دور البعد العمراني في تقييم جودة الحياة من منظور الاستدامة الحضرية بالمدينة الجديدة علي منجلي- قسنطينة


إنسانيات عدد 93، جويلية – سبتمبر2021 ، ص. 15-45


 


أمينة بن عميرة: Université de Constantine 3 Salah Boubnider, Constantine, 25 000, Algérie

مسعود عيش: Université de Constantine 3 Salah Boubnider, Constantine, 25 000, Algérie

فؤاد بن غضبان : Université Larbi Ben M'Hidi, Oum El Bouaghi, 4 056, Algérie


تعد تنمية الأوساط الحضرية وتطويرها من أهم التحديات العالمية الحالية التي ارتبطت بعديد البحوث المتعلقة بمفهوم جودة الحياة الذي ظهر مع ميلاد التنمية المستدامة؛ فمعظم الدول المتقدمة وصُناع السياسات ومختلف الجمعيات الدولية تعمل باستمرار في البحث عن المنهجيات والطرق التي تسمح بالقياس والتقييم للتوصل إلى نتائج جيدة تعكس متغيرات الحالة الاجتماعية، الاقتصادية، النفسية، العمرانية، البيئية، الصحية، الثقافية... للسكان المقيمين في الوسط الحضري، وهذا باستخدام عديد "المعايير والمؤشرات التي تمكننا من تحديد الوضع الحالي ووضع رؤية للتنمية ومتابعة تنفيذها" (Mohamed Mostafa, 2012, p. 269)، تواجه المدن فحاليا الجزائرية القائمة والجديدة منها؛ كغيرها من المدن التي تخطت تحديات التنمية الحضرية المستدامة رهانات مختلفة الأبعاد تقوم على تداخل الفعل البيئي، الاقتصادي والاجتماعي الذي يسمح بتحقيق محيط حضري ملائم كفيل بالارتقاء بجودة الحياة بها.

تمثل المدينة الجديدة علي منجلي الوسط الحضري بامتياز والذي ينبغي البحث والحديث فيه عن مدى تحقيق الاستراتيجيات الحضرية الجديدة بقسنطينة كإطار حياتي ملائم لساكنيها؛ والذي طالما عانى من أزمة سكنية خانقة وركود في المشاريع الاقتصادية والاجتماعية بالمدينة الأم قسنطينة. إنَّ إنجاز كم كبير من السكنات بالمدينة الجديدة علي منجلي باختلاف صيغه لم يعرف مرافقة تجهيزية على مستويات مختلفة لعديد القطاعات، ما أثر في الديناميكية الحضرية فيها؛ التي تميزت بعدم التوازن بين متطلبات السكان والوظائف الأساسية التي أنجزت لسير الحياة الحضرية العادية كالمدارس، التجارة، المستشفى وتهيئة الطرقات الأولية والثانوية، مع تسجيل نقص في العديد من الوظائف الحضرية بالمدينة التي حددها مخططها العمراني كتهيئة المساحات العامة والمساحات الخضراء وبعض التجهيزات الخدمية والنقل، والذي انعكس على نوعية الحياة المقدمة للسكان. وعليه، يكون البعد العمراني كفيلا بإيجاد جودة حياة ملائمة وفق أهداف ومؤشرات التنمية الحضرية المستدامة، وهذا ما نحن بصدد دراسته بالمدينة الجديدة علي منجلي.

من هذا المنطلق تتبلور إشكالية هذا البحث المتعلقة بتقييم جودة الحياة بالمدينة الجديدة علي منجلي وفق التساؤل الآتي:

ما هو مستوى جودة الحياة بالمدينة الجديدة علي منجلي كوسط حضري حديث النشأة من خلال مؤشرات البعد العمراني؟

لكن قبل ذلك، لا بد من تقديم بعض المفاهيم المرتبطة بجودة الحياة بالوسط الحضري والاستدامة الحضرية:

مفهوم جودة الحياة

ارتبط ظهور المفهوم الأول لجودة الحياة الحضرية في بداية القرن 19 بالثورة الصناعية التي أحدثت تحضرا متسارعا كانت له عواقب سلبية على المدن، أهمها "تلوث المساكن العمالية وتدني نوعيتها من حيث المساحة الداخلية والتهوية، انعدام المساحات الخضراء، تمايز اجتماعي ومظهري عمراني ما بين أحياء المدينة وتدهور المراكز الحضرية" (et Sénécal, 205, p. 20 Hamel Vachon,). فمع الاهتمام بالانشغالات الصحية لمنتصف القرن 19 بدأت المدن الأوروبية معالجة أوساطها عن طريق عمليات التجديد الحضري الواسعة "التي عرفت عديد الانتقادات من قبل العمران التقدمي الذي استنكر المشاكل الصحية للفناءات الداخلية للسكنات المجزأة (ilot) التي تفتقد للتهوية والتشميس وتراص المباني" (Choay, 1965,p. 447). وتزامنا مع نهاية الحرب العالمية الثانية ظهرت تحولات جذرية لمتطلبات الحياة في المدينة التي عملت على تحسين مستوى المعيشة لأغلب الفئات الاجتماعية المهنية، "وفيها بدأت المدينة تلتمس ظهور جودة الحياة كمفهوم شامل في صناعتها والتي تستجيب للوظائف الأربع (السكن، العمل، التنقل والتنزه) بغرض توفير الراحة النفسية للأفراد" (Barbarino, 2005, p. 48).

تواصل العمل بمنهج العمران الوظيفي، ليلقى في أواخر السبعينات بعض الانتقادات وبروز توجهات جديدة للمفهوم العالمي الجديد للتنمية المستدامة الذي مس كل ميادين الحياة والذي أخذ حيزا كبيرا من الأهمية في الحوارات والخطوات التطبيقية لتسيير الحياة الحضرية، التي سعت إلى تحقيق جودة حياتية بالمدُن وتحسين الإطار المعيشي بغرض القضاء على الفوارق والتمايز الاجتماعي. كان مؤتمر قمة الأرض بــ "ريو دي جنييرو" سنة 1992 خطوة جديدة لبداية تبني مشروعٍ حضريّ رُسمت مبادِئه في جدول أعمال القرن 21 وفُصلت خطواته وأهدافه في عديد الندوات لبرنامج الأمم المتحدة المعني بالإسكان والتنمية الحضرية المستدامة) الموئل 1 سنة 1976، الموئل 2 سنة 1996 والموئل 3 سنة 2016). من هنا، يبدو واضحا أن هاته الأهداف المنشودة تتماشى مع الاستراتيجيات المسطرة لميلاد المدن الجديدة التي أعطيت لها الفرصة لتـفادي أخـطاء ومشاكل المدن القائمة والمعاشة، ومنه ظهور مصطلح "الجودة الحياتية والبيئة المعيشية"، حسب تصور الباحث التاريخي Loic Vaderlorge (Vaderloge, 2014, p. 335).

كما يعتبر ميثاق آلبورق لسنة 1994 ميثاق المدن الأوروبية هو الآخر بمثابة نقطة الانعطاف نحو عمران جديد يقوم أساسا على مقومات التنمية الحضرية المستدامة "التي تولي أهمية لأنماط العيش المستدامة التي تسعى إلى تحقيق جودة في الحياة الحضرية" (Emalianoff, 2001). وعليه تكون جودة الحياة في الوسط الحضري مشروطة بتحليل عوامل موضوعية قابلة للقياس مثل المظهر المورفولوجي الحضري والوضعية السوسيو اقتصادية، وأيضا عوامل ذاتية (نوعية) مرتبطة بالقيم، الإدراك والتصور مثل ما يوضحه  Kevin, Lynch Jacobs" معتبرًا أن العناصر التي تحدد شروط الحياة اليومية للسكان والشكل الحضري تتوقف على إدراك كل فرد لبيئته الخارجية" .(Vachon, Sénécal et Hamel, 2002, p. 21)

جودة الحياة في تصور التخصصات العلمية المختلفة

يشكل مفهوم جودة الحياة من المنظور العلمي حلقة مشتركة بين عديد العلوم والتخصصات، من حيث تحليله ومكوناته وأهدافه التي تبدو متحركة ومتغيرة من موضوع إلى موضوع ومن تخصص إلى آخر. لهذا ينبغي تبيين أهم ما قيل وكتب عن مفهوم جودة الحياة وتوضيحه. اهتمت مدرسة شيكاغو لسنوات 1920 ــــ وعلى رأسها Robert Park, Ernest Burgess, Roderick Mckenzi et Louis Wirth Grafmeyer  وJosephـــ بالجانب الاجتماعي للمدينة، مع التركيز على المناهج التجريبية كالملاحظة الموضوعية للواقع الاجتماعي وسلوك الأفراد داخل بيئتهم الحضرية وكيفية دمج تطلعات السكان لعديد القضايا التي تمسهم كالنقل والتنقل وتأثير الإطار الحضري وممارسات السكان في نوعية الحياة وجودة الحياة الحضرية؛ بينما المختصون في علم الاقتصاد يحاولون ربط مفهوم جودة الحياة بمؤشرات دقيقة. وفي هذا الإطار نجد Merrian (1968) الذي أوضح أن قيمة الضرائب وتوزيعها بالبلدان المصنعة تعطي أفضل مقياس لرفاه الأفراد، بينما يرى Singer (1972) أن المؤشر القاعدي لجودة الحياة هو الحصول على دخل مالي كبير بعد تسديد كل النفقات اليومية وتوفر كل الظروف الملائمة لصرفها (Toblem, 1995, p. 88).

أما من وجهة نظر الفيلسوف الكندي S. Mcall  (Storss, 1980)فإن جودة الحياة تكون مبنية على اعتبارات ذاتية غير موضوعية مرتبطة أساسا بالقبول والاطمئنان لدى الأفراد، حيث تكون أحسن طريقة لتقييم هذا المفهوم الشاسع هو قياس مقدار السعادة في المجتمع بما يتوفر عليه الوجود من شوارع نظيفة وآمنة وهواء نقي، وتوفر تكنولوجيات الإعلام والاتصال ويرتبط ذلك بشكل دقيق مع متطلبات السعادة العامة General Happiness Requirements  ومتطلبات السعادة الفرديةIndividuel Happiness Requirements .  بينما توضح دراسات العلوم النفسية من خلال الباحث النفسي الأمريكي ماسلو (1954) وسُلمه الهرمي الذي يحدد فيه احتياجات الفرد لبلوغ جودة الحياة والتي تتنظم وفق 05 مستويات متسلسلة ومترابطة (حاجات فيزيولوجية، حاجات أمنية، حاجات اجتماعية، الحاجة للتقدير والحاجات الذاتية)، حيث أن الانطلاق في تحقيق الحاجات يبدأ من قاعدة الهرم وأنه لا يمكن المرور إلى المستوى الذي يعلوه دون الحصول على الإشباع من الحاجيات التي تسبقه (Roudés et Tap, 2008). ونظرا لبروز توجهات جديدة للمدينة المستديمة اهتم كل من (Blumenfeld, Perloff, 1969) (Guermond et Mathieu, 2001, p. 75) بدراسة أهم العناصر المرتبطة بالبيئة الحضرية والتي أثرت على المدينة الصناعية كالتلوث والاختناق المروري، والتي كان لها انعكاس مباشر على جودة حياة الأفراد التي تتعلق أساسا بإطار حياة السكان مؤكدين على سهولة الوصول للخدمات والمرافق والكثافة السكنية التي تلعب دورا فعالًا في تحديد عوامل تحسين شروط السكن. أما بالنسبة للبعد الجغرافي فهو يتضح من خلال البحوث الجغرافية (Bailly A, 1981, p. 239) التي تناولت هذا المفهوم، ولعل أهمها بحث A. Bailly سنة 1981 حول "جغرافية الرفاهية la géographie du bien être" والتي أوضحت فيه أن جودة الحياة ليست عبارة عن معطيات رقمية وإحصائية وإنما هي صورة لواقع معاش تكون متطلبات السكان والأفراد فيه هي الأهم، وأن حالة الرفاهية والقبول هي عبارة عن العلاقة القائمة بين الفرد وحالة الرفاهية، وهي ترجمة ذاتية غير موضوعية لنوعية العلاقات المتشابكة بين الأفراد والمحيط المجالي الاجتماعي.

طرق قياس جودة الحياة

إن تحديد معايير قياس مفهوم جودة الحياة متغيرة باختلاف مظاهر البحث فيه سواء تعلق الأمر بقياس مؤشرات إحصائية دقيقة )مؤشرات كمية( ومقارنتها يستعين بها الجغرافيون الحضريون غالبًا لقياس جودة الحياة، أو قياس معايير ذاتية تكون محور اهتمام البحوث المرتبطة بالعلوم الإنسانية. وقد أكد كل من Rogerson وNatalia Barbarino وآخرين في بحوثهم على ضرورة تفعيل البعدين الذاتي والموضوعي من خلال تكوين حزمة من المؤشرات الخاصة لكل بعد، حيث أن تحديدها يصنع الفرق بين كل اختصاص علمي (Barbarion, 2005, p. 39).

المقاربة الموضوعية (مؤشرات كمية)

تعتمد على تحليل كمي للمؤشرات التي تكون قابلة للقياس والملاحظة (بن غضبان، 2015، ص .52) لخصائص شروط البيئة الحضرية المعاشة (توزيع المرافق، سهولة الوصول إليها، استفادة السكان من مزايا المدينة، تركيبة عمرانية تضمن تعدد في الوظائف الحضرية...)، لتقارن مع معايير محلية، إقليمية وعالمية من أجل تقييم جودة الحياة.

المقاربة الذاتية (مؤشرات نوعية)

تكون مؤشرات هذه المقارنة غير دقيقة، فهي لا تملك مرجعا معياريًّا. تحليلها يستند إلى تقييم نوعي يقوم على قياس الاستقلالية، الإنتاجية، الاندماج في المجتمع ودرجة رضا الفرد للحياة (Shalock, 1993, p. 139) ؛ إذ عليه يكون للاستبيان والمقابلات الشخصية دور مهم في تحديد المؤشرات النوعية التي تساعد الفرد في تقييم البيئة المتواجد بها والمتعايش معها.

المقارنة بين المقاربتين

تعتبر المقاربتان مكملتين إحداهما للأخرى من أجل تحليل جودة الحياة في الأوساط الحضرية، إلا أن العامل الزمني في البحث يعتبر فاصلا مهما في تحديد الفرق بين انتهاج المقاربة الموضوعية التي تستغرق وقتا أطول لجمع المعلومات، تحيينها ومعالجتها، حيث تكون هاته المقاربة شاقة ومتعبة للباحث، على عكس المقاربة الذاتية التي تقوم أساسا على إعداد استبيان موجه للسكان أو أي جهة أخرى، وفيها يقوم الباحث بتحليل الظواهر المحددة لمستويات جودة الحياة المدركة من طرف السكان وتفسيرها. وعليه، فإن بحثنا هذا سيعمل في منهجيته على تحليل المقاربة الذاتية باعتماد مؤشرات نوعية يمكن تكميمها من خلال الاستبيان الممثل لمجتمع الدراسة.

تباين المقاربات والمنهجيات وفق التخصصات العلمية

أسهمت عديد الدراسات العلمية المتناولة لموضوع جودة الحياة في الوسط الحضري من تحديد وجهات نظر مختلفة ومتقاربة في تشخيص هذا المفهوم بمكوناته المادية والمعنوية وتحديد طرق تقييمه وقياسه. اشتركت الدراسات فيما بينها على مبدأ العمل بالمؤشرات الحضرية لتحديد جودة الحياة وتقييمه من خلال مقاربة التحليل الموضوعي والتحليل الذاتي، واختلفت في تحديد درجة أهمية كل مقاربة. نجد مثلا دراسة  (Findlay et Eva, 1991) Eva Lelévier, Allan Findlayقد اعتمدت على قياس جودة الحياة في المناطق الحضرية البريطانية بتفعيل منهج المقاربة الموضوعية والذاتية معا مع طرح بعض الإشكال في تحديد هذا المفهوم من ناحية وصفه، قياسه ومستوى مقياس تطبيقه بسبب غياب القياسات التجريبية السابقة له. طُبقت الدراسة على مستويين؛ التجمعات الحضرية الكبرى والمدن المتوسطة من خلال استجواب السكان لأهم الأبعاد الضرورية لجودة الحياة وكانت في مقدمتها (الجرائم، توفر الخدمات الصحية، مستوى التلوث، تكلفة المعيشة، توفر التجارة....)، والتي خلصت إلى أنه لا يوجد توافق في تصنيف جودة الحياة بسبب غياب عديد المعلومات الحضرية لديهم وعدم إمكانية تطبيق بعض المؤشرات في مناطق مختلفة لعدم تواجدها في المنطقة. على عكس دراسة الباحثة الجغرافيةZanin Tobeleme (Tobelem, 1995) التي ركزت أكثر على أهمية المقاربة الموضوعية لتبيين الفوارق الحضرية الداخلية لجودة الحياة بالمدن الفرنسية، وفيها توصلت الدراسة إلى تحديد مفهوم جودة الحياة أنه حالة للظروف المعيشية للسكان في المناطق وفق ثلاثة أبعاد أساسية قابلة للقياس كَماً وهي: نمط الحياة الذي يعبر عنه بالحاجات المختلفة للأفراد وفق السلوك المتبع لنمط المعيشة ويرتبط بالعمر، الإمكانيات السوسيو اقتصادية واستهلاك المحيط، وكذا مستوى المعيشة الذي يكون مرتبطا بالقدرة الشرائية للفرد؛ وأيضا إطار الحياة الذي يستجيب للمتطلبات الوظيفية، النوعية والبيئية ويلبي الاحتياجات التجارية اليومية، الوصول للخدمات والمرافق والمساحات الخضراء وسهولة التنقل، وعليه، يكون هناك إطار حياتي ممتع للعيش. دراسة الباحث المصري محمد أيمن مصطفى(Mohamed Mostafa, 2012)  لمؤشرات جودة الحياة في المناطق التراثية العمرانية بشارع قصر النيل بمصر تعطي تعريفا واضحا لجودة الحياة الذي يكون نتيجة التفاعل بين الحالات الاجتماعية، الاقتصادية، البيئية والعمرانية (الإنشائية) التي تؤثر في الإنسان، وهي تشمل معايير كمية ونوعية على مستوى الفرد بالرضا عن الحياة والشعور بالسعادة... .وعلى مستوى المجتمع تكون بالقدرة على المشاركة، التأثير ومقدار الارتباط بين الفرد والمجتمع. وعليه خلص البحث إلى تكوين نموذج لدراسة المناطق التراثية العمرانية التي تحتاج إلى تأهيل، وأن مفهوم جودة الحياة يمثل أحد أهم المفاهيم التي لديه القدرة والكفاءة في وضع نهج متكامل لتحقيق أهداف التنمية. وفي دراسة أخرى أكثر تأطير للباحثين Kim Antunez et autres   (Roussez, Haran et Antunez, 2016)في محاولة منهم لتشخيص الاختلاف لجودة الحياة في الأقاليم الفرنسية حسب تطلعات السكان من خلال التقييم الذاتي لمؤشرات نمطية السكان وإطار حياتهم. الدراسة عَرَّفَتْ جودة الحياة أنها التوازن ما بين إطار الحياة الموجود في كل إقليم وتطلعات السكان المقيمين به، مع تحديد مستوى حسب 12 مؤشرًا اقتصاديًا وسوسيو ديموغرافيًّا (مكونات الأسرة، التعليم، مستوى الثروة، مستوى الدخل)، وأيضا 12 مؤشرا لإطار الحياة (سهولة الوصول للخدمات والعمل). خلصت الدراسة إلى وجود علاقة قوية بين نوع الإقليم من حيث جودة الحياة وخصائص السكان المقيمين، حيث يسكن غالبية السكان الأغنياء؛ مراكز المدن، خاصة مدينة باريس وl’Ile de France التي تحتل المراتب الأولى من حيث جودة الحياة، وأن فئة السكان المتقدمين في السن هم أقل حظا للاستفادة من مستوى جيد لجودة الحياة وهي تسكن المناطق الجبلية الوسطى لفرنسا. دراسة الباحثين د. نصير عبد الرزاق البصري، م. فاطمة جمال حسين (عبد الرزاق وجمال، 2017) حول مؤشرات جودة الحياة في مدينة النجف بالعراق تضع مفهوما ليس بالبعيد عن الأعمال البحثية السابقة؛ حيث توضح الدراسة أن مفهوم جودة الحياة هو مزيج من تأثير الأبعاد الموضوعية والذاتية وهو مفهوم ديناميكي لتغير قيمته وفق الظروف الخارجية لمتطلبات الحياة العامة. هدفت الدراسة إلى تحليل مؤشرات جودة الحياة للأحياء المدروسة وقياسها ومعرفة مدى توافقها مع المعايير التخطيطية ووضع تصنيف لهاته الأحياء وفق معايير الجودة المطلوبة بالاعتماد على المنهج الوصفي والتحليل الإحصائي لدراسة علاقة الارتباط القوية بين المؤشرات الموضوعية والذاتية حسب معامل بيرسون Pearson والتي تُفَسَرْ في وجود تقارب ما بين متطلبات الناس للخدمة ومعايير جودة الحياة.

مؤشرات الاستدامة الحضرية: أداة لتقييم وقياس جودة الحياة

تعتبر الاستدامة الحضرية مفهوما جديدا لصياغة مبادئ عمرانية مشتقة من المفهوم العالمي للتنمية المستدامة التي تجمع بين الاحتياجات الاقتصادية، الاجتماعية والبيئية التي تسعى لتحسين ظروف عيش السكان في جميع البيئات، "وإن تطبيق أهدافها في المدينة والأوساط الحضرية يحتاج إلى التعامل مع مفهوم جودة الحياة" (Mathieu, 2011, p. 75 Guermond et) التي تحتاج إلى جملة من الأدوات لتحليلها والممثلة بالمؤشرات الحضرية المستدامة وفق ما حدده ميثاق آلبورق للمدن الأوروبية، التي شكلت لنا قاعدة نرتكز عليها في بحثنا هذا لتحديد أهم المؤشرات الحضرية لتقييم جودة الحياة بالمدينة الجديدة علي منجلي. تظهر هاته المؤشرات في عديد البلدان الأوروبية ضمن شبكة تحليلية يمكن ملاحظتها في الوقت والزمن وهي تجمع ما بين الكم والنوع لظاهرة ما والتي يكون عددها متغير حسب خصوصية كل مدينة وفق ما حدده نموذج مدن (Midi-Pyrénés) بفرنسا والذي أصبح نموذجا الـ 30 مدينة أوروبية ويعمل بـ 27 مؤشرا (Berezowska-Azzag, 2011, p. 138-141) لكل من البعد الاقتصادي، الاجتماعي، البيئي والبعد العمراني الذي يشكل حلقة الربط بين هاته الأبعاد وهو يمثل محور اهتمامنا في هذا المقال. من منطلق هذا العمل اعتمد تحليلنا على خمسة مؤشرات للبعد العمراني تكون ذات أهمية أساسية لسير الحياة الحضرية ضمن إطار سليم وفق الخصائص العمرانية للمدن الجزائرية وكذا المدينة الجديدة علي منجلي وهي التي سيتم تحديد محاورها في الاستبيان. 

منهجية الدراسة وأدواتها

ترتكز معظم البحوث العلمية المرتبطة بمفهوم جودة الحياة في الأوساط الحضرية على الاستعانة بالاستبيان كخطوة لتقديم تحليلات تساعدنا في تقييم جودة الحياة وقياسها وتبيين العلاقات المنسوجة بين الأفراد والمحيط المعاش، مثل ما يوضحه الباحث الجغرافي السويسري A. Bailly (Bailly, 1981, p. 204-206). لهذا اعتمد العمل المنهجي لهذا المقال على طريقة التحقيق الميداني على أداة الاستبيان الموجه لسكان عينة الدراسة معتمدين في ذلك على المقاربة الذاتية التي تمكننا من تكوين حزمة من المؤشرات النوعية التي جسدناها في نموذج التحليل الخاص بدراستنا (الشكل 1) والذي يسمح بالإجابة عن سؤال البحث وتبيين قدرة المدينة كوسط حضري جديد أقيم على دوافع اجتماعية، اقتصادية وسياسية محلية ووطنية في تحقيق جودة حياتية ملائمة ومرضية لسكانها .

المؤشرات والمعايير المستخدمة في النموذج الخاص تحلل وتقيم على مستويين:

  • المستوى الأول: تحليل الأحياء السكنية داخل الوحدات الجوارية (وج)،
  • المستوى الثاني: تحليل كامل المدينة الجديدة علي منجلي.

ولتحقيق ذلك، تم الاعتماد على توزيع استبيان قوامه 500 أسرة تعادل 3000 فرد من مختلف الفئات العمرية وهذا من إجمالي 258.470 ساكنا بالمدينة الجديدة علي منجلي لسنة 2018. تم توزيع العينة في فترة شهر ماي 2019 مستندين إلى التباين في الخصائص العمرانية، الاجتماعية والاقتصادية للأحياء المراد دراستها، ومراعين في ذلك عدم تجانس العينة التي كانت عنقودية موجهة إلى أفراد مجتمع البحث المتواجدين في مختلف الصيغ السكنية بالمدينة الجديدة علي منجلي )اجتماعي، تساهمي، وكالة عدل، ترقوي...(. وزعت العينة مجاليا على ثمانية أحياء مختلفة الصيغ السكنية الموجودة بالمدينة الجديدة، حيث خصصت منها نسبة بـــ 40 %للسكن الاجتماعي العمومي؛ وهذا لأنه يمثل الصيغة المسيطرة بالمدينة من حيث أهمية تواجده، ثم 36% لصيغة السكن التساهمي بأنواعه والذي يحتل المرتبة الثانية، وآخر نسبة كانت بـــــــ 24% للسكن الترقوي بسبب انخفاض تواجده في المدينة. اهتمت الاستمارة بمعالجة محاور مختلفة للمؤشرات الذاتية للبعد العمراني وهي: 

  • مؤشر حركة المرور داخل المدينة،
  • مؤشر المظهر العمراني،
  • مؤشر مساحة التجهيزات العمومية وقدرة استيعابها،
  • مؤشر التهيئة الخارجية للأحياء السكنية،
  • مؤشر التجهيزية بالمرافق على مستوى المدينة الجديدة.

الاستمارة موجهة إلى رب الأسرة أو ربة البيت بغرض الإلمام بمختلف النقاط المجالية التي تظهر في )الشكل 2) بشتى الخصائص المجالية، الاجتماعية، العمرانية والمعمارية التي تحددها طبيعة الصيغ السكنية الموجودة بالمدينة الجديدة علي منجلي والتي تحدث الفرق في المظهر العمراني وإطار الحياة بهاته المدينة، وعليه قسم مجال البحث لتحقيق الاستبيان إلى أربعة مجالات حسب (الشكل 02) وهي:

  • مجالات سكنية بصيغة السكن الإيجاري العمومي (تظهر باللون الأخضر)،
  • مجالات سكنية مختلطة بين السكن الإيجاري العمومي+ سكنات وكالة عدل+ السكن الاجتماعي التساهمي (تظهر باللون الأصفر)،
  • مجالات سكنية بصيغة السكن الاجتماعي التساهمي (تظهر باللون الأحمر)،
  • مجالات سكنية فردية وترقوية (تظهر باللون الأزرق).

استثنى الاستبيان التوسعات الجنوبية والغربية للمدينة الجديدة علي منجلي التي تظهر في الشكل 3 بسبب عدم إعمارها لحد الآن، حيث ركزت الدراسة على المحيط الحضري الأولي للمدينة.

المدينة الجديدة علي منجلي: وسط ملائم لتحقيق جودة الحياة الحضرية

توطنت المدينة الجديدة علي منجلي على بعد 15 كم عن المدينة الأم قسنطينة، جاء قيامها لفك الضغط الكبير لمشكل السكن الذي طالما هدد الحياة الاجتماعية لمدينة  قسنطينة وضواحيها والتي أصبحت غير قادرة على استيعاب فائضها السكاني. "فهي استقبلت السكنات القصديرية والأحياء الفقيرة بقسنطينة"(Belguidoum, 2018) لهذا كان هدف إنشاءها هو تحسين ظروف عيش السكان والارتقاء بهم نحو الأفضل من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وكذا العمرانية، ومنه إعطاء السلطات المحلية والمصممون دفعة ورغبة قوية لبناء وسط حضري جديد كفيل بتحقيق جودة حياتية ملائمة.   

تعتبر بداية سنة 2000 أولى خطوات السلطات المركزية لبداية تبني مشروع بناء المدينة الجديدة علي منجلي من خلال انطلاق أكبر المشاريع السكنية بصيغه المختلفة؛ أهمها سكنات وكالة عدل، السكن التساهمي الاجتماعي والسكن الترقوي، والذي رافقه توطين عديد التجهيزات الكبرى المهيكلة كالمستشفى المدني، الحي الإداري والقطب الجامعي )عبد الحميد مهري( والمستشفى العسكري... والتي جعلت من المدينة الجديدة مجالا مستقطبا ذا تأثير إقليمي وجهوي، يكسبها جودة في الوظائف الخدماتية ويجعلها تنافس مدينة قسنطينة .

توالى نمو مدينة علي منجلي بوتيرة جد متسارعة غير الذي تمت برمجته في مخططها الأولي، وأمام دعم الدولة لعديد البرامج التنموية أهمها المخطط الخماسي الأول الذي ساعد عديد المشاريع السكنية والتجهيزية على أن تتقدم في نسبة إنجازها بدأ الحديث سنة 2008 عن نفاذ عقارها الحضري قبل انقضاء آجال المدى الطويل سنة 2013 المبرمج ضمن المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير لتجمع بين البلديات لسنة 1998 )قسنطينة، حامة بوزيان، الخروب، عين السمارة وديدوش مراد ("المصادق عليه بمرسوم تنفيدي رقم 98/83 في 25 جانفي 1998".  (Nait Amar, 2013)أمام هذه الوضعية سُخِّرَتْ مساحة توسع إضافية للمدينة الجديدة علي منجلي ضمن دراسة مراجعة المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير لما بين البلديات لسنة 2008 وهذا على آفاق 20 سنة وفيه تم استهلاك ما يقارب 66% من المساحات قبل انقضاء آجال المدى القصير سنة 2010-2014 في التوسعة الجنوبية والغربية للمدينة الجديدة (URBA-Constantine, 2014)(الشكل 3) من أجل توطين برامج المخطط الخماسي الثاني )2010-2014( وهذا بعد قرار تطبيق نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وفق المرسوم 11/237 و11/239 (مديرية العمران والهندسة المعمارية والبناء لولاية قسنطينة، 2019).

استفادت المدينة الجديدة علي منجلي من مشاريع تجهيزية وسكنية هامة بولاية قسنطينة، وهذا لما توفره الأرضية من مؤهلات موضعية تسهل التواصل والحركية الدائمة داخل مجالها الحضري أو خارجه. إن مساعي الدولة والسلطات المحلية نحوها هو ضمان كل عوامل العيش اللازمة لإطار حياتي سليم وظروفه، وبيئة حضرية تتسم بالجودة الحياتية والتي سنحاول تقصيها.

نتائج الدراسة ومناقشتها

سنعتمد على معطيات الاستمارة المتعلقة بالبعد العمراني في تقييم جودة الحياة الحضرية بالمدينة الجديدة علي منجلي وفق المؤشرات المذكورة سابقا، كما يلي:

حركة المرور لا تستجيب للقواعد النظامية

الجدول 1: حركة المرور داخل المدينة

المرور

التكرار

النسبة

منظم

81

16,4

غير منظم

411

83,4

المجموع

492

99,8

تعد حركة المرور أحد أهم المؤشرات التي تسمح بتقييم جودة الحياة في الوسط الحضري والتي تحدد بها مظاهر التحضر في المدن؛ فقد أصبحت المدينة الجديدة علي منجلي في الآونة الأخيرة مجال استقطاب لعديد الغايات، ما جعل الحركة المرورية بها مهمة جدا، خاصة على محاور الطرق الرئيسية المؤدية لمواقع التجهيزات الكبرى ومنطقة النشاطات؛ إذ يرى 411 فردا من أفراد العينة أن حركة المرور بها غير منظمة ولا تستجيب لقواعد المرور المستدام (الجدول 1)، ما يؤكده غيابٌ شبه كلي للافتات المرورية على أهم الطرق والمحاور الأساسية بمدينة علي منجلي، وكذا ملتقيات الطرق التي تعرف اختناقات يومية لساعات الذروة أهمها ملتقى مدخل المدينة الجديدة من الناحية الغربية على الطريق الولائي رقم 101 القريب من العيادة المتعددة الخدمات والمؤدي إلى المركز التجاري رتاج مول. كما أن مخطط المرور الموجود حاليا في المدينة طبعته التحركات المرورية اليومية الارتجالية للمستعملين دون وجود شروط  لتخصيص طرقات للمركبات الثقيلة والشاحنات ذات المقطورة وحتى المسارات المخصصة للمعاقين. يدعم تقييم وضعية حركة المرور كل أفراد العينة للغياب التام لممرات الراجلين على مستوى إجمالي المدينة، وهذا رغم تواجدها ميدانيا إلا على مستوى مفترقات الطرق للطريق الرئيسي الأولي والثانوي، فهذا الأمر يزيد تعقيد  السلامة المرورية التي باتت هاجسًا يهدد سلامة وأمن السكان والذي ينعكس سلبا على شروط الحياة اليومية وجودتها.

ضعف قبول المظهر العمراني

الجدول 2: موقف العينة من ارتفاع المباني (المظهر العمراني)

ارتفاع المباني

التكرار

النسبة

مقبول

199

40,4

غير مقبول

293

59,4

المجموع

492

99,8

 

يعتبر تقييم المظهر العمراني لمدينة علي منجلي أحد أهم المؤشرات التي ينبغي البحث فيها عبر عدّة معايير أهمها ارتفاع المباني الموجودة بها وكذا واجهاتها المعمارية التي يكون لها دور في تحقيق الاندماج الحضري للوحدات المبنية مع السكان. "تميزت المدينة حتى 2006 بالنمطية الموحدة في مظهرها العمراني ماعدا شارعها الرئيسي الذي يتميز بأبراجه المصطفة على طول الممرات العريضة، فباقي السكنات متجانسة الارتفاع من 4 إلى 5 طوابق"(Lakehal, 2017)  الذي ينعكس على جودة الحياة المعاشة بهذه المدينة. ومن خلال الاستبيان نجد أن 59% من سكان العينة لا يرغبون في النمطية المتعددة للسكنات الجماعية؛ خاصة البنايات المرتفعة الطوابق لوكالة عدل (الجدول 2)، بل إنهم يفضلون أنماط البنايات الجماعية غير مرتفعة الطوابق وكذا السكنات الفردية التي تساعد - حسب رأيهم - في تحفيز الاندماج الاجتماعي والثقافي الذي تدعو إليه مبادئ التنمية الحضرية المستدامة وأهدافها والذي يبدو غائبا حسب رأيهم، ما يؤثر في العلاقات الاجتماعية بين الجيران التي تكاد تكون تقريبا منعدمة.

كما يجد 72% من السكان أن الواجهات المعمارية المتشابهة لأغلب العمارات الجماعية التي طبعت المدينة الجديدة علي منجلي تؤثر سلبا في المظهر العمراني العام للمدينة وتتسبب في فقدان الهوية العمرانية التي عايشوها في المدينة الأم قسنطينة التي نمت لديهم علاقات اجتماعية وإنسانية عبر عديد الوظائف الحضرية الموجودة (الشكل 4)؛ حيث يحملون المسؤولية للسياسات السكنية المستعجلة التي افتقرت إلى الجودة في التصميم المعماري الحديث والتي كان بإمكانها أن تطفي إطلالة مظهرية جديدة، خاصة في السكنات الترقوية التي تلقى استحسانا وقبولا لدى بعض السكان من ناحية المظهر العمراني باستعمالها مواد بناء حديثة. من هذا المنطلق يمكننا القول أن سكان مدينة علي منجلي يرون أن للمظهر العمراني أثر قوي في تحقيق القبول للمحيط الحضري الخارجي الذي يؤثر في جودة الحياة الحضرية التي تحتاج المزيد من المجهودات.

عدم ملاءمة مساحة التجهيزات العمومية وقدرة استيعابها

يرى أفراد العينة أن المساحات المخصصة لأهم التجهيزات العمومية المتواجدة بمدينة علي منجلي غير كافية لمتطلبات السكان (الشكل 5)، خاصة المستشفى المتواجد بالوحدة الجوارية رقم 07 الذي برمج له مسبقا في المخطط الرئيسي للمدينة أن يكون مركزا صحيا ليتحول بعدها إلى مستشفى دون الأخذ بعين الاعتبار الوظائف الحضرية المرافقة له كالغياب التام لمساحة التوقف لعمال المستشفى والمترددين عليه. يستقبل المستشفى يوميا فحوصات طبية واستعجالية تصل إلى 648 فحصا في اليوم مقابل 96 فحصا في اليوم بالمؤسسة الاستشفائية بالخروب والتي تحتل المرتبة الأولى من حيث حجمها، مساحتها ونوعية الخدمات الصحية التي تقدمها لإجمالي بلدية الخروب وتكون فيها مدينة علي منجلي تابعة لها إداريا كتجمع حضري ثانوي. كما أن الفرع البلدي للمندوبية 01 المتواجد هو أيضا بالوحدة الجوارية 07 على مساحة صغيرة للطابق الأرضي بالمركز الإداري غير كاف لاستيعابه 2/3 من سكان أولى وحدات الجوار التي عرفت إعمارا كليا لسَكَناتِها. رغم افتتاح المقر الجديد للمندوبية رقم 02 في بداية عام 2019 تبقى الخدمة العمومية التي يقدمها هذا المرفق دون مستوى تطلعات السكان بسبب الحجم السكاني الكبير لهاته المدينة التي لم تعرف انطلاق أشغال بناء عديد التجهيزات العمومية المبرمجة في مخطط التهيئة العام للمدينة الجديدة علي منجلي عبر باقي الوحدات الجوارية لها. ومنه نجد أن عدم كفاية التجهيزات العمومية من حيث عدد تواجدها، توزيعها مجاليا، مساحتها وطاقة استيعابها لها أثر واضح في تحديد ضعف جودة الحياة بالمدينة الجديدة علي منجلي، ماعدا الحي رقم 01 (بالوحدة الجوارية 01، 02، 03) والحي رقم 02 (الوحدة الجوارية 05،06،07،08) اللّذين عرفا أولى عمليات الإعمار بالمدينة الجديدة وهما يوفران أهم الوظائف الحضرية التي يحتاجها سكان المدينة والتي تحدث ضغطا على مرافقها العمومية التي أصبحت غير قادرة على توفير الخدمة من حيث النوعية والكمية، وفيها نؤكد أن سير الحياة الحضرية بالمدينة الجديدة من خلال وظائفها العمومية بعيدة كل البعد عمّا تصبو إليه التنمية الحضرية المستدامة التي تقوم على ضرورة بلوغ مزايا المدينة لكل الفئات الاجتماعية وتحقيق جودة حياتية بها.

تباين التهيئة الخارجية بالأحياء السكنية

الجدول 3: نسبة غياب التهيئة الخارجية في الوحدات الجوارية

1=النظافة، 2=مساحات خضراء، 3=فضاءات لعب الأطفال،4=مساحات التوقف، 5= الإنارة العمومية، 6= كل عناصر التهيئة الخارجية،وج= الوحدة الجوارية،  ∑= المجموع

تشير النتائج الميدانية أن ظروف عيش السكان تتقارب في مختلف الوحدات الجوارية المستجوبة، حيث صرح ما يقارب 61% من السكان على ضرورة تواجد تهيئات للمساحات الخارجية بكل عناصرها (المساحات الخضراء، فضاءات للعب الأطفال، مساحات توقف السيارات وكذا النظافة والإنارة العمومية) من أجل الارتقاء بجودة الحياة بأحيائهم والتي تعرف نقصا مهما بها. تسجل الوحدة الجوارية رقم 05 68% من نقص إلى غياب العناصر الحضرية المذكورة في الجدول 3، وهذا راجع إلى خاصية صيغة السكن المسيطرة بها والمتمثلة في التحصيصات التي تعرف نوعا من الإهمال للفضاءات الخارجية بها، فنسبة تواجد 16.67% من المساحات الخضراء متعلقة بالتشجير التزييني الذي يبادر به أصحاب السكنات من أجل إعطاء جانب جمالي للحي، إذ نسجل غيابا تاما لها ضمن تصميم مخطط الكتلة المنجز للتحصيصات.

تتباين الإجابات في كل الوحدات الجوارية للتعبير عن العناصر الحضرية الضرورية الغائبة بأحيائهم، حيث تعرف الوحدة الجوارية 02 التي يغلب فيها صيغة السكن التساهمي نقصا لتواجد كل من المساحات الخضراء، مساحات التوقف وفضاءات لعب الأطفال (الجدول 3) ما يؤثر سلبا في جودة الحياة بها بسبب عدم اكتمال أشغال تهيئة المساحات الخارجية من طرف المقاولين المكلفين بإنجاز أغلب المساكن المشغولة منذ 10 سنوات والتي يرجع فيها السبب الرئيسي لضعف محتوى بعض بنود دفتر الشروط الخاص بصفقة المشاريع السكنية الناجمة عن الثغرات القانونية للسياسة السكنية التي لم تحدد بوضوح هل أشغال التهيئة الخارجية للسكنات التساهمية تكون على عاتق المقاول المكلف بالإنجاز أم على السلطات المحلية ؟ ضف إلى ذلك استنفاد السعر المسخر للمسكن قبل الانتهاء من إنجازه وعليه تهمل كل الوظائف الحضرية التابعة له. أما بالنسبة للوحدة الجوارية 06،07،17 و 19 التي تعرف سيطرة للسكن الإيجاري العمومي تسجل نسبا لا بأس بها في أشغال تهيئة المساحات الخارجية بالنظر إلى سابقتها (الجدول 03) وهذا يرجع أساسا لدور الفاعلين الأساسيين في تسيير السكنات والفضاءات الخارجية للسكنات الإيجارية العمومية والتي يتولى فيها كل من ديوان الترقية والتسيير العقاري ومديرية التعمير ضمان اكتمال أشغال تهيئة الفضاءات الخارجية للسكنات قبل أن تسلم لمستفيديها.

يرى أفراد العينة أن مستوى إطار الحياة يكون متباينا في عناصر التهيئة الخارجية حسب الصيغ السكنية، إذ تكون أحسن بكثير في السكن الاجتماعي العمومي لوجود الغلاف المالي الكافي للإنجاز وأعمال التهيئة الخارجية التي تكون على عاتق عدة هيئات محلية تابعة للدولة الممثلة بعدّة فاعلين كديوان الترقية والتسيير العقاري، مديرية السكن ومديرية العمران. وهو الحال أيضا في السكن الترقوي الذي يمتاز بالجودة وتوفر عناصر التهيئة الخارجية اللازمة له. على عكس صيغة السكن التساهمي التي تعرف ثغرات قانونية في تحديد مهام الهيئات المسؤولة لإكمال عمليات التهيئة الخارجية بأحياءها.

غياب التجهيزية بالمرافق رغم برمجتها نظريا

يفضل 52% من أفراد العينة ضرورة توفير معظم المرافق الحضرية المحددة لجودة الحياة ضمن البعد العمراني (الشكل 6)، وهذا بسبب نقصها وغيابها رغم تحديد تواجدها في مخططات شغل الأراضي المصادق عليها والتي يبلغ عددها 14 مخططا يغطي إجمالي مدينة علي منجلي. هاته المخططات الحضرية خصصت مساحات لمثل هاته المرافق والتي لم تعرف انطلاق الأشغال بها لحد الآن، فهي مجرد أرضيات شاغرة لم يتم تسجيلها لدى مديرية التجهيزات العمومية. بعض المشاريع في المدينة تعرف توقفا في الإنجاز كالمركب الرياضي الذي يضم المسبح والملعب بالوحدة الجوارية رقم 09 التي وصلت به نسبة الأشغال إلى 60% بسبب عدم تلقي المقاولين لمستحقاتهم الأولية من طرف الخزينة العمومية حسب تصريحات مهندس مديرية التجهيزات العمومية، أما حديقة التسلية بالوحدة الجوارية رقم 04 فقد تم إلغاء برمجتها من طرف مديرية التعمير والبناء والهندسة المعمارية لولاية قسنطينة.

إن الحدائق العمومية باعتبارها عنصر حضريا فعال لصيرورة الاندماج الاجتماعي وتحقيق الجمال المظهري للمدينة والمحافظة على البيئة مثل ما تحددها التنمية الحضرية المستدامة هي تقريبا منعدمة، حيث نسجل تواجد حديقتين عموميتين: الأولى بالوحدة الجوارية 07 التي تعرف تدهور أرضيتها وأثاثها الحضري، مساحاتها الخضراء وتهري الإنارة العمومية بها، والأخرى بالوحدة الجوارية 01 التي باتت المتنفس الوحيد للراحة ولقاء الأفراد، حيث أن موقعها مقابل الأمن الحضري ساعد على توفير الأمن بها والمحافظة عليها من التخريب ومنه أصبحت هاته الحديقة فضاءً مفتوحا ومستقبلا لكل فئات المجتمع سواء النساء، الأطفال، أو المسنين الذين يقطنون بالقرب منها غالبا.

حظائر السيارات منعدمة تماما ماعدا تلك المدمجة داخل المراكز التجارية كالرتاج القديم والرتاج مول الذي يعرف أكبر طاقة استيعاب بالمدينة الجديدة بـــ متوسط 890 مركبة يوميا ومتوسط 1500 مركبة نهاية الأسبوع بسبب الترددات على المركز التجاري من داخل المحيط الحضري للمدينة وخارجها حسب معطيات مكتب الإعلام والتوجيه بالمركز التجاري لسنة2021. هاته الحظيرة لتوقف السيارات تخدم الوظيفة التجارية فقط للمدينة الجديدة وتستثني الوظائف الحضرية الأخرى الموجودة بالمدينة كالخدمات.

تقييم جودة الحياة من خلال الارتباط بين عناصر التهيئة الخارجية للحي السكني والمرافق التي يطالب بها السكان

علاقة الارتباط بين متغير عناصر التهيئة الخارجية للحي السكني ومتغير المرافق التي يطالب بها السكان عادية بصفة طردية، حيث أن مستوى الأداء الحضري للمتغير الأول يعتبر ضروري لسير الحياة اليومية حسب آراء السكان وتكون له القدرة على ضمان جودة حياتية بالأحياء الحضرية المعاشة لهم بالنظر للمتغير الثاني الذي يكون على مستوى المدينة والذي من المفروض أن يكون في تكامل مع المتغير الأول، إلا أن التحقيق الميداني أظهر أن ارتباطهما ليس بالقوي )معامل ارتباط = 0.35 عند درجة الحرية 0.01 حسب الجدول 4( حسب متطلبات السكان المقيمين بالمدينة الجديدة الذين يطمحون دائما في تحقيق المتطلبات اللازمة فقط للحياة اليومية على عكس المرافق المهيكلة للمدينة كأماكن الترفيه والتسلية وحظائر توقف السيارات التي تعودوا على نقصانها في المدينة الأم قسنطينة.

الجدول 4: علاقة الارتباط بين العناصر المكونة للتهيئة الخارجية في الحي والمرافق على مستوى إجمالي المدينة حسب رغبة السكان

تقييم السكان لمستوى جودة الحياة من ناحية البعد العمراني

أظهر أفراد العينة أن جودة الحياة بالمدينة الجديدة علي منجلي ترتبط أساسا بدرجة رضاهم بسكنهم الذي يمثل لديهم استقلالية ذاتية مفضلة تمنحهم الأمان والاستقرار مهما كان مستوى تباين الرفاهية فيها ظاهرا على مختلف الصيغ السكنية الموجودة بالمدينة. فأفراد العينة المستجوبة عبر الوحدات الجوارية المحددة في هذه الدراسة تُظهر أن ما يفوق 60% من السكان هم راضون عن تواجدهم بالمدينة الجديدة علي منجلي (الشكل 7) المشكلة في غالبيتها من فئة سكان الطبقة المتوسطة والضعيفة التي استفادت من السكن الإيجاري العمومي المتواجد بقوة في الوحدات الجوارية 06،07،08.

78% من سكان العينة للوحدة الجوارية 05 يبدون قبولا ورضا جيد للعيش بمدينة علي منجلي، وهذا راجع لسيطرة صيغة السكن الترقوي والفردي اللذان يوفران ظروف عيش جدّ ملائمة من حيث اتساع مساحة السكنات بها، كما أن موقعها بالقرب من المركز التجاري والإداري لمدينة علي منجلي جعل منها وحدة جوارية مفضلة للسكن فيها بامتياز. تبقى الوحدة الجوارية 19 الوحيدة التي تعرف أخفض نسبة للرضا عن السكن بها تصل إلى 56%، ويرجع ذلك إلى حداثة الحي وفقدانه لعديد التجهيزات الأساسية؛ أهمها وسائل النقل والمرافق الإدارية والصحية والتي تؤثر سلبا في جودة الحياة الحضرية بها، ورغم ذلك فهي تظهر مقبولة نسبيا على مستوى هذا الحي.

مقارنة نتائج البحث

من أجل وضع هذه الدراسة ضمن السياق البحثي العالمي ارتأينا القيام بمقارنة نتائج بحثنا هذا مع نتائج بحثية عالمية ؛مدينة ليون الفرنسة ومدينة النجف الأشرف بالعراق. المقارنة ستخص دور البعد العمراني في تقييم جودة الحياة من خلال مؤشرات حضرية للمقاربة الذاتية.

دراسة جودة الحياة بمدينة ليون الفرنسية (2005) لــ Natalia Barbarino Saulinier اهتمت بتشخيص جودة الحياة في الوسط الحضري مع وضع طريقة جديدة لتقييمها معتمدة في ذلك على تحليل المقاربة الموضوعية والذاتية، حيث أن هذه الأخيرة أخذت القسط الأكبر من التحليل حسب ما أَوْلَتْهُ الباحثة من أهمية لإدراك الناس لبيئتهم المعيشية وجودة حياتهم الحضرية وهو الجانب المشترك الذي عالجه بحثنا هذا. اعتمدت الدراسة على وضع نموذج خاص بالبحث يحصر عديد المؤشرات اللازم تواجدها في الوسط الحضري والتي حددها السكان والفاعلون الحضريون في المدينة، ليتم بعدها استجوابهم عبر استمارة بحثية موجهة للسكان خصت ثلاثة أحياء بمدينة ليون (Centre Croix-Rousse, quartier Montchat-Chambovet, plateau de la duchesse).

المؤشرات الذاتية خضعت لعدة مقاربات في التحليل أهمها؛ المقاربة النظمية، التحليل المتعدد المعايير، التحليل الإحصائي، التحليل المورفولوجي، التحليل المجالي وهذا على مستويين مختلفين من مجالات الدراسة؛ أحياء حضرية معاشة والمحيط الإجمالي لمدينة ليون الفرنسية، حيث نشير هنا إلى التوافق في منهجية العمل مع بحثنا الذي اهتم بتبيين جودة الحياة على نفس المستويين من الدراسة. توصلت نتائج دراسة مدينة ليون الفرنسية إلى إعطاء ترتيب لجودة الحياة الحضرية حسب أهميتها وضرورة تواجدها، حيث احتل مؤشر الأمن والسكن المرتبة الأولى في اختيار السكان لجودة الحياة اليومية الموجودة في البيئة المعيشية اليومية لهم، وهذا يشترك مع بحثنا، خاصة فيما يتعلق بمؤشر السكن الذي احتل المرتبة الأولى لرضا السكان لجودة حياتهم نظرا لكونه المطلب الأساسي لكل الفئات الاجتماعية لساكنة المدينة الأم قسنطينة التي عانت من نقصه، حيث مثلت البرامج السكنية بمختلف صيغها بالمدينة الجديدة علي منجلي وبسيطرة غالبة للسكن الاجتماعي العمومي المتنفس الأولي الذي يضمن لهم أهم استقرار أسري ومعنوي.

من منطلق المقارنة لدراسة الباحثة Natalia Barbarino Saulinier وبحثنا هذا نجد أن ترتيب مؤشر البيئة الحضرية يأتي في المرتبة الثالثة بعد مؤشر النقل نظرا لما يحويه من أهمية. فهو يشترك مع حاجيات جودة الحياة لأفراد عينة بحثنا التي تفوق 61% والتي تطالب بضرورة توفر عناصر البيئة الحضرية بالأحياء السكنية كالمساحات الخضراء، مساحات التوقف، الإنارة العمومية. نتائج التحقيقات مع السكان للباحثة الفرنسية أظهرت أن فقط 10% من السكنات الجماعية تستفيد من قرب عناصر جودة الحياة اليومية وأن التباين يكون مهم على مستوى الأحياء. 40% من السكان يقيمون ضمن إطار حياتي متدهور لغياب المساحات الخضراء مع نقص التغطية الجيدة للخدمات التجارية والخدمات الأخرى، بينما تظهر نتائج الدراسة لبحثنا أن ما يفوق 50% من أفراد العينة هم راضون عن جودة الحياة بمدينة علي منجلي وأحياءها السكنية رغم النقائص لعديد المؤشرات الحضرية التي أظهرها الاستبيان والتحقيق الميداني. نرجع هذا الاختلاف لوجهات نظر السكان لكلتا المدينتين إلى الفرق في الخصائص الاجتماعية والاقتصادية بين البلدين والمدينتين والذي يؤثر مباشرة على المستوى الثقافي للأفراد وهذا من ناحية قبولهم لأحيائهم ودرجة الرضا لجودة الحياة بمدينتهم.

دراسة مؤشرات جودة الحياة بمدينة النجف الأشرف للباحثين د. نصير عبد الرزاق البصري و م. فاطمة جمال حسين (2017) تعرضت هي الأخرى لتبيين أهمية هذا المفهوم من خلال تحليله بمؤشرات موضوعية وأخرى ذاتية وهذا على نفس القدر من الأهمية. منهجية العمل في هذه الدراسة كانت مشابهة لسابقتها بالاعتماد على استجواب السكان لدرجة رضاهم لبيئتهم الداخلية والخارجية والبحث عن جودة الحياة للبعد العمراني في الأحياء الثلاثة (حي الغدير، حي الأمير، حي الأنصار) وهذا عبر مؤشر المسكن، الرضا عن الخدمات التعليمية، الرضا عن الخدمات الصحية، الرضا عن المساحات الخضراء والمنتزهات ومستوى دخل الأفراد. كانت نتائج البحث متباينة في مستويات جودة الحياة المدركة من قبل السكان، حيث أن 60% منهم أبدوا رضاهم عن مساكنهم وتقبلهم للمساحات المتوسطة للمساكن وهو ما يتوافق مع بحثنا الذي توصل في نتائجه إلى أن أفراد العينة يؤولون جودة الحياة بأحيائهم الحضرية بالدرجة الأولى إلى فرصة حصولهم على مسكن بالمدينة الجديدة علي منجلي رغم أن سيطرة السكن الاجتماعي العمومي يمتاز بصغر مساحة المساكن التي يتراوح فيها عدد الغرف من 1 إلى 3 غرف، وعليه يكون هذا التوافق مربوطا أساسا بطبيعة الثقافة الاجتماعية لأفراد البلدان العربية التي طبعتها أزمات اجتماعية، اقتصادية وسياسية والتي تؤثر مباشرة في مستويات الدخل والمستوى المعيشي للسكان ويكون فيه المسكن هو المطلب الأساسي لديهم. كما أن دراسة مؤشرات جودة الحياة بمدينة النجف الأشرف تعطي أهمية للمساحات الخضراء التي عرفت متوسط نسبة رضا بـ 50%، أين سيطر حي الأنصار على النسبة الأكبر بـ 70% لِكِبَرِ المساحات الخضراء بها وتوزيعها بشكل منتشر، بينما في المقابل تظهر نسبة الرضا عن تواجد هذا العنصر الحضري منخفضة في بحثنا  لتقريب انعدام تواجدها داخل الأحياء الحضرية.

تشكل منهجية العمل والدراسة في أغلب البحوث التي عالجت مفهوم جودة الحياة مسارا موحدا يختلف في كيفية تحديد الأبعاد ومؤشرات الدراسة التي تحددها إشكالية كل بحث وتشترك في الخلاصات التي تؤيد تفعيل دور السكان في تحديد مختلف مستويات جودة حياة البيئة الحضرية، وفيها تتباين النتائج البحثية فيما بينها باختلاف الخصائص الاقتصادية، الاجتماعية والمجالية لكل وسط حضري. 

مناقشة نتائج البحث

أظهرت نتائج تحليل البحث الميداني التي مست مختلف الوحدات الجوارية للمدينة الجديدة علي منجلي أن مستوى جودة الحياة بها متباين حسب نسبة تواجد المؤشرات الحضرية الضرورية المستعملة في التحليل من منظور الاستدامة الحضرية والتي تبدو أكثر تلاؤما لسير الحياة الحضرية الجيدة في الأوساط الحضرية الجديدة بالجزائر. النتائج التي توصلت إليها الدراسة هي:

  • ضعف في مؤشر حركة المرور الذي لا يستجيب للقواعد النظامية والتي هي نتيجة غياب خطوات عمل مديرية النقل التي تمثل صاحب المشروع الأول لإعداد مخطط المرور الذي لم ينجز لحد اليوم منذ نشأة المدينة الجديدة والتي تتحدد فيه مسارات نقل وتنقل المركبات الثقيلة والخفيفة، مع انعدام شبه كلي للافتات المرورية على محاور الطرق الرئيسية والثانوية.
  • ضعف قبول المظهر العمراني العام للمدينة لدى السكان بسبب سيطرة النمطية المتكررة للوحدات السكنية الجماعية مع تواجد تشابه كبير في الواجهات المعمارية للعمارات الجماعية، حيث يرجع النقص في معالجة الدراسات المعمارية المظهرية إلى السياسات السكنية الاستعجالية التي رافقت بناء المدينة علي منجلي التي استدعت التركيز على توفير أكبر قدر ممكن من السكن مع إهمال الجانب الجمالي المعماري.
  • لا تتلاءم مساحة التجهيزات العمومية الأساسية مع قدرة استيعابها بسب سوء البرمجة المسبقة المنجزة ضمن إطار الدراسة الأولية لإعداد المدينة الجديدة علي منجلي والتي اعتمدت مبدئيا على شبكة نظرية للتجهيزات التي لم تراع النصيب الحقيقي للسكان الفعليين، بل اعتمدت في برمجتها على حجم نظري أولي كوضعية انطلاقيه.
  • تباين في التهيئة الخارجية بالأحياء السكنية، إذ أن هذا المؤشر في علاقة مباشرة مع نوع الصيغة السكنية وعليه كانت أحياء صيغة السكن الإيجاري العمومي أكثر حظًا في توفر عناصر التهيئة الخارجية التي أُخِذَتْ على عاتق صاحب المشروع المتمثل في ديوان الترقية والتسيير العقاري OPGI على عكس باقي المتعاملين الخواص في البناء لمختلف الصيغ السكنية.
  • تأرجح مؤشر التجهيزية بين نقص المرافق العمومية التي طالب بها السكان على مستوى المدينة وغيابها رغم برمجتها نظريا؛ وذلك بسبب تأخر تسجيل المشاريع التجهيزية على مستوى مديرية التجهيزات العمومية وضعف الميزانية المخصصة من طرف كل قطاع، إذ أعطيت الأولوية في البناء للمؤسسات التربوية التعليمية على حساب العديد من التجهيزات الحضرية الأخرى.
  • علاقة الارتباط ضعيفة بين عناصر التهيئة الخارجية للحي السكني والمرافق التي يطالب بها السكان على مستوى المدينة الجديدة بسبب الأولوية في تفضيل المشاريع الحضرية التي يوليها السكان لمدينتهم والتي كانت نتيجة تقبلهم لتأخر إنجاز المشاريع التجهيزية التي تخدم كامل المدينة ووعيهم بالظروف الاستعجالية التي خصت المدينة الجديدة التي لم تراعي ترتيب خطوات إنجاز المشاريع التي برمجها المخطط الرئيسي لمدينة علي منجلي التي تقوم على توأمة في إنجاز المشاريع السكنية والمرفقية معا مرورا من أبسط مستوى وهو الحي إلى أعلى مستوى وهي المدينة من أجل بلوغ إطار حياتي منسجم ومتوازن على مختلف أحياء المدينة الجديدة علي منجلي،
  • يرتبط مفهوم جودة الحياة لدى سكان المدينة الجديدة علي منجلي بالدرجة الأولى بتوفير المسكن الذي يمثل عندهما أحسن مكسب تحصلوا عليه وقد تحسنت ظروف عيشهم بكثير مما كانت عليه سابقا خاصة شريحة الذين استفادوا من السكن الاجتماعي العمومي، والذين سكنوا سابقا البيوت القصديرية أو المساكن الضيقة في المدينة القديمة قسنطينة. وعليه، أصبحت مدينة علي منجلي الخيار الوحيد للطبقة الاجتماعية البسيطة، والمتوسطة وفوق المتوسطة من خلال سكنات وكالة عدل والسكن الاجتماعي التساهمي والسكن الاجتماعي الإيجاري. هاته الحلول أسهمت في تحسين ظروف عيش السكان ورفع مستوى جودة الحياة من الناحية الاجتماعية وحتى الاقتصادية.

خاتمة

حاولت الدراسة إبراز دور البعد العمراني في تقييم جودة الحياة بالمدينة الجديدة علي منجلي من منظور الاستدامة الحضرية، والتي فيها توصلنا للإجابة على سؤال البحث المتعلق بتبيين مستوى جودة الحياة بهذه المدينة بالاعتماد على مؤشرات حضرية للبعد العمراني التي استمدت أسسها من مبادئ التنمية الحضرية المستدامة، وفيه نؤكد أن لاعتماد مؤشرات التنمية الحضرية المستدامة أثر إيجابي في تحقيق الجودة الحياتية الحضرية. اعتمدت منهجية الدراسة على نموذج تحليل خاص بالمؤشرات الذاتية كان عبر استجواب السكان حول إدراكهم لبيئتهم وجودة الحياة بالمدينة. كما بينت أيضا نتائج التحليل الميداني أن مؤشر الحركة المرورية ضروري في تقييم مظاهر التحضر بالمدينة الجديدة علي منجلي المرتبط أساسا بالسلامة المرورية التي يضمنها للسكان القاطنين بها، وأن الابتعاد عن النمطية المتكررة التي اعتمدها التصميم العمراني في بناء المدينة الجديدة علي منجلي يساعد في معالجة المظهر العمراني ويحفز على تحقيق الانسجام الاجتماعي ويقوي الإحساس بالقبول بالعيش بهذه المدينة.  

كما أثبتت الدراسة أيضا أن جودة الحياة مقرون بالسرعة في انطلاق كل المرافق العمومية التي لم تنجز بعد بمدينة علي منجلي والعمل مستقبلا على توأمة في إنجاز المشاريع التجهيزية التي يخدم أثرها وظيفيا كل المدينة، مع تهيئة المجالات الخارجية للأحياء السكنية في فترة إنجاز المشاريع السكنية نفسها من أجل تحقيق الرضا ضمن إطار حياة ملائم يبعث على الارتقاء بجودة الحياة بمدينة علي منجلي والتي يكون فيها السكان راضين بنسب متفاوتة وبآراء مختلفة حول ظروف عيشهم وإطار حياتهم الذي هو نِتاج لتركيبة عمرانية مخططة ومصممة لم تراع عديد الجوانب التي تقوم عليها المدينة المستديمة التي تضمن جودة حياتية في عناصر البعد العمراني.

بيبليوغرافيا

الكتب

بن غضبان فؤاد، (2015). جودة الحياة بالتجمعات الحضرية: تشخيص مؤشرات التقييم. عمان: دار المنهجية للنشر والتوزيع.

Azzag, B. E. (2011) .Projet urbain; connaitre le contexte de développement durable. Alger: Synergie.

Bailly, A. (1981). La géographie du bienêtre. Paris : Presses universitaires de France.

Choay, F. (1965). L’urbanisme : utopies et réalités. Du Seuil.

Nicole, M. ; Yves, G. (2001). La ville durable, du politique au scientifique. Quae.

Toblem Zanin, Ch. (1995). La qualité de vie dans les villes françaises. Éditions université de Rouen Université de Rouen N° 208.

Vaderloge, L. (2014). Retour sur les villes nouvelles, une histoire urbaine du XX siècle. CREAPHIS.

المقالات

نصير البصري عبد الرزاق؛ حسين جمال فاطمة. (2017). مؤشرات جودة الحياة في مدينة النجف الأشرف. القادسية للعلوم الإنسانية، 20، (30)، 239-286.

Bailly, A. (1981). La géographie du bien-être. Revue de Géographie Alpine, Année 1982, (1-2), 204-206.

Belguidoum, S. (2018). Transition urbaine et nouvelles urbanités : la ville algérienne dans tous ses états. IREMAM, CNRS/EMAM, (8).

Gilles, S. ; Hamel, J. P. ; Vachon, N. (2005). 49 Forme urbaine, qualité de vie, environnements naturels et construits: éléments de réflexion et test de mesure pour la région métropolitaine de Montréal, Cahiers de géographie du Québec, 49(136), 19-43.

Antunez, K. ; Haran, L. ; Roussez, V. (2016). Diagnostics de la qualité de vie. Prendre en compte les préférences des populations. OFCE (145), 49-62.

Lakehal, A. (2017). La ville nouvelle d’Ali Mendjeli; Un espace façonné par les pratiques et les représentations des citadins ordinaires. Les cahiers d'EMAM.

Leliévre, E. ; Allan, F. (1991). La mesure de la qualité de la vie dans les zones urbaines britaniques. Persée (02), 374-379.

Mohamed Mostafa, A. (2012). Quality of life indicators in value urban areas: kasr el nil street in Cairo. Procedia- Social and Behavioral Sciences (50), 254-270.

Nait Amar, N. (2013). Constantine et la ville de Ali Mendjeli: Un nouveau pôle sans repère urbanités.

Tap, P. ; Roudés, R. (2008). Qualité de vie, souffrances et identités. Le journal des psycologues, (260), 41-47.

Shalock, R. (1993). la qualité de vie, conceptualisation, mesure et application. Revue francophone de la déficience intellectuelle, 4(2), 137-151.

الأطروحات

Barbarino, N. (2005). De la qualité de vie au diagnostic urbain, vers une nouvelle méthode d'évaluation. Thèse de doctorat en géographie, Lyon 2.

مراجع أخرى

DUAC مديرية العمران والهندسة المعمارية والبناء لولاية قسنطينة. (03، 2019). قرار نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.

URBA-Constantine. (2014). Révision du plan directeur d'aménagement et d'urbanisme du groupement (Constantine, El Khroub, Hamma Bouziane, Didouche Mourad, Ain Smara).

الملاحق 

الشكل 1: نموذج التحليل الخاص بالدراسة

المصدر: إعداد الباحثين 2020.

 

الشكل 2: أماكن توزيع الاستبيان في أحياء المدينة الجديدة علي منجلي

المصدر: مكتب الدراسات URBACO 2014+معالجة الباحثين 2020.

 

الشكل 3: التوسعات الحديثة بالمدينة الجديدة علي منجلي

المصدر: الخريطة القاعدية لمكتب الدراسات URBACO 1998+معالجة الباحثين 2020.

 

الشكل 4: تأثير الواجهات المعمارية على المظهر العمراني

المصدر: معطيات التحقيق الميداني 2019.

 

الشكل 5: مساحة التجهيزات العمومية

المصدر: معطيات التحقيق الميداني 2019.


الشكل 6: المرافق التي يطالب بها السكان على مستوى المدينة

المصدر: معطيات التحقيق الميداني 2019.

 

الشكل7: رضا السكان بسكنهم بالمدينة الجديدة في علي منجلي

المصدر: معطيات التحقيق الميداني 2019.

 


 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche