انخراط المراهقين في الحربين العالميتين، مجلة الحركة الاجتماعية، العدد 261، أكتوبر – ديسمبر 2017، عدد الصفحات 136

 انسانيات عدد مزدوج 83-84| 2019 |جنوح الأحداث : الواقع والتكفّل| ص59-64| النص الكامل


 


تقترح مجلة Le Mouvement Social(أكتوبر- ديسمبر 2017) - انطلاقا من سبعة مقالات مناقشة موضوع انخراط المراهقين في الحربين العالميتين التي شهدتهما أوربا خلال المنتصف الأوّل من القرن العشرين، وتعتمد في ذلك على مقاربة إسطوغرافية وتاريخية لظاهرتي" الأطفال- الجنود" و"المراهقون- المحاربون" الذين شاركوا بطريقة طواعية في المعارك.

وتستهل مانوبينيو Manon Pigno المشرفة على هذا العدد افتتاحية المجلة بالتذكير أن "ملمح الطفل / المراهق - الجندي/ المحارب"، الذي يجسّد صورة نمطية عن أشكال الانخراط في الحروب بإفريقيا جنوب الصحراء (بعد النصف الثاني من القرن العشرين) ليس غريبا عن تاريخ أوروبا، فالحديث عن "هويّة إفريقية لظاهرة الأطفال الجنود" انطلاقا من الاتفاقيات الدولية لحماية الطفولة (جنيف 1977، اتفاقيات حقوق الطفل 1989...) ليس إلا نظرة انتقائية تحصر هذه الظاهرة في مجالات جغرافية وتاريخية معيّنةدون الاهتمام بالمجالات الأخرى.

تشرح Pignot الرهان العلمي للإشكالية التي تسعى إلى فهم تأثير الحربين العالميتين على سيرورات تشكّل فئة المراهقين (13-17 سنة) انطلاقا من تحليل مشاركاتهم غير النظامية في ساحات المعارك وأشكال التزامهم النضالي.ويوضح في السياق نفسه اهتمام الاسطوغرايفا الفرونكوفونية بهذا الموضوع مقارنة مع نظيرتها الأنغلوفونية. ويبدو التأطير النظري والبحث الارشيفي وبعد الذاكرة جليا في الافتتاحية وفي بقية المقالات، فالمشاركون في هذا الملف يقاربون تاريخيا مفهوما كان في طور التشكّل( فئة محصورة بين سنّ التمدرس وقبل سن الانخراط في الجيوش) انطلاقا من سياقات تاريخية لم تلق الاعتراف الاجتماعي بها، لذا فالنصوص المقترحة، إضافة لكونها تقترح تحليلات سميائية وتاريخيا للمعاني الاجتماعية لكلمات "طفل"، "مراهق " و" قاصر"،فهي تفتح المجال من أجل فهم ظاهرة جيلية ميّزها الانخراط غير النظامي في الحربين العالميتين و"الانتساب لها".

"المراهقون – المحاربون" أو "الأطفال – الجنود" هو ملمح تكرّر بروزه أثناء محطّات العنف العسكري التي ميّزت الحربين العالميتين، لذا فالهروب من المنزل والالتحاق بالجبهة العسكرية قد يؤشّر - كما يوضّحه فيه كاتب الافتتاحية - عن مجالات اختراق الممنوع والمتمثل في رفض السلطة الوالديّة والانخراط في حياة التشّرد والقطيعة مع حالات التوازن العائلي، لذا فتساؤل المؤرخين عن كيفية اتخاذ قرار اللاتحاق بالمعركة (دور العائلة، المدرسة، الشارع، الكشافة،...) هو مساءلة لـ "جماعة جيلية" تجمع بين "العنف" و"الاندماج الوطني".

تناقش الباحثة نازان ما كسوديان Nazan Maksudyan في مستهل هذا العدد أشكال التعبئة السياسية والاجتماعية للمراهقين والشباب في الدولة العثمانية خلال الفترة الممتدة ما بين منتصف القرن التاسع عشر والحرب العالمية الأولى. وترى الباحثة أنّ بدايات تشكّل الوعي الوطني التركي في هذه الفترة قد أعاد تشكيل الهويّات الإثنية والدينية واللّغوية للأطفال العثمانيين، بحيث مثلت هذه الفئة المتعدّدة سيوسيولوجيا رهانا أساسيا "للنضال الوطني". وتستند الباحثة في تحليلها لظواهر التعبئة الموجّهة للمراهقين على مقاربة تاريخية "لـلشارع" بوصفه مجالا للتدريب على الحرب بالنسبة للجنود الصغار، و"الكشافة" لدورها في التدريب البدني وشبه العسكري وملف "دور اليتامى" الذين فقدوا أولياءهم أثناء الحروب التي شهدتها آىسيا الصغرى، وقد مثّل أرشيف الشّرطة وتقارير التنظيمات الشبابيّة مقومات هذه الدراسة الموثّقة.

أمّا مانو بينو Manon Pignot فتقترح مقاربة أنثروبولوجية وتاريخية من أجل تحليل ظاهرة " المراهقين- المحاربين" الحاضرين في الصوّر الفوتوغرافية والغائبين على مستوى الأرشيف الرسمي، وتنحو مقاربته في اتجاه تحليل "الرغبة في المشاركة في الحرب عند هذه الفئة" ورمزيتها بناء على تحليل مسارات بيوغرافية لعيّنة من المراهقين. وتمثل مؤشرات "الترخيص العائلي للمشاركة في الحرب" و" تساهل المحاربين في جبهة القتال مع هذه الفئة" مجالين لتفكيك معانى الانخراط ذات الأبعاد السيوسوثقافية المرتبطة بتشكّل الروح الوطنية، وبدور المدرسة والعائلة والبحث عن الثأر وحبّ المغامرة والبحث عن تقاسم الغنائم بعد الفوز.

وتناقش أولقاكيرشنكو Olga Kucherenko "مفهوم الطفولة الاجتماعية" ومسار تحوّله عندما تحلّل المسارات البيوغرافية "للأطفال- الجنود" الروس والسوفيات، بحيث تسلّط الضوء على ظواهر سيكولوجية وسوسيولوجية (التفكّك العائلي، توسّع ظاهرة التشرد، ضعف معايير الرقابة) اعتمادا على تحليل أرشيف يهدفه ادراك مظاهر التعبئة السياسية والأيديولوجية للمؤسسات السياسية. وترى الباحثة أنّ لحظة الانخراط تجعل من الطفولة / المراهقة / القُصّر مفاهيم عاجزة عن استيعاب ظرف تاريخي ميزته العنف.

ويمثل "الأطفال - الجنود" الإسبان الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الاتحاد السوفياتي صورة أخرى عن وضع هذه الفئة في ظل حالة اللاستقرار التي شهدتها إسبانيا خلال ثلاثينيات القرن الماضي، فالباحثة فيرونيكا سييرا بلاس Verônica Sierra Blas تعتمد على شهادات الناجين من هذه الحرب (الرسائل، المذكرات الشخصية، الجرائد، الأرشيف العائلي...) لإعادة كتابة رمزية انخراط هذه الفئة إلى جانب السوفيات في هذه الحرب، وتعتبر مشاركتهم فيها امتدادا لرفض الوضع الديكتاتوري في إسبانيا واعترافاً بالدور الذي قامت به الاتحاد السوفياتي عند استقبالهم وتوفير الحماية لهم.

أمّا ليزا بين Lisa Pine فتعيد مساءلة تاريخ الأطفال الجنود في الحرب العالمية الثانية من خلال التركيز على حركة الشباب النازي (1922- 1945) التي لعبت دورا هاما في تأطير الشباب والمراهقين وتعبئتهم. وتحلل الباحثة مسار تحوّل "الأولاد" إلى مجموعات شبابيةعسكرية أوكلت لهم مهمة الدفاع الجوي، وتناقش في ذلك دور مؤسسات التعبئة الأيدولوجية والطوباوية والخطابات والتنظيمية في صناعة "المرهقين- الجنود" النازيين.

وفي السياق نفسه، تقترح أورور فرانسوا Aurore François موضوع تعامل القضاء العسكري والمدني في بلجيكا مع المراهقين والشباب الذين ساندوا ألمانيا وقدموا لها المساعدة أثناء الحرب العالمية الثانية. واستنادا إلى تحليل الأرشيف القضائي، تفكك الباحثة قضايا "خيانة الوطن" و"السلوكات غير الوطنية للمراهقين والشباب"مع اهتمام خاص بالمجالات التي قدمتللمحاكم ذات الصلة بـ"حركة الشباب المتعاون مع ألمانيا"، وترى في ذلك أنّ أحكام "العقاب" (المحدودة) و"الحماية" (إعادة تأهيل هذه الفئة وتربيتها) تعكس جانبا من الرهانات القانونية والمؤسساتية التي تحاول الابتعاد عن ممارسات الثأر والبحث عن الانخراط في المشروع الوطني.

يثري هذا العدد من مجلة Le Mouvement Social النقاش الذي تفتحه مجلة إنسانيات حول المراهقين بين ضفتي المتوسط، كما تبين أهمية المقاربات التاريخية في فهم سياقات تشكّل مفهوم المراهقة، فالظروف الثورية المرتبطة بالعنف أو حروب التحرير لا يمكنها أن تستثني هذه الفئة، بل قد تجعلها تُغيّر من هويّها العمريّة لنتخرط في مشروع أوسع يعطي لها أدوارا جديدة. مساءلة معنى السلطة الوالدية في زمن الحرب، معنى العمر الاجتماعي عندما لا يكون ذلك مرتبطا بإلزامية التمدرس في سن محدّدة، وتحليل حالات الهروب من البيت العائلي للالتحاق بالجبهة العسكرية والتشرّد زمن الحرب، هي صور ذات طبيعة دينامكية تبيّن أنّ هذه الفئة هي بناء اجتماعي وتاريخي وليست مجرد معطى اجتماعي وقانوني .

فؤاد نوار


 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche