العزوبة النسوية في الخطاب المجتمعي المتداول بالجزائر-المجتمع المحلي بمدينة قسنطينة أنموذجا-

إنسانيات عدد 71  | 2016  | الأسرة الأمس واليوم | ص 9-40 | النص الكامل

 

Women celibacy in local speech in Constantine

Abstract:This study, based on qualitative field work implemented in the city of Constantine, focuses on the oral speech accustomed in Algerian popular proverbs and the various expressions and appellations employed to denominate (or designate) the unmarried woman, or who exceeds “Social age” of marriage. “Aniss”, “Bayra”, poor, old, as well as other appellations, fall under the stereotyped vision of a society which has no consideration for the celibacy of women, they are perceived in the dominant representations as disruptive of the social order .

Keywords : Female singles - bayrat - popular proverbs - local society - Constantine.


 

 

 

 

 

 

 

 


 Ferial ABBAS: Université Oran 2 Mohamed Ben Ahmed, 31 000, Oran, Algérie.


 

مقدمة

يحاول هذا المقال[1] التعرض لتمثلات المجتمع المحلي المرتبطة بظاهرة العزوبة النسويّة من خلال ربطها باللغة اليومية المتداولة التي تتضمن بعض المصطلحات الدارج استعمالها لنعت المرأة العازبة وهي المرأة التي تجاوزت السّن المحدّدأو المستحبّ اجتماعيا للزواج. من بين الأهداف التي يحاول هذا العمل تحقيقها نذكر تقصي النظرة التي يحملها المجتمع المحلّي عن تلك النساء اللواتيلا ينسجمن مع ما يمكن تصنيفه من معايير اجتماعية حيث نتساءل عن نوعية المصطلحات والمفردات ومعانيها التي تطلق عليهن عندما يتجاوزن العمر المحدّد للزواج، هل هي نفسها بالنسبة للمرأة والرجل؟ أم هناك فوارق بينهما؟

تمّ جمع المعطيات من خلال دراسة ميدانية أقيمت بمدينة قسنطينة[2] شملت مختلف بلديات المدينة بمناطقها الحضرية وشبه الحضرية والريفية، خلال الفترة الممتدة بين شهر مارس 2008 وفيفري 2010. اعتمدنا في هذا العمل على مقاربة أنثروبولوجية مرتكزين في ذلك على المقابلات شبه الموجّهة لجمع البيانات من أفراد عينة الدراسة المتمثلة في عزّاب من الجنسين، ينتمون إلى أوساط اجتماعية وثقافية مختلفة، تجاوزت أعمارهم الثلاثين سنة، وهو تحديد مرتبط بمتوسط سّن أول زواج في المجتمع الجزائري والذي قُدِّر حسب الإحصاء العام للسكن والسكان RGPH سنة 2008 بـ 29 سنة للنساء و30 سنة للرجال. أجريت هذه المقابلات في شكل فردي وجماعي مع فاعلين اجتماعيين غير متزوجينمن نساء ورجال من أعمار وأوساط مختلفة، الغاية من ذلك كانت الاقترابمن تصوراتهم الاجتماعية للزواج، وقُدّر العدد الإجمالي للمقابلات الفردية بـ 50 مقابلة، أمّا المقابلات الجماعية فكان عددها 10، ودُعّمت هذه المقابلات بملاحظات ميدانية.

لمقاربة موضوع هذه الدراسة، تمّ الانطلاق من سؤال حاولنا من خلاله معرفة نوعية تسميات أو مصطلحات تطلق على العازبات من النساء أو العزابمن الرجال. أول ملاحظة تجدر الإشارة إليها أن المستجوبين والمستجوباتلا يتداولون عبارة واضحة تخصّ عزوبة المرأة خلال جميع أطوار الحياة مقابل المصطلح الأجنبي célibataire[3]،عدا مصطلح غير متزوجة (ماشٍِ مْزَوْجَة)، وعليه فكثيرا ما كنا نستعمل خلال المقابلات التي أجريناها المصطلح باللغة الفرنسية كي لا يكون هناك تأثير على المبحوثات في إجاباتهن، والملاحظ في البداية هو استعمال المعنيات بالأمر أنفسهن المصطلح ذاته باللغة الفرنسية خاصة في الأوساط الحضرية.

بين العزوبة والعنوسة: معاني لغوية واصطلاحية مختلفة

قبل الدخول في مناقشة طبيعة الخطاب المجتمعي من الناحية اللغوية لمصطلحات العزوبة المستخدمة من طرف أفراد عيّنة الدراسة، سنتوقف أولا لتعريفه لغة واصطلاحا، والتمييز بينها وبين العنوسة بوصفها مصطلحًا شائع الاستعمال في المجتمعات العربية عموما للدلالة على عدم زواج المرأة وتخطّيها سنّ الزواج. إذا كانت القواميس والمعاجم اللغوية تستعمل مصطلحي عزوبة وعنوسة على المرأة والرجل وهي ملاحظة جديرة بالاهتمام، فالاستعمال الشائع يضع فرقا واضحا ومحددا لاستعمال اللفظين باقتصار الأول على الرجال وحصر الثاني بالنساء فقط.

وبالعودة إلى معنى العزوبة في اللغة حسب لسان العرب: "يقال عزب: رجل عَزَبٌ ومِعْزابة: لا أَهل له؛[...] وامرأَة عَزبَةٌ وعَزَبٌ: لا زَوْجَ لها والجمع أَعْزابٌ. والعُزَّابُ: الذين لا أَزواجَ لهم، من الرجال والنساءِ. وعَزَبَ يَعْزُبُ عُزوبةً، فهو عازِبٌ، وجمعه عُزّابٌ، والاسم العُزْبة والعُزُوبة، ولا يُقال: رجل أَعْزَبُ، وأَجازه بعضهم. ويُقال: إِنه لَعَزَبٌ لَزَبٌ، وإِنها لَعَزَبة لَزَبة. وتَعَزَّبَ فلانٌ زماناً ثم تأَهل، وتَعَزَّبَ الرجل: تَرَك النكاحَ، وكذلك المرأَةُ. والـمِعْزابةُ: الذي طالتْ عُزُوبَتُه، حتى ما لَه في الأَهلِ من حاجة"[4].

أمّا العزوبة اصطلاحا (ومنه أعزب وعزباء والأصح عازب - عازبة) فهي حالة عدم الزواج، والعزب يصدق على الرجل الذي لا زوجة له وعلى المرأة التي لا زوج لها. أمّا "العُزُوبة"، فيعرفها ميشال بلان Michel Blanc على أنّها بحدّ ذاتها "وضعية اجتماعية قانونية تخصّ الأشخاص الذين ليست لهم روابط زواجية"[5].

أمّا فيما يخصّ مفهوم العنوسة لغويا، فقد تَعَّرض له العديد من النحويين واللغويين. يقول ابن المنظور في لسان العرب في تعريف مادة عنس أنّ: "العنوسة من عنس، وهي الجارية إذا طال وقتها في بيت أهلها بعد إدراكها ولم تتزوج"[6]،و"العانس من الرجال والنساء هو الذي يبقى زمانا بعد أن يُدْرِك ولا يتزوج"[7]. وورد في القاموس المحيط لفيروز أبادي أنّ العانِس هي البنت البالغة التي لم تتزوج [والرجل الذي لم يتزوج]:"طال مكثها في أهلها بعد إدراكها، حتى خرجت من عداد الأبكار، ولم تتزوج قط. جمعها عوانس وعُنس وعُنَّس وعُنوس"، والرجل: عانس أيضا؛ والعانس هو "الجمل السمين التام"، كما أنّ العانس هي "الناقة الصُلبة"[8]

يتأكد ممّا سبق، أنّه يصحّ إطلاق لفظ "عانس" من الناحية اللغوية على الرجل والمرأة، ولكن استع ماله شاع على النساء أكثر وارتبط بهن، وهذا يدل على أنّ اللغة العربية لم تتحيّز لجنس على حساب آخر، فاستقرّ في الأذهان أنّ العنوسة تخصّ النساء وهي عيب طارئ عليهن، يُخرجهن من الحالة الطبيعية والسويّة. ولم يغفل اللغويون هذا الاستعمال فقالوا: العانس " أكثر ما يُستعمل في النساء"، فعبّروا بذلك عن قيم المجتمع الذكوري ومصالحه، وهذا ما ذهب إليه الجوهري وغيره، فلا غضاضة حينئذ إن وجدنا اللغويين يُسهبون في تعريف العانس من النساء وفي المقابل ألفيناهم يوجزون في تعريف العانس من الرجال[9].

فالـ" عانس من نِسوة عُنَّسٍ وعَوَانِسَ وعَنَّسَتْ وهي مُعَنَّس وعَنَّسَها أَهلُها حَبَسُوها عن الأَزواج حتى جازت فَتَاءَ السِّن ولمَّا تَعْجُزْ.. عَنَسَتِ المرأِة فهي عانِس وعُنِّسَت فهي مُعَنِّسَة إِذا كَبِرَت وعَجَزَتْ في بيت أَبويها"[10] [....]، وفي حديث الشعبي سُئل عن الرجل يَدخل بالمرأَة على أَنها بكر فيقول لم أَجدها عَذْراء، فقال:"إِن العُذْرة قد يُذهِبها التَعْنيسُ والحَيْضَة"، وقال الليث:" عَنَسَت إِذا صارت نَصَفاً وهي بكر ولم تتزوَّج"، وقال الفَرَّاء: "امرأَة عانس هي التي لم تتزوّج، وهي تترقّب ذلك وهي المُعَنَّسة"، وقال الكسائي: "العَانِس فوق المُعْصِر". والجدير بالذكر أنّ عددا من اللغويين أجازوا فعل "عَنست" المرأة، إذا كانت فاعلة متحكّمة بإرادتها، بينما اعترض آخرون فرأوا "أنّه لا يقال عَنست بل عُنّست وعنَّسها أهلها، أي حبسوها عن الأزواج"، بمعنى أنّهم حاولوا سلب إرادة العانس، وجعل قرارها بيد غيرها[11].

من الناحية الاصطلاحية، تجمع العديد من التعريفات أنّ العنوسة تحيل إلى حالة الفتيات والنساء اللواتي تخطين سنّ الزواج، لكن ما نلاحظه في هذه التعريفات أنّها لم تحدّد معيار السّن الذي بموجبه يمكن اعتبار المرأة أنّه قد تجاوزت السّن الواجب للزواج عندها أو السّن التي يجب عدم تجاوزها. يقول منصور الرفاعي: "العانس من الرجل أو الفتاة هو الذي يبقى زمانا بعد أن يدرك ولا يتزوج، وهذا الزمن يتحدد وفقا لما جرى عليه العرف في المجتمع"[12]. وتقول بثينة العراقي في سياق مماثل أنّ " العنوسة مصطلح اجتماعي وليست لفظاً علمياً، وبالتالي فهو متغيّر بتغيّر الظروف والأوضاع الاجتماعية، والتطوّر الزمني للمجتمع"[13]، وتختلف أيضا من الريف إلى المدينة، "وعادة تعني السّن التي تصل إليها الفتاة دون زواج مقارنة بالسن السائدة والمتعارف عليها وسط أسرتها والمجتمع، وكل مجتمع يحدّد سنا للزواج"[14]، وعليه فتأخر سنّ الزواج يختلف من الناحية الاجتماعية بين المجتمعات الشرقية والغربية، كما يختلف في المجتمع الواحد عنه بين الريف والحضر، وبين مختلف شرائحه لعدم تجانسهم من النواحي الاقتصادية والاجتماعية.

وقد اختلف في السنّ التي تعدّ المرأة فيها عانساً، فمنهم من يعتبر عتبتها ثلاثين سنة أو خمس وثلاثين أو أربعين أو خمس وأربعين أو أكثر من ذلك، وهناك من يعتبر هذا السّن هو اقترابها من سن اليأس، وقيل أنّ سن العنوسة تعود إلى العرف، فقد يطلق وصف العنوسة في مجتمع ما على المرأة التي لم تتزوّج وإن لم تبلغ الثلاثين[15]، فالمجتمع هو الذي يحدّد من هي العانس، وتختلف نظرة الأسر والعائلات لذلك، فالفتاة ذات التعليم المتوسط عند مغادرتها لمقاعد الدراسة يكون سنها ثمانية عشر عاما تعتبر عانسا إن تأخر من يتقدم لخطبتها في بعض المجتمعات، أمّا الفتاة ذات التعليم الجامعي فلا ينظر لها بالنظرة نفسها حتى تنهي التعليم الجامعي ويكون سنّها في الغالب اثنين وعشرين سنة[16].

العزوبة النسوية في الدراسات الاجتماعية

تعكس الرؤية المجتمعية التهميشية لهذه الفئة الاجتماعية العديدمن الدراسات في العلوم الاجتماعية، فلم تثر ظاهرة العزوبة النسوية أو النّساء غير المتزوجات (العازبات) اهتمام الدارسين بالمجتمعات الغربية أو العربية على حدّ سواء حسب مجال اطلاعنا، إذ وجب انتظار سنوات السبعينيات من القرن الماضي للبدء بتناول موضوع "النساء الوحيدات" بالدراسات وهو ما تؤكده جانفياف جيلبان [17]Geneviève Guilpain من خلال دراستها لنساء متميّزات اخترن العزوبة بين القرن السابع عشر والحادي والعشرين بفرنسا، وفي هذا الصدد تقول: "إنّ النّساء غير المتزوجات بقين غير مرئيات لمدة زمنية طويلة سواء على الساحة الاجتماعية أو في كتب التاريخ، رغم أنهن كنّ حاضرات وعبّرن عن أنفسهن من خلال اليوميات أو كِتابات فلسفية أو نسائية، ورغم كونهن ملاحِظات ثاقبات للساحة الاجتماعية والعلاقات بين الجنسين"[18].

وعلى الرغم من هذا التهميش والصمت الذي خيّم على الاهتمام بالنساء غير المتزوجات في الدراسات المختلفة التي تسنى لنا الاطلاع عليها، إلا أنّه ليس صمتا تاما، فقد تناولت بعض الدراسات العزوبة النسويّة من زاوية نمطية تقليدية، وهو ما خلصت إليه إريكا فلاهو [19]Erika Flahaut، والنتيجة نفسها سبقتها إليها سوزان ماتيو Suzane Mathieu[20]، وعليه قدمت غالبية الدراسات -حسب اطلاعنا- نماذج أكثر ما تكون سلبية عن المرأة التي لم تتزوّج من خلال الحديث عن المأساة التي تعيشها هذه الفئة من المجتمع، والذي يُظهِر العازبة بمظهر مثير للشفقة، تعيش تعيسة بسبب وحدتها، قلقة تتحسر على حرمانها من الأمومة، أو عالة على الآخرين، تُكِّن مشاعر الغيرة من المتزوجات.

لا يشار في هذه الدراسات إلاّ قليلا للعزوبة على أنّها خيار شخصي مفكر فيه ومرغوب به، وإن وجد هذا النمط من التفكير فهو خاص بالرجال، فالزواج بوصفه قيمة اجتماعية راسخة في المجتمع لا يحيد ولا يتزعزع في الوجود النسوي كما تقول ذلك سيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir : "الزواج ليس فقط مهنة شريفة وأقل تعبا من غيرها: وحده الزواج من يسمح للمرأة بلوغ كرامتها الاجتماعية الكاملة لتحقق ذاتها كمُحبة وكأم"[21].

في مقابل هذا النوع من الكتابات المحافظة، بدأ نوع آخر من الدراسات الأكاديمية الحديثة بالظهور والتي تحاول تقديم عزوبة النساء بطريقة تدفعنا للتفكير حول التغيرات العميقة التي يعرفها المجتمع، وهو ما نجده في أعمال  فلاهو Flahault مثلا من خلال تقديم نماذج إيجابية عن نساء عازبات[22]؛ لكن رغم ذلك تبقى الكتابات تتأرجح بين النمط المحافظ الذي يظهر صعوبات العزوبة ومساوئها وانعكاساتها النفسية والديموغرافية أكثر من التركيز على العازبات (أو حتى العزاب) أنفسهن ومساءلتهن حول معاشهن الفعلي ونظرتهن الخاصة حول الوضع الذي يعشنه.

من هذا المنطلق تكون العزوبة في منظور سيمون دي بوفوار رد فعل ضد إكراهات تمسّ المرأة فيما يخص الأدوار المسندة إليها، وتؤكد جانفياف جيلبان هذه الفكرة أوردت قول دي بوفوار الذي ترى من خلاله أنّ "هدف العزوبة التنديد والكفاح ضد حصر وتضييق دور المرأة في المهام التربوية والمنزلية. فالأسرة، تضرّ بكلا الجنسين لأنّها مؤسسة تحدّد لكل دوره، وتجعل من الهويات الجنسية والنوعية متصلبة وتفضي بطريقة حتمية إلى تقسيم نوعي للوظائف وإلى علاقات غير متساوية وانفعالات متزايدة"[23]، ومن بين الدراسات الرائدة التي تناولت عزوبة النساء، نذكر البحث السوسيولوجي الذي قام به جون كلود كوفمانJean Claude Kaufmann  حول تنامي عدد النساء اللواتي يعشن وحدهن في تشكل "عزوبة اختيارية بوصفها نمطا معيشياً لعدد كبير من النساء يتزايد،
من سنة لأخرى، ويطرح العديد من التساؤلات التي من الصعب الإجابة عليها"[24].

قد يكون عدم الاهتمام بدراسة العزوبة، وبخاصة عزوبة النساء، نابعاً من رفض المجتمع الاعتراف بهذه الفئة وما تعيشه من مشاكل حفاظا على المعايير والقيم التي تضمن توزان أنظمته المختلفة، وقد يكون أيضا راجعاً إلى وجود أحكام مسبقة حول معاشهن باعتبار وضع العزوبة يدخل في دائرة اللاسواء (اللا طبيعي) في التمثلات الاجتماعية، لكن مع التغيّرات الحاصلة، خاصة خروج المرأة إلى التعليم والعمل، وكذا انتشار الظاهرة على نطاق واسع، يبدو أن المجتمع قد وجد نفسه مجبرا على الاعتراف بوجود هذه الفئة في المقام الأول، ثم سلطّ الأضواء عليها في المقام الثاني وروج لها على أنّها خطر يهدده.

أثار موضوع تأخر سنّ الزواج بالجزائر أولا، ثم العزوبة لاحقا، اهتمام الباحثين الجزائريين لاسيما المختصين في الديموغرافيا، لكن خلال تسعينيات القرن الماضي لم يعد هذا الاهتمام يقتصر على تأخر سنّ الزواج، بل امتد ليشمل ظاهرة عزوبة النساء على وجه التحديد سواء من خلال تخصيص أبحاث حول الموضوع، أو تناول الموضوع ضمن دراسات تمسّ الأسرة والزواج بصفة عامة، وهو ما تعكسه الدراسات التي أمكن الاطلاع عليها. يعد شمس الدين بوروبي[25] من الأوائل الذين اهتموا بالموضوع في الجزائر من خلال كتابه تأنيس العوانس سنة 1998 في محاولة منه لإثارة موضوع عنوسة النساء ودقّ لناقوس الخطر حول تفشي الظاهرة في المجتمع، فهي بحسب رأيه مشكلة حقيقية تهدّد المجتمع بالضياع والتفكّك والانحلال الأخلاقي وقد نادى بوجوب التكفّل بالموضوع وإيجاد حلول سريعة له وبذل مجهودا عن طريق جمعيته الخيرية لتزويج الشباب.

من بين الدراسات الأكاديمية التي تناولت الظاهرة، دراسة إيمان حايف وزهية واضح بديدي[26]، التي تؤكد أنّ المجتمع الجزائري يعرف تواجدا كبيرا للنساء في الجامعات مقارنة بالرجال، لكن حظوظ المتفوقات منهن في الزواج أصبحت أقل، وفسّر الباحث الاجتماعي ناصر جابي[27] ذلك بانتقال ديموغرافي سريع، مع امتداد فترة الدراسة وارتفاع مستوى تعليم الفتيات، وتحدث عن إقصاء زواجي، ضحيته النساء على شكل عقاب اجتماعي، خصوصا عندما يبدي "الرجل الجزائري" تخوفا من المرأة التي تابعت دراسات عليا.

العزوبة النسوية: منظور اجتماعي نمطي

ظاهرة العزوبة النسوية ليست ظاهرة مستحدثة، فقد عرفتها المجتمعات الإنسانية منذ القدم[28]، ولطالما رفضت واتخذت مختلف المجتمعات الإنسانية إجراءات مختلفة لتنظيمها أو لمنع تفشيها، كما واجهت النساء اللواتي لم يتزوجن ردود فعل يتم عن احتقار لوضعهن، ولا تزال النظرة النمطية نفسها مستمرة في المجتمعات الحديثة (بدرجات متفاوتة).

تتسم ردود الفعل المجتمعية الموجّهة ضد النساء بعنف، هدفها دفعهنأو إجبارهن على الزواج باعتباره المصير المحتوم والوحيد للمرأة، وكل من لم تعرف هذا المصير، ينظر إليها بنظرة سلبية وتصنّف في مرتبة دنيا. ورغم تزايد نسب العزوبة النسوية، إلاّ أن النظرة ذاتها استمرت، ولا يزال يُنظر للعازبات بوصفهن أنموذجًا مضادًا لصورة المرأة المثالية المرغوب بها والمتمثلة في صورة الزوجة والأم. يعتبر المجتمع النساء من دون زوج (مطلقات، أرامل- أو النساء اللواتي لم يتزوجن–العازبات) غير منسجمات مع المعايير الاجتماعية، ومهدّدات للوضع والاستقرار الاجتماعي، وينحصر الشكل الوحيد المتقبل في الوجود النسوي دون زوج في المجتمع في الأرملة التي تكرس حياتها لتربية أبنائها، ورغم ما تقدمه النساء العازبات للمجتمع عبر انخراطهن في الحياة العملية ومساعدة العائلة الأبوية، فلا يزال ينظر لهن بدونية أو على الأقل كضحايا ومستضعفات.

ليس هناك تحديد علمي مرجعي لسن الزواج، وهذا لا ينفي عدم وجود تحديد قانوني له في الجزائر، فحسب قانون رقم 05-09 المؤرخ في 4 مايو سنة، 2008 "تكتمل أهلية الرجل والمرأة في الزواج بتمام 19 سنة، وللقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة، متى تأكد من قدرة الطرفين في الزواج"، وهذا ما تعلنه المادة السابعة من قانون الأسرة[29]. يساوي المشّرع الجزائري من خلال نص هذا القانون في السن المتطلبة للزواج بين الفتى والفتاة، إلا أنّ هذه المساواة تبقى شكلية فقط في عرف المجتمع ولا يعتد بها[30]، فلا تُؤخذ على أنّها مقياس في المجتمع الذي يرسم بدوره ويحدّد وفقا لمعاييره الثقافية والاجتماعية، هذه المعايير التي لا علاقة لها بنظرة علماء الديموغرافيا الذين يحددون عُمْرَ الـ 50 بسن العزوبة النهائية المراد فللسن الذي تكاد تنعدم فيه فرص الزواج للفرد وبخاصة لدى النساء، فللزواج سن اجتماعي لا يجب تخطيه، وإلا صُنّفت من تجاوزته في إطار هامشي، ودخلت دائرة اللاسواء في ظل احتمال أن تبقى نهائيا بهذا الوضع ولا تبرحه.

إذا كان ينظر إلى الزواج على أنّه مسألة شخصية، فالمجتمع يجعل من الأمر مسألة تعنيه أولا، وهنا تتسم نظرته لمن لم تتزوج بعنف لفظي ومعنوي من خلال "المْعَايْرَة"[31] التي تتعرض لها أو حتى من خلال نظرات الشفقة والتحسّر والتساؤلات التي تحاصرها. يعتبر عادل فوزي في هذا الصدد العزوبة "بأنها حالة تهميشية مرفوضة من طرف المجتمع والأهل، أيضا، علما أنّها صعبة القبول من طرف الفرد الذي يعيشها سواء كان ذلك الفرد رجلا أو امرأة"[32]، وينظر للنساء غير المتزوجات أنّهن تعيسات بحياتهن وتعشن وحدة مؤلمة بسبب حرمانهن من الأمومة خاصة، إذ يعتقد المجتمع أنّ سعادة وشقاء المرأة مرتبط بالزواج، ويؤكّد أنّ الأمومة والزواج هما النواة الصلبة التي ينبني عليها التوازن النفسي للمرأة قبل الرجل. تبين الدراسة التي أجراها كليننبرج (Eric Klinenberg (2012 حول الذين يعيشون وضع العزوبة، "أنّ التّحدي الفردي لا يتمثل في العيش وحيدا، على اعتبار أنّ الوحدة بذاتها فشل، بل التّحدي هو في مواجهة الآخرين الذين يعتقدون أنّ ذلك يشعرك حتما بالتعاسة"[33]، فالمشكلة لا تكمن في الوضع ذاته بقدر ما تكمن في رؤية الآخرين لهم وفي أحكامهم القيمية عنهم.

وفي الجزائر، تتنوع المسمّيات التي تشير إلى العازبات في الخطاب المجتمعي المتداول (مصطلحات شائعة، أمثال ومقولات شعبية) دون تمييز بين من اخترن وضع العزوبة طواعية أو أجبرن عليه قسرا أو وجدن أنفسهن فيه لعدم وجود بدائل لما ينتظرنه، فليس هناك اختلاف جدير بالذكر في النظرة إليهن مهما تغيّر مستواهن التعليمي أو طبيعة المهنة التي يُزاولنها أو وضعهن الاقتصادي. هذه النظرة ليست سوى انعكاس للتصور السلبي، وللصورة النمطية التي يحملها الأفراد في المجتمع في تمثلاتهم عن هذه الظاهرة الاجتماعية التي يعشنهافي المجتمع الجزائري. كلمة "بَايْرَة" مثلا من الألفاظ الاجتماعية غير المستحبة، وتحمل معان غير مقبولة وجارحة نفسيا واجتماعيا لأنّ إطلاق مثل هذه التسمية على أي امرأة هو حكم اجتماعي بالعزلة، وعلى حالة يصعب خروجها منها[34]، وكأنّها حكم بالموت الاجتماعي على كل من يطلق عليها. تتعقد الوضعية أكثر على المرأة التي تجاوزت الأربعين أو الخمسين ولم تتزوج ولم تتوفر لديها مدخرات مالية تواجه بها متطلبات الحياة، فهي حسب هذا التوصيف تعاني معاناة مزدوجة: صعوبات اجتماعية وعنف رمزي يزيد من تهميشها. لكن هذا الوصم لا يستثني من اخترن هذا الوضع طواعية ومتواجدات ضمن مكانة اجتماعية مرموقة في المجتمع، وهذه التسميات قد تدّل على الطابع المتناقض لوضعهن، حيث ينظر إليهن كمهددات للوضع الاجتماعي بصفتهن أنصاف للمرأة الكاملة ،ونقيضًا للمرأة الكاملة (الزوجة والأم)[35].

التداول اللغوي المحلي لمصطلحات العزوبة النسوية في قسنطينة

تصنّف أساليب تعامل المجتمع مع النساء المتواجدات في وضعية العزوبة في حالة المخالفات لقواعد ومعايير الترابط الاجتماعي، فغالبا ما تؤدي العزوبة عندهن، إلى خضوعهن للهيمنة الذكورية التي قد تصل إلى حد التطّرف سواء من الأب أو الأخ بحجة الحاجة إلى حماية، وأن "كلام الناس لا يرحم"، ويبدو أنّه من الصعب مواجهة المجتمع وضغوطاته، وتعليقات الأسرة والأصدقاء وزملاء العمل وحتى الجيران، وكما أنّه من الصعب أيضاً مواجهة نظرات الشفقة حينا والشك حينا آخر والتي تلحق الكثير من الصفات والمسميات، جاعلة من الزواج طريقا لا مفر منه، قد يدفع بالبعض إلى تقديم تنازلات عديدة من أجل الظفر بلقب متزوجة.

تتسم المصطلحات التي يتم نعت المرأة والرجل بهما بالاختلاف الكبير، ويتوقف ذلك على التنوع وعلى استعمالات هذه المصطلحات. وتختلف أيضا حسب سن المرأة والرجل. لا تتحدث العبارات المستعملة في ثقافة المجتمع الجزائري في الغالب عن عدم الزواج بطريقة حيادية، فلا يفهم من خلالها أن المسألة لا تتعلق فقط بالتأخر في الزواج، بل تدل على إصدار أحكام اجتماعية تُصنّفه على أنّه وضع نهائي مرتبط بحالة البقاء محرومة من الزوج ومن الأبناء، وبالتالي البقاء دون هوية اجتماعية محددة ودون دور اجتماعي كذلك.

يدخل تجاوز السن الاجتماعي الأمثل للزواج المرأة في متاعب يومية، تترجم من خلال معاملات وردود فعل وتعابير توحي أنّ حظوظ المعنية بالأمر قد تناقصت وأنّها في طريق الانعدام، وكأنها ناقوس يدق أو دعوة لها لتدارك الأمر قبل أن يصبح الأمر واقعا ولا سبيل للخروج منه. لهذه التعابير دور كبير في التمثلات حول وضع المرأة غير المتزوجة، دون أن ننسى وقعها النفسي على المعنيات بها لما لها من قوة رمزية قاهرة.

"عَاتَقْ، ماش مزوجة، بَايْرَة، مسكينة، مغبونة، عانس، عَنْسَّت، ماعطاهاش ربي راجل، شايبة، كبيرة، شارفة، كْلاَتْ وْلاَدْهاَ فِي كَرْشها ..." هي مجمل الكلمات والعبارات التي جمعت للدلالة على النساء غير المتزوجات والتي رصدناها في فترة إجراء البحث في قسنطينة، ويمكن تصنيف معانيها إلى ثلاث أقسام: تضم المجموعة الأولى عبارات حيادية لا تحمل دلالة سلبية، وتحتوي الفئة الثانية عبارات تدل على غياب العلاقة الجنسية، بينما تجتمع في الخانة الثالثة عبارات ذات معنى سلبي أو انتقاص من قيمة المعنية، وهذا النوع الأخير ذاته يتفرع إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول يحمل معنى الشفقة، والصنف الثاني يُركّز على التقدم في السن، أمّا الصنف الثالث فيتحدث عن عدم القدرة على الإنجاب[36] .

عبارة "َمَاشِمَزَوْجَةَ" (غير متزوجة) عبارة حيادية لا تحمل أي دلالة سلبية، وتستعمل في الغالب للاستدلال أو الاستفسار عن الوضع الاجتماعي، أو تحدّث عن المعنيات في وجودهن بهدف عدم المساس بكرامتهن. أمّا كلمة عَاتَقْ[37]، مصطلح يطلق في عرف المجتمع المحلي على كل فتاة في مقتبل العمر، أي بلغت السن الاجتماعي للزواج وهي بصدد انتظار "النصيب"، وإِنْ كان ظاهريا المصطلح يبدو حياديا ويدل على الفتاة الصغيرة في السن التي لا زوج لها إلاّ أنّه اجتماعيا له دلالة رمزية تدلّ على الفتاة التي لم يسبق لها القيام بعلاقات جنسية بعد،أي أنها عذراء.

تبدو العبارات الأكثر استعمالا وانتشارا لدى أفراد عينة الدراسة هي العبارات التي تحمل وتشير، غالبا ًفي مضمونها إلى الاحتفاء، كما يُوضّحه المثالان التاليان:

- الخروج عن معيار السّن الاجتماعي عند استعمالهم لفظ: "شارفة، كبيرة، شايبة، عانس، عنست"، وعليه فهي تستعمل "للمْعَايْرَة" خصوصا عندما تتشاجر النساء فيما بينهن، فتسب إحداهن الأخرى إذا كانت غير متزوجة بهذا اللفظ وتُعيّرها به بمعنى أنّها أصبحت لا رجاء منها وغير مرغوب فيها.

- الدلالة على الشفقة من خلال استعمال لفظي "مسكينة"، "مغبونة" (من الغُبن) للتحسّر على وضعها، أو للتأكيد على أنّها لم تعد لها قيمة اجتماعية ولا دور اجتماعي لها من خلال العبارة التالية: "بايرة، كلات ولادها في كرشها "(أكلت أبناءها في بطنها)،وهذا التعبير ذو دلالة قويّة على العلاقة المباشرة بالإنجاب.

تكرّر مصطلح "البايرة" بشكل بارز خلال الدراسة الميدانية بغض النظر عن سن مستعمليه أو جنسهم، فإذا كان مصطلح "العاتق" يطلق على الفتاة التي تكون في مقتبل العمر، فإنّ "البايرة" يدل على الوصول إلى آخر "المحطة" وأنّ الزواج أصبح أملا مفقودا، هو معنى نلمسه أيضا في قولهم "فاتها الكار" بمعنى تجاوزها قطار الزمن. توجد عبارات أخرى للدلالة على التشكيك في سلوك المرأة في قولهم "بلا راجل" أو " بلا حْكُم"، أي لا يوجد رجل يتحكم في سلوكها ويجعلها تتصرف بصواب، وهي عبارة تطلق عندما تتصرف المرأة العازبة سلوكا لا يعجب المحيطين بها ويعتبرونه خروجًا على المعايير الاجتماعية ولا يجدون من يردعها. للتوضيح فالعبارتان الأخيرتان في الواقع لا تطلقان فقط على العازبات بل على المطلقات والأرامل أيضا، أي على كل من لَسْنَ في عصمة رجل (نساء بلا رجال‏).

بدأ مؤخرا انتشار عبارات مثل "سيليبايرات"، "سيليبايرين" (جمع سيليبايرة، سيليباير) وهو تداخل بين المصطلح الأجنبي célibataire والمصطلح العامي "بايرة" وربما قد يكون ذلك للتخفيف من حدة استعمال لفظ البايرة،أو ربما كرد فعل إزاء المجتمع الرافض لوضعهن، أو للتأكيد على قبول وضعهن مع نبرة تحدّ مؤقت[38].ما كشفه لنا التحقيق الميداني أيضا هو استعمال هذه العبارة، وكذا عبارة بايرة من قبل المعنيات أنفسهن للسخرية من وضعهن تارة، ومن المجتمع الذي ينعتهن بالبايرات تارة أخرى، وهذه ممارسة نجدها خاصة عند من قاربن نهاية العشرينيات حتى منتصف الثلاثينيات.

البايرة: حكم مجتمعي قيمي

يطلق مصطلح بايرة في الخطاب العامي والمحلي على "المرأة غير المتزوجة التي تجاوزت العمر الاجتماعي للزواج"، حاملا دلالة سلبية ومهينة لكل من تنعت به لأنها تعيّر به. لا ترتبط فقط دلالة هذا اللفظ بتجاوز السن الاجتماعي المرغوب الزواج به، بل يشير إلى من لم يعد يرجى منها أي فائدة، وقد وصلت إلى آخر محطة من محطات الحياة الاجتماعية، فمصطلح البايرة مأخوذ من كلمة "الْبَوارُ"، بحيث يقال أرض بُور، بالضم: وتعني ما بار منها ولم يُعْمَرْ بالزرع، ومن البَوار: الذي يشير إلى الأَرض الخراب التي لم تزرع، أو أَرض بائرة متروكة من أَن يزرع فيها، أي أنّها فسدت ولم تعد صالحة للزراعة. فمن تنعت بهاته الصفة لم تعد قادرة على الإنجاب، أو على الأقل أن خصوبتها ضعيفة، ومن ثمّ تقل حظوظها في الزواج.

إنّ الحديث عن الأرض الجافة واليابسة يحيلنا للمقابلة الكلاسيكية الموجودة بين عالم النساء وعالم الرجال، بين الحرارة والبرودة، الجاف والرطب[39]، فمع التقدم في السّن تصبح المرأة جافة وقاحلة. كما أنّ مصطلح "بَارَتْ" يمكن أن يحمل معاني أخرى تشير للجانب الاقتصادي، أي كساد السلعة التي تعرض للبيع، ولا تجد شاريا لها، وهو كناية عن عدم تقدم العريس للمرأة رغم أنّها معروضة في السوق الزواجية، أوقد يعني وصول السلعة لتاريخ نهاية الصلاحية. وفي الواقع، هذا المعنى نجده أيضا في اللغة، فالبَوارُ: الكَسَادُ، وبارَتِ السُّوقُ وبارَتِ البِياعاتُ، إذا كَسَدَتْ تَبُورُ؛ ويقال تجارة بائرة وتجارة لن تبور[40]، ومن هذا قيل: "نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ بَوَارِ الأيِّم" أَن تبقى المرأَة في بيتها لا يخطبها خاطب.

تقول إحدى المبحوثات:"ِإطْلَاقُ لَفْظَ البَايْرَة هُوَ حكم عليك بأّنّه خْلاَص، خلصت عليك، فأنت لا تصلحين لشيء سوى للرمي فلا أحد يرغب بك، وهو لفظ جارح". وفي التمثلات الاجتماعية لعينة الدراسة يطلق مصطلح البايرة على الفتيات اللواتي تجاوزن سن الخامسة والثلاثين عموما. إذا كانت كلمة عانس تستعمل في المجتمع مقابل "بايرة" وتحملان المعنى السلبي نفسه، فيبدو أنّ هناك اختلافاً في استعمال اللفظين بين المعنيات بالأمر وغيرهن من النساء، فاللواتي سألناهن عن معنى كلمة بايرة، لم تربطن المصطلح مباشرة بعدم القدرة على الإنجاب، وإنّما تمحور حديثهن عن تأخر الزواج. في المقابل، تفسير مصطلح" بارت "للدلالة عن الوصول إلى تاريخ نهاية الصلاحية والدخول في العزوبة النهائية، أو استعماله للتعبير عن عدم القدرة على الإنجاب، فقد قدِّم لنا هذان المعنيان من قبل الرجال خاصة خلال الدراسة الميدانية، ومن قبل النساء المتزوجات الكبيرات في السن. إذا كانت المبحوثات يستعملن عبارة بايرة ويقلن عن أنفسهن "بايرات" أو "خلاص أني بورت" (برت وأنتهى الأمر) فهي في الواقع لا تقصد المعنى السلبي نفسه الذي يحمله المجتمع، بل هي طريقة تُعرِب بها عن قلقها من وضعها الاجتماعي لطول فترة عزوبتها، أو أنها دخلت في مرحلة الخطر وتخاف أن تبقى دون زواج، ومع كل هذا المحمول السلبي للمصطلح يبدو أن البايرة ترى أن حظوظها في الزواج لا تزال قائمة، ويمكنها أن تتجاوز هذه المرحلة، عكس ما هو شائع في عرف المجتمع.

استعمال مصطلحات سلبية للدلالة على وضع غير طبيعي ومستهجن ليس حكرا على المجتمع الجزائري فحسب، بل المصطلح نفسه نجده في المغرب وفي تونس، كما نجد مصطلحات مماثلة تؤدي الوظيفة نفسها وتحمل الدلالات نفسها حتى في المجتمعات الغربية كمصطلح « tanmnatsats » بأرمينيا، والذي يعني الفتاة التي بقيت في البيت من دون زواج ويحمل الدلالة الاجتماعية السلبية لكلمة بايرة[41]، كما نجده أيضا في منطقة الحوض المتوسط في التراث الايطالي بجزيرة صقلية من خلالاستعمال مصطلح zitella[42] للتعبير عن من تجاوزن العمر المثالي للزواج، وهو يحمل الدلالة السلبية نفسه البايرة في مقابل
مصطلح Mamma أي المرأة المكتملة أو الأم.

هذا التشابه الموجود في مجتمعات مختلفة، يدل على أّنّه لا وجود ولا اعتراف بالمرأة لذاتها وإنّما وجودها مرتبط بمسألة الإنجاب، وسنّ الزواج مرتبط أساسا بالأمومة والإنجاب[43]، فكلّما كان العمر أقل كلما زادت فرص نسب الإنجاب وكلما كان الوصول إلى المكانة الاجتماعية المثلى والمرغوب فيها أسرع. والعكس بالعكس، فكلما ارتفع سنّ الزواج كلما ارتفع سن الإنجاب وكلما كان النسل محدّدا وكان الوصول إلى المكانة الاجتماعية المرسومة من المجتمع أبطء. الجدير بالذكر أيضا أنّ مصطلح بايرة يطلق على المرأة غير المتزوجة دون الرجل غير المتزوج، وعند محاولتنا معرفة الإجابة على السؤال التالي: لماذا نقول "امرة بايرة" ولا نقول "رَجَلْ بَايَرْ"، فسّر الكثيرون ذلك بأنه ليس هناك سن محددة للزواج عند الرجل، ولأن قدرته الإنجابية لن تتأثر والعمر لا يعيبه، كما أنّ تأخر الزواج يزيد خبرته الحياتية.

إنّ الضغط الاجتماعي والمعنى السلبي للمصطلحات التي تنعت بها العازبات اللواتي تأخرن في الزواج يتزايد كلما تقدمت المعنيات بالسن، فإذا كانت هذه المصطلحات تستعمل في العشرينيات من قبل المعنيات أنفسهن بطريقة ساخرة للاستهزاء، فإنّه مع الزمن تصبح للكلمة وقعا أكبر على الفتيات المعنيات بالظاهرة، وذلك بسبب ردود فعل المحيط الاجتماعي نفسه. قد تكون هذه الكلمة سببا في الخلاف والنزاع في حالة ما استعملت "للمُعَايْرَة"، لأنّ التقدّم في السن يزيد القلق والخوف من البقاء في هذا الوضع، والخوف من عدم الإنجاب، في حين لا نجد التخوّف نفسه عند الرجال ممّن هم في الوضع نفسه، فالخوف من عدم الزواج وعدم الإنجاب في سن الأربعين هو خاص بالنساء فقط.

تحليل مصطلح بايرة والمصطلحات الأخرى يؤكد أنّ الاختلاف بين تأخر زواج المرأة والرجل في المجتمع المحلي يرتبط بشكل وثيق بمسألة الإنجاب والساعة البيولوجية لكليهما، وهذا يحيلنا مباشرة للرهانات الحقيقية وراء الزواج، المتمثلة في الحفاظ على النسل وعلى اللقب العائلي. 

مصطلحات العزوبة النسوية في الفضاء العام: عنف اجتماعي مضاعف

إذا كانت الحالة المدنية في الجزائر قائمة على التمييز بين أربعة أوضاع مختلفة (أعزب- عزباء، متزوج (ة)، مطلق (ة)، أرمل (ة) وكان إطلاق هذه الألفاظ في الحالة المدنية لا يتضمن أي حكم قيمي، فامتداد استعمال هذه المصطلحات في الفضاء العام وإطلاق كلمة آنسة أو مدام  « Madame »في التعامل الاجتماعي قد يحمل العديد من القراءات التي تتراوح بين الحياد والتمييز والتفرقة.

يزداد معنى هذا التمايز حدة في المسميات العامية المتداولة في الحياة اليومية للنساء غير المتزوجات والتركيز على الحالة المدنية واستعمال مصطلح آنسة « Mademoiselle »، أو سيدة مدام  « Madame » وشيوع استعماله في الفضاء العام، قد يعكس في الواقع المعاش والحدود والفواصل في التعامل بين هاتين الفئتين، بمعنى آخر، بين ما يحق للمتزوجة وما لا يحق لها وما يصلح لغير المتزوجة وما لا يصلح بها. إطلاق كلمة مدام يعنى أن المرأة تحت عصمة رجل ووجوب احترامها نابع من احترامه، أمّا استعمال لفظ آنسة "مادموزال" فهو عكسها تماما لأنّها محرومة من أسلوب المعاملة نفسه، وهذا ما يبيح بعض التجاوزات ويقدمها على أنها مستعدة لقبول عروض مختلفة من قبل الجنس الآخر[44].

"من المفارقة أن ينظر للنساء اللواتي تطلق عليهن هذه التعبيرات الاجتماعية، بأنّهن مهددات للوضع الاجتماعي والأبوي"[45] بوصفهن ضحايا أو أفراد ضعفاء يجب حمايتهن خاصة من تهديدات وتجاوزات الرجال.

تعكس هذه النظرة المزدوجة نوعًا من المفارقة، فبين النساء الضعيفات والنساء الخطيرات مجال واسع، "لكن الأمر يدل على تصنيف النساء دون أزواج ضمن فئات خاصة، لكنها في الوقت نفسه واسعة المدى وقابلة للاختراق والتجاوز"[46]، فالفتاة العازبة التي بلغت سن الزواج الاجتماعي ولم تتزوج خطيرة لكونها قد تصبح أمًّا عازبة، المرأة الناضجة التي لم تتزوج فهي خطيرة قد تتهم بمحاولة سرقة زوج امرأة أخرى، فغياب الزوج في حياة المرأة يُربط في كثير من الأحيان بغياب القيم والمبادئ الأخلاقية، يقرن أيضا بالضعف النفسي وبالوحدة (مسكينة  وّحّدها)، وهذا التصور الشائع اجتماعيا قد يعاكس الواقع لأنّ غياب الزوجأو الرجل في حياة المرأة لا يعني دائمًا أنّهن يعشن في الوحدة، فغالبية العازبات لا تسكنّ بمفردهن، فهن مازلنّ تحت سقف البيت الوالدي أو مع الإخوة. عدم الزواج لا يعني أيضًا عدم وجود رجل في حياة المرأة وعدم خوضها لعلاقة عاطفية، واحتمال وجود مثل هذه العلاقات عادة ما يقلق المجتمع المحلي، حتى وإن كانت هذه الممارسات تدل بالنسبة للعازبات على رغبة في إتمام مشروع الزواج أو تدل على عيش الوضع بطريقة إيجابية، إلاّ أنّه يُعد اختراقاً وتجاوزاً للقيم [47].

المجتمع الذي يطلق مثل هذه المسميات قد يتناسى في الكثير من الأحيان أنّ هذه الشريحة تشكل العائل الوحيد لعدد كبير من الأسر الجزائرية اليوم، وأن اهتماماتهن تحوّلت لتشمل اليوم البحث عن منزل واستئجاره والإشراف على كل صغيرة وكبيرة فيه والتعاطي مع العديد من التفاصيل التي كانت ضمن اختصاص الرجال سابقًا.

الزواج من أجل الإنجاب: هاجس "الساعة البيولوجية"

تعيش النساء عمرا أطول من الرجال حسب المعطيات الديموغرافية وهذاما يجعل النساء عرضة لشيخوخة أطول من الرجال، لكن تكبر النساء اجتماعيا قبل الرجال، وهذا الوضع تؤكده الباحثة المغربية سمية نعمان جسوس: "الإحصائيات تؤكد أن النساء يعشن أطول من الرجال، وفي الواقع الاجتماعي، النساء يمتن قبل الرجال وهذا الطرح يدفعن التمييز بين نوعين من الأعمار وهما: العمر الزمني المسّجل في الحالة المدنية والذي يحتسب منذ الولادة إلى غاية الوفاة، والعمر الاجتماعي[...][48].

فللنساء سن محدد للزواج وآخر ضد الزواج « âge-anti matrimonial » حسب تعبير دي سانقلي F. De Singly، فوجود النساء في السوق الزواجية مرهون بقدرتهن الإنجابية، وإذا كان الزواج مرتبطا بتكوين أسرة والغرض منههو الإنجاب في المقام الأول، فإن البقاء في وضع العزوبة يعرض العائلة مباشرة لخطر عدم تجددها، وباعتبار سن الثلاثين هو السن الذي تبدأ فيه عقارب الساعة البيولوجية في التسارع بحيث تُقلق النساء والمجتمع على حد سواء، ويصبح إذن مطلب تكوين أسرة وإنجاب أطفال ضرورة حتمية يجب تحقيقها قبل فوات الأوان، وتصبح كل فرص الزواج التي تعرض للفتاة فرصا سانحة لا يجب التفريط فيها، بمعنى، عليها أن تفكر فيها مليا قبل الرفض، وإذا كانت الساعة البيولوجية مرتبطة بسن اليأس الذي يكون ما بعد الأربعين، فإنّ الساعة الاجتماعية تكون قبلها وتبدأ مع الاقتراب من سن الثلاثين في المناطق الحضرية وقبلها في المناطق الريفية (حوالي سن 25 سنة)، وهنا يبدأ إحساس الفتيات بالضغط الاجتماعي الذي يدفعهن للزواج في أقرب الآجال لأنّ عقارب الساعة لا تنتظر.

تبدي النساء المبحوثات أنفسهن وعيًا بهذا الضغط الاجتماعي، فهنّ على دراية أنّ الهدف الأسمى من الزواج هو الإنجاب، حتى بالنسبة لمن لديهن نظرة عصرية للزواج ويرغبن بتشكيل ثنائي غير تقليدي. هذه النقطة يمكن الاستدلال عليها من خلال سؤالهن عن الزواج دون إنجاب الأطفال، فغالبيتهن يؤكدن رفض هذا النوع من الزواج. فإذا كانت هناك من النساء من هن مستعدات للزواج بأي ثمن كان من أجل التمتع بالأمومة فقط، فهناك منهن من ترى أنّه بفقدانها هذه الفرصة لا داعي للزواج أصلا. وعليه يصبح الزواج قبل بلوغ سن الأربعين هاجس النساء، لأنّه يعتبر بالنسبة لهنّ بداية الموت الاجتماعي المرتبطفي أذهانهن بسن اليأس البيولوجي.

بلوغ سن اليأس الذي يعد ظاهرة فيزيولوجية، ويشير إلى انتهاء دورة العادة الشهرية، هو بناء اجتماعي يدل على انتهاء وظيفة الإنجاب "المترافقة مع بداية مرحلة من الحياة تتميز كذلك بتغيرات جسدية تعطي مظهرا جديًّا نادرا ما يكون مقبولا لدى المرأة، وكذلك تغيرات لِقيمٍ وأدوار اجتماعية جديدة تكون أحيانا معطاة للمرأة ومفروضة عليها"[49]. و"تتراوح فترة سن اليأس ما بين 45 و50 سنة"[50]، مع وجود تفاوت بين النساء حسب البيئة، نمط الحياة والمستوى الاجتماعي والاقتصادي.

يمثل البلوغ الاجتماعي سن اليأس إقصاءًا لا رجعة فيه، وهي فترة تعاش في صمت وعزلة[51]، ونظرة المجتمع لهذه الفترة قاسية، فلا توجد مصطلحات أو عبارات خاصة بها، وغالبا تستعمل النساء اللغة العربية للتعبير عنه "سن اليأس" ويحمل هو الآخر دلالة سلبية، أي أصبح ميؤوساً من المرأة ولا ينتظر منها شيء وكأنّها قابلة للرمي.

تقول "جسوس" في هذا السياق: "إنّ كل مجتمع له معاييره الخاصة لتحديد العمر الاجتماعي، ويبدو أن هناك نساءًا في المجتمعات الصناعية تَمكَّنَ من تحقيق عمر اجتماعي مرتفع من وراء فرض وجودهن بالدراسة والعمل مقارنة بالنساء اللواتي يعشن وفقا للنموذج التقليدي واللائي يسعين لفرض وجودهن بأجسادهن"[52].

يمثل العمر الاجتماعي للمرأة عمر أنوثتها الذي يبدأ مع البلوغ وينتهي بعدة سنوات قليلة عندما تبدأ ملامح الشباب بالاختفاء بحيث" تبدأ المرأة بجذب أنظار الرجال في سن 16 و17 لغاية سن 30 كحد أقصى"[53]، وكلما ارتفع سنّها كلما أصبحت غير مرغوب فيها، وفي هذا السياق أصبح المجتمع المحلي يستعمل مصطلحاً آخر للدلالة على النساء اللواتي لم يعد يُرغب فيهن وهو "قَرْزْلَتْ"، للإشارة لتمثل الجسد الذي "قَرْزَلَ"، أي يصبح كاللحم أو الخضار الذي بقي زمنًا طويلاً ولن يستوي مهما طالت فترة الطهو، وأصبح بالتالي غير قابل للأكل، وباختصار "أصبح لا متعة به".

تمتلك النساء وقتاً أقل من الرجال للحصول على أطفال و"تتضاعف عدم المساواة البيولوجية بعدم المساواة الاجتماعية، على اعتبار أنّه في صميم المفهوم "الطبيعي" لفارق السن، فللرجال في نهاية المطاف المزيد من الفرص لإيجاد شريك في عمر جيد، بمعنى أقل منهم سنا، وعليه ففي كل الحالات، تقل معايير السّن والتمثلات بالنسبة للرجل... وتتم المفاوضات الزواجية حول رزنامة الزواج على أساس عدم المساواة هذه"[54].

عندما سألنا أفراد عيّنة الدراسة عن السن المثالي للزواج، وعن تصوراتهم بالنسبة للمرأة وبالنسبة للرجل وعن السن الذي لا يجب تخطيه أو تجاوزه، أظهرت نتائج الدراسة الميدانية اعتراض بعض المبحوثين على التبكير بالزواج، مع الرفض في الوقت نفسه تأخيره كثيرا خصوصا عند الفتاة، فهناك من يعارض تأخر سن زواج النساء فوق الخامسة والعشرين، وذلك حماية لها وحرصًا على قيمة الإنجاب وخشية من مصير البقاء دون زواج. تراوح هذا السن المثالية للزواج بين 25 -27 سنة بالنسبة للنساء، و27-30 للرجال، أمّا عن السن الذي لا يجب أن تتخطاه المرأة وإلا أصبحت حظوظها ضعيفة فهو ما بين35-40، أمّا الرجل برأيهم بإمكانه الزواج حتى عند سن الخمسين.

قلة من المبحوثات من ترى أنّ الرجل له سن لا يجب أن يتعداه في الزواج، وتبرّرن ذلك بأنّه يصبح أكثر عرضة للأمراض، وأخريات تحدثن عن الأبناء والعلاقة بهم "هل سيرى أبناءه يكبرون إذا تزوج في الخمسين؟ فعند الـستين يصبح ابنه في العاشرة فما هي نوع العلاقة بينهم؟ هل هي علاقة أب بابنه أم جد بحفيده؟ وإذا توفي في هذا العمر هل يترك أطفاله يتامى ولمن؟

لا يعاب الرجل مهما طالت عزوبته

لا يشعر الرجال دائما بالضغط الاجتماعي والنفسي نحو الزواج بالحدة نفسها عند النساء، ولا يعدّ الاستمرار في العزوبة إلى أجل غير مسمى مشكلة بالنسبة للرجل، فمن حق الرجال أخذ الوقت الكافي للزواج، لأنّ العزوبة عند الرجال لا تقصيهم من السوق الزواجية، فالرجل يبقى رجلاً مهما بلغ من العمر، وبإمكانه التمتع بالحياة في أي مرحلة كانت، وتجاوز مرحلة السّن المثالية للزواج لا ينفي اختيار العروس وفق المواصفات التي يراها مناسبة له، فبفقدان من يقوم على خدمته من أمٍّ أو أخت، أو ملل من حياة الوحدة، يبدأ التفكير في فوائد الأسرة والنَّسَب الصالح، و بوسعه إن كان يملك مالا أن يتزوج متى أراد[55].لا تزال "العنوسة" بمفهومها الاجتماعي والنفسي حكراً على النساء فقط في المجتمع المحلي بقسنطينة، بينما يستثنى منها الرجل ولا يبور. يدافع الرجل عن هذا المنطق لأنّه يستطيع وضع حد لعزوبته حتى وإن بلغ الخمسين، وفي هذه الحالة، من المستبعد أن يرتبط بمن تقاربه أو تماثله سنا، بل يختار من هي أقل منه، ولو عدنا للواقع لوجدنا أن الرجل المتقدم في العمر ترتفع أسهم الطلب عليه من قبل الفتيات، فيما يصبح العكس مع الفتاة الناضجة في العمر إلى حد وضعها على لائحة الانتظار السوداء، ولا يلغي هذا الأمر واقع ميل العديد من الشبان إلى تأخير سن الزواج إلى أجل غير مسمى، وفي أحيان كثيرة الاستغناء عن هذا "الاستحقاق" طالما أن "المطلوب غير متوفر"[56].

لكن هذا لا يعني أنّ المجتمع يساند دائما عزوبة الرجل ولا يقابلها بالرفض، فالشكوك والتساؤلات تثار أحيانا حول أسباب عزوبته. إذا كانت نظرة المجتمع أكثر عنفا ودونية تجاه المرأة، فإنّ النظرة الاجتماعية للرجل الأعزب أيضًا فيها نوع من الريبة والتساؤلات، رغم أنّ المبررات تعطى له أكثر ممّا تعطى للمرأة، فهو لا يعتبر رجلا كاملا طالما لا يزال أعزبا، لأنّ الرجل غير المتزوجفي المجتمعات العربية عموما تكون مكانته الاجتماعية متذبذبة، فلا يوضع له أي اعتبار ويعيش بدون كرامة وهيبة، وذلك لعدم اعتراف المجتمع به كفرد صالح له الثقة الكاملة لفقدانها لدور الذي يلعبه الابن في المجتمع الجزائري على وجه الخصوص، فلا يرث السلطة التي يتمتع بها رجال العائلة، ولا يكتمل دوره إلا بعد زواجه، "لأن الرجل الأعزب يبقى عندنا ناقصا ويعتبر غير بالغ لسن الرشد"[57]. تبقى العزوبة الذكورية رمزا للحريّة وعدم تحمل المسؤولية، أمّا المرأة فلا تأخذ دورها ومكانتها الاجتماعية إلا بعد الإنجاب.

تحوم العديد من الأسئلة حول الرافض للزواج وتطرح لذلك فرضيات حول وجود عيب خَلْقي أو نفسي أو توجهاته الجنسية وميوله لأشخاص من الجنس نفسه(ذو توجه مثلي) أو ربما لعجزه، إلا أنّ كثيرا ما يجدون له تبريرا دينيا فيشبه بالراهب أو الناسك أو على حد تعبير الفاعلين الاجتماعيين  ينتهي به الأمر "باباص"[58]، لكن مع ذلك لا توظف عبارات مستهجنة في حقه ما عدا كلمة "زبنطوط" (التي تكافئ كلمة "عاتق" بالنسبة للنساء)، و"زبنطوط" هي الكلمة التي تطلق بالعامية الجزائرية على الفتى الأعزب[59]، وهي كلمة تركية معناها الفتى القوي، وقد تنحدر من أصل ايطالي وتعني المنبوذ أو المنفي، لكن استعمالها لدى الشاب لا يحمل أي دلالة سلبية.

كثيرا ما ينظر للعازب في سن متأخرة نظرة شفقة، لأنّه أصبح وحيدا لا عائل له خاصة إذا كانت الإمكانيات غير متوفرة لديه، بل ويجدون له أعذاراً وتبريرات مختلفة ويُلقى اللوم على النساء باعتبار أنهن أصبحن ماديات رغم أن شباباً في مثل وضعه تزوجوا، وحتى بالنسبة لمن لديه الإمكانيات المادية فالمجتمع يرى أنّ من حقه أن يختار من هي مناسبة له، وفي انتظار ذلك من حقه عيش حياته بالطريقة التي يرغب بها.

بالرغم من أنّ العزوبية قد تكون وضعية صعبة يعيشها الرجال أيضًا، لكنها تشكل مسألة خاصة، وهنا يكمن أكبر اختلاف بين عزوبة الرجل وعزوبة المرأة، فالتمييز بين العزوبية لدى النساء والرجال تكمن في أنّ "الرجل يضرّ ذاته إن هو فعلها، أمّا المرأة فلا تضر ذاتها فقط وإنما تعد أيضا خطرا على المجتمع"[60]. تعد عزوبة النساء "مسألة خاصة وعامة في الوقت ذاته، وتهم المجتمع برمته. فعندما تقرّر النساء الانخراط في مسار الاستقلالية، فذلك لا يمسهن لوحدهن فقط، بل يمس بنية أساسية في المجتمع وهي الأسرة التي تبنى على الدور الهام الذي تلعبه المرأة، وبالتالي، فهذا القرار يهدّد البناء الاجتماعي ككل"[61].

العزوبة النسوية في خطاب الأمثال الشعبية

تعبر أمثال شعبية متداولة في المجتمع عن الهيمنة الذكورية، فالمثل القائل "البنت إما راجلها وإما قبرها" دلالة على أن المرأة لا تساوي شيئا دون زوج وليس أمامها خيارات، فإمّا الزواج أو الموت، أمّا المثل القائل "الراجل ما يعيبوا غير جيبوا "فيكرس هيمنة الرجل ومكانته المتميزة.

كثيرا ما يقال المثل الأخير عندما يتقدَّم الرجل لخِطْبة فتاة أو يحاول الأهل إقناعها من خلال تذكيرها بعيوبها، ومقابل ذلك نجد أنّ الأمثال الشعبية تركز على معيار الأخلاق لدى المرأة على سبيل المثال في قولهم: "مَا يْغَرّكْ نُوَّار الدَّفْلَة فِي الوِيدَْان عَامْلْ ضْلاَيَلْ (لأن طعمه مر)،وَمَا يَغَرّكْ زِين الطَّفلة حَتَّى تْشُوفُ الفْعَايَل"، أو "زين المرأة فضياها... وزين العاتق فحياها"، "الفايدة ما هيشفي الزين الفايدة في الخلق والدين"[62].

تؤكّد الذاكرة الشعبية على أنّ الزواج أولوية في حياة الفتاة، وتتأهب لبلوغه منذ نعومة أظافرها وبقائها في بيت والدها عار، "العاتق في الدار عار"، لذا كان تزويج البنت في سن مبكرة من أهم التزامات الأولياء، وفي هذا السياق المثل القائل "بكر لحاجتك اقضيها واتصنّت للفال، بنتك قبل الصوم اعطيها لا يكثر القيل والقال"[63]،للتأكيد على أهمية وضرورة الزواج المبكر الحال نفسه بالنسبة للأمثال التالية: "الحرث بكري والزواج بكري"، "اخطب لبنتك وما تخطبش لولدك"، يقول المثل "ضرستك إذا وجعاتك نحيها بكلاب اللي ايكون احديد، وبنتك إذا كبرت اعطيها راهو ابلاها في الدار ديما ايزيد"[64]، وهذه الأمثال دلالة على السمعة والشرف.

تحذر الأمثال الشعبية أيضًا الفتاة من بقائها دون زواج، وتضطرها للقبول بأي فرصة متاحة وترّغب فيه قبل أن يفوت الأجل: "كي خطبوها الفرسان مابغات وكي خطبوها الرعيان رضات". "كي خطبوها تعززّت وكي خلفوها تهدمت". 

تعبّر الأمثال على الرغبة التي تحذو الفتاة لطلب الزواج ،ومن ذلك المثل القائل "مكحلة مسوكة وطالبة الزواج"[65]، أمّا فيما يخصّ الرجل، فيتحدث أحد الأمثال الشعبية قائلا: "اللِّي اعزم علَى حاجة قضاها، او اللِّي اعزم علَى مرا اَخْذَاها"[66] دلالة أن مسعى الزواج يكون من الجنسين أما القرار النهائي فيعود للرجل.

تناولت الأمثال الشعبية كذلك مسألة العزوبة، إلا أنّها طرحت مشكلة تأخر الزواج بالنسبة للبنت أكثر من الرجل، حيث تتحوّل البنت إلى عانس أو "بايرة" إذا تجاوزت السن المناسب للزواج، وهو ما يتطابق تماما مع العبارات الشائعة محليا. فقد عبرّت بعض الأمثال عن وقوف البنات حسرة على عدم زواجهن، والأمثال التالية تثير ذلك صراحة:"ابْنَاتْ لمحور بَارُوا، وابْنَاتْ بوتشيش ثارو"، "ابنات عمي يتزوجو وأنا نفرح للقم" أو الـ "عريس يتعرّس والمشوم يتهرّس"، أو في قولهم: "كحلتي باطل سوكتي باطل، لا جيتي على البال ولا على الخاطر"[67]. وقد تندب الفتاة حظها عندما تعي أنّ الزمن تجاوزها ولن تفوز بالعريس، المثل التالي يحيل إلى ذلك: "فات فواتي، تقطع جهازي وتكسر عكازي". وعن انعكاس حالات الزواج المتأخر سلبًا على المرأة تقول بعض الأمثال الشعبية أيضا: "أوّل اتعوس من البس دربالة وقال السبت برنوس، والثاني اتعوس من اطلق الما على الفقوس، والثالث اتعوس من جاب اعجوز أو قال جبت عروس[68]. "راح لبلاد النساء وجاب عجوز امهرسة"، "ذرية الشيب يأكلها الذيب" للدلالة أن الزواج عن كبر لا منفعة منه.

لكن يمكن أن تكون نهاية العانس نهاية سعيدة، كما لو أنّها كانت تنتظر فارس أحلامها، وهذه الفكرة تعبر عنها الأمثال التالية: "العَاتْق إلا بارت على سعدها دارت" أو "بنت الرجال إذا بارت.... على العمايم دارت ... . وسيد الرجال اختارت"، بمعنى إذا تأخرت الفتاة في الزواج يرزقها الله بشاب جيد أو أنها ستكون سعيدة عند زواجها.

وقد تكون تعيسة الحظ مع الرجال هي من تفوز بالأنسب في النهاية، المثل التالي يعكس ذلك: "الأول نحات به البورة، الثاني دارت به الشورة، والثالث جابت معاه الذكورة". لكن أحيانا يفضل البقاء في العزوبة على الزواج الفاشل والمثال التالي يعكس ذلك: "قعاد السلامة ولا زواج الندامة"، أو "بقايا في الدار ولا زواج العار".

إذا كان انتشار هذه الأمثال والمقولات الشعبية أقلّ تداولا بين فئات الشباب الذين يجهلون العديد منها، مما قد يجعلها تحتل مكانة قد تكون متواضعة في الترويج للخطاب المجتمعي المتداول يوميا حول ظاهرة العزوبة النسوية خاصة بالمناطق الحضرية، إلا أنّها تلتقي مع المسميات العامية في تكريس التمثلات الاجتماعية النمطية نحو النساء اللواتي تأخر سن زواجهن عن العمر الاجتماعي، كما تحيلنا في نهاية المطاف إلى أنّ النظرة المجتمعية للزواج من عدمه لا تزال مستمرة.

خاتمة

لا يمكن فصل مسألة الهوية الأنثوية عن مسألة السيطرة الجنسانية[69]، وهوما تعكسه التمثلات الاجتماعية وأساليب التعامل مع النساء مِمّن هُنّ في وضع العزوبة، فالعزوبة غالبا ما تؤدي عند النساء إلى حالة من الإقصاء أو التهميش وتجعلهن في مواجهة المجتمع وضغوطاته، وتعليقات الأسرة والأصدقاء وزملاء العمل وحتى الجيران ونظرات الشفقة حينا والشك حينا آخر، ونعتهن بمسميات مهينة تحمل أحكام قيمية، على اعتبار أنّهن خالفن قواعد ومعايير الترابط الجماعي وهدّدن إعادة الإنتاج واستقرار الوضع الاجتماعي.

تؤكد هذه الممارسات على الطابع المتناقض لوضع النساء اللواتي على الرغم من احتلالهن لمواقع مهمة أكثر فأكثر سواء على المستوى المهني، الاقتصادي والسياسي، وبالرغم من أهمية العون الذي تقدمنه لعائلاتهن، فهن يُعانين من وضع "غير طبيعي" من وجهة نظر العائلة نفسها والمجتمع أيضًا بما أنّهن لا ينجبن أطفالا، لا تستطيع الهوية الأنثوية الوصول إلى أشكال اعتراف خاصة، فلا تزال النساء خاضعات لأدوارهن المنزلية، ولاسيما لأعبائهن المنزلية غير المعترف بها اقتصاديا[70]، ولن يتمكنّ من الوصول إلا عن طريق الهوية الإنجابية: ابنة فلان، زوجة فلان، والدة فلان...

قائمة المراجع

القواميس والمعاجم

ابن منظور، محمد بن مكرم الافريقي المصري جمال الدين أبو الفضل (1993)، لسان العرب، بيروت، دار صادر ، ط03.

الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (2005)، القاموس المحيط، بيروت، مؤسسة النشر والتوزيع، ط08.

معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية،http://www.al-eman.com/

الكتب

ايريتييه، فرانسواز (2003)، ذكورة وأنوثة، فكرة الاختلاف، ترجمة: كاميليا صبحي، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب.

الترمانيني، عبد السلام (1984)، الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام، الكويت، بيروت، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب..

دوبار، كلود (2008)، أزمة الهويات، تفسير تحول، ترجمة رندة البعث، ط1، بيروت، لبنان، المكتبة الشرقية.

العراقي، بثينة (2008)، العنوسة، مخاطر وأسرار، الجزائر، دار الرشيد للطبع والنشر والتوزيع، ألفا للنشر والتوزيع.

كحالة، عمر رضا (1985)، الزواج، سلسلة بحوث اجتماعية، الجزء الأول، بيروت، مؤسسة الرسالة.

وروبي، شمس الدين (1998)،تأنيس العوانس، من رسائل: الإسلام والمجتمع، ط1، الجزائر، دلائل الخيرات للصوتيات والمرئيات.

Beauvoir (de), S. (1990), Le deuxième sexe, tome II, L'expérience vécue, Paris, éd. du club France Loisirs.

Benghabrit-Remaoun, N. (coord.), (2014), Processus de construction du couple : expériences et imaginaire, in Cahier du CRASC, n° 29.

Blanc, M. (1960), Initiation aux problèmes familiaux. Population, famille, éducation, Lyon, éd. de la chronique sociale de France.

Bourdieu, P. (1972), Esquisse d’une théorie de la pratique, précède de trois études d’ethnologie kabyle, Genève, éd. Droz.

Bourdieu, P. (1998), La domination masculine, suivie de quelques questions sur le mouvement gay et lesbien, éd. du seuil. 

Bozon, M. (2009), Sociologie de la sexualité, 2eme éd. Paris, Armand Colin.

Flahault, E. (2009), Une vie à soi. Nouvelles formes de solitude au féminin.

Guilpain, G. (2013), Les Célibataires, des femmes singulières. Le célibat féminin en France (XVIIe-XXIe siècle), Paris éd. l’Harmattan, Coll. Questions contemporaines, Questions de genre.

Héritier, F. (1996), Masculin féminin I. La pensée de la différence, Paris, Odile Jacob.

Kaufmann, J.-C. (1999), la femme seule et le prince charmant, Enquête sur la vie en solo, éd. Nathan.

Mathieu, S. (1970), Le Célibat féminin : de l'image à la réalité, France, éd. Maison Mame.

Naamane-Guessous S. (2000), Printemps et automne sexuels : puberté, ménopause, andropause au Maroc, Eddif.

Singly (De), F., (dir.), (1991), La Famille : l’état des savoirs, Paris, La Découverte.

Virolle, M. (2001), Rituels Algériens, éd., Karthala.

المقالات

شنافي، فوزية وفرفار، سامي (2010)، "تأخر سن الزواج في الجزائر أسبابه ونتائجه"، المعيار عدد 22: عدد خاص حول الملتقى الوطني: ظاهرة تأخر سن زواج الشباب الجزائري. عواملها، تأثيراتها، حلولها، الجزء الأول، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الاسلامية، قسنطينة.

Adel, F. (1995), « Femmes et mariage », in Actes de l’atelier : femmes et développement, Alger, 1994, Oran, éd. CRASC, p. 65-74.

Bessin, M., Levilain, H., Regnier-Loilier, A. (2005), « La parentalité tardive, Logiques biographiques et pratiques éducatives », École des Hautes Études en Sciences Sociales, (CNRS-CEMS), Université de Metz (ERASE), INED, Avril 2005, DOSSIER D’ETUDE, n° 67, p. 5.

Carmignani, S. (avril 2003), « Les femmes célibataires de Gangi, ou quand la marge côtoie la norme », Inethnographiques.org, n° 3.

Carmignani, S. (avril 2003), « Les femmes célibataires de Gangi, ou quand la marge côtoie la norme », Inethnographiques.org, n° 3.

De « la femme seule » aux femmes sans mari », Genre & Histoire [En ligne], 16 | Automne 2015. URL : http://genrehistoire.revues.org/2225

Dubois, F.-R. (2013), « Geneviève Guilpain, Les Célibataires, des femmes singulières: le célibat féminin en France (XVIIe-XXIe siècles) », Lectures [En ligne], Les comptes rendus.URL : http://lectures.revues.org/11048

Giraud, C. (19 mars 2015), Un appartement à soi, À propos de : Eric Klinenberg, Going solo. The extraordinary rise and surprising appeal of living alone, The Penguin Press, www.laviedesidees.fr/Un-appartement-a-soi.html

Guevorkian, L. (2014), « Les termes du langage à propos du célibat : marqueurs « genrés » dans la construction de l’âge social défini pour le mariage : étude comparée au Maroc et en Arménie ». Communication présentée au : trajectoires et âges de la vie, XVIIIème Colloque international de l'Aidelf, Département des Sciences Politiques, Université de Bari « Aldo Moro », Italie, 26-29 mai 2014.

Guevorkian, L. (2014), « Les termes du langage à propos du célibat : marqueurs « genrés » dans la construction de l’âge social défini pour le mariage : étude comparée au Maroc et en Arménie ». Communication présentée au : trajectoires et âges de la vie, XVIIIème Colloque international de l'Aidelf, Département des Sciences Politiques, Université de Bari « Aldo Moro », Italie, 26-29 mai 2014.

Hammadi, S. (23 décembre 2006), « Les Algériennes se marient au-delà de 32 ans », AFP, in le quotidien Liberté.

Hayef, I. (1993), « Le célibat des femmes en Algérie », in Être marginal au Maghreb, Textes réunis par Colonna Fanny avec Daoud Zakya, Paris, CNRS,
p. 215-257.

Knibiehler, Y. (1990), « Le célibat. Approche historique », in La famille. L’état des savoirs, sous la direction de Singly (De), François, Paris, éd. La Découverte, p. 75-82.

Ouadah-Bedidi, Z. (2005), « Avoir 30 ans et être encore célibataire : une catégorie émergente en Algérie », in Autre part, n° 34 [25 page(s), France, éd. de l'Aube, La Tour d'Aigues.

مقالات الكترونية

عقيل، ملاك (13-07-2012)، "عازبون حتى إشعار آخر... لا تخيفهم الوحدة" في:

www.lebanonfiles.com/news/408862?fb_comment_id=10151095768910993_24204835#f3fe086f7d49778

عرفات، فضيلة (2009)، ظاهرة تأخير سن الزواج (العنوسة) في المجتمع العراقي، مركز نور للدراسات.

فوزي، بوخريص (2014)، "صورة المرأة في الأمثال الشعبية: المرأة في مؤسسة الزواج كنموذج"، فكر ونقد، مجلة فكرية ثقافية فكرية، العدد63: في النظرة إلى المرأة، نوفمبر، المغرب:  http://www.aljabriabed.net/n63_05bukgris.%282%29.htm

قزع، هدى (2011)، صورة العانس في الأدب العربي والغربي: https://almsbah77.wordpress.com/2015/03/06

هلال، منى (2003)، "العنوسة"، مقال في معابر:

http://www.maaber.org/issue_october03/lookout3.htm

البنا، محمد عبد اللطيف محمود، العنوسة والغلاء. دراسة في الأحكام الشرعية والقيم الأخلاقية ، اسلام أون نيت:

/https://ncys.ksu.edu.sa/

http://daharchives.alhayat.com/issue_archive/Hayat.html

الرسائل والأطروحات جامعية

فالق، سمية (2005)، المثل الشعبي في منطقة الأوراس. جمع وتصنيف ودراسة في الوظيفة والتشكيل الفني، مذكرة ماجستير في الأدب الشعبي، إشراف العربي دحو، جامعة منتوري قسنطينة.

محمد أحمد محمد، همت (2004)، التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وأثرها على تأخر سن الزواج. دراسة ميدانية مقارنة بمحافظة سوهاج، رسالة ماجستير، إشراف أبو كريشة، عبد الرحيم، مصر، جامعة جنوب الوادي.

مهداوي، حسين (2010)، دراسة نقدية للتعديلات الواردة على قانون الأسرة في مسائل الزواج وآثاره، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في قانون الأسرة، إشراف: تشوار جيلالي، جامعة تلمسان.

Adel, F. (1990), Formation du lien conjugal et nouveaux modèles familiaux en Algérie, Tome 01, thèse de doctorat d’état en sociologie, université Paris 5, sous la direction de Louis Roussel.

Ben Cheneb M. (2012), Mots Turks et Persans conservés dans le parler Algérien, thèse complémentaire en vue du doctorat en lettres, faculté des lettres, 1922, Université d’Alger.

Sellahi, F.-Z. (2007), Le vécu de la ménopause chez la femme Algérienne, thèse de doctorat d'état en psychologie clinique, Université Mentouri de Constantine, sous la direction de Sellahi, Ali.

Von Allmen, J. D.-M. (1985), Mariage et famille : l'évolution des structures familiales en Algérie, thèse de 3ème cycle, Paris.

Zebiri, A. (2007), Recueil, traduction et analyse sémio-narrative d'un corpus de productions orales constantinoises : « les proverbes », magistère en langue et littérature françaises. Option : Littérature francophone et inter culturalité, sous la direction de Kamel Abdou, université Mentouri de Constantine.


الهوامش

 [1]المستوحى من العمل المنجز في اطار التحضير لأطروحة دكتوراه علوم والموسومة بـ: مقاربة أنثربولوجية لظاهرة عزوبة النساء بقسنطينة مسجلة بجامعة وهران 2، تحت إشراف د. نورية بن غبريط رمعون.

[2] قسنطينة مدينة بالشرق الجزائري، تتشكل ولاية قسنطينة من (06) دوائر و(12) بلدية موزعة على مساحة 2297,20كلم2 ، قدر العدد الإجمالي لسكان المدينة البالغين 15 سنة فما فوق عام 2008 بـ 697  479 نسمة منهم: 350 054 نساء و347 424 رجال، أما العدد الإجمالي للأشخاص الغير المتزوجين فقد بلغ 318 828 منهم 145 693 من الإناث و173 134من الذكور.  

 [3]تجدر الاشارة أنه يوجد باللغة الفرنسية مصطلحي« vielle fille » و « vieux garçon » للتعبير على تجاوز سن الزواج لدى الجنسين، وهي عبارات برزت خلال القرن الثامن عشر حسب مقال لإيفون كنيبيلير Yvonne Knibiehler قدمت فيه عرضا تاريخيا لتطور العزوبة عبر الأزمنة انطلاقا من الفترات اليونانية واللاتينية. هذه العبارات تؤكد أن العزوبية عند الرجال والعزوبية عند النساء لم تكن محبذة بل ومنبوذة.

Voir : Knibiehler, Y. (1990), « le célibat. Approche historique », in Singly, (De). (dir.), La famille. L’état des savoirs, François, Paris, éd. La découverte, p. 75-82.

[4] ابن منظور، محمد بن مكرم الافريقي المصري جمال الدين أبو الفضل (1993)،لسان العرب، بيروت، دار صادر، ط03، المجلد الأول، مادة (عزب)، ص. 596.

[5] Blanc, M. (1960), Initiation aux problèmes familiaux. Population, famille, éducation, Lyon, éd. de la chronique sociale de France, p .146.

[6] ابن منظور، المرجع السّابق، المجلد السادس، مادة (عنس)، ص. 149.

[7] المرجع نفسه، ص. 149.

[8] الفيروز، آبادي، مجد الدين، محمد بن يعقوب (2005)، القاموس المحيط، مؤسسة شر والتوزيع، ط08، بيروت، ص. 560.

[9] قزع، هدى (2011)، "صورة العانس في الأدب العربي والغربي" في:https://almsbah77.wordpress.com/2015/03/06.

[10] ابن منظور، المرجع السّابق، ص. 149.

[11] هدى، قزع، المرجع السّابق.

[12] محمد أحمد محمد، همت (2004)، التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وأثرها على تأخر سن الزواج. دراسة ميدانية مقارنة بمحافظة سوهاج، رسالة ماجستير، إشراف أبو كريشة، عبد الرحيم، مصر، جامعة جنوب الوادي، ص. 189.

[13] العراقي، بثينة (2008)، العنوسة، مخاطر وأسرار، الجزائر، دار الرشيد للطبع والنشر والتوزيع، ألفا للنشر والتوزيع، ص. 10.

[14] المرجع نفسه.

[15] عرفات، فضيلة (2009)، ظاهرة تأخير سن الزواج (العنوسة) في المجتمع العراقي، مركز نور للدراسات.

[16] البنا، محمد عبد اللطيف محمود، العنوسة والغلاء. دراسة في الأحكام الشرعية والقيم الأخلاقية في:islamonlne.net.

[17] مصطلح نساء وحيدات ليس مقتصرا على العازبات وإنما يضم المطلقات المنفصلات والأرامل وكل امرأة تعيش وحدها.

[18] Dubois, F.-R. (2013), Geneviève Guilpain, « Les Célibataires, des femmes singulières: le célibat féminin en France (XVIIe-XXIe siècles) », in Lectures [En ligne], Les comptes rendus. URL : http://lectures.revues.org/11048.

[19] Flahault, E. (2009), Une vie à soi. Nouvelles formes de solitude au féminin, p. 121-143.

[20] Mathieu, S. (1970), Le Célibat féminin : de l'image à la réalité, France, éd. Maison Mame.

[21] Beauvoir (de), S. (1990), Le deuxième sexe, tome II, L'expérience vécue, Paris, éd. du club France Loisirs, p. 81.

[22] Flahault, E., op.cit., p. 121-143.

[23] Guilpain, G. (2013), Les Célibataires, des femmes singulières. Le célibat féminin en France (XVIIe-XXIe siècle), Paris, éd. l'Harmattan, Coll. Questions contemporaines, Questions de genre, p. 170.

[24] Kaufmann, J.-C. (1999), la femme seule et le prince charmant, Enquête sur la vie en solo, éd. Nathan, p. 13.

 [25]بوروبي، شمس الدين (1998)، تأنيس العوانس، من رسائل: الإسلام والمجتمع، ط1، الجزائر، دلائل الخيرات للصوتيات والمرئيات.

[26] Hayef, I. (1993), « Le célibat des femmes en Algérie », in Colonna, F., Daoud, Z. (dir.), Être marginal au Maghreb, Paris, CNRS, p. 215-257.

Ouadah-Bedidi, Z. (2005), « Avoir 30 ans et être encore célibataire : une catégorie émergente en Algérie », in Autrepart, no 34 [25 page(s), éd. de l'Aube, La Tour d'Aigues, France.

[27] Hammadi, S. (2006), « Les Algériennes se marient au-delà de 32 ans », AFP, in le quotidien Liberté, 23 décembre.

 [28]ينظر: كحالة، عمر رضا (1985)، الزواج، سلسلة بحوث اجتماعية، الجزء الأول، بيروت، مؤسسة الرسالة. الترمانيني، عبد السلام (1984)، الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام، الكويت، بيروت، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب..

Levi-Strauss, C. (2002), Les structures élémentaires de la parenté, 2ème éd. Mouton de Gruyter.

[29] شنافي، فوزية، وفرفار، سامي (2010)، "تأخر سن الزواج في الجزائر أسبابه ونتائجه"، المعيار عدد 22: عدد خاص حول الملتقى الوطني: ظاهرة تأخر سن زواج الشباب الجزائري. عواملها، تأثيراتها، حلولها، الجزء الأول، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الاسلامية، قسنطينة، ص. 480.

[30] مهداوي، حسين (2010)،دراسة نقدية للتعديلات الواردة على قانون الأسرة في مسائل الزواج وآثاره، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في قانون الأسرة، إشراف: تشوار جيلالي، جامعة تلمسان، ص. 19.

[31] لفظ جزائري يعني السب والشتم، وهنا تكون حالة العازبة موضوعًا لذلك.

[32] Adel, F. (1990), Formation du lien conjugal et nouveaux modèles familiaux en Algérie, Tome 1, thèse de doctorat d’état en sociologie, université Paris 5, sous la direction de Louis Roussel, p. 02.

[33] Giraud, C. (19 mars 2015), « Un appartement à soi, À propos de : Eric Klinenberg, Going solo. The extraordinary rise and surprising appeal of living alone », The Penguin Press, in: www.laviedesidees.fr/Un-appartement-a-soi.html

[34] العراقي، بثينة (2008)، المرجع السّابق، ص. 12.

[35] Carmignani, S. (2003), « Les femmes célibataires de Gangi, ou quand la marge côtoie la norme », in ethnographiques.org, n° 03.

[36] Guevorkian, L. (2014), « Les termes du langage à propos du célibat: marqueurs « genrés » dans la construction de l’âge social défini pour le mariage : étude comparée au Maroc et en Arménie ». Communication présentée au: trajectoires et âges de la vie, XVIIIème Colloque international de l’Aidelf, Département des Sciences Politiques, Université de Bari « Aldo Moro », Italie, 26-29 mai 2014.

[37] العواتق (ج): في اللغة العربية فَتَاةٌ عَاتِقٌ فِي أَوَّلِ إِدْرَاكِهَا.

كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم "يخرج العواتق وذوات الخدور والحيّض"، ]البخاري- حج 81[ والعواتق: جمع عاتق، وهي المرأة التي قد قرب حيضها أو حاضت أول الحيض، وقيل: العواتق: الأبكار، وذوات الخدور: المخبآت اللاتي بلغن فاتخذ لهن الخدور ولزمنها.

والخدر: الستر ]المغني لابن باطيش ص. 163، 164[، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، http://www.al-eman.com/

[38] « Célibataire et après!! ».

[39] Voir :Bourdieu, P. (1972), Esquisse d’une théorie de la pratique, précède de trois études d’ethnologie kabyle, Genève, éd. Droz.

Bourdieu, P. (1998), La domination masculine, suivie de quelques questions sur le mouvement gay et lesbien, éd. du seuil. 

Virolle, M. (2001), Rituels Algériens, éd. Karthala.

Bozon, M. (2009), Sociologie de la sexualité, 2eme éd. Paris, Armand Colin.

Héritier, F. (1996), Masculin féminin I. La pensée de la différence, Paris, Odile Jacob.

[40] قال الله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور" [فاطر: 29].

[41] Voir le travail de Guevorkian, L., op.cit.  

[42] Carmignani, S., op.cit.  

 [43]تم محاربة العزوبة في أروبا "في القرن 18 وخاصة عزوبة النساء لأنها كانت تشكل تهديدا على نسبة المواليد".

Guilpain, G., op.cit., p. 173.

[44] Bette, P., Gonzalez-Quijano, L. (2015), « De la femme seule aux femmes sans mari », Genre & Histoire,

[En ligne], 16| Automne. URL: http://genrehistoire.revues.org/2225

[45] Singly (De), F, (dir.), (1991), La Famille : l’état des savoirs, Paris, La Découverte.

[46] « De la femme seule » aux femmes sans mari », op.cit.

[47] Idem.

[48] Naamane-Guessous, S. (2000), Printemps et automne sexuels : puberté, ménopause, andropause au Maroc, éd. dif, p. 274-275.

[49] Sellahi, F.-Z. (2007), Le vécu de la ménopause chez la femme Algérienne, Thèse de doctorat d'état en psychologie clinique, Univesrité Mentouri de Constantine, sous la Direction de Sellahi, Ali, p. 249.

[50] Naamane-Guessous, S., op.cit., p. 198.

[51] Ibid., p. 202-203.

[52] Idem.

[53] Idem.

[54] Bessin, M., Levilain, H., Regnier-Loilier, A. (2005), « La parentalité tardive, Logiques biographiques et pratiques éducatives », École des Hautes Études en Sciences Sociales (CNRS-CEMS) Université de Metz (ERASE) INED, Avril 2005, DOSSIER D’ETUDE
n° 67, p. 5.

 [55]هلال، منى (2003)، "العنوسة"، معابر في: http://www.maaber.org/issue_october03/lookout3.htm

[56] عقيل، ملاك (13-07-2012)، عازبون "حتى إشعار آخر"...لا تخيفهم الوحدة" في:www.lebanonfiles.com/news/408862?fb_comment_id=10151095768910993_24204835#f3fe086f7d49778

[57] Von Allmen, J.-D.-M. (1985), Mariage et famille : l'évolution des structures familiales en Algérie, thèse de 3ème cycle, Paris, p. 28.

[58] Père ou ermite, c'est bien en rapport avec les moines chastes et leur célibatباباس  et،باباص  pl.  ،اتbabbâs, bâbbas. Prêtre chrétien, curé, voir:

Ben Cheneb, M. (2012), Mots Turks et Persans conservés dans le parler Algérien, thèse complémentaire en vue du doctorat en lettres, faculté des lettres, Université d’Alger, p. 14.

pâpâs, pâppâs et poappâs fém., pl. dk.p. 27

[59]،زبنطوط  zbentôt, célibataire ; t. ازباندي izbandit et ازبانديد izbandid « home d'une stature grande et athlétique », qui semble venir de l'ital. sbanditto « banni, exile ». Cf. Dozy, suppl. I, 580; w. Marçaisobserv., p. 436. On peut songer aussi à l'ar.class. « vigoureux, robuste». Ben Cheneb, M., op.cit., p. 45.

 [60]ايريتييه، فرانسواز (2003)، ذكورة وأنوثة، فكرة الاختلاف، ترجمة: كاميليا صبحي، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، ص. 229.

[61] Kaufmann, J.-C., op.cit., p. 12.

[62] Zebiri, A. (2007), Recueil, traduction et analyse semio-narrative d'un corpus de productions orales constantinoises : « les proverbes », Magistère en langue et littérature françaises. Option : Littérature francophone et interculturalité, sous la direction de Kamel Abdou, Université Mentouri, Constantine, p. 111.

[63] Ibid.

 [64]فالق، سمية (2005)، المثل الشعبي في منطقة الأوراس. جمع وتصنيف ودراسة في الوظيفة والتشكيل الفني، مذكرة ماجستير في الأدب الشعبي، إشراف العربي دحو، جامعة منتوري قسنطينة، ص. 101 .

 [65]المرجع نفسه.

 [66]المرجع نفسه.

 [67]المرجع نفسه، ص. 102.

 [68]المرجع نفسه.

 [69]دوبار، كلود (2008)، أزمة الهويات، تفسير تحول، ترجمة رندة البعث، ط1، بيروت، لبنان، المكتبة الشرقية، ص. 118.

 [70]المرجع نفسه.

 

 

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche