الملتقى الدولي الأول للتراث الثقافي "الأدب الشعبي والدراســـات البينيّة" القاهرة، أيام23 ، 24، 25 أكتوبر 2018


انسانيات عدد 82| 2018 |النصّ الروائي : فضاء و هويّة| ص 41-45| النص الكامل



نظرا لتزايد الاهتمام بالدراسات الشعبية وعلاقتها بالعلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى، ومحاولة الكشف عن أهميّة الدراسات البينيّة في التراث الشعبي، نظم مركز دراسات التراث الشعبي بكلية الآداب جامعة القاهرة بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة الملتقى الدولي الأول للتراث الثقافي بعنوان" الأدب الشعبي والدراسات البينيّة أيام 23، 24 و25 أكتوبر 2018 وقد أطلق اسم "نبيلة ابراهيم" على هذه الدورة اعترافا بمجهوداتها في التأليف والترجمة في مجال التراث الشعبي.

افتتح المؤتمر بكلمات افتتاحية لكل من الدكتور خالد أبو ليل مدير مركز دراسات التراث الشعبي، محمد عثمان خشت رئيس جامعة القاهرة، سعيد المصري الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة ومقرر الملتقى، الدكتورة غراء مهنا رئيسة الملتقى، أحمد شمس الدين الحجاجي رئيس شرف الملتقى، أحمد الشربيني عميد كلية الآداب ورئيس مجلس إدارة المركز، حيث ركزت مداخلاتهم على القيّم الإيجابيّة التي يحملها التراث الشعبي وأهميّة الدراسات البينية "interdisciplinaires" في التراث الشعبي، ما اعتبره المتدخلون مجالاً بينيّاً مفتوحاً على مصراعيه، كما ألحوا على ضرورة تلاقي وتداخل التخصصات والانفتاح على المجالات الأخرى المجاورة، والتأكيد على تقارب العلاقات بين العلوم الإنسانية والاجتماعية وتشابكها مع بعضها البعض.

تمحورت فكرة المحاضرات الافتتاحيّة على مدى ثلاثة أيام حول مفهوم وأهميّة الدراسات البينّة في الأدب الشعبي حيث تطرق أحمد مرسي - رائد من رواد الأدب الشعبي في مصر- في مداخلته إلى التنويه بأهميّة الميدان ومسألة الشفهي من أجل بناء تاريخ متكامل مشيرا إلى دراسة عبد الحميد يونس حول السيرة الهلالية بين التاريخ والأدب الشعبي التي تجاوزت حدود التخصص وربطت المأثورات الشعبيّة بالتاريخ- الذي غالبا ما يعتمد على الشواهد المكتوبة - فالمؤرخ لا يحق له تجاهل المأثورات الشعبية نظرا لأهمية مضامين نصوصها التاريخية المتنوعة، خاصة الأغنية الشعبية التي تلم بجميع المجالات ومنها موّال أغاني العمل. كما أشار المتدخل إلى استعانة بعض المؤرخين بالروافد الشفهية أمثال: المؤرخ قاسم عبده القاسم في كتابه "التاريخ والفولكلور" وخالد أبو ليل في كتابه "جمال عبد الناصر في التصوّر الشعبي."

ومن أجل إبراز قيّم الأدب الشعبي الإيجابية انتقل الباحث إلى توضيح بعض الرؤى حول تعليم وتدريب الأطفال على نطق اللغة العربية واستقامتها وإتقانها مستعينا ببعض الأمثلة حول أنماط التعبير الشفهي.

وأشار "جابر عصفور "الكاتب والمفكر المصري في محاضرته إلى مجهودات بعض الرواد في النهوض بالأدب الشعبي، على غرار جهود كل من سهير القلماوي في أطروحتها حول ألف ليلة وليلة سنة (1941) وعبد العزيز الأهواني في دراساته حول فن الموشحات والزجل (1947)، إلى جانب عبدالحميد يونس في أطروحة حول السيرة الهلاليّة (1950) ونبيلة إبراهيم حول سيرة الأميرة ذات الهمّة (1966). ثم فصّل في مفهوم المعنى العام للدراسة البينية وعلاقتها بالأدب الشعبي، هذا المصطلح الجديد الجامع بين مختلف فروع المعرفة، مشيرا إلى أنّ العالم -مع بداية السبعينيات -قد أدرك أنها معارف بينية ولم يعد مكان معرفي مستقل بذاته، موضحا قضية الاختلاف بين الدراسات البينية والتعددية.

فالدراسات البينية؛ يذكر جابر عصفور أنها المنطقة التي تتفاعل فيها الحقول المعرفية المختلفة والمتباعدة، ولكن شرط أن تكون قائمة على مبدأ الوصل والفصل بمعنى أنّ الأدب الشعبي له خصوصيته وحدوده المعرفية أي: له كيان مستقل قائم بذاته، لكن له -في الوقت نفسه- كيان مفتوح على مجالات أخرى وحجته في ذلك المؤرخ Yanvansina المختص في التاريخ الإفريقي في كتابه "Oral tradition" والروائي  Alex Haley في رواية "الجذور""Roots"  اللذان استندا على الأدب الشعبي باعتباره مصدرا مهما يعيد بناء التاريخ.                               

كما عرض أحمد عبد الله زايد- أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة -مجموعة من الموضوعات المتصلة بالتراث الشعبي التي تظهر لنا مجموعة من الأشكال المختلفة لتراث جديد مختلف وقائم على فكرة الفردية، وقد ذكر العديد من الظواهر الجديرة بالدراسة على صعيد الدراسات البينية منها موضوع الهجرة: أو ما أطلق عليه بالفولكلور العابر الذي يحمل من جهة سلوكات وممارسات وتعابير جديدة إلى المهجر، ليعيد معه من جهة أخرى ممارسات أخرى جديدة. وقد استدّل بذلك من فصل في كتاب "الفولكلور والعولمة" مشيرا إلى عدم استيعاب شباب المهجر لتراثهم، وبهذا يجد المهاجر نفسه في أزمة هوية يبحث عن تراثه القديم أو هويته، مثمنا مجهودات بعض الدول في تسخير مختلف الطرق التي من شأنها الإسهام في إحياء التراث وإعادته من جديد لأبناء المهجر. كما تطرق إلى التعريف بالفولكلور من وجهات نظر مختلفة، وعرض التغيرات التي قد تحدث في مجال الفولكلور وعلاقته بالعولمة.

أمّا أحمد زايد فقد أشار إلى قضية التعددية الثقافية أو التنوع الثقافي وخطورتها إن لم توضع في موضعها الصحيح والتي يجب أن تستعمل الإثراء وليس للانقسام والفصل، من أجل بناء مجتمع أفضل تتعايش فيه الشعوب، مشيرا إلى بعض الطرق والوسائل التي يمكن أن نحافظ بها على التراث منها التلقائية في معالجة قضايا التراث وتغيراته وليس الاندفاع باسم الهوية، كما أكّد في الأخير على ضرورة تطوير المفاهيم والمصطلحات في المناهج، واختيار الموضوعات الراهنة للإثراء الثقافي. كما شهدت أعمال الموائد المستديرة شهادات وتجارب مجموعة من الإعلاميين والأدباء أمثال: مسعود شومان) شاعر وباحث في المأثورات الشعبية (،أحمد سراج (كاتب مسرحي)، محمد بغدادي (شاعر وفنان تشكيلي)، أسامة الرحيمي (صحفي بجريدة الأهرام)، طارق الطاهر (رئيس تحرير أخبار الأدب)، الذين استلهموا تجاربهم الأدبية والفنية من الأدب الشعبي لتميّز نصوصه بجماليات خاصة في المسرح والقصة من ناحية؛ وتمثيلها، للمجتمع أصدق تمثيل من ناحية أخرى. وهو ما توصل إليه الأستاذ خالد أبو ليل في دراسته للسيرة الهلالية التي لا تناقض في نصها الشعبي كونها السيرة الوحيدة التي تحدثت عن سلبيات المجتمع العربي أكثر من إيجابياته. وبناء عليه ركّز المناقشون على ضرورة المحافظة على النصوص الشعبية وحمايتها وذلك بإقحامها في جميع الفنون كونها وثيقة مهمة وشاهد تاريخي.

تضمنت الجلسات المسائل الآتية:

أولا: مسألة الأدب الشعبي والدراسات المقارنة والنظريات النقدية الحديثة: ناقش فيها المتدخلون قضية الشفهي والمكتوب بين التأثر والتأثير وعمليات تدوين التراث الشعبي خاصة السيّر والحكايات الشعبيّة، ومسألة إعادة كتابة الحكاية الشعبيّة بدعوة الحداثة ما ركّزت عليه الباحثة جاكلين جوندو في مداخلتها "تمثلات المرأة في الحكاية الشعبية"، وتقديمها لمجموعة من الأمثلة التي أعادت كتابة الحكاية (كإعادة كتابة المرنيسي لألف ليلة وليلة، وليلى سعيد لحكاية شفيقة ومتولي، ورمزي صلتي لعنتر وشكسبير).

كما عالجت المداخلات مجموعة من التعابير الشعبية منها :(المثل، اللغز، الحكاية، الأغنيّة، البوقالة، السيّر الشعبيّة، الأساطير، ونالت مواضيع وقضايا المثل الشعبي القسط الأوفر من تلك المداخلات منها مواضيع المرأة، موضوع الطب والوقاية الصحيّة والعلاجية ما تطرق له الباحث خضر عبد السرحان من الأردن) في دراسته الميدانية التي خصت قبيلة سرحان الأردنية. إضافة إلى ذلك تناول المتدخلون الأبعاد النفسيّة والاجتماعية والقيّم الإنسانيّة التي تحملها التعابير الشفهية، كقيم التسامح والصبر ما جاء في دراسة بعنوان: الحكاية الخرافية "جميلة والوحش" وقيّم الحب والوفاء في قصة "حيزية" التي مزجت تفاصيل أحداثها بين الحقيقة والخيال. إلى جانب التطرق إلى العديد من الروايات الجزائرية التي وضفت التراث الشعبي كروايات عبد الحميد بن هدوقة، واسيني الأعرج ورشيد بوجدرة.

ثانيا: الفنون واستلهامات التراث الشعبي: تطرق المتدخلون إلى مجموعة من العناصر الفنيّة التي وظفت التراث في أعمالها منها فن الدراما التليفزيونية، والرسوم المتحركة، والخطاب الإشهاري، والإعلام، وتصميم الملابس...ومن أهّم المداخلات التي صبت في هذا الإطار مداخلة عالجت مضمون الثقافة الشعبية فـــي الرسالة الإعلامية للباحث مرسي الصباغ من مصر، ومداخلة حول الحكاية الشعبيّة المصرية بين الأدب والدراما التليفزيونية دراسة مقارنة بالتطبيق على نماذج من المسلسلات المصرية، إلى جانب رؤية مقترحة لتوظيف الأدب الشعبي المصري في تصميم وإنتاج ملابس الشباب، وأهميّة دور فن الرسوم المتحركة في نشر الأدب الشعبي بين الفرص المتاحة والممكنة. وقد حظي فن المسرح بجانب كبير من النقاش والمداخلات المتعلقة بإشكالية تداخل الفولكلور في العديد من المسرحيات العربية والعالمية منها: مسرحية يوريدسى لسارة رولا الوظيفة والدلالة، تجليات التراث في المسرح العربــي، بنية التراث في المسرح الشعبي العربي، القرية في مسرح الأخوين رحباني...

ثالثا: تداخل التراث العربي والأجنبي، في موضوع تداخل الثقافات بين الشعوب وعمليات نقل التراث فيما بينها، والتأكيد على أثر الفكر والثقافة العربية ما تناولته مداخلة داود سلوم في بيان أثر القصص العربية في القصص الشعبية الهندية مشيرا إلى انتقال الحكاية العربية إلى شمال بلاد الهند وأهّم الوسائل التي تم بواسطتها هذا النقل. وبخطوات متشابهة عالجت باحثة من رومانيا مقارنتها بين الحكاية الرومانية والحكاية المصرية والعلاقة بينهما. وفي السياق نفسه ركزت مداخلة "الغواية بين ليليت والنداهة" على دراسة مقارنة بين قصتي "ليليت" لكاتب العبرية دافيد فريشمان، و"النداهة" للكاتب المصري يوسف إدريس، حيث جسد الكاتبان فكرة الغواية في نصيهما من خلال توظيف الأسطورتين. فيما رصد لنا الباحث فرج قدري الفخراني خاصية موتيف الأنسنة باعتبارها احدى خواص الأدب الشعبي الجمالية في كتابَي أحدهما عربي والآخر عبري.

كما لم يغفل مجموعة من المتدخلين تأثير نصوص السيّر الشعبية وألف ليلة وليلة في التراث العالمي مثل: ألف ليلة وليلة بين العربية والعبرية (نموذج الأميرة النائمة أو المسحورة)، انعكاس ألف ليلة وليلة على التراث والإرث العالمي، إلى جانب مداخلة موضوعها سير القديسين الأحباش ودورها فى ترسيخ العقيدة الأرثوذكسيّة دراسة تحليلية أدبية لسيرة القديس "بيسطاوروس" حيث أوضح التشابه بين بنية سيرة القديسين الأحباش والسير الشعبية العربية من حيث خصائصها الأدبيّة والفنيّة.

رابعا: التراث الشعبي وتداخل العلوم الاجتماعية والإنسانية، وهو المحور الرئيسي للملتقى وهنا تمّ التطرق إلى تداخل وتكامل التخصصات لدراسة الأدب الشعبي في مختلف ميادينه وتشاركه مع حقول معرفية وتخصصات متعددة، وإضافة إلى ما أشار إليه المحاضرون الثلاثة أحمد زايد وأحمد مرسي وجابر عصفور تطرق بعض الباحثين إلى العلاقة بين الدراسات الأنثروبولوجية والأدب الشعبي الذي يعتبر من أكثر الفنون الأدبية تداخلا مع حقول معرفية أخرى ما جاء في مداخلة "الأدب الشعبي والدراسات الأنثروبولوجية من التجاور إلى التواشج "حيث سعت المتدخلة إلى الكشف عن مزايا الدراسات البيينة والأدب الشعبي من خلال مقاربة سوسيوثقافيّة للحكاية الشعبيّة الجزائريّة، كما كان موضوع بحث الأغنية الشعبية بين المقاومة وتسجيل التاريخ حاضرا ما تطرقت له الباحثة صليحة سنوسي من مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، بوهران في مداخلتها حول الثورة وأغنيّة الصَّفْ: ذاكرة شعبيّة وشاهد تاريخي. وفي نفس السياق مداخلة الباحثة إيمان كمال محمد التي ركزت على أهميّة الأغنية الشعبية في تسجيل التاريخ بمحافظة سوهاج والمعنونة بـ "الأغنية الشعبيّة كطريقة جديدة لقراءة التاريخ".

أثار الملتقى في أيامه الثلاثة العديد من القضايا والاشكاليات البحثية حول تفاعل الأدب الشعبي والدراسات الاجتماعية والإنسانية، وخلص في الأخير إلى إدراج مجموعة من المقترحات والتوصيات تتمثل في تفعيل الأدب الشعبي وتطوير الدراسات المتعددة في هذا المجال مع ضرورة انفتاح حدود تخصص المأثورات الشعبية وربطها بالعلوم الأخرى مثل التاريخ والأنثروبولوجيا والعلوم التطبيقية بما يفيد التطور العلمي ويعمق الرؤية.

صليحة سنوسي

 

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche