(جسد المرأة والدلالات الرمزيّة: دراسة أنثروبولوجية بمدينة عمّان (الأردن

 إنسانيات عدد 59 | 2013 | الأسرة، ممارسات و رهانات مجتمعية | ص11-31 |النص الكامل 


Woman’s body and signs of Avatar: an anthropological study in Amman (Jordan)

Abstract: This study starts from the hypothesis that the woman’s body is much more an existing historical, cultural and social construction of the domineering forces in society than of a biological or natural gift.
Accordingly, this sociological investigation, carried out in the city of Amman, Jordan, tackles the social construction of the woman’s body as an issue of conflict between the forces of tradition and modernity.
It is indeed an observation of three types of this body. First, the legitimate or the public body in the individual, then the fetish body that expresses the logic of free market and the culture of consumption. And last but not the least, what is called by the libertine body, which tends to change from the state of being a production of external social forces to that of personal manageable property, relevant to its own authority, decisions and choices, as a subject capable of keeping distance from its community.
As we have pointed out, following our schematic, to the scarcity of this libertine body, particularly in popular neighborhoods, and to the dominance of the legitimate body on the space of the city. Where it is the largest and most spread one among all classes and categories, especially among the poor and the vulnerable. Despite its embodiment and manifestations at the level of practice, it remains the predominant unchallenged body.

 Keywords : sprawling body, amputated body, legitimate Body, fetish body, libertine body, Amman, Jordan


Maysoon UTOOM: Université de Amman, Jordanie.


مقدّمة

لئن أصبحت البحوث الأنثروبولوجيّة والسّوسيولوجيّة المتعلّقة بالجسد منذ أوائل السّبعينات من القرن الماضي بكلّ من أمريكا وكندا وأوروبا الشّماليّة والغربيّة تعدّ من المداخل الكبرى في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع، فإنّ هذا المجال ما يزال في بداياته في المجتمعات العربيّة.

وقد يكون للتّحوّلات الاجتماعيّة والسّياسيّة الكبرى التي تشهدها أغلب المجتمعات العربيّة في الوقت الرّاهن أثر بالغ في دفع و توجيه الانسانيّات عموما والسّوسيولوجيا والأنثروبولوجيا على وجه الخصوص إلى البحث في موضوع الجسد الذي كان وما يزال من المواضيع المغيّبة والمنسيّة والمسكوت عنها في هذه المنطقة من العالم.

سينطلق بحثنا في الجسد بصفته عالَما صغيرا أو قُل "ميكروكوزم" (microcosm) داخل "مَاكْرُوكُوزم" (macrocosm)، وسننظر إليه كبقايا وكآثار   أو كذاكرة أو بعبارة أخرى كلغة تحيلنا بصورة مباشرة أو بصفة غير مباشرة على الرّؤى و القوى الاجتماعيّة التي تعمل على تشكيله ورسم حدوده وصياغة معانيه.

وسنحاول، في هذا المقال، اقتفاء أثر موس[1] (Mauss) معتبرين الجسد كمجموعة من الأدوات أو التّقنيات الّتي من خلالها سيتمّ كشف واكتشاف كلّ هذه التّسميات وكلّ هذه القوانين وكلّ هذه الإمضاءات والإمضاءات المضادّة التي تُكتب على الجسد من قبل القوى الاجتماعية المتصارعة. فنحن سننظر، إذن، إلى جسد المرأة بمدينة عمّان بالأردن كرهان للصّراع الاجتماعيّ بين خطاب اللّيبراليّة الجديدة، هذه الرّأسماليّة على نطاق عالمي الّتي تسمّي نفسها تارة تقدّما أو حداثة وتارة أخرى اقتصاد السّوق أو عولمة، وبين الخطاب التقليدي للاقتصاد المعيشي الّذي يعتمد على الملكيّة الصّغيرة وعلى الإنتاج الصّغير والّذي يريد أن يُعرّف نفسه باقتصاد الشّرف او بالاقتصاد المحلّي وتصفه الحداثة بالاقتصاد البدائي   أو الاقتصاد القديم الّذي آن له، من وجهة نظرها، أن يستقيل، بل يزول.

ونظرا إلى أنّنا ارتأينا أن نرصد الصّراع القائم بين أهمّ القوى الاجتماعيّة للكتابة على جسد المرأة، فإنّه تبعا لطبيعة الموضوع لا يمكن لنا أن نتّبع أثر المنهج البنيويّ الّذي يرصد البُنى المستقرّة نسبيّا والعلاقات المتكرّرة والظّواهر اللاّمتغيّرة لزمن معيّن إذ أنّه لا يمكن لنا أن نرصد هذا الصّراع حول الجسد وما يتطلّبه من استراتيجيات وتغيير للمواقع.

ولا يمكن لنا أن نبني هذه القوى الفاعلة في الجسد إلاّ إذا اقتفينا أثر السّوسيولوجيا الدّيناميكيّة التي تعمل على رصد  الصّراع و ما ينتج عنه من تكتيكات واستراتيجيّات وتكنولوجياّت للدّفاع والمقاومة والتخفّي.

لقد دار البحث الميدانيّ بمدينة عمّان في الأردن في ربيع وصيف سنة 2012، ويرجع اختيارنا لهذه المدينة دون سواها لا إلى اعتبارات ذاتيّة فحسب و أهمّها أنّ الباحثة تعيش بعمّان وتعرف المدينة من الدّاخل معرفة جيّدة، ولكنّه أيضا لاعتبارات موضوعيّة أهمّهاّ أنّ عمّان مدينة مفتوحة على الغرب وعلى الحداثة وعلى اقتصاد السّوق وعلى العولمة مثلها مثل بيروت والدّار البيضاء وتونس العاصمة، لكنّها في الآن ذاته متأصّلة في تاريخ قديم حيث لا تزال العشائر والقبائل والبداوة فاعلة في حاضرها مثلها مثل جدّة وصنعاء وبغداد والدّوحة والمنامة وطرابلس العاصمة. فالصّراع في هذه المدينة بين "التقاليد" والحداثة" ما يزال على أشدّه. ولا ندري أيّة قوّة اجتماعيّة تكون الحرب لها أو عليها في الوقت الذي حسم فيه هذا الصّراع منذ أمد بعيد في المغرب العربي وفي لبنان إلى حدّ بعيد.

ويرجع اختيارنا أيضا إلى أنّ عمّان مدينة متكوّنة من طبقات وشرائح اجتماعيّة ثريّة كأكثر ما يكون الثّراء والسّعة وطبقات فقيرة كأقصى ما يكون الفقر وضيق اليد وطبقات متوسّطة عريضة متكوّنة من الموظّفين وصغار التّجّار والحرفيّين بدأت تضعف شيئا فشيئا في هذه السّنوات الأخيرة وتقترب من الفقراء والمهمّشين. إنّ مثل هذا الفضاء سيساعدنا على توجيه البحث إلى هذا الاستقطاب بين الفقر والغنى وبين الأصالة والمعاصرة لنتمكّن من رسم الفوارق في عمليّة توزيع المعاني وكتابة القوانين على جسد المرأة بين القوى الفاعلة في الصّراع الاجتماعي.

ولقد اعتمدنا في هذا البحث على مجموعة من الأدوات والتقنيّات أهمّها الوصف الإثنوغرافي للفضاءات والآليات للعناية بالجسد. كما اعتمدنا في الآن ذاته على مقابلات حرّة لعشرين شخصا من النّساء والرّجال من طبقات اجتماعيّة وعمريّة مختلفة وركّزنا مقابلاتنا خاصّة على امرأتين رأينا أنّهما تمثّلان نموذجين مختلفين للمرأة الأردنيّة. تنتمي إحداهما إلى المستضعفين وتعبّر عن رؤيتهم لجسد المرأة ولكنّها قادرة في ذات الحين على اتّخاذ المسافة على حدّ عبارة براشت (Brecht) لكونها طاعنة في السّنّ، ولكونها كذلك فهي قادرة أن تقول ما لا تقوله نساء شابّات وهي أمّ زياد، في حين تنتسب الثّانية إلى الطّبقات العليا وتتكلّم بلغتهم حول المرأة وحول الجسد وهي قادرة هي الأخرى على اتّخاذ المسافة ونقد الذّات لكونها مثقّفة وشاعرة وهي السّيّدة جيهان. ونحن باختيارنا لهاتين الشّخصيتين أردنا أن نقتفي أثر هذه الأعمال الكلاسيكيّة التي تمكّنت من النفاذ إلى الأعماق من خلال إعطاء الكلمة إلى شخص واحد أو إلى بضعة أشخاص كتلك الأعمال الأنثروبولوجيّة التي قام بها ليو سيمونس[2](Léo W Simmons) أو أسكار لويس[3](Oscar Lewis) أو عبد الملك صيّاد[4].

وقد ارتأينا أن نوجّه بحثنا في إشكاليّة الجسد بمدينة عمّان إلى ثلاث واجهات. على واجهة أولى سنحاول البحث في أهمّ القوى الفاعلة وفي أهمّ الرّؤى والتمثّلات المهيمنة التي تعمل على بناء جسد المرأة ورسم معالمه واعطائه معنى وعلى واجهة ثانية سوف يتمّ البحث في أهمّ المصانع و الآليّات والأدوات والتّكنولوجياّت التي تتواجد بفضاء عمّان والتي تستخدمها القوى الفاعلة في إنتاج وإعادة إنتاج جسد المرأة. وفي واجهة ثالثة وأخيرة سوف نحاول رسم أطلس لأهمّ النّماذج لجسد المرأة التي تمّ إنتاجها والمحافظة عليها بمدينة عمّان خاصّة وبالمجتمع الأردني على وجه العموم.

 1.القوى الفاعلة في صناعة جسد المرأة

 1 .1الجسد الممتد وعلاقته بالأصالة

إنّ الحديث عن الجسد من وجهة نظر اقتصاد الملكيّة الصّغيرة يعني بالضّرورة الحديث عن الأرض بل عن الطّبيعة بأكملها. فالجسد في رؤية المزارع الصّغير (Peasant) هو جسد بدون حدود وبدون حواجز. فلا فرق لديه بين جسد الفرد وجسد المجموعة وجسد الأرض. وتنتفي الحدود لديه بين الكائنات الإنسانيّة والأشياء. فهو إن أراد الدّفاع عن نفسه وعن شرفه كان لزاما عليه أن يذود عن العرض أي عن جسد المرأة سواء أكانت أمّاً أو أختاً أو حبيبة، إذ أنّ المرأة بالنّسبة إليه حُرْمة يجب أن تصان و لا يمكن أبدًا الذّوْدُ عن الشّرف والحرمة من دون صيانة الأرض وحمايتها وعدم إهمالها وتركها بيد الأجانب والدّخلاء.

هكذا إذن يكون الجسد من وجهة نظر المزارع الصّغير أو البدويّ. إنّه جسد ممدود إلى ما لا نهاية. إنّه جسد ممتلئ ومسكون بالطبيعة بأكملها، بالكائنات الإنسانيّة وبالحيوانات والأشياء، باللّه والشّيطان، بالجنّ والملائكة، بالغول والأشباح...

فالبدويّ أو المزارع الأردني يعمل بطريقة واعية أو لاواعية لا فحسب لمراقبة جسده و ذلك بتهذيبه وتدريبه وترويضه وتحصينه لإخضاعه لقوانين القبيلة أو العشيرة الّتي ينتمي إليها وإنّما نراه يعمل أيضا على محاصرة هذا الجسد وذلك بمعاقبته وتأديبه وتعذيبه لا بل بإعدامه أو شنقه والتخلّص منه أمام العموم كلّما اكتشف أنّ هذا الجسد الّذي هو جسده هو غيرُ ملائم لجسد الجماعة أو قل هو جسد متوحّش وغريب ومرتبك ومرتدّ وغير مبال بقوانين القبيلة وطريقة عيشها.

هكذا يفضّل المواطن الأردنيّ في هذه الحالات أن يثور ضدّ جسده وأن يتنكّر له فيقوم بإقصائه وبالتخلّص منه وذلك بالإنتحار أو الموت البطيء. عندما يصل الحدّ إلى الانتحار واستحالة الحياة فإنّ كلّ محاولة لإصلاح العطب الذي حصل في الشّأن العام أي في النّظام الإجتماعي بتحويله إلى عطب في تقنيات الجسد الفردي و في آليّاته الخاصّة تصبح محاولة يائسة لا طائل من ورائها. وبنفس الطّريقة أيضا تصبح إعادة إنتاج الجماعة بقتل او استبعاد الفرد الذي يخرج عن منظومة الأعراف والمحرّمات أمراً بديهيّا وطبيعيّا ومشروعا. فالمرأة التي تتصرّف بجسدها دون إذن ومباركة الجماعة تلحق الضّرر والعار بجسد الجماعة كلّها وتصبح من هذا المنطلق الجزء الفاسد الذي يستحقّ البتر أو العقاب. وهكذا لا يعود مستغربا أن تُختزل في جسد المرأة كل معاني ورمزيات العفّة والشّرف على اعتبار أنّ هذه المعاني هي جزء لا يتجزأ من شرف الجماعة قبيلةَ كانت أم عشيرةَ.

وفي الوقت الذي تكون فيه الهيمنة والسّلطة بيد الذّكور والذّكور فقط، فإنّ من تقع على عاتقهم مهمّة حماية وصون شرف العائلة أو العشيرة ومنعه من السّقوط في يد الأعداء هم الذّكور أيضا. إنّ ما لاحظه بييير بورديو[5](Pierre Bourdieu) حول الهيمنة الذكورية بمنطقة القبائل الأمازيغيّة بالجزائر وما ينتج عن ذلك من غياب للمرأة وحضور للرّجل في الفضاء العام هو ذاته الذي يقع في المجتمع الأردنيّ الرّاهن. فترى في العشائر الأردنيّة مثلما ترى في المجتمع القبائليّ الأمازيغيّ بالجزائر أنّ أخلاق الشّرف الذّكورية تحرّضُّ الرّجال على أن يكونوا رجالا أي على التصدّي وعلى المواجهة وعلى النّظر إلى الآخر في العين ومن الأعلى على حدّ عبارة بورديو في حين أن المرأة تعلن عن طاعتها وخنوعها بانحناء جسدها وبالنظر إلى الأسفل وعدم فتح العين أو مدّها على جسد الذّكور.

ومن هنا يصبح الجسد هو الفضاء الذي تتمّ فيه ومن خلاله كتابة القوانين وترك بصمات الإمضاءات والإمضاءات المضادّة بخطّ غليظ وواضح للقوى الاجتماعيّة المتصارعة.

فهذا الجسد الممدود إلى ما لا نهاية هو، بطبيعة الحال، ليس بجسد فريد منفرد وحيد يمكن اجتثاثه بسهولة من الأرض. إنّه ليس بريشة في مهبّ الرّيح، بل هو متجذّر في الأرض ومنتم انتماءً صريحا إلى جسد الجماعة. لذلك فإنّ جسد الفرد بشكل عام وجسد المرأة على وجه الخصوص هوّ في الواقع جزء لا يتجزّأ من جسد العشيرة أو القبيلة بأكملها. وكثيرا ما تُختزل المرأة في الجسد في هذه المجتمعات وتكون هي الرّمز وهي المجاز وهي العَلَمُ الّذي يَخْتَزِلُ في ذاته جسد الجماعة كلّها. فإن مُسّ جسد المرأة بأذًى تقوم الحروب ولا تنتهي. إنّها حروب تدوم مئات السّنين.

هذا الجسد الممدود إلى ما لا نهاية وهذا الجسد الفرديّ الجماعيّ أو الجماعيّ الفرديّ هو جسد متسيّب ومتراخ و متنامي الأطراف وغير مبال بما حوله. فهو يتحرّك بعفويّة ويتكلّم بعفويّة وهو يأكل ويشرب من دون مراقبة للنّفس ومن دون خوف من السّمنة ولا فزع من زيادة الوزن،.و هو جسد يشبه إلى حدّ بعيد جسد  المزارعين في المجتمعات الإقطاعية الغربيّة الذي تحدّث عنه بإطناب نوربارت إلياس[6](Norbert Elias) .

1 .2 الجسد المبتور وعلاقته بالحداثة

إنّ خصوصيّات الجسد من وجهة نظر الاقتصاد والثّقافة التّقليدية أو المحليّة هي خصوصياّت تحاصرها الحداثة من كلّ جانب لمحاولة إرباكها وتعطيل مجراها و تشويه صورتها.

إنّ اللّيبراليّة الجديدة أو قل الحداثة كرؤية للعالم وكثقافة ترى في هذا الجسد الممدود إلى ما لا نهاية، في هذا الجسد المترامي والحرّ واللاّمبالي لا فحسب جسدا متوحّشا وبدائيّا ومتخلّفا وهمجيّا وغير لائق وإنّما ترى فيه أيضا جسدا قديما وباليا وسائرا إلى الانقراض. وهي تريد أن تخلق على أنقاضه جسد الفرد وما يترتّب عن ذلك من فردانيّة وأنانيّة واستقلاليّة وانفصال عن الجماعة. ولتحقيق هذه الغاية، تعمل الحداثة بكلّ ما لديها من وسائل وإمكانيّات على توجيه ضربات مؤلمة وقاسية إلى هذا الجسد الممدود إلى ما لا نهاية.أو قل إلى هذه الجماعة في الجسد الواحد قبيلة كانت أم عشيرة.

إنّها محاولة للزجّ بهذا الجسد الجماعيّ الّذي أصبح ينظر إليه كجسد يتّسم بالتسيّب والفوضى وعدم الّلياقة في "الحبس الكبير" والعبارة لفوكو[7]، مثله مثل جسد المجنون والمعارض والمخالف والخارج عن القانون. إنّها أجساد يجب من منظور الحداثة أن تُرَاقَبَ لتُربّى وتصَحَّحَ وتُرَوَّضَ وتُعَادَ صياغتها من جديد حتّى  تتحوّل شيئا فشيئا إلى أجساد شفّافة ومنظّمة ومنمّطة ومحنّطة أي إلى أجساد مسلوبة وطائعة وخاضعة وقابعة ومدحورة، لا بل إلى أجساد مجتثّة من أصولها ومقطوعة عن العالم ومجزّأة ومنطوية على نفسها، أي إلى أجساد لا حاجة لها بشيء غير الحلول التقنيّة الطبيّة الإستيتيقيّة و"الطبخات" الجاهزة للتجميل المتأتيّة من الرّؤية الوضعيّة التشريحيّة الفيزيولوجيّة للجسد. إنّه الجسد الآلة الذي تحاول الحداثة ترويضه والسّيطرة على قدراته وانتزاع قوته ودمجه في أنظمة مراقبة فاعلة في الإقتصاد والاجتماع والثّقافة والسّياسة. كلّ ذلك تُؤمّنه إجراءات سلطويّة من خلال الأنظمة وقواعد الإنضباط "إنّها سياسة تشريحية للجسم البشري"[8].

لصناعة هذا الجسد المبتور كان لابدّ من خلق آليات وتقنيات وعلوم جديدة كعلم التّغذية والحميّة وصناعة الخوف من السّمنة وما يترتّب على ذلك من اكتشاف فنون رياضيّة كالجمباز أو الجمناستيك أو السّباحة وغيرها وعلوم استيتيقيّة كالمخابر والمصحّات في الجراحة وتقويم الجسد وتجميله، وعلوم نفسيّة لترويض الجسد الوحشيّ وتحصينه وتدجينه كطبّ الأعصاب و التحليل النّفسي وعلم النفس والعلاج بالحركة والعلاج بالماء والعلاج بالفنّ والعلاج النّفسيّ إلى غير ذلك من العلوم والتّقنيات التي ابتُكرت لهذا الغرض.

ومن الجدير بالقول أنّنا عند حديثنا عن الحداثة والجسد لا يمكن لنا أن نحدّد مفهوما واحدا لما يمكن أن يسمّى بجسد المرأة. فهناك الجسد المتحرّر الذي نادت به حداثة الأنوار وما يتطلّبه من اسقلاليّة وسيادة وهناك الجسد الذي خلقته ثقافة البورجوازيّة ورأس المال وما يتطلّبه من زينة وإغراء وفتنة، إذ أنّ النّظام الرّأسماليّ بشكله الحاليّ قد خلق نوعا جديدا من الأجساد التي تصنع للبيع وبأسوام بخسة. وكأن السّحر قد انقلب على السّاحر. وتحوّلت الرّغبة في تحرير الجسد من كلّ أنواع التّابوهات التي كانت"تسيّجه"إلى مأزق بعد أن تحوّل هذا الجسد إلى بضاعة تُشترى وتُباع أو قل إلى فتيش"Fetish" وإلى كيتش (Kitsch).

2.الآليّات والأدوات لصناعة الجسد

2. 1 آليات الأصالة

تفيد الإحصائيات الرّسمية في الأردن أنّ 25 % من مجمل جرائم القتل التي تُرتكب في هذا البلد في كل ّعام هي بدافع الشرف، وأنّ 17 فتاة قُتلن في العام 2009 بدواعي الدّفاع عن الشرف على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الدّولة للحدّ من هذه الجرائم. و من الملاحظ أنّ مجلس النّواب الأردنيّ لم يُوقّع على القانون الذي يعتبر جريمة الشرف كأي جريمة أخرى إلا في العام 2008 وتحت ضغوط كبيرة مارستها الدّولة من جهة والمجتمع الدّولي من الجهة الأخرى حيث كانت تجري العادة على إصدار حكم مخفّف لمدّة ستّة أشهر سجنا  بحجّة إقدام الجاني على فعلته تحت تأثير الغضب[9].

إنّ جريمة الشّرف تعبّر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن الرّدّ الاجتماعيّ على كلّ فعل من شأنه استفزاز النّظام والإخلال ببنيانه. فمن أخلّ بالنّظام قد أضرّ بالجسد الكامل للمجتمع، وبالتّالي فإنّ الثّمن سوف يدفع من جسده هو وعلى مرأى ومباركة من الجميع لكي يكون عبرة لمن يعتبر.

تعتبر مسألة العذريّة من أكثر الآليات التي ما زالت تنتج ويعاد إنتاجها كأداة تؤكّد استمراريّة البنى التقليديّة الأبويّة للمجتمع والرؤى المعبّرة عنها. فالعذريّة عند المزارعين والبدو هي آلة من آليات الهيمنة الرّجوليّة وما ينتج عنها من نزعة للسّيطرة والاستيطان والملكيّة. فملكيّة الرّجل لهذا الجسد ضمن رؤية مؤسّسة الزّواج يعطيه الحقّ في بسط نفوذه ليس على حاضر الفتاة التي يريد الزّواج بها فحسب بل وعلى ماضيها كذلك بصفته المالك الشّرعي والوحيد لهذا الجسد.

وهي مسألة من المسائل التي تعيدنا إلى نظريّة التبادل كما بيّن ذلك كلود ليفي ستروس والتي تفترض أنّ المرأة التي هي موضوع التبادل يجب أن تُخضع لمنطق العفّة والطّهارة والشّرف الذي يقضي بالحفاظ على سلامة الجسد لسلامة الجماعة. ويصبح رمزا لشرف القبيلة المانحة إذا ما تمّ تسليم هذا الجسد دون عيوب وشرفا للمتلقّي إذا ما تلقّى بضاعة لم يمسسها أحد، فهو من سيعود عليه شرف الفحولة وشرف الاستفراد بإستهلاكها لأوّل مرّة وصيانة حرمتها لصيانة شرفه.

فالتّقسيم الرّمزي بين النّظيف والوسخ على حدّ عبارة ماري دوجلاس[10] (Mary Douglas) يساعد القوى الاجتماعيّة على تصنيف سلوكيّاتهم من خلال إتّباع منظومة من القواعد تحدّد لهم ما هو مسموح وما هو ممنوع، ما هو محمود وما هو مكروه، ما هو صالح وما هو فاسد، ما هو حلال وما هو حرام، ما هو خير وما هو شرّ...

كلّ هذه الآليات تحتشد في الحدود بين الجنسين لتوسّم الأجساد وتضع وسمة عار وسقوط ووسخ على جبين كلّ من تحدّثه نفسه بالخروج ولو بنسبة ضئيلة عن القوانين والأعراف العامّة للجماعة. وهي بذلك تؤكّد على أنّ التّهاون بمسألة خطيرة كالعذريّة من جهة المرأة يعني تدنيسا كاملا لجسد الجماعة ومسّا في شرف العشيرة وتطاولا على جاهها وحرمتها والانحطاط بها وجرّها إلى بؤرة المزابل والأوساخ. وهي مشكلة تقتضي إجراء سريعا يهدف إلى تنظيف هذا الجسد الجماعي وتطهيره وتنقية شرفه مما أصابه من فوضى و تدنيس. وقد يتم اللّجوء إلى القتل لا بل إلى حروب لا تنتهي من أجل الانتقام والأخذ بالثأر والعمل على بتر هذا الجزء من الجسد الكبير والتخلّص نهائيا مما قد يعتريه من خلل كما بيّنا ذلك سلفا.

إنّ الاعتداء على هذا الجسد وفقا لهذه الفلسفة يعني اعتداء على الجسد الكامل للجماعة قبيلة كانت أم عشيرة، وهو يعني بالتالي دقّ طبول الحرب. فليس من الشّرف القعود والسّكوت على من داس الأرض أو العرض في رؤية المجتمع المحلّي الأردنيّ، فهما معنيان متلازمان تنطبق عليهما كل معاني الحرمة والشرف. وغالبا ما تُختزل كلّ هذه المعاني في جسد المرأة. ومن هنا يصبح لزاما على الجماعة الدّفاع عن الشّرف بالدّم إن لزم ألأمر إذ " لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدّم "على حدّ عبارة المتنبّي التي ما زالت فاعلة في الزّمن الرّاهن في المجتمع الأردنيّ على الرّغم من أنّها قيلت منذ أكثر من ألف عام.

فتظهر حروب الثأر التي قد تدوم عشرات لا بل مئات السّنين. وهذا ما قد يفسّر استمرار ظاهرة اجتماعية مثل جرائم الشّرف أو الثأر أو ما يعبّر عنه الإيطاليّون بالفنديتّا (vendetta) التّي عانت منها إيطاليا لمدّة قرون. وهو ما يمكن أن يمثّل دليلاً قاطعا على استمرار هذه الآليات وقوّتها وتأثيرها في النّسيج العام لمنظومة الرّموز والمعارف والقيم التي توجّه سلوك العشائر الأردنيّة.

ففي المنطق الجماعي للقبيلة أو العشيرة، يعرّف الشّرف بسلسلة واسعة من الآليات التي تتفادى وقوع هذا الجسد في المحظور. وتبقى سمة الحذر والتّوجّس والخوف من اختلاط النّساء بالرّجال المحرّك الكبير في تطوير عدد من الميكانزمات والأدوات التي تكفل إلى حدّ بعيد صناعة جسد "محصّن" و"محميّ" و"محفوظ" و"مستور".

فيُنظّم الفضاء وفقاً للتّمييز والفصل بين الجنسين، وتُحجب المرأة في الدّاخل وتُحجز في البيوت. وتُرتّب تبعا لذلك كل آليات حجب جسدها بهدف إخلاء الفضاء العام من الرّغبة المتوقّعة والوقوف بكلّ الوسائل ضدّ الجريمة الممكنة التي قد تُرتكب. إنّه السّجن الذي أخذت تتشكّل هندسة فضائه وتصميمه ونظام حركته بطريقة تشرّع إلى نمط واحد من السّلوك الذي تسمح به السّلطة. ولقد جاءت مثل هذه الحدود والضّوابط لا للعقاب فحسب وإنّما كذلك للمكافأة فالمرأة النّاجحة إجتماعيّا هي التي تخضع أكثر من غيرها لهذا التنظيم ولهذا النظام.

وبذلك يتطوّر لدى المرأة، كما لدى السّجين والمجنون والمعارض والمستعمَر، إحساس داخليّ وذاتيّ بالمراقبة. وهكذا ينمو لديها، كما لدى هؤلاء المُراقَبين، ليس فحسب إحساس بالخوف من عين الرّقيب في حال الخروج عن قواعد الانضباط وإنّما كذلك انتظار المكافئة والثّناء أيضا عند الالتزام بالتشريعات والقواعد وإدانة كل من تُسوّل لها نفسها كسر الحدود أو الاخلال بالنّظام. لقد عدّ فوكو هذا النوع من الضّبط الدّاخلي والذّاتي في معانيه المختلفة كأكثر صور الضّبط قمعاً حيث تصبح المرأة في مثالنا هذا مادة وأداة للقمع ذاته.

ومن المنطلق ذاته، يعتبر الحبّ عند المزارعين والبدو مسألة مُحرّمة وممنوعة بل تهمة يعاقب كلّ من يُدان بها. فلا تسامُح مع ما من شأنه إحداث الفوضى أو الاخلال بإعادة إنتاج المجتمع. لذلك غالبا ما يحرص المحبّون في مثل هذه المجتمعات المحافظة على إحاطة علاقتهم بكل وسائل التخفّي والسريّة. ولذلك أيضا يصبح الحبّ من وجهة النّظر هذه من المواضيع المسكوت عنها والتي تبدو وكأنّها من المواضيع الثّانويّة والتّافهة التي لا يمكن أن يكون لها مكان في مراكز البحوث والجامعات عند العرب كما بيّن ذلك الطّاهر لبيب[11].

من هنا جاء هذا الخوف وهذا الرّعب وهذا الفزع من منظومة اقتصاد السّوق. وما زال هذا الخوف هو الدّافع الأكبر في تجريم كل مساعي الحداثة التي تنادي بتحرير جسد المرأة والخروج به من دوائر الخضوع في المجتمعات التقليدية. ومن هنا جاء كذلك هذا التصدّي في مثل هذه المجتمعات المحافظة للأدباء والفنّانين والمثقّفين الذّين دافعوا عن الحرّيّات الفرديّة عامّة وعلى حريّة المرأة على وجه الخصوص. فلم يكن من السّهل في مثل هذه الفضاءات قبول شعر نزار قبّاني على سبيل المثال وقد نادى بتحرير جسد المرأة من أشكال القمع والإرهاب على حدّ قوله. فشعر نزار قباني قد شكّل وما زال يشكّل نوعا من الصّدام المباشر مع سلطة الرّجل ومع النّظام العائلي الممتدّ ومع منطق العشائر والقبائل التي ما زال لها نفوذ فاعل في المجتمع الأردنيّ.

تعمل كل هذه الآليات على إعادة إنتاج ما يسمّى باقتصاد الشّرف وما يسفرعنه من قوانين وقواعد تكتب على جسد المرأة. ومن المفارقات الغريبة أنّ هذه الخطابات المحلّية المهيمنة تستخدم وسائل غير تقليديّة لصناعة جسد المرأة، إذ تشكّل الصّحف والمجلاّت ومواقع الأنترنت والفضائيات أكثر الوسائل المستخدمة من أجل نشر هذه الخطابات وترويجها. وهي الوسائل الأكثر تأثيرا وانتشارا في أوساط جميع الفئات الاجتماعيّة على اختلافها. فإذا كانت هذه هي آليات الأصالة لرسم جسد المرأة في مدينة عمّان، فما هي أدوات وتقنيات الحداثة؟

2 .2 آليات الحداثة

للحداثة، هي الأخرى، آلياتها وتقنياتها التي تعمل على بناء وتشكيل المفاهيم الخاصّة بالجسد الحديث، جسد الفرد المتحرّر من كلّ أنواع التابوهات الجماعيّة التي قيّدت الجسد الممتدّ كما سبق أن بيّنا ذلك.

فالجسد وفقا لمفاهيم الحداثة لم يعد ملكا لقوى الأصالة والتّقليد منذ أن تفرّد واستقلّ وانفكَّ من قيود القبيلة والعشيرة. لقد أصبح هذا الجسد خاضعا لأسس ومقاييس جديدة. تلك المعايير التي وصفها فوكو (Foucault) بالقمعية اللّطيفة أو الناعمة . إذ أنّها لم تنه عهدا من القمع لهذا الجسد إلاّ لتبدأ عهدا آخر بوسائل جديدة من الإخضاع والإكراه والهيمنة.

وللتعرّف على هذه الآليات والأدوات والخطابات التي تهدف إلى صناعة الجسد وفق مفاهيم ومقاييس الحداثة، كان لا بدّ من إجراء مسح جغرافيّ لعدد من مناطق انتشار مراكز ترويض الجسد وتقنينه وتهذيبه وفق منظومة الحداثة وحسب الرؤية الحديثة للجسد المنشود. وهي مراكز التّجميل الحديثة على اختلاف أنواعها ومراكز اللّياقة وصالونات الحلاقة ومراكز تعليم الرّقص والتّدليك والعناية بالبشرة والمسابح العامّة. وإنّنا إذ عمدنا إلى إجراء هذا المسح فذلك بهدف رسم خريطة تبيّن درجة انتشار ثقافة الجسد الحداثية في مجتمع مدينة عمّان، الّتي تزدهر فيها بطريقة ملفتة للنّظر معظم تقنيات اللياقة والتجميل على الطريقة الحديثة.

لا يمثّل الأردن نموذجا لاستهلاك هذه الثّقافة فحسب بل بات من الواضح مؤخّرا أنّ صناعة التّجميل بدأت تتجه بخطى ثابتة نحو إنتاج هذه الثقافة. حيث توجد في الأردن أكثر من 36 شركة تصنع مواد التّجميل مستعينة بمواد تستخرجها من البحر الميت وتصدّر منتجاتها إلى أوروبا وأمريكا واليابان.[12]. ليس هذا فحسب بل بدأ نجمها يلمع على مستوى الدّول العربيّة عامّة والخليجيّة على وجه الخصوص في مجال الجراحة التجميلية. فحسب أرقام احصائيّة رسميّة فإنّ جراحة التّجميل تدرّ دخلا قوميّاً على الاردن بنسبة تصل إلى 18% من السّياحة العلاجية وحدها التي تصل إلى 700 مليون دولار. ومن المتوقّع أنّ يزيد حجم السّياحة العلاجيّة إلى مليار دولار خلال السّنوات الثّلاث المقبلة.بعد أن أخذ القطاع الخاصّ على عاتقه تطوير القطاع الطبيّ بإنشاء أكثر من 60 مستشفى ومركزاً متخصصا في مجالات طبّ التّجميل المختلفة إضافة إلى 32 مستشفى تابعة لوزارة الصّحة و11 مستشفى أخرى للقوات المسلّحة الاردنيّة ومعظمها يحتوي على عيادات مختصة لعمليات التجميل.[13]

أمّا بالنّسبة لمستهلكي هذه الصّناعة، فيمكن القول إنّ الطّبقات الاجتماعية في مدينة عمّان على اختلاف مستوياتها التعليميّة والعمريّة والاقتصاديّة والثّقافيّة تتّجه إلى استهلاك هذه الصّناعة دون استثناء. وإنّ القيم السائدة والمسيطرة على المقاييس العامّة للجمال هي حداثية بامتياز. ولكن الأمر الذي يجب عدم اغفاله يكمن في درجة إختلاف حجم استهلاك هذه الصّناعة بين سكّان عمّان الشرقيّة والغربيّة. وهذا ما يمكن استنتاجه من خلال النّظر في أطلس توزيع هذه الصّناعة وشكل انتشارها بين قسمي المدينة المذكورين، حيث تتركز هذه الصّناعة أساسا بعمّان الغربية. فالطّبقات الشّعبية أقلّ الفئات استهلاكا لهذه الصّناعة. وهذا متوقّع وليس فيه غرابة. فهذه الصّناعة تتّجه أساسا إلى الطّبقات الميسورة وإلى البرجوازيّة الصّغيرة والأغنياء الجدد. وتمثّل وسائل الإعلام كما هو متوقّع على اختلاف انواعها المقروءة والمسموعة والمرئيّة أهمّ الأدوات والآليات التي توظفّها ثقافة الحداثة في خلق وتسويغ وترويج القيم الدّاعمة والمؤيّدة لقيم الجسد الحديث.

في هذا المجال، يرى بودريار[14](Baudrillard)  أن المهمّة الرّئيسة للدّعاية والإشهار لا تتمثّل في بيع البضائع كما يتصوّره البعض وإنّما في تعليق العقول و في خلق أجيال لا تفكّر، أي في صناعة ما يسمّيه ماركوز (Marcuse) بالإنسان ذي البعد الواحد الذي يقع حمله بسهولة ويسر على الاعتقاد. فيعتقد من بين ما يعتقد في أنّ الجسد النّحيل كقيمة مهيمنة لتعريف الجسد الشّرعيّ من وجهة نظر الحداثة هو الرّمز و القانون والقاعدة للأنوثة المثاليّة وللجمال النسائيّ المنشود.

أمام هذا السّجال وهذا الصّراع بين الأصالة والحداثة حول الكتابة على جسد المرأة كفضاء متنازع عليه، ما هي مواقع ومواقف الطّبقات الاجتماعيّة والجنسيّة والعمريّة بمدينة عمّان؟

3. أطلس الجسد بمدينة عمّان

3 .1.الجسد الشّرعي

(ي. غ.) يعمل بائعا في محل للخضار في إحدى مناطق عمّان الغربيّة، وهو من سكّان عمّان الشّرقيّة، عمره ثمانيّة وثلاثون عاما. يحمل شهادة الثّانوية العامة، متزوّج ولديه ستّة أطفال. يقول:

"أنا أرى أنّ مجتمعنا التقليديّ يحترم المرأة. أنا شخصيّا ضدّ خروج المرأة والاختلاط، فما معنى أن تختلط المرأة في العمل وتتعرّض للنّظرات غير البريئة؟ ما معنى أن تسهر في المطاعم و"الكوفي شوبات"؟ أنا أقرف من مناظر بعض النّساء هنا في عمّان الغربيّة وهنّ يدخنَّ النّارجيله ولا يعدُن للبيوت قبل منتصف اللّيل. أعتقد أنّ تلك النّساء لو وجدت من يردعنها من الرّجال لما فعلن هذا. هذه المناظر غير مألوفة لدينا في أحياء مناطق عمّان الشرقيّة. وأعتقد أنّه لو تجرّأت أيّ امرأة على فعل مثل هذا السّلوك لأصبحت قصّة وحكاية تلوكها الألسنة وتلعنها النّساء قبل الرّجال. حتى أنّنا لا نتحمّل أن يدخل الحارة عندنا شخص غريب دون أن نعرف إلى أين هو ذاهب وماذا يريد."

(س. س.) معلّم للشّريعة الإسلاميّة بمدارس الأرقم الإسلاميّة، حاصل على درجة الماجستير من الجامعة الأردنيّة، عمره ثلاثون عاما وهو أعزب. يقول:

"أرغب من زوجتي المستقبليّة أن تكون جميلة. ولكن بمعدّل لا يزيد عن السّبعين بالمئة. فالمرأة الجميلة غالبا ما تغترّ فتتكبّر على زوجها أو تسيطر عليه بجمالها. فيصبح ضبطها مسألة صعبة. كما أنّ جمالها يمكن أن يكون سبباً في  الفتنة والغيّ عن الدّين. وثانيا المرأة الجميلة تثير الكثير من الغيرة والحميّة في نفس الزّوج. والمشكلة الأولى بالنّسبة إليّ أهمّ لأنّ الثّانية يمكن حلّها من خلال ارتدائها للنّقاب ( غطاء الوجه ). أمّا بالنّسبة إلى زينة المرأة فأنا على قناعة بأنَّ جسدها هو ملك لزوجها وليس للناس في الشّارع. وبالتّالي فالزّينة يجب أن تكون للزّوج فقط وفي البيت فقط."

(ش. ل.) معلّمة لغة عربيّة للمرحلة الثانويّة. عمرها اثنان وأربعون عاماً. تحمل درجة البكالريوس في اللّغة العربيّة. متزوّجة وأمّ لثلاثة أطفال تسكن عمّان الشرقيّة وتعمل بعمّان الغربية. تقول:

"أنا أستخدم كل أنواع الزّينة والعطور ولكنّي لا أتزيّن إلاّ لزوجي. وأشعر بمتعة كبيرة وأنا أفعل ذلك. زوجي يمنع المكياج ويتأكّد قبل خروجي لأيّ مكان من خلوّ وجهي من أيّة زينة. فهو يعلم أنّ النّساء خفيفات وطائشات. أتضايق أحيانا من تدخّلاته لكن سرعان ما أدرك أنّ الدّافع غيرته على شرفي وحرصه على اتمام ديني فأتراجع ويصبح عندي يقين أنّه على حقّ."

كانت هذه الخطابات تتردّد على ألسنة نسبة واسعة من الرّجال والنّساء المنتمين إلى الفقراء والمهمّشين وكذلك من الطّبقات المتوسّطة.

أمّا بالنّسبة إلى التّوزيع الجغرافيّ لهذه الفئات فإنّ مناطق عمّان الشّرقية كان لها النّصيب الأكبر ممن يحملون هذه الرؤية لجسد المرأة. ويمكن القول إنّ هذه النظرة ما زالت مهيمنة وواسعة الانتشار وتعكس إلى حدّ بعيد حجم وقوة وانتشار من يمثّلونها على المستوى الإجتماعي (العشائر ومؤسسات المجتمع المدني الإسلامية). وتعكس كذلك قوّة ممثّليها وحضورهم على المستوى السّياسي (جبهة العمل الإسلامي والإخوان المسلمين و والنّواب المنتخبين على أساس عشائري). تشير الأرقام إلى أنّ الأغلبيّة المطلقة التي حصلت عليها الحركة الإسلاميّة من أصوات الناّخبين في السّنوات الأخيرة كانت دائما من مدينتي عمّان والزّرقاء. وهم غالبا ما يكونون من أصول فلسطينيّة أو من الأردنيّين المنتمين إلى عشائر كبيرة. وتلك هي السّمة التي تميّز خارطة المنتخبين في مجلس النّواب الأردني منذ عشرين عاما. يكون النائب في أغلب الحالات إمّا فلسطينيّا إسلاميّا أو أردنيّا ابن عشيره كبيرة. ولا أحد من الملاحظين يستطيع إنكار حقيقة أنّ الإسلاميّين يمثلون القوّة الشعبيّة الضّاربة في الأردن وأنّ العشيرة ما زالت المستفيد الكبير من غياب المؤسسات المدنيّة الفاعلة[15].

لقد كانت هذه الخطابات تؤيّد على الدّوام بناء شكل واحد لجسد الأنثى، ذاك الجسد المحاط بأحكام وحدود الحرام والحلال والمسموح والممنوع وغيرها من الحواجز الأخلاقية القديمة الجديدة. هذه الخطابات والممارسات تعمل باستمرار على أن يبقى جسد المرأة فضاءً حاضناً لرؤية الأصالة وتطلّعاتها التي تعرّف المرأة في الخطّ الرّئيسيّ العام بأنّها شهوانيّة وفضوليّة وثرثارة وناقصة عقلا ودينا مقابل الرّجل الذي يتّصف بالصّدق والشّجاعة والصّبر والحلم والسّياسة.

إذا كانت هذه إجمالا الفئات التي تسعى إلى إعادة إنتاج الجسد الشّرعيّ، فما هي الفئات التي هي وراء الجسد الفيتيش؟

3 .2 الجسد الفيتيش (Fetish)

إنّ الحداثة حمّالة أوجه، فهي قد ترفع شعار الحريّة والانعتاق وتطالب بحقوق الإنسان واستقلاليّة الجسد في الوقت ذاته الذي تشتغل فيه على خلق أجساد للبيع والرّبح السّريع. لئن تحدّث أدرنو (Adorno) عن ثقافة الصّناعيّة[16](The culture industry) ، فإنّه يمكن أن نتحدّث أيضا ومن نفس المنطلق عن أجساد صناعيّة صُمّمت للبيع والإستهلاك. لقد بيّنت بحوث سوسيولوجيّة وأنثروبولوجيّة جادّة كيف ازدهرت في البلدان الغربيّة المتقدّمة وفي البلدان النّامية على حدّ السّواء هذه الأنواع من الصّناعة[17]. فالجسد الفتيش هو هذا الجسد الكيتش، الجسد الصّنم، الجسد الوهم، الجسد البضاعة. إنّ الجسد الفتيش هو جسد المرأة- المرأة، المرأة- الجنس، المرأة- الإغراء و المرأة- الفتنة.

(و. م.) في الثامنة والثلاثين من العمر يعمل في محلّ لبيع الملابس النّسائية. يحمل درجة البكالريوس في البرمجيات. ينتمي إلى الطّبقة المتوسطة. وهو أعزب. يرفض عمل المرأة خارج المنزل ويرى أنّ دورها الأساسيّ هو داخل بيتها. ويرى كذلك أنّ المرأة لا تصلح لتتقلّد المناصب العامّة والإداريّة والسياسيّة. ويكره في ذات الحين المحجّبات والمنقّبات، يقول: "أنا لن أتزوّج أردنيّة. فالأردنيّات لا يعرفن شيئا عن الأنوثة والجمال والأناقة. أمنيتي أن أرتبط بلبنانيّة. أريدها جميلة وأنيقة ولست مهتمّا بشخصيّتها كثيرا لتكن ما تكون هي حرّة. المرأة الحقيقيّة بالنسبة إليّ هي المرأة التي تهتمّ بأدقّ تفاصيل الّتفاصيل لكي تبدو جميلة. لا أعرف كيف يتسامح بعض الأزواج مع زوجاتهم السّمينات! لو انقطعت النّساء عن سطح الكرة الأرضيّة لن أرتبط بامرأة سمينة. ماذا يبقى من الجمال والأنوثة إذا ما غطّاها الشّحم؟ ألا تعلمين أن أوّل جريمة في التاريخ ارتُكبت من أجل امرأة جميلة؟"

(ل. م.) كوافيرة (صاحبة صالون) في الثّلاثين من العمر، مطلّقة وتحمل شهادة الثانوية العامّة وهي من الطّبقة المتوسّطة ومن سكان عمّان الغربية. لا تؤمن بصلاحيّة المرأة لتقلّد المناصب السّياسيّة، كما تؤمن بسلطة الزّوج و بمنع زوجته من الخروج للعمل، تقول: " أحبّ أن ألبس على الموضة. أكره الحجاب والنّقاب وكلّ ما من شأنه أن يغيّب الجمال. كما أنّ شغلي يقتضي منّي أن أهتمّ بجمالي. فمن أجل جذب الزّبون لا بدّ أن أكون جميلة وأنيقة ما دمت أعمل في مجال التّجميل. كثير من الزبونات يأتين ويطلبن مني أن أغيّر لون شعورهنّ أو أن أقصّه على غرار الموديل الذي اخترته لشعري. أقضي معظم وقتي أمام المرآة. أنا أؤمن أنّ هناك الكثير من الوقت الضّائع لدى الّنساء. فبدلا من الجلوس أمام التلفاز، أنصح المرأة أن تنظر إلى نفسها في المرآة. إنّ أهمّية المرآة بالنسبة للنّساء كأهمّية السّلاح بالنّسبة للجنديّ."

تتبنّى هذه الخطابات بطريقة واضحة وجليّة القيم التي تعبّر على الجسد الفتيش. كلاهما مستبطن لسيمات الجسد – البضاعة أو الجسد – الإغراء وكلاهما في مستوى الممارسة تقليديّ إلى حدّ كبير إذ أنّ كليهما يرى المرأة في البيت وفي الفضاء الخاصّ.

و تنتمي هذه الفئات في أغلبها إلى البرجوازيّة الصّغيرة و الأغنياء الجدد الذي انتقلوا من الرّيف إلى المدينة وتمكّنوا من الولوج والحلول والإنتماء إلى الطّبقات الميسورة أو الأقلّ يسرا. هذه الازدواجيّة في الانتماء الإجتماعي قد تفسّر هذا الانبتات وهذا الاغتراب وهذه الإزدواجيّة على مستوى الممارسات وهذا الميل إلى الكيتش(Kitsch) وإلى الفتيش.

إذا ما كان أطلس الجسد الفتيش يتطابق في الخطّ الرّئيسيّ العام مع جغرافيّة البرجوازيّة الصّغيرة والأغنياء الجدد بفضاء مدينة عمّان، فما هي القوى الحاملة للجسد المتحرّر ؟

3 .3 الجسد المتحرر

نعني بالجسد المتحرّر هو هذا النّوع من الوعي الذي يعبّرعن المواجهة والتصدّي والمقاومة لكل آليات الإغتراب سواء كانت تلك الأدوات منتمية إلى الأصالة أو إلى الحداثة. إنّه جسد يسعى أن يتحرّر من قيود الهيمنة الرّجوليّة بسعيه إلى نوع من الاستقلاليّة والسّيادة.

إنّ المتمعّن في خطابات التّقليد أو خطابات الحداثة الاستهلاكية يخلص عبر مفارقة عجيبة إلى نفس الرؤية التي تختزل المرأة بحدود الجسد- الجنس أو الجسد البضاعة. فلا فرق بين حداثة استهلاكية تعرّي هذا الجسد وتُزيّنه وتعرضه للبيع وبين تقاليد تغطّيه وتقصيه وتغيّبه لأنّه عورة يجب أن تُستر وعرض يجب أن يُصان وفتنة يجب أن تُقهر. إنّ جسد المرأة لا يتحرّر فقط بالعمل أي بالمشاركة الفاعلة في الشّأن العام وفي السّياسة أي في تسيير الحيّ وإنّما كذلك بالقدرة على تحويل هذا الجسد الذي وقع بناؤه من القوى الاجتماعيّة الفاعلة إلى شيء يمكن أن يخضع في أهمّ تحرّكاته إن لم نقل أغلبها إلى إرادة من يحمله ويسكن فيه. تقول جين هينفرارد[18] (Hyvrard): "هذا الجسد الّذي هو جسدي هو ليس بجسدي وهو في الواقع جسدي. هذا الجسد الغريب، إنّه وطني الوحيد، إنّه منزلي وبيتي ومقامي. هذا الجسد، عليّ أن أقوم بغزوه من جديد لإخضاعه لإرادتي والسّيطرة عليه". ولا تعني السّيطرة هنا في أيّ حال من الأحوال سيطرة كاملة ونهائية على الجسد وإنّما هي سيطرة نسبيّة ودائما قابلة للتثبّت والمراجعة حتّى وإن كانت المتحدّثة عن هذه الاستقلاليّة من أكبر الباحثات في أنثروبولوجيّة الجسد كدي بوفوار(De Beauvoir) أو بتلار(Butler) أو إريجراي (Irigary).

للبحث على هذا الجسد المتحرّر، حاولنا أن نتلمس طريقنا من أجل التعرّف على ملامح جسد مشابه في مدينة عمّان، فكان دربنا شاقّا وكانت طريقنا طويلة. سألنا أمّ زياد عن رأيها في هذا الجسد المتحرّر أو بالأحرى الذي يسعى أن يتحرّر من الاستيطان وأن يتحكّم في نفسه بقدر الإمكان، فكانت إجابتها ما يلي:"إنّ الجسد عندنا يشبه إلى حدّ بعيد الصّندوق الّذي تحمله العروس من بيت أهلها إلى بيتها الجديد. فهذا الصّندوق هو ملكها الخاصّ و بيت أسرارها و لها أن تغلقه متى تشاء وتفتحه متى تشاء وكما تشاء ولمن تشاء".

حملنا هذه الإجابة إلى السّيدة جيهان فكان تعليقها ما يلي: "إنّه اعتقاد جماعيّ مريح إلى حدّ كبير لا بل أنّه حلم لذيذ لملايين من النّساء المستضعفات في الأرض اللاّتي لم يتحكّمن ولو لدقيقة واحدة طوال حياتهنّ في أجسادهنّ أو قل إن شئت أنّه وهم لكنّه وهم جميل يحملنا إلى الاعتقاد بأنّنا أسياد أنفسنا وبأنّ هذه الأجساد الّتي نحملها هي فعلا أجسادنا وهي فعلا لنا حتى وإن كانت في الواقع بساتين جراح ومواطن حروب لقوى اجتماعيّة متصارعة. إنّه وهم لكنّه وهم جميل يجعلنا ننسى ولو لوقت قصير بأنّ أجسادنا كانت وما تزال وكراً لكلّ سلطة ولكلّ خطاب ولكلّ هيمنة ولكلّ إرهاب أسود. ليس لكلّ امرأة تريد أن تتحرّر أن تتحرّر فعلا من هذا الاستيطان أو هذا الاستعمار. يجب أن تكون للمرأة التي تريد أن تسعى إلى التحرّر من الوعي ما يسمح لها من وضع هذه القوانين وهذه القواعد الاجتماعية التي كُتبت على جسدها موضع تساؤل".

أن يعثر الباحث على السّيدة جيهان بمدينة كمدينة عمّان ليس بالأمر الهيّن. فهي من القلّة النّادرة التي استطاعت أن تكتسب مثل هذا الوعي ومثل هذه القدرة على اتّخاذ المسافة وعلى تعرية الحقائق وفضحها. ولعلّ ذلك جاء من كونها عاشت تجربة حبّ كبيرة انتهت بخيبة أمل كانت وراء سقوطها في اكتئاب حادّ لم تكن قادرة على الخلاص منه لولا انغماسها في الكتابة وقراءة الأدب و الشّعر. و لئن كانت هذه التّجربة الفاشلة محدّدة لا محالة في اكتساب هذا الوعي، فإنّ وضعيّتها كشاعرة مكّنتها هي الأخرى وبنسبة غير قليلة من الوقوف في الحدود بين الثّقافات و من القدرة على أن ترى ما لا يستطيع أن يراه المنتمون إلى ثقافة واحدة. هذا لا يعني أنّ مثل هذا الوعي لدى البعض من النّساء الميسورات لا يوجد لدى قلّة من النّساء المنتميات إلى الطّبقات المحرومة والمهمّشة. إنّ امرأة مثل أمّ زيدان التي عاشت القهر والظلم والإهانة لمدّة سنوات طويلة تعرف أكثر من غيرها أنّ المرأة ما تزال بمدينة عمّان رهانا للصّراع الاجتماعيّ مثلها مثل اللّغة وإنّها لئن شبّهت جسد المرأة بصندوق العروسة تعي أكثر من غيرها أنّ هذا الصّندوق هو ملك لا فحسب للعروسة وإنّما في الآن ذاته للعشيرة وأنّ قيمة العروسة وقيمة صندوقها يتحدّدان في آخر المطاف عبر عملية التبادل القائمة بين الرّجال وبين العشائر.

الخاتمة

لقد حاولنا في هذه الورقة من خلال هذا البحث الميدانيّ أن نرسم أطْلَسًا لجسد المرأة بمدينة عمّان. وكنّا نرمي من وراء هذا العمل أن نبيّن أنّ أنثروبولوجية الجسد لا تقلّ أهميّة عن أنثروبولوجيا العمل أو عن سوسيولوجيا التّنمية. فلا يمكن في أيّ حال من الأحوال، في اعتقادنا، أن نساهم في بناء الحداثة وأن نشارك في صناعة العلم والمعرفة وأن يكون لنا تأثير في العالم اليوم من دون أن نبدأ ببناء الفرد.

رغم التحوّلات الهائلة والهزّات الاجتماعة العميقة التي لم يكن يتوقّعها أحد والتي لم يسبق لها مثيل في تاريخ المجتمعات العربيّة، فإنّ أغلب الفئات الاجتماعيّة المحرومة والمهمّشة التي انتفضت ما تزال ترى في المرأة عورة يجب أن تُستَر وحرمة يجب أن تُصَان. وعلى الرّغم من مرور أكثر من قرنين على قيام النّهضة الغربيّة وعلى غزو مصر من قبل جيوش نابليون بونابارت، ما تزال قوى اجتماعيّة فاعلة ومؤثّرة في الصّراع الاجتماعيّ في الأردن وفي مجتمعات عربيّة أخرى ترى عدم وجود ضرورة مشاركة المرأة في السّياسة والشأن العام، لا بل هناك اعتقاد ثابت عند فئة واسعة من الباحثين والمثقّفين العرب من أنّ علوم الجندر ليست سوى مناورة من القوى الغربيّة المتربّصة جاءت كإشكاليات مفروضة علينا فرضاً لتضرب هويّتنا. ولا ترى هذه القوى الاجتماعية وهؤلاء المثقّفون في التحوّلات الهائلة التي تمرّ بها العائلة في المجتمعات الغربيّة الرّاهنة سوى مؤشرا على سقوط الغرب وتهافته وانخرامه من الدّاخل. ولم تدرك مثل هذه القوى إلى حدّ هذه السّاعة أنّ قوّة الغرب جاءت كنتيجة لهذه التحوّلات الهائلة في العلاقات الاجتماعيّة داخل العائلة وخارجها وكثمرة لبناء الفرد بطريقة تجعله قادرا على الاستقلاليّة واتّخاذ المسافة و الإبداع و الحلم.

كم نحن في حاجة إلى مراكز بحوث وإلى مراصد تبحث في القضايا الهامّة والخطيرة في الصّراع الاجتماعيّ ومن بينها الجندر حتّى نفهم كيف أنّ المرأة، مثلها مثل الرّجل، ليست معطى بيولوجيّاً بقدر ما هي بناء اجتماعيّا وقعت فبركته من القوى الفاعلة في الصّراع الاجتماعي عبر التّقسيم الاجتماعيّ للعمل والثّروة والمعرفة والسّلطة والفضاء، ومن خلال آليات اجتماعيّة لصناعة الجسد. إذا ما كانت المرأة لا تولد امرأة وإنّما تصبح كذلك عبر صيرورة الصّراع الاجتماعيّ كما بيّنت ذلك أعمال سيمون دي بوفوار وكلّ البحوث الأنثروبولوجيّة الرّاهنة، فإنّه يصبح بوسعنا، بعد فهمنا لأهمّ الآليات والأدوات التي يتمّ بها ومن خلالها بناء جسد المرأة وهويّتها، أن نحدّد بدقّة العقبات والحواجز التي تقف عقبة كئداء أمام مشروع خلق امرأة ممتلئة ومبدعة وفاعلة ومؤثّرة في الشّأن العام وفي السّياسة على أنقاض المرأة القابعة والخاضعة والغائبة عن الفضاء العام وعن تسيير الحيّ.

الببلوغرافيا العربية

بغورة، الزواوي. (2001)، ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر والتوزيع.

لبيب، الطّاهر.(2004)، العرب والحبّ، في اشراقات، أكتوبر، بيروت، ص. 9-17.

جريدة، الشرق الاوسط، (2011) العدد (65).

دائرة القضاء الشرعي، الأردن، تقرير (2008).

دور العشيرة السياسي في الأردن. (2011)، مركز الدراسات الأستراتيجية ،الجامعة الأردنية، بحث غير منشور.

شبكة النبأ المعلوماتية، الجمعة، كانون الأول، 2009.  

قائمةالمصادر والمراجع الأجنبية

Adorno, T. (1991), The culture industry, London: Routledge.

Baudrillard, J. (1994), Simulara and simulation, translated by Sheila Faria Glaser, Michigan: University of Michigan Press, 164 p.

Bourdieu, P. (2001), Masculine domination, Stanford, Stanford University Press.

Douglas, M. (2002), Purity and Danger: An Analysis of concepts of Pollution and Taboo, London : Routledge, 193p.

Elias, N, (1969), The civilizing Process, vol 1. The history of Manners, Oxford : Blackwell.

Foucault, M. (1977), Discipline and Punish, the birth of the prison, Harmondsworth : Penguin.

Hyvrard, J. (1977), La Meurtitude, Paris, éd. Minuit, p. 31.

Lewis, O. (1963), The children of Sanchez, autobiography of a Mexican Family, New York: Vintage books.

Mauss, M. (1936), “Techniques of the body”,in Incorporations, New York : Zone,1992, by Jonathan Crary and Sanford Kwinter editions, p. 455-477. First publication in Journal de Psychologie, XXXII.

Sayad, A. (1999), “The Curse”, in The weight of the word, Social suffering in contempory society, Bourdieu, Pierre and al., Stanford : Stanford University Press, p. 561-579.

Simmons, L-W and Talayesva, Don C .(1970), Sun Chief. The autobiography of a hopi Indian, London: Yale University Press.

Weitzer, R. (2010), Sex for sale. Prostitution, Pornography and sex industry, London: Routledge.


الهوامش

[1] Mauss, M. (1936), “Techniques of the body,in Incorporations, New York : Zone,1992”, by Jonathan Crary and Sanford Kwinter editions, p. 455-477. First publication in Journal de Psychologie, XXXII.

[2] Simmons, L.-W. and Talayesva, Don C. (1970), “Sun Chief, The autobiography of a hopi Indian”, London, Yale University Press.

[3] Lewis, O. (1963), The children of Sanchez, autobiography of a Mexican Family, New York, Vintage books.

[4] Sayad, A. (1999), “The Curse in The weight of the word, Social suffering in contempory society”, Bourdieu, P. and al., Stanford, Stanford University Press, p. 561-579.

[5] Bourdieu, P. (2001), Masculine domination, Stanford, Stanford University Press.

[6] Elias, N. (1969), “The civilizing Process, Vol 1. The history of Manners, Oxford : Blackwell.

[7] Foucault, M. (1977), Discipline and Punish, the birth of the prison, Harmondsworth : Penguin.

[8]  بغورة، الزواوي.، ميشيل،فوكو.(2001)، في الفكر العربي المعاصر، بيروت : دار الطليعة للطباعة والنشر والتوزيع، ص. 12.

[9] دائرة القضاء الشرعي، الأردن، تقرير 2011.

[10] Douglas, M. (2002), Purity and Danger : An Analysis of concepts of Pollution and Taboo, London, Routledge, 193 p.

[11] -لبيب، الطّاهر. (2004) ،العرب والحبّ، في اشراقات، أكتوبر، بيروت، ص.9 – 17.

[12] شبكة النبأ المعلوماتية، الجمعة كانون الأول، 2009.

[13] جريدة الشرق الأوسط، الأردن، 3 يناير 2011.

[14] Baudrillard, J. ( 1994), « Simulara and simulation », translated by Sheila Faria Glaser, Michigan, University of Michigan Press, 164 p.

[15] مركز الدراسات الاستراتيجية، الأردن، 2010.

[16] Adorno, T. W. (1991), The culture industry, London, Routledge.

[17] Weitzer, R. (2010), Sex for sale. Prostitution, Pornography and sex industry, London, Routledge.

[18] Hyvrard, J. (1977), La Meurtitude, Paris, éd. Minuit, p. 31.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche