المساجد في الجزائر أو المجال المُسترجَع. مدينة وهران نموذجا*

إنسانيات عدد 53 | 2011  | الجبل: سكان و ثقافات   | ص 11-26 | النص الكامل  


دليلة صنهاجي-خياط: قسم الهندسة المعمارية، جامعة العلوم و التكنولوجيا (USTO)، وهران.


تكشف الصورة المعمارية للمساجد المشيَّدة في الجزائر منذ 1962 عن فقر حقيقي في المادة المعمارية الدينية الإسلامية بالرغم من وفرة و تعددية الأنماط التي عرفها هذا البلد في الفترة العثمانية، حيث تمثل المساجد" الجزائرية" اليوم أشكالا و نماذجا ترتبط بالفنتازيا أكثر من ارتباطها بالتقاليد أو الإبداع الذي نلمسه في العديد من البلدان الإسلامية الأخرى .

فالهندسة المعمارية للمساجد التي بنيت في الفترة الأخيرة، بقببها  و صومعاتها، تولى أهمية للزخرفة و الرمزية أكثر من اهتمامها بالبحث عن نوع من الوظائفية[1]، و لأن الطابع المعماري يغلب على الطابع الهندسي[2]، فإن المساجد تبنى حسب قوالب معمارية غالبا ما تترجم رغبة و كرم بعض المتبرعين، و يعد عدم التزام الدولة ببناء أماكن العبادة من الأسباب الأساسية في خلق هذه الوضعية.

باستثناء المساجد الكبرى ذات الصبغة الوطنية أو الجهوية التي تتدخل الدولة في بنائها على المستوى المعماري[3]، فإن مهمّة تشييد المساجد تتولاَّها الجمعيات الدينية أو الأشخاص الطبيعيين. و يحكم بناءها المرسوم التنفيذي رقم 91-81 المؤرخ في 23 مارس 1991[4] الذي ينص في مادته الخامسة على أن" المساجد تبنى من طرف الدولة، الجمعيات، الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين بعد الحصول على تصريح أو موافقة من وزارة الشؤون الدينية أو مديرية الشؤون الدينية"، حيث ترحب هذه الأخيرة بحماس المسلمين الذين يُدعَون "بالمحسنين"، و هو حماس يفَسّر دون شك بوصفه مؤشرا على الحالة الجيدة للإسلام الجزائري. فالمساجد المشيَّدة من قبل أشخاص ماديين، كما هو الشأن في مدينة وهران، هي من جهة أخرى، بنايات مسجلة ضمن أملاك مديرية و وزارة الشؤون الدينية.

كثيرا ما يترك اختيار النمط المعماري للمساجد إلى الجمعيات الدينية المموّلة من قبل المتبرعين، الذين يعدّ أغلبهم أشخاص ميسورين من أصحاب الصناعات، و الذين لسبب أو لآخر، يساهمون و يموّلون مجمل عمليات البناء في وهران. فخلال السنتين الأخيرتين تمّ البناء الكامل لمسجدين بفضل تبرعات رجلين من مُلاَّك المؤسسات الصناعية[5] حيث يكون هؤلاء الأشخاص في الغالب من الأشخاص المولعين بالهندسة المعمارية الدينية الإسلامية، لذا فإنهم يفرضون على القائمين بالأشغال نماذج لمساجد شاهدوها في الغالب على قنوات تلفزيونية فضائية أو أثناء زيارتهم للشرق الأوسط أو بمناسبة أداء فريضة الحج بمكة المكرمة. يقتضي بناء مساجد على شاكلة المسجد الكبير للمدينة المنورة أو الدار البيضاء يدا عاملة ذات كفاءة وخبرة عالية، و هو ما يعد سلعة نادرة في السوق الجزائرية. و حتى و إن تمت الاستعانة في الكثير من الأحيان بمغاربة و مختصين في النقوش الخزفية    و الجصّية، فإن المساجد عموما، تفتقد في الغالب للتناسق، ذلك أنها تُلمُّ بنوع من التعددية المتباينة في المكونات المعمارية (القباب، صومعة واحدة أو أكثر...إلخ).

إن المساجد التي بنيت مؤخرًا بمدينة وهران تكشف، لا محالة، عن خيارات فردية. فالبناية التي تمّ تشييدها بالحي المسمى "ايسطو" (USTO) تحمل اسم "مسجد التلمسانيين أو المغربيين"، ذلك أن "المحسن" الذي قام ببنائها ينحدر من منطقة تلمسان، وهي منطقة تقع في الحدود الجزائرية- المغربية. أما المسجد الذي تمّ بنائه في حي "خميستي"(Fernanville) بتمويل من متبرعين "يُدينون الاجتياح الأمريكي للعراق"، فيحمل إسم "مسجد العراقيين" بسبب قبته المقرنصة و المشابهة لتلك القبب الموجودة في بعض المساجد في بغداد.

يبقى معنى "احترام الطابع الإسلامي الأصيل للهندسة المعمارية" الذي تدعو إليه المادة السابعة من المرسوم التنفيذي الصادر سنة 1991، معنى غامضًا تشوبه الكثير من الضبابية : فإذا كانت المادة 2-7 تفرض احترام اتجاه الصلاة، فإن ما تبقّى من المواد و خاصة ما تعلق منها بعبارة " طابع إسلامي أصيل" غير وارد شرحُه و يُحمَل على تأويلات شتى. أضف إلى ذلك أن مفهوم الهندسة المعمارية "الأصيلة" يتوقف عند السلطات، في الغالب، على وجود أقواس، صومعة و قبب لا يحدّد عددها ولا طبيعتها.

الصورة 1 : مسجد ذو طابع فارسي موجود في حي "خميستي" ( Fernanville) بوهران

 

المصدر: دليلة صنهاجي خياط،2009

تذكّر كلّ من القبة المقرنصة و المنارة المشيّدة في شكل عمود سداسي بالمساجد الفارسية.

الصورة 2: المسجد المدعو " مسجد الصينيين"، تمّ بناؤه في أرزيو من طرف عمَال صينيين

 

المصدر: دليلة صنهاجي خياط،2008

يذكَر الهيكل الصيني المبني فوق القبة بالهندسة المعمارية الصينية.

الصورة 3: مسجد وهران المجهز بعدة قبب و أروقة مقنطرة

 

المصدر: دليلة صنهاجي خياط،2008

يحيل وجود القبب بشكل أساسي إلى العديد من المساجد العثمانية في اسطنبول، وهو محاكاة واسعة للهندسة المعمارية البيزنطية، إذ يبيّن الجمع في هذا المسجد بين العديد من القبب، صومعة واحدة مربعة و أروقة مقنطرة تلك الخاصية الإنفتاحية لمفهوم المعمار الإسلامي الأصيل، كما تُعرفه المادة السابعة من المرسوم التنفيذي المؤرَخ في 1991 المتعلق ببناء المساجد.

" المصاهرة " المعمارية و الموروث الكولونيالي

لقد دفعتنا هذه "المصاهرة" المعمارية إلى الاهتمام بشكل خاص بالمساجد الناتجة عن تحويل أماكن العبادة اليهودية و المسيحية إلى مساجد. ففي سنة 1962، و مع الرحيل الجماعي للأوروبيين أصبحت الكنائس و المعابد شاغرة. تحتفظ الكنيسة في الجزائر بأبرشياتها الأربعة: مدينة الجزائر، قسنطينة، وهران و الأغواط، غير أن دين الدولة أصبح الإسلام. و إذا كان تمّلك المساجد العثمانية القديمة سنة 1830 و تحويلها إلى كنائس[6] هو أحد معالم الهيمنة السياسية      و العسكرية للاحتلال الفرنسي، فإنه بعد الاستقلال، حدث العكس.

لقد عاشت الكنيسة الكاثوليكية احتلال الجزائر بوصفه استرجاعا لأرض كانت في القديم مسيحية، و هي أرض القديس أوغستين و الستة مائة أسقف.

(جورج (George)، 1977،ص. 44).و لدفع شارل العاشر (Charles X) إلى الالتزام بإرسال بعثة الجزائر، أوعز الماركيز "كليمون تونير (Clermont Tonnerre) الذي كان وزير الحرب آنذاك، إلى الملك الفرنسي بإمكانية إعادة إرساء معالم المسيحية في إفريقيا.

الصورة 4: جامع كتشاوة الذي تحول إلى كنيسة، مع وضع صليب لاتيني فوق قبة الجامع القديم

 

المصدر: مجلة الجزائر الكاثوليكية، 1938، ص3

فإذا كان هذا الطموح قد استمر بعيدا جدا عن اهتمامات جنرالات الجيش بإفريقيا فلا بدّ من الإشارة أن لويس فيليب (Louis Philippe) و بأمر ملكي صدر سنة 1830، سمح بإرسال قسيس إلى كل فرقة عسكرية. و هكذا، صاحب بعثة الجزائر ستة عشرة قسيسا دينيا و شكلوا جزءًا لا يتجزأ. فاكتشاف الآثار الرومانية[7] على أرض الجزائر منح الكنيسة حجة لإعادة بعث الكنائس الإفريقية العتيقة، "هنا، في إفريقيا الشمالية، سنجد في كل مكان و في كل خطوة آثار روما: و هو ما يثبت أننا هنا في مكاننا، أي في الصفوف الأولى للحضارة" (ليوتي، .س.د،(Lyautey)، ص. 13).

ساهم مونسينيور دوبوش (Mgr Dupuch) أول أسقف بالجزائر، و على تكاليفه الخاصة في بناء عدة كنائس، "[....] في أول جانفي 1846 تركت تقريبا ستين كنيسة، جوقة ترتيل و مصلّى، و أكثرها بنيت على حسابي الخاص"[8].

وفي سنة 1866 عرف مشروع إعادة الهيمنة الكاثوليكية على الجزائر نبضا جديدا مع تعيين رئيس أساقفة جديد لمدينة الجزائر يدعى شارل دي لا فيجري (Charles de la Lavigerie) و الذي أصبح كاردينالا فيما بعد. و كان هذا الأخير يرى في الجزائر نافدة تفتح الآفاق أمام المهمة الكاثوليكية في القارة الإفريقية برمتها. لذا فقد قام بكتابة برنامج تكوين حلقات محلية لرجالات الدين و تنظيم حملات تبشيرية في صفوف الأهالي المسلمة .

عند استقلال البلاد سنة 1962 أرادت الدولة الجديدة التعبير عن نهاية  الكولونيالية و المسيحية من خلال التأكيد على ضرورة استرجاع الهوية المسلمة للبلاد: فتجسّدت أولى التدابير السياسية التي أقدم عليها الحكام الجزائريون في استرجاع المساجد العثمانية القديمة (كتشاوة، علي بتشين، القصبة البراني)  و التي حوّلت إلى كنائس مع بداية الاحتلال الفرنسي، ليتم هكذا تحويل المعابد اليهودية و الكنائس إلى مساجد من جديد.

فالأمر يتعلق هنا بإعادة تملّك فضاءات تمّ الاستحواذ عليها و لفترة طويلة من طرف المستعمر. و ابتداء من أكتوبر 1962، دخل الرئيس أحمد بن بلة في محادثات مع المونسنيور دوفال( Mgr Duval) كما دخلت عملية استرجاع أماكن العبادة التي كانت تحت إمرة الكنيسة حيّز التنفيذ بشكل سريع. إضافة إلى أنه تمّ إنشاء لجنة مختلطة لدراسة طرق استعادة المساجد القديمة التي كانت قد حولت إلى كنائس[9] لتتخلى الدولة الفرنسية بذلك عن أكثر من أربعة مائة كنيسة للدولة الجزائرية. و من ثمّة، انخفض عددها من 567 سنة 1962 إلى 167، إضافة إلى بناء مساجد جديدة يضاهي عددها 4474 مسجدا تم بناءه في الفترة الممتدة بين 1962 و 1972.

انطلاقا من سنة 1972، و بمناسبة الاحتفالات بالعشرية الأولى للاستقلال، أقامت الدولة الجزائرية علاقات ديبلوماسية مع الفاتيكان الذي اعتبر أن كنيسة الجزائر انتقلت من وضعية المؤسسة الاستعمارية إلى وضعية الكنيسة المعترف بها رسميا في بلد يعدّ الاسلام فيه دين الدولة.

كتشاوة، نبذة تاريخية قصيرة عن التحوَّل

تعدّ كاتدرائية القديس فيليب الواقعة في مدينة الجزائر إحدى أولى أماكن العبادة المسيحية التي تمَ استرجاعها عشية استقلال الجزائر. فهذا المسجد العثماني القديم المدعو مسجد حسن باشا، و الذي تمّ بناؤه قبل 1612 على أنقاض معبد روماني، ثم أعيد بناؤه سنة 1795، كان موضوع تشاورات عسيرة بين ممثلي وزارة الأوقاف و ممثلي الكنيسة.

لقد كانت هذه الكاتدرائية مند 1832، أول مكان عبادة مسيحي نتج عن تحويل مسجد عثماني[10] إلى كنيسة. و عليه، فإن إعادة تملّك هذا المكان من قبل السلطات الجزائرية للاحتفال بتاريخ أول نوفمبر 1962[11] يحيل إلى رهانات جّد رمزية. و من هنا أصبحت الكاتدرائية الكبيرة لمدينة الجزائر - بشكل رسمي - جامع كتشاوة و ذلك إثر تصريح علني لوزارة الأوقاف و رئيس أساقفة الجزائر تمّ الإعلان من خلاله عن هذا التحول بوصفه عربون صداقة، و ذلك بالمواقفة الطوعية للكنسية باسم مسيحيي الجزائر. و كانت أول صلاة جُمعة أقيمت فيه يوم 2 نوفمبر 1962 و تمّت فوق سرداب كان لا يزال يأوي قبور الأساقفة.

التحوّلات

تمثل مدينة وهران أرضية خصبة لملاحظة التغييرات التي طرأت على أماكن العبادة المسيحية و اليهودية و التي أردفتها مساجد. فقد ساهم وجود جماعة يهودية معتبرة و سكان أوربيين في توفر المدينة على العديد من المعابد اليهودية والكنائس و المعابد البروتستانية التي تحوّلت في أغلبها إلى مساجد. وقد استدعت عملية تحويل هذه الأماكن عددا من التعديلات ذات الطابع "الديني" و ذلك بشكل منهجي: تسوية قاعة الصلاة، حذف هيكل الكنيسة و محراب المعبد، كما تم خلق مساحات للوضوء، محراب و منبر، و تمّ تقسيم المجال بين الرجال و النساء[12]. وتكمن التحولات المعمارية أساسا في بناء صومعة و تعويض الأقواس المنكسرة[13] بالأقواس المصفّفة[14].

المعبد اليهودي

بني المعبد اليهودي لمدينة وهران سنة 1880، و كان يعتبر عند بنائه أكبر صرح ديني يهودي في إفريقيا الشمالية برمتها، فقد تمّ بناؤه باستخدام الحجارة المنجورة (les pierres de taille)، و تمّ تحويله إلى مسجد سنة 1972 تحت اسم مسجد عبد الله بن سلام و هو اسم يهودي ثري اعتنق الإسلام في المدينة المنورة. يمثّل هذا المعبد الأثري، الذي لا يزال يحتفظ بمكانته في الوسط الحضري، معلماً للذاكرة ينوّه بالتاريخ اليهودي في مدينة وهران. و باستثناء بعض المصلين الذين عايشوا الزمن الكولونيالي و الذين يقيمون الصلاة اليوم في هذا المعبد اليهودي السابق، فإن أغلبية سكان وهران و خاصة جيل الشباب يجهلون الوظيفة الأولى لهذا المعلم الديني. فبعض الشباب، عندما يعلمون أن هذا المسجد هو معبد يهودي قديم، يرفضون الذهاب إليه مجددًا لأداء الصلاة. بالمقابل، فإن الأشخاص المتقدّمين في السن لا يرون أي حرج في التردد عليه. و عندما يُسألون عن السبب، فإنهم يستذكرون معايشتهم القديمة ليهود المدينة و يرون في هذا التحول للفضاء الديني، تعاليا للدين الإسلامي.

يعدّ المعبد اليهودي لمدينة وهران تصميما بازيليكيا يتكون من ثلاثة أروقة، رواق أساسي و رواقين أسفل الجانبين يحدّهما صفَان من الأعمدة.

أمّا قاعة الصلاة المبنية على مستويين في شكل مستطيل فتنتهي بمحراب مرفوع في شكل تقويس موجه نحو القدس. و قد تم الاحتفاظ أثناء التحويل بنفس اتجاه الصّلاة[15]. كما تم تحويل منبع الماء إلى مجال للوضوء. أمّا فيما يخص الطابق الأول، فقد تم تخصيصه للنساء. ويتمثل التعديل الأكثر ظهورا للعيّان في بناء جدار فاصل[16] داخل قاعة الصلاة حيث يوجد المحراب[17].

يمثل هذا الأخير، أي المحراب، عنصرا من العناصر المعمارية المهمة في بناء المساجد. ففي شكله شبه الدائري يبدو المحراب بابا أو إطار باب، و هو يتكون من قوس و من دعامتين أو بالأحرى دعامات صغيرة موضوعة هنا و هناك أما الجدار داخل المحراب وهو مبني كلية من الخزف الصيني. كما يحيط بقوس المحراب شريط يحمل نقوشا لآيات قرآنية وعبارات في التقوى دون أية مراجع كليغرافية حقيقية. أما المنبر[18] فيوجد على يمين المحراب و يعود الأصل فيه إلى منبر الوعظ القديم[19] للمعبد اليهودي ويعلوه هلال و أخاديد. المنبر هو عنصر أساسي في الهندسة المعمارية الدينية الإسلامية، و يعود أصله إلى منابر الوعظ الموجودة في المعابد اليهودية و السراديب المسيحية البدائية (غولفين (Golvin)، 1960(.

أما من الخارج، فقد كان المعبد اليهودي، الذي تمّ تحويله إلى مسجد يحتكم على برجين شامخين متشابهين يذكران بالهندسة المعمارية للصومعات.

و مع بنائه سنة 1880، تمّ تسجيله في إطار حركة " العروبة" التي شجعتها حكومة جونارت (Jonnart). فهذه الحركة التي تطوّرت في بداية القرن العشرين في الجزائر، ارتبطت تقريبا بكل البنايات العمومية التي بنتها فرنسا[20] بين سنتي 1900 و 1930. و مع اقتراب الذكرى المئوية للتواجد الاستعماري بالجزائر، فإن فرنسا المستعمرة غيّرت سياستها المعمارية منادية رسميا[21] بهندسة معمارية أكثر قربا من الثقافة المسمَاة بالثقافة "الأهلية". تمّت ترجمة هذه المقاربة الجديدة للمستعمر من خلال البنايات المشيدة[22] و من خلال إضافة القبب، الصومعات و شبابيك من الأقواس.

لقد ميّز هذا النوع من المعمار مرحلة الانتقال من (طابع الحامي  (le protecteur) إلى طابع الغالب (le vainqueur)، بقين (Béguine)، 1983، ص. (1  في بلد تمّ استرجاعه كلية. يعتبر هذا التوجه بمثابة "جملة من الطيّات المورفولوجية المحددة للتجليات الكبرى للتواجد الفرنسي بشمال إفريقيا" انطلاقا من التفاصيل البسيطة و وصولا إلى المفهوم الشامل للمنشأة، و المعبد اليهودي لمدينة وهران هو أحسن مثال على ذلك.

فوجود صومعتين[23] في الواجهة الأساسية، و كذا عدد من القبب، الأقواس المتجاوزة و الأقواس المقرنصة يضفي على المعبد اليهودي لمدينة وهران صبغة يهودية عربية.

الصورة 5: الواجهة الأساسية للمعبد اليهودي الكبير بمدينة وهران

يمكن رؤية صومعتي المسجد إلى غاية اليوم بشكل واضح إلى غاية الآن.

 

المصدر: دليلة صنهاجي، 2009

ويبقى المعبد اليهودي مثالا عن التغيير السهل، ذلك أن هندسته المعمارية وفضاءاته الأصلية تتشابه إلى حدٍّ كبير مع الطابع "الإسلامي".

الكنائس    

من المؤكد أنه لا غنى عن التغييرات المعمارية الدينية، حسب الحالات، في مختلف التعديلات. ففي الكنيسة السابقة "سيدة العمل" التي أصبحت اليوم مسجد "النصر"، و التي بنيت على المستوى الأرضي نفسه، تمّ حذف درج الهيكل بسهولة، غير أن المحراب يتواجد عكس اتجاه القبو بشكل قطري، بالقرب من صحن الكنيسة السابق. يتكون المنبر من منصّة خشبية موضوعة يمين المحراب. لقد بنيت الكنيسة السابقة على مساحة كبيرة و لذلك لا تزال تحتفظ بشكلها الأصلي. كما تمّ بناء فضاءات ملحقة في الخارج: فناء يسمح بدخول أشعة الشمس، قاعة للصلاة مخصّصة للنساء و مدرسة قرآنية للأطفال، إضافة إلى صومعة مربعة الشكل و نافورة للوضوء تزين ساحة المسجد.

بعد أن تحوّلت هذه الكنيسة إلى مسجد "قباء" فقدت شكلها العرضي، فقد تمّ بناء فضاء مخصّص للوضوء في الساحة القديمة للكنيسة والتي تمّ رفعها بطابق لخلق فضاء للصلاة خاص بالنساء. كما أدى بناء هيكل جديد من الخرسانة يعرف باسم "هيكل الأعمدة و القضبان العارضة" إلى اختفاء الشكل الأصلي للكنيسة. من ثمة أصبح للبناية شكل طولي ممتد[24] حيث يسمح "هيكل الأعمدة  و القضبان العارضة" بالحصول على قاعات معمّدة مشابهة لتلك الموجودة بالمسجد الأول للمدينة المنورة والتي تمخّضت عن بناء القاعات الكبرى المعمدة للمسجد الكبير للأمويين بدمشق "و مسجدي القيروان و قرطبة". ففي الكنيسة القديمة للسيدة العذراء تم تثبيت المحراب و المنبر بالطوب في قلب الجدار، كما حُذف الجرس و تمّ تعويضه بصومعة مربعة الشكل. فعند التحوّل، وحتى و إن تنوّعت الأشكال وطرق المعالجة، تبقى الصومعة عنصرا ماديا، رمزيا و خاصا بالمساجد. إنها تشكّل عنصرا لا غنى عنه في الواجهة الرئيسية وهو عنصر يساهم في بناء ظاهرتها الأثرية. لم يكن مكان تواجدها ذاك من باب الصدفة، وإلى غاية وصول الموحّدين إلى الحكم، كانت تتواجد في محور الرواق المركزي المتواجد في الواجهة الرئيسية، كما يظهر ذلك من خلال المساجد الأموية (غولين 1960، ص. 55). فكلّ الصومعات في الكنائس التي تم تحويلها إلى مساجد موجودة على يمين الواجهة الرئيسية. الأقواس تشكل العنصر الثاني الظاهر من الخارج، و هي عناصر معمارية من الدرجة الاولى في المساجد، إذ أنها موجودة في كل حالات التحول: فالأقواس المنكسرة " يعاد تشكيلها"[25] في أقواس مصففة أو متجاوزة[26]. هذه الصومعات، التي تظهر في شكل مربّع بفتحات متعددة، تدخل في إطار التقليد الجاري في بناء الصومعات-المنارات المغاربية بوصفها عنصرا معماريا كلاسيكيا في مساجد شمال إفريقيا.

الصورة 6: مخطط تمثيلي للمعبد البروتستاني قبل و بعد تحويله إلى مسجد

    

المصدر: دليلة صنهاجي، 2009

المعبد البروتستاني

إنّ المعبد البروتستاني القديم لمدينة وهران و الذي حُوّل إلى مسجد سنة 1982 تمّ بناؤه في مساحة أرضية مربعة صغيرة بين بنايتين في وسط المدينة الكولونيالية[27] القديمة. في الداخل، حذف درج الهيكل و تمّ الإبقاء على اتجاه الصلاة نفسه، كما خُصّص الطابق الأرضي و الطابق الأول للرجال. أما فيما يخص الوهَن أو غرفة المقدسات المجاورة للكنيسة فقد تحوّلت إلى فضاء للوضوء. كذلك، تحوّل المنزل السابق للقس إلى مدرسة قرآنية و يستخدم في بعض الأحيان كمكان لصلاة النساء. في الخارج، تمّت إزالة الصليب المنقوش فوق المدخل الرئيسي، كما تمّ نزع الجرس. و من ثمة، تمّ بناء صومعة مربّعة الشكل عند المدخل و هي موجودة في الرواق الرئيسي للمعبد القديم، على عكس الصومعات الموجودة في الكنائس التي تمّ تحويلها إلى مساجد خاصة بالزوايا.

خلاصة

تسمح التعديلات، على المستوى المعماري، بتحديد مكوّنات المسجد "الجزائري" الجديد. و تعود التعديلات ذاتها بشكل منتظم بالنسبة لثلاثة مكونات للمسجد هي: المحراب، المنبر و الصومعة. فقد أصبحت الأروقة الموازية لصدر الكنيسة موازية لجدار القبلة أو حنية التوجيه في المسجد، و هو عنصر ظاهر للعيّان في المسجد الكبير للأمويين بدمشق :

"ثلاثة أروقة في قاعة الصلاة تذكّرنا بالهندسة المعمارية للكنائس المسيحية. لكنّ توجه المسجد و توجّه الكنيسة مختلفان تماما، ففي حين تنظم الجداريات على حسب توجّه الأروقة للوصول إلى الصدر ، فإن صفوف أعمدة المسجد توجد أمام جدار القبلة. هكذا، فإن المصلين يقفون للصلاة بالموازاة معها" (أندرلاين (Enderlein)، 2000، ص ص. 64-71(.

تكشف الخيارات المعمارية المنتقاة في الجزائر بغرض تحويل أماكن العبادة اليهودية و المسيحية إلى مساجد عن الخاصية الضبابية للقانون التشريعي الجزائري فيما يتعلق ببناء المساجد. وفي تأكيدها فقط على احترام القبلة و الطابع الأصيل و الإسلامي المفترض للمساجد، فتحت النصوص القانونية المجال أمام تأويلات معمارية شتى، حتى و إن كانت تُنعت بالإسلامية. إنّها تكشف، من جهة أخرى، عن غياب محاولة المزج المعماري في أماكن العبادة الخاصة بالديانات التوحيدية.

المترجم: صورية مولوجي- قروجي

 

البيبليوغرافيا

Beguin, François, Arabisances, décor architectural et tracé urbain en Afrique du Nord : 1830-1950, Paris, Dunod Editions, 1983.

Enderlein, Volkmar, « Syrie et Palestine : le califat des Omeyyades-Architecture », in Hattstein Markus et Delius Peter (dir.), Arts & Civilisations de l’Islam, Hagen, Éditions Könemann, 2004, pp. 64-71.

Georger, Alphonse, Contribution à l’histoire des Paroisses en Algérie : la paroisse de Cherchell (1840- 1910) aspects historiques et canoniques, thèse de IIIe cycle en Droit canonique, Université de Strasbourg, 1977.

Golvin, Lucien, La mosquée : Ses origines, Sa morphologie, Ses diverses fonctions, Son rôle dans la vie musulmane, plus spécialement en Afrique du Nord, Alger, Typo-Litho et Jules Carbonel réunies Éditions, 1979, Essai sur l’architecture religieuse musulmane, Paris, Klincksieck Editions, 1960.

Klein, Henri, Feuillets d’El Djazair (troisième volume) : « Le Vieil Alger et sa banlieue », notes complémentaires, lettres, écrits divers, documents graphiques, relevés aux archives du ministère de la Guerre 3, Alger, Imprimerie orientale Fontana Frères, 1912.

Lyautey, Hubert, s.d, Le visage de l’autre France, Afrique du Nord, Paris, Horizons de France, p. 13.

Senhadji-Khiat, Dalila, Lieux de cultes et architectures, Réappropriations et transformations à Oran de 1962-2002, Magister, Oran, Université des sciences et de la technologie Mohamed Boudiaf, 2003.


الهوامش

* صدر هذا المقال لأول مرة باللغة الفرنسية في مجلة العام المغربي، عدد 2010.

[1] يصبح تصميما ما عمليا في الهندسة المعمارية عندما يتم التفكير فيه و ترتيب المساحات بشكل يسمح لعملية البناء أن تتم بالشكل اللائق. ففي المساجد المغاربية، على سبيل المثال، والتي تعد بمثابة مرجع ، فإن المساحات المخصصة للوضوء يتم غالبا تهيئتها في قلب المسجد. فنافورة الوضوء هي التي تمكن من الدخول مباشرة إلى قاعة الصلاة. حاليا، يتم إنشاء هذه المساحات في بعض المساجد في أماكن بعيدة نوعاً ما عن قاعة الصلاة، لذا يضطر المصلون إلى الانتقال من جهة إلى جهة أخرى في المسجد. من ناحية أخرى، مرّ زمن طويل لم تعد تستخدم فيه الصومعة من أجل المناداة للصلاة. نفس الشيء بالنسبة للقبة التي كانت تستخدم في القديم، خاصة في المناطق ذات الأجواء الحارة، للتهوية. أما اليوم، فقد أصبح دورها جماليا يحفظ أحيانا حجمية المساجد لا غير.

[2] يحيل المعماري إلى كل ما هو زخرفة و ديكور، في حين أن الهندسي يحيل إلى حجمية و تركيبة المساحات.

[3] لقد تم انشاء مشروع الجامع الكبير بمدينة الجزائر، مثلا ، برعاية رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة.

[4] المرسوم التنفيذي رقم 81-91 المؤرخ في 23 مارس 1991 و المتعلق ببناء المساجد، وظائفها، تنظيمها      و تسييرها.

[5] تم تدشين أول مؤسسة تحمل تسمية مسجد ايسطو (USTO) (جامعة العلوم و التكنولوجيا) بشكل رسمي من قبل مدير الشؤون الدينية باسم وزارة الشؤون الدينية، أما ثاني مؤسسة هي في طور الانجاز و تكاد الأشغال بها تكون منتهية فهي تحظى بالزيارة المنتظمة لمدير الشؤون الدينية الذي يتفقد نسبة تقدم الأشغال فيها.

[6] " سنة 1832، تم تحويل مسجد كتشاوة الواقع في شارع ديفان (Divan) إلى كنيسة مسيحية، و نفس الشيء حصل سنة 1839مع المسجد الخارجي للقصبة، و كذلك حدث مع مسجد بتشين، شارع القصبة سنة 1843".

" بعد 1830، أصبحت هذه العبادة تقام في معابد تجسدت في مساحات قديمة كجامع كتشاوة حيث أقيم القدَاس لأول مرة بتاريخ 24 ديسمبر 1832 من طرف رئيس الدَير القسيس العسكري كولين (Collin)، و كذلك أصبح كل من جامع القصبة و جامع علي بتشين على التوالي: كاتدرائية القديسة كروا (Sainte-Croix) و كاتدرائية سيدة الانتصار. ينظر هنري كلاين (Henri Klein) 1912، ص.ص. 31-61) .

[7] لقد شكلت الآثار الرومانية موضوع عدة بيانات، فقد ساهم ألبار بالو (Albert Ballu) مصمم أول كنيسة بنيت بوهران أثناء فترة الاحتلال الفرنسي، في الاستكشافات العلمية للمدن الرومانية ومن بينها مدينة تيمڤاد.

[8] Archives archevêché, Alger (AAA) 19, Dupuch, Rapport au Pape du 29 Janvier 1846, pp. 50-51.

[9] لم يتم العثور على أية تفاصيل بخصوص هذه اللجنة في الأرشيف و لا في الجريدة الرسمية لسنة 1962. الأسماء و القرائن الوحيدة التي بحوزتنا موجودة في سجل : Algérie de l’ Annuaire de l’Afrique du Nord, Paris, Edition CNRS, 1963

[10] كانت فرنسا قد عقدت اتفاقية مع داي مدينة الجزائر الذي كان يتوقع احترام و حرية ممارسة الدين الإسلامي وسلامة هذه المناطق المخصصة للعبادة (إتفاقية بورمونت Bourmont ).

[11] تاريخ الاحتفال بالثورة الجزائرية التي اندلعت سنة 1954 و التي أصبحت عيدا وطنياً.

[12] عندما تسمح بذلك مساحة الكنيسة القديمة. فقد مكَن المعبد اليهودي بفضل مساحته الكبيرة بالحفاظ على طابق للنساء. كما أن الكنيسة القديمة "سيدة العمل" (Notre Dame du Travail) كانت تتوفر على مساحة أرضية كبيرة سهلت من عملية بناء مجال مخصص للوضوء و قاعة صلاة للنساء خارج الكنيسة القديمة المخصصة للرجال فقط.

[13] القوس المنكسر هو قوس يتجه جانبيه نوعا ما نحو مركز القوس.

[14] القوس المصفف هو قوس في شكل نصف دائرة مثالي.

[15] اتجاه الصلاة عند اليهود نحو القدس، و عند المسيح نحو الشرق و عند المسلمين نحو مكة. و كلها في مدينة وهران تتجه نحو الشرق، لهذا، فإنه عند التحويل بقي توجه الكنيسة السابقة أو المعبد اليهودي هو ذاته. تعرف مدينة وهران حالة واحدة فقط يوجد فيها اتجاه الصلاة في الاتجاه المعاكس، قطريا، لهذه الكنيسة، و يتعلق الأمر هنا بالكنيسة السابقة " سيدة لورد" ( Notre Dame de Lourdes)، حيث يصلي فيها المسلمون بالقرب من مجاز الكنيسة السابقة.

[16] يتوفر المعبد اليهودي لمدينة وهران على طابق تحت أرضي، كما تتكون بنيته من جدران مبنية من الحجارة المنجورة. وأثناء التحويل، تسبب حذف درج المحراب بغية تسوية أرضية قاعة الصلاة في مشكل بنيوي جد حاد. لهذا تحديدا تم تبني الحل القائم على وضع جدران فاصلة داخلية، و التي تم بناءها انطلاقا من المحراب، " حاجبة" بذلك الدرج الذي أصبح في خلفية الصورة. حاليا يستخدم هذا المجال بوصفه ملحقا خاصا بإمام المسجد.

[17] كلمة المحراب تعني "قصر"، "حنية"، "مدخل"، "غرفة"، "شرفة" أو "معرض"، Encyclopédie de l’Islam, 1993, article  « mihrab » فهو يحتل وسط الجدار و يشير إلى اتجاه مكة. كما يعود تاريخ ظهوره في المساجد إلى بداية القرن الثامن، أما نشأته فيعود الأصل فيها إلى محارب المعابد اليهودية البدائية و المحارب المسيحية.

[18] المنبر هو المِنصّة مخصصة للإمام، و هو نوع من اللوح المرفوع الذي يتم من خلاله إلقاء الخطبة. و قد كان مخصصا، في العصور الأولى للإسلام، للسلطان أو الحاكم الذي كان يخاطب من أعلاه المسلمين أثناء صلاة الجمعة. فالمنبر هو المجال الرمزي للسلطة في الجامع الكبير الذي تلتف الجماهير من حوله لسماع خطبة الجمعة.

[19] من ثمة، يعد منبر الوعظ الأداة المادية الثقافية الوحيدة الموروثة و المحافظ عليها إلى يومنا هذا.

[20] يشكل البريد المركزي بمدينة الجزائر و محطة السكة الحديدية بمدينة وهران أهم مثالين عن هذه الحركة التي تواجدت بقوة في الجزائر.

[21] في بيان صدر سنة 1905، فرض الحاكم العام " جونارت" الطابع المورسكي طابعا للدولة. كما صدر بيان آخر في 04 مارس 1906 يخص استخدام الطابع المورسكي الجديد في تشييد البيانات العمومية.

[22] يشهد عدد كبير من المنشآت وإلى غاية اليوم على هذه الحركة، خاصة البريد المركزي لمدينة الجزائر   و أيضا محطة السكة الحديدية بمدينة وهران.

[23] لا تحتاج الديانة اليهودية لا إلى صومعات و لا إلى أجراس للنداء إلى الصلاة.

[24] المجال الطولي تم بناؤه في اتجاه الطول عكس المجال العرضي و الذي يبنى في اتجاه العرض. فالتصميم الكلاسيكي للمسجد غالباً ما يكون بعكس تصميم الكنيسة العرضي.

[25] تغيير القوس المنكسر بقوس مصفف هي مهمة يكلف بها في الغالب بناؤون ليست لهم معرفة كافية أو حسن تدبير، إذ ينتجون أشكال غير منسجمة تحمل آثار التعديلات الرديئة التي تتكشّف في الكثير من الأحيان عن آثار الهندسة المعمارية الدينية المسيحية و خاصة الرومانية.

[26]إحالة دون شك إلى المساجد الأولى في الاسلام، بما فيها مسجد الأمويين بدمشق و قبة الصخرة بالقدس.

[27] موجود بين ممريين مهمين، طريق واجهة البحر و شارع خميستي.

 

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche