الرّواية النّسوية المغاربيّة المعاصرة المكتوبة باللّغة العربية: رهانات الكتابة والتلقّي


انسانيات عدد 82| 2018 |النصّ الروائي : فضاء و هويّة| ص35 -40| النص الكامل


 


Fouzia BOUGHANJOUR: Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle - Crasc - Oran, Algérie.


تتميز الرواية المغاربية بغناها من حيث اللغة التي تبدعبها، حيث مثلت الكتابة باللّغة الفرنسية أولى المحاولات الروائية، وظهرت لاحقا الكتابة باللغة العربية مع ما يميّز ظروف ظهوره ومسارها المختلف عن مثيلتها باللغة الفرنسية. إنّ إشكال الهوية والتعدّد تبرزه أيضا الروايات المكتوبة باللّغة الأمازيغية التي تزداد حضورا مع الوقت، وتبحث لنفسها عن مكانة مناسبة للقول و الإبداع. يحيل هذا الغنى إلى إشكالات مرتبطة بالهوية والمضامين وسياقات التّلقي والنشر والعلاقة بالآخر.

وقد اخترنا في رسالة الدكتوراه العمل على الرواية النسوية المكتوبة باللغة العربية التي اكتمل نضوجها وحققت تراكما كميا ونوعيا –بخلاف الرواية النسوية المكتوبة باللغة الأمازيغية مثلا-، ورغم ذلك فإن حظها من الدراسة مازال محتشما لاسيما عربيا، على خلاف الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية التي وجدت لها جمهورا واسعا وباحثين متخصّصين أسست لحضورها في فرنسا نظرا لاستعمالها اللغة الفرنسية.

وفي هذا السياق جاءت دراستنا المقدّمة لنيل درجة الدكتوراه لتطرح إشكالا رئيسا يتعلّق بالبحث في مدى وجود ميزة تتفرّد بها كتابة المرأة عن كتابةالرجل. فغالبا ما يقارب النّص الذي تكتبه المرأة انطلاقا من إشكالين رئيسين، يتعلّق الأوّل بمضمون وتيماته النّص المُنجَز، ويتعلّق الإشكال الثّاني بالمصطلح أو التّسمية الأنسب لتوصيف هذا المُنجَز، فالإشكال الأوّل يُثار انطلاقا من المعايير التي يستعملها النّقاد في دراساتهم لهذا النّص، إذ يغلّب ارتباط هذه الدّراسات بالرّاهن الاجتماعي /السّياسي توصيفا ت بعينها تستعير المفاهيم المتعالقة مع هذا الرّاهن بدل المفاهيم النّقدية الجمالية، ويرتبط الإشكال الثّاني المتعلّق بالتّسمية بالإشكال الأوّل، فقبول ورفض المصطلحات احتكم إلى التوجيهات الخارجية المفروضة على هذه الكتابة فيشكل "التزام"، ماجعلها فيالغالب موضوع تحدٍّ و تجاذب للأفكار والمقولات السّياسية /الثّوريّة /التّحررية وغيرها.

وقد تفرّعت عن هذا الإشكال العام أسئلة كثيرة يتركّز جزء منها على اللغة وميزتها جماليا مقارنة بما يكتبه "الرّجل" والمصطلح الأنسب لتوصيف كتابة المرأة، ويعالج الجزء الآخر التيمات البارزة التي قدّمتها الروائيات المغاربيات لاسيما في رسم الذات النسوية وتشكّلها بالمقارنة مع "الآخر".

اعتمدنا المنهج التاريخي في الجانب الذي تناول تاريخ الرواية النسوية المغاربية، كما اعتمدنا المنهج الاستقرائي النقدي في المباحث التي تناولت القراءة النقدية العربية للمنجز الروائي الذي تكتبه المرأة، أمّا في الجانب التطبيقي للدراسة فقد اعتمدنا المنهج التحليلي في قراءتنا للنصوص الرّوائية المختارة.

وقد توزعت الدراسة على أربعة فصول، اعتمد الفصل الأول المقاربة النظرية لكتابة المرأة منخلا لا لوقوف على أبرز القراءات النقدية العربية التي تناولت هذه الكتابة، وعرضنا أهم المصطلحات والتسميات التي اقترحتها. وانتهجنا المقاربة التاريخية التي تبحث في تشكّل الرواية المغاربية المكتوبة بالعربية والمراحل التي مرّت بها في تطوّرها ومن ثمّ الصعاب التي اعترضتها ، حيث شكّل كلّ ذلك إضاءة للظروف التي تشكّلت فيها الرواية المغاربية التي تكتبها المرأة، والتي مهّدت لظهور أوّل الأعمال الروائية بقلم امرأة.

وفي الفصل الثاني قمنا بمساءلة القراءات النقدية العربية التي تناولت الكتابة النسوية، وحاولنا الوقوف على أهم الانتقادات التي وُجّهت للغة العربية ودعاويت حيّزها الذكوري. وأبرز آراء النّقاد وتمثيلهم لصور "الآخر" في النّصوص الروائية النسوية العربية.

أمّا في الفصل الثالث فانتقلنا إلى الجانب التطبيقي حيث صنفنا المدونات وأبرزنا أهم الروايات التي اعتمدت السرد بضمير"الأنا" وبحثنا عن مدى ارتباط ذلك بسيرة الكاتبة الذاتية، والأخر ىالتي عدّدت ونوّعت في ضمائر السّرد، وبحثنا في أهم المناحي الجمالية التيار تبطت بهذا التنويع. وفي مرحلة أخرى تتبّعنا الصور الفنيّة التي قُدّمت بها الذّات النّسوية والآخر/الرّجل، وبحثنا في أهمّ آليات البناء والهدم الفنّي لهذه الصّور وعمليات إبدال الأدوار/التراتبية القيمية التي كرّستها هاته النّصوص.

وفي الفصل الرّابع تتبعنا السمات الفنية والتقنيات التي ميّزت الرواية النّسوية المغاربية، حيث حلّلنا النّصوص التي طغت عليها الكتابة بالجسد واستقرأنا ميزة هذا الاختيار والبناء الفني الذي أُخرِ جفيه، وماهي تمثّلات الآخر/المتلقي عن الجسد الأنثوي وحاولنا الوقوف على أهمّ مميزات السرد النّسوي المغاربي، حيث ركّزنا على الجانب الفني والبناء اللّغوي.

تكونت مدونة البحث من ثمانية عشر نصا روائيا، وقد ركزنا في اختيارنا لمدوّنة البحث على انتقاء الأعمال الروائية التي تمثّل نموذجا لرواية المرأة المغاربية، فاخترنا التوجّه لأديبات المغرب العربي بأقطاره الثّلاث: الجزائر- المغرب- تونس، وقد حصرنا دراستنا في هذه الأقطار نظرا لتحقيقها كمًّا من التراكم النوعي على مستوى الأسماء أو عدد الرّوايات، إضافة إلى المواصلة على مدى مراحل زمنية مختلفة منذ ظهور أوّل رواية مغاربية نسوية وإن اختلف ذلك من قطر لآخر، فلا يزال المغرب يمثل طفرة في تقديمه للروائيّات سواء من حيث الأسماء أو عدد أعمال الروائية الواحدة، وقد ارتأينا أن تكون الأعمال المختارة حديثة النشر حتى نستطيع الوقوف – قدر الإمكان- على ما حقّقته الروائية المغاربية في إبداعها.

كما أولت دراستنا أهميّة لاختيار النصوص التي يبدو مستواها الفنّي مقبولا كحدٍّ أدنى دون التفاتٍ لظهور أوخفوت الخطاب النسوي، وتجاهلنا النصوص الضعيفة فنيا. كما حاولنا توزيع الأعمال على أقطار المغاربية الثّلاث بالتساوي قدر ما تسمح به الدراسة، وبالقدر الذي يعكس التنوّع الموجود في هذه الأعمال، باعتبار أنّ التنويع في مصادر الدراسة يتيح أمام الدارس فرصة المقابلة والمقارنة واكتشاف مواطن الائتلاف والاختلاف. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّنا لم ندرس كلّ رواية على حِدة دراسة كاملة، بل عملنا على التركيز على الملمح البارز في كلّ رواية . ولذلك تناولنا رواية "عام الفيل" لليلى أبوزيد من المغرب رغم قدمها نسبيا –نشرت سنة1983م- مقارنة بمدونة البحث التي فضلنا أن تكون من الإنتاج الروائي المعاصر، ولكننا آثرنا تقديمها لتحقيقها للاختلاف النوعي في مقاربة موضوعات معينة، كما أدرجنا ضمن متن الدراسة ثلاثية أحلام مستغانمي والتي نعتبرها محطّة مهمّة في تطوّر رواية المرأة واشتغالها على اللغة، ولأنّ الكثير من الدراسات اشتغلت عليها، فقد اكتفينا بالرجوع إليها في معرض البحث عن التنويع لدى الكاتبة وركّزنا على روايتها الجديدة  "الأسود يليق بك". وكذلك رواية "نخب الحياة" لأم المختار فقد استصحبناها في دراسة التطوّر الحاصل في تناول رواية المرأة المغاربية لموضوعة "الآخر"، ومقارنتها مع ما قدّمته رواية الرجل، ولكنّنا لم نركّز عليها نظرا لتناولها من قبل دارسات كثيرة. أمّا روايات فضيلة الفاروق –ورغم تناولها من قبل دراسات كثيرة- إلاّ أنّنا ركّزنا عليها لإهمال غالبية الدراسات التي وصلتنا للجانب الفني اللغوي وتركيزها على الخطا بالذي تقدمه فضيلة الفاروق في أعمالها، وهو ما حاولنا معاكسته.

وقد شُغِلَت هذه الدراسة بها جس أساسي هو الوعي بضرورة مقاربة رواية المرأة كنص روائي ترتبط أهميّته بكيفية تشكّل بنائه الفنّي ومستوياته اللغوية، حيث تتجاوز الدّراسة سياقات النّص بالقدر الذي لا تقتلعه من مرجعتيه وبيئته من جهة، ومن جهة أخرى لاتصل أهميّة سياق النّص الخارجي لدرجة اعتباره مرآة عاكسة للواقع، كما تحفظ هذه المقاربة للنص خصوصيته كنتاج أدبي لا يمكنا عتباره -بحال- مجرّد خطاب يندرج في جملة الخطابات المناضلة في سبيل تحصيل حقوق المرأة أو المطالبة بتحرّرها من خلال رفع الشعارات السياسية والجهر بالمبادئ المذهبية، فانتماؤه لفن الرّواية يحيله على جملة من المفاهيم التي تحكم الإبداع والتي تنأىبه عن المباشرة و التّقرير والإفصاح. و تنحو به نحو تقديم حبكة فنيّة تتتبّع مصائر الشخصيات واشتباك أفكارهم وتعارك مبادئهم وتوجّهاتهم ضمن زخم من الأحداث التي تشكّل محرك السّرد، وتصنع ميزة و تفرّد العمل الروائي.

توصلنا في نهاية البحث إلى مجموعة من النّتائج التي شكّلت بدورها أسئلة نطمح لمقاربتها وتتعلق بما لاحظناه من وجود تيما تبعينها تتكرّر في أغلب المقاربات النّقدية للمنجز النّسوي، فالتّيمة البارزة التي شكّلت عماد عديد القراءات النّقدية هي تيمة "القهر" التي ظلّت لوقت قريب تمثّل اللّبنة الأساسيّة لأيّ مقاربة للمنجز النّسوي، حيث تكرّست مجموعة من الثّنائيّات النمطية. وهذا يطرح سؤالا مهمّا عن علاقة الرواية النسوية بالتلقي والدّراسة النّقدية المتخصّصة والبحوث الأكاديميّة وكذا وسائل التّواصل الاجتماعي التي باتت عاملا مهمّا في تسويق وتقديم النّصوص الروائية، ومؤشرا على حجم التلقي والتفاعل مع النص.

أمّا من ناحية المضامين فنلاحظ أنّه برغم التّنويع في مضامين الرّوايات النّسوية المغاربيّة إلاّ أنّها أهملت مواضيع لصيقة بالمرأة وبتجربتها الخاصّة، كتجربة الأمومة وما يتعلّق بها من انفعالات كانت ستُغنِي المتن الرّوائي النّسوي المغاربي وتقدم للمتلقي صورا مختلفة عما هو مألوف باعتبار اختلاف التجربة والرؤية.

أمّا من ناحية البناء الفنّي واللغوي، فإنّ الملاحظ أن الكثير من النصوص السرديّة النسويّة تتفتّح على عوالم المرأة حين تمتزج اللّغة برقّة المرأة وتمتحمن شاعريتها، فتقترب من العالم الخاص والحميمي للمرأة لتزيد مُتعة تنصّتنا على أفكارها وهواجسها العميقة وتعرّفنا بدواخلها، إذ استطاعت هذه النّصوص أن تروي عطش المتلقّي ليغرف شيئا مختلفا، ينبُع اختلافه من فطرة كاتبته وعوالمها. إنّ هذا الاختلاف في تلقّف التّفاصيل والتقاط الدّقائق والرّقائق وفقرؤية مُغايرة هو مايطرح فرضية تميّز هذا الأدب وكيف يمكنه إثبات حضوره كإضافة تثري التجربة الروائية عموما .فالتّراكم الكمّي والنّوعي الذي تحقّق بإمكانه اقتراح مقاربات جماليّة ونقديّة تفترض مُنطلَقات أُخرى، وتنوّعات أكثر في القراءات المحتمَلَة تماشيا معتنوّع وتعدّد هذا المنجز نفسه.

وفي العموم يمكن إثبات ملاحظتين هامّتين هما:

  • أنّ أغلب الدّراسات التي عالجت كتابة المرأة الروائية العربية أهملت إلى حدّ كبير كتابة المرأة المغاربية ولم تأخذ بالاعتبار تزايد عدد الروائيّات وإنتاجهن.
  • أنّ الحديث عن تحقيق تراكم كمّي ونوعي، لا يشمل كلّ أقطار المغارية، فإذا كانت صورة مشهد الإبداع النسوي المغاربي تبدو مكتملة في المغرب، فإنّها في أقطار أخرى –ليبيا مثلا- لازالت غير واضحة المعالم، كما لم نسمع عن رواية كتبتها امرأة في موريتانيا، في ما لازالت الكاتبات في الجزائر يعانين من مشاكل النشر ولم تصل إلى ما حقّقه المغرب في تقديم أسماء كثيرة لروائيات يتابعن الكتابة والإبداع. أمّا تونس فتقف في منزلة وسط تقترب ممّا تحقّق في المغرب.

آفاق البحث

يفتح هذا العمل لنا المجال لمواصلة البحث من خلال إنجاز إلى إنجاز دراسة راهنة وشاملة للرواية النّسوية المغاربية المعاصرة تقارب إشكالات محورية هامة متعلقة بإنتاجية النّص الروائي النسوي من جهة، ومتعلقة من جهة ثانية بإشكالية التلقي، كما سنركّز على ما كُتب في العقد الأخير والذي سار بوتيرة سريعة أدى إلى تراكم كمي لنصوص كثيرة جدّا وراكم نصوصا كثيرة من حيث الكم، ليبق ىسؤال لكيف مطروحا في غياب دراسات إحصائية وتحليلية لما أنتج مغاربيا وهو ما نطمح مستقبلا لإنجازه.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche