14] Feuillets épars liés, p.102

[15] إنجاردن، رومان، العمل الفني الأدبي،تر.أبو العيد دودو، جامعة الجزائر، منشورات مختبر الترجمة والمصطلح، 2007، ص.410.

[16] Eléments pour un art nouveau, p.58.

[17] Eléments pour un art nouveau, p.52.

       voir : Feuillets épars liés, p.43, 44, 49, 50.

[18] Ibid., p.49.

[19] Ibid., p.14, 42.

[20] Feuillets épars liés, p.18.

[21] Ibid., p.23.

[22] Ibid., p.23.

[23] Voir : Eléments pour un art nouveau, p.65

[24] Eléments pour un art nouveau, p.73.

[25] Ibid., p.73.

[26] Cité par Khadda, op.cit. p.74

[27] Ibid., pp.74 -75.

[28] Husserl, Méditations cartésiennes  - Introduction à la phénoménologie, Trad.  Gabrielle Peiffer et Emmanuel  Levinas, Paris, Librairie Philosophique, J. Vrin, 1953, p.113.

[29] Feuillets épars liés, p.88.

[30] Bernard, Yves – Michel, Khadda, l'homme à deux  têtes, Beaux – arts, n°1, Alger, Musée national des beaux – arts, 1994, p.104.

[31] Abrous, Mansour, La place de Mohamed  Khadda dans l'historiographie nationale, Beaux-Arts, n°1, Alger, Musée national des beaux-arts, 1994, p.123.

[32] Eléments pour un art nouveau, p.58.

[33] Ibid., p.59.

[34] Feuillets épars liés, p.94.

[35] Ibid., p.92.

[36]  يذكر جون كوهين أن "..الغموض ليس شريحة تختص بالأدب وحده، إنه كذلك شريحة "كونية" فنحن نجده في النصوص وفي الحياة، إنه يشكل على نحو خاص الملامح الأساسية لما نُسميه "ما فوق طبيعي" ". ونحسب أن الغموض في هذا السياق عتبة ميتافيزيقية تُحايث رؤية الفنان في أثناء إنجازه للعمل الفني، فيكون الإدراك على هذا النحو "كونيًا" لأنه يتجاوز الفنان ويُعانق أفقًا إنسانيًا.

ينظر كتابه : اللغة العليا – النظرية الشعرية، ترجمة و تقديم و تعليق : أحمد درويش، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، ط.2،  2000، ص.256.

[37] Voir : Bourdieu, Pierre, La distinction : Critique sociale du jugement, Paris, Editions de Minuit, 1979, p.49.

[38] يرى الصادق بخوش أنه " عندما ننظر بعيون نقدية لفن خدة، ونستحضرمواقفه السياسية وخطه الاشتراكي، ...ندرك ضربًا من عدم التوفيقية بين دعوته الأداتية لخدمة الجماهير، عبر الفن بلغة وبأسلوب مدركين، وبين حقيقة أعماله المستعصية على فهم العامة = والطبقة العمالية والكادحة، لاسيما بما هي عليه من مستوى ثقافي فرضته الكولونيالية. لكن هذه الإشكالية تبدو أقرب إلى الواقعية المسطحة، لأن الفنان مهما كانت هناته و دعواه الأيديولوجية، هو غير مطالب في اعتقادي أن يقوم بدور الواعض، ولا بمهمة السياسي، أو الفيلسوف الشارح، بل هو إلى التبشير بالقيم الجمالية، والفنية والخلقية، أنزع منها إلى إلقاء المواعض والدروس، ولعل خدة هو من هذا النوع، بحيث يعيش بنقيضيْن، أحدهما الإنسان الملتزم بخطه الأيديولوجي، والآخر الفنان المسكون بهاجس التجريد والسرمديات والطلاسم والإحالات...". ينظر : بخوش، الصادق، التدليس على الجمال، الجزائر، منشورات الإتحاد الوطني للفنون التشكيلية A.N.E.P، 2007، ص.ص. 36-37.

 [39] بخوش، الصادق، التدليس على الجمال، ص. 58.

[40] Bernard, Michel – Georges, Khadda, p.214.

[41] Bernard, Michel – Georges, Khadda, p.214.

[42] نُوظف مفهوم "العود الأبدي" بمعنى الاختلاف الذي ينشدُ الإبداع المُتفرِد حتى وإنْ تكرر أكثر من مرة في المظهر نفسه. ومعلوم أن الفيلسوف نيتشه يعتبر أن العالم الذي يخضع لمبدإ ديونسيوس Dionysios، إنما يعرف الإبداع الأبدي لذاته كما يعرف التهديم الأبدي لذاته. فالعالم  يجري في حركة دائرية سبق وأن تكررت عددًا لا نهائيًا، غير أنها حركة بدون بداية ولا نهاية، ترفض الغائية  والعِلِية والضرورة (ضد الصيرورة).

Voir : Nietzsche, La volonté de puissance – Essai d 'une transmutation de toutes les valeurs, Traduction d'Henri Albert, Librairie Générale Française, 1991, Le livre de Poche, Classique de la philosophie, pp.425-434.

[43] Husserl, Edmund, Méditations cartésiennes, p.28.

[44] عرابي، أسعد، "النقد الفني بين الشرعية والإدانة"، مجلة الوحدة المغرب، ع:70/71، 1990، ص.63.

[45] يرى الناقد الفينومينولوجي ددي هبرمان أن "أي شكل يمتلك .. افتراضيًا بلا شك هذه القدرة على المفارقة التاريخية والسلالة والذاكرة العائدة ".

Didi – Huberman, Georges, Phasmes – Essai sur l'apparition, Paris, Editions de Minuit, 1998, p.46.

[46] Abrous, Mansour, La place de Mohamed Khadda dans l'historiographie nationale, Op. cit, p.122.

[47] " Nous vivons selon un imaginaire généralisé", Barthes, La Chambre claire – Notes sur la photographie, Editions de l'Etoile, Le Seuil, 1980, p.122.

[48]  يقول الفنان خدة :"..إ ن مفاهيم من هذا القبيل [ الفن الملتزِم والفنان الثوري ] لا ينبغي أن تستخدم إلا بحيطة كبيرة".

- Feuillets épars liés, p.61.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche