ألفة لملوم ومحمد علي بن زينة (تنسيق)، شباب دوّار الهيشر والتضامن. دراسة سوسيولوجية. تونس:نقوش عربية،2015،عدد الصفحات202


انسانيات عدد مزدوج 83-84| 2019 |جنوح الأحداث : الواقع والتكفّل| ص53 -55| النص الكامل


 


يقترح الباحثان محمد علي بن زينة وألفة لملوم في كتابهما الجماعي الموسوم "شباب دوّار الهيشر والتضامن" المتكون من ستة فصول نتائج دراسة سيوسيولوجية شارك في إنجازها فريق من الباحثين التونسيين. وقد خصًص موضوعها لتحليلمواقف الشباب (الممارسات، التمثلات، الخطابات) في منطقتين عمرانيتينيلتصق بهما وسم اجتماعي ووصم قيمي نظرا لتاريخهما في النسيجي العمراني "لتونس الكبرى".

ولئن اهتمت هذه الدراسة الميدانية المعتمدة على مقاربتين كمية (تقنية الاستمارة) وكيفية (المقابلات شبه الموجهة وجماعات الحوار) بمعيش هذه الفئة التي يتراوح سنها ما بين 18 و 34 سنة من غير المتزوجين في حيّين"هامشيين"، إلا أنّها تعطي لنا صورة ميكروسوسيولوجية عن تونس مــا بعد "الربيع العربي" (2010)، خصوصا أنهاتفتح المجال لمناقشة العديد من الظواهر التي تلازمت مع مظاهر التغيير السياسي التي عرفته تونس والمتمثلة في بروز الممارسات الدينية الراديكالية وخطاباتها في الفضاء العمومي- المترافقةمع مظاهر التطرّف والعنف الاسلاماوي- وتنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية عبر المتوسّط والهجرة "الجهادية".

يسمح هذا العمل السوسيولوجي للقارئ بتتبع ملامح التموقع الاجتماعي "الجديد" لفئة الشباب في تونس بعد الثورة، كما يعطي لنا صورة عن العلاقة الدينامكية بين "المركز" و"الهامش" في الأوساط الحضرية ويتيح مجالا لمقاربة الصّور النمطية التي أنتجها الخطاب الإعلامي حول هذين المنطقتين وحول شبابها. يجدر الإشارة إلى أنّ الحي، السنّ، الجنس، المستوى الدراسي والوضعية المهنية وتركيبة الديمغرافية للوحدات السكنية مثّلت أهم المتغيرات السوسيولوجية التي اعتمد عليها فريق البحث في تحليل علاقة شباب الحيين بـ" الوصم الاجتماعي" الذي يلتصق بالحيين، بـ" العائلة" و"المدرسة" و"الشغل" و"التديّن" والممارسات الجمعوية والسياسية.

يقترح الفصل الأوّل من الكتاب، والذي أشرف على تحريره رضا بن عمر، تحليلا سيسيولوجيا لعلاقة الشباب مع هذين الحيين (مجالي الدراسة الميدانية) باعتبارهما مجالات عمرانية لتمظهر الوسم والصم، ويقترح تحليلا لمسارات هذه الفئة بحثا عن فهم وتفسير ذلك من خلال تحليل أشكال اللامساواة الاجتماعية الناتجة عن الهامشية العمرانية (أحياء الضواحي/ الاحياء الشعبية...)، كما يعرّج على تحليل أشكال المؤانسة داخل هذا الفضاء من خلال مقاربة جندريةتسعى إلى فهمذلك وفق التقسيم جنسي للعلاقة مع هذين المجالين.

أمّا في الفصل الثاني من الكتاب، فيناقشفيه عماد مليتي وضعية الشباب في هذين المجالين العمرانيين انطلاق من تحليل الديناميات الاجتماعية للرابط العائلي بوصفها مكانا للإرساء الاعتراف لدى هذه الفئة، ويركز في ذلك على جانبين أساسيين في التحليل هما مظاهر التضامن والصراع، كما يوسّع مجال المقارنة بين العائلة وجماعة الأقران بغية تحديد وزنهما في معاش الشباب.

أما الباحثة موسى حياة فتطرقت في الفصل الثالث إلى موضوع مركزية المدرسة في سياق تحليل لمسارات التنشئة والعلاقة بها من خلال عاملي التحفيز والإحباط (الإمكانيات المادية، الرأسمال الثقافي الضعيف، مواقف السلبية اتجاه المدراسة)، بحيث تعالج التجربة الدراسية لهؤلاء الشباب المنحدرين من "أسر شعبية" وتساءل إمكانيات النجاح المدرسي والترقية الاجتماعية لدى فئة تبدو ظروفها الموضوعية صعبة من أجل مواصلة المسار الدراسي والتطلّع نحو مستقبل واعد.

ويسلّط الفصل الرابع من هذا الكتاب الضوء على تحليل الحياة المهنية لهذه الفئة وتمثلاتها حول مركزية العمل ومكانه في حياة الشباب، بحيث يشير كل من رضا بن عمور وحياة موسىإلى حالات الهشاشة المهنية المؤديّة للهشاشة الاجتماعية، كما يقترحان محاولات جادة لفهم "المعنى الاجتماعي للعمل واللاعمل " عند الشباب المنتمين لأصول اجتماعية شعبية لم يسعفهم مسارهم الدراسي لولوج سوق الشغل.

أما الفصل الخامس فتشير فيه الباحثة لملوم ألفة إلى موضوع علاقة الشباب بالسياسة من خلال دراسةلحييّن متواجدين على هامش "الدولة" و"المؤسسات".وتركز في مقالها على تحليل علاقة هذه الفئة بالسياسة بعد أحداث ديسمبر 2010 وجانفي 2011، غايتها في ذلك التعرّف على تمثلاتهم من خلال تلك الأحداث واستكشاف مواقفهم من الوضع الراهن الذي تلاها. ويشكّل تحليل خطابات الشباب للأحياء الهامشية حول الثورة ووعودها وقراراتها أهم مدخل تقترحه الباحثة من أجل مقاربة المرجعيات التي يستند إليها الشباب في ربط علاقاتهم مع "الدولة ومؤسساتها"، كما تناقش تأثير ذلك من خلال تجليات الفعل الجماعي المرتبط بالانخراط في السلفية بتياراتها المختلفة.

ويحتل الجانب الديني مكانة مهمة في تحليل الواقع الاجتماعي لهؤلاء الشباب، بحيث يقترح عماد مليتي قراءة في مضامين التدّين (الممارسات، الخطابات، التمثلات)، كما يستعرض مرجعياتهم من أجل فهم مسارات تشكل النزعة الراديكالية لدى فئة من شباب الحيّين، ويقترح في ذلك قراءة سوسيولوجية تربط بين "هامشية الحيّين ووصمهما" وصعوبات بناء مسارات الاستقلالية عن طريق المدرسة والشغل في ظل فعالية منقطعة النظير لخطابات التعبئة ذات النزعة السلفية. 

يبدو سؤال الاعتراف الاجتماعي (الدولة ومؤسساتها، العائلة، منظومات التكوين والتشغيل، منظومات تسيير أوقات الفراغ...) بهذه الفئة في صلب مضامين التحاليل السوسيولوجية المقترحة من زوايا متعدّدة، وبقدر ما تعطي لنا هذه النتائج صورة للشباب التونسي ضمن سياق سياسي "ثوري" ينتمي إلى أحياء هامشية، فإنّه يفتح أمامنا مجالات المقارنة مع أوضاع مجمل شباب المنطقة المغاربية. 

هند بوعقادة


 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche